القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 56
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ / فهفا له حِلْمٌ وطاشَ وَقَارُ
وأظنّهُ مترنّحاً من نَشْوَةٍ / كاساتُها بهوَى العيون تُدارُ
يا لُوّمي ومتى بُليت بلوّمٍ / إلّا وَهُمْ ببليّتي أغمَارُ
فُكُّوا الغضَنفَرَ من إسار غزالَةٍ / قيداه خَلْخَالٌ لها وسِوارُ
ما أَحْرَقتْ خَدِّي سَواكِبُ أدمُعي / إلّا بِماءٍ في حَشَاهُ نارُ
والماءُ مُنفَجِرٌ منَ النارِ الَّتي / في القلب منها يَسْتَطيرُ شرارُ
عَجَبي لأَضدادٍ عَلَيَّ تَناصَرَتْ / جَوْراً عَلَيَّ وَلَيس لي أنْصارُ
فَخُذوا الهوى عنِّي بِنَقل ملاحةٍ / عَن أَعيُنٍ يرنو بِهِنَّ صُوَارُ
ومباسماً تجلو شقائقَ روضةٍ / للأقحُوَانَةِ بينها نُوّارُ
إنَّ المها تُمْهي سيوفَ جفونها / فَحَذارِ منها لو يُطاقُ حِذارُ
مِنْ كلِّ مُشْرَبةٍ بجريال الصبا / لوناً كما لَمسَ اللُّجَينَ نُضارُ
في خلقها الإنْسيِّ من وحشيّةٍ / كُحْلٌ وحُسْنُ تَلَفُّتٍ وَنِفارُ
طَرفي بِرَجْعَتِهِ إِلَيَّ أذاقَني / مِنها الرّدى لا طَرْفُها السَّحّارُ
وإذا انثى سهمٌ على الرّامي به / غَرَضاً له فالجُرْحُ منه جبارُ
طَرَقَتْ تَهادى في اختيالِ شبيبةٍ / تُخطِي مُطِيلَ الوجد وهيَ قصارُ
سَفَرَتْ فما دَرَتِ الظنون ضميرها / أَسُفُورها من صُبحِها إِسفارُ
حَتَّى إذا خافَتْ مُرَاقِبَها عَلا / مِنها عَلى الوجهِ المنيرِ عِجارُ
وَكَأنَّما زُهْرُ النُّجومِ حمائِمٌ / بِيضٌ مَغارِبُها لَها أَوكارُ
وكأنّما تذكي ذُكاءُ تَوَهُّجاً / فيه يذوبُ من الدُّجُنَّةِ قارُ
يا هَذِهِ لا تَسألي عن عَبرَتي / عَيني على عَيني عَلَيكِ تَغارُ
هل كانَ نَهدُكِ صِنوَ قَلبكِ تَتَّقي / عَن لَمسِهِ في صَدرِكِ الأَزرارُ
ما كنتُ أحسبُ غُصنَ بانٍ في نَقا / تشكو أليمَ القطفِ منه ثمارُ
نَصَّلْتِ سَهْمَيْ مُقلَتَيكِ ليُصْمِيا / بِنِصالِ سِحرِ الطرفِ فهيَ حِرارُ
وهما المعلّى والرقيبُ وإنّما / قلبي المعذَّبُ منهما أعشارُ
لا ثأر يدرَك منك في المُّهَجِ الَّتي / أرديتها أوَ مِنْكِ يُدْرَك ثارُ
هلَّا التفَتِّ كما تَلَفّتُ مُغْزِلٌ / لترَى مَكان الخِشْفِ وهيَ نَوَارُ
وَبرَدْتِ حرَّ الشّوْقِ بالبردِ الَّذي / شَهدٌ ومِسكٌ دونَهُ وعقارُ
إِنّي دُفِعْتُ إلى هَواكِ وغُربةٍ / هَتَفَتْ بها العَزَمَاتُ والأَسفارُ
وغَرستُ عمري في الزَّماعِ فمرّرتْ / لفمي جَنَاهُ نجائِبٌ وقِفارُ
وَجَعَلتُ دَاري في النَّوى فَمُؤانسي / وحشُ الفلا وَمَجَالسي الأكوارُ
لولا ذُرَى الحسن الهمامِ وَفَضْلُهُ / ما قَرَّ بي في الخافِقَينِ قَرارُ
هَذا الَّذي بَذَلَتْ أناملُهُ النّدى / وهُدِيْ الكرامُ إليه لمّا حاروا
هذا الَّذي سلَّ السيوفَ مجاهداً / فَبِضْربها للمُشركينَ دَمَارُ
هذا الذّي جَرّ الرّماحَ لحربهم / سَعْيَ الأساود جيشُهُ الجرّارُ
قَهَرَتْ ظُبَا توحيده تثليثَهمْ / وقَضى بذاكَ الواحِدُ القهّارُ
غَضباً على الأعلاج منه فَرَبّهُ / يَرْضَى به ونَبِيُّهُ المختارُ
فَلِوَجهِهِ البادي عَلَيهِ سَنا الهدى / ضَرَبَتْ وُجُوهَ عُداتِهِ الأقدارُ
أمّا عُلا حسنٍ فبين مَصَامِها / شَرَفاً وبين الفرقَدَينِ جِوارُ
خَلُصَتْ خلائِقُهُ ولَم يَعْلَقْ بها / جَبْرِيّةٌ لم يَرْضَها الجبّارُ
وَسما لَهُ حلمٌ وَجَلَّ تَفَضُّلٌ / وَزَكا لَهُ فَرعٌ وَطاب نجارُ
يَنْدى بلا وَعْدٍ وكم من عارضٍ / من غير بَرْقٍ صوبه مدرارُ
فربُوعُه بالمُعتَفينَ أوَاهِلٌ / وَبَنَانُهُ بالمَكرُمات بحارُ
وإذا عفا صفحاً عفا عن قُدْرَةٍ / والحلمُ في الملك القدير فخارُ
سُلَّتْ صوَارِمُهُ الحِداد ففَلَّقَتْ / هاماً عليها للجيادِ عِثارُ
في جَحفَلٍ كَالبحرِ ماج بضمَّرٍ / فتَكَتْ على صَهوَاتِها الأذْمارُ
لا يَجْزَعُونَ مِنَ المَنونِ كَأَنَّما / آجالُهُمْ لِنُفوسِهِم أعمارُ
فَصَعيدُ وجهِ الأرْضِ منه مُبَعْثَرٌ / وَذَرُورُ عين الشَّمسِ منه غبارُ
إنَّ الحروبَ وأنتُمُ آسادُها / فَتَكاتُكمْ في عُرْبها أبكارُ
أَضحَتْ لِصَونِكُمُ الثغورُ كأعيُنٍ / وشفاركمْ من حولها أشفارُ
زانَت سِيادَتُكم كرامَةَ بَرِّكم / خيرُ الملوكِ السادةُ الأبرارُ
يا من عِتاقُ الخَيْلِ تُوسَمُ باسمِهِ / والدرهمُ المضروبُ والدّينارُ
وبكلّ أرضٍ تستنيرُ بذكره / خُطَبٌ منَ الفصحاءِ أو أشعارُ
خدمتْ رئاستَك السعودُ وأصبحتْ / للفضل تحْسُدُ عَصرَكَ الأعصارُ
ورِجالُ دَولَتِكَ الَّذينَ لِقَدرِهِم / بكَ في الورى الإجلالُ والإكبارُ
فمن المقدّم والزمام كفايةٌ / نُجْحٌ بها الإيرادُ والإِصْدارُ
فَهُما وَزيراكَ اللَّذانِ عَلَيهِما / لنفوذِ أمْرِكَ في السداد مَدَارُ
جَبَلانِ يَقتَرِنانِ للرأيِ الَّذي / لِعِداكَ منه مذلّةٌ وصَغارُ
فالملك بينهما حديثٌ حُسْنُهُ / قَطَعَتْ لياليَها به السُّمّارُ
وكأنّ ذا سمعٌ وذا بصرٌ له / حَسَدتْهُما الأسْماعُ والأبصارُ
واللَّيثُ إبراهيمُ قائدُك الّذي / تَدمى بِصَولَتِه لهُ أظْفارُ
يرمي شدادَ المُعْضِلاتِ بنفسه / بَطَلُ الكفاحِ وَذِمْرُها المغوارُ
وإذا تَفَجّرَ جدولٌ من غِمْدِهِ / شَرِقَتْ بماءِ غَمامِهِ الفُجّارُ
وعبِيدُكَ الغلمانُ إن نادَيْتَهُم / نَهَضُوا مُوَاثَبَةَ الأسود وثاروا
وَمَشَوْا مع التّأييدِ قاماتٍ إلى / هيجاءَ مَشْيُ حُماتِها أشبارُ
سَبَحوا إلى الأعلاج إذ لم ينزلوا / مِن فُلكهم فَحِجالُها تَيَّارُ
وَرَمَوْهُمُ بِجَنادِلٍ فكأنَّها / لأجورها عندَ الإِلهِ جِمارُ
وَبِكُلِّ سَهمٍ واقعٍ لِكنَّهُ / بِثلاثِ أجنِحَةٍ له طَيَّارُ
وَحمَوْا حِمى الأسوَارِ وهيَ وراءهُم / حَتَّى كأنَّهُمُ لها الأسوارُ
وكَأنَّما حَرّ المَنايا عِندَهم / بَرْدٌ إذا ما اشتدَّ مِنهُ أوارُ
لا يتَّقي في الضَّربِ سَيْفُكَ مِغْفَراً / فله من القَدَرِ المُطاعِ غِرَارُ
لو أنَّ أعْرَاضاً تُجَوْهَرُ أصْبَحَتْ / في كفّكَ العَزَماتُ وهيَ شِفارُ
أَو أنَّ للأرْضِ الجمادِ تَنقُّلاً / حَجّتْ إلى أمْصارِكَ الأمْصارُ
فليهنِك الشهرُ المعظَّمُ إنّه / ضيفٌ قِراه البِرُّ والإيثارُ
أَصبَحتَ فيه لِوَجهِ ربِّكَ صائماً / لَكِن لِكَفِّكَ بالنّدى إفطارُ
ضيفٌ أتَاكَ به لتعرفَ حَقّهُ / فَلُكٌ بقدرةِ ربّهِ دَوّارُ
لا زالتِ الأيّامُ وافِدةً على / ما تشْتَهي منها وما تختارُ
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها / مُهَذّباً آخذاً بالحزْمِ يَستُرُها
فاطوِ السرائرَ في الجنبَينِ تحجنها / عنِ اللِّسانِ الَّذي للسَّمْعِ يَنشرها
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما / عليكَ من الغزلان وَسْنانُ أحْوَرُ
فَجَفنٌ له عَضْبٌ منَ اللَّحظِ مُرْهَفٌ / وَجَفْنٌ به ماضٍ من الهند مُبْتِرُ
وأمضاهما حدّاً فلا تغتررْ به / غِرَارُ الَّذي فيه من السّحْرِ جَوْهَرُ
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى / عيُونَ المها في وُجوهِ البُدورِ
طِوالُ الفروعِ قِصارُ الخطا / ثقالُ الروادفِ هِيفُ الخصورِ
تُطيِّبُ أفواهُهُنَّ الحديثَ / بحُمْرِ الشفاهِ وَبِيضِ الثغورِ
كما مرّ بالوردِ والأقحوانِ / نسيمٌ مشوبٌ بِرَيّا العبيرِ
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا / إلى السّماءِ فكلّ الخوْفِ في النّظرِ
فإنهُمْ يتّقونَ البَطْشَ مِنْ مَلِكٍ / مُنَفّذٍ أمْرَهُ كاللَّمحِ بالبصرِ
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا / وماتَتْ لياليها من العُمْرِ فانْشُرْهَا
وهذا لَعَمْري كلّهُ غيرُ كائنٍ / فأخْرَاكَ وَاصِلهْا ودنياكَ فاهجرها
أرى لك نفساً في هواكَ مقيمةً / وقد طالَ ذا منها لكَ الويلُ فاقْصرها
وكم سيّئاتٍ أُحْصِيَتْ فنسيتَها / وأنتَ متى تقرأ كتابَكَ تذْكرْها
فيا ربِّ إنِّي في الخضوع لقائلٌ / ذنوبي عُيوبي يوْم ألقاك فاسترها
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري / بانَ عُذْري فكيفَ يُقْبَلُ عذري
كلَّما تُبْتُ ساعةً عُدْتُ أُخرى / لِضُروبٍ من سوءِ فِعلي وهُجري
ثَقُلتْ خَطْوَتي وفَوْدي تَفَرّى / غَيْهَبُ اللَّيلِ فيه عن نُورِ فجرِ
دبَّ مَوْتُ السّكونِ في حركاتي / وخَبَا في رمادِهِ حُمْرُ جمري
وأنا حيثُ سرْتُ آكلُ رزقي / غير أنّ الزمانَ يأكل عمري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / من حياتي وجدتُ في الرِّبحِ خسري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / عِلْمُهُ باختلافِ سرّي وجهري
مِلْ بقلبي إلى صَلاحِ فسادي / منه واجبرْ برأفةٍ منك كسري
وأَجِرْني ممّا جَناهُ لِساني / وتَناجتْ به وساوسُ فِكري
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ / مَشِيباً أفاضَ عَلَيهِ النهارا
وضَعفاً يَهُدُّ قُوَى جِسْمِهِ / ويَنقُلُ مِنهُ خُطاهُ قصارا
فَكَيفَ يُجَشِّمُها طِفلةً / يطير بها القلبُ عنه نِفارا
وعارٌ على الشَّيخِ تقريبُهُ / فتاةً ترى قُرْبَةً منه عارا
وقد جُبِلَ الغانياتُ الصّغارُ / على بُغْضِهِنّ الشيوخَ الكبارا
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ / وجارَ زمانٌ كنتَ فيه تُجيرُ
لَقَد أَصبَحَتْ بيضُ الظبا في غمودها / إناثاً لِتَرْكِ الضّرْبِ وهيَ ذُكورُ
تجيءُ خلافاً للأمور أُمُورُنا / وَيَعدلُ دهرٌ في الورى ويجورُ
أَتَيأَسُ في يومٍ يناقضُ أمْسهُ / وَزُهْرُ الدَّراري في البروجِ تَدورُ
وقد تنْتخي الساداتُ بعد خمولها / وَتَخرُجُ مِن بَعدِ الكُسوفِ بُدورُ
لئن كنتَ مقصوراً بدارٍ عَمَرْتَها / فقد يُقْصَرُ الضِّرغامُ وهوَ هَصورُ
أغَرَّ الأَسارى أن يقالَ مُحَمَّدٌ / غريبٌ بأرض المغربَينِ أَسيرُ
تُنافِس مِن أَغلالِها في فكاكها / وَيُقُصَمُ منها بِالمُصابِ ذُكورُ
وكُنتُ مُسجّىً بالظبا من سجونها / بِسورٍ لها إِنَّ السجونَ قُبورُ
إلى اليوْم لم تَذْعَرْ قطا الليل قُرّحٌ / يُغيرُ بها عِندَ الصَّباحِ مُغِيرُ
ولا راحَ نادٍ بِالمكارِمِ للغِنى / يُقَلِّبُه في الرّاحَتَينِ فَقيرُ
لَقَد صُنْتَ دينَ اللَّه خَيرَ صِيانَةٍ / كَأَنَّك قَلبٌ فيه وهوَ ضَميرُ
وَلَمّا رَحلتمْ بالنّدى في أَكُفِّكمْ / وَقُلْقِلَ رَضْوَى مِنكُمُ وثَبيرُ
رَفَعتُ لساني بِالقيامَةِ قَد أَتَت / ألا فانظروا هذي الجبال تسيرُ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ / بِغَيرِ انقِباضٍ مِنكَ يَجْري إلى ذكرِ
لَهَدّ قريضَ الفضلِ ما هدّ من قوى / وَحَلّ به ما حلّ من عُقْدةِ الصّبرِ
وإنّي امْرؤ في خَجْلَةٍ مُسْتَمِرّةٍ / يذوبُ لها في الماءِ جامدةُ الصّخْرِ
أتتني قوافيك التي جَلّ قدرُها / بما نقطةٌ منهنّ مُغْرِقَةٌ بَحْري
لَعَلّك إذ أغنيتي منك بالنّدى / أردتَ الغنى لي من مَديحك بِالفخرِ
لعمريَ إني ما توهّمْتُ ريبةً / فتدفعَ وَجْهَ العُرْفِ عِندكَ بالنكرِ
وطَبعكَ تِبرٌ سحّرَ الفضلُ محْضَهُ / وحاشا له أن يَستَحيلَ مَعَ الدَّهرِ
وَكُنتُ أمَلُّ الجودَ مِنكَ وأَنتَ لا / تَمَلّ عَطاءً منه يأتي على الوَفْرِ
فَكَيفَ أظُنُّ الظنّ غيرَ مُبَرّأٍ / تواضَعَ تيهاً كوكبُ الجوِّ عن قدري
يَخِفُّ على خُدّام مُلْكِك جانبي / كما خَفَّ هُدْبٌ في العيونِ على شُفرِ
إِذا طارَ مِنهُم بِالوصيَّةِ سَوْذَقٌ / فذلك في إفصاحِ منطقه القمري
تُحدّثُ عيني عينَهُ بالّذي يرَى / بوجهكَ لي من حُسنِ مائيّة البِشرِ
لياليَ لا أشْدوكَ إلّا مطَوَّقاً / بنعماكَ في أفنانِ روْضاتِكَ الخُضرِ
وما زالَ صَوْبٌ من نداكَ يَبُلُّني / ويثقلني حَتَّى عَجَزْتُ عَنِ الوكرِ
بَكَيتُ زَماناً كانَ لي بِكَ ضاحكاً / وَكسْرُ جناحي كان عندك ذا جَبْرِ
وأطرَقْتُ لمّا حالتِ الحالُ حَيْرَةً / تَحَيّرَ منها عالمُ النفس في صدري
فخذها كما أدري وإن كلَّ خاطري / وإن لم يكن منها البديعُ الَّذي تدري
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به / كأنّ للسمعِ منه رؤيةَ البصرِ
فلم يزل في وجوهِ الحُسْنِ مُقتبِلاً / بالوصفِ في صُوَرٍ منها إلى صورِ
وكيف يَخْفى عليه ما كلِفْتُ به / إذا الدّلائلُ دَلّتْهُ على القمرِ
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي / أضحى بمجدك بيته معمورا
قصرٌ لوَ انَّكَ قد كحلتَ بنوره / أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا
واشتقّ من معنى الحياة نسيمه / فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا
نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره / وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا
ولوَ اَنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ / ما كان شيءٌ عنده مذكورا
أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى / رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا
ومضَتْ على الرّومْ الدهورُ وما بنوْا / لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا
أذكرْتَنَا الفرْدوْس حينَ أرَيْتَنَا / غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا
فالمحسنون تَزَيّدوا أعمالهمْ / وَرَجَوْا بذلك جَنّةً وحريرا
والمذنبون هُدوا الصراطَ وَكفّرَتْ / حسناتُهُمْ لذنوبهم تكفيرا
فَلَكٌ من الأفلاكِ إلّا أنّهُ / حَقَرَ البدورَ فأطلعَ المنصورا
أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ / ثم انثنيتُ بناظري محسورا
وظننتُ أني حالمٌ في جَنّةٍ / لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا
وإذا الولائدُ فَتّحَتْ أبوابَهُ / جَعَلَتْ ترحّبُ بالعُفاةِ صريرا
عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ / فَغَرَتْ بها أفواهَها تكسيرا
فكأنّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها / من لم يكنْ بدخوله مأمورا
تجري الخواطرُ مطلقاتِ أعنةٍ / فيه فتكبو عن مداه قصورا
بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ / فُرِشَ المَها وتَوَشّحَ الكافورا
ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ / مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا
يستخلفُ الإصباحُ منه إذا انقضى / صبحاً على غَسَقِ الظلام منيرا
وضراغمٌ سَكَنَتْ عرينَ رئاسةٍ / تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا
فكأنّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا / وأذابَ في أفواهِها البلّورا
أُسْدٌ كأنّ سكونَها متحرّكٌ / في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا
وتذكّرَتْ فتكاتها فكأنّما / أقعتْ على أدبارها لتثورا
وتخالُها والشمسُ تجلو لونَها / ناراً وألسُنَها اللواحسَ نورا
فكأنّما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ / ذابتْ بلا نارٍ فَعُدْنَ غديرا
وكأنما نسج النسيم لمائه / درعاً فقدر سردها تقديرا
وبديعةِ الثّمَرَاتِ تعبُرُ نحوها / عينايَ بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجريةٍ ذهبيةٍ نزعتْ إلى / سحر يؤثّر في النهى تأثيرا
قد صَوْلَجَتْ أغصانَها فكأنّما / قَنَصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا
وكأنّما تأبى لواقع طيرها / أن تستقلّ بنهضها وتطيرا
من كلّ واقعةٍ ترَى منقارها / ماءً كسلسال اللجين نميرا
خُرْسٌ تُعدّ من الفصَاح فإن شدَتْ / جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا
وكأنّما في كلّ غصنٍ فضةٌ / لانتْ فأُرسِلَ خيطها مجرورا
وتريكَ في الصّهريج موقعَ قَطْرِهَا / فوْقَ الزّبَرْجَدِ لؤلؤاً منثورا
ضحكتْ محاسنُهُ إليك كأنّما / جُعلتْ لها زُهرُ النجوم ثغورا
ومصَفَّحِ الأبوابِ تبراً نَظّروا / بالنقش بين شكوله تنظيرا
تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت / فلك النهود من الحسان صدورا
خَلَعَتْ عليه غلائلاً ورسيَّةً / شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا
وإذا نَظَرْتَ إلى غرائبِ سَقفهِ / أبصرتَ روضاً في السماء نضيرا
وعجبتَ من خطّافِ عسجده الّتي / حامتْ لتبني في ذراه وكورا
وضعتْ به صنّاعُهُ أقلامَها / فأرَتْكَ كلّ طريدةٍ تصويرا
وكأنّما للشمس فيه ليقةٌ / مَشَقوا بها التّزْويقَ والتشجيرا
وكَأنّما للأزَوَرْد مُخَرِّمٌ / بالخطّ في وَرَقِ السماءِ سطورا
وكأنّما وَشّوْا عَلَيه ملاءَةً / تركوا مكان وشاحِها مقصورا
يا مالكَ الأرض الّذي أضحى له / مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا
كم من قصورٍ للملوك تَقَدّمَتْ / واستوْجَبَتْ لقصورك التّأخيرا
فعمرتها وَملَكتَ كلّ رئاسةٍ / منها ودمّرْتَ العدا تدميرا
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ / أميرٍ على الوَحشِ المقيمةِ في القَفْرِ
يُوَسِّدُ شبليه لحومَ فَوَارسٍ / ويقطعُ كاللّصّ السبيلَ على السَّفْرِ
هزبْرٌ له في فيه نارٌ وَشَفْرَةٌ / فما يَشتَوي لحم القتيلِ على الجمرِ
سراجاه عيناهُ إذا أظلمَ الدّجى / فإن باتَ يسري باتتِ الوحش لا تسري
له جبهةٌ مثل المجنّ ومعطسٌ / كأنّ على أرجائه صبغةَ الحبرِ
يصلصلُ رعدٌ من عظيمِ زئيره / ويلمع برقٌ من حماليقهِ الحمرِ
له ذَنَبٌ مُسْتَنْبَطٌ منه سَوْطُهُ / ترَى الأرض منه وهي مضروبة الظهرِ
ويضربُ جنبيه به فَكَأنّما / له فيهما طَبْلٌ يَحُضّ على الكرِّ
ويُضْحك في التعبيس فكّيه عن مدى / نيوبٍ صلابٍ ليس تُهتَمُ بالفِهْرِ
يصولُ بكفّ عرْض شبرين عرْضُها / خناجرُها أمضى من القُضُبِ البترِ
يجرّدُ منها كلّ ظُفْرٍ كأنّهُ / هلالٌ بدا للعين في أوّلِ الشهرِ
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني / إذا غابَ لم يبعد على عين مُبْصِرِ
وبينَ رحيلي والإِيابِ لحاجِها / من الدهر ما يُبْلي رَتيمَةَ خنصرِ
ولا بُدّ من حملي على النفس خُطّةً / تُعلّقُ وردي في اغترابي بمصدري
وتطرَحني بالعزْم من غيرِ فترَةٍ / سفائنُ بيدٍ في سفائن أبحُرِ
وما هيَ إلا النفسُ تفني حياتَهَا / مُصَرَّفةً في كلّ سعيٍ مُقَدَّرِ
أغَرّكِ تلويحٌ بجسمي وإنّني / لكالسيف يعلو متنه غين جوهرِ
وما هيَ إلا لفحةٌ من هواجرٍ / تخلّصْتُ منها كالنّضار المسجَّرِ
وأنكرتِ إلمامَ المشيبِ بلمّتي / وأيّ صباحٍ في دجى غيرِ مسفرِ
وما كان ذا حذرٍ غرابُ شبيبتي / فلمْ طارَ عن شخصي لشخص مُنفِّرِ
وأبقتْ صروفُ الدهرِ منّي بقيّةً / مذكرةً مثلَ الحسام المذكرِ
وما ضَعضَعتني للحوادثِ نَكْبَةٌ / ولا لان في أيدي الحوادث عُنصري
وحمراءَ لم تسمحْ بها نفسُ بائعٍ / لسومٍ ولم تظفرْ بها يدُ مُشتري
أقامتْ مع الأحقابِ حتى كأنّها / خبيئةُ كسرى أو دفينةُ قيصرِ
فلم يبقَ منها غيرُ جزءٍ كأنّهُ / تَوَهُّمُ معنىً دقّ عن ذهن مُفكرِ
إذا قَهقَهَ الإبريقُ للكأس خِلتَهُ / يرجِّعُ صوتاً من عُقابٍ مُصَرْصرِ
وطافَ بها غَمرُ الوشاحِ كأنّما / يقلّبُ في أجفانه طَرْفَ جؤذرِ
قصرتُ بكلٍّ كلَّ يومٍ لهوتُهُ / ومهما يطبْ يومٌ من العيش يقصُرِ
أبرُوقٌ تلألأتْ أم ثغورُ
أبرُوقٌ تلألأتْ أم ثغورُ / وليالٍ دجتْ لنا أم شعورُ
وغصُونٌ تأوّدَتْ أم قدودٌ / حاملاتٌ رمّانهنّ الصّدورُ
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً / قالتْ أصمّ دعوه يعذرْ
حديثُهَا سكرٌ شهيّ / وأطيبُ السكرِ المُكَرَّر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025