القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 88
يا أسمُ إنّ صْبابتي
يا أسمُ إنّ صْبابتي / بك لو أويتِ لها طويلَهْ
وأخذتِنِي بذنوبِ شي / بٍ لم تكنْ لي فيه حِيلَهْ
نزلتْ شَواتي وَخْطَةٌ / منه أحاذرها نزيلَهْ
وقضى الشّبابُ وسيلتي / فالآن ما لِي من وسيلَهْ
لكِ مِنَّةٌ يوم الفرا / قِ وقد وقفتِ لنا ثَقيلَهْ
وأسَوْتِ بالتّوديع في / يوم النّوى نفساً عليلهْ
وأنلْتِ منك عطيّةً / ما كنتِ قبلُ لها مُنيلَهْ
هي عند مَن حَمَل الغرا / مَ كثيرةٌ وهي القليلَهْ
قلْ لقومٍ ما لكمْ في
قلْ لقومٍ ما لكمْ في / ما قضى الرّحمن حِيلَهْ
كانتِ النّياتُ منكمْ / كلُّها غيرَ جَميلَهْ
رمتُمُ الغِيلةَ والمُغْ / تالُ من يذهب غِيلَهْ
ومودَّاتٌ لكمْ ما / تتْ وقد كانت عليلَهْ
ربّ من يرجع بالنّق / صِ وقد أمَّ الفضيلَهْ
لم تكنْ دولتُكمْ إل / لا كما نهوى فَلِيلَهْ
فخذوها حسرةً تَبْ / قى على الدّهر طويلَهْ
لمُرَدّيكمْ وشيكاً / مِنّةٌ فينا جزيلَهْ
ما ضربتمْ يومَ جدّلْ / تُمْ بأسيافٍ كَليلَهْ
لا ولا جادتْ عليكمْ / بالرّدى كفٌّ بخيلَهْ
لك اللّيلَ بعد الذّاهبين طويلا
لك اللّيلَ بعد الذّاهبين طويلا / ووفدَ همومٍ لم يردن رحيلا
ودمعٍ إذا حبّستَه عن سبيله / يعود هتوناً في الجفون هَطولا
فيا ليت أسرابَ الدموع الّتي جرتْ / أسَوْن كليماً أو شفين غليلا
أُخال صحيحاً كلّ يومٍ وليلةٍ / ويأبى الجوى ألّا أكون عليلا
كأنّي وما أحببتُ أهوى مُمَنَّعاً / وأَرجو ضَنيناً بالوصالِ بخيلا
فَقُل للّذي يبكي نُؤَيّاً ودِمْنَةً / ويندب رسماً بالعراءِ مَحيلا
عداني دمٌ لِي طُلّ بالطفِّ إنْ أُرى / شجيّاً أُبكِّي أرْبُعاً وطلولاً
مصابٌ إذا قابلتُ بالصّبرِ غَرْبَه / وجدتُ كثيري في العزاءِ قليلا
ورُزءٌ حملتُ الثِّقْلَ منه كأنّني / مدى الدّهر لم أحملْ سواه ثقيلا
وجَدتمْ عُداةَ الدّين بعد محمّدٍ / إلى كَلْمِه في الأقربين سبيلا
كأنّكُمُ لم تنزعوا بمكانه / خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا
وأَيُّكُمُ ما عزّ فينا بدينه / وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا
فقل لبني حَربٍ وآلِ أُميَّةٍ / إذا كنتَ ترضى أن تكون قؤولا
سَللتُمْ على آلِ النبيّ سيوفَه / مُلِئْنَ ثُلوماً في الطّلى وفلولا
وقُدْتُمْ إلى مَن قادكمْ من ضلالكمْ / فأخرجكمْ من وادييه خيولا
وَلم تَغدروا إلّا بِمَن كانَ جدُّهُ / إليكمْ لتَحْظَوْا بالنّجاةِ رسولا
وترضون ضدَّ الحزم إن كان ملككُمْ / بَدِيناً وديناً دنتموه هزيلا
نساءُ رسولِ اللَّه عُقْرَ دياركمْ / يرجّعن منكمْ لوعةً وعويلا
لهنّ ببَوْغاءِ الطّفوف أعزّةٌ / سُقوا الموتَ صِرْفاً صبيةً وكهولا
كأنّهُمُ نُوّارُ روضٍ هَوَتْ به / رياحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا
وَأَنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً / لأعيننا حتّى هبطن أُفولا
فأيُّ بدورٍ ما مُحين بكاسفٍ / وأيُّ غصونٍ ما لقين ذبولا
أَمِن بعد أَن أَعطَيتموه عهودَكمْ / خفافاً إلى تلك العهود عُجولا
رجعتمْ عن القصد المبين تناكصاً / وحُلتمْ عن الحقّ المنير حُؤولا
وقعقعتُمُ أبوابَه تختِلونَه / ومَن لم يردْ خَتْلاً أصاب خُتولا
فما زلتمُ حتّى أجاب نداءكمْ / وأيُّ كريمٍ لا يجيب سَؤولا
فلمّا دنا ألفْاكُمُ في كتائبٍ / تطاوَلْن أقطار السّباسب طولا
متى تك منها حَجْزَةٌ أو كحجزةٍ / سمعتَ رُغاءً مضعفاً وصهيلا
فَلَم يُرَ إلّا ناكثاً أو مُنكّباً / وإلّا قَطوعاً للذّمامِ حَلولا
وإلّا قَعوداً عن لِمامٍ بنَصْرِهِ / وإلّا جَبوهاً بالرّدى وخذولا
وضِغْنَ شغافٍ هبّ بعد رقاده / وأفئدةً ملأى يَفِضْنَ ذُحولا
وبيضاً رقيقاتِ الشّفار صقيلةً / وسمراً طويلاتِ المتون عُسولا
ولا أنتمُ أفرجتُمُ عن طريقه / إليكمْ ولا لمّا أراد قُفولا
عزيزٌ على الثّاوي بطَيْبَةَ أَعْظُمٌ / نُبِذْنَ على أرض الطُّفوف شُكولا
وكلُّ كريمٍ لا يلمّ برِيبةٍ / فإنْ سِيم قولَ الفحش قال جميلا
يذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا الش / شهادةَ من ماءِ الفرات بديلا
رمُوا بالرّدى من حيث لا يحذرونه / وغُرّوا وكم غَرّ الغُفولُ غَفولا
أيا يوم عاشوراء كم من فجيعةٍ / عل الغُرّ آلِ اللّه كنتَ نَزولا
دخلتَ على أبياتهمْ بمصابهمْ / ألا بئسما ذاك الدّخول دُخولا
نزعتَ شهيدَ اللّه منّا وإنّما / نزعتَ يميناً أو قعطتَ قليلا
قتيلاً وجدنا بعده دينَ أحمدٍ / فقيداً وعزَّ المسلمين قتيلا
فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربُّه / برَجْعِ الّذي نازعتموه كفيلا
أحبّكُمُ آلَ النبيّ ولا أرى / وَإنْ عذلوني عن هواي عديلا
وقلت لمن يُلحي عن شَغَفي بكم / وكم غيرِ ذي نصحٍ يكون عذولا
روَيْدَكُمُ لا تنحلوني ضلالَكمْ / فلن تُرحِلوا منّي الغَداةَ ذَلولا
عليكم سلامُ اللَّه عيشاً وميتَةً / وسَفْراً تطيعون النّوى وحلولا
فما زاغ قلبي عن هواكم وأخمصي / فلا زلّ عمّا ترتضون زليلا
جلب البرقُ لقلبي
جلب البرقُ لقلبي / إذ سرى بَرْحاً طويلا
سَلّ لِلعَينين في جُنْ / ح الدُّجى سيفاً صقيلا
وهداني في سُرى اللّي / لِ وقد جُرتُ السّبيلا
وأراني من بعيدٍ / ذلك الحيَّ الحُلولا
وخياماً حلهنّ ال / حسنُ صَعْباً وذَلولا
لم أزلْ أسأل فيهن / نَ على الفقر بخيلا
وعزيزاً صرتُ في الحب / بِ له عبداً ذليلا
كلّما اِستبدل منّي / لم أردْ منه بديلا
إنّا نُعلّلُ كلّنا بمحالِ
إنّا نُعلّلُ كلّنا بمحالِ / ونُغَرُّ بالغدوات والآصالِ
وكأنّنا نرعى القَواءَ من الطَّوى / أبداً ونكرع من ظماً في آلِ
يهوى الفتى طول البقاء ودونه / وَلَعُ الرّدى وتعرّضُ الآجالِ
وتقوده آمالُه ووراءَها / قَدَرٌ يحطّم غَرْبَةَ الآمالِ
والمرءُ بين مصيبةٍ في النفس أو / في الأهل أو في الحال أو في المالِ
ولئنْ عفتْ عنه الحوادث إنّه / رهنٌ لبعض تقلّبِ الأحوالِ
وسجيّةٌ للدّهر في أبنائِهِ / إِلحاقُ كلِّ مؤثَّلٍ بزوالِ
للَّه مُفتَقَدٌ تحيّف فقدُهُ / من جانبيَّ وحزّ في أوصالِي
وأصمّ ناعيه الغداة مسامعي / ورمى سوادَ جوانحي بخَبالِ
وأزارني وفدَ الهموم يسمْنَنِي / شَطَطَ المُنى فينلْن كلَّ مَنالِ
وأباتَنِي قَلِقَ الوساد كأنّني اِس / تَبْطَنْتُ للجنبين شوكَ سَيالِ
يبدو غَرامي والتّجلّدُ مقصدي / ويُجيبني دمعي بغير سؤالِ
ومتى طلبتُ الصّبر عنه وجدتُه / في حَيِّزِ الإعوازِ والإقلالِ
يا نازحاً غدرتْ به غدّارةٌ / لا يُتَّقَى مكروهها بنزالِ
طالتْ به أيدي الخطوب ورُزؤُه / أبقى ذُرا العلياء غير طوالِ
رَفَعوا جَوانب نعشه فكأنّما / رفعوا به جبلاً من الأجبالِ
وطوَوْا عليه صفائحاً ما نُضِّدَتْ / إلّا على الإنعامِ والإفضالِ
وأرَوْه غيرَ مضاجعٍ لدنيّةٍ / ونَعَوْه غيرَ مدنَّسِ الأذيالِ
وتصدّعوا عن جانبيه وإنّه / عَطَنُ الوفودِ ومجمعُ الأقوالِ
مَنْ للذّمارِ إذا الفحولُ تهادَرَتْ / وخلطن بين تخبّطٍ وصِيالِ
مَنْ للوفود تصامتوا عن حجّةٍ / مَنْ للخصومِ تفارغوا لجدالِ
مَنْ للضّرِيك إذا غدا في أزْمَةٍ / صِفْرَ اليدين وراح بالأموالِ
مَنْ للجيوش يقودها فيُعيدها / محفوفةً بالسَّبْىِ والأنفالِ
مَنْ للخيولِ يُثيرها مِقْوَرَّةً / مثلَ الدَّبى هاجَتْهُ ريحُ شمالِ
مَنْ للقَنا يروي صدورَ صِعاده / في كلِّ رَوْعٍ من دمِ الأبطالِ
مَنْ للسّيوف يفلّ حدَّ شفارها / بالضّربِ بين كواهلٍ وقِلالِ
كشفتْ بطونُ الأرضِ شمس ظهورها / واِستَضجعتْ جوّاً لها في جالِ
هيهات ضلّ عن القضاءِ وصرفِهِ / كيدُ الشّجاعِ وحيلةُ المحتالِ
أَأبا عليٍّ لن تُراعَ بمثلها / فاِصبِرْ لها ولَصَبْرُ غيرك غالِ
يا حاملَ الأثقالِ ما حُمّلْتَه / ثِقلٌ وليس كسائر الأثقالِ
فذُدِ الدّموع عن الجفون وطالما / جمدتْ فلم تقطرْ على الأهوالِ
ومتى طوى عنك السُّلوُّ سبيلَه / فاِلبَسْ لمن يلقاك ثوبَ السّالي
وتعزَّ عمّنْ لا يعزّي بعدهُ / إلّا مكارمُ أُبقيتْ ومعالي
رضينا من عِدانِك بالمِطالِ
رضينا من عِدانِك بالمِطالِ / ومن جَدواكِ بالوعد المحالِ
وأَقنعنا هواك وقد ظمئنا / إلى وِرْدِ الزّلالِ بكلِّ آلِ
وأنسانا دوامُ الهجر منكمْ / وطولُ النّأي أيّامَ الوِصالِ
وكنتِ الزَّوْرَ يطرقني مساءً / وإنْ منع الضّحى فإلى ظِلالي
إلى أن صدّكِ الواشون عنّا / فما نُزدارُ إلّا في الخَيالِ
إِلى كَم تَطلُبين وليس عندي / على الأيّامِ عذراً في الملالِ
وأشقى النّاسِ مَن يُضحى ويُمسي / يبالي في الهوى مَن لا يبالي
وبِيضٍ راعهنَّ البيضُ منّي / فقطّعْنَ العلائق من حبالي
جَعلنَ الذّنبَ لي حتّى كأنّي / جنيتُ أذى المشيب على جمالي
وَليسَ الشّيبُ من جهتي فأُلحى / ولا ردُّ الشّبيبةِ في اِحتِيالي
وما أنسى عشيّةَ يومِ جَمْعٍ / ونحن نضمّ منتشرَ الرّحالِ
وإذْ أُدْمُ المطيِّ معقّلاتٌ / على وادي مِنىً بيد الكلالِ
نساءٌ من بني ثُعَلِ بن عمروٍ / يصبن هناك أفئدةَ الرّجالِ
خرجن إلى المحَصَّبِ سافراتٍ / وجيدُ اللّيلِ بالجوزاء حالي
يَمِسْنَ بمَسْقَطِ الجَمَراتِ فينا / كما روّعْتَ حيّاتِ الرّمالِ
فحيّاهنّ ربُّ البيتِ عنّا / وأيّاماً بهنّ بلا ليالِ
سَقى اللَّهُ المنَقّى من محلٍّ / وما يحويه من سَلَمٍ وضالِ
وكم لي فيه من زمنٍ قصيرٍ / بمن أهوى وساعاتٍ طِوالِ
وأقوامٍ جَرَوا في كلّ فصلٍ / بلا لُجُمٍ إلى عالي الكمالِ
بأفئدةٍ إذا اِحتَربوا رِزانٍ / وأيمانٍ وأقدامٍ عجالِ
وَأَغلوا في ندىً ووغىً جميعاً / وما غبنوا بأثمان المعالي
بدورٌ إنْ سريتَ بهمْ هُدُوّاً / ففي يدك الأمانُ من الضّلالِ
تُناط حمائلُ الأسيافِ منهمْ / بعاتقِ كلّ ممتدٍّ طوالِ
هُمُ منعوا من المكروه سِرْبي / وساقوا الأمنَ يَرتع في رحالي
وأعدَوْني وكلُّ اليأسِ عندي / بنصرِهِمُ على نُوَبِ اللّيالي
كأنّي فيهمُ من ذي حِفاظٍ / يُلاطم عنك خِرصانَ العوالي
تهيب به حفيظتُه فينزو / كما تنزو السّهامُ بكلّ غالِ
ومولىً عَلَّني طَرْقاً أُجاجاً / بِما أَسقيهِ مِن عذبٍ زلالِ
هِدانٌ لا يريد السِّلْمَ إلّا / إذا ما كان يجبن عن قتالي
أرى في وجهه ماءَ التّصافي / وفي أحشائه نار التّقالي
يساميني فتُعليني عليه / أهاضيبُ الرّواسخِ من جبالي
فقل لمُسوّفٍ ببلوغِ شَأْوي / ويمناه تقصّر عن منالي
أَبِنْ لي أين قَطْرُك من سيولي / وأين حضيض أرضك من قِلالي
وكيف يُعدّ بي مَنْ ليس فيه / لباغي المجد شيءٌ مِن خِلالي
تَضِنُّ يمينُهُ بالنَّزْر منها / وأسخو للعُفاةِ بكلّ مالي
وليس لوعده أبداً نجاحٌ / ويسبق موعدي أبداً نوالي
ألم تَرَ أنّني أحذو قديمي / وأحذو إنْ حذوت على مثالي
وأدَّرعُ الدّجى واللّيلُ خافٍ / وأركب غاربَ الخَطْبِ الجَلالِ
وَأَكشفُ باطنَ الأمرِ المعمّى / وأطلعُ في الدَّءادي كالهلالِ
بعِرضٍ لا أجود به مصونٍ / ومالٍ لا أضنُّ به مُذالِ
سلِ الأبطالَ عنّي يومَ سَلْعٍ / وسيلُ الموتِ مُنحلُّ العَزالي
إذا عُقِد الغُبارُ الجونُ ليلاً / ترى فيه الأسنّة كالذُّبالِ
وقد ألقى التّضاغطُ كلَّ رمحٍ / فَليسَ الطّعنُ إلّا بالنّصالِ
أَلستُ هناك أسبقهم بِضَربٍ / وَأَشفاهم لذي الدّاءِ العُضالِ
أَعِد نظراً لعلّك أن تراها / مُنَشَّرَةَ النّواصي كالسَّعالي
تخال بها وقدرُ الحربِ تغلي / من النَّزوانِ مسّاً من خبالِ
وَإِنّ جلودها تهمي نجيعاً / طلاها اليومَ بالقَطِرانِ طالي
وفوق طهورهنّ بنو المنايا / إذا لاقوْا وأبناءُ القتالِ
فيقضي نَحْبه قلبٌ مُعَنّىً / أضرَّ به أفانينُ المِطالِ
ما الحبُّ إلّا موئلُ المتعلّلِ
ما الحبُّ إلّا موئلُ المتعلّلِ / وبراعةُ اللّاحي وطولُ العُذَّلِ
خُدَعٌ إِذا اِصطَلتِ النّفوسُ بنارها / لم تبقَ فيها مُسكَةُ المُتَجمِّلِ
عُدْ بالسُّلُوِّ على الغَرامِ فإنّه / أَمَدُ المشوقِ وعزّة المتذلّلِ
للَّه قلبٌ ما اِطمأنّ به الهوى / إِلّا تلوُّمَ مُزمِعٍ متحمِّلِ
لا تحسبَنْ ودّي لأوّلِ راغبٍ / طوعَ العيونِ ونُهزَةَ المتعجّلِ
فلَطالما أعرضتُ عن وجه الهوى / وثنيتُ عن جهة الغواني كلْكَلي
أمّا وقد صبغ المشيبُ ذوائبي / للنّاظرين فلاتَ حين تغزّلِ
وأزال من خطر المشيب توجّعي / علمي بأنْ ليس الشّبابُ بمَعْقِلي
فَلِئن جَزعت فكلُّ شىءٍ مجزعي / ولئنْ أمنتُ فشيمةُ المسترسلِ
حسبُ الفتى زمنٌ يقرّب صرفُهُ / ما بين كلّ إقامةٍ وترحّلِ
ممّا يُعِلّ الحزمَ إنْ لم يُرْدِهِ / ظفرُ المقيمِ وخيبةُ المتوغّلِ
جَهْدُ العليمِ كعفو آخرِ جاهلٍ / والنُّجْحُ للسّاعي له والمُؤْتَلِي
حتّى مَ تأنسُ بالحوادثِ همّتي / والدّهرُ يوحش ظِنّة المتأمّلِ
أُلقي على الأيّامِ وطأةَ حازمٍ / متكشّفِ الأعضاء خافي المقتَلِ
ومتى قدرتُ على الزّمان بسطوةٍ / فعلى أميرِ المؤمنين توكّلي
بالطّائع اِطّادَتْ مذاهبُ أُمّةٍ / فَوْضى على سُنَنِ النبيّ المرسلِ
نال الخلافةَ وهي أبعدُ مرتقىً / وأقام فيها وهي أكرمُ منزلِ
كملتْ أداةُ المجد فيه وربّما / كَملَت رياسةُ مُخدَجٍ لم يكمُلِ
شِيَمٌ تَبَلّجُ للعيون وتنثني / طُرُقاتُها تدجو على المُتَقَيِّلِ
متفاوتُ الطَّعْمينِ أَريٌ في فم ال / عافي وللباغي نقيعُ الحنظلِ
كرمٌ تبوّأ في ظِلالِ شراسةٍ / كالماء يرتع في فقار المُنْصُلِ
وإذا تسرّع في بدايةِ عزمِهِ / أخزى بهنّ رَوِيَّةَ المتمهِّلِ
ماضٍ كحدِّ السّيفِ إلّا أنّه / لم تَثنِ جُرْأَتَه جَزالةُ مَفْصِلِ
إنْ همّ لم تَعُقِ الهُوَيْنَى هَمَّه / كالسّيلِ يُلحِق محزناً بالمُسهِلِ
وَكَلوا إليه عُرا الأمور وإنّما / وَكَلوا السَّماحَ إلى العمامِ المُسبِلِ
عاذوا بمنخرقِ اليمين مضاؤه / يكفي العُفاة ذريعةَ المتوسّلِ
فإذا سَرَوْا فَسَناهُ أشرقُ كوكبٍ / وإذا صَدَوْا فنداه أعذبُ منهلِ
غيرانُ يدفع عن قرارةِ دينهمْ / دَفْعَ الأسودِ عن العرينِ المُشبِلِ
متسرّعٌ للطّالبين إلى الجدا / ثَبْتُ المقامةِ في المقامِ الأهولِ
وإذا سألتَ فلم تُغالِ ولم تُخَبْ / وَإن اِشتططّتَ أخذتَ ما لم تسألِ
نأتِ الظّنون فليس يهجس لاِمرئٍ / فَطِنٍ من المعروفِ ما لم يفعلِ
وإذا تزاحمتِ الهموم بصدره / جلّى غَيابتها بهمّةِ فَيصلِ
قَلِقُ البصيرةِ إنْ سَرَتْ أفكارُه / ظفرتْ بما خَلْفِ القضاءِ المُسدَلِ
سامى البنيّةِ في المكارمِ أُسكنتْ / منه الخلافةُ في مُعِمٍّ مُخْولِ
كم قد تجاذبها الرّجالُ فلم تَنُخْ / إلّا على البيت الأعزّ الأطولِ
لبّتْ نداءَكُم وكم من هاتفٍ / ما سوّغَتْه إصاخة المُتَقَبِّلِ
أفضت إلى الكَنَف الخصيب فطالما / كانتْ تَقَلَّبُ في الخَبارِ المُمحلِ
لم تلتئم بأكفّكْم حتّى رأتْ / تصديعكمْ فيها رؤوس الزُّمَّلِ
يفديك مَن شَرِقتْ بمجدك نفسُه / شَرَقَ المَذانِبِ بالعوادي الهُطَّلِ
رَوِيَتْ بفيض نَوالك الخضل النّدي / فتبوّعَتْ في بِشْرِك المتهلّلِ
ولقد بلوك على الزّمان فصادفوا / عَضْباً غنيّاً عن يمين الصَّيْقَلِ
لا يبعد اللَّه اِنصِلاتك للعِدا / عَجِلاً تُدَهْدِه جَحْفَلاً في جحفلِ
متوقّداً في هَبوتي ذاك الدّجى / متهجّماً في ضيقِ ذاك المَدخَلِ
إذْ لا جريء البأسِ إلّا مُحجمٌ / حيرانُ يخبط حَيْرةً بتأمّلُ
ولكَمْ رميتَ أخا مروقٍ هزّه / أَشَرُ الجماحِ بعزمةٍ كالمِسْحَلِ
لا تستقلّ بماضِغَيْه فتنكفي / إِلّا وغاربُه ضَجيعَ الجندلِ
أَمُساورِي الأضغانِ هل من غايةٍ / ما طالها أم فاضلٍ لم يفضُلِ
لا تُحرجوه بالعقوقِ فتأخذوا / من سخطه بزمام أمرٍ مُعضلِ
ملّاكُمُ البالَ الرّخيَّ وكنتُمُ / ثاوين بين تَلَدُّدٍ وتَقَلْقُلِ
أطغاكُمُ خَفضُ الأناةِ ودونها / نِقَمٌ تعدّل جانبَ المُتَزَيِّلِ
ما غرّكمْ إلّا تغاضي خادرٍ / متيقّظِ العزمات عادي الأنصُلِ
إِنْ يغتفرْ لا ينتقمْ أو ينتقمْ / لا يَصطلمْ أو يصطلمْ لا يَنكُلِ
خلّوا السّبيلَ لشمسِ كلِّ دُجُنَّةٍ / كَثُفتْ وموضحِ كلِّ خطبٍ مُشِكلِ
يا كالئَ الإسلامِ ممّن رامه / ومقيمَ أحكامِ الكتاب المُنزَلِ
أقصى مرادى أنْ أراك وإنّها / أُمنيّةٌ حسبي بها لمؤمّلِ
تتساقط الحاجات عند بلوغها / عن كلّ قلبٍ بالعَلاءِ موكَّلِ
هل لِي إلى الوجه المحجَّبِ نظرةٌ / ترمي بصِيتي فوق ظهر الشَّمْأَلِ
أجْلو بها صدأ الشّكوكِ إذا اِعتَرتْ / دوني وأسكن ظلّها في المحفِلِ
أُثِني وما هذا الثّناء لمجتَدٍ / فلذاك أُبعدُ عن مقالِ المُبطِلِ
لا دَرَّ دَرُّ الإنتجاعِ فإنّه / دَنَسٌ لثوبِ المعتفِي والمُفضلِ
هيهات يبلغك المديحُ وإنّما / أحظى بفضل الجاهد المُتَغلغلِ
أسلفتني النّعماءَ في أهلي معاً / فمتى ينوء بعبءِ حقّك مِقْوَلِي
ومددتَ من ضَبعَيْ أَبِي فتركته / يُزري بمنزلةِ السِّماكِ الأعزلِ
أوْطأته قُلَلَ العُداة وإنّها / قُلَلٌ مؤهّلَةٌ لوقعِ الأرجلِ
لمّا اِستطارَ البغيُ في آنافهمْ / وتنكّبوا سنن السّبيل الأمثلِ
أمطرتَهمْ غُلَواءَ بأسٍ ردّهمْ / يتدارسون بلاغةَ المتنصّلِ
لم يغنِ إنْ دبوا بعذرٍ بعدها / ركبوا بذنبهمُ قوادمَ أجدَلِ
لا زلتَ تَستقضي الدّهورَ محكّماً / في النّائباتِ منيعَ ظهرِ المَعقِلِ
أتَارِكي أتلافى اليأس بالأملِ
أتَارِكي أتلافى اليأس بالأملِ / وراجعي أتقاضى الحزمَ بالزّلَلِ
لا تحملنِّي على وعْرٍ فأركبُهُ / ولو توسّمتَ منه طلعة الأجلِ
ولا تُعِلنّني رَنْقاً فألفظُهُ / ولو لوجهٍ يراه النّاسُ للقُبَلِ
واِستبقِ صَمتي لمغرورٍ أقمتُ له / ظهرَ الرّجاء على رِجْلٍ من العِلَلِ
دعني يغمّد حلمي ما اِنْتَضَتْ هممي / أو لا فهاك جوابي خُذْه مِن أَسَلِي
إنْ لم أذَرْك تُلاقيني فتنكرني / فلا أطاعتْ سيوفي أصعبَ القُلَلِ
ولا حملتُ القنا في يومِ معركةٍ / وصارَمَتْنِي ظهورُ الخيل عن مَلَلِ
أأنتَ أشجعُ أم دهرٌ يسالمني / ويشرئبُّ إلى بِشْرِي فدع أملي
ألقى إليَّ زَماناً كان يجعله / حِبالةً لاِقتناصِ الفارس البطلِ
وقال قُدْنِي إلى ماشئتَ أسْعَ له / يا مالكاً مالكَ الأرقابِ والدُّوَلِ
وما اِحتَفلتُ بشئٍ ظلّ يبذله / لأنّ أكثرَ منه في يديّ ولِي
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ
ما زالَ يَخدعني باللّطف والحِيَلِ / حتّى اِستجبتُ على كُرهٍ إلى الغزلِ
للَّه قلبُ عميدٍ خرّ منجدلاً / لمّا رأته لحاظُ الأعينِ النُّجُلِ
ما كانَ هَذا الهوى لي في الحساب ولا / هذي الصّبابةُ لولا الحسنُ من عملِي
جاء الهوى عَرَضاً لم أجْنِهِ بيدي / كأنّه ليس منّي وهْو من قِبَلي
ناشدتُكم أن تقرّوا من قلوبكم / فبين حنبيَّ قلبٌ ما تَحَيَّزَ لِي
كم قد نصحتُ لعذّالي وقلتُ لهمْ / عذلتُمُ اليومَ مشغولاً عن العَذَلِ
يعصيكُمُ قلبُهُ الغاوي ومن خَجَلٍ / يُطيعكمْ لفظُهُ قولاً بلا عَمَلِ
وقوفِيَ في ذا الورى الخاملِ
وقوفِيَ في ذا الورى الخاملِ / وقوفُ المشوقِ إلى العاذلِ
تصافح سمعِيَ أقوالُهمْ / ولا يرجعون إلى طائلِ
فعَرْضُ البلاد على العارفي / نَ أضيقُ من مهجةِ الباخِلِ
ومَن صدّ عن مثل أفعالهمْ / كمنْ صدّ عن كُفَّة الحابِلِ
ولمّا خبرتُ جميعَ البلا / دِ لم أَرَ أضيَعَ من عاقِلِ
ولولا ذوو النّقصِ في دهرنا / لَمَا عُرفَ الفضلُ للفاضِلِ
تعاظم مِنِّيَ ما أبتغِيهِ / فما إنْ أُعلَّلُ بالباطلِ
وعوّدتُ قلبي فراقَ الحبيب / فما حنّ شوقاً إلى راحلِ
ولا خَدَعَتْهُ ذواتُ الحَلِيِّ / فيُصْبِيَهُ مَلَقُ العاطِلِ
وَما العزّ إلّا لِمَنْ لا ترا / هُ عينُك في موقفِ السائِلِ
إذا ما رأى الخِصْبَ عند اللّئامِ / أقامَ على البلد الماحِلِ
وظَلّ وبالك كلُّ الرّخيّ / مِنَ المجد في شُغُلٍ شاغِلِ
يُعيّرني الضّيقَ أهلُ اليَسار / ولا مالَ يبقى على نائِلِ
وكيف أضِنُّ على شاكرٍ / بظلٍّ يفارقني زائلِ
إذا لم يفارقْك في عامِهِ / فأنتَ المفارِقُ من قابِلِ
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي
يا ربِّ لا تجعل المنظورَ من أجلي / يلقاك بالسّيّءِ المكروهِ من عملي
وَاِجعلْ مسيري إلى لُقياك يوم ترى / حشرَ الأنامِ على نهجٍ من السُّبُلِ
في واضحٍ جَدَدٍ تأبى العثارَ به / رِجْلي فلا هَفْوَتي فيه ولا زللي
وأعطني الأمنَ في يومٍ تكون به / قلوبُ خلقك ملقاةً على الوَجَلِ
كم ذا أُؤمّل عفواً لستُ أكسبُهُ / ويلٌ لجلدِيَ يوم النّارِ من أملي
وأُسْتَغَرُّ بما أمّلتُ تخدعني / لَيُّ الحوادثِ إذْ أرْخَتْ من الطِّوَلِ
كانّني وزنادُ الخوف تلذعني / بما أخاف وأرجو غير محتفلِ
قولٌ جميلٌ وأفعالٌ مقبَّحةٌ / يا بُعدَ ذا القول في الدّنيا من العملِ
يا بُؤسَ للدّهرِ غُرّ العالِمون به / والجاهلون معاً في الأعصر الأُوَلِ
مَضوْا جميعاً فلا عينٌ ولا أثرٌ / حانوا وحالوا وهذا الدّهرُ لم يَحُلِ
كأنّهمْ بعدما استمْطَوْا جنائزهمْ / لم يمتطلوا صَهَواتِ الخيلِ والإبلِ
قالوا فرغتَ من الأشغال قلت لهمْ / لو لم أَكن باِنتظار الموتِ في شُغُلِ
إنّي لأعلمُ علماً لا يخالجه / شكٌّ فأطمع للدّنيا ويطمع لي
بأنّه لا مَحيصٌ عن مدى سفري / وَلا دواءٌ لما أشكوه من عللي
وإنّني سوف ألقى ما يُطيح به / كيدي وتذهب عنه ضُلَّلاً حِيَلي
وكيف يطبق جَفناً بالكرى رجلٌ / وراءه للرّدى حادٍ من الأجلِ
أم كَيف يصبح جذلاناً وليس له / علمُ الإلهِ بعُقْبى ذلك الجَذَلِ
يا راقداً ونداءُ اللَّه يوقظه / ألّا تزوّدتَ فينا زادَ مرتحلِ
ما لي أراك على ربِّ الورى بَطِراً / وأنتَ في النّاس ملآنٌ من الفَشَلِ
وكم تجود بجمّاتِ الثّوابِ غداً / وأنتَ توصف فينا اليومَ بالبُخُلِ
للَّه مَن لا تراه غِبَّ حادثةٍ / مجرَّحاً بشفارِ اللّومِ والعَذَلِ
يرنو إلى الدّهر من أجفان صادقةٍ / بدا لها منه ما يخفى على المُقَلِ
فالعزُّ في هجرة الدّنيا وما ضمنتْ / والذّلُّ في طلب الأموال والدُّوَلِ
حلفتُ بشُعثٍ من نِزارٍ تعلّقوا
حلفتُ بشُعثٍ من نِزارٍ تعلّقوا / بأستار مرفوع الذّلاذلِ مائلِ
تلاقوا عليه ثائرين فأعرضوا / بأرجائه عن أخذ تلك الطّوائلِ
وما رشفوا من صخرةٍ بشفاههمْ / وما مسحوا من ركنه بالأنامِلِ
وما عقروا بالخَيفِ تجري شعابُه / بما بذلوه من سديسٍ وبازلِ
وأيدي المطايا إذ وقفن عشيّةً / على عرفاتٍ بعد طيّ المنازلِ
لحبُّكِ يا ظباءُ في باطن الحشا / وإن رغم الواشي لطيفُ المداخلِ
وما أخلقتْ منه اللّيالي وإنّه / جديدٌ على مرّ المدى المتطاولِ
ويُعجبني منك الحديثُ إِخالُهُ / صحيحاً وإنْ حدّثتنا بالأباطلِ
كأنّي وقد نازعتني القولَ قاطفٌ / من الصّبحِ نُوّاراً ببعضِ الخمائلِ
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال / طوراً بأمنٍ وأطواراً بأوجالِ
أبغي النّجاءَ وما أنجو وإنْ غفلتْ / عنّى المنون كما لم ينجُ أمثالي
شواردٌ من مصيباتٍ ثبتن لنا / يصبن ما شئن من نفسٍ ومن مالِ
متى ينلْن الفتى قالوا دنى أجلٌ / يا هلْ أرى في اللّيالي غيرَ آجالِ
بذلٌ يؤوب إلى منعٍ وعافيةٌ / تجرّ داءً ونُكسٌ بعد إبلالِ
وما سُررتُ بأيّامِ الكمال فما / يعرو الفتى النّقصُ إلّا عند إكمالِ
يا ليت شعرِيَ والأهواءُ مولعةٌ / برجم مستترٍ في الغيب دخّالِ
بأيّ نوعٍ من المكروه تخرجني / هذي النّوائب عن أهلي وعن مالِي
وأيُّ عَلْقَمَةٍ في كفّ حادثةٍ / أُجنى لها كي أُسقّاها وتُجنى لِي
ما للنّوائبِ يُعفِين الثُّمامَ كما / يَعنُفنَ بالنّبعِ أوْ يقذفن بالضّالِ
وما لهنّ وما يبغين من أَرَبٍ / يفنينَ نفسي وَقد أبقين أسمالِي
نلقى المخاوفَ في الدّنيا ونأمنُها / ونطلب العزَّ في الدّنيا بإِذلالِ
وتُستَذَمُّ لنا في كلّ شارقةٍ / وما لها مُبغضٌ منّا ولا قالي
لِذاذةٌ لم تُنَل إلّا بمؤلمةٍ / وصحّةٌ لم تدمْ إِلّا بإعلالِ
فَما أَمنتُ بها إلّا على حَذَرٍ / ولا فرغتُ بها إلّا بأشغالِ
ومُسمِعٍ جاء من أَرْجان يُسمعني / قولاً يكثّر من همّي وبَلْبالي
أهدى على زعمه بَرْدَ اليقين به / فشبّ بين ضلوعي جمرةَ الصّالي
نعى إليَّ قِوامَ الدّين حادثةٌ / أحال ما جاء منها كلَّ أحوالي
فلو أطَقتُ فنفسي لا تَضِنُّ به / شققتُ قلبي ولم أعرضْ لسِرْبالي
وَلم تنلْ عَقْرَ نفسي في المصاب يدي / فبتّ أعقِرُ أطلابي وآمالي
أَقول والرّبعُ مغبرٌّ جوانبُهُ / مَنْ بدّل المنزل المأهولَ بالخالي
مَنْ أخرج اللّيثَ مِن ذاك العرين ومَن / حطّ المحلِّقَ في العلياءِ مِن عالِ
مَنْ زعزع الجبلَ العاديّ منبته / ومَن طوى ذلك الجوّال في جالِ
مَنْ حلّ عُقْلَ المنايا فيه ثمّ رمى / قوائمَ السّابقِ الجاري بعُقّالِ
مَنْ ساجل الغيثَ هطّالاً بأَذْنِبَةٍ / مَنْ كايَلَ البحر مكيالاً بمكيالِ
مَنْ طاول الشُّمَّ حتّى طالهنّ ذراً / مَن وازن الصُّمَّ مثقالاً بمثقالِ
سائل بملكِ الورى لِمْ زلّ أخمَصُهُ / وهو الّذي كان ثبتاً غيرَ زوّالِ
وكيف أعجزه هولٌ ألمَّ به / وهو المدفّعُ أهوالاً بأهوالِ
وكيف أصحر بالبيداء منفرداً / مُخدَّمٌ بين أكنانٍ وأظلالِ
وكيف حطّ مُلِظٌّ في بُلَهْنِيَةٍ / من ناعم العيش داراً غيرَ مِحْلالِ
وكيف لم يُعطني من ثِقْلهِ طَرَفاً / قَرْمٌ تحمّل عنّي كلَّ أثقالي
وكيف ضلّ بأيدي الحادثات فتىً / مُعطي النّجاةِ وهادي كلّ ضلّالِ
مَنْ للسَّرير الّذي تعنو الجباهُ له / مقسومةً بين تعظيمٍ وإجلالِ
مَنْ للرّواقِ إذا حفّ الوفودُ به / سامين نحو شَرودِ النطقِ قوّالِ
مَن للعُفَاةِ إذا اِبتلّوا بنائِلِهِ / صباح يومٍ شديد الهضم للمالِ
مَن للسّوابق يَعرَوْرى مناسجَها / وتنثني بالدّمِ القاني بأَجْلالِ
نزائعٌ كالنّعامِ الكُدْرِ نفّرها / صَراصِرٌ من حديد الظُّفرِ نشّالِ
أو كالسّراحين تَفْرِي كلَّ مقفرةٍ / غَرْثى من الزّاد تَنْسالاً بتَعْسالِ
مَن للقنا طالَ حتّى قالَ مُبصرهُ / ما هُزّ هذا القنا إلّا بِأَطوالِ
مَن للصّوارِمِ تَعْرى مِن مَغامِدها / وتكتسي أغمُداً في هامِ أبطالِ
مَن لِلمكيدة حكّتْه لتبلُوَه / تحكُّكَ القُلُصِ الجَرْبى بأجذالِ
مَن للكتائبِ خُرساً غيرَ ناطقةٍ / يُجلجل الطّعنُ فيها أيّ جَلجالِ
فيهنّ كلُّ هضيم الكَشْح مُعْتَرِقٍ / مُشَذَّبٍ كسَحوقِ النّخلِ طُوّالِ
إذا مشى في فضولِ الدّرع تحسبه / مقلّباً نَخْوةً أعطافَ رِئْبالِ
ذو ناظرٍ توقد الأَضغانَ لحظتُهُ / كصلّ رملةِ وادٍ بين أصلالِ
قد كنتَ توعدني العِدَّ الغزيرَ نَدىً / فالآن أقنعُ بعد العِدِّ بالآلِ
وما قنعتُ وبي في غيره طمعٌ / واليأسُ أرْوَحُ ولّاجٍ على البالِ
وكنتَ لِي وَزَراً في كلّ مُعضلةٍ / أُمسي أُشمّر فيها فضلَ أذيالي
وكنتَ أدنى وقد ناديتُ منتصراً / إليَّ في الخطب من نفسي ومن آلي
يا طالِبَيَّ خذا منّي اِقتراحَكما / ما مانعٌ دون ما أخشى ولا والِ
وَاِستعجلا في يديّ اليومَ ثأركما / بذلتُ ما لم أكن فيه ببذّالِ
قد ذَعْذَع الموتُ نُصّاري وحاميتي / وضعضع الموتُ أطوادى وأجبالي
ونالني بالأذى مَن كان يرمُقني / قُبَيل هذا الرّدى بالمربأ العالي
أصبحتُ فيك أُزيرُ الشّكّ معرفتي / عمداً وأصرف ذاك الخُبْرَ عن بالي
وأسأل الرّكبَ عندي مثل علمهمُ / أرجو تَعِلَّةَ إلباسي وإشكالِي
قبرٌ على الكوفة الغرّاء نتبعه / في كلّ يومٍ بإرنانٍ وإعوالِ
كأنّما مِسْكةٌ في تربةٍ فُتِقَتْ / من طيب عَرْفِكِ أو ناجود جِرْيالِ
لم يدفنوك به لكنّهمْ هَرَقوا / وما دَرَوْا سَجْلَ إحسانٍ وإجمالِ
وإنّني آنفٌ سَقيَ السّحاب له / فتربةٌ أنتَ فيها غيرُ مِمْحالِ
جادتكَ مِن صَلواتِ اللَّه أوعيةٌ / غزيرةٌ ذاتُ إسجامٍ وإسبالِ
مُلِثَّةُ الوَدْقِ تسري اللّيلَ أجمعَهُ / فإنْ غدَت وصلتْ صبحاً بآصالِ
لا مسّ منك البِلى ما مسّ من بشرٍ / فإنْ بَلِيتَ فما معروفك البالي
وناب عنك جميلٌ كنتَ تَعمله / حيث النّجاءُ لمن ينجو بأعمالِ
فالذّكرُ عندي مقيمٌ إنْ نُسِيتَ وإِنْ / سُلِيتَ يوماً فغيري قلبُه السّالي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي
لو كنتَ في مثل حالي لم تُرِدْ عَذَلي / تسومني هجْرَ مَنْ في هجره أجلي
دعْ عنك عَذْلي فإنّ العذل منك وما / هذي الصّبابةُ من عندي ولا قِبَلي
وفي الهوادج مَن لو شاء علّلني / يوم الرّحيل وقد سرنا على عجلِ
بوقفةٍ لم يُردني يوم ذاك بها / وهي الشّفاءُ لما أشكوه من عِلَلي
فلو مررنا على وادي العُذَيْب درى / مَن عالج الشّوقَ أنّي عنك في شُغُلِ
كم ثَمَّ من مُهجةٍ تقضِي بلا قَوَدٍ / ومن دمٍ طُلَّ من وجدٍ على طَلَلِ
ومن فؤادٍ إذا سِيقت ركائبُهمْ / طَوعَ النّوى من شَرافٍ سيقَ في الإبلِ
تسوقه النُّجْلُ إذْ بانتْ ويوقظُهُ / على الهوى لَمَعانُ المَبْسَمِ الرَّتِلِ
ومعشرٍ بمنىً أضحتْ شفارُهمُ / يَلِغْنَ في ثغَراتِ الأيْنُقِ البُزُلِ
وبالمحصَّب ينتابُ الجمارَ به / عصائبٌ جئن من سهلٍ ومن جبَلِ
والبائتين بِجَمْعٍ والرّكائبُ قد / مَلّتْ هنالك من شدٍّ ومن رَحَلِ
ونازلي عرفاتٍ شاخصين إلى / ذُؤابةِ الشّمسِ أن تدنو إلى الطَّفَلِ
لقد تبوّأ فخرُ الملك منزلةً / علياءَ شطّتْ على الأَيدي فلم تُنَلِ
ملساءَ يحسبها الأقوامُ في مَلَكٍ / وإنّما هي بالتّحصيلِ في رَجُلِ
يا موحشي ببعادي منه في وطني / ومن بلادي ومن أهلي ومن خُللِي
وتاركي بعد أنْ كانتْ زيارتُه / حَلْياً بجيدِيَ مملوءاً من العَطَلِ
إنّي جليدٌ على الأهوالِ قاطبةً / ولستُ في فرقتي إيّاك بالبطلِ
أنتَ الّذي نلتُ منه وهو مُخْتَفِرٌ / فَوقَ الّذي كان يسمو نحوه أملي
من ناظماتِ سموطِ الفخرِ باقيةً / يحول صبغ اللّيالي ويه لم تَحُلِ
ومن مقالٍ إذا فاه الرُّواةُ به / كأنّه في قديم الدّهر لم يُقَلِ
كم لي بحضرتك الغرّاءِ من قدمٍ / ووقفةٍ لم أخفْ فيها من الزَّلَلِ
أروح أسحب فيها ذيلَ مفتخرٍ / وساحبُ الفخر ينسى ساحبَ الحُلَلِ
ماذا بقربك من عزٍّ ومفخرةٍ / وما بكفّك من غُنمٍ ومن نَفَلِ
وما بساحتك الغرّاء من شَرَفٍ / وتُربِ مجلسك المعمور من قبَلِ
وأيُّ ذي خنْزُواناتٍ يُدِلُّ بها / بعُقْرِ دارك لم يُعْدَدْ من الخَوَلِ
إنّ العراقَ إلى نجواك طامحةٌ / طماحةَ الهِيمِ نحو العارض الهَطِلِ
وإنّ مَن بات خوفٌ منك يَعقِلُهُ / قد همّ أو كاد أنْ ينجو من العُقَلِ
فلامَحوا الغَدرَ لمّا أن بعُدتَ ومذْ / رِيعوا بقربك أغضوا عنه بالمُقَلِ
قد قلتُ للقوم غرّتهمْ بشاشَتُه / وربّما شَرِق المُشتارُ بالعَسَلِ
لا تُحْرِجوه إلى شعواءَ قاطعةٍ / فتخرجوا فيه من أمْنٍ إلى وَجَلِ
فالصّلحُ ممّن درى الضُرَّ المحيطَ به / ولا دفاعَ له صلحٌ على دَخَلِ
عُوتِبتُمُ فأبيتم نصحَ ذي شفقٍ / وبالظُّبا يُعتبُ الآبي أو الأَسَلِ
أرخى لكمْ فحسبتُم لا زمامَ لكم / وليس يفْرِق فَوْتاً مُمِسكُ الطِّوَلِ
وقد وأَلتُمْ مراراً في نِكايتِهِ / وربّما عثر الجاني فلم يُؤَلِ
فاِسلَم لنا فخرَ هذا الملك واِبقَ على / مرّ الزّمان بظلٍّ غير منتقلِ
وقد مضى عنك شهرُ الصّومِ منسلخاً / يُثني عليك بخير القول والعملِ
فاِسعَدْ بذا العيد واِقبلْ ما حباك به / من المسرّةِ فيما شئت والجَذَلِ
مُبَرَّءاً من لِمامِ السّوءِ أجمعهِ / مملَّكاً أنفسَ الأعمارِ والمُهَلِ
ما بالُ حِقْفٍ بكثيب اللّوى
ما بالُ حِقْفٍ بكثيب اللّوى / عُطْلاً بلا شاءٍ ولا جامِلِ
حالتْ مغانيه ووجدِى به / غضٌّ جديدٌ ليس بالحائلِ
لو أبصرتني ناحلاً عينُهُ / لاِستَأنس النّاحلُ بالنّاحلِ
لولا الأُلى حلّوا طلولَ اللّوى / ما كان لي فيهنّ من طائلِ
دعْ عنك وَقّافاً على أرْبُعٍ / يسأل فيهنّ عن الرّاحلِ
فلن تراني أبداً سائلاً / ما ليس يدري لغةَ السّائلِ
يا صاحبيَّ اليومَ لا تَلْحَيا / على الهوى مَن ليس بالقابلِ
لا تصدقاني عن ذنوب الصِّبا / وعلّلا قلبِيَ بالباطلِ
فليس بالحُبّ على مُتْلِفٍ / أرْشٌ ولا عَدْوى على قاتلِ
قد قلتُ للسّاري إلى سَوْأَةٍ / تُغوِيهِ فيها لذّةُ العاجلِ
تفنى وتبقي مِن أحاديثها / ما ليس بالفاني ولا الزّائلِ
نَهْنِه بُنيّاتِ هواها ودعْ / شاربها صِرْفاً على الآكلِ
ولا تَرِدْ غُدرانَها ناهلاً / كم ظامئٍ أحمدُ من ناهلِ
لولا ثناءٌ خالدٌ ذكرُهُ / ما اِنتصف العالِمُ من جاهِلِ
إنّ لفخر الملك عندي يداً / أعيا بأن يَحمِلها كاهلي
لم تُجرِها في خاطرٍ فكرةٌ / ولم يَنَلْها أَمَلُ الآملِ
متى أُفِضْ في ذكرها مُثنياً / فإنّني في شُغُلٍ شاغِلِ
كأنّما شَنَّ الّذي بثّها / لَطِيمةً في المجلس الحافلِ
أَنتَ الّذي تُعطي بلا موعدٍ / وتترك الوعدَ على الماطلِ
كم أنقذتْ كفُّك من مُوثَقٍ / عانٍ وكم نبّهْتَ من خاملِ
والملكُ لولا أنتَ يا فخرَهُ / ما كان إلّا نُهزَةَ الخاتِلِ
أيُّ مُقامٍ لك في نصرِهِ / وهو على هاري البِنا مائلِ
الشّمس إلّا أنّه في الدّجى / ما غابَ عَن عينِك بالحائلِ
يُرجى ويُخشى فهوَ كالبحر في / ردى مُبيرٍ وندى واصِلِ
لا يُولِجُ الهَزْلَ على جِدِّه / يوماً ولا الحقَّ على الباطِلِ
سِيق إليه من قلوب الورى / كلُّ حَرونٍ بالخُطا باخِلِ
وصاد من أهوائهمْ بالنّدى / ما لم تَصِدْه كُفَّةُ الحابِلِ
وعلَّمَتْ آلاؤُه شكرَه / والشّكر مُستَمْلىً على الباذِلِ
لا ضامك الدّهرُ ولا زلتَ مِن / نعيمه في منزلٍ آهلِ
واِنعَمْ بذا العيدِ وخذْ سعدَهُ / في عاجلِ العام وفي قابلِ
تبلى وتُسْتَأْنفُ أثوابه / ترفُلُ فيهنّ مع الرّافلِ
وضحِّ بالأعداءِ واِجعلهُمُ / مكانَ ذاك النَّعَمِ الهامِلِ
ولا عَدِمنا منكَ هَذا الّذي / نراه من رَوْنقِكَ الشّاملِ
ألا عوجا لمجتَمَعِ السِّيالِ
ألا عوجا لمجتَمَعِ السِّيالِ / فثَمَّ شفاءُ ما بي من خبَالِ
وإنْ أنكرتُما منّي ضلالاً / فماذا ضرّ غيري من ضلالي
فإمّا شئتُما أن تُسعِداني / فمُرّا بي على الدِّمَنِ البَوالي
خَرِسْن فلو ملكن النُّطقَ يوماً / شكون إليك من جَنَفِ اللّيالي
لَعَلِّي أنْ أرى طَلَلاً لحُبٍّ / وآثاراً لأيّامِ الوِصالِ
نصيبُ مُصاحبي منّى حنينٌ / حنينُ الرّائماتِ إلى الفِصالِ
ومُنْهَلٌّ من العَبَراتِ تجري / فينطِقُ إِنْ سكتُّ بسوء حالي
ومُسْتَرَقٍ من الأحشاء يخبُو / أُوارُ النّارِ وهو على اِشتعالِ
وفي الغادين من يمنٍ فتاةٌ / تُضام مَعادةً شبه الغزالِ
أُشاق إلى المواعد من هواها / وإِنْ كانتْ تُسَوِّف بالمُحالِ
وذلّلنا طويلُ الهجر حتّى / قنعنا في التّزاور بالخيالِ
وخبّرها الوشاةُ بنا إليها / بما جعلته عذراً في المَلالِ
وَقَد كنتُ اِعتَزمتُ الصّبرَ عنها / فلمّا أن بدأتُ به بدا لِي
سقى نجداً ومَن بجنوب نجدٍ / مَلِثُّ الوَدْقِ منهمرُ العَزالي
كأنَّ بروقَه يخفقن بُلْقٌ / خرجن على الظّلام بلا جِلالِ
وأسيافٌ سُلِلْن على الديّاجي / لها عهدٌ قريبٌ بالصّقالِ
فَكم بِجنوب نجدٍ من عزيزٍ / صغيرِ الذّنبِ مُحتَمَلِ الدّلالِ
إذا سلّى العواذلُ فيه قلباً / مشوقاً لم يكن عنه بسالِ
فقولوا للأُلى دَرَجوا ملوكاً / وحازوا باللُّها رِبَقَ الرّجالِ
أجِيلوا نظرةً بيني بويهٍ / تَرَوْا سَعَةً على ضيق المجالِ
لهمْ في كلّ نائبةٍ حلومٌ / ثِقالٌ لا تُوازنُ بالجبالِ
وفي العلياءِ فخرُ الملك يسمو / سُمُوَّ البدرِ في غُرَرِ اللّيالي
وقد علمتْ ملوكُ بني بويهٍ / بأنّك حاسمُ الدّاءِ العُضالِ
وأنّك في الخطوبِ الجُونِ منهمْ / مكانَ النّارِ في طَرَفِ الذُّبالِ
ولمّا رامها مَن رام منهمْ / عَجِلْتَ إِليه من قبل العِجالِ
ليوثٌ كالأجادل ضارياتٌ / على صَهَواتِ خيلٍ كالرِّئالِ
تَحُفُّ بصلّ رملةِ بطنِ وادٍ / تَناذرُ منه أصلالُ الرّمالِ
إِذا ما همّ طوّح بالتّمادي / وداس السِّلْمَ في طرقِ القتالِ
وأرغمها أنوفاً من أناسٍ / غَدَوْا يَستنزِلون عن النِّزالِ
وقد ساموك مشكلةً لَموعاً / كما لمع الفضاءُ بلمعِ آلِ
وظنّ بك الغُواةُ الصَّدَّ عنها / وما رِيعَتْ قرومُك بالإفالِ
فيا لشجاعةٍ بك ما أفادتْ / من النّعماء عندك للموالي
وأيّةُ صَعْبَةٍ ذلّلتَ قسْراً / قرَاها أيّ ذلٍّ للرّجالِ
فقد عَلَّمتَ كيف تفوت شرّاً / وكيف تجوز ضيّقةَ المجالِ
وليس يَضِلّ إِثْرَكَ مَن هَدَتْهُ / مواقعُ مَنْسِمِ العَوْدِ الجَلالِ
إذا ما كنتَ لي وَزَراً حصيناً / على نُوَبِ الزّمانِ فما أُبالي
وخوّفني العُداةُ الشَّرَّ منهمْ / فما خطرتْ مخافتُهمْ ببالي
وراموا قطعَ أسبابٍ مِتانٍ / علقتُ بها فما قطعوا قِبالي
وما نقموا سوى أنّي لديه / شديدُ القربِ مُستَمَعُ المقالِ
وأنّي فيه دون النّاس جمعاً / أُعادي مَن أُعادي او أوالي
وكم لي فيه من غُرَرٍ بَواقٍ / ومن سحرٍ سبقتُ به حلالِ
يغور إلى القلوب بلا حجابٍ / ويشفيك الجواب بلا سؤالِ
وقافيةٍ متى اِستُمِعتْ أبرّتْ / عذوبتُها على الماء الزُّلالِ
فلولا أنّها كِلَمٌ لكانتْ / فريدَ نحور ربَّاتِ الحِجالِ
وهذا العيدُ والنَّيروزُ جاءا / كما نهواه فيك بخير فالِ
وما اِفتَرقا بهذا العصر إلّا / كما اِفترقتْ يمينٌ مَعْ شمالِ
فدُم لتكرّمٍ أرخصتَ منه / ولم يزل التّكرُّمُ وهو غالِ
ويا نُعمى له دومي وكوني / على غِيَرِ الزّمان بلا زوالِ
ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغَلائِلِ
ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغَلائِلِ / والشّيبُ ضيفُ لِمَّتي من طائلِ
أما ترين في شَواتي نازلاً / لا مُتعةٌ لي بعده بنازلِ
محا غرامي بالغواني صبغُه / واِجتَثّ من أضالِعي بَلابِلي
ولاح في رأسِيَ منه قَبَسٌ / يَدُلُّ أيّامي على مَقاتِلي
كان شبابي في الدُّمى وسيلةً / ثمّ اِنقَضتْ لمّا اِنقَضتْ وسائلي
يا عائبي بباطلٍ ألِفْتَهُ / خذ بيديك مِنْ تَمَنٍّ باطلِ
لا تعذلنّي بَعدَها على الهوى / فقد كفاني شيبُ رأسي عاذلي
وقلْ لقومٍ فاخرونا ضَلَّةً / أين الحُصَيّاتُ من الجَراولِ
وأين قاماتٌ لكمْ دميمةٌ / من الرِّجال الشَّمَّخِ الأطاوِلِ
نحن الأعالي في الورى وأنتُمُ / ما بينهمْ أسافلُ الأسافِلِ
ما تستوي فلا تروموا مُعوِزاً / فضائلُ السّاداتِ بالرّذائلِ
ما فيكمُ إلّا دَنيُّ خاملٌ / وليس فينا كلّنا من خاملِ
دعوا النّباهاتِ على أهلٍ لها / وعرّسوا في أخفضِ المنازلِ
ولا تعوجوا بمهبٍّ عاصفٍ / ولا تقيموا في مصبِّ الوابلِ
أما ترى خيرَ الورى معاشري / ثمّ قبيلي أفضلَ القبائلِ
ما فيهمُ إن وُزِنوا من ناقصٍ / وَليسَ فيهم خبرةٌ من جاهِلِ
أقسمتُ بالبيتِ تطوف حولَهُ / أقدامُ حافٍ للتُّقى وناعِلِ
وما أراقوه على وادي مِنىً / عند الجِمارِ من نَجيعٍ سائلِ
وأذرُعٍ حاسرةٍ ترمي وقدْ / حان طلوعُ الشّمسِ بالجنادلِ
وَالمَوْقفين حطّ ما بينهما / عن ظهره الذُّنوبَ كلُّ حامِلِ
فإنْ يَخِبْ قومٌ على غيرهما / فلم يخِبْ عندهما من آملِ
لَقَد نَمَتنِي من قريشٍ فِتيَةٌ / ليسوا كمن تعهد في الفضائلِ
الورادين من عُلاً ومن تُقىً / دون المنايا صفوةَ المناهلِ
قومٌ إذا ما جُهِلوا في معركٍ / دَلّوا على الأعراق بالشّمَائلِ
لأنّهم أُسدُ الشّرى يوم الوغى / لكنّهمْ أهِلّةُ المحافلِ
إنْ ناضلوا فليس من مناضِلٍ / أو ساجلوا فليس من مساجِلِ
سلْ عنهمُ إنْ كنتَ لا تعرفُهمْ / سَلَّ الظُّبا وشُرَّعَ العواملِ
وكلَّ منبوذٍ على وجهِ الثَّرى / تسمع فيه رنّةَ الثّواكلِ
كأنّما أيديهمُ مناصِلٌ / يلعبن يوم الرَّوْعِ بالمناصلِ
من كلّ ممتدِّ القناةِ سامقٍ / يقصر عنه أطولُ الحمائلِ
ما ضرّني والعارُ لا يطورُ بي / أن لم أكن بالملك الحُلاحِلُ
ولم أكنْ ذا صامتٍ وناطقٍ / ولم أرُحْ بباقرٍ وجاملِ
خيرٌ من المالِ العتيدِ بذلُهُ / في طرقِ الإفضالِ والفواضلِ
والشّكرُ ممّنْ أنتَ مغنٍ فقرَه / خيرٌ إذا أحرزتَه من نائلِ
فلا تعرّضْ منك عِرْضاً أملساً / لخدشةِ اللُّوّامِ والقوائلِ
فليس فينا مقدمٌ كمُحجِمٍ / وليس منّا باذلٌ كباخِلِ
وما الغِنى إلّا حِبالاتُ الثَّنا / فاِنجُ إذا شئتَ من الحبائلِ
إلى متى أحملُ من ثِقْلِ الورى / ما لم يُطِقْه ظهرُ عَوْدٍ بازلِ
إنْ لم يزرني الهمُّ إصباحاً أتى / وَلم أعِره الشّوقَ في الأصائلِ
وكم مُقامٍ في عراصِ ذِلَّةٍ / وعَطَنٍ عن العَلاء سافلِ
وكم أظلُّ مُفَهقاً من الأذى / مُعَلَّلاً دهرِيَ بالأباطِلِ
كأنّني وقد كملتُ دونهمْ / رضِي بدون النَّصْفِ غيرُ كاملِ
محسودةٌ مضبوطةٌ ظواهري / لكنَّها مرحومةٌ دواخلي
كأنّني شِعبٌ جفاه قطرُه / أو منزلٌ أقفرُ غيرُ آهلِ
فقل لحسّادي أفيقوا فالّذي / أغضبكمْ منِّيَ غيرُ آفلِ
أنا الّذي فضحتُ قولاً مِصْقَعاً / مُقاولي وفي العُلا مطاولي
إنْ تبتنوا من العدا معاقلاً / فإنّ في ظلّ القنا معاقلي
لا تَستروا فضلِي الّذي أُوتيتُه / فالشّمسُ لا تحجبُ بالحوائلِ
فقد فررتمْ أبداً من سَطْوَتي / فرَّ القطا الكُدْرِ من الأجادلِ
ولا تذقْ أعينكم طعم الكرَى / وعندكم وفيكمُ طوائلي
تقوا الرّدى وحاذروا شرَّ الّذي / شبّ أُواري فَغَلَتْ مَراجلي
وجُنّ تيّارُ عُبابي واِشتَكتْ / خروقُ أسماعِكمُ صلاصلي
إنْ لم أطِرْ كمْ فَرَقاً تحملكمْ / نُكْبُ الأعاصير من القساطلِ
فلا أجبتُ من صريخٍ دعوةً / ولا أطعتُ يوم جودٍ سائلي
ولا أناخَ كُلُّ قومي كَلّهُمْ / في مَغْنَمٍ أو مَغْرَمٍ بكاهلي
وفي غدٍ تُبصرها مغيرةً / على المَوامِي كالنّعامِ الجافلِ
يخرجن من كلّ عجاجٍ كالدّجى / مثل الضّحى بالغُرَرِ السوائلِ
مَنْ يَرهنَّ قال مَن هذا الَّذي / سدّ المَلا بالنَّعَمِ المطافلِ
وفوقهنّ كلُّ مرهوبِ الشَّذا / يروي السّنانَ من دم الشّواكلِ
أبيضُ كالسّيف ولكنْ لم يعُجْ / صِقالُه على يمين صاقلِ
حيث ترى الموت الزُّؤام بالقنا / مستحبَ الأذيال والذَّلاذِلِ
وَالنَّقْعُ يغشى العينَ عن لِحاظها / والرَّكْضُ يرمي الأرضَ بالزَّلازِلِ
وبُزّتِ الأسلابُ أو تمَخّضَتْ / بلا تمامٍ بطنُ كلِّ حامِلِ
ولم يَجُزْ همُّ الفتى عن نفسه / وذُهِلَ الحيُّ عن العقائلِ
إنْ لم أنلْ في بابِلٍ مآربي / فلي إِذا ما شئتُ غيرُ بابِلِ
وإنْ أبِتْ في وطنٍ مُقَلْقَلاً / أبدلتُه بأَظهُرِ الرَّواحلِ
وإنْ تَضِقْ بي بلدةٌ واحدةٌ / فلم تضق في غيرها مَجاولي
وإنْ نبا عنّي خليلٌ وجفا / نَفَضتُ مِن ودّي له أناملي
خيرٌ من الخِصْبِ مع الذُّلِّ به / مَعَرَّسٌ على المكان الماحلِ
خذ صاحبي عنّي الّذي أُملي
خذ صاحبي عنّي الّذي أُملي / وَدعِ الّذي آباه من عَذْلي
أنَا من أُناسٍ ليت قطعَهمُ / قد كان لِي بدلاً من الوَصْلِ
لا يَطْعَمون سوى القبيحِ ولا / يَرِدون إلّا قَهْوةَ الجهلِ
من كلّ عُريانِ اليدين من ال / مَعروف ملآنٌ من البخلِ
وكأنّهمْ ليلٌ بلا سَحَرٍ / يأتيه أو عقدٌ بلا حلِّ
وكأنّهمْ في صدر جارهمُ / حَنَقاً عليهمْ مِرْجَلٌ يغلي
فهمُ صقيعٌ لا دِثارَ به / وهَجيرُ مُقفرةٍ بلا ظِلِّ
وعقولهمْ لغُفولِهمْ سَفَهاً / وصبيُّهمْ والٍ على الكَهْلِ
والجِدُّ مِنّي كم أبَوْه كما / أَأْبَى الّذي فيهمْ من الهَزْلِ
يا ليتني لمّا مشيتُ إلى / عَرَصاتهمْ ما كنتُ ذا رِجْلِ
عَجِلَ الزّمانُ وأهلُهُ معه / من أن يُقيم عليهمُ مِثْلي
ما كان إلّا في ديارهمُ / هضمي وبين بيوتهمْ ذلّي
وكأنّني لمّا لففتُ بهمْ / شملي اِمرؤٌ متقطّعُ الشَّمْلِ
وَشغلتُ نفسي برهةً بهمُ / فكأنّني منهمْ بلا شُغلِ
يرمونني من قبلهمْ أبداً / بالزُّور والبهتان والبُطلِ
وجوائفُ الأقوالِ راميةٌ / تُنسي الرَّميَّ جوائِفَ النَّبْلِ
ومذانبٌ للماء ليس لها / نَهْلي على ظمئي ولا عَلِّي
أَين الّذين عهدتُ قبلهمُ / سارين في طُرقٍ إلى الفضلِ
الحاملين على قلوبهمُ / همّي وفوق ظهورهمْ ثِقْلي
وكأنّهمْ قُضُبٌ يمانِيَةٌ / مصقولةٌ من غير ما صَقْلِ
كم فيهمُ من مُنْشِرٍ كرماً / بعد المماتِ وقاتلِ المَحْلِ
ويطيع من كرمٍ تَجَلَّلَه / أمرَ النّدى ودواعِيَ البذلِ
ما بيننا قربٌ ولا نسبٌ / وكأنّهم من بِرِّهمْ أهلي
ودفاعُهمْ عنّي يُرفّهني / عن أنْ أمُدَّ يداً إلى نَصْلي
لولاهُم في يومِ عاذمةٍ / لم أنجُ من أنيابها العُصْلِ
أرخصتُ غيرَهمُ لأنّهمُ / يُغلون أثماني كما أُغلي
فهمُ جبالي إنْ ذُعِرتُ ولِي / يومَ اِرتعاءِ نباتهمْ سهلي
فإذا هُم حلموا حلمتُ وفي / يومِ اِنتقامٍ جهلُهمْ جهلي
دَرَجوا فلا عينٌ تشاهدهمْ / أبداً ولا تأتيهمُ رُسْلِي
فعلى قبورهُم وإن دَرَسَتْ / ما شئن من قطرٍ ومن وَبْلِ
إذا ما خطاني الدّهرُ يوماً فلم يُصِبْ
إذا ما خطاني الدّهرُ يوماً فلم يُصِبْ / صميمي فما يرضيه غير خليلي
وأخذُ الرّدى نفسي كأخذ أصادِقِي / فلم يَحمِنِي كُثْرُ الأذى بقليل
فإنْ أنت لم تسمع عويلاً بميتتي / ففي كلّ ماضٍ رنّتي وعويلي
وكيف أغُبُّ الحزنَ يوماً وإنّما / سبيلُ جميع الهالكين سبيلي
أيّها السّائلُ كي يَعْ
أيّها السّائلُ كي يَعْ / لَم حالِي مِن سؤالي
أنا في عشرِ الثّماني / نَ البعيدات الطِّوالِ
كم تخطّيتُ إليها / من سهولٍ ورمالِ
وثَراءٍ واِفتقارٍ / واِهتداءٍ وضلالِ
حولِيَ الآجالُ يَفْرِسْ / نَ نفوساً وحِيالي
وأرى مِن حالِ أحبا / بِيَ أنموذجَ حالي
ليس بُدٌّ للّذي يس / عى بعيداً من كَلالِ
والّذي يسكن داراً / مِن زَوالٍ واِنتقالِ
ربّ أقوامٍ بلا جُر / مٍ يُريغون اِرتحالي
والّذي يهوَوْن منّي / ليس في أيدي الرّجالِ
لَستُ أَقلاهمْ فلمْ لِي / من لدُنْهمْ كلُّ قالِ
قدّروا نيلَ الأماني / يِ رخيصاً وهْوَ غالِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025