القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 63
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ / وَأَشرَقَ في العَينِ حَتّى بَهَرْ
حَديثٌ شَفى النَفسَ مِن دائِها / وَأَطفَأَ مِن وَجدِها المُستَعِرْ
فَقُل لِبَني مِصرَ جَدَّ الثِقاتُ / فَسُدّوا المَسامِعَ عَمَّن هَذَرْ
أَلا إِنَّهُ لَحَديثُ المُلوكِ / فَنِعمَ الحَديثُ وَنِعمَ الخَبَرْ
أَذاعوهُ ثانِيَةً فَاِنبَرى / يَروحُ بِهِ البَرقُ أَو يَبتَكِرْ
أَبانَ لِملنرَ مَعنى الشَبابِ / لِشَعبٍ يَراهُ صَريعَ الكِبَرْ
لَقَد أَخَذَ الشَكُّ بَعضَ النُفوسِ / فَرابَ السَبيلُ وَزاعَ البَصَرْ
وَمِن نَكَدِ الدَهرِ أَن يَستَعينَ / بِكَيدِ العِظاتِ وَظُلمِ العِبَرْ
أَلَم يَأنِ لِلدَهرِ أَن يَزدَجِرْ / فَقَد أَتعَبَ الناسَ ما يَأتَمِرْ
رُوَيدَ الحَوادِثِ إِنّي اِمرُؤٌ / رَأَيتُ الأَعاجيبَ شَتّى الصُوَرْ
وَأَعجَبُها أُمَّةٌ تَشتَكي / خُطوبَ الزَمانِ وَفيها عُمَرْ
فَتى الهِمَمِ الناهِضاتِ الكِبارِ / وَمَولى الفِعالِ الحِسانِ الغُرَرْ
يَصونُ الذِمارَ وَيَأَبى القَرارَ / إِذا عَصَفَ الحادِثُ المُكفَهِرّْ
عَرَفناهُ أَكبَرَنا مَوقِفاً / وَأَصدَقَنا نَجدَةً في الغِيَرْ
إِذا اِنتَظَرَ القَومُ في النازِلاتِ / تَوَثَّبَ أَروَعَ ما يَنتَظِرْ
يُبادِرُها غَيرَ ذي رَعدَةٍ / إِذا اِستَوهَلَ الراجِفُ المُقشَعِرّْ
وَما جُعِلَت عَفَواتُ الثَنا / ءِ إِلّا لِذي الجُرأَةِ المُبتَدِرْ
نُؤَمِّلُهُ عِصمَةً لِلنُفوسِ / فَنِعمَ المُؤَمَّلُ وَالمُعتَصَرْ
وَنَرمي بِهِ حادِثاتِ الزَمانِ / إِذا ما رَمَتنا بِأَمرٍ نُكُرْ
لَهُ دَعوَةُ الخَيرِ تَجلو العَمى / وَتَهدي السَبيلَ وَتَنفي الغَرَرْ
تَدارَكَهُ فَاِستَوى مِن عَلٍ / وَأَرسى قَواعِدَهُ فَاِستَقَرْ
إِذا زَلزَلَ اليَأسُ صَرحَ الرَجاءِ / وَمالَ بِأَركانِهِ وَالجُدُرْ
يَعُدُّ مِنَ النَفَرِ الكابِرينَ / جَلالَ العُروشِ وَزَينَ السُرُرْ
حُماةُ البِلادِ إِذا اِستَصرَخَت / تُريدُ النَجاءَ وَتَبغي المَفَرّْ
وَأَقمارُها حينَ يُخفي الظَلامُ / ضِياءَ النُجومِ وَنورَ القَمَرْ
إِذا سَطَعوا في دَياجي الخُطوبِ / جَرى النورُ مِن حَولِهِم يَنتَشِرْ
وَإِن سَلَكوا خُطَّةً أَقبَلَت / تَسيرُ الجُموعُ وَتَمشي الزُمَرْ
لَهُم بَينَنا الغُرَرُ السابِقاتُ / مِنَ المَجدِ وَالباقِياتُ الأُخَرْ
وَما مِصرُ إِلّا رَجاءُ الجَميعِ / فَإِن ذَهَبَت ذَهَبوا في الأَثَرْ
أَمانَةُ آبائِنا الأَوَّلينَ / وَإِرثُ البَنينَ وَذُخرُ العُصُرْ
فَقُل لِلمُساوِمِ في عِرضِها / مَكانَكَ إِنّا رِجالٌ غُيُرْ
نَرُدُّ الهَضيمَةَ نُرمى بِها / وَنَصدُفُ عَن تُرَّهاتِ النُذُرْ
وَنَعلَمُ أَنّا عَلى واضِحٍ / مِنَ الحَقِّ يَعرِفُهُ ذو النَظَرْ
أَفي الحَقِّ أَنّا نَخونُ البَنينَ / وَنُغضِبُ آباءَنا في الحُفَرْ
يُخَوِّفُنا مَعشَرُ الموعِدينَ / وَلا خَوفَ مِمّا يَجُرُّ القَدَرْ
سِوانا يَجُرُّ قِيادَ الذَليلِ / وَيَنزِلُ مَنزِلَةَ المُحتَقَرْ
أَيُقضى عَلَينا قَضاءَ العَبيدِ / وَنُؤخَذُ بِالخَسفِ أَخذَ الحُمُرْ
فَلا وَأَبيكَ نُقِرُّ الأَذى / وَنَرضى الهَوانَ وَنَلقى الضَرَرْ
رَدَدنا عَلى القَومِ أَحكامَهِم / وَإِن أَصبَحَت شِرعَةً لِلبَشَرْ
فَلا الأَمرُ لِلقادِرِ المُستَبِدِّ / وَلا الحَقُّ لِلغالِبِ المُنتَصِرْ
أُنشُروا الآثارَ وَاِستَقصوا السِيَرْ
أُنشُروا الآثارَ وَاِستَقصوا السِيَرْ / وَاِبعَثوا الأَجيالَ غُرّاً وَالعُصُرْ
إِنَّ لِلآباءِ حَقّاً وَلَنا / غُرَرُ الأَبناءِ يَقفونَ الأَثَرْ
عَلِّمونا كَيفَ نُحيي ذِكرَهُم / وَنُحَيّي فيهِمُ العَهدَ الأَبَرّْ
بورِكَ العَهدُ وَإِن طالَ المَدى / وَتَوَلَّتهُ خُطوبٌ وَغِيَرْ
عَهدُ مِصرَ الحُرُّ إِذ هُمُ أَهلُها / وَإِذِ التيجانُ فيهِم وَالسُرُرْ
أَيُّ مُلكٍ لَم يُزَلزِل رُكنَهُ / مُلكُ خوفو وَرَعمسيسَ الأَغَرّْ
غَمَرَ الأَرضَ بِعِلمٍ زاخِرٍ / وَرَمى الدُنيا بِبِأسٍ مُستَعِرْ
تِلكَ آثارُ الفَراعينِ الأُلى / غَلَبوا الدَهرَ وَهَمّوا بِالقَدَرْ
كَرِهوا مِن عِزَّةٍ أَن يُصبِحوا / كَبَني الدُنيا رَماداً في الحُفَرْ
فَهُمُ اليَومَ حَياةٌ غَضَّةٌ / مِن عِظاتٍ بالِغاتٍ وَعِبَرْ
تَنصَحُ الدَهرُ وَتَهدي أَهلَهُ / وَتُري الجِنَّ أَفاعيلَ البَشَرْ
آيَةُ الأَجيالِ قامَت بَعدَهُم / لِيَراها مَن تَوَلّى أَو غَبَرْ
يَقشَعِرُّ الدَهرُ مِن هَيبَتِها / وَهيَ راسٍ عِزُّها ما يَقشَعِرّْ
إِنَّ في النَيروزِ مِن أَخبارِها / رَنَّةً تَملَأُ نَفسَ المُدَّكِرْ
جَعَلوهُ عيدَهُم فيما مَضى / فَاِجعَلوهُ عيدَ مِصرَ المُنتَظَرْ
عيدُها الحُرُّ يُحَيّي يَومَهُ / مِن بَنيها كُلُّ عالي النفسِ حُرّْ
وَليَكُن أَوَّلَ يَومٍ صالِحٍ / مِن حَياةِ المَجدِ فيها وَالخَطَرْ
نَحنُ في مِصرَ جَميعاً أُخوَةٌ / نَتَلَقّى النَفعَ فيها وَالضَرَرْ
دينُنا الحُبُّ وَمَوفورُ الرِضى / لَيسَ مِنّا مَن تَوَلّى أَو كَفَرْ
فَاِبتَهِج يا عيدُ وَاِذكُر ما تَرى / وَاِروِ لِلأَجيالِ مَأثورَ الخَبَرْ
نادِ القبورَ وبَشِّرْ كلَّ مقبورِ
نادِ القبورَ وبَشِّرْ كلَّ مقبورِ / حُمَّ النُّشورُ وحانت نَفخةُ الصُّورِ
قُلْ للمشارقِ كرَّ الدَّهرُ كرَّتَهُ / وهبَّ للثأرِ فيه كلُّ مَوْتورِ
ضُمِّي الجِراحَ وقُومي غيرَ هائبةٍ / فلن يروعَكِ ذو ضِغْنٍ بمحذورِ
إن تَنهضي اليومَ يَفزعْ كلُّ مُرْتَبئٍ / ويَنتفِضْ كلُّ ذي نابٍ وأُظفورِ
هي الحياةُ فَخُوضي النَّقعَ واقتحِمي / أهوالَ كلِّ مَرُوعِ السّاحِ مذعورِ
جُنَّتْ نواحيهِ مما أحدثتْ أُمَمٌ / تَنثالُ من جازرٍ يطغى ومجزورِ
مِنَ الأناسيِّ إلا أنّها مَرَدتْ / فالجنُّ تَنظرُ من ساهٍ ومسحورِ
القُوّةُ الحكمُ لا عدلٌ بِمُتَّبَعٍ / في الحاكِمينَ ولا ظُلمٌ بمحظورِ
شريعة السّيفِ يُمضيها جَبابرةٌ / من كلِّ مُستهزِئٍ بالله مغرورِ
أَمَا ترى الدَّمَ يجرِي في مَخَالبِهم / على الشرائعِ يمحو كُلَّ مَسْطورِ
ضَجَّ الحريبُ فقالوا هَزَّهُ طربٌ / وهَاجَهُ العهدُ مِن عِلمٍ ومن نُورِ
وَيْحَ العقولِ رُمينا من غَباوتها / بدولةٍ من بقايا الوهمِ والزُّورِ
النَّعشُ يغدو عليه كلُّ مُغْتبِطٍ / والقبرُ يمرحُ فيهِ كلُّ مسرورِ
هي الحضارةُ تجلو كُلَّ مُلْتَبِسٍ / من الأُمورِ وتُبدِي كلَّ مستورِ
الحقُّ من تُرَّهَاتِ الصائحين بهِ / والعدلُ فيما ترى آمالُ مقهورِ
والعذرُ للفاتكِ العادِي فإنْ جَزِعَتْ / نَفْسُ المُروَّعِ أَمَسْى غَيرَ معذورِ
والنَّفْيُ والقتلُ والتعذيبُ مَرْحَمَةٌ / مأثورةٌ وصَنيعٌ غَيرُ مكفورِ
لا أمّةٌ ذاتُ تاريخٍ ولا وَطَنٌ / كلٌّ هَباءٌ وشيءٌ غيرُ مذكورِ
والجهلُ أنفعُ ما تَرْقَى الشُّعوبُ بهِ / والذُّلُّ أسمى الأمانِي للجماهيرِ
وليس للمرءِ من مالٍ ولا وَلَدٍ / إلا على خَطَرٍ أو رَهْنَ تدميرِ
لا يملكُ النّفسَ إلا أن يُؤخِرَها / مَنْ أمرُه الأَمْرُ في أخذٍ وتَأْخيرِ
تلك الحياةُ فَقُلْ للآمرين بها / قَوْلَ الرَّسولِ رُوَيْداً بالقوارير
قالوا الحمايةُ عن أعناقِكم وُضِعَتْ / فليس مَطويُّها يوماً بِمنْشورِ
فاسْتَبشرِوُا اليومَ باسْتقلالِكُم وخُذوا / حقَّ البلادِ جميعاً غَيْرَ مَبْتُورِ
وغايةُ الجودِ بَيْنَ الناسِ أَنْ يَجِدوا / صَيْدَ النُّسورِ طعاماً للعصافيرِ
روايةٌ وخَيَالاتٌ مُنَمَّقَةٌ / تُصَاغُ مِن دار نُوّابٍ ودُستورِ
ماذا لنا وحياةُ النّيلِ في يدكم / والأَمرُ أَجْمعُ من نَقْضٍ وتقريرِ
دَعُوا المِزاحَ فَإنَّا أُمّةٌ صَدَقَتْ / لا تطلبوا الأمرَ أمسى غيرَ ميسورِ
إنَّ المشارِقَ هَبَّتْ بعد هَجعَتِها / تطوِي الجِواءَ وتلوِي بالأعاصيرِ
ترمي النُّسورَ فتهوِي عن مَعاقِلها / في السُّحبِ من جبلٍ عالٍ ومن سُورِ
أَوْفَتْ على الأُفُقِ المُسْوَدِّ فانْصدَعَتْ / سُودُ الغياهبِ عنه والدّياجيرِ
أَثارها الفاتحُ الغازي وأرْسَلَها / مِلْءَ الدُّنَى والمنايا والمقاديرِ
تَجيشُ في كلّ مُسْتَنٍّ ومُنْسربٍ / والبأسُ يُصْرخُ في آثارها سِيري
سِيري مُشَمِّرةً لا تبتغِي دَعَةً / فالسّيفُ خَلْفَكِ ذو جِدٍّ وتشميرِ
والحقُّ ليس بناجٍ في جلالتِه / إلا إذا لاَذَ بالبيضِ المآثيرِ
هيَ الدّواءُ لِداءِ البَغْيِ يَنْزَعُهُ / من النّفوسِ ويشفي كلَّ مصدورِ
إنّ السياسةَ لِلأقوامِ مَهْلكةٌ / فلا يَغُرَّنْكَ منها طولُ تَغْريرِ
إذا تَداوَى بها المغلوبُ طَاحَ بهِ / كَيدُ الأُساةِ وتضليلُ العقاقيرِ
تطوِي الممالكَ في الأكفانِ من ذهبٍ / جَمِّ التهاويلِ فتّانِ التّصاويرِ
ترى التّوابيتَ تُزْجَى في مخالِبها / بَينْ المَعَازفِ شتَّى والمزاميرِ
مواكبُ الشّرقِ لا قامت مَواكِبُهُ / إلا على كبَّةِ الشُّمِّ المغاويرِ
القائمينَ بحقّ السّيفِ ما ظَلَمُوا / يوماً ولا عَابَهُمْ خَصْمٌ بتقصيرِ
لا يَطعمُ الضرَّبَ إلا حين يَجْمَعُهُم / يَوْمٌ يُبَرِّحُ بالجُرْدِ المحاضيرِ
مِن كلّ مُنذلِقِ الغاراتِ يُوطِئُها / أعقابَ كُلِّ حَثيثِ الرّكضِ مدحورِ
تَسْتَرعِفُ الحربُ منه حَدَّ مُنصَلتٍ / طَبِّ المضاربِ بالأعناقِ مطرورِ
إذا الصفُّوف على راياتِه الْتَحَمَتْ / تكشَّفتْ عن عزيزِ البأسِ منصورِ
لا يتَّقي الرَّوعَ إن صَاحَ النذيرُ ولا / يُلقي إلى السّيفِ يوماً بالمعاذيرِ
يَرَى الخلافةَ عِرضاً والهلالَ دماً / ومَجْدَ عُثمانَ ديناً جِدَّ موفورِ
ولا يَعُدُّ حياةَ الشّعبِ مَسْكنةً / في مَحْصَدِ القَيْدِ أو في مُحْكمِ النِّيرِ
إنّ الذي خَلَقَ الإنسانَ حَرَّرَهُ / فَلَنْ يَدينَ بِرِقٍّ بعدَ تحريرِ
الدّينُ والعقلُ لا يُعطِي مَقادَتَهُ / سِواهما كلُّ منهيٍّ ومَأمُورِ
والنّفسُ لا تَحْمِلُ الإيمانَ إن حَمَلَتْ / حُبَّ التماثيلِ أو خَوْفَ النَّواطيرِ
الحكمُ للهِ والأقدارُ جاريةٌ / والموتُ آتٍ ويبقى كلُّ مأثورِ
ما أَجْدَرَ النّاسَ باسْتِعظَامِ أَنْفُسِهم / وأَجْمَلَ الصَّمْتَ بالقوم المهاذيرِ
هل حارب الله إلا كلُّ ذي سَفَهٍ / أو شاغَبَ الحقَّ إلا كلُّ مأجورِ
لا يَغْلِبِ الحقَّ يَرْدَى في كتائبهِ / جُنْدُ الدّراهمِ أو جيشُ الدّنانيرِ
إن الأُلى زَلْزَلُوا الدُّنيا بأنْقَرةٍ / واستجفلوا الناسَ من صاحٍ ومخمورِ
أَلقُوا على الشّرقِ آياتٍ مُبَيَّنَةً / بِيضَ الصّحائفِ من نُصْحٍ وتذكيرِ
لم يبعثوا الحربَ حتّى اجْتاحَ عاصِفُها / مَكْرَ الدُّهاةِ وتدبيرَ المناكيرِ
الحربُ عِنْدَ بَني عُثمانَ مُعجزةٌ / تُعْيي العُقولَ وتُلغِي كلَّ تدبيرِ
لولا الذي ابتدعوا في الدّهر من سِيَرٍ / مَشْهورةِ الذّكرِ أضْحَى غيْر مَشهُورِ
في ذِمَّةِ التُّركِ دُنيا لا تَضيقُ بها / سُيوفُهم وزَمانٌ غيرُ مَعْسورِ
يأتي فيستلُّ من أكفانِها أُمماً / ضاقت بها سَعَةُ الأجداثِ والدُّورِ
تشكو المشارقُ دُنيا غيرَ صالحةٍ / مكروهةً وزماناً غيرَ مبرورِ
أظلَّها الفاتِحُ الغازي وشَارَفها / عَهْدٌ مِن الخيرِ مَيْمونُ التّباشيرِ
لا أَخلَفَتْكِ الأمانِي مِن مُوَلهّةٍ / يبكي لها النّاسُ من حُرٍّ ومقصورِ
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا
مَن كان يُؤثِرُ أن يُجيبَ فقد دعا / عبدُ المجيدِ خليفةُ المختارِ
لَبُّوا الخليفةَ وَاشْرَعوا لِنُفوسِكم / سَنَنَ الوفاءِ وخُطّةَ الإِيثارِ
وَقَفَ النبيُّ يَضِجُّ حول لوائِه / ويَصيحُ بالمتردّدينَ بَدارِ
مُدّوا الأكفَّ مُبايعينَ فإنّه / يومُ النبيِّ وموقفُ الأنصارِ
لا تَتْبَعوا المُتخلِّفين فإنّهم / جُنْدُ الغُواةِ وشِيعةُ الأغرارِ
يبغون دينَ المالِ في أربابِه / والدّينُ دينُ الواحدِ القهّارِ
هل صِينَ حقُّ القومِ أو مُنِعَ الحِمى / بمُساوِمينَ على الذِّمارِ تِجارِ
إنّ الخلافةَ قد تَداركَ سُورَها / بأسٌ يُزيلُ شواهِقَ الأسوارِ
عَزّتْ بأسيافِ الغُزاةِ ولن ترى / عِزَّاً كحدِّ الصّارمِ البتّار
لمّا رَمَى القَدَرُ المُروِّعُ رُكنَها / كانوا لها جُنداً من الأقدارِ
أَشَهِدْتَ ما عَقدَ الهُداةُ وأَبرَمتْ / أيدي الحُماةِ الجِلَّةِ الأخيارِ
فَشهِدتَ حَلَّ المُشكلاتِ على يدٍ / عَقدتْ لِواءَ الجحفلِ الجرّارِ
ورأيتَ كيف تعودُ طاغيةُ القُوى / بعد الطِّماحِ بذلّةٍ وصغَارِ
رفعوا المنارَ لكلّ شعبٍ حائرٍ / أعمى المطالبِ جامحِ الأوطارِ
يُزجِي الرَّجاءَ بكلّ أغبرَ قاتمٍ / خافي المعالمِ طامسِ الآثارِ
والنّاسُ في الدُّنيا مَنارُ هدايةٍ / ومُضلَّلٌ لا يهتدي بمنارِ
قُلْ للكنانةِ جَدَّ كلُّ مُجاهدٍ / ومضَى إلى الغاياتِ كلُّ مُبارِ
لكِ في الغُزاةِ النّاهضين بقومهم / عِظةُ الشعوبِ وعبرةُ الأقطارِ
غضبوا فما ركبوا إلى استقلالهم / إلا عُبابَ دمٍ ولُجَّةَ نارِ
ليس التغلُّبُ في الحياةِ لِمُدبرٍ / ذُلُّ الحياةِ عُقوبةُ الإدبارِ
المجدُ إقدامٌ ونهضةُ ثائرٍ / ما المجدُ مسكنةٌ وطولُ قرارِ
إن الشُّعوبَ إذا استقام سبيلُها / أمِنَتْ غَداةَ الجِدّ كلَّ عِثارِ
حيِّ الكنانةَ واَنْظُرْ كيف تَدَّكِرُ
حيِّ الكنانةَ واَنْظُرْ كيف تَدَّكِرُ / وَاذْكُرْ لها الصُّنعَ بعد الصّنعِ يَبْتَدِرُ
خَفَّتْ تُظلِّلُها الأعلامُ خافقةً / يمشي الشّبابُ بها حَرَّانَ يَستعرُ
يمشي إلى المجدِ ما بَادتْ مَعالمُه / ولا عفا السَّنَنُ الوضّاحُ والأَثَرُ
مَن كان ذا وَلَعٍ بالمجدِ يَطلبُهُ / فالسُّبلُ واسعةٌ والنُّورُ مُنْتَشرُ
إنّا لَنَحِمي تُراثَ الأوّلين فما / تشكو العظامُ ولا تَستصرخُ الحُفَرُ
قُلْ للشّبابِ اذكروا مَن كانَ يذكركم / أجِنَّةً في ثنايا الغيبِ تَنتظِرُ
الباذلَ النّفسَ ما يَخْشَى فَيُمسكها / عِندَ الفداءِ ولا يأبَى فيعتذرُ
والصّادقَ البأسَ يحمِي الوادِيَيْن إذا / صَدَّ الحُماةُ ونَامَ الذّادةُ الغُيرُ
لا تنكروا ما شَهِدنا قبل مولدِكم / لقد دعاكم فلبَّت مِنكمُ الصُّوَرُ
لو لاَنَ للغاصبِ العادي لأَوْرثكم / ذُلَّ الحياةِ فلا عزٌّ ولا خَطرُ
مَن حارب اليأسَ حتّى ارتدَّ يدفعه / جندٌ من الأملِ المقدامِ مُنتَصِرُ
ناج الشّهيدَ وحدّثْ بعده الأثرا
ناج الشّهيدَ وحدّثْ بعده الأثرا / وحَيِّ من نُورهِ ما كان مُدَّخَرا
نورٌ طوته عوادي الدَّهرِ آونةً / ثم انجلت فطوى الآفاقَ مُنتشرِا
وآيةُ الحقِّ أن لا شيءَ يغلبُه / من يغلب اللهَ أو من يدفع القَدَرا
يا أيّها العلَمُ المأمولُ حاملُه / لوقعةٍ تُفزعُ الأجيالَ والعُصُرا
تحيّتي لك نَفسٌ لا قرارَ لها / حتّى ترى النّيلَ لا مُرّاً ولا كَدِرا
السُّمُّ أعذبُ من ماءٍ تُدنَّسُه / يَدُ العَدُوِّ لنفسٍ تتّقي الضَّررا
والموت أطيبُ من عيشٍ يُنغِّصُه / عَضُّ القيودِ لشعبٍ يأنفُ الهَذَرا
أَقدِمْ عليُّ وسِرْ بالجندِ مُقتحِماً / لا تخلعِ النّقعَ حتّى تَلْبَسَ الظَّفَرا
سِرْ غازياً تَغمرُ الدُّنيا عساكرُه / أما ترى الشرَّ أمسى يَغمرُ البَشرَا
إنّ الطَواغيتَ ما يَنفكُّ باطشُها / يُلقِي على الأَرضِ من طُغيانهِ شرَرا
غَالِبْ جَبابرَة السَّكسونِ مُصطبِراً / حتّى ترى الوطنَ المغلوبَ مُنتصرا
طال التجاورُ فالأهرامُ جازعةٌ / تكاد تَذهبُ من طولِ المَدى ضَجَرا
والنّيلُ لولا رَجاءُ الله يمنعهُ / طغتْ عليه عوادي الهمِّ فاستعرا
أنت المرجَّى ليومٍ ليس يُخلِفُنا / فَخُضْ إليه خُطوبَ الدّهرِ مُبتدِرا
الشَعبُ حولك يَمضي حَيثُ تَبعثُه / فَولِّهِ وِجهةً يقضي بها الوَطرا
إنّا صَبَرنا على ما كان من مَضَضٍ / يُوهِي الجلاميدَ والعُقْبىَ لمن صَبرَا
ألا ردّدوا الأنباءَ عن فوز ماهرِ
ألا ردّدوا الأنباءَ عن فوز ماهرِ / فيا لكَ من فوزٍ على الخصمِ باهرِ
وهل خاصم الحرَّ الكريمَ سِوَى امرئٍ / على دولة الأحرارِ غضبانَ ثائرِ
شفى النّفسَ أن قد عاد خصمُ مُحمّدٍ / ذميمَ الخطى يمشي بصفقةِ خاسرِ
محمّدُ هذا بعضُ حقّك فالتمس / بَقِيَّتهُ واسْتَوفِهِ غيرَ ناظرِ
فمثلي يرى الإقدامَ للمرءِ سُؤدُداً / ومِثلُك يأبى حقَّه غيرَ وافرِ
تقدّمَ قَومٌ نازعوا المجدَ أهلَه / وجَدُّوا سِراعاً في انتحالِ المفاخرِ
فما أبصروا منّا امرأً غيرَ مُحجمٍ / ولا وَجدوا من قومنا غيرَ ناصرِ
إذا ما تركتَ الأمرَ تَرجو مصيرَهُ / فلستَ على ألّا يَضيعَ بقادرِ
ألم تَر أنّي قد بررتُ بذمَّتي / فأعرضتُ حتّى فاتني كلُّ فاجرِ
وما لفتىً مثلي على الدّهر ناصرٌ / إذا ما رماني بالدَّعيِّ المُكابر
نَزلتُ على حكم الوفاءِ وغالني / تقلّبُ شعبٍ ذي ألاعيبَ غادرِ
وما أنا بالسَّاعي أُساومُ معشراً / أقاموا بوادي النّيل سُوقَ الضمائرِ
لعمركَ ما حقُّ الشُّعوب دُعابةٌ / ولا حُرمةُ الأوطانِ سِلعةُ تاجرِ
تقدّمْ فما يُغني وقوفُك وَاقْضِها / لُبانةَ حُرٍّ نابهِ الذّكر كابرِ
حمدتُ صنيعَ القومِ إذ جانبوا الهوى / وجئت أُحيّيهم تحيّةَ شاكرِ
هنيئاً لهم لا سَعيُهم بِمُذَمَّمٍ / ولا جَدُّهم إذ آثروك بعاثرِ
أولئك أحرارُ الرجال فليتهم / كثيرٌ إذا ما جَدَّ جِدُّ المُكاثرِ
وليتك تُزجي كلّ يومٍ بشارةً / فقد طال ما بيني وبين البشائرِ
لكَ الخير نَفِّسْ عن أخيكَ بصالحٍ / وإن يَنْسَ ذو عهدٍ فكن خيرَ ذاكرِ
لَمِنْ تتركُ الصّنعَ الجميلَ وهل ترى / سوى أدبٍ غضِّ المُروءةِ ناضرِ
إذا الشّعرُ أدّى الحقَّ للحقِّ خالصاً / فذلك صوتُ النّيلِ لا صوتُ شاعرِ
برق بأنباءِ الأحبّة سارِ
برق بأنباءِ الأحبّة سارِ / صَدعَ القُلوبَ وطار بالأبصارِ
بلغ المطار به محلّةَ رازحٍ / نهضت إليه روائعُ الأقدارِ
قطع الصّلاةَ عليه قبل تَمامِها / فطوى أوائلَها بلا استغفارِ
وأقامَ للأحزانِ من صَلَواتها / نُسْكَ الهُداةِ وسُنّةَ الأبرارِ
صلّوا بني الوطنِ المُصابِ فإنّها / بلوى الشُّعوبِ ونكبةُ الأقطارِ
أودى عليٌّ بعد أحمدَ فانظروا / مَهوى الجبالِ ومَغرِبَ الأقمارِ
وسلوا الكِنانةَ هل لها من ناصرٍ / يُرجَى لِمنعِ حِمىً وصَوْنِ ذِمارِ
عصف الزّمانُ بها فطاحَ لِواؤُها / وهَوتْ سُيوفُ حُماتِها الأحرارِ
أَفضَى الجِهادُ بهم إلى مكروهةٍ / تَغتالُ بأسَ الفارسِ المِغوارِ
يُلقِي السّلاحَ وراءها ويحلُّها / كاللّيثِ عاد مُقلَّمَ الأَظفارِ
سَلَبَ الجبانُ بها الشجاعَ ذِراعَه / وهَوى الضَّعيفُ بهامةِ الجبّارِ
حُفَرٌ تموتُ بها القُوى ومنازلٌ / تَقرِى الترابَ نَضارةَ الزُوّارِ
قُمْ يا عليُّ فأنت أكرمُ قائمٍ / بالأمرِ بعد رِفاقِكَ الأخيارِ
فِيمَ الرُقادُ ومصرُ في أصفادِها / والشّعبُ رَهنُ مَذلَّةٍ وَصغارِ
أَشَفَيْتَ نفسَك حين مِلتَ إلى الكرى / ونزلتَ منزل هَدْأةٍ وقرارِ
أين الشّفاءُ لمن تَضمَّنَ قلبُه / ما بالكنانةِ من جوىً وأوارِ
كنتَ الزّعيمَ الحقَّ في أبنائها / لولا الحياءُ وصالحُ الإِيثارِ
أكرمتَ حزبَك عن مَطامِع عُصبةٍ / شتّى المطامعِ جمّةِ الأوطارِ
عَقدتْ على الغَدْرِ العُهودَ ذميمةً / وَلَوَتْ وُجوهَ مُساومين تجارِ
ووقفتَ جيشاً في طليعة فِتيةٍ / بيضِ الصّحائفِ وُضَّحِ الآثارِ
عَرفوكَ كَنْزَ هُدىً وذُخرَ مُروءةٍ / ورأوك سَيفَ وَغىً ولَيْثَ مَغارِ
أسفِي عليكَ ذهبتَ غير مُودَّعٍ / ومَضَيْتَ بين عَشيَّةٍ ونهارِ
أسفِي على الجارِ القريبِ يؤمُّه / عادى الرَّدى فيؤمُّ أبعدَ دارِ
جارَ الوفاءِ فُجِعْتُ منكَ بنازحٍ / نائي المحلَّةِ مُوحَشِ المُزدارِ
أنت الصّديقُ دفنتُ أكرمَ صُحبةٍ / فيهِ وأصدقَ ذِمّةٍ وجوارِ
لمّا نُعِيتَ إليَّ في وَضَحِ المُنى / سَدَّ الظّلامُ عليَّ مَطلعَ داري
أمسكتُ دمعي فاستهلَّ وهاجني / تَهطالُ آخرَ دافقٍ مِدرارِ
فعَرفتُ أبنائي ولستُ لهم أباً / حتّى يُقيموا سُنَّتي وشِعاري
صحبٌ صِغارُ السِّنِّ ما بِنُفوسِهم / لُؤمٌ ولا أحلامُهم بصِغارِ
عرفوا الزّعيمَ فغالهم ما غالني / لِفراقهِ وَاسْتَعبروا اسْتِعباري
يا فارسَ الوادي وحارسَ ضأنِه / الضأنُ فوضَى والذّئابُ ضواري
قُمْ غيرَ خوّارِ القناةِ فقد وهت / عَزَماتُ كلِّ مُنكّبٍ خَوّارِ
أنت الجديرُ بأن تُفارقَ أُمّةً / وقع الرعاةُ بها على الجزَّارِ
نَمْ غيرَ مكفورِ الجهادِ فإنّها / أيامُ كُلِّ مُشاغبٍ كفّارِ
جَمعٌ يُعظِّمُ كلَّ خَبٍّ ماكرٍ / ويُهينُ كُلَّ مُجاهدٍ صَبَّارِ
قُمْ يا خطيبَ النّيلِ في مَرْضَى الهَوى / وَاشْفِ النُّهى ببيانِكَ السحّارِ
رَاعَ المنابرَ خطبُ مِنبركَ الذي / نَسفَ الجبالَ ومال بالأسوارِ
لمّا استبقتَ القولَ في أعوادهِ / سِيقَتْ إليه يدُ القضاءِ الجاري
أشرفتَ منه تَهُزُّ شعباً رابضاً / والموتُ خلفَك رابضٌ مُتَوارِ
مَيْتٌ على ميتٍ ينوحُ وذاهبٌ / يبكي لِمظْعنِ ذاهبٍ سيّارِ
لاقيتَ ربَّك قائماً تقضي الذي / يقضي الوفيُّ لأُمّةٍ وديارِ
مِثلَ الشُّجاعِ هَوَى الحِمامُ بِسَرْجِهِ / تحتَ العَجاجِ فَطاحَ في المضمارِ
أحييتَ سُنّةَ مصطفى ولَقيِتَه / حيَّ المناقبِ خالدَ التَّذكارِ
فاذهبْ جُزِيتَ من الإله مثوبةً / ممّا اصطفى لفريقهِ المختارِ
حَيُّوا بمصرَ حُماتَها الأحرارا
حَيُّوا بمصرَ حُماتَها الأحرارا / وتَذكَّروا شُهداءها الأبرارا
إنّي لأُبصِرُ مصرَ في أعيادها / وأرى المهارجَ في السَّماءِ كِبارا
حيَّتكمُ الرُّسُلُ الكِرامُ وجَاءَكم / وَفدُ الملائكِ يَحملُ الأقمارا
كبّرتُ واسْتأذنتُ آخُذُ مَوقفي / بين المصاحفِ أنشدُ الأشعارا
فإذا الأَئمّةُ يهتدون بِنُورها / وإذا الخَوارجُ يَذهبون حَيارى
وَحيٌ من الإيمان يَكشفُ نُورُهُ / حُجُبَ الضَّلالِ ويهتكُ الأستارا
باسمِ الذي جَعلَ البيانَ أمانةً / أقضِي الحُقوقَ وأُكرِمُ الآثارا
هيَ هِمّةُ الشّعبِ الأبيِّ وَبأسُهُ / وَجِهادُه يستدفعُ الأقدارا
يَنطادُ عُلْويَّ المطالبِ مُمعِناً / ويصولُ جنِّيَّ القُوى جبّارا
يَطوي الزّلازلَ والرُّجومَ إذا انْبرَى / يمحو الحُصونَ ويَمسحُ الأسوارا
تَعِبتْ خطوبُ الدّهرِ فيه فأذعنتْ / تُلقِي القِيادَ وتَبسطُ الأعذارا
وَلِعَت بِمُضطَرِمِ الإِباءِ ومارسَتْ / جَلْداً على أهوالها صبّارا
والشّعبُ إن جمع الصُّفوفَ مُجاهداً / غلب الصِّعابَ وأدركَ الأوطارا
مَنْ يملكُ السَّيل الأتيَّ إذا انْتحَى / مِلءَ الشِّعابِ ويُمسِكُ التيّارا
ومَنِ الذي ينهَى الرِّياحَ ذوارياً / ويَسومُهنَّ إذا عَصَفْنَ قَرارا
شرُّ السياسةِ أن تَسودَ بَنِي الدُّنَى / غَصْباً وتلتهمَ الدُّنَى اسْتعمارا
ما شاءَ ربُّكَ أن يكونَ عِبادُهُ / هَمَلاً ولا خَلقَ الشُّعوبَ أسارى
هُبّوا بني الشُّهداءِ هذا يومُهم / هاج البقيعَ أسىً وهزَّ الغارا
أَهُمُ الأُلى رفعوا اللّواءَ تحيّةً / رُدّوا التحيّةَ وَارْفعوا الأبصارا
هَبطوا كَمُندفِع الشُّعاعِ جَرَى ضُحىً / يَرِدُ البِقاعَ ويهبطُ الأقطارا
وتنزَّلوا مِلءَ الجِواءِ جَلالةً / وهُدىً ومِلءَ الواديَيْن وقارا
إنّي لأَنظرُ مُصطَفى ورفاقَهُ / بين الصُّفوفِ مُكبِّرين جِهارا
الله أكبرُ ما لنفسٍ عِصمةٌ / حتّى يكونَ لها الإِباءُ شِعارا
سكن الضِّعافُ إلى الحياةِ مُذِلَّةً / وأَبَوْا فكانت عِزَّةً وفَخارا
والنّاسُ يأبون الصَّغائرَ مطلباً / إلا إذا حَملوا النُّفوسَ صِغارا
دَفعوا العدوَّ عن البلادِ مُناجزاً / وَرَمَوا به مُتغلِّباً قهّارا
لم يُغنِه الأسطولُ يَغمرُه دماً / والجيشُ يُطعِمهُ الممالكَ نارا
الحقُّ أُسطولُ الضَّعيفِ وجيشُه / إن شنَّ حرباً أو أرادَ مَغارا
إن كنتَ مُتّهِمي ولستُ بِمُغرِقٍ / فَسَلِ القَوِيَّ إذا طَغَى أو جارا
كم دولةٍ للظُّلمِ عاتيةٍ رَمَى / نَفَسُ اللَّهيفِ كِيانَها فانهارا
إنّ الأُلى سَدُّوا السَّبيلَ على العِدَى / فَتحوا العُقولَ وحَرَّروا الأفكارا
نَصروا الكِنانةَ حين ضاقَ خِناقُها / فتفجّعتْ تستصرخُ الأنصارا
وَهَبوا لها أعمارَهم وكأنّما / وَهبتْ لهم من أهلها الأعمارا
تَركوا المنازِلَ والدّيارَ فأصبحوا / سكنوا الخُلودَ منازلاً وديارا
إنّي رأيتُ النّاسَ رُسْلَ هدايةٍ / بذلوا النُّفوسَ وآخرين تجارا
هلا سألتَ القومَ أين زعيمُهم / أأصاب رِبحاً أم أصاب خَسارا
لن يَبعثوهُ ولن يُتاحَ له الغِنَى / ولوَ اَنّهم جعلوا الضَّريحَ نُضارا
يومَ الكنانةِ أنت أبلغُ واصفٍ / فصِفِ الوقائعَ وانْشُرِ الأخبارا
وانْشُدْ ودائعَ يومِ بَدرٍ إنّه / أمسى أخاً لكَ صادقاً أو جارا
أَخَوانِ في ذات الإلهِ كِلاكُما / نَصرَ الكتابَ وجاهدَ الكُفّارا
بالمانعين الحقَّ رِيعَ لِواؤُه / والدّافعينَ عن الحِمَى الأخطارا
النَّاهِضينَ إلى اللّقاءِ أعزّةً / المُعرضينَ عنِ الدِّماءِ طَهارى
مِن كلِّ مُنصَلتٍ أهابَ به الرَّدَى / فأجابَ لا وَجِلاً ولا خَوّارا
نَبَتِ الصَّوارِمُ في الكريهةِ فانتضتْ / منه المَنِيَّةُ صارِماً بتّارا
يا يومَ جَدّدَ لِلكنانةِ عَهدَهم / بُوركتَ يوماً صالحاً ونهارا
أرِنا الوغَى تجلو السُّيوفَ بَواتِراً / والخيلَ جُرْداً والعَجاجَ مُثارا
وأَفِضْ على النّيلِ الدِّماءَ زَكِيَّةً / تُحيي القُرى مَوْتَى الزُّروعِ قِفارا
زَهَتِ البِلادُ وما فَتِئْنَ هوامداً / ومضى الزّمانُ وما بَرِحْن حِرارا
إنّ الذي منع الكنانةَ رِيَّها / أخْلى الجداولَ منه والأنهارا
يجري الصَّدَى فيها ويندفعُ الرَّدى / مُتدفِّقاً مِلءَ القُرى زخّارا
سُبحانك اللّهمَّ أنتَ قضيتها / دُنيا تدورُ صُروفُها أطوارا
تعلو وتسفُلُ بالشّعوبِ حثيثةً / وتُتابِعُ الإقبالَ والإدبارا
أَدْرِكْ بفضلك أمّةً موقوذةً / تشكو إليك رُماتَها الأغرارا
ملك القضاءُ سبيلَها فاملكْ على / عِزريلِها الأنيابَ والأظفارا
وأَذِقْهُ حُكمكَ في الممالكِ إنّها / ذاقتْ على يدهِ الحِمامَ مِرارا
وتولَّنا في المؤمنينَ وآتِنا / نَصراً يَزيد المجرمين تَبارا
لِمَنِ ادّخرت النّصرَ أو أعددتَه / إن كنتَ تخذُلُ حِزبَكَ المُخْتارا
انْظُرْ إليه على تَمرُّدِ خَصمِه / أَأضاعَ حقّا أم أباحَ ذِمارا
إنّا اتّبعنا فيك آثارَ الأُلى / جعلوا كتابَكَ سُنّةً ومنارا
ثبِّتْ على الحقِّ المبينِ قُلوبَنا / في المتّقينَ وزلزلِ الفُجّارا
عِيدُ الفِداءِ جَرَى باليُمنِ طائِرُهُ
عِيدُ الفِداءِ جَرَى باليُمنِ طائِرُهُ / وَجدَّدتْ نَضرةَ الوادي بَشائِرُهُ
إنْ آثرَ الصَّمتَ يُغريهِ الوَقارُ بهِ / ضَجَّتْ بِمكتومِ ما تُخْفِي سرَائرُهُ
وإن طَوَى مِن حَديثِ الغَيبِ ما حَمَلْت / صُحفُ الزّمانِ طَوَى الآفاقَ نَاشِرُهُ
تِلكَ البَوادرُ لاحتْ غيرَ كاذبةٍ / ما أَسرعَ الأمرَ إن لاحتْ بَوادرُهُ
الشَّرقُ يَنهضُ والإسلامُ مُنتفِضٌ / يَبغِي المطارَ ويَأبَى الأَسرَ ثَائِرُهُ
صَاحَ الحُماةُ به فاسْتنفرتْ أُمَمٌ / دَارَ الزمانُ فَغَالتْها دَوائِرُهُ
نَامتْ عنِ الأمرِ حتّى ضَاعَ أكثرُهُ / والدّهرُ مُستوفِرُ الحِدثانِ ساهرُهُ
حِينٌ من الدّهرِ ما ساءت أوائلُه / إلا لِتَزْدَانَ بِالحُسنَى أَواخِرُهُ
جَدُّ الممالكِ ما استعلت مَطالِعُه / بالنّاهضين وشرُّ الجَدِّ عاثِرُهُ
وأصدقُ العزمِ ما لو جاشَ مُصطخِبٌ / مِنَ الحوادثِ غَالَتْهُ زَواخِرُهُ
جاب الجِواءَ ونال النَّجمَ مُنصلِتٌ / أعيا العُقابَ ورَاعَ النَّسْرَ كاسِرُهُ
ظَنُّوا بهِ من ظُنونِ السُّوءِ ما ضحكتْ / جُنودُهُ منه وَاسْتَحيتْ بَوادِرُهُ
الليثُ مُسْتَجمِعٌ يَبغِي فَريستَهُ / والويلُ للقومِ إن هَمّتْ أظافِرُهُ
لَتمنعنَّ دَمَ الإسلامِ مَلحمةٌ / يَسيرُ فيها على الأشلاءِ شاعِرُهُ
واليأسُ إن طرد الإيمانُ رائِدَهُ / لم يَبْقَ للنَّفسِ مِن شيءٍ تُحاذِرُهُ
ما بِتُّ إلا أظنُّ الصُّبحَ يكشف لي / عَن غُرَّةِ الزمن الوضّاحِ سافِرُهُ
بَطَلَ الكِنانةِ مَن لها ولأَهْلِها
بَطَلَ الكِنانةِ مَن لها ولأَهْلِها / يحمِي محارِمَها ويَكشِفُ عَارَها
مَنْ للغِمارِ يخوضُها إن نكّبتْ / عنها العزائمُ تتَّقِي أخطارَها
مَن للسياسةِ يَصطليِ جَمَراتِها / في حيثُ تَجتنبُ الدُّهاةُ أُوارَها
مَن للمغيرِ يَصُدُّه عن أُمَّةٍ / عَرَفَتْكَ في جِدِّ الوغَى بَتَّارَها
وَدّعتنا والحادثاتُ تَرُوعُنا / وتُطيلُ من حول الحِمَى تَهدارَها
هَوَّنْتَ من وَجدِ النُّفوسِ بِقَولةٍ / رَدّتْ عليها بالعَشِيِّ قَرارَها
أنت المؤمّلُ للبلادِ إذا انْتَحتْ / هُوجُ الخُطوبِ فَزلزلتْ أقطارَها
وإذا تُنوزِعَتِ المواقُف في غدٍ / أوفيتَ تأخذُ باليَديْنِ كِبارَها
المجدُ والخطرُ العظيمُ لأُمَّةٍ / وَعَتِ الأُمورَ فَعظَّمتْ أحرارَها
حَسْبُ الممالكِ أن تُعِزَّ حُماتَها / وتُجِلَّ في الهِمَمِ العُلىَ أنصارَها
اذكرونا في المُلِمّاتِ الكُبَرْ
اذكرونا في المُلِمّاتِ الكُبَرْ / واشْهَدوا أنّا الميامينُ الغُرَرْ
نَحنُ للإسلامٍ أَعلامُ الظَّفَرْ / وسُيوفُ الفتحِ تَجلُوها الغُمَرْ
أُمَّةَ الفُرقانِ زِيدِي عِظَما / وارْفَعِيهِ للمعالي عَلَما
امْلكِي الأرضَ وَسُودِي الأُممَا / إنّه الحكمُ الذي أَمْضَى عُمَرْ
أَنتِ عَلَّمتِ الشُّعوبَ الأُوَلا / سُبُلَ المجدِ وأسبابَ العُلا
إن تُريدي شاهِداً أو مَثَلا / فاسْأَلي الآياتِ واستفتِي السُّوَرْ
جَنِّدِي العِلمَ وسِيري لِلوَغَى / وابْتَغِي الحقَّ فَنِعْمَ المُبْتَغَى
خَابَ مَن أَدركَ دُنيا فَطَغَى / ورأى النّاسَ ضِعافاً فَفَجَرْ
أنْقِذِي العالمَ مِن آلامِهِ / واكْشِفي ما اعْتادَ مِن أوهامِهِ
لا تَخافيِ اللَّيثَ في إقدامِهِ / واذْكُرِي مَجْدَكِ في مَاضِي العُصُرْ
اذْكُرِي التّيجانَ حَيْرَى تَرْتَمِي / والعروشَ الشُّمَّ تَهوِي في الدَّمِ
جَاشَ بُركانُ القَضاءِ المُبْرَمِ / فَهْيَ غَرْقَى في العُبابِ المُسْتَعِرْ
نَحنُ للنّيلِ الشَّبابُ المُجْتَبَى / نَنْصُرُ اللهَ ونَأْبَى ما أَبَى
ولَنا بينَ العَوالي والظُّبَى / نَسَبٌ في البأسِ وَضّاحُ الأَثَرْ
هِمَّةُ النَّسرِ إذا ما نَهَضا / مِنْ سَجايا قَومِنا فِيما مَضَى
زَلزَلوا الدُّنيا فَرِيَعتْ وانْقَضَى / صَلَفُ الدَهرِ وَطُغيانُ الغِيَرْ
أَرَأيتَ القومَ مِمّا غَلَبوا / عندهم من كلّ عَصْرٍ سَبَبُ
ولهم في كلّ جيلٍ أدبُ / عبقريُّ الذّكرِ رَنّانُ الخَبَرْ
طَلَعَ الإِسلامُ نُوراً وَهُدَى / وقَضَى الأمرَ حياةً وَرَدَى
إنّ في السّيفِ وإن جَلَّ الفِدَى / لَحَياةً تُنْتَضَى أو تُدَّخَرْ
يصطفى النَّفَس فَيُعطيها النُّهَى / ويُريها عَرشَها فَوقَ السُّهَى
هو في الدُّنيا حياةٌ تُشْتَهَى / وهو في الأُخْرَى نَجاةٌ للبَشَرْ
نَضرةُ الأوطانِ في أفيائِهِ / وجَلالُ المُلكِ مِن نَعمائهِ
اصرِفِ اللَّهُمَّ عن أبنائِهِ / باطِلَ الدُّنيا ومكروهَ القَدَرْ
وَفدُ البحيرةِ جاء طَوْع يَقينهِ
وَفدُ البحيرةِ جاء طَوْع يَقينهِ / يَقضِي لك الحقَّ المُؤَكَّدَ شاكرا
حَصَّنْتَ دُستورَ البلادِ وصُنْتَهُ / عن أن يكون أذىً لِقومكَ ضائرا
يَأبَى الأُلىَ خذلوا الكِنانةَ أن يَرَوْا / لبني الكِنانةِ في الشّدائدِ ناصرا
إن ينتهوا يَغْفِرْ وإن يتمرَّدُوا / يجدوك غَلَّابَ الصَّرامةِ قاهرا
ما الحكمُ تُنكِرُهُ البِلادُ مخازياً / كالحكمِ تَعرفُهُ البلادُ مَفَاخرا
يستنصرون عليك خَصْمَ بِلادِهم / فَيلومُهم ويَصُدُّ عنهم سَاخِرا
أنت الملومُ وإن قَضَيْتَ ذِمَامَها / لِمَ تُرشِدُ الأعمى وتهدي الحائرا
أعِدُّوا لأعلام البيانِ المنابرا
أعِدُّوا لأعلام البيانِ المنابرا / ولا تعدلوا بالشّاعرِ الفردِ شاعرا
دعوني ويومَ العبقريةِ واحداً / فإنّي لَمن يقضي له الحقَّ وافرا
خُذوه رِثاءً ما ذَوى ذِكرُ ميّتٍ / فناجاه إلا ارتدَّ ريّانَ ناضرا
سلوا الشرّقَ والإسلامَ ما بالُ لاعجٍ / من الوجدِ ما ينفكُّ حرَّانَ ثائرا
سلوا يثربَ الوَلْهَى بمن شفَّها الأسى / سلوا البيتَ ماذا هاجه والمشاعرا
سلوا المسجد الأقصى أما بات واجداً / يُكابد ليلاً في فلسطينَ ساهرا
سلوا المَلِكَ المُلقَى بِمُعتَركِ البِلىَ / أيجزعُ أم يلقى الكتائبَ صابرا
هي الحربُ تجتاح الجنودَ وتحتوي / رِقاق المواضي والعتاقَ الضّوامرا
ألحّتْ تهدُّ الفاتحين وشَمَّرتْ / تَسُدُّ على الرُّسلِ الكرامِ الحفائرا
ألا هدنةٌ فيها من الهمِّ راحةٌ / فإنَّ بنا منه لَداءً مُخامِرا
كأنّ تفاريقَ النُّفوسِ التي مضت / شُعاعٌ مضَى في هَبْوةٍ مُتطايرا
أما في كتابِ الموتِ معنىً لباحثٍ / شَكَا خافياً منه وأنكر ظاهرا
نُخادِعُ أحزانَ النّفوسِ ونَدّعي / من الصبرِ ما يُفني القُوى والعناصرا
تَناءَى المدى بابن الحُسَيْنِ وطوّحت / به سَفْرةٌ هوجاءُ تطوِي المُسافرا
مضى راشداً يهديه من نور فيصلٍ / ونور أبيهِ ما يُضئُ الدَّياجرا
كريمٌ سما يلقى كريماً وكابرٌ / مَشَى في ركابِ الحقِّ يتبعُ كابرا
مَصارعُ ما تنفكُّ من آلِ هاشمٍ / تُذكِّرُنا أيّامَهم والمآثرا
همُ ابتعثوا مجدَ العُروبةِ هامداً / وهُمْ جَدَدَّوهُ دارسَ الرسمِ دائرا
يُريدونها للشّرقِ ذُخراً وعصمةً / إذا خاف يوماً من أذى الدهرِ ضائرا
رموا ما رموا في حقِّها ينصرونَها / ولولا الأنوفُ الشُمُّ لم نُلفِ ناصرا
بقيّةُ جُنْدٍ من سَنَى الوحيِ ما مشى / إلى جحفلٍ إلا انثنى عنه ظافرا
لَئِنْ كان بعضٌ للأعاريبِ لائماً / فإنّ لهم من بعض نفسِي لَعاذِرا
كرهتُ لهم أن يُورِدوا النّصرَ خَصْمَهم / وأن يَزَعُوا عنه الحليف المُناصِرا
وأمطرتُهم عَتْباً فلمّا توجّعوا / توجّعتُ أَستدعِي الدُّموعَ مَواطِرا
هُمُ القومُ أعفاني من الذمِّ أنّني / حَفِظتُ لهم أرحامَهم والأواصرا
حكمتُ أقيمُ الحقَّ بيني وبينهم / فما وجدوني ظالمَ الحُكمِ جائرا
سلامٌ على البانينَ من كلّ أُمّةٍ / يُقيمونه مجداً على الدّهرِ عامرا
هو الدَهرُ لا يخشَى الضَّعيفَ إذا رمَى / ولا يتّقِي إلا الجريءَ المُغامرا
يهابُ فَتى الجُلَّى إذا جَدَّ جِدُّه / ويرضَى سجاياه وإن كان فاجرا
إليكم عرانينَ العروبةِ نبأةً / تُذكِّرُكم عهداً من المجد غابرا
خُذوها عن القوم النِّيامِ لعلّني / أَهُزُّ بها مَن بات في الحيِّ سامرا
أُناشِدُكم لا تَجْعَلوني كصائحٍ / يُنادِي صَدىً في مُلتَقى الرّيحِ حائرا
أَينسِيكمُ الدَّهرُ المَليمُ أُبُوَّةً / غطاريفَ صِيداً يبتنون المفاخرا
رموا أممَ الغبراءِ شتّى فزلزلوا / ممالِكها العُليا وهدّوا القياصرا
وكانوا إذا ساموا المُتوَّجَ خُطّةً / أتاها وأغضَى يَنزعُ التّاجَ صاغرا
بَنِي يعرُبٍ مُدوّا السّواعدَ إنّني / عَيِيتُ بأقوامٍ تَمدُّ الحناجرا
إذا رفع القومُ البناءَ لغايةٍ / من السُّورةِ العليا رفعنا العقائرا
أعيدوا بني العبّاسِ غضّاً زَمانُهم / ورُدّوه عصراً من أُميّةَ زاهرا
وكونوا لابناءِ العمومةِ إخوةً / كراماً يَغيظون العدوَّ المُكابرا
ولا تُنكِروها يا بني العمِّ غَمرةً / مُجلّلةً تغشى النُّهى والبصائرا
أجئتم تَعدُّون الجرائرَ جَمّةً / وليس بِحُرِّ من يَعُدُّ الجرائرا
مواردُ أمرٍ إن كَرِهتُم ذميمَها / فعمّا قليلٍ تَحْمَدُون المصادرا
بني يَعرُبٍ رُدُّوا على الشرق عزَّه / ولا تدعوه واهنَ العزمِ خائرا
هو اللّيْثُ خانتْه المخالبُ فاجْعلوا / من العلمِ أنياباً له وأظافرا
أرَى عصرَكم يُزجِي الأعاجيبَ فانْهضوا / سِراعَ الخُطَى إنّا نخاف الدوائرا
صِلُوا بشياطينِ العُبابِ حِبالَكم / وزُوروا على السُّحب النُّسورَ الكواسرا
رِدوها حياةً للممالكِ غضّةً / وخَلُّوا لِهُلّاكِ الشُّعوب المقابرا
دعوهم بآفاقِ البلادِ أَذِلَّةً / حَيارَى يَلُومون الجُدودَ العواثرا
ذَخائِركُم يا قومُ شتّى حِسانُها / فَثُوبوا إلى الحُسنى وصُونوا الذّخائرا
وَفَتِ الظّنونُ وبرّتِ الآمالُ
وَفَتِ الظّنونُ وبرّتِ الآمالُ / ما بعد ذلكَ للخصومِ مَقالُ
إن يذكروا هِمَمَ الرّجالِ فَحسبُهم / هِمَمٌ بِمصرَ أبِيَّةٌ وَرِجالُ
الخير في الوادِي وفي أبنائِه / ما بَانَ عنه ولا عَراهُ زَوالُ
أرضٌ مُطهَّرةٌ وجوٌّ مُشرِقٌ / صَافٍ ومَاءٌ سَائغٌ وَظِلالُ
وَطنُ الأُلىَ وَرَدوا الحياةَ شَهِيَّةً / والأرضُ عطشى والشُّعوبُ نِهالُ
لولا العَوائقُ وَهْيَ مِن أدوائِه / ما ضَاقَ بالنَّفرِ الكِرامِ مجالُ
يَتطلَّعونَ إلى الحياةِ بِأَعْيُنٍ / حَيْرَى اللّحاظِ ودونها أهوالُ
ما تَصنعُ الأيدي تهدُّ عِظامَها / وتشدُّ في أرساغِها الأغلالُ
أَخذَ السّبيلَ على الرجالِ مُسلَّطٌ / يُلقِي إليه قَنيصَهُ الرِّئبالُ
مُتَحَكِّمٌ يبغِي الحياةَ بأسرِها / ويخالُ أنّا في يَدَيْهِ نِبالُ
جَهِلَ الحياةَ لِكلِّ شَعبٍ حَقُّه / ورِضَى الشُّعوبِ بأن تَموتَ مُحالُ
قُل لِلكنانةِ ما لِمجدِكِ هَادِمٌ / نَشَط البُناةُ وغامرَ الأبطالُ
رَمَتِ المضاجعُ بالنّيامِ وهَاجَهم / دَأبٌ يَشبُّ ضِرامُه ونِضالُ
فإذا الجُنوبُ كَأنهنَّ جَواشِنٌ / وإذا الأكفُّ كأنهنُ نِصالُ
نَبنِي فتَحتفلُ المَشارِقُ حَولنا / ونقول مصرُ فَتهتفُ الأجيالُ
طَالَ البِناءُ وما يَزالُ يَزيده / بانٍ أشمُّ المنكبينِ طُوالُ
سَامٍ يمدُّ إلى السِّماكِ يَمينَهُ / وَيُريكَ شَأوَ النَّسرِ كيفَ يُنالُ
أرأيتَ طلعتَ بانياً ومُعلّماً / ورأيتَه عَلماً عليه جلالُ
فِقهُ الحياةِ أصابَ فيه إمامَه / وإلى الأئمةِ يرجَعُ الجُهّالُ
كانت بِمصرَ مقالةٌ مَطموسةٌ / حتّى جَلاها القائل الفعّالُ
حَربٌ على خُلُقِ الجُمودِ وأهلهِ / صَدَقَ الرّجاءُ بهِ وَصَحَّ الفالُ
حَشدَ الحواريّينَ حَولَ جُموعهِ / وَرَمى فتلك صُروحُه تنهالُ
حملوا تكاليفَ الجهادِ تظاهرت / أعباؤها وتوالتِ الأثقالُ
مِن كلِّ مُطَّردِ الكفاح مُظفَّرٍ / ملَّ السّلاحُ وما عَراهُ ملالُ
تِلكَ الحياةُ لخمسَ عشرةَ حِجّةً / لِلنّيلِ منها نَضرةٌ وجَمالُ
هي في صِباها المُرتَجى وَشَبابِها / فَرْحَى على أَيْمانِهم تختالُ
السابحُ الجوّابُ ممّا اسْتَحدثوا / لِبلادِهم والطّائرُ الجوّالُ
هذا على مَتْنِ العُبابِ عَلامةٌ / لَهمُ وهذا في الجِواءِ مِثالُ
وسَلِ المصانعَ هَل يَسيرُ نسيجُها / خَلَلَ البِلادِ وهل يَسيلُ المالُ
من ذا يُفاوضُها فليس لَقومِنا / وَبلادِنا مِن دُونها اسْتقلالُ
زَعموه من نَسجِ اللّسانِ وإنّه / ممّا يَحوكُ وينسجُ المنوالُ
جَعلوا الخيالَ مِن الحياةِ نَصِيبَهم / ومن الحياةِ حَقيقةٌ وَخَيالُ
اجْعَلْ لِباسَكَ من طَرائفِ صُنعِها / نِعمَ اللّباسُ وبُورِكَ السِّربالُ
وَارْغَبْ بنفسكَ عَن سِواها إن دَنا / مِنكَ الرّواحُ وآذنَ التّرحالُ
لولا شَفاعتُها وأنتَ رَهينُها / ما طابَ مُضْطجَعٌ وخَفَّ سُؤالُ
اللهُ ألبسها السّناءَ وخصَّها / بالسرِّ يشفي الدّاءَ وهو عُضالُ
هِيَ كالقميصِ قميصِ يُوسفَ إذ أتَى / يعقوبَ فَانْظُرْ كيف كان الحالُ
البردةُ الغرّاءُ يَعبقُ طيبُها / بين المناسجِ ليس فيه جِدالُ
عَبقُ النُّبُوةِ مَالَهُ مِن جاحدٍ / إلا إذا طَمسَ العُقولَ خَبالُ
قُلْ لِلعروسِ تَعافُ صُنْعَ بِلادِها / أَزْرَى بقومكِ حُسنُكِ المِعطالُ
فاز الأجانبُ واسْتبدَّ غُلاتُهم / أفما يسرُّكِ أَن يفوزَ الآلُ
مصرُ التي وَلدتكِ أَعظمُ حُرمةً / والعَمُّ أكرمُ ذِمَّةً والخالُ
ما ضَاعَ مِن مَالِ الفَتى وعتادِه / ما تَستعيرُ مِنَ اليمينِ شِمالُ
لا يُنكرنَّ الضّيمَ شعبٌ عاجزٌ / فالعَاجِزونَ على الشُّعوبِ عِيالُ
مَن يَبْعَثُ الهِمَمَ الكِبارَ تُعينُها / منّا نُفوسٌ بَرَّةٌ وَخِلالُ
مَن لي بِهنَّ فإنهنَّ مَناهجٌ / كلُّ المناهجِ بَعدهُنَّ ضلالُ
هذا زعيمُ العامِلينَ أقامَها / دُنيا لمصر عِمادُها الأعمالُ
طابتْ بَوادِرُها على يَدِه لَنا / وهو الضَّمِينُ بأن يَطيبَ مآلُ
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا
طالَ التحجُّبُ فارْفَعِ الأستارا / أَفَما ترانا نَرفعُ الأبصارا
اطلعْ على الدُّنيا بوجهٍ ضاحكٍ / وانْشُرْ على أقطارها الأنوارا
بَشِّرْ شُعوبَ المسلمينَ بنهضةٍ / تَدَعُ الشُّعوبَ النّاهضينَ حَيارى
فَزِعُوا إليكَ تَهُزُّهم أوطارَهم / فانظُرْ أَتَقضِي تِلكمُ الأوطارا
سَئِموا حياةَ القاعِدينَ وأقبلوا / يتلمَّسُون مع النُّسورِ مَطارا
لمّا رَأَوْكَ تذكَّروا آباءَهم / وتفزَّعوا لا يملكون قَرارا
قالوا أَنَهْدِمُ مجدَهم وهُمُ الأُلىَ / هدموا العُروشَ وزلزلوا الأقطارا
حملوا إلى الدُّنيا الحياةَ كبيرةً / تَلِدُ الممالكَ والشُّعوبَ كِبارا
أَنُضِيعُ ما تركوا لنا ونخونُهم / لسنا إذَنْ مِمّن يخاف العارا
يا طلعةَ العامِ الجديدِ تحيّةً / من قائمينَ على الذّمارِ غَيارَى
إنّا غَضِبنا للأمانةِ فاشهدِي / وتقبَّلي من قومنا الأعذارا
لا نومَ بعدَ اليّوم عن أسلابنا / فَخُذِي العُهودَ ورَدِّدي الأخبارا
هذا شبابُ الشّرق يطلبُ حقَّه / ويُطيعُ فيه شُيوخَه الأبرارا
هتفوا فأقبل كلُّ غضٍّ ناضرٍ / صُلبِ العزيمةِ يركب الأخطارا
يُلقِي إلى الموتِ الزُّؤامِ بِنفسهِ / ويراه مجداً عالياً وفَخارا
يا إخوةَ الإصلاح بُورِك سعيُكم / من فِتْيَةٍ زانوا الشَّبابَ وَقارا
لا يذهبنَّ بناؤُكم فبقاؤُه / أن تجعلوا الأخلاقَ فيه جِدارا
صُونوا الذخائرَ واحفظوا الآثارا / إنّا نُحِبُّ الفِتيةَ الأحرارا
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ
لمّا رَأيتُكَ والقلوبُ خوافقٌ / تَلتاعُ حولكَ والنُّفوسُ حَيارَى
والنّيلُ من هَوْلِ الفِراقِ كأنّما / يَسْقِي البلادَ دماً ويقذفُ نارا
أيقنتُ أنّ اللهَ غَيَّرَ ما بنا / وأَرادَ أمراً بالبلادِ كُبارا
وإذا أراد اللهُ نجدةَ أُمَّةٍ / نَصرَ الحُماةَ وأيَّدَ الأنصارا
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ
قَومِي أَهابَ مِنَ الحياةِ بَشيرُ / فَخُذوا سَبيلَ العامِلين وَسِيروا
الأمرُ جَدَّ فما لنا من عاذرٍ / إن نَحنُ نِمْنا والشُّعوبُ تطيرُ
ذَهَب القَديمُ وجاء عصرٌ ماله / بين العُصورِ الذّاهباتِ نظيرُ
الجِنُّ مِلءُ الأرضِ زَالَ حِجَابُهم / فَلَهُمْ بها بَعدَ الخَفاءِ ظهورُ
هُمْ في العُبابِ أراقمٌ ما يَنْقَضِي / منها الدّبيبُ وفي السّحابِ نُسورُ
إيهٍ شُعوبَ الإنس إن لم تنهضوا / فالعيشُ جَهلٌ والحياةُ غُرورُ
فيمَ السُّكونُ وكلَّ يومٍ مَارِدٌ / في الأرضِ من أُممِ الحياةِ يَثورُ
أَيظلُّ جَدُّ الغَربِ يَدأبُ صَاعِداً / والشّرقُ مَطويُّ الجَناحِ كَسيرُ
إنّا بَنوهُ فَلن يَرانا نَبْتَغِي / دِينَ الجُمودِ ولن نَراهُ يَبورُ
كَذَب المُضلَّلُ ما الحياةُ لِجَامدٍ / إنّ الحياةَ حَوادِثٌ وأُمورُ
ما حالُ مَنْ يُلقِي السّلاحَ مُجانِباً / والحربُ ثائرةُ العَجاجِ تَدورُ
إيهٍ بني مصرَ انْظُروا ما حولكم / وتأهَّبوا إنّ الخُطوبَ كثيرُ
كلُّ الممالكِ إنْ تَأمّلَ ناظِرٌ / حَرْبٌ وكلُّ العالمينَ مُغيرُ
في كلِّ يومٍ تَستطيرُ مصائبٌ / وتَموجُ في دُنيا الكِفاحِ شُرورُ
حقُّ البَقاءِ لِمَن يَصونُ ذِمارَهُ / والموتُ بالعانِي الذّليلِ جَديرُ
لا تَبخلوا بِالمالِ فهوَ لِمجدِكم / عِند البِنايةِ حائطٌ أَو سورُ
حقُّ البلادِ دَعَتْ تُريد أداءَه / والمالُ في حقِّ البلادِ يَسيرُ
ما عُذْرُكم ألّا يَفيضَ عَطاؤُكم / والنّيلُ فيّاضُ العَطاءِ غزيرُ
لا يَدَّعِي الإملاقَ والفَقرَ امْرُؤٌ / كَزُّ اليَدَيْنِ فما بِمصرَ فقيرُ
القوتُ لو يُعطيه مَن يشكو الطَّوى / لَحَلفتُ جَهْدي إنّه لَقَتورُ
ما جَادَ بَاذِلُ نفسِه لِبلادِه / وإنِ احْتَفَى مُثْنٍ ولَجَّ شَكُورُ
هو من مَواهِبها فإنْ يَبْخَلْ بما / وَهَبتْ عليها إنّه لَكَفُورُ
بئس الفَتَى يقضِي الحُقوقَ رِفاقُه / في النّائباتِ وَمَالُه مَذحورُ
لا يُنكرنَّ المرءُ فضلَ بِلادِه / فضلُ البلادِ على الرجالِ كبيرُ
هُم للفِداءِ فَما لَهمْ مُتزحزَحٌ / إنْ صَحَّ وِجدانٌ وبَرَّ شُعورُ
أوفى الرّجالِ على الحوادثِ مَن له / قَلبٌ بِحُبّ بِلادِه مَعْمورُ
إنّي بقومي إن تنكّرَ حَادِثٌ / أو جَلَّ أمرٌ جَامِعٌ لَفخورُ
صَدعوا قُوى الحِدْثانِ بالبأسِ الذي / فَتَر الزّمانُ وما عَراهُ فُتورُ
وتَدَفَّقُوا يَتَسابَقونَ إلى مَدىً / بالسُّحب عنه وبالبِحارِ قُصورُ
شَكتِ الكِنانةُ ظِمْئَها واسْتَمطرتْ / فَهَمى أميرٌ واستهلّ أجيرُ
لِمَنِ الكنوزُ اسْتُودِعتْ أَسْرارَها / تَحتَ التُّرابِ جَنادِلٌ وَصُخورُ
للجنِّ أو للعلمِ منذ تكدَّسَتْ / رَصَدٌ عليها قائمٌ وخفيرُ
لَبِثَتْ كَأوّلِ عَهدِها وتقادمتْ / أُممٌ مَشَتْ مِن فَوقِها وعُصورُ
يا أرضُ لولا البِرُّ من آبائِنا / ما غَيّبَتْ تِلكَ الكنوزَ قُبورُ
هَلْ أُخِّرَتْ إلا لِيشهدَ بعثَها / يومٌ يَجيءُ به الزَّمانُ خَطيرُ
أدِّى إلى مصرَ الأمانةَ إنّه / بَعثٌ لِمصرَ مُحبَّبٌ ونُشورُ
أنتِ الخِزانَةُ للزّمانِ وَرَيْبهِ / إن حَلَّ صعبٌ أو ألَمَّ عَسيرُ
إنّي رأيتُ الأمرَ بعد مِطَالِه / بلغَ المصيرَ وللأُمورِ مَصيرُ
لو كان لِلأُمَمِ الخِيارُ لما اشْتَفَتْ / منّا بما دونَ السِّماكِ صُدورُ
ماذا احْتِيالُ النّاقِميِنَ وقد مَضَى / قَدَرٌ لِمصرَ وأَهلِها مَقدورُ
أَوَ ما كَفَى ما ذَاقَ مِن آلامِه / شَعبٌ على نُوَبِ الزّمانِ صَبورُ
يا قومُ جِدُّوا في الحوادثِ واعْملوا / فالجِدُّ عَوْنٌ صادقٌ وظَهيرُ
حَفِظَ الإِلهُ بِلادَكم وأعزَّها / عَلَمٌ على أرجائها مَنشورُ
إن تذكروا اسْتقلالَ مِصرَ فإنَّه / رَمزٌ إلى اسْتِقلالِ مِصرَ يُشيرُ
لي مجدُه العالي وَطِيبُ ظِلالهِ / وله بياني الصَّادقُ المأثورُ
يا دمنهورُ ارْقُبيهِ مَوكباً
يا دمنهورُ ارْقُبيهِ مَوكباً / يَرقُبُ الأمرَ بعينٍ سَاهرَهْ
واسْتَعِدِّي وَاجْمعِي أهلَ القُرَى / لا تُبالي بالقُلوبِ النَّافِرَهْ
وَدَعِي الأبواقَ يُشجِي صَوتُها / شَعبَ أسوانَ وأهلَ القاهِرهْ
إنّ بالخزّانِ مِن أصحابِها / ما بِمصرٍ مِن هُمومٍ ثائرهْ
رَوَّعُوهُ وأقاموا حَوله / ضَجّةً تُؤْذي النُّفوسَ الطّاهرهْ
سَيقولُ القومُ نَصرٌ بَاهِرٌ / وَجُنودٌ مِن ذَوِينا ظافِرهْ
قَصَصُ التّصفيقِ شَتَّى عِندَهم / ورواياتُ الجموعِ الزّاخرهْ
يا دَمنهورُ صِفِي لي يَوْمَهُمْ / إنّه يومُ الجُدودِ العَاثِرهْ
لا تَظُنِّي الأمرَ مُمتدَّ المَدَى / وَاصْبِري حَتَّى تَدورَ الدائرهْ
إنَّ أَغبى النّاسِ في الدُّنيا لَمَنْ / يَذكُرُ الأُولى ويَنْسَى الآخِرهْ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ / فَقُلْ لِلمغاربِ أينَ المَفرْ
وقُمْنَ على الحَقِّ يَنْصُرْنَهُ / وقَامتْ وَراءَ الدُّروعِ الأُزُرْ
هو الظُّلمُ هَيَّجَ كلّ القُوَى / فما تستكنُّ وما تَسْتَقِرْ
أَثارَ الكِرامَ فمن مُستطيرٍ / يُوالي المغارَ ومن مُبْتَدِرْ
وَراعَ الكرائِمَ فَاسْتَلَّها / وأَطلقَها مِن وَراءِ السُّتُرْ
تَوافَيْنَ شَتَّى يُجاهِدْنَهُ / ويُطفِئْنَ مِن شَرِّهِ المُستَعِرْ
وَجِئْنَ يُغِرْنَ على عينهِ / وَينفذنَ مِن نابِهِ والظُّفُرْ
فَيا لَكَ مِن نَمِرٍ فَاتكٍ / ويا لِلّواتي يَصِدْنَ النُّمُرْ
أخذنَ السّهام فَسدَّدْنها / بأيدٍ ترفّ رفيف الزَّهَرْ
لِطافِ الأنامِل بيض البنان / تذيب الحديد وتفري الحجرْ
تميل زلازلها بالجبال / وتمضي نوافذها في السُّرُرْ
فلسطينُ خطبُكِ غُول الخطوبِ / وذُعر الزّمانِ ورعبُ القَدَرْ
تنام البراكينُ عن همَّها / وما نام بركانُك المُسْتَعِرْ
مَعارِضُ لِلظُّلم قَامَتْ بِها / أعاجيبُ مُختلفاتُ الصُّوَرْ
تَصُبُّ الحضارةُ أَهوالَها / بأَيدِي الأُلىِ هُم هُداةُ البَشَرْ
يقولون إنّا حُماةُ الضَّعيف / أجل إنّهم لَحُماةُ الهَذَرْ
بَراءٌ من الجِدِّ لا ينطقون / على الهزلِ إلا بسوءٍ وشَرّ
لهم قُدرةٌ يَا لها قُدرةً / تُضِلُّ العُقولَ وتُعيِي الفِكَرْ
فمن نمطٍ لِلأَذَى رَائِعٍ / إلى نَمطٍ غيرِه مُبْتكَرْ
إذا فَرِغُوا من فُنونٍ خَلَتْ / أَتوا بعدها بِفُنونٍ أُخَرْ
هُمُ القومُ ما مِثلهم أُمّةً / تُرَجَّى على الدَّهَرِ أو تُنْتَظَرْ
جبابرةٌ يأكلونَ الشُّعوبَ / وَيُمسونَ مِن سَغبٍ في سُعُرْ
لهم في الشَّرقِ أُنشُودَةٌ / يُغَرُّ بباطلها مَن يُغَرّ
لئن أوجعتنا عَوادِي الخُطوب / لقد عَلّمتْنا غَوالي العِبَرْ
كَفانا مِن الدّهر ما ثَقَّفتْ / تعاليمُ أحداثهِ والغِيَرْ
ألا نجدةٌ تدرك الهالكين / ألا نفحةٌ من حنانٍ وبرّ
نسرُّ ونلهو ومن قومنا / نُفوسٌ مُرزَّأةٌ مَا تُسَرّ
كأنا نُقيمُ وراءَ الزمان / فما من حديثٍ ولا من خبرْ
كأنّ الحياة كلامٌ يقال / وأحدوثةٌ من فُضولِ السَّمَرْ
كأنّ فلسطينَ لم تَنتَفِضْ / لفرط البلاءِ ولم تَستَجِرْ
أَبيْنا فلم نَرْعَ عهد الجوار / ولم نَقْضِ حقَّ الأباةِ الغُيُرْ
يُحامون عن عرضنا بالسُّيوف / ونخذلهم تلك أُمُّ الكُبَرْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025