المجموع : 64
زهّدني في العقلِ أنِّي أرَى
زهّدني في العقلِ أنِّي أرَى / عنايةَ الأيامِ بالجَهلِ
والدّهرُ كالميزانِ ذو الفَضْلِ يَنْ
والدّهرُ كالميزانِ ذو الفَضْلِ يَنْ / حَطُّ وذُو النُّقصانِ يَستَعْلِي
رَفْعُ الحُظوظِ لِمَن أصَبْنَ وحطُّ مَن
رَفْعُ الحُظوظِ لِمَن أصَبْنَ وحطُّ مَن / أخْطأْنَه فيهِ يَحارُ العاقِلُ
يُعطَى الغَبِيُّ ويُحْرمُ النَّدبُ الفَتى / كالدّيكِ تُوِّجَ والبُزاةُ عَواطلُ
لم تترُكِ السبعونَ في إقبالِها
لم تترُكِ السبعونَ في إقبالِها / مِنّي سوى مالاَ عليه مُعوَّلُ
حَتّى إذا ما عامُها عنّي انقضَى / ووطِئتُ فِي العامِ الذي يُستقبَلُ
حَطَمتْ قوَايَ وأوهَنتُ من نَهضتي / وكَذا بمَنْ طلبَ السّلامَةَ تَفعلُ
كَم قد شهِدْتُ من الحُروبِ فلَيتني / في بعضِها مِن قبلِ نَكسِي أُقتلُ
والقتلُ أحسنُ بالفَتى من قبلِ أن / يَبلَى ويُفْنِيَهُ الزَّمانُ وأجملُ
وأبيكَ ما أحجمتُ عن خَوضِ الرَّدى / في الحَربِ يَشهدُ لِي بذاك المُنْصُلُ
وإذا قضاءُ اللّهِ أخّرني إلى / أجَلِي المؤقَّتِ لِي فماذا أَعْملُ
وضحَ الصباحُ لناظِرِ المتأمِّلِ
وضحَ الصباحُ لناظِرِ المتأمِّلِ / فإِلامَ تُوضِعُ في الطريقِ المَجْهِل
أوَ ما نَهتكَ السِّنُّ عن مَرَحِ الصِّبا / والخوضِ في غيِّ الزَّمانِ الأوَّلِ
نَزِّهْ بياضَ الشّيبِ عن دَنَسِ الهوَى / فقدِ ارتدَيْتَ الدُّرَّ غير مُفَصَّلِ
واعفِ العذولَ عن المَلامِ فلومُه / غيرُ الملمِّ بسمعِ من لم يَجهلِ
نَضَا صِبغُ الشَّبابِ فلستُ أدري / لِصبغٍ حالَ أم تغيرِ حَالِ
وما ابيضَّ الغرابُ الجَونُ إلاّ / لينْعَبَ بانتقالٍ وارتحالِ
إن ضعُفَتْ عن حملِ ثِقلِي رجْلِي / ورَابَني عِثارُها في السَّهلِ
أمشي كما يمشي الوَجِي في الوَحْلِ / مَشْيَ الأسيرِ مُثقَلاً بالكَبْلِ
فللعَصَا عِنديَ عُذْرُ المُبلِي / إن عَجزتْ أوْ ضعُفت عن حَمْلي
أَرى الموتَ يستقري النُّفوسَ ولا أَرى
أَرى الموتَ يستقري النُّفوسَ ولا أَرى / سِوى مانِعٍ ما في يَدَيْهِ بخيلِ
فيا عَجَباً للباخلينَ وإنَّما / قليلُهُمُ للإرثِ بعدَ قليلِ
كيفَ أنْساكَ يا أبا بكر أم كيْ
كيفَ أنْساكَ يا أبا بكر أم كيْ / فَ اصطِباري ما عنكَ صَبري جَميلُ
أنت حيثُ اتّجهتُ في أَسوَدَي عي / ني وقلبي ممثَّلٌ لا تَزولُ
وعلامَ الأَسَى ونحن كَسَفْرٍ / بعضُنا سائِرٌ وبعضٌ نُزولُ
عرَّسَ الأوَّلونَ والآخرُ التَّا / لي إليهِمْ عمّا قليلٍ يؤولُ
وإلى حيثُ عرَّسَ السَّلفُ الأ / وَلُ ميعادُنا ومنه القُفُولُ
أُحدِّثُ عنكَ بالسُّلوانِ نَفسي / وهَل تَسلو مُوَلَّهَةٌ ثَكولُ
إذا ناجيتُها بالصَّبرِ حنَّتْ / كَما حنَّتْ إلى بَوٍّ عَجولُ
إذا نَظَرَتْ إليه أنكَرَتْهُ / وتَعطِفُها الصَّبابةُ والغَليلُ
ولي في الموتِ يأسٌ مُستبينٌ / ولكن حالُ وَجدي لا تَحولُ
أَحِنُّ إِلى أبي بكرٍ وما لي / إلى رؤياهُ في الدّنيا سبيلُ
فيا للهِ من يأسٍ مُبينٍ / يخالفُ حالَه الصبرُ الجميلُ
يغالِبُني على عَقلي حنينٌ / إليهِ لا تُغالِبُهُ العقولُ
فيُنسيني يقينَ اليأسِ منهُ / كما تُنسي مُعاقِرَها الشَّمُولُ
ويَلحَاني العَذولُ ولَيس يدري / بما أُخفي من الكَمَدِ العَذولُ
إذا نامَ الخليُّ أراحَ هَمِّي / وأسهرَ ليليَ الحزنُ الدّخيلُ
كأنّ نُجومَ ليلي مُوثَقاتٌ / فليسَتْ من أماكِنِها تَزولُ
وما في الصُّبحِ لي رَوحٌ ولكن / به يتعلَّلُ الدَّنِفُ العَليلُ
نَهاري لا يلائِمُنِي سُلوٌّ / وليلي لا يُفارقني العويلُ
لعمرُكَ ما يُنْسينيَ الدّهرُ روعَتي
لعمرُكَ ما يُنْسينيَ الدّهرُ روعَتي / بِفَقد أبي بكرٍ حَياتي ولا يُسلي
خَشيتُ عليه اليُتم بعدي فَليتَني / رُميتُ بما أَخْشى ولم أُرْمَ بالثَّكلِ
فكلُّ بعيدٍ يُرتَجى جَمعُ شَملِهِ / وبُعدُ المنايا غيرُ مُجتمِعِ الشَّمْلِ
حيّا رُبوعَكِ من رُبىً ومنازِلِ
حيّا رُبوعَكِ من رُبىً ومنازِلِ / ساري الغَمامِ بكلِّ هامٍ هامِلِ
وسَقَتْكِ يا دارَ الهَوى بعد النَّوى / وطَفاءُ تَسفَحُ بالهَتونِ الهاطلِ
حتّى تُروِّضَ كلَّ ماحٍ ماحِلٍ / عافٍ وتُرويَ كلَّ ذاوٍ ذابِلِ
أبكيكَ أم أبْكي زماني فيكَ أمْ / أهليكَ أم شَرخَ الشبابِ الرّاحِلِ
ما قدرُ دَمعيَ أن يقسِّمَه الأسى / والوجدُ بين أحبّةٍ ومنازِلِ
أنفقتُهُ سَرَفاً وها أنا ماثِلٌ / في ماحلٍ أبكي بِجَفنٍ ماحِلِ
وإذا فَزعتُ إلى العَزاءِ دعوتُ مَن / لا يَستجيبُ ورُمتُ نُصرةَ خاذِلِ
أين الظِّباءُ عهدتُهُنَّ كوانِساً / بِك في ظلالِ السَّمهرِيِّ الذَّابِلِ
النّافراتُ من الأنيسِ تكرُّماً / والآنساتُ بكلِّ ليثٍ باسِلِ
من كلِّ مكروهِ اللّقاءِ مُنازِلٍ / رحبِ الفِناءِ لطارقٍ أو نازلِ
متمنِّعٍ صعبٍ على أعدائه / سهلِ المَقادَة للخليلِ الواصِلِ
عزّوا على الدّنيا وخالفَ فِعلُهُم / أفعالَها فبغَتْهُمُ بغَوائِلِ
حتّى إذا اغتالَتْهُمُ بخطوبِها / ورمتهُمُ بحوادثٍ وزَلازِلِ
دَرَسَتْ منازِلُهم وأوْحَشُ مِنهُمُ / مأنوسُ أنديةٍ وعزُّ مَحافِلِ
واهاً لهم من عالِمٍ ومَعالِمٍ / ومُمَنَّعاتِ عَقائلٍ ومَعاقِلِ
كانوا شَجىً في صدرِ كل مُعانِدٍ / وقذىً يجول بعينِ كلِّ مُحاوِلِ
غَوثاً لملهوفٍ وملجأَ لاجِئٍ / وجوارَ رَبّ جَرائرٍ وطَوائِلِ
ذهبوا ذهابَ الأمسِ ما من مُخبرٍ / عَنهُم وزالوا كالظِّلالِ الزّائِلِ
وبقيتُ بعدهُمُ حليفَ كآبةٍ / مستورَةٍ بتجمُّلٍ وتَحامُلِ
سعدُوا براحَتِهم وها أنا بعدَهُم / في شَقوةٍ تُضني وهمٍّ داخِلِ
فاعجب لشَقوةِ مُتعَبٍ بمُقامِهِ / من بعد أسرتِه وراحةِ راحِلِ
دَع ذا فأنتَ على الحوادِث مَروةٌ / تَلقى الرّزايا عالماً كالجاهلِ
واصبِر فما فيما أصابَكَ وصمَةٌ / كلُّ الوَرى غرضٌ لسَهمِ النَّابِلِ
أسائقَها للبينِ وهوَ عَجولُ
أسائقَها للبينِ وهوَ عَجولُ /
تَأَنَّ فَما هَذا المسيرُ قُفولُ /
وقل لي فإنَّ المُستهامَ سَئُولُ /
لِمَنْ طالعاتٌ في السّرابِ أُفولُ / يقوِّمُها الحادونَ وَهْيَ تَميلُ
تَجانَفْنَ عَنْ وَعْثِ الطّريقِ وسَهْلِهِ /
وأَعْرَضْنَ عن خِصْبِ المَرادِ ومَحْلِهِ /
فَهُنَّ على جَوْر الغَرامِ وعَدْلِهِ /
نَواصلُ من جَوٍّ خَوائضُ مثلِهِ / صُعودٌ على حكمِ الطّريقِ نُزولُ
إذا أجْفَلَتْ في البيدِ جُفْلَ نَعامِها /
كأنَّ أفاعي الرّمْلِ ثِنْيُ زِمامِها /
ثَنَتْ لِيتَها نَحو الصَّبا وانتسامِها /
هَواها وَراها والسُّرى عَن أَمامِها / فهنَّ صَحيحاتُ النَّواظر حُولُ
بِها مثلُ ما بالظاعِنينَ كآبةٌ /
وصبرُهُما بعدَ الفراق خِلابةٌ /
وللشّوقِ منها ما دعاها إِجابةٌ /
تَضاغى وفي فَرْطِ التّضاغي صَبابةٌ / وتَرغو وفي طولِ الرُّغاءِ غَليلُ
أَهلّةُ بيدٍ والأَهِلَّةُ فَوْقَها /
إذا لَمَحَتْ أجْبالَ سَلمى ورَوْقَها /
كفى شوقُها شلَّ الحُداة وسَوْقَها /
تُرادُ على نجدٍ ويَجْذِبُ شَوْقَها / مَظَلٌّ عِراقيُّ الثَّرى ومَقيلُ
أَلا قَلَّما تصفو مع البينِ عيشةٌ /
وفي الشّوْقِ للنّائي هُمومٌ مُطيشةٌ /
ولو أنّ أوطانَ المُفارِقِ بِيشَةٌ /
وما جَهِلَتْ أن العراقَ معيشةٌ / وروضٌ تُربِّيهِ صَباً وقَبولُ
وفي الرَّكبِ مسلوبُ العزاءِ فقيدُهُ /
يزيدُ إذا هبَّ النَّسيمُ وَقُودُهُ /
وما كلُّ أسبابِ الغَرامِ تقودُهُ /
ولكنَّ سِحراً بابِليّاً عُقودُهُ / تُحَلَّلُ ألبابٌ بهِ وعُقولُ
وقد حَمَلَتْ لَدْنَ القوامِ رشيقَهُ /
حكى المسكُ فاهُ والمُدامةُ ريقَهُ /
فأضحى بها نائِي المحلِّ سحيقَهُ /
نجائبُ إنْ ضلَّ الحِمامُ طريقَهُ / إلى أَنْفُسِ العُشّاقِ فَهْيَ دَليلُ
وإنّي لأَشْكو مِنْ فراقِكَ هَزّةً /
ورَوْعَةَ شَوْقٍ للحَشا مُسْتَفِزّةً /
وقَدْ وَقَرَتْ في القلبِ عيسُكَ حَزّةً /
حملْنَ وُجوهاً في الخدورِ أَعزَّةً / وكلُّ عزيزٍ يومَ رُحْنَ ذَليلُ
كَتَمْتُ هَوى ظَمياءَ كِتمانَ مُعْلِنِ /
ونَهْنَهْتُ دمعاً عاصياً غير مُذْعِنِ /
وقَدْ قالت الأظعانُ للسَّلوةِ اظعَني /
قسَمْنَ العُقولَ في السُّتورِ بأعينِ / قواتلَ لا يُودى لَهُنَّ قَتيلُ
محبٌّ إذا ما اللّيلُ غارَت نجومُهُ /
تأوَّبَه بثُّ الهَوى وهمومُهُ /
وفي الخِدرِ بدرٌ آفِلٌ لا يَريمُهُ /
وفيهنَّ حاجاتٌ ودَيْنٌ غريمُهُ / مَليٌّ ولكنَّ الملولَ مَطُولُ
لُبَانةُ نفسٍ مستمرٍّ عناؤُها /
عياءٌ على مرِّ الليالي دواؤُها /
قَضى حبُّها ألاّ يصابَ شِفاؤُها /
يَخِفُّ على أهلِ القِبابِ قضاؤُها / لَنا وهيَ مَنٌّ في الرِّقابِ ثقيلُ
وَقَفْتُ على ربعٍ لظمياءَ أقفرا /
سقتْهُ دُموعي ما أراضَ ونوَّرا /
فقلتُ لخدنَيَّ الخلِيّيْنِ أَعْذِرا /
أبى الرّكبُ بالبيضاءِ إلاّ تنَكُّرا / وقد تُعْرَفُ الآثارُ وهي مُحولُ
سَأَلْتُ سَيالات الحمى فَتَمايَلَت /
كمُوحَدَةٍ من جيرَةٍ قد تَزايَلَتْ /
ففاضَتْ دموعٌ كالغُروبِ تَساجَلَتْ /
ولمَّا وقَفْنا بالدّيارِ تَشاكَلَتْ / جُسومٌ بَراهُنَّ البِلَى وطُلُولُ
دعانا الهَوى واستوقَفَتْنا المَعارِفُ /
وأَدَمى الحَشا والشَّوقُ للكَلْمِ قارِفُ /
حمائمُ وُرُقٍ في الغصونِ هواتفُ /
فباكٍ بداءٍ بينَ جَنْبيهِ عارفُ / وباكٍ بما جرَّ الفِراقُ جَهولُ
فإنْ كان سؤلاً للنّفوسِ بلاؤُها / فإنّكِ للْبَلْوَى وإنَّك سُولُ
تَوَهمٌ ما أراني الدَّهرُ أمْ حُلُمُ /
وصَبْوَةٌ كلُّ هذا الوجدِ أمْ لَمَمُ /
أحببتُ قوماً وإفراطُ الهَوى نَدَمُ /
ولَّوُا فَلَما رجوْنا عدلَهم ظلموا / فليتَهم حكموا فينا بِما علِموا
ساوَى حُضورَهُمُ عِندي مغيبهُمُ /
وصنتُهم فيهما عَمّا يَعيبُهمُ /
ومُنذُ قالَ الوَرى هذا حبيبُهمُ /
ما مرَّ يوماً بفكري ما يَريبُهمُ / ولا سَعَتْ بي إلى ما ساءَهُمْ قَدَمُ
كَمْ رُضْتُ نفسيَ بالسُّلوانِ فامتَنَعَتْ /
وكَمْ أضاعوا مواثيقَ الهَوى ورعَتْ /
فما نقمتُ عليهمْ غَدَرةً فَضَعَتْ /
ولا أضَعْتُ لهم عهداً ولا اطَّلَعَتْ / على وَدائِعِهِمْ في صَدْريَ التُّهَمُ
مِنْ فَرْطِ وجدي بِهمْ أحبَبْتُ غَدْرَهُمُ /
واللّومُ فيهم لسَمْعي مِنهُ ذِكْرهُمُ /
وصنْتُ حتّى عن الأوْهامِ سِرَّهُمُ /
فليتَ شِعري بِما استَوْجَبْتُ هَجْرَهُمُ / مَلّوا فَصَدّهُمُ عن وَصْلَيَ السّأَمُ
ما صَرَّحوا لي بأسبابِ القِلى وكَنَوْا /
إلاّ وَقال الهَوى مَهْلاً سواكَ عَنَوْا /
وكُلّما أَهْمَلوا حِفْظَ الهَوى وَوَنَوا /
حَفِظْتُ ما ضيّعوا أَغْضَيْتُ حين جنَوْا / وَفَيْتُ إذ غَدَرُوا واصَلْتُ إذ صَرَموا
كَمْ قَدْ سَعَيْتُ حريصاً في مُرادِهِمُ /
وكَمْ رَعَيْتُ هَواهُمْ في بِعادِهِمُ /
فَحينَ أصبَحْتُ طَوْعاً في قِيادِهمُ /
حُرِمْتُ ما كنْتُ أرْجو من وِدادِهِمُ / ما الرِّزقُ إلاّ الذي تجري بهِ القِسَمُ
أوْطَنْتُهم خِلْبَ قَلبي دونَ مَوْطِنِهِم /
فأحْرَجوا بِالتَجنّي رَحْبَ مَسْكَنِهِم /
حَتّى لعنْد مُسيئيهِم ومُحسنهِم /
مَحاسِني مُنْذُ مَلّوني بِأعيُنِهِمِ / قَذىً وذكْري في آذانِهِم صَمَمُ
هُم أباحوا الضَّنى جِسْمي وكانَ حِمى /
وأمْطروا مُقْلَتِي بعدَ الدُّموعِ دَمَا /
ومَا رَعَوا في الهَوى عَهْداً ولا ذِمَمَا /
وبعدُ لو قيلَ لي ماذا تُحِبُّ وما / مُناكَ من زينةِ الدّنيا لَقُلْتُ هُمُ
راعُوا فُؤادي بالهِجرانِ حينَ أمِنْ /
وكانَ بالوصْلِ منهُم لَوْ رَعَوْه قَمِنْ /
ولَوْ تعوَّضَ عنهُم بالشّباب غُبِنْ /
هُمُ مجالُ الكَرى من مُقْلَتَيَّ ومِنْ / قَلبي محلُّ المُنى جاروا أو اجْتَرَموا
لَمْ يَتْرُكِ الوَجْدُ لي في غيرِهمْ أَمَلا /
ولَم أُطِعْ فيهِمْ نُصْحاً ولا عَذَلا /
وبعدَ ما أشعروني في الهَوى خَبَلا /
تبدّلوا بي ولا أبغي بِهم بَدَلا / حَسْبي بهم أَنصفوا في الحُكمِ أوْ ظَلَموا
فَقُلْ لساري الدُّجى تهديه ظُلْمَتُهُ /
واللّيلُ كالبحرِ تعلو الأرضَ جُمّتُهُ /
تُغْري الفَلا والدُّجى والهولَ عزْمَتُهُ /
يا راكِباً تقطَعُ البيداءَ هِمُّتُهُ / والعيسُ تعجِزُ عمَّا تدركُ الهِممُ
إذا وصلتَ وقاكَ اللهُ مَهلكَةً /
وذادَ عنكَ الرَّدى إن خُضتَ مَعركةً /
فَما سلمتَ فقدْ مُلِّكْتَ مملكَةً /
بلّغْ أَميري معينَ الدّين مَأْلُكَةً / منْ نازحِ الدّار لكنْ وُدُّهُ أَمَمُ
لَمّا وَليتَ الرّعايا سُرَّ كلُّ ولي /
وسُسْتَهُم بالتُّقى في القولِ والعَملِ /
تُمْضي القضايا بِلا حَيْفٍ ولا زَلَلِ /
وأنتَ أعدلُ من يُشكى إليهِ ولي / شَكِيَّةٌ أنتَ فيها الخصْمُ والحَكَمُ
فاسمَعْ قضيّةَ مَأخوٍذ بخُلَّتِهِ /
وفاؤُه لكَ أرْداهُ بغُلَّتِهِ /
ولَمْ يكُن عالماً في طِبِّ عِلَّتِهِ /
هَلْ في القضيّةِ يا مَنْ فضلُ دولتِهِ / وعدلُ سيرتِهِ بينَ الوَرى عَلَمُ
أمْ في كريمِ السَّجايا وهيَ قَدْ فُقِدَتْ /
أمْ في العُلا وهي بالعُدوانِ قد عُدمَتْ /
وساءَها فَلَحتْ من بعد ما حَمِدَتْ /
تَضييعُ واجِب حقِّي بعد ما شهِدتْ / به النّصيحةُ والإخلاصُ والخِدَمُ
يا لهفَ نفسي ولهفٌ طالَما شَفَتِ /
لم تُغنِ عنّي تجاريبي ومعرِفَتي /
حتى اغتررْتُ بآمالٍ مزَخْرَفَةِ /
وما ظننتُكَ تنسى حقَّ معرفتي / إنّ المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ
يا مَنْ إذا استأذَنَ السّاعي عَلَيه أَذِنْ /
إِذا الغَديرُ أقامَ الماءُ فيهِ أجِنْ /
وَلَمْ يطلُ مكثُ ميثاقي فكيف أَسِنْ /
ولا اعتقدتُ الذي بيني وبينَك مِنْ / وُدٍّ وإنْ أجلبَ الأعداءُ يَنْصَرِمُ
وكم رَماني العِدا بَغياً بِإفكِهِمُ /
فلَمْ أَرقَّ ولم أفرَقْ لبَغْيِهِمُ /
وكم سَعَوْا بي فلَمْ أحفِل بسعْيِهِمُ /
لكنْ ثِقاتُكُ ما زالوا بغشِّهِمُ / حتّى استوتْ عندكَ الأنوارُ والظُّلَمُ
ما كان أبعَدَهُم فهماً وأجهَلَهُمْ /
مالوا ومالَوْا عَلى من كانَ مَوَّلَهُمْ /
وقبلَهُ خَوَلا كانوا فخَوَّلَهُم /
باعوكَ بالبَخسِ يرجون الغنى ولَهُمْ / لو أنَّهم عَدِموكَ الويلُ والعَدَمُ
كيفَ اغتررتَ بِهِمْ فيما أَمَرْتَهُمُ /
حتى كأنَّك يوماً ما خبرتَهُمُ /
وغورُهمْ كان يبدو لو سَبَرتَهُمُ /
واللهِ ما نصحوا لمَّا استشرتَهُمُ / وكلُّهم ذو هوىً في الرأيِ متَّهَمُ
كان التحاملُ منهمْ في إشارَتِهِم /
والنّقصُ في دينِهم أو في عِبارتِهِم /
وكلُّ ذلكَ نوعٌ من تجارتِهِم /
كم حرَّفوا من مقالٍ في سِفارتِهم / وكم سَعَوْا بفسادٍ ضلُّ سعيُهُمُ
قالوا الأميرُ وفيٌّ بالعهودِ فلُذْ /
بِذي الحميَّةِ إن خَطْبٌ ألمَ وعُذْ /
والوصفُ في السمعِ قبلَ الامتحانِ يَلَذّ /
أين الحميّةُ والنّفسُ الأبيّةُ إذْ / ساموكَ خُطَّةَ خسفٍ عارُها يصِمُ
لمَّا رأيتَ لصَرفِ الدّهرِ واعِظةً /
للخيرِ والشَّرِّ ما تَنفكُّ حافظةً /
حتى تَشيعَ سماعاً أو ملاحظَةً /
هلاّ أنِفْتَ حياءً أو محافظةً / من فعلِ ما أنكرَتْهُ العُربُ والعجمُ
أتيتَ فينا وما اقتادتْكَ مَوجِدةٌ /
إساءةً هي للإحسانِ مُفسِدَةٌ /
أغربْتَ فيها فجاءَت وهي مُفردةٌ /
أسلمتَنا وسيوفُ الهند مغمَدةٌ / ولم يُروِّ سِنانَ السمهرِيِّ دَمُ
ما شُبتُ حُسنَ ظُنوني فيكَ بالتُّهَمِ /
ولم تَمُرَّ بِفِكْري خَجلةُ النَّدمِ /
وأنَّ إفك الأَعادي مُخْفِرٌ ذمَمي /
وكنتُ أَحسَبُ مَن والاكَ في حَرمٍ / لا يَعتريه به شَيْبٌ ولا هَرَمُ
يأوي إلى حُسن عهدٍ مِنكَ ما ابتُذِلا /
ولا ابْتَغى بصديقٍ صادِقٍ بَدَلا /
ولا رأَى الخِلُّ منه ساعةً مَلَلا /
وأَنَّ جارَك جارٌ للسموءَلِ لا / يَخشى الأعادي ولا تَغتالُه النِّقَمُ
إساءةً جئتَها واللهُ يغفُرهَا /
يُذيعُها الدَّهرُ في الدّنيا وينشُرُها /
والخلقُ أجمعُ يأباها ويُنْكِرها /
هبنا جَنَينا ذُنوباً لا يُكَفِّرُها / عُذْرٌ فماذا جَنى الأطفالُ والحُرُمُ
ما زلتَ في كلِّ حالٍ مُحسناً وَرِعَا /
ترى الإساءةَ في وجهِ العُلا طَبَعا /
لكنَّ فِعلَك فيهم جاءَ مُبتَدَعا /
ألقَيتَهم في يدِ الإفرنج مُتَّبِعا / رضا عِداً يُسخِطُ الرحمنَ فِعلُهُمُ
أَخفى الهوى عَنك بعد الكشفِ أمرَهُمُ /
حتّى لأنكرتَ يا مَخدوعُ مكرَهُمُ /
وسوفَ تَعرِفُ بعد الفَوتِ غَدرهُمُ /
همُ الأعادي وقاكَ اللهُ شرَّهُمُ / وهُم بزعمِهِمُ الأعوانُ والخدَمُ
ما أنصفوكَ أتَوْا ما لستَ تَجهلَهُ /
وما استَقَلّوا بعبءٍ أنت تحمِلُهُ /
وخالفوا كلَّ خيرٍ كنتَ تَفعلُهُ /
إذا نهضتَ إلى مجدٍ تُؤثِّلُهُ / تَقاعدوا فإذا شيَّدتَهُ هَدَموا
صَدَّقْتَهمْ وعهودُ القومِ كاذبةٌ /
وكلّ أحلامِهم في الغدرِ عازِبةٌ /
لغيرِ دولتِكَ الغرّاءِ طالِبَةٌ /
وإن عَرَتكَ من الأيّامِ نائبةٌ / فكلُّهم للَّذي يُبكيكَ مُبتَسِمُ
ضَلالَةٌ قد أظلّتهُم غَوايتُها /
ودولَةٌ رُفعت بِالغدْرِ رايَتُها /
دَنت لِكُفرانِها النُّعمى نِهايَتُها /
حتى إذا ما انجلَت عَنهُمْ غَيابَتُها / بِحِدِّ عَزمكَ وهو الصَّارِمُ الخَذِمُ
وأصبحوا في نعيمٍ ما له خَطرُ /
ما يعتري عَيشَهم بؤسٌ ولا ضَررُ /
ولم يَرُعَ سَرحَهُم خوفٌ ولا حَذَرُ /
رَشفتَ آجنَ عيشٍ كلُّه كدَرٌ / وَوِرْدُهم من نداك السلسَلُ الشَّبِمُ
أحلَتَهُمْ غَلطاً أعلى ذرى الأُفُقِ /
فلم يَرَوْا حقَّ تلكَ الأنعُمِ الدُّفُقِ /
وعامَلوكَ بِغِشِّ الغِلِّ والمَلَقِ /
وإن أتاهُم بقَولٍ عنكَ مُختَلَقِ / واشٍ فَذاك الذي يُحبى ويُحتَرَمُ
أَخفَوْا من الغِلِّ ما أخفَوْهُ ثمَّ عَلَنْ /
وأضمَروا مِحناً مِن غِشِّهم وإحَنْ /
وأنكروا نِعَماً طوَّقْتَهُم ومِنَنْ /
وكلُّ مَن مِلْتَ عنهُ قرَّبوهُ مَنْ / والاك فَهو الذي يُقصى ويُهْتَضَمُ
ما زلتَ في وُدِّهم تَجري على سَنَنِ /
وهمْ عِداك فيا لله للغَبنِ /
أعوانُ عادِيةِ الأيّامِ والزّمنِ /
بغياً وكُفراً لِمَا أوليتَ من مِنَنِ / ومَرتَعُ البغيِ لولا جَهلُهم وِخِمُ
أَخفيتَ بادي مَساويهم لِتَسْتُرَهُمْ /
ولو كشفتَهُمُ لم ترض مَكسِرَهُمْ /
فاكشِفْ ببحثِك ما أخفَوْا لتُنكرَهُمْ /
جرِّبهُمُ مثل تجريبي لتَخْبُرَهُمْ / فلِلرّجالِ إذا ما جُرّبوا قِيَمُ
ما زلتُ مُذْ كنتُ في عينِ العَدوِّ قَذى /
يَرى محلِّيَ فَوق النَّجمِ مُنتَبِذا /
فسلهمُ بي تَزِدهُم مِن جَوىً وأَذى /
هل فيهِمُ رجلٌ يُغني غَنايَ إِذا / جلَّى الحوادِثَ حدُّ السَّيف والقَلَمُ
أم فيهِمُ من يُجلِّي حِندِسَ الشَّبَهِ /
بِعَزمِ أروعَ مِدراكٍ لِمَطْلَبِهِ /
ماضٍ على الهَولِ مُستوطٍ لمَركَبِهِ /
أم فيهمُ مَن لَه في الخَطبِ ضاق به / ذَرعُ الرجالِ يدٌ يسطو بها وفَمُ
عرفتَ غِشَّهُمُ في السِّرِّ والعَلَنِ /
وأنَّ نِيَّاتِهم ملأى مِن الدَّرَنِ /
ولم تَزل عاكِفاً منهم على وَثَنِ /
لكنَّ رأيَكَ أدناهُم وأبعَدني / فليتَ أَنَّا بِقدرِ الحُبِّ نَقْتَسِمُ
لمَّا خَلَطْتَ يَقينَ الوُدِّ بالشَّبَهِ /
رَعيتَ عَهدي بطَرفٍ غَيرِ مُنتَبِهِ /
ومِلتَ بالوُدِّ عن مَلْحوبِ مَذْهَبِهِ /
وما سَخِطتُ بِعادي إذْ رضيتَ بِه / ولا لجُرحٍ إذا أرضاكُمُ أَلَمُ
لا تَحسبَنَّ الرّزايا ضَعْضَعَتْ جَلَدي /
ولا النّوى عن دمشقٍ فَتَّ في عَضُدي /
أنَّى ثَوى اللَّيْثُ فَهو الخِيْسُ للأسَدِ /
ولستُ آسَى على التَّرحالِ عن بَلد / شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ
أقولُ إذ فاتَ حَزمي عزَمَةُ الرّشَدِ /
وقد بَدا ليَ ما لم يَجرِ في خَلَدي /
لله درُّكَ لولا الغَبْنُ من بَلَدِ /
تعلَّقَتْ بِحبالِ الشَمسِ مِنهُ يَدي / ثَمَّ انثَنَتْ وهي صِفرٌ مِلْؤُها نَدَمُ
كم عَزَّني أمَلي فيه وسوَّفَني /
وكَم وثِقتُ بميعادٍ فأخْلَفَني /
حتى تَلاشى رجائِي فيهِ ثمَّ فَنِي /
لَكِنْ فِراقُكَ آسانِي وآسفَنِي / فَفي الجوانِح نارٌ منه تَضْطَرِمُ
ومثلَ وجدِي لبُعدِي عنكَ لم أَجِدِ /
وكَم شَجِيتُ بتَرحَالٍ ومُفْتَقَدِ /
فَما تنكّر لِي صبْرِي ولا جَلَدِي /
فاسلَم فما عِشتَ لي فالدَّهرُ طَوْعُ يَدِي / وكلُّ ما نَالَنِي من بُؤسِهِ نِعَمُ
ويح السنين ومرها
ويح السنين ومرها / ماذا بنا هي فاعله
جعلت عصاي ولم تكن / شغلي لكفي شاغله
محمولة هي في المجا / ز وفي الحقيقة حاملة
والعمر ألجأني إلي / ها والقوى المتخاذلة
والنفس عما سوفى تل / قى حين تسلم غافلة
وجميع مكروهاتها / في العيشة المتطاولة
يهون الخطب أن الدهر ذو غير
يهون الخطب أن الدهر ذو غير / وأن أيامه بين الورى دول
وأن ما سر أو ما ساء منتقل / عنا إلا فإنا عنه ننتقل
سقى دارهم هامي الغمام وهامله
سقى دارهم هامي الغمام وهامله / ونور ذاوي الروض فيها وذابله
وعاد بها طيب الليالي التي خلت / وغبطة عيش قد تقضت غياطله
منى يتمناها على بعد نيلها / كذوب الأماني ذاهب القلب ذاهله
وبعض الأماني ضلة وإذا انقضت / أواخر دهر كيف تثنى أوائله
ديار بها صاحبت شرخ شبيبتي / أجادده طورا وطورا أهازله
أروح إلى لهو الصبا ونعيمه / وأغدو على ليث كمي أنازله
عهدت بها عين المها دون حجبها / أسود الشرى يلقى لأردى من تصاوله
وسرب ظباء تحجب الشمي دونه / وتحجب عن طيف الخيال عقائله
وكل أخي بأس كريم تخاله / إذا ما انتفى سيفا جلته صياقله
فلم يبقى مما كان إلا ادكاره / وحسرة قلب لا تقر بلابله
وكنت أرى ما سرني غير زائل / ويخطئ نهج الحزم من هو جاهله
فما كان إلا الطيف يحسب في الكرى / يينا فإن بان الكرى بان باطله
يعنفني في الدار صحبي على البكا
يعنفني في الدار صحبي على البكا / فيا ويح قلبي من خلي وجاهل
وقالوا أتبكي للمنازل قلت لا / ولكنما أبكي لأهل المنازل
إلى الله أشكو روعتي لمنازل
إلى الله أشكو روعتي لمنازل / خلت وجوى قلبي لأهل المنازل
سيوفي إذا ما نازلتني ملمة / حصوني إذا خفت الردى ومعاقلي
مضوا سلفا قبلي فلم أحظ بعدهم / من العيش والعمر الطويل بطائل
قصر خطوي وحنا صعدتي
قصر خطوي وحنا صعدتي / مرور دهر خائن خابل
وصار كفي مألفا للعصا / من بعد حمل الأسمر الذابل
أمشي بضعف وانحناء على / عصاي مشي الصائد الخاتل
كأنني لم أمش يوم الوغى / إلى نزال البطل الباسل
ولم أشق الجيش لا أختشي / من الردى كالقدر النازل
فانظر إلى ما فعل العمر بي / من طوله لم أحظ بالطائل
يا حسرتا إني غدا ميت / على فراشي ميتة الخامل
هلا أتاني الموت يوم الوغى / بين القنا والأسل الناهل
أريد عصا من أبنوس تقلني
أريد عصا من أبنوس تقلني / فإن الثمانين استعادت قوى رجلي
ولو بعصا موسى اتقيت لآدها / على ما بها من قوة حمل ثقلي
ولكن تمنينا الرجاء بباطل / ولكم قدر ما ترجى المنايا ولم تمل
إذا بلغ المرء الثمانين فالردى / يناجيه بالترحال من جانب الرحل
حسن التواضع في الكريم يزيده
حسن التواضع في الكريم يزيده / فضلا على الأضراب والأمثال
يكسوه من حسن الثناء ملابسا / تنبو عن المترفع المختال
إن السيول إلى القرار سريعة / والسيل حرب للمكان العالي
حذرتني تجاربي صحبة العا
حذرتني تجاربي صحبة العا / لم حتى كرهت صحبة ظلي
ليس فيهم خل إذا ناب خطب / قلت مالي لدفعه غير خلي
كلهم يبذل الوداد لدى ال / يسر ولكنهم عدى للمقل
فاعتزلهم ففي انفرادك منهم / راحة النفس من حذار وذل
إذا حل حالك صبغ الشباب
إذا حل حالك صبغ الشباب / سقى عهده الغيث من ماحل
فماذا الغرور بزور الخضا / ب لولا التعلل بالباطل