المجموع : 70
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ
أَنْجِد إِذا شئتَ في الأَرزاقِ أَو أغِرِ / فَلستَ تَأخذ إلّا مِن يَدِ القدرِ
وَما أَصابكَ وَالأقدارُ كافلةٌ / بأن يصيبك لا تَلْويه بالحذَرِ
وَقَد رَأيتُ الّذي تَذوي القلوبُ بهِ / لَو لَم يَكن ليَ قلبٌ صِيغ من حَجَرِ
فَكّرْ بِقَلبكَ فيما أَنت تُبصرُهُ / فَالأرضِ مَملوءةُ الأقطار بالعِبَرِ
وَلا تَبِتْ جَذِلاً بِالشّيء يتركُهُ / عليك خطبٌ جفا عمداً ولم يَذَرِ
ولا تقلْ فاتتِ الأخطارُ إنْ عَزَبَتْ / فَلَم يَفتْ خَطَرٌ إلّا إلى خَطَرِ
كَيفَ القرارُ لِمَن يُمسِي ويُصبح في / كُلّ الّذي هوَ آتيهِ على غَرَرِ
يَبيتُ إِمّا على شَوكِ القَتادِ له / جَنبٌ وإمّا على فَرْشٍ من الإبَرِ
أجِلْ لِحاظَكَ في الأقوامِ كلِّهمُ / فَلَستَ تُبصِرُ إلّا سَنْحةَ البَصَرِ
أَما ترى ما أراهُ من عيوبِهُمُ / وليس فيها لهمْ عذرٌ لمعتذِرِ
في كُلِّ يَومٍ تراني بين أظهرهمْ / أحتال في نفعِ من يحتال في ضرري
قالوا اِصطَبِرْ قلت قد جُرِّعتُ قبلكُمُ / من التصبّرِ كاساتٍ من الصَّبِرِ
وَما اِنتَفَعتُ وطولُ الهمّ يَصحبُنِي / عمرَ الحياة بما قد طال من عُمُري
وقد غرستُ غُروساً غيرَ مثمرةٍ / وعاد بالكدِّ من لم يَحظَ بالثَّمَرِ
مِن أَينَ لِي في جميع النّاس كلّهِمُ / حلوُ الشّمائل منهم طيّبُ الخَبَرِ
أَحلى لِقَلبِيَ مِن قَلبي وأعذبُ في / مَذاقِهِ لِيَ من سمعي ومن بَصرِي
وكلّما غَمَزَت كفّي جوانبَه / غمزتُ منه أنابيباً بلا خَوَرِ
أبثُّهُ عُجَرِي حتّى يكون لها / كفيلَها وأُقضِّي عنده بُجَرِي
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ
ضَنّتْ عليك ضنينةُ الخِدْرِ / يومَ الوداع بطلعة البدرِ
ووشى إليك بوَشْكِ فُرقتِها / صوتُ الغراب وأنتَ لا تدري
فذُهِلتُ لولا نظرةٌ عرضتْ / وَوَجَمْتُ لولا دمعةٌ تجري
وكأنّنِي لمّا وطأتُ على / حرّ النّوى أمشي على جمرِ
ومخضّب الأطراف ماطَلَنِي / بوصالهِ عَصْراً إلى عَصْرِ
حَتّى أَزارتنِي محاسنُهُ / بعد الهدوّ سُلافَةَ الخمرِ
ما كان عندي أنّنِي أبداً / مُتَخمِّلٌ مَنّاً مِن السُّكرِ
وكأنّما لعفافِ خَلْوَتِنا / ذاك التّلاقي كان في الجهرِ
لا رِيبةٌ في كلّ ذاك ولا / قُرْبٌ ولا قُبَلٌ على ثَغْرِ
والقربُ من خاشٍ عواقبَهُ / مِثل النَّوى والوصل كالهجرِ
تراءَتْ لنا يومَ الأُبَيْرِقِ في الدّجى
تراءَتْ لنا يومَ الأُبَيْرِقِ في الدّجى / ونحن بلا بدرٍ فنابتْ عن البدرِ
وَأَغنَتْ بِريّاها وما إنْ تعطّرتْ / عن العِطْرِ حتّى ما تحنّ إلى العِطْرِ
وَقامَ مُحيّاها ضياءً وبهجةً / مَقامَ طلوعِ الفَجرِ أَو لؤلؤ البحرِ
وَحَكّمها فينا الهوى فَتلاعَبَتْ / بنا أريحيّاتُ الجوى وهْيَ لا تدري
أتاك الرّدى من حيث لا تحذر الرّدى
أتاك الرّدى من حيث لا تحذر الرّدى / وغافصني فيك الحِمامُ ولا أدري
فإنْ يَنْسَك الأقوامُ بعد تذكّرٍ / فإنِّيَ معمورُ الجوانح بالذكرِ
وَإِنْ كانَ عُمري ما اِنقَضى بَعد أنْ مضى / مَداك فقد نغّصتَ لِي باقِيَ العمرِ
فلا زال ما وُسّدتَ فيه من الثّرى / يعاوده ما شاء من سَبَلِ القَطْرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ
شَطّتْ عليك لُبانةُ الصّدرِ / وحُرِمتَها من حيثُ لا تدري
وطلبتَ عذراً للزّمان فلمْ / تعرف له شيئاً من العذرِ
وفجعتَ في ظلماءَ داجيةٍ / بالنيّراتِ معاً وبالفجرِ
وَمَضى الّذي طَمس الحِمامُ به / وَضَحَ الصّباح وغُرّةَ البدرِ
وطوى الرَّدى رغماً لآنِفِنَا / كلَّ المحاسن منه في القبرِ
فَكَأنّنا مِن بعدِ مَصرعهِ / سَفْرٌ بلا زادٍ ولا ظهرِ
أَو مُرهَقون بكلِّ بائقةٍ / غُلبوا وقد جَهَدوا على الصَّبرِ
هِيمٌ يماطِلها الورودُ وقد / بَعُدَ المدى عشراً إلى عشرِ
من ذا لمرْغَبةٍ ومَرْهَبَةٍ / فينا ومن للنّهي والأمرِ
ومُرَوّعِ شرد الحِذارُ به / ملآن من خوفٍ ومن ذُعْرِ
ومكارمٍ تدعُ الزَّمان بلا / شيءٍ من الإملاقِ والفقرِ
والخيلُ تنزو في الأعنّةِ كال / سيدان في دَيْمومةٍ قَفْرِ
معروقةً بالشَّدِّ تحسبها ال / أشطانَ هاويةً إلى جَفْرِ
أُثنِي عَلَيكَ بِما صَنعتَ وكمْ / فاتَ الصّنيعُ مواقعَ الشّكرِ
وأكفُّ غَرْبَ الدمع مصطبراً / لو كان دمعٌ كُفَّ لا يجري
أَنتَ الّذي لَم تَرضَ في شرفٍ / إلّا بِغُرِّ عقائلِ الفخرِ
ومحوتَ محوَ الطِّرْسِ عن زمنٍ / أصبحتَ فيه مجاثمَ العُسرِ
وجعلتَ مُعدِمَه كواجده / ومُقِلّه بالفضل كالمثري
مِن مَعشرٍ لَم يَرتَضوا وَطَراً / في العزِّ إلّا قِمَّةَ النَّسْرِ
وَإِذا دَعوتهُمُ لنازلةٍ / حشدوا عليك بقُرَّحٍ ضُمْرِ
وَبِكلّ مُلتَهبِ العزيمة في ال / بأساء صبّارٍ على الضُّرِّ
لَم يَمتَطوا كَتَدَ المَعابِ ولا / عقدوا مآزهم على وِزْرِ
وإذا علا لهبُ الجمال بهمْ / وهبوا رُواءَ الحسن للبدرِ
يُعطون في الإعسار من كَرَمٍ / مِثلَ الّذي يُعطونَ في اليُسرِ
وهّابُ مَشْبَعةٍ لمسغَبةٍ / غازونَ ظلّامونَ للجُزْرِ
فَتَرى على حسّادِ نعمَتهمْ / يتلاحظون بأعينٍ شُزْرِ
يا صاحبيَّ على طَماعِيَةٍ / في العيش تُركبنا قَرا وَعْرِ
لا تَحسبا في الدّار عدْوَتَهُ / إنّ الرّدى أعدى من العُرِّ
هي عادةٌ للدّهر واحدةٌ / فَاِصبِرْ لمُرِّ عوائد الدّهرِ
بَقّى الّذي يبقى ويرجع في / كلّ الّذي أولى من البِرِّ
إنْ كان سرّ فقد أساء شجىً / أو كان راش فإِنّه يَبْرِي
سوّى الرَّدى بين المطاح على / طرق الرَّدى ومشيّد القصرِ
يا من يُقيل عِثارَ أرحُلِنا / كيفَ اِستَجبتَ لزلَّة العَثْرِ
ألّا دَفعتَ وَقَد دَفعت إلى / وِرْدِ المنون بمالك الأَثْرِ
وَبأذرعٍ تَهوي بمُصْلَتَةٍ / بيضٍ وطائشةِ الخُطا سُمْرِ
أَوَلستَ ولّاجاً على حَذرٍ / تكفيه خرّاجاً مِنَ القَهرِ
هَيهاتَ لَيسَ لِمن يُطيف بهِ / جيشُ المنيَّةِ عنه من فَرِّ
ما لي أراك بدار مَضْيعةٍ / تسري الرّفاقُ وأنت لا تسري
في هُوَّةٍ ظَلماءَ بين هُوىً / سُدَّتْ مطالعُهنَّ بالصَّخْرِ
وَكأنَّما سُقّيتَ مُنعَقِراً / لا تَستَفيق سلافةَ الخمرِ
زوَّدتنِي ومضيتَ مُبْتدِراً / حزّ المُدى ولواذعَ الجمرِ
وَتَركتَني والدّهرُ ذو دُوَلٍ / أعشى اللّحاظِ مقلَّمَ الظُّفْرِ
أَرمي فَلا أصمي فإنْ رُمِيَتْ / جهتي رُميتُ معرّضاً نحري
وأُصدُّ عن لُقيا العدوِّ وهل / ألقى العدوّ ولستَ في ظهري
وَإِذا مَضى مَن كانَ يَعضدني / ويشدّ يومَ كريهةٍ أزْري
ويردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / ويخوض كلَّ ردىً إلى نصري
فالحظُّ لِي أنْ لا أهيجَ وغىً / حتَّى أكون مسالماً دهري
كَيفَ اللّقاء وَأنتَ رَهْنُ بِلىً / لا يُرتجى إلّا معَ الحَشرِ
هَجرٌ وَلَكن لَيس يُشبِهُهُ / شيءٌ من الإعراضِ والهجرِ
وَقَطيعةٍ ما كُنتُ أَحذَرها / إلّا عَليك فلم يَفِدْ حِذْري
لا مُتعةٌ لي في الحَياةِ فَما / أَحياه بَعدكَ لَيسَ مِن عمري
إِن لَم يَكُن كُلّي علَيكَ قضى / لمَّا قضيتَ فقد قضى شطري
فَاِذهَبْ كَما ذَهبَ الغَمام فَقدْ / مَلأ المذانِبَ منه بالقَطْرِ
وَخَلوتَ مِن عَيني بغير رضاً / منّي ولمّا تخلُ من سرّي
ما زلتُ أَكتم منك شاجيةً / وبلابلاً صُمّاً عن الزّجرِ
وَأُجِلُّه عَن أَن أَبوح بهِ / في نَظمِ قافيةٍ من الشّعرِ
حَتّى اِنقَضى صَبري وَجاشَ كَما / جاش الهدير يهدّه صدري
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ
لا تَكشِفنّ عيوبَ النَّاس ما اِستترتْ / فكاشفُ العيب من همٍّ على خطرِ
ولا تكنْ بجميلٍ علَّلوك به / مستسلمَ القلب مشغولاً عن الحَذَرِ
فالسّوءُ يظهر من دانٍ ومُنْتَزِحٍ / والنّارُ تخرج من قَدْحٍ من الحجرِ
وَالمرتضى في إخاءٍ لستَ واجدَهُ / ومَنْ عداه فمثلُ الشّوك والشَّجَرِ
وكلّ مَن أنتَ لاقيه وآلفُهُ / مفرّقٌ فيه بين الخُبْرِ والخَبَرِ
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري
ما زرتَ إلّا خداعاً أيّها السّاري / ثمّ اِنقَضيتَ وما قضّيتُ أوطاري
أَنّى يَزور عَلى الظّلماءِ مِنْ شَحَطٍ / مَنْ كانَ صُبْحاً وَقُرباً غيرَ زَوَّارِ
وَلَيسَ يَنفَعُ مَن يُضحِي بمَجْدَبَةٍ / أَنْ باتَ ما بَينَ جنّاتٍ وأنهارِ
قَد زارَني قَبلكَ الشّيبُ المُلِمُّ ضحىً / فما هَشِشْتُ له ما بين زوّاري
وكنتُ أعذرُ نفسي قبل زَوْرتِهِ / فَالآنَ ضاقَتْ عَلى اللّذّاتِ أعذارِي
لَوامِع لَم تكنْ للغيث جاذبةً / وأنجُمٌ لم تُنِرْ للمُدْلِجِ السَّاري
لا مرحباً ببياضٍ لم يكن وَضَحاً / لغُرّةِ الصُّبحِ أو لمعاً لنُوّارِ
أبَعْدَ أنْ سَمَقَتْ في العزِّ أبنيتِي / وجالتِ الأرضَ آثاري وأخباري
ونِلتُ ما ذِيدَ عنه كلُّ مُلتَمِسٍ / عفواً وطامَنْ عنه كلُّ جبّارِ
وداس بي أُفُقَ الجوزاء مُنتعلاً / ما شِيد من فضل أقداري وأخطاري
يَروم شَأوي وقد عزّ اللّحاقُ به / طمّاعةٌ مِن قَصيرِ الخطو عثّارِ
أَضَلَّهُ اللّؤمُ عن ذمِّي وجنّبهُ / خُمولُهُ وَقْعَ أنيابي وأظفاري
وَقَد عَجَمْتُم أنابيبي فلم تجدوا / فيهنّ إلّا صَليباً غيرَ خَوّارِ
وَما نَهَضتمْ بأعباءٍ نهضتُ بها / ولا أحطتمْ بأطرافي وأقطاري
وَلا ضرَبتمْ ونَقْعُ الحَربِ مُلتبِسٌ / في فَيلقٍ كَزُهاءِ اللّيل جرّارِ
لا يبعدِ اللَّهُ أقواماً مضوا سَلَفاً / كانوا على نَبَواتِ الدّهرِ أنصاري
شموسُ دَجني ومقْباسِي على غَسَقٍ / وفي الحَنادِسِ أنواري وأقماري
قومٌ إذا نزلوا داراً على عَجَلٍ / كانوا نزولاً مع النّعمى على الدّارِ
وإن أهَبْتُ بهمْ في يومِ معركةٍ / جاؤوا ولم يمطُلوا عنها بأعذارِ
لا يَرهبونَ سِوى إيلامِ لائمةٍ / وَلا يَخافونَ إلّا جانبَ العارِ
كَأنّهمْ وُلدوا في الحَربِ وَاِرتَضعوا / بسائلٍ من نجيع الطّعن موّارِ
لا يعرفُ المالَ إلّا حين يجعلُهُ / سداً لثلْمٍ وإغناءً لإفقارِ
جِفانُهُ كجوابِي الماءِ فاهقةٌ / وخُلْقُهُ كزلالٍ بينها جارِ
كَم قَد بلغتُ بهمْ في مطلبٍ أَرَبِي / وكم أحذتُ بهمْ من معشرٍ ثاري
وكم جَرَرْتُ حقوفي بعد ما شَحَطَتْ / بنصرهم من لَهاةِ الضّيغمِ الضّاري
المُطعمين على خَصْبٍ ومَسْغَبَةٍ / والمنعمين على عُسرٍ وإيسارِ
طاحوا وما طاح حزني بعدهمْ ونأَوْا / عنّي وما نزحوا من بين أفكاري
رُزِئتُهُم فيدِي من بعدهم صَفِرتْ / من النّفيس وقلبي من هوىً عارِ
وَلَم يَفتهمْ وقَد حازوا الكمال على / كلّ الخَلائق إلّا طولُ أَعمارِ
وَقَد مَررنا بدارٍ بعدهمْ خَشَعَتْ / بعدَ اِعتِلاءٍ وأقْوَتْ بعد أعمارِ
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً / وَلا تنظري إلّا إِلى حُسنِ مَخْبَرِي
فَإنّي وَخَيرُ القولِ ما كانَ صادِقاً / لَدى الفَخر سبّاقٌ إلى كلِّ مَفْخَرِ
أعرِّسُ في دار الحِفاظ وإنْ نأى / وشَمَّرَ عنها كلُّ ماضٍ مُشمِّرِ
وَإِن حالَ قَومٌ عَن هُدىً وَتَغيّروا / فَإنّي بسمتِ القَصْدِ لم أتغيَّرِ
وَأَعلَمُ أَنّ الدّهرَ يَعْبَثُ صَرْفُهُ / بِما شاءَ مِن مالِ البَخيلِ المُقَتِّرِ
فَإِنَّ الرّدى دَيْنٌ علينا قضاؤُهُ / فبين مُسقَّى كأسِهِ ومؤخّرِ
وَلَيسَ كَقومي في ندىً وسماحةٍ / ولا معشرٌ في يوم رَوْعٍ كمعشري
هُمُ ضربوا لِلطارِقينَ خِيامَهمْ / وهمْ رفعوا النّيرانَ للمُتَنوِّرِ
وهمْ كشفوا يومَ الوَغى طَخَياتِهِ / بكلّ طويل السَاعدين عَشَنْزَرِ
فَإِنْ كُنتِ لا تَدرينَ بَأسي ونَجْدَتي / فَقومي اِسأَلِي عَن نَجدتي كلَّ عِثْيرِ
وَكلَّ صَفيحٍ بِالضّرابِ مُثَلَّمٍ / وكلَّ وشيجٍ بالطّعان مكسَّرِ
وَأَينَ مُقامي إِن جهلت إِقامتي / وجَدِّك إلّا في قَطا كلِّ ضُمَّرِ
عَذلتَ عَلى تَبذير مالي وَهل ترى / نجمّعُ إلّا لِلجؤور المبذِّرِ
أفرّقُهُ من قبل أن حال دونه / رحيلِيَ عنه بالحِمامِ المقَدَّرِ
ومن قبل أنْ أُدْلى بملساءَ قفْرَةٍ / إلى جَدَثٍ ضَنْكِ الجوانب أغبرِ
مَضى قَيصرٌ من بعد كسرى وخلَّيا ال / تَلاعب في أموال كسرى وقيصرِ
وجال الرّدى في دور آل مُحرّقٍ / وزال بأجيالٍ لأبناء منذرِ
رَدُوا لَم يُجاروا من حِمامٍ سطا بهمْ / بمالٍ عريضٍ أو عديدٍ مُجَمْهَرِ
فَبين كَريم المفرقينِ متوَّجٍ / وَبينَ محلَّى المِعْصَمين مُسَوَّرِ
وَأصغوا إِلى داعي الرّدى وَتَهافتوا / تَهافُتَ خَوَّارِ الأباءِ المسَعَّرِ
وَطَرّدهمْ عمّا اِبتَنوه كَما هَفَتْ / خريقُ رياحٍ بالسّحاب الكنَهْوَرِ
أَزالَ فَما أَبقى لَهُمْ مِن تَكبّرٍ / وَأَخشَعَ ما خلَّى لهمْ من تجبُّرِ
وكانوا زماناً بهجةً لتأمّلٍ / فآبوا اِنقلاباً حَسْرَةً لتذكّرِ
مَرّ علينا فكَنفْنا بهِ
مَرّ علينا فكَنفْنا بهِ / مِن بين مَن مرّ ولا يدري
تَزيدُ في العمرِ مُناجاتُهُ / إن كان شيءٌ زاد في العمرِ
كأنّما صيغ من المشتري / فَاِختالَ أَو صيغَ منَ البدرِ
قُلتُ لَهُ يَوماً وقد زارني / معطَّرَ الجلد بلا عِطْرِ
مَلَكتَني حسناً وَكَم مالكٍ / بحسنه ناصيةَ الحُرِّ
لا تَبلِني مِنك بإعراضةٍ / فإنّني أُنفق من صبري
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ
لو أنصف النّاس قالوا أنتُمُ جبلٌ / يأوِي إليه بنو الإشفاقِ والحَذَرِ
لولاكُمُ سنداً لي والعدا أَثَري / ما كُنتُ مِن مَكرِهمْ إلّا عَلى غَرَرِ
قَد كُنتُمُ نِلتُمُ ما يَبتَغيهِ لكمْ / ذَوو المَودّةٍ لولا عائقُ القدرِ
سَطا عَلى شَملِكُمْ يَوماً فمزّقهُ / كلَّ التمزّقِ نَبْواتٌ من الغِيَرِ
فَمَن يَكُن عندهُ يا قومُ مُصطَبَرٌ / فإنّني طولَ عمري غيرُ مصطبرِ
عرّجْ على الدّارسة القَفْرِ
عرّجْ على الدّارسة القَفْرِ / ومُرْ دموعَ العين أن تجري
فلو نهيتُ الدّمعَ عن سَحِّهِ / والدّار وحشٌ لم تُطِعْ أمري
منزلةٌ أسلمها للبِلى / عَبْرُ هبوبِ الرّيح والقَطْرِ
فُجِعْتُ في ظلمائها عنوةً / بطلعةِ الشّمسِ أو البَدرِ
لهفانُ لا من حرّ جمرِ الجَوى / سكرانُ لا من نَشْوَةِ الخَمرِ
كأنّنِي في جاحمٍ من شجىً / ومن دموع العين في بحرِ
عُجتُ بها أُنفِقُ في آيِها / ما كان مذخوراً من الصّبرِ
في فِتْيَةٍ طارتْ بأوطارهمْ / في ذيلهمْ أجنحةُ الدَّهرِ
ضِيموا وسُقّوا في عِراص الأذى / ما شاءت الأعداء من مُرِّ
كلِّ خميصِ البطن بادي الطَّوى / ممتلئِ الجلد من الضُّرِّ
يَبْرِي لِحا صَعْدَتِهِ عامداً / بَرْيَ العَصا من كان لا يبري
كأنّه من طول أحزانِهِ / يُساق من أمنٍ إلى حِذْرِ
أو مفردٌ أبعده أهلُهُ / عن حَيّهِ من شَفَقِ العُرِّ
يا صاحبي في قعر مطويّةٍ / لو كان يرضى لِيَ بالقَعْرِ
أما ترانِي بين أيدي العِدا / ملآنَ من غيظٍ ومن وِتْرِ
تسري إلى جلدِيَ رُقْشٌ لهمْ / والشَّرُّ في ظلمائها يسري
مردّدٌ في كلّ مكروهةٍ / أُنقلُ من نابٍ إلى ظُفرِ
كأنّني نَصْلٌ بلا مِقْبَضٍ / أو طائرٌ ظلّ بلا وَكْرِ
بالدّار ظلماً غيرُ سكّانها / وقد قرى من لم يكن يَقْرِي
والسَّرحُ يرعى في حميم الحِمى / ما شاء من أوراقه الخُضْرِ
وقد خبا لِي الجمرَ في طيّهِ / لوامعٌ يُنذرنَ بالجَمْرِ
لا تَبكِ إنْ أنتَ بكيتَ الهدى / إلّا على قاصمةِ الظَّهرِ
وَاِبكِ حُسَيناً والأُلى صُرِّعوا / أمامَه سطراً إلى سطرِ
ذاقوا الرّدى مِن بعد ما ذوّقوا / أمثالَهُ بالبيضِ والسُّمْرِ
قتلٌ وأسْرٌ بأبي منكُمُ / من نيل بالقتل وبالأسرِ
فقلْ لقومٍ جئتَهم دارَهمْ / على مواعيدٍ من النَّصرِ
قَرَوْكُمُ لمّا حللتُمْ بها / ولا قِرى أوعيةَ الغَدْرِ
وَاِطّرحوا النَّهْجَ ولم يَحفِلوا / بما لكمْ في محكم الذّكرِ
وَاِستَلبوا إِرْثَكُمْ منكُمُ / من غير حقٍّ بيدِ القَسْرِ
كسرتُمُ الدّين ولم تعلموا / وكسرةُ الدّين بلا جَبْرِ
فيا لها مَظْلَمَةً أُولِجَتْ / عَلى رَسولِ اللَّه في القبرِ
كَأنّهُ ما فكّ أعناقكمْ / بكفّهِ من رِبَقِ الكُفرِ
وَلا كَساكمْ بَعد أَن كنتُمُ / بلا رِياشٍ حِبَرَ الفَخرِ
فَهو الّذي شادَ بِأَركانِكمْ / من بعد أن كنتم بلا ذِكْرِ
وَهوَ الّذي أَطلَعَ في لَيلكمْ / من بعد يَأْسٍ غُرّةَ الفجرِ
يا عُصُبَ اللَّه وَمَن حبُّهمْ / مخيّمٌ ما عشتُ في صدرِي
وَمَن أَرى وُدَّهُمُ وحدَهُ / زادي إذا وُسّدتُ في قبري
وَهوَ الّذي أعددتُهُ جُنَّتِي / وعصمتي في ساعةِ الحَشرِ
حَتّى إذا لم أكُ في نصرَةٍ / من أحدٍ كان بكمْ نصري
بموقفٍ ليس به سلعةٌ / لتاجرٍ أنفقُ من بِرِّ
في كلّ يومٍ لكُمُ سيّدٌ / يُهدى مع النِّيبِ إلى النَّحْرِ
كم لكُمُ من بعد شِمْرٍ مرى / دماءَكمْ في التربِ من شِمْرِ
وَيْحَ ابنِ سَعْدٍ عُمَرٍ إِنَّهُ / باع رسولَ اللّهِ بالنَّزْرِ
بَغى عليهِ في بنِي بنتِهِ / وَاِستلّ فيهم أنصُلَ المَكْرِ
فهْوَ وإنْ فازَ بِها عاجلاً / مِن حَطَبِ النّار ولا يدري
متى أرى حقَّكُمُ عائداً / إليكُمُ في السّرِّ والجَهْرِ
حَتّى مَتى أُلْوى بموعودكمْ / أُمطَلُ من عامٍ إلى شهرِ
لولا هَناتٌ هنّ يلويننِي / لبُحتُ بالمكتومِ من سرّي
وَلَم أَكُن أَقنع في نَصركمْ / بنَظْمِ أبياتٍ من الشّعرِ
فَإِنْ تَجلَّتْ غُمَمٌ رُكَّدٌ / تَركنني وَعْراً على وَعْرِ
رَأَيتُمونِي وَالقنا شُرَّعٌ / أبذُلُ فيهنَّ لكمْ نَحْرِي
على مَطا طِرْفٍ خفيفِ الشَّوى / كأنّه القِدْحُ من الضُّمْرِ
تَخالُهُ قَد قدَّ مِن صَخرةٍ / أو جِيبَ إذْ جِيبَ من الحَضْرِ
أعطيكُمُ نفسي ولا أرتضِي / في نصركمْ بالبذل للوفْرِ
وَإِنْ يَدُمْ ما نَحنُ في أَسرِهِ / فاللّهُ أَولى فيهِ بِالعذرِ
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي / قَصيرُ القُوى والبّطشِ عن سِلَعِ الشكرِ
فإنْ كان شكري وهْوَ ذا مُتَقَبَّلاً / فمَنٌّ على مَنٍّ وبِرٌّ على بِرِّ
وَأَعلَنتُ شُكري وَهوَ عنك مُقصّرٌ / لأخرج في النَّعماء عن حَيِّزِ الكُفرِ
وإنّي لأرجو أنْ تكون عطيّتِي / على قدر مَن أولى العطيَّةَ لا قدري
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ / مِنَ الذمّ إلّا ما ثوى في الضَمائرِ
فَلَيتكُمُ لمّا أتيتُمْ بسَوءَةٍ / ولا عاذرٌ منها أتيتمْ بعاذرِ
وما كنتُ أخشى منكُمُ مثلَ هذهِ / وكم من عجيبٍ بين طيّ المقادِرِ
ولمّا قدرتُمْ بعد عَجْزٍ أسأتُمُ / وكم عفّ عن سوءٍ بنا غيرُ قادِرِ
وما نافعٌ منّا وحشوُ قلوبنا / قبيحٌ من البغضاءِ حسنُ الظّواهرِ
فلا بَرِحَتْ فيكمْ خطوبُ مَساءَةٍ / ولا حُجِبَتْ عنكمْ نُيوبُ الفواقِرِ
وما زلتُمُ في كلّ ما تحذورنَهُ / وإن حاص قومٌ عن أكفِّ المحاذِرِ
حَذِرتُكُمُ وكم للّهِ عندي
حَذِرتُكُمُ وكم للّهِ عندي / صنيعٌ في كفايتِهِ حِذاري
وَلَو أنّي أشاءُ لَكنتْ مِنكمْ / مكانَ النّجمِ في الفلك المُدارِ
وَلَم أَرَ مِنكُمُ إلّا خُطوباً / فَلولا الشّيبُ شاب لها عذاري
رَددتم رَبَّ آمالٍ طِوالٍ / يلوذ بكمْ بآمالٍ قصارِ
وَكُنتُ وَقَد حَططتُ بكمْ رِحالي / نزلتُ بكمْ على غير اِختيارِ
فَلا خَصِبَتْ بلادُكُمُ بجَدْبٍ / ولا جيدَتْ بأنواءٍ غِزارِ
ولا نظرتْ عيونٌ مُدْلِجاتٌ / بهنّ على الظّلام ضِياءَ نارِ
وإنّي آملٌ فيكمْ وشيكاً / وإنْ موطلتُ عنه بلوغَ ثاري
لمّا طَلَعنَ عَليَّ في غَسَقٍ
لمّا طَلَعنَ عَليَّ في غَسَقٍ / فَخَلَفْنَ ضوءَ الشّمسِ والقمرِ
ساوَمْنَنِي قلبي فرُحنَ به / عنّي وكم بيعٍ على غَرَرِ
وَأَخذنَ منِّي ما سمحتُ به / في اليُسرِ من حالي وفي العُسرِ
وَكحلنَ عينِي كلّما مَرِهَتْ / ببكائها منهنّ بالسَّهَرِ
وَوَعدننِي ما لا يَفِينَ بهِ / من غير معذِرَةٍ لمعتَذِرِ
قد كنتُ أحذرُ ما بليتُ به / دهراً وكم بَلْوى مع الحذرِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ
هُو الزّمان فَلا عيشٌ يطيب بهِ / ولا سرورٌ ولا صفوٌ بلا كَدَرِ
يَجني الفَتى فإذا لِيمَت جِنايتُهُ / أحال من ذنبهِ ظلماً على القدرِ
وَكلُّ يَومٍ مِنَ الأيّام يعجبُنا / فَإِنمّا هوَ نُقصانٌ من العُمُرِ
أَيا زائِراً بِالليلِ مِن غيرِ أَنْ يَسري
أَيا زائِراً بِالليلِ مِن غيرِ أَنْ يَسري / وهل زائرٌ باللّيل من غير أن يسري
وَيا مُشبهاً للفجرِ ضوءُ جبينِهِ / أبِنْ لِي قليلاً كيف رُوّعتَ بالفجرِ
تَجودُ عَلَينا وَالمعاذيرُ جَمّةٌ / وتبخلُ بالجَدوى وأنت بلا عذرِ
وَلَمّا تَعاتَبنا على الهجر صُغتَ لِي / دَنُوَّك من بُعدٍ ووصلكَ من هجرِ
وَأَوليتَ بِرّاً لَم يَكُن عندَ واصِلٍ / إليه وإن أغنى نصيباً من الشّكرِ
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما
لا تَنظري اليومَ يا سَلمى إليّ فما / أَبقَى المشيبُ بوجهي نظرةَ البَشَرِ
جَنى عليَّ فقولي كيفَ أَصنعُ في / جانٍ إِذا كان يجني غير مقتدرِ
عَرا فَأعرى منَ الأوطارِ قاطبةً / قهراً وألبَسَنِي ما ليس من وَطَرِي
وَقَد حَذرتُ وَلَكنْ ربَّ مُغتربٍ / لم أنجُ منه وإنْ حاذرتُ بالحَذَرِ
فَإِنْ شَكوتُ إلى قومٍ مساكنهمْ / ظلّ السَّلامة ردّوني إلى القَدرِ
كوني كما شئتِ في طولٍ وفي قِصَرٍ / فليس أيّامُ شيبِ الرّأس من عُمُرِي
فَقُل لِمَن ظلّ يُسلِي عن مصيبتِهِ / لا سلوةٌ ليَ عن سمعي وعن بصري
شرُّ العقوبةِ يا سلمى على رجلٍ / عقوبةٌ من صروف الدّهر في الشَّعَرِ
إِنْ كان طال له عمرٌ فشيّبَهُ / فكلُّ طولٍ عداه الفضلُ كالقِصَرِ
يُلينُ منه ويُرخِي من معاجِمِهِ / كُرْهاً ولو كان منحوتاً من الحجرِ
فإن تكن وَخَطاتُ الشّيب من شَعَري / بيضاً فكم من بياضٍ ليس بالغُرَرِ
ما كلُّ إشراقَةٍ للصّبحِ في غَلَسٍ / وليس كلُّ ضياءٍ من سنا القمرِ
وأعرضتِ حتّى لا أراك وإنّما
وأعرضتِ حتّى لا أراك وإنّما / أَرى منكِ وَجهَ الشّمسِ أو طلعةَ البدرِ
ولم يكُ ذاك الصّدّ إِلّا لِمقلتي / وقلبِيَ عَن مَغْنَى هواك بلا سِتْرِ
وهجرُكِ منّي ليس إلّا لِعلّةٍ / ولكنّ هجراً جاء منكِ بلا عذرِ
ويومِيَ لا ألقاكِ فيه وأجتلِي / بِهِ منك وَجهَ الحُسن ما هو من عمري
وَإِن لَم يَكُن لِي منكِ صفحٌ فَأَعطِني / نصيباً من البلوى وحظّاً من الصّبرِ
فلا تفُتَنوا بعدي بشيءٍ فإنّنِي / فُتِنْتُ بمملوءِ الجفون من السِّحْرِ
يُسيءُ وما ينوي الإساءَةَ عابثاً / ويُقلقني شوقاً إليه وما يدري
وَهانَ عليهِ وَالهَوى ليسَ عندهُ / دموعٌ لبينٍ منه أو جفوةٌ تجري
فيا ليتَ من يشفي الجوى لم يُعِلَّنِي / ومن لم يكن نفعِي به لم يكن ضَرّي
لَدارُكَ من قلبي كقلبي كرامةً
لَدارُكَ من قلبي كقلبي كرامةً / وبِرُّك عندي ليس يبلغه شكري
وَأنتَ الّذي أَبغيهِ في شَطَطِ المُنى / وأشرطه يومَ الشِّراطِ على دهري
وَما راعَنِي إلّا فراقُك بغتَةً / وقلبِيَ مملوءٌ لوصلِكَ بالبِرِّ
وَكُنتُ وَقَد عُرِّيتُ منك كمُدْلِجٍ / تَعرّى عَلى الظلماءِ مِن طَلعةِ البدرِ
وَلَم أَدرِ ما في يومنا غيرَ أنّنا / قُطِعْنا بقَطْرٍ لا يدوم عن القَطْرِ