المجموع : 56
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ / فهفا له حِلْمٌ وطاشَ وَقَارُ
وأظنّهُ مترنّحاً من نَشْوَةٍ / كاساتُها بهوَى العيون تُدارُ
يا لُوّمي ومتى بُليت بلوّمٍ / إلّا وَهُمْ ببليّتي أغمَارُ
فُكُّوا الغضَنفَرَ من إسار غزالَةٍ / قيداه خَلْخَالٌ لها وسِوارُ
ما أَحْرَقتْ خَدِّي سَواكِبُ أدمُعي / إلّا بِماءٍ في حَشَاهُ نارُ
والماءُ مُنفَجِرٌ منَ النارِ الَّتي / في القلب منها يَسْتَطيرُ شرارُ
عَجَبي لأَضدادٍ عَلَيَّ تَناصَرَتْ / جَوْراً عَلَيَّ وَلَيس لي أنْصارُ
فَخُذوا الهوى عنِّي بِنَقل ملاحةٍ / عَن أَعيُنٍ يرنو بِهِنَّ صُوَارُ
ومباسماً تجلو شقائقَ روضةٍ / للأقحُوَانَةِ بينها نُوّارُ
إنَّ المها تُمْهي سيوفَ جفونها / فَحَذارِ منها لو يُطاقُ حِذارُ
مِنْ كلِّ مُشْرَبةٍ بجريال الصبا / لوناً كما لَمسَ اللُّجَينَ نُضارُ
في خلقها الإنْسيِّ من وحشيّةٍ / كُحْلٌ وحُسْنُ تَلَفُّتٍ وَنِفارُ
طَرفي بِرَجْعَتِهِ إِلَيَّ أذاقَني / مِنها الرّدى لا طَرْفُها السَّحّارُ
وإذا انثى سهمٌ على الرّامي به / غَرَضاً له فالجُرْحُ منه جبارُ
طَرَقَتْ تَهادى في اختيالِ شبيبةٍ / تُخطِي مُطِيلَ الوجد وهيَ قصارُ
سَفَرَتْ فما دَرَتِ الظنون ضميرها / أَسُفُورها من صُبحِها إِسفارُ
حَتَّى إذا خافَتْ مُرَاقِبَها عَلا / مِنها عَلى الوجهِ المنيرِ عِجارُ
وَكَأنَّما زُهْرُ النُّجومِ حمائِمٌ / بِيضٌ مَغارِبُها لَها أَوكارُ
وكأنّما تذكي ذُكاءُ تَوَهُّجاً / فيه يذوبُ من الدُّجُنَّةِ قارُ
يا هَذِهِ لا تَسألي عن عَبرَتي / عَيني على عَيني عَلَيكِ تَغارُ
هل كانَ نَهدُكِ صِنوَ قَلبكِ تَتَّقي / عَن لَمسِهِ في صَدرِكِ الأَزرارُ
ما كنتُ أحسبُ غُصنَ بانٍ في نَقا / تشكو أليمَ القطفِ منه ثمارُ
نَصَّلْتِ سَهْمَيْ مُقلَتَيكِ ليُصْمِيا / بِنِصالِ سِحرِ الطرفِ فهيَ حِرارُ
وهما المعلّى والرقيبُ وإنّما / قلبي المعذَّبُ منهما أعشارُ
لا ثأر يدرَك منك في المُّهَجِ الَّتي / أرديتها أوَ مِنْكِ يُدْرَك ثارُ
هلَّا التفَتِّ كما تَلَفّتُ مُغْزِلٌ / لترَى مَكان الخِشْفِ وهيَ نَوَارُ
وَبرَدْتِ حرَّ الشّوْقِ بالبردِ الَّذي / شَهدٌ ومِسكٌ دونَهُ وعقارُ
إِنّي دُفِعْتُ إلى هَواكِ وغُربةٍ / هَتَفَتْ بها العَزَمَاتُ والأَسفارُ
وغَرستُ عمري في الزَّماعِ فمرّرتْ / لفمي جَنَاهُ نجائِبٌ وقِفارُ
وَجَعَلتُ دَاري في النَّوى فَمُؤانسي / وحشُ الفلا وَمَجَالسي الأكوارُ
لولا ذُرَى الحسن الهمامِ وَفَضْلُهُ / ما قَرَّ بي في الخافِقَينِ قَرارُ
هَذا الَّذي بَذَلَتْ أناملُهُ النّدى / وهُدِيْ الكرامُ إليه لمّا حاروا
هذا الَّذي سلَّ السيوفَ مجاهداً / فَبِضْربها للمُشركينَ دَمَارُ
هذا الذّي جَرّ الرّماحَ لحربهم / سَعْيَ الأساود جيشُهُ الجرّارُ
قَهَرَتْ ظُبَا توحيده تثليثَهمْ / وقَضى بذاكَ الواحِدُ القهّارُ
غَضباً على الأعلاج منه فَرَبّهُ / يَرْضَى به ونَبِيُّهُ المختارُ
فَلِوَجهِهِ البادي عَلَيهِ سَنا الهدى / ضَرَبَتْ وُجُوهَ عُداتِهِ الأقدارُ
أمّا عُلا حسنٍ فبين مَصَامِها / شَرَفاً وبين الفرقَدَينِ جِوارُ
خَلُصَتْ خلائِقُهُ ولَم يَعْلَقْ بها / جَبْرِيّةٌ لم يَرْضَها الجبّارُ
وَسما لَهُ حلمٌ وَجَلَّ تَفَضُّلٌ / وَزَكا لَهُ فَرعٌ وَطاب نجارُ
يَنْدى بلا وَعْدٍ وكم من عارضٍ / من غير بَرْقٍ صوبه مدرارُ
فربُوعُه بالمُعتَفينَ أوَاهِلٌ / وَبَنَانُهُ بالمَكرُمات بحارُ
وإذا عفا صفحاً عفا عن قُدْرَةٍ / والحلمُ في الملك القدير فخارُ
سُلَّتْ صوَارِمُهُ الحِداد ففَلَّقَتْ / هاماً عليها للجيادِ عِثارُ
في جَحفَلٍ كَالبحرِ ماج بضمَّرٍ / فتَكَتْ على صَهوَاتِها الأذْمارُ
لا يَجْزَعُونَ مِنَ المَنونِ كَأَنَّما / آجالُهُمْ لِنُفوسِهِم أعمارُ
فَصَعيدُ وجهِ الأرْضِ منه مُبَعْثَرٌ / وَذَرُورُ عين الشَّمسِ منه غبارُ
إنَّ الحروبَ وأنتُمُ آسادُها / فَتَكاتُكمْ في عُرْبها أبكارُ
أَضحَتْ لِصَونِكُمُ الثغورُ كأعيُنٍ / وشفاركمْ من حولها أشفارُ
زانَت سِيادَتُكم كرامَةَ بَرِّكم / خيرُ الملوكِ السادةُ الأبرارُ
يا من عِتاقُ الخَيْلِ تُوسَمُ باسمِهِ / والدرهمُ المضروبُ والدّينارُ
وبكلّ أرضٍ تستنيرُ بذكره / خُطَبٌ منَ الفصحاءِ أو أشعارُ
خدمتْ رئاستَك السعودُ وأصبحتْ / للفضل تحْسُدُ عَصرَكَ الأعصارُ
ورِجالُ دَولَتِكَ الَّذينَ لِقَدرِهِم / بكَ في الورى الإجلالُ والإكبارُ
فمن المقدّم والزمام كفايةٌ / نُجْحٌ بها الإيرادُ والإِصْدارُ
فَهُما وَزيراكَ اللَّذانِ عَلَيهِما / لنفوذِ أمْرِكَ في السداد مَدَارُ
جَبَلانِ يَقتَرِنانِ للرأيِ الَّذي / لِعِداكَ منه مذلّةٌ وصَغارُ
فالملك بينهما حديثٌ حُسْنُهُ / قَطَعَتْ لياليَها به السُّمّارُ
وكأنّ ذا سمعٌ وذا بصرٌ له / حَسَدتْهُما الأسْماعُ والأبصارُ
واللَّيثُ إبراهيمُ قائدُك الّذي / تَدمى بِصَولَتِه لهُ أظْفارُ
يرمي شدادَ المُعْضِلاتِ بنفسه / بَطَلُ الكفاحِ وَذِمْرُها المغوارُ
وإذا تَفَجّرَ جدولٌ من غِمْدِهِ / شَرِقَتْ بماءِ غَمامِهِ الفُجّارُ
وعبِيدُكَ الغلمانُ إن نادَيْتَهُم / نَهَضُوا مُوَاثَبَةَ الأسود وثاروا
وَمَشَوْا مع التّأييدِ قاماتٍ إلى / هيجاءَ مَشْيُ حُماتِها أشبارُ
سَبَحوا إلى الأعلاج إذ لم ينزلوا / مِن فُلكهم فَحِجالُها تَيَّارُ
وَرَمَوْهُمُ بِجَنادِلٍ فكأنَّها / لأجورها عندَ الإِلهِ جِمارُ
وَبِكُلِّ سَهمٍ واقعٍ لِكنَّهُ / بِثلاثِ أجنِحَةٍ له طَيَّارُ
وَحمَوْا حِمى الأسوَارِ وهيَ وراءهُم / حَتَّى كأنَّهُمُ لها الأسوارُ
وكَأنَّما حَرّ المَنايا عِندَهم / بَرْدٌ إذا ما اشتدَّ مِنهُ أوارُ
لا يتَّقي في الضَّربِ سَيْفُكَ مِغْفَراً / فله من القَدَرِ المُطاعِ غِرَارُ
لو أنَّ أعْرَاضاً تُجَوْهَرُ أصْبَحَتْ / في كفّكَ العَزَماتُ وهيَ شِفارُ
أَو أنَّ للأرْضِ الجمادِ تَنقُّلاً / حَجّتْ إلى أمْصارِكَ الأمْصارُ
فليهنِك الشهرُ المعظَّمُ إنّه / ضيفٌ قِراه البِرُّ والإيثارُ
أَصبَحتَ فيه لِوَجهِ ربِّكَ صائماً / لَكِن لِكَفِّكَ بالنّدى إفطارُ
ضيفٌ أتَاكَ به لتعرفَ حَقّهُ / فَلُكٌ بقدرةِ ربّهِ دَوّارُ
لا زالتِ الأيّامُ وافِدةً على / ما تشْتَهي منها وما تختارُ
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها / مُهَذّباً آخذاً بالحزْمِ يَستُرُها
فاطوِ السرائرَ في الجنبَينِ تحجنها / عنِ اللِّسانِ الَّذي للسَّمْعِ يَنشرها
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما / عليكَ من الغزلان وَسْنانُ أحْوَرُ
فَجَفنٌ له عَضْبٌ منَ اللَّحظِ مُرْهَفٌ / وَجَفْنٌ به ماضٍ من الهند مُبْتِرُ
وأمضاهما حدّاً فلا تغتررْ به / غِرَارُ الَّذي فيه من السّحْرِ جَوْهَرُ
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى / عيُونَ المها في وُجوهِ البُدورِ
طِوالُ الفروعِ قِصارُ الخطا / ثقالُ الروادفِ هِيفُ الخصورِ
تُطيِّبُ أفواهُهُنَّ الحديثَ / بحُمْرِ الشفاهِ وَبِيضِ الثغورِ
كما مرّ بالوردِ والأقحوانِ / نسيمٌ مشوبٌ بِرَيّا العبيرِ
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا / إلى السّماءِ فكلّ الخوْفِ في النّظرِ
فإنهُمْ يتّقونَ البَطْشَ مِنْ مَلِكٍ / مُنَفّذٍ أمْرَهُ كاللَّمحِ بالبصرِ
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا / وماتَتْ لياليها من العُمْرِ فانْشُرْهَا
وهذا لَعَمْري كلّهُ غيرُ كائنٍ / فأخْرَاكَ وَاصِلهْا ودنياكَ فاهجرها
أرى لك نفساً في هواكَ مقيمةً / وقد طالَ ذا منها لكَ الويلُ فاقْصرها
وكم سيّئاتٍ أُحْصِيَتْ فنسيتَها / وأنتَ متى تقرأ كتابَكَ تذْكرْها
فيا ربِّ إنِّي في الخضوع لقائلٌ / ذنوبي عُيوبي يوْم ألقاك فاسترها
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري / بانَ عُذْري فكيفَ يُقْبَلُ عذري
كلَّما تُبْتُ ساعةً عُدْتُ أُخرى / لِضُروبٍ من سوءِ فِعلي وهُجري
ثَقُلتْ خَطْوَتي وفَوْدي تَفَرّى / غَيْهَبُ اللَّيلِ فيه عن نُورِ فجرِ
دبَّ مَوْتُ السّكونِ في حركاتي / وخَبَا في رمادِهِ حُمْرُ جمري
وأنا حيثُ سرْتُ آكلُ رزقي / غير أنّ الزمانَ يأكل عمري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / من حياتي وجدتُ في الرِّبحِ خسري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / عِلْمُهُ باختلافِ سرّي وجهري
مِلْ بقلبي إلى صَلاحِ فسادي / منه واجبرْ برأفةٍ منك كسري
وأَجِرْني ممّا جَناهُ لِساني / وتَناجتْ به وساوسُ فِكري
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ / مَشِيباً أفاضَ عَلَيهِ النهارا
وضَعفاً يَهُدُّ قُوَى جِسْمِهِ / ويَنقُلُ مِنهُ خُطاهُ قصارا
فَكَيفَ يُجَشِّمُها طِفلةً / يطير بها القلبُ عنه نِفارا
وعارٌ على الشَّيخِ تقريبُهُ / فتاةً ترى قُرْبَةً منه عارا
وقد جُبِلَ الغانياتُ الصّغارُ / على بُغْضِهِنّ الشيوخَ الكبارا
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ / وجارَ زمانٌ كنتَ فيه تُجيرُ
لَقَد أَصبَحَتْ بيضُ الظبا في غمودها / إناثاً لِتَرْكِ الضّرْبِ وهيَ ذُكورُ
تجيءُ خلافاً للأمور أُمُورُنا / وَيَعدلُ دهرٌ في الورى ويجورُ
أَتَيأَسُ في يومٍ يناقضُ أمْسهُ / وَزُهْرُ الدَّراري في البروجِ تَدورُ
وقد تنْتخي الساداتُ بعد خمولها / وَتَخرُجُ مِن بَعدِ الكُسوفِ بُدورُ
لئن كنتَ مقصوراً بدارٍ عَمَرْتَها / فقد يُقْصَرُ الضِّرغامُ وهوَ هَصورُ
أغَرَّ الأَسارى أن يقالَ مُحَمَّدٌ / غريبٌ بأرض المغربَينِ أَسيرُ
تُنافِس مِن أَغلالِها في فكاكها / وَيُقُصَمُ منها بِالمُصابِ ذُكورُ
وكُنتُ مُسجّىً بالظبا من سجونها / بِسورٍ لها إِنَّ السجونَ قُبورُ
إلى اليوْم لم تَذْعَرْ قطا الليل قُرّحٌ / يُغيرُ بها عِندَ الصَّباحِ مُغِيرُ
ولا راحَ نادٍ بِالمكارِمِ للغِنى / يُقَلِّبُه في الرّاحَتَينِ فَقيرُ
لَقَد صُنْتَ دينَ اللَّه خَيرَ صِيانَةٍ / كَأَنَّك قَلبٌ فيه وهوَ ضَميرُ
وَلَمّا رَحلتمْ بالنّدى في أَكُفِّكمْ / وَقُلْقِلَ رَضْوَى مِنكُمُ وثَبيرُ
رَفَعتُ لساني بِالقيامَةِ قَد أَتَت / ألا فانظروا هذي الجبال تسيرُ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ / بِغَيرِ انقِباضٍ مِنكَ يَجْري إلى ذكرِ
لَهَدّ قريضَ الفضلِ ما هدّ من قوى / وَحَلّ به ما حلّ من عُقْدةِ الصّبرِ
وإنّي امْرؤ في خَجْلَةٍ مُسْتَمِرّةٍ / يذوبُ لها في الماءِ جامدةُ الصّخْرِ
أتتني قوافيك التي جَلّ قدرُها / بما نقطةٌ منهنّ مُغْرِقَةٌ بَحْري
لَعَلّك إذ أغنيتي منك بالنّدى / أردتَ الغنى لي من مَديحك بِالفخرِ
لعمريَ إني ما توهّمْتُ ريبةً / فتدفعَ وَجْهَ العُرْفِ عِندكَ بالنكرِ
وطَبعكَ تِبرٌ سحّرَ الفضلُ محْضَهُ / وحاشا له أن يَستَحيلَ مَعَ الدَّهرِ
وَكُنتُ أمَلُّ الجودَ مِنكَ وأَنتَ لا / تَمَلّ عَطاءً منه يأتي على الوَفْرِ
فَكَيفَ أظُنُّ الظنّ غيرَ مُبَرّأٍ / تواضَعَ تيهاً كوكبُ الجوِّ عن قدري
يَخِفُّ على خُدّام مُلْكِك جانبي / كما خَفَّ هُدْبٌ في العيونِ على شُفرِ
إِذا طارَ مِنهُم بِالوصيَّةِ سَوْذَقٌ / فذلك في إفصاحِ منطقه القمري
تُحدّثُ عيني عينَهُ بالّذي يرَى / بوجهكَ لي من حُسنِ مائيّة البِشرِ
لياليَ لا أشْدوكَ إلّا مطَوَّقاً / بنعماكَ في أفنانِ روْضاتِكَ الخُضرِ
وما زالَ صَوْبٌ من نداكَ يَبُلُّني / ويثقلني حَتَّى عَجَزْتُ عَنِ الوكرِ
بَكَيتُ زَماناً كانَ لي بِكَ ضاحكاً / وَكسْرُ جناحي كان عندك ذا جَبْرِ
وأطرَقْتُ لمّا حالتِ الحالُ حَيْرَةً / تَحَيّرَ منها عالمُ النفس في صدري
فخذها كما أدري وإن كلَّ خاطري / وإن لم يكن منها البديعُ الَّذي تدري
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به / كأنّ للسمعِ منه رؤيةَ البصرِ
فلم يزل في وجوهِ الحُسْنِ مُقتبِلاً / بالوصفِ في صُوَرٍ منها إلى صورِ
وكيف يَخْفى عليه ما كلِفْتُ به / إذا الدّلائلُ دَلّتْهُ على القمرِ
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي
واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي / أضحى بمجدك بيته معمورا
قصرٌ لوَ انَّكَ قد كحلتَ بنوره / أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا
واشتقّ من معنى الحياة نسيمه / فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا
نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره / وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا
ولوَ اَنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ / ما كان شيءٌ عنده مذكورا
أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى / رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا
ومضَتْ على الرّومْ الدهورُ وما بنوْا / لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا
أذكرْتَنَا الفرْدوْس حينَ أرَيْتَنَا / غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا
فالمحسنون تَزَيّدوا أعمالهمْ / وَرَجَوْا بذلك جَنّةً وحريرا
والمذنبون هُدوا الصراطَ وَكفّرَتْ / حسناتُهُمْ لذنوبهم تكفيرا
فَلَكٌ من الأفلاكِ إلّا أنّهُ / حَقَرَ البدورَ فأطلعَ المنصورا
أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ / ثم انثنيتُ بناظري محسورا
وظننتُ أني حالمٌ في جَنّةٍ / لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا
وإذا الولائدُ فَتّحَتْ أبوابَهُ / جَعَلَتْ ترحّبُ بالعُفاةِ صريرا
عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ / فَغَرَتْ بها أفواهَها تكسيرا
فكأنّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها / من لم يكنْ بدخوله مأمورا
تجري الخواطرُ مطلقاتِ أعنةٍ / فيه فتكبو عن مداه قصورا
بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ / فُرِشَ المَها وتَوَشّحَ الكافورا
ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ / مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا
يستخلفُ الإصباحُ منه إذا انقضى / صبحاً على غَسَقِ الظلام منيرا
وضراغمٌ سَكَنَتْ عرينَ رئاسةٍ / تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا
فكأنّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا / وأذابَ في أفواهِها البلّورا
أُسْدٌ كأنّ سكونَها متحرّكٌ / في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا
وتذكّرَتْ فتكاتها فكأنّما / أقعتْ على أدبارها لتثورا
وتخالُها والشمسُ تجلو لونَها / ناراً وألسُنَها اللواحسَ نورا
فكأنّما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ / ذابتْ بلا نارٍ فَعُدْنَ غديرا
وكأنما نسج النسيم لمائه / درعاً فقدر سردها تقديرا
وبديعةِ الثّمَرَاتِ تعبُرُ نحوها / عينايَ بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجريةٍ ذهبيةٍ نزعتْ إلى / سحر يؤثّر في النهى تأثيرا
قد صَوْلَجَتْ أغصانَها فكأنّما / قَنَصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا
وكأنّما تأبى لواقع طيرها / أن تستقلّ بنهضها وتطيرا
من كلّ واقعةٍ ترَى منقارها / ماءً كسلسال اللجين نميرا
خُرْسٌ تُعدّ من الفصَاح فإن شدَتْ / جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا
وكأنّما في كلّ غصنٍ فضةٌ / لانتْ فأُرسِلَ خيطها مجرورا
وتريكَ في الصّهريج موقعَ قَطْرِهَا / فوْقَ الزّبَرْجَدِ لؤلؤاً منثورا
ضحكتْ محاسنُهُ إليك كأنّما / جُعلتْ لها زُهرُ النجوم ثغورا
ومصَفَّحِ الأبوابِ تبراً نَظّروا / بالنقش بين شكوله تنظيرا
تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت / فلك النهود من الحسان صدورا
خَلَعَتْ عليه غلائلاً ورسيَّةً / شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا
وإذا نَظَرْتَ إلى غرائبِ سَقفهِ / أبصرتَ روضاً في السماء نضيرا
وعجبتَ من خطّافِ عسجده الّتي / حامتْ لتبني في ذراه وكورا
وضعتْ به صنّاعُهُ أقلامَها / فأرَتْكَ كلّ طريدةٍ تصويرا
وكأنّما للشمس فيه ليقةٌ / مَشَقوا بها التّزْويقَ والتشجيرا
وكَأنّما للأزَوَرْد مُخَرِّمٌ / بالخطّ في وَرَقِ السماءِ سطورا
وكأنّما وَشّوْا عَلَيه ملاءَةً / تركوا مكان وشاحِها مقصورا
يا مالكَ الأرض الّذي أضحى له / مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا
كم من قصورٍ للملوك تَقَدّمَتْ / واستوْجَبَتْ لقصورك التّأخيرا
فعمرتها وَملَكتَ كلّ رئاسةٍ / منها ودمّرْتَ العدا تدميرا
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ / أميرٍ على الوَحشِ المقيمةِ في القَفْرِ
يُوَسِّدُ شبليه لحومَ فَوَارسٍ / ويقطعُ كاللّصّ السبيلَ على السَّفْرِ
هزبْرٌ له في فيه نارٌ وَشَفْرَةٌ / فما يَشتَوي لحم القتيلِ على الجمرِ
سراجاه عيناهُ إذا أظلمَ الدّجى / فإن باتَ يسري باتتِ الوحش لا تسري
له جبهةٌ مثل المجنّ ومعطسٌ / كأنّ على أرجائه صبغةَ الحبرِ
يصلصلُ رعدٌ من عظيمِ زئيره / ويلمع برقٌ من حماليقهِ الحمرِ
له ذَنَبٌ مُسْتَنْبَطٌ منه سَوْطُهُ / ترَى الأرض منه وهي مضروبة الظهرِ
ويضربُ جنبيه به فَكَأنّما / له فيهما طَبْلٌ يَحُضّ على الكرِّ
ويُضْحك في التعبيس فكّيه عن مدى / نيوبٍ صلابٍ ليس تُهتَمُ بالفِهْرِ
يصولُ بكفّ عرْض شبرين عرْضُها / خناجرُها أمضى من القُضُبِ البترِ
يجرّدُ منها كلّ ظُفْرٍ كأنّهُ / هلالٌ بدا للعين في أوّلِ الشهرِ
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني / إذا غابَ لم يبعد على عين مُبْصِرِ
وبينَ رحيلي والإِيابِ لحاجِها / من الدهر ما يُبْلي رَتيمَةَ خنصرِ
ولا بُدّ من حملي على النفس خُطّةً / تُعلّقُ وردي في اغترابي بمصدري
وتطرَحني بالعزْم من غيرِ فترَةٍ / سفائنُ بيدٍ في سفائن أبحُرِ
وما هيَ إلا النفسُ تفني حياتَهَا / مُصَرَّفةً في كلّ سعيٍ مُقَدَّرِ
أغَرّكِ تلويحٌ بجسمي وإنّني / لكالسيف يعلو متنه غين جوهرِ
وما هيَ إلا لفحةٌ من هواجرٍ / تخلّصْتُ منها كالنّضار المسجَّرِ
وأنكرتِ إلمامَ المشيبِ بلمّتي / وأيّ صباحٍ في دجى غيرِ مسفرِ
وما كان ذا حذرٍ غرابُ شبيبتي / فلمْ طارَ عن شخصي لشخص مُنفِّرِ
وأبقتْ صروفُ الدهرِ منّي بقيّةً / مذكرةً مثلَ الحسام المذكرِ
وما ضَعضَعتني للحوادثِ نَكْبَةٌ / ولا لان في أيدي الحوادث عُنصري
وحمراءَ لم تسمحْ بها نفسُ بائعٍ / لسومٍ ولم تظفرْ بها يدُ مُشتري
أقامتْ مع الأحقابِ حتى كأنّها / خبيئةُ كسرى أو دفينةُ قيصرِ
فلم يبقَ منها غيرُ جزءٍ كأنّهُ / تَوَهُّمُ معنىً دقّ عن ذهن مُفكرِ
إذا قَهقَهَ الإبريقُ للكأس خِلتَهُ / يرجِّعُ صوتاً من عُقابٍ مُصَرْصرِ
وطافَ بها غَمرُ الوشاحِ كأنّما / يقلّبُ في أجفانه طَرْفَ جؤذرِ
قصرتُ بكلٍّ كلَّ يومٍ لهوتُهُ / ومهما يطبْ يومٌ من العيش يقصُرِ
أبرُوقٌ تلألأتْ أم ثغورُ
أبرُوقٌ تلألأتْ أم ثغورُ / وليالٍ دجتْ لنا أم شعورُ
وغصُونٌ تأوّدَتْ أم قدودٌ / حاملاتٌ رمّانهنّ الصّدورُ
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً
سألتُها أن تُعيدَ لَفْظاً / قالتْ أصمّ دعوه يعذرْ
حديثُهَا سكرٌ شهيّ / وأطيبُ السكرِ المُكَرَّر