المجموع : 44
نَعاكَ النُعاةُ وَحُمَّ القَدَر
نَعاكَ النُعاةُ وَحُمَّ القَدَر / وَلَم يُغنِ عَنّا وَعَنكَ الحَذَر
طَوَت ذَبحَةُ الصَدرِ صَدرَ النَدِيِّ / فَلَم تَطوِ إِلّا سِجِلَّ العِبَر
فَأَمسَيتَ تُذكَرُ في الغابِرينَ / وَإِن قَلَّ مِثلُكَ فيمَن غَبَر
إِذا ذُكِرَت سِيَرُ النابِهينَ / فَسيرَةُ صَبري تَجُبُّ السِيَر
لَقَد كُنتَ بَرّاً بِظِلِّ الشَبابِ / فَلَمّا تَقَلَّصَ كُنتَ الأَبَرّ
فَلَم تَستَبِق نَزوَةً في الصِبا / وَلَم تَستَبِح هَفوَةً في الكِبَر
أُهَنّي الثَرى أَم أُعَزّي الوَرى / لَقَد فازَ هَذا وَهَذا خَسِر
أَأَوَّلَ يَومٍ لِعَهدِ الرَبيعِ / تَجِفُّ الرِياضُ وَيَذوي الزَهَر
وَيَذبُلُ زَهرُ القَريضِ الثَرِيِّ / وَيُقفِرُ رَوضَ القَوافي الغُرَر
لِيَهدَأ عُمانُ فَغَوّاصُهُ / أُصيبَ وَأَمسى رَهينَ الحُفَر
فَقَد كانَ يَعتادُهُ دائِباً / بَكوراً رَؤوحاً لِنَهبِ الدُرَر
يَقولُ فَيُرخِصُ دُرَّ النُحورِ / وَيُغلي جُمانَ بَناتِ الفِكَرِ
يَسوقُ القِصارَ فَيَأبى العِثارِ / وَكَم مِن مُطيلٍ مُمِلٍّ عَثَر
قِصارٌ وَحَسبُ النُهى أَنَّها / لَها مُعجِزاتٌ قِصارِ السُوَر
رُحِمتَ فَقَد كُنتَ حُلوَ اللِسانِ / جَلِيَّ البَيانِ صَدوقَ الخَبَر
قَليلَ التَعَجُّبِ جَمَّ الأَناةِ / حَكيمَ الوُرودِ حَكيمَ الصَدَر
شَمائِلُكَ الغُرُّ هُنَّ الرِياضُ / رَوى عَن شَذاها نَسيمُ السَحَر
لَها مِثلُ رَوحِ الدُعاءِ اِستُجيبَ / فَعافى وَآوى وَأَغنى وَسَرّ
إِذا ما وَرَدتَ لَها مَنهَلاً / وَرَدتَ نَميراً لَذيذَ الخَصَر
وَفِكرُكَ في خِصبِهِ ثَروَةٌ / لِفِكرِ الأَديبِ إِذا ما اِفتَقَر
وَشِعرُكَ كَالماءِ في صَفوِهِ / عَلى صَفحَتَيهِ تَراءى الصُوَر
عُيونُ القَصائِدِ مِثلُ العُيونِ / وَشِعرُكَ فيهِنَّ مِثلُ الحَوَر
وَكَم لَكَ شَكوى هَوىً أَو أَسىً / لَها نَفَثاتٌ تُذيبُ الحَجَر
هَتَفتَ بِها مَرَّةً في الهَجيرِ / فَكادَ يَدِبُّ إِلَيكَ الشَجَر
وَكَم كُنتَ تُشعِلُ فَحمَ الدُجى / بِأَنفاسِ صَبٍّ طَويلِ السَهَر
فَيا وَيحَ قَلبِكَ ماذا أَلَح / حَ عَلَيهِ مِنَ الداءِ حَتّى اِنفَطَر
أَيَخفِقُ تَحتَ الدُجى وَحدَهُ / لِذِكرى أَليفٍ سَلا أَو هَجَر
إِذا قيلَ صَبري ذَكَرتُ الوَليدَ / وَمَرَّت بِنَفسِيَ ذِكرى عُمَر
يَزينُ تَواضُعُهُ نَفسَهُ / كَما زانَ حُسنَ المِلاحِ الخَفَر
زَكِيُّ المَشاعِرِ عَفُّ الهَوى / شَهِيُّ الأَحاديثِ حُلوُ السَمَر
لَقَد كُنتُ أَغشاهُ في دارِهِ / وَناديهِ فيها زَها وَاِزدَهَر
وَأَعرِضُ شِعري عَلى مَسمَعٍ / لَطيفٍ يُحِسُّ نُبُوَّ الوَتَر
عَلى سَمعِ باقِعَةٍ حاضِرٍ / يَميزُ القَديمَ مِنَ المُبتَكَر
فَيَصقُلُ لَفظِيَ صَقلَ الجُمانِ / وَيَكسوهُ رِقَّةَ أَهلِ الحَضَر
يُرَقرِقُ فيهِ عَبيرَ الجِنانِ / فَتَستافُ مِنهُ النُهى وَالفِكَر
كَذَلِكَ كانَ عَلَيهِ السَلامُ / إِماماً لِكُلِّ أَديبٍ شَعَر
فَكُنّا الجَداوِلَ نُروي الظِماءَ / ظِماءَ العُقولِ وَكانَ النَهَر
زَهِدتَ عَلى شُهرَةٍ طَبَّقَت / وَجاهٍ أَظَلَّ وَفَضلٍ بَهَر
خَلَعتَ الشَبابَ فَلَم تَبكِهِ / وَساءَكَ أَنَّكَ لَم تُختَضَر
وَقَد ذُقتَ طَعمَ الرَدى عِندَما / أُصيبَ قِطارُكَ يَومَ السَفَر
فَأَقسَمتَ أَنَّكَ أَلفَيتَهُ / لَذيذَ المَذاقَةِ إِذ تُحتَضَر
تَمَنَّيتَ أَن لَم تَعُد لِلحَياةِ / وَلَكِن أَباها عَلَيكَ القَدَر
وَكَم ساعَةٍ بَينَ ساعِ الحَياةِ / سَقَتكَ المُرارَ بِكَأسِ الضَجَر
فَرُحتَ إِلى أُختِها شاكِياً / أَذاتَكَ مِنها فَكانَت أَمَر
فَفَتَّشتَ أَثناءَها جاهِداً / بِعَينَي بَصيرٍ بَعيدِ النَظَر
فَلَم تَرَ فيها عَلى طولِها / هُنَيهَةَ صَفوٍ خَلَت مِن كَدَر
وَما زِلتَ تَشكو إِلى أَن أَتَت / كَما تَشتَهي ساعَةٌ لَم تَذَر
فَلا صَدَّ تَخشاهُ بَعدَ الوِصالِ / وَلا ضَعفَ تَشكوهُ بَعدَ الأَشَر
أُريحَ فُؤادُكَ مِمّا ضَناهُ / وَصَدرُكَ مِمّا عَلَيهِ اِنكَدَر
تَمَنَّيتَها خُطوَةً لِلمَماتِ / تُفَرِّجُ عَنكَ كُروبَ الغِيَر
وَها قَد خَطاها وَنِلتَ المُنى / فَهَل في المَماتِ بُلوغُ الوَطَر
صَدَقتَ فَفي المَوتِ نَصرُ الأَبِيِّ / عَلى الدَهرِ إِن هُوَ يَوماً غَدَر
مَلِلتَ الثَواءَ بِدارِ الزَوالِ / فَماذا رَأَيتَ بِدارِ المَقَرّ
أَتَحتَ التُرابِ يُضامُ الكَريمُ / وَيَشقى الحَليمُ وَيَخفى القَمَر
وَيُهضَمُ حَقُّ الأَديبِ الأَريبِ / وَيُطمَسُ فَضلُ النَبيهِ الأَغَرّ
أَتَحتَ التُرابِ تُساقُ الشُعوبُ / بِسَوطِ العُبودَةِ سَوقَ البَقَر
وَيُعقَدُ مُؤتَمَرٌ لِلسَلامِ / فَنَخرُجُ مِنهُ إِلى مُؤتَمَر
فَإِن كانَ ما عِندَنا عِندَكُم / فَلَيسَ لَنا مِن شَقاءٍ مَفَرّ
خِضَمُّ الحَياةِ بَعيدُ النَجاةِ / فَطوبى لِراكِبِهِ إِن عَبَر
فَعُد سالِماً غانِماً لِلتُرابِ / كَرَأيِكَ في المَوتِ وَاِهنَأ وَقَرّ
مَن لَم يَذُق فَقدَ أَليفِ الصِبا
مَن لَم يَذُق فَقدَ أَليفِ الصِبا / لَم يَدرِ ما أُبدي وَما أُضمِرُ
أَفقَدَني المَوتُ بِهِ وافِياً / لا يَعرِفُ الخَتلَ وَلا يَغدِر
تَقرَأُ في عَينَيهِ كُلَّ الَّذي / في نَفسِهِ عَن نَفسِهِ يَستُرُ
ثَلاثَةٌ لَم تَعرُ عَن عِفَّةٍ / لِسانُهُ وَالذَيلُ وَالمِئزَرُ
قَد كانَ مِتلافاً لِأَموالِهِ / وَكانَ نَهّاضاً بِمَن يَعثُرُ
أَوشَكَ أَن يُفقِرَهُ جودُهُ / وَمِن صُنوفِ الجودِ ما يُفقِرُ
أُصيبَ فيهِ المَجدُ يَومَ اِنطَوى / وَالعُرفُ وَالسائِلُ وَالمُعسِرُ
كُنّا عَلى عَهدِ الصِبا سَبعَةً / بِمُستَطابِ اللَهوِ نَستَأثِرُ
البابِلي صَفوَةُ فِتيانِنا / وَاِبنُ المولِحي الكاتِبُ الأَشهَرُ
وَصادِقٌ خَيرُ بَني سَيِّدٍ / وَبَيرَمٌ إِذ عودُهُ أَخضَرُ
وَكانَ عَبدُ اللَهِ أُنساً لَنا / وَأُنسُ عَبدِ اللَهِ لا يُنكَرُ
لَهوٌ كَريمٌ لَم يَشُب صَفوَهُ / رِجسٌ وَلَم يَشهَدهُ مُستَهتِرُ
فَكَم لَنا مِن مَجلِسٍ طَيِّبٍ / يَشتاقُهُ هارونُ أَو جَعفَرُ
نَلعَبُ بِاللَفظِ كَما نَشتَهي / وَنُضمِرُ المَعنى فَما يَظهَرُ
وَنُرسِلُ النُكتَةَ مَحبوكَةً / عَن غَيرِنا في الحُسنِ لا تَصدُرُ
ثُمَّ اِنطَوى هَذا وَهَذا وَما / يُطوى مِنَ الأَيّامِ لا يُنشَرُ
كَم دَوحَةٍ أَودى بِها عاصِفٌ / وَالنَجمُ مِن مَأمَنِهِ يَنظُرُ
يا اِبنَ عَبدِ السَلامِ لا كانَ يَومٌ
يا اِبنَ عَبدِ السَلامِ لا كانَ يَومٌ / غِبتَ فيهِ عَن هالَةِ الأَحرارِ
كُنتَ فيهِم كَالرُمحِ بَأساً وَليناً / كُنتَ فيهِم كَالكَوكَبِ السَيّارِ
يا عَريقَ الأُصولِ وَالحَسَبِ الوَض / ضاحِ وَالنُبلِ يا كَريمَ الجِوارِ
كُنتَ فَرعاً بِدَوحَةِ العِزِّ تَأوي / تَحتَ أَفنانِهِ عُفاةُ الدِيارِ
قَصَفَتهُ المَنونُ وَهوَ نَضيرٌ / مورِقٌ عودُهُ جَنِيُّ الثِمارِ
كُنتَ تَأسو جِراحَهُم وَتَقيهِم / وَتُقيلُ العِثارَ عِندَ العِثارِ
خانَ نُطقي وَلَم تَخُنّي دُموعي / لَهفَ نَفسي فَقَصَّرَت أَشعاري
غَيرُ بِدعٍ إِذا نَظَمتُ رِثائي / في صَديقي مِنَ الدُموعِ الجَواري
فَمِنَ الحُزنِ ما يَدُكُّ الرَواسي / وَمِنَ الحُزنِ ما يَهُدُّ الضَواري
عَلَّمونا الصَبرَ يُطفي ما اِستَعَر
عَلَّمونا الصَبرَ يُطفي ما اِستَعَر / إِنَّما الأَجرُ لِمَفجوعٍ صَبَر
صَدمَةٌ في الغَربِ أَمسى وَقعُها / في رُبوعِ الشَرقِ مَشئومَ الأَثَر
زَلزَلَت في أَرضِ مِصرٍ أَنفُساً / لَم يُزَلزِلها قَرارُ المُؤتَمَر
ما اِصطِدامُ النَجمِ بِالنَجمِ عَلى / ساكِني الأَرضِ بِأَدهى وَأَمَر
قَطَفَ المَوتُ بَواكيرَ النُهى / فَجَنى أَجمَلَ طاقاتِ الزَهَر
وَعَدا المَوتُ عَلى أَقمارِنا / فَتَهاوَوا قَمَراً بِعدَ قَمَر
في سَبيلِ النيلِ وَالعِلمِ وَفي / ذِمَّةِ اللَهِ قَضى الإِثنا عَشَر
أَي بُدورَ الشَرقِ ماذا نابَكُم / في مَسارِ الغَربِ مِن صَرفِ الغِيَر
نَبَأٌ قَطَّعَ أَوصالَ المُنى / وَأَصَمَّ السَمعَ مِنّا وَالبَصَر
كَم بِمِصرٍ زَفرَةٌ مِن حَرِّها / كُنِسَ الأَعفَرُ وَالطَيرُ وَكَر
كَم أَبٍ أَسوانَ دامٍ قَلبُهُ / مُستَطيرِ اللُبِّ مَفقورِ الظَهَر
ساهِمَ الوَجهِ لِما حَلَّ بِهِ / سادِرَ النَظرَةِ مِن وَقعِ الخَبَر
كَم بِها والِدَةٍ والِهَةٍ / عَضَّها الثُكلُ بِنابٍ فَعَقَر
ذاتِ نَوحٍ تَحتَ أَذيالِ الدُجى / عَلَّمَ الأَشجانَ سُكّانَ الشَجَر
تَسأَلُ الأَطيارَ عَن مُؤنِسِها / كُلَّما صَفَّقَ طَيرٌ وَاِصطَحَر
تَسأَلُ الأَنجُمَ عَن واحِدِها / كُلَّما غُوِّرَ نَجمٌ أَو ظَهَر
تَهَبُ العُمرَ لِمَن يُنبِئُها / أَنَّهُ أَفلَتَ مِن كَفِّ القَدَر
وَيحَ مِصرٍ كُلَّ يَومٍ حادِثٌ / وَبَلاءٌ ما لَها مِنهُ مَفَر
هانَ ما تَلقاهُ إِلّا خَطبُها / في تُرابٍ مِن بَنيها مُدَّخَر
قَد ظَلَمتُم مَجدَهُم في نَقلِهِم / إِنَّما نَقلَتُهُم إِحدى الكُبَر
فَسَواءٌ في تُرابِ الشَرقِ أَم / في تَرابِ الغَربِ كانَ المُستَقَر
أَأَبَيتُم أَن نَرى يَوماً لَنا / في رُبوعِ العِلمِ شِبراً فَنُسَر
أَضَنِنتُم أَن تُقيموا بَينهُم / شاهِداً مِنّا لِكُتّابِ السِيَر
وَمَزاراً كُلَّما يَمَّمَهُ / ناشِئٌ حَيّا ثَراهُ وَاِدَّكَر
وَدَليلاً لِاِبنِ مِصرٍ كُلَّما / قامَ في الغَربِ بِمِصرٍ فَاِفتَخَر
كَم مَسَلّاتٍ لَنا في أَرضِهِم / صَوَّرَت مُعجِزَةً بَينَ الصُوَر
قُمنَ رَمزاً لِعُصورٍ قَد خَلَت / أَشرَقَ العِلمُ عَلَيها وَاِزدَهَر
فَاِجعَلوا أَمواتَنا اليَومَ بِها / خَيرَ رَمزٍ لِرَجاءٍ مُنتَظَر
أُمَّةُ الطِليانِ خَفَّفتِ الأَسى / بِصَنيعٍ مِن أَياديكِ الغُرَر
جَمَعَت كَفّاكِ عِقداً زاهِياً / مِن بَنينا فَوقَ واديكِ اِنتَثَر
وَمَشى في مَوكِبِ الدَفنِ لَهُم / مِن بَنيكُم كُلُّ مِسماحٍ أَغَر
وَسَعى كُلُّ اِمرِئٍ مُفضِلٍ / بادِيَ الأَحزانِ مَخفوضَ النَظَر
وَبَكَت أَفلاذُكُم أَفلاذَنا / بِدُموعٍ رَوَّضَت تِلكَ الحُفَر
وَصَنَعتُم صَنَعَ اللَهُ لَكُم / فَوقَ ما يَصنَعُهُ الخِلُّ الأَبَر
قَد بَكَينا لَكُمُ مِن رَحمَةِ / يَومَ مِسّينا فَأَرخَصنا الدُرَر
فَحَفِظتُم وَشَكَرتُم صُنعَنا / وَبَنو الرومانِ أَولى مَن شَكَر
أَي شَبابَ النيلِ لا تَقعُد بِكُم / عَن خَطيرِ المَجدِ أَخطارُ السَفَر
إِنَّ مَن يَعشَقُ أَسبابَ العُلا / يَطرَحُ الإِحجامَ عَنهُ وَالحَذَر
فَاِطلُبوا العِلمَ وَلَو جَشَّمَكُم / فَوقَ ما تَحمِلُ أَطواقُ البَشَر
نَحنُ في عَهدِ جِهادٍ قائِمٍ / بَينَ مَوتٍ وَحَياةٍ لَم تَقِر