المجموع : 46
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ / ونطّقتَ باللحظاتِ الخصورا
وكدتَ تشكُّ بهنَّ القلوب / وتلحمُ أسيافهنَّ الصدورا
فلا عجبَ أن يصدَّ الحسان / وأن يتعلمنَ فيكَ النفورا
تلثمهنَّ بلحظِ وقاحِ / ويمنعهنَّ الحياءُ السفورا
لعلكَ تعلمُ أنَّ الظباء / ينفرنَ إما رأينَ البعيرا
وهبكَ خفيرا لهذي الطريق / فلستَ على النيّراتِ خفيرا
أرى نظراً كالطفيلي لا / يوجهُ حتى يعود حسيرا
فلو خلقَ للهُ فيكَ العيونَ / طيوراً لما بتَّ إلا ضريرا
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر / وطالت على الغبراءِ ايامها الغبرُ
وكانت كما شاءت وشاءَ جمالها / كما اشتهت العليا كما وصف الشِعرُ
تلألأُ في صدر المكارم درَّةُ / يحيط بها من عقد انسابها درُّ
تقاسمتِ الحسن الالهيَّ وانثنى / يقاسمها فالامر بينهما امرُ
فللشمس منها طلعة الحسن مشرقاً / وفيها من الشمس التوقد والجمرُ
وللزهر منها نغمة الحسن عاطراً / وفيها ذبول مثلما ذبل الزهرُ
وللظبي منها مقلتاها وجيدها / وفيها من الظبي التلفُّت والذعرُ
وما الحرب الاَّ ديمة دموية / اذا دنست روح الورى فهيَ الطهرُ
وما الحرب الاَّ غضبة الله لامست / مخازيَ هذا الدهر فانفجر الدهرُ
ففي كل نفس غصة ما تسيغها / وفي كل قلب كسرة ما لها جبرُ
وما لوت الأسياف في الأرض عروةً / من البغض إلاَّ والرؤُوس لها زرُّ
وكم قيل إنسانية ومحبة / وعلم وتمدين وأشباهها الكثرُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ / أمِ الفلكُ الدوّار ليس يدورُ
رماها نفاق السيف في شر غضبةٍ / تلظَّى بأحقاد الورى وتضورُ
تمجُّ شرارا يضرمُ الماءَ والثرى / ويشوي طيورَ الجوّ وهي تطيرُ
شرارة نيران العقول وانما / شرارة نيران العقول شرورُ
تجهَّم يوماً وجه غليومَ وانزوى / فما في وجوه العالمين سرورُ
ولا ضحِكٌ في الارض الاَّ ابتسامة / لها القاضباتُ اللامعاتُ ثغورُ
وأبرأَ داءَ الحب في كل منزع / من البغض داءٌ لا يُساغ مريرُ
فللشعب من شعبٍ وللأَخ من اخ / ولليثلا ظبي الكناس نفورُ
وما انبثَّ ما بين الورى من علائقٍ / ففيهنَّ لا في الغانيات فتورُ
أَغِن اظلمت في وجه غليوم عبسةٌ / تغشت بها الدنيا فليس تنيرُ
وعادت حداداً للثواكل داجياً / ومنها على اقمارهنَّ ستورُ
وفي كل ارض يقشعرُّ ترابها / على ظلها فالكون أجرد بورُ
فياسورة لو أن غليوم رازها / ولكنّ شيطان الملوك جسورُ
أزاحت عمود الأرض عن مستقرهِ / فكادت الى مهوى الفناء تصيرُ
بضرب هامات المغاوير عندهُ / أهنَّ حديد ام فهنَّ صخورُ
ونارٍ يُحَمُّ الدهرُ من لفحاتها / فللدهر منها رعدة وحرورُ
بها اخترع الخلق الضعافُ جهنماُ / لأَنفسهم بئس الغرورُ غرورُ
لقد صهر الانسان من كل معدن / وباءَ بسرّ النار وهو خبيرُ
وناظرَ من صَنع الطبيعة ما ابتغى / وابدع صنعاً ليس منهُ نظيرُ
فلم يرَ الاَّ معدِن الروح معدناً / لصنع حلَى الاملاك حين تجورُ
فَوَيلُهَا حرباً ضراراً زَريةً / بها كل دين للأنام كفورُ
ترى الموت غير الموت فيها وكيف لا / واول مقتول هناك ضميرُ
قليلٌ لعمري ما جنى الناس بينهم / ولكنما قتلُ الضمير كثيرُ
وزادت بحور الارض بحراً ملوّناً / من الدم جمر قاعهُ وسعيرُ
تدفَّع في تيَّاره وعُبابهِ / يمدُّ على امطارها ويمور
وكم صبّ فيهِ للمدامع جدول / وكم هبّ فيهِ للقلوب زفيرُ
وتجري بهِ سُفُنٌ من الهام عُوَّمٌ / مرافئها في الساحلين قبورُ
تمدُّ عليها كالمجاذيف اذرع / وكل سواريها هناك نحورُ
اغليوم اذللت المعالي فلم تزل / على بابك العالي لهنَّ عثور
اذا جنحوا للسلم زلزلتها لهم / زئيراً بهِ حلق الليوث جديرُ
على خطبٍ يندى لروض بيانها / ضباب من البارود فهو مطيرُ
قوارعُ سوءٍ يُشعر الموتَ لذعها / وليس لمن يرمي بهنّ شعورُ
كأنك للمريخ في الارض مرصد / بهِ كل حين للحروب نذيرُ
وقد يبدع الله الملوك بقوة / لتهلك مما يبدعون عصور
أليس عجيباً ان نرى الحسن زينة / وما كان لولا الحسن قطُّ فجورُ
تصرصر كالبازي ومن ساسة الورى / لديك عصافير لهنَّ صفيرُ
حواليهمو ظلُّ السلام وبردهُ / وحولك لفح محرق وهجيرُ
وغرَّك من لهو الشعوب تغافلٌ / رخيٌّ على لذاتهنَّ طريرُ
رياحينُ في جد الحياة وهزلها / لهم روضة من عيشهم وغديرٌ
انافت عليهم منك دوحةُ نقمة / بها للمنايا الحائمات وُكورُ
واثمارها هامٌ واغصانها الظبى / ومن زهرها ذاك الرصاص نثيرُ
وكل الذي في ارضهم من مدافع / لجذعك يا روح القتال جذورُ
فلما استطار الشر طار جنونهم / وعفَّت على تلك الامور امورُ
وكم من شعوب كلما مسَّها الصدا / جلاهنَّ من نار الحوادث كيرُ
واضرمتها في الارض حتى تلاطمت / عليك بهاتيك الجيوش بحورُ
ورى الغيظ منها كل صدر فاقبلت / وليس بها قلب عليك صبورُ
فجعتهمو في العز والخدر والهوى / وجيشك في هذي الفعال شهيرُ
هو الجيش لولا ان فيهِ شجاعةً / تساوت حصون عندها وخدورُ
يزفُّ زفيق الجنّ في فلواتها / لهن هرير منكر وهديرُ
ويقتل حتى العهد منهُ مجندلٌ / ويأسر حتى الحق فيه اسيرُ
واحميتهم بالظلم حتى توقَّدوا / وما منهمو الاَّ اشمُّ فخورُ
اذا استنجد القلبَ الحميَّ ابن همةٍ / لما همّ لم يعسر عليهِ عسيرُ
فجاؤا يُرجُّون البلاد كأنهم / زلازل والمدنُ الحصينة دورُ
بكل كميّ عندهُ الموت ميتٌ / وفي همهِ امر الحياة حقيرُ
جنود يرون الحق بعض سلاحهم / فمن حربهم نارٌ عليك ونورُ
مدافعهم فيها سعير صدورهم / فكلُّ حديدٌ مضرم وصدورُ
واسيافهم غضبى يطير فرندها / كالحاظهم في البأس حين تدورُ
ومنهم على ظهر التراب ضراغمٌ / ومنهم على متن السحاب نسورُ
جرى الحقد في مجرى الدمامن عروقهم / وثارت بهم غلفَ القلوب ثؤرُ
فان جرحت منهم سيوف عداتهم / فبالشُّعل الحمرِ الجراحُ تفورُ
وبَدأة شر لم تكن فابتدأتها / كأنك فيها اول واخيرُ
واصغرتها والشر في بطن امهِ / ولمَّا تلدهُ لو علمتَ كبير
ولم تخشَ ما يخشى اللبيب فراسة / ولم تتبصَّر واللبيب بصيرُ
مطامعُ خلتَ الدهر فيهنَّ خادماً / كأنك مولًى والزمان أجيرُ
زعمتَ لها في غيب ربك اعيناً / فلما اجتليناها اذا هي عورُ
وتحسب سيف الله سيفك ضلَّةً / ولله سيف ليس منهُ مجيرُ
وقلت رسول للزمان ومن ترى / من الأنبيا ذو لبدتين هصورُ
رسول ولكن بالعذب لدهرهِ / وعزريل منهُ صاحب وسفيرُ
ووحيك تتلوهُ المدافع اذ لها / اصابع من تلك السيوف تشيرُ
ومزّقت للاسلام والشرق دولة / تملَّى بها ملكٌ وسرّ سريرُ
لقد كان عون الله فيها ونصرهُ / ففارقها مذ قيل انت نصير
تمكنت من عرنينها فاستقدتها / بحبلي بلاءٍ قائد ووزيرُ
واطفأتَ ماضيها بطلعة انورٍ / فيا انور لم يبق في اسمك نورُ
وحين سما للحق جيش مرفرفُ / وجيشك ذيَّال الجناح كسيرُ
فررت فراراً كل ذنبك عندهُ / وان كان ملء المغربين صغيرُ
عساك طوال الحرب قد كنت نائماً / ولم ترَ ليلاً في الصباح يغورُ
واوفيتها خمسين شهراً ونيفاً / وأنت على عرش الوساد أميرُ
ولم تخرب الدنيا ولكن رأيتها / كذلك في حلم وأنت قريرُ
فلما مسحت النوم قمت مهنئاً / يلاقيك من وجه الصباح بشيرُ
فيا عبرة لم تشهد الأرض مثلها / وللأرض أجيال خلت ودهورُ
بغليوم بالألمان بالعلم بالغنى / أضيفت لتاريخ الخراب سطور
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري / فقد غاب في الليل الطويل من الهجر
تضيء الليالي بالنجوم وبدرها / وليل الجفا من غير نجم ولا بدر
وقفت وماذا أستطيع بوقفتي / حسيراً وأقدار الغرام بنا تجري
أدور بعيني نحو كل شعاعة / على الأفق في نجم أو الأرض في زهر
فيا ويح قلبي ماله حن كلما / تراءى له شبه انتسام على ثغر
متى يا حبيب القلب هجرك ينتهي / ومن أول الأيام فيه انتهى صبري
ألا يا نسيم الفجر إن جزت في الربى / خفيا كتسليم الحبيبة في سر
وقامت عذاراها للقياك تنثني / دلالاً وتيهاً في غلائلها الخضر
وفتح نوار الغصون جفونه / وفيها البقايا الناعسات من السحر
وأصبحت كالسلوى ترفرف نازلاً / سلاماً على قلب الغدير أو النهر
فجئني بسر الزهر والماء والندى / لعلي بها أطفي جوى الحب في صدري
نصبت لي في الكرى حباله
نصبت لي في الكرى حباله / اصطاد صيداً من الصور
رايت جسمي انتهى لحاله / تضيء كالشمس والقمر
فطرت في النور أجتليه / محاسناً تملأ السما
ولا ضوء بلا شبيه / إلا حبيبي تبسما
فقلت هل بي يا قلب فيه / لعلني أطفئ الظما
ناجيت قلبي بذي المقاله / فدمدم الأفق بالشرر
صرخت ما للفضاء ما له / فقال في قلبك الخطر
يا أُفق هل خفت من شراره / تحت الضلوع اسمها الفؤاد
أم سعر الهجر فيك ناره / توقد من يابس الوداد
أم يوم حب قضى نهاره / وحل من بعد السواد
فقال وجه نرى خياله / في قلبك الحامل الضرر
ارجع فلو أن ذي الغزاله / تغازل النجم لانفجر
كان لي قلب فيا عجبي
كان لي قلب فيا عجبي / ليس في جنبي سوى أثره
ضاع مني فابحثوا تجدوا / في ابتسام الحسن أو نظره
ويحه قلباً أعيش على / صفوة عيشي على كدره
يرتقي كالنسر ثم ترى / مرتقاه عين منحدره
ههنا قلب وحامله / ميت الأمن على حذره
ذاب ذوب العطر مذ وقدت / للهوى نار على زهره
ضره ما كان منفعة / نفعه ما كان من ضرره
عابس كالليل ليس به / أمل إلا سنا قمره
وهنأ قلبه وصاحبه / قد بنا الدنيا على حجره
تقرص الآلام مهجته / مثل قرص الوحش من ظفره
والحديد الصلب تحسبه / صورة عمياء من صوره
لم يلن إلا بمطرقة / من قضاء اللَه أو قدره
وسؤال لا جواب له / أي ذين الحلو في ثمره
لو يبين الحلو خالقه / كيف يسقى المر من مطره