القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 69
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ / وَزادَك من مواهبه وبارَكْ
مكانةَ رفعةٍ وعلوَّ قدرٍ / يزيد به علاءك واقتدارك
وأبقاك الإِله غمام جودٍ / لمن يظما فيستسقي قطارك
رأيتك مورد الآمال طرًّا / فها أنا لم أرِدْ إلاَّ بحارك
تُهينُ نفائسَ الأَموال بذلاً / ولم تعبأ بها وتعزُّ جارك
حماك هو الحمى ممَّا يحاشى / تجير من الخطوب مَن استجارك
وإنَّك صفوة النجباء فينا / وإنَّك خيرة لمن استخارك
نشأت بطاعة المولى منيباً / وتقوى الله ما برحت شعارك
تجنّبك الَّتي تأبى تقاة / عَقَدْتَ على العفاف بها إزارك
تعير البدرَ من محياك حُسناً / كأَنَّ البدر طلعتَه استعارك
أَخَذْتَ بصالح الأَعمال تقضي / بأمر الله ليلَك أو نهارك
مجيباً من دَعاكَ ولا أناة / أثارك للمكارم مَن أثارك
ولا لحقتك يوم سبقتَ نجبٌ / بمكرمةٍ ولا شقَّتْ غبارك
أَغَرْتَ على الثناء من البرايا / وقد أبْعَدْتَ يومئذٍ منارك
لقد طابت بفضلك واستقرَّت / بك الأرض الَّتي كانت قرارك
وحقَّ لها إذا فخرت وباهت / ديارٌ رُحْتَ توليها افتخارك
سماحك لا يزالُ لمستميح / من العافين جاهك واعتبارك
وإنَّك دوحة بسقت وطالت / جنى الجانون يانعة ثمارك
يُشاركُ كلّ ذي مجد بمجد / ومجدك في الحقيقة لا يُشارك
ودهرٌ قد جنى ذنباً عظيماً / فلما قيل هل تلقي اعتذارك
تدارك ذنبَه بعلاك حتَّى / غفرنا ذنْبَه فيما تدارك
وإنَّ أبا الخصيب يروق عندي / لأنك فيه قد شيَّدْتَ دارك
أزورك سيِّدي في كلّ عام / فلا أنأى عن الدَّاعي مزارك
وإنِّي قد ترقَّبت الغوادي / ووابلها ترقَّبت ازديارك
شَهِدْتُ مشاهد النعماء فيها / فلا شاهدت في الدُّنيا بوارك
غَيَّر وَجْهُ الجوّ في حُمْرَة
غَيَّر وَجْهُ الجوّ في حُمْرَة / كأَنَّما تُوقَدُ بالجوِّ نارْ
وأَعْقَبَتْها ظُلْمَةٌ أَيْقَنَتْ / أَنْفُسُنا من أجلها بالبوار
حتَّى عن الشَّمس وأضوائها / بذلك التَّاريخ حال الغبار
سقانيها معتَّقَةً عقاراً
سقانيها معتَّقَةً عقاراً / وقد ألقَتْ يدُ الفجر الإِزارا
ودار بها مشعشعة علينا / فَدارَ الأُنسُ فينا حيث دارا
إذا ما زفَّها السَّاقي بلَيْلٍ / أعاد اللَّيل حينئذٍ نهارا
تشقّ حشاشة الظَّلماء كأسٌ / كما أوقدَت في الظَّلماء نارا
جلاها في الكؤوس لنا عروساً / وقد جعل الجمان لها نثارا
يتوِّجها الحباب بتاج كسرى / إذا مزجت ويلبسها سوارا
فقبل المزج تحسبها عقيقاً / وبعد المزج تحسبها نضارا
جلاها فانجلتْ عنَّا هموم / وفرت كلَّما جُلِبَتْ فرارا
فأَدركت الندامى بالحميّا / من الهمِّ الَّذي في القلب ثارا
وكم من لذَّةٍ بكيتِ راح / أغرناها فأَبعدنا المفارا
ويعذرني الشَّباب على التَّصابي / بصبوة مغرم خلع العذارا
وما أَهنا المدام بكفِّ ساقٍ / كمثل البدر أشرق واستنارا
بروحي ذلك الرَّشأ المفدَّى / وإنْ ألِفَ التجنّب والنفارا
وأينَ الظبي من لفتات أحوى / يضاهيه التفاتاً واحورارا
رنا فأَصابَ بالأَلحاظ منَّا / فؤاداً بالصَّبابة مستطارا
مليحاً ما تصبّر في هواه / محبٌّ لم يجد عنه اصطبارا
وما أَنسى غداة الشّرب أمْسَتْ / بناظره وريقته سكارى
أَلا يا ممرضي بسقام طرفٍ / أصاب من الحشا جرحاً جبارا
فؤادي مثل طَرفك بانكسارٍ / فكلٌّ يشتكي منك انكسارا
غرامي في هواك بلا اختياري / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
مضى وتصرَّمَتْ تلك التَّصابي / فإنْ عاد الصّبا عاد ادّكارا
فوالهفي على أوقات لهوٍ / قَضَيناها وإنْ كانت قصارا
تركت الشعر لمَّا ألْبَسَتْني / من الأَكدار أيَّامي شعارا
ولولا مدح مولانا عليٍّ / لما جُدْتُ النظام ولا النثارا
أجلّ السَّادة الأَشراف قدراً / وأرفعهم وأطيبهم نجارا
وأرأفهم على الملهوف قلباً / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
جواد في الأَكارم لا يبارى / وبحرٌ في المكارم لا يجارى
إذا نظر الكبار إلى علاه / رأت في المجد أنفسها صغارا
وقد سبقَ الأَعالي في المعالي / فما لحقت له فيها غبارا
وساجله السَّحاب فكان أندى / يداً منها وأعظمها قطارا
وكم عام منعنا القطر فيه / فأمطرَنا لجيناً أو نضارا
وكم شاهدت في الأَيَّام عسراً / ولذت به فشاهدت اليسارا
لنا في فضله غرس الأَماني / جَنَيْناها بدولته ثمارا
وكم أكرومةٍ عَذراءَ بِكْرٍ / يجيءُ بها إلى النَّاس ابتكارا
يُهينُ أَعزَّ ما ملكت يداه / بِوافر نَيْله ويعزّ جارا
ألَسْتُم في الحقيقة آل بيت / عَلَوْا جُوداً وفضلاً واقتدارا
عليكم تنزل الآيات قِدْماً / فحسبكمُ بذالكمُ افتخارا
أَقَمْتُم ركن هذا الدِّين فيها / وأَوْضَحْتُم لطالبه المنارا
جُزيتم عن جميع النَّاس خيراً / وما زلتم من النَّاس الخيارا
بنفسي منكَ قرماً هاشميًّا / يجير من الخطوب من استجارا
تَقُدّ حوادث الأَيَّام قَدًّا / فأنتَ السَّيف بل أمضى شفارا
بسرِّ نداك قام الشعر فينا / فأثنينا عليك به جهارا
نُقَلِّدُ من مناقبك القوافي / بأحسن ما تَقَلَّدَتِ العذارى
لبسن من الثناء عليك حِلْياً / لعمرك لن يُباع ولن يعارا
يضوع شميمه في كلّ نادٍ / كما نشرت صَبا نجدٍ عرارا
فلا زالتْ لكَ الأَيَّام عيداً / ولا شاهدت في الدُّنيا بوارا
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا / وبَلَغْتِ اليوم مقداراً كبيرا
يا عرين المجد يا ركن العلى / قد حوى غابك ضرغاماً هصورا
تستفيد الوفد من أفضاله / جوهر الإفضال والجود الغزيرا
إن يكنْ للدهر جدوى كفِّهِ / ما رأت عينٌ على الأرض فقيرا
فسقاك الله يا ساحاتها / من ندى راحته غيثاً مطيرا
فهو الفرد وأمَّا فَضْلُه / كانَ للمعروف والحسنى كثيرا
لم يزل يغمرنا نائِلُه / ومحيَّاه لنا يشرق نورا
مشكلات العلم فيه اتَّضَحَتْ / بخفايا العلم تلقاه خبيرا
أيّ دارٍ حلَّها أرَّخْتُها / حازت الدار بمحمود السرورا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا / وتخدُّ البيدَ قَفْراً ثم قفرا
أتراها ذَكَرَتْ أحبابها / فطوى فيها المغار الشوقُ قَسرا
فلهذا لَعِبَ الوجدُ بها / فترى أعْيُنَها بالدَّمع عبرى
كلَّما عَلَّلها الحادي بمَن / سَكَنوا سلعاً أحبَّت منه ذكرا
وعلامات الهوى بيّنَةٌ / ليس يخفي الشوقُ من ذي العشق سترا
ذكَرَتْ من خَيَّموا بالمنحنى / فجرَت أدْمُعُها شفعاً ووترا
كلُّ غصنٍ ما بدا إلاَّ أرى / حاملاً من صَنْعَة الخلاّق بدرا
وإذا يرنو إلى مشتاقِهِ / سلَّ سيفَ اللّحظ عنواناً وكرّا
شَرِبَتْ من ريقِه قامَتُه / فانثَنَتْ من ذلك السلسال سكرى
وبقلبي ذلك القدّ الَّذي / بقناه طَعَنَ القلبَ وأفرى
وعلى عارضه من خَطِّهِ / كتَبَ الرَّيحانُ فوق الخد سطرا
أيها المُمْزِجُ دَمعي بدمي / إنَّني لم أستطع بالهجر صبرا
إنْ تكنْ عيناك أنكرنَ دمي / فبه خدّاك عمداً قد أقرّا
عَسَليُّ اللّون حلويُّ اللمى / لم جرَّعتَ أخا الأشجان مرّا
وأميناً كُنْ إذا ما لامني / إنَّ في أُذني عن اللّوّام وقرا
ما يفيد اللّوام في مستغرم / عَدَّ ما يأمُرُه العذّال كفرا
كيفَ أنسيتَ ليالينا الَّتي / قد تقضّت فَرَحاً منّا وبشرى
إذ أمِنّا ساحةَ الواشي بنا / حيثُ لَمْ نَشْرَبْ سوى ريقك خمرا
وزمانٍ قد نَهَبْنا شَطْرَه / ما حَسِبنا غَيره في الدهر عُمرا
لا أُبالي بزمانٍ جائرٍ / كانَ عسراً كلُّه أمْ كانَ يسرا
إنَّ محمود السجايا قد غدا / في صروف الدهر لي عوناً وذخرا
لو أُفيضَتْ أبْحرٌ من علمِه / ونَداه صار هذا البر بحرا
إنَّه لَو لم يكن بحراً لما / قَذَفَتْ ألفاظه للناس درا
لو تفكَّرْتَ به قلت له / في عُلاك الله قد أوْدَعَ سرّا
أيُّ معنى غامضٍ تَسألُه / وهو لم يكشف عن المضمون سترا
وعَويصاتِ علومٍ أشْكَلَتْ / زَحْزَحَتْ عنها له الآراء خدرا
هبة الله الَّذي أوْهَبَه / من علومٍ جاوزتْ حداً وحصرا
ما سمعنا خبراً عمَّن مضى / لم يحط فيه على الترتيب خُبرا
ركنُ هذا الدِّين فيه قائم / ولكسر العلم قد أصبح جبرا
يَرِدُ العافون من تيّارِه / شَرَحَ الله له بالدين صدرا
يوضِحُ المبهم في آرائه / ويرى الأشياء قبل العين فكرا
بذكاء كحسامٍ باترٍ / أو كزند حيثما يقدح أورى
رَزِنٌ لو لم يكن إحْلاله / فوقَ هذي الأرض فينا ما استقرا
ولطيف لو معاني خلقه / عُصرت كانت لنا شهداً وخمرا
وإذا تُصغي إلى ما عنده / من بيان خلْتَه للذهن سحرا
وهَدى الله به النَّاس إلى / طُرُق الحقّ وأبدى فيه أمرا
وإذا ما ذكر الله لنا / وَجِلَ القلبُ به لو كانَ صخرا
بلسانٍ كانَ بقراط النهى / عِلَلَ النَّفْس بذاك الوعظ أبرا
وكريمٍ من معالي ذاتِهِ / لم تجد في نفسه عُجباً وكِبرا
وإذا يمَّمْتَه في حاجة / زاد في ملقاك إكراماً وبشرا
أيُّها النحريرُ في هذا الورى / والَّذي فاق بني ذا العصر طرّى
منذُ شاهَدْتُك شاهَدْتُ المنى / وأياديك مدى الأيام تترى
وبإحسانكَ رِقّي مالكٌ / قبلَ عِرفانك لي قد كنت حرّا
هاكَ منِّي بنتَ فكر أٌبْرِزَتْ / ليس تبغي غير مرضاتك مهرا
هاكَها عَذراء في أوصافكم / سيّدي واقبل من المسكين عذرا
واعذُرِ العبدَ على تقصيره / إنها في مَدْحكم حمداً وشكرا
وارغم الحاسد في نيل العلى / وَلْيَمُتْ خَصْمُك إرغاماً وقهرا
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا / رأتْ عنها سُلُوّي واصطباري
وأنِّي لا أميل إلى نديم / يروّيني بكاسات العقار
وإنِّي قد مَدَدْتُ اليوم باعاً / أنال بها الَّذي فوق الدراري
فلا يوم صَبَوْتُ إلى الغواني / ولا يوم خَلَعْتُ بع عذاري
ثكلتك ليس لي في اللهو عذر / وقد لاح المشيب على عذاري
ولست براكب من بعد هذا / جواداً غير مأمون العثار
فنم يا عاذلي بالأمن منِّي / فلم تَر بعد عذْلك واعتذاري
وقل للغيد شأنك والتجافي / وللغزلان أخْذَكِ بالنفار
صَبَوتُ إلى الدمى زمناً طويلاً / وقد أعْرَضْتُ عنها باختياري
وكانت صبوتي قد خامرتني / وها أنا قد صَحَوْتُ من الخمار
وقد هدرت زماناً فاستقرت / وكانت لا تصيخ إلى قرار
لئن ضيّعتُ أيام التصابي / فإنِّي قد حَظيتُ على الوقار
وكيف يجدُّ في طلب الغواني / فتىً قد جدّ في طلب الفخار
سَعَيْت لهذا المُلك بالهمَّة الكبرى
سَعَيْت لهذا المُلك بالهمَّة الكبرى / فأدركتَ أَفنائها الدَّولة الغرَّا
وسرتَ على نُبل الأَسَنَّة للعلى / ومن رامَ إدراك العُلى ركبَ الوعرا
لنيل المنى جُزتَ المسير وإنَّما / يخوض عباب البحر من يطلب الدّرَّا
إذا عارضت دون المرام بحيرةٍ / من الحتف صيّرت الحديد لها جسرا
وإنْ رقمت فوق الأَنام حنادسٌ / جَلَيْتَ من الرَّأي السَّديد لها فجرا
قدِمتَ قدوم اللَّيث غابة شبله / ونزّهت هذا الملك بالنيَّة الخضرا
درى الملك يا مولايَ أَنْتَ فؤاده / فضمَّك منه حين أسكنك الصَّدرا
رقيتَ على كرسيّه فأَزَنْتَهُ / فأَصْبَحْتَ كالتوريد في وجنة العَذرا
فما هذه الفيحاء إلاَّ قلادة / ونحرك من كلِّ النّحور بها أحرى
وما هي إلاَّ كاعبٌ قد تستَّرتْ / قد اتَّخَذَتْ خَيْسَ الأُسُود لها خدرا
فجوزاء أُفقٍ بالدَّراري تمنْطَقَتْ / مخدّمة تَستخدم البيض والسُّمرا
لقد مطلت بالوعد عصراً وعاودت / فجادت بوصلٍ بعدما مطلت دهرا
تزَوَّجْتَها أَيْماً عجوزاً مُسِنَّةً / فأَضْحَتْ لديك الآن كاعبةً بكرا
فحكتَ لها ثوب المفاخر بالنَّدى / وألبَستها من بأسك الحُلَّةَ الخضرا
وهيَّأْتَ من نقد العوالي صداقها / وأَنْقَدْتَ من بيض الحديد لها مهرا
قَدِمتَ لها من بعد كشف حجابها / فكنت لعوراء الزَّمان لها سترا
فعُدت إليها بالتقرُّب بعدما / علاها قنوطٌ أَنْ تعود لها أُخرى
تدانيتَ منها كالهلال ولم تزلْ / تَنَقَّلُ حتَّى عُدْتَ في أُفقها بدرا
وَوَدَّعْتَها مكروبة اللُّبّ والحشا / وأُبْتَ وأَبْدَتْ من مسرَّتها البشرى
فإنْ طاوَعَتْكَ اليوم جهراً وصالها / فقد كانَ هذا الأَمر في نفسها سرَّا
فكم مراً آنٌ وهي تكتم شوقها / إليكَ وتُحْيي ليلَها كلَّه سرَّا
لأمر القضا كادَت تفرّ إذا رأت / لوصلك وقتاً ولم تجد دونه عذرا
لقد أحْدَقَتْ بعد العمى بك عينها / وأحدَثْتَ في أجفانها الفتك والسّحرا
وحَلَّيت في سلك العزائم جيدها / ووشَّحتَ منها في صنائعك الخصرا
وزيَّنتَها حتَّى حكى التّبر تربها / ولو لم تكن في أرضها أصبَحتْ صفرا
فصِرْتَ لها لمَّا حللتَ بصدرها / كيوسُفَ إذ ولاّه خالقُه مصرا
فلم تَجْزِ أهلَ المكر يوماً بمكرهم / ولم تصطنع غدراً لِمَنْ صَنَع الغدرا
صَفَحتَ عن الجانين إلاَّ أقلّهم / فأوسَعْتَهم عَفواً وأثْقَلْتَهم شكرا
باكِر نداماك بكأسِ العقارْ
باكِر نداماك بكأسِ العقارْ / فقَدْ مضى اللَّيل وجاء النَّهار
وداوني فيها وسارع بها / فإنَّ في الخمر دواء الخمار
أما ترى الورقاء قد غرَّدَتْ / في وَرَقِ الدَّوح وعنَّى الهزار
وابتسمتْ للطلّ أزهارُه / وأدمع الطلّ عليها نثار
وقد دَعَتْ للَّهو أبناءها / أوقاتَ أيَّام السُّرور القصار
فهاتها صِرفاً وممزوجة / بين احمرار برزتْ واصفرار
وامْلأْ لنا أكبَر أقداحها / فالله يعفو عن ذنوبٍ كبار
خذها بإعلان ولا تَسْتَتِرْ / فما يطيب العيش بالاستتار
وَعَدِّ عمَّن لامَ من جهله / وعدَّها عاراً وليستْ بعار
ما عَرَفَ اللّذَّة من عافها / وقابَلَ العاذلَ بالاعتذار
وَخَلِّهِ واللَّوم في معزلٍ / لا تصغ فيها لنهيق الحمار
إذ يدَّعي النُّسْكَ ولا يهتدي / به وينعى بخراب الدِّيار
إنَّ المرائين إذا اسْتُكْشِفوا / وَجَدْتَهم شرَّ الأَنام الشّرار
لو لم يجدْ شاربُها لَذَّةً / وفي المسرَّات عليها المدار
ما وعد الله بها المتَّقي / في جنَّة الخلد ودار القرار
يا مولعاً بالمُرد إنِّي امرؤٌ / ما لي عن وجه الحبيب اصطبار
إيَّاك والإِعراض عن غادةٍ / في وجهها للحُسن نورٌ ونار
كم ليلةٍ زارَ حبيبٌ به / يشكو إلى المشتاق بُعد المزار
جمعتُ فيها بين ما أَشتهي / من غنجٍ أحوى وذات احورار
أُقْسِمُ بالعُود وأوتاره / ونغمةِ النَّاي وضرب الإِطار
ما لَذَّةُ العيش سوى ساعةٍ / في مجلسٍ يُخْلَعُ في العذار
يقضي به الماجنُ أوطارَه / وكان مبناه على الاختصار
إنَّ الخلاعات لفي فتيةٍ / لم يَلْبَسوا في الأُنس ثوب الوقار
تغنيهم الرَّاح إذا أملقوا / كأنَّها في الكأس ذوب النضار
يا طالما قد زرتُ خمَّارها / وقلتُ أَنْتَ اليوم ممَّن يُزار
فقامَ يجلوها كغصن النَّقا / يحمل في راحته الجلنار
حتَّى إذا استكفيتُ من شربها / لو شئتُ أدركتُ من الدَّهر ثار
عَفَوْتُ عن ذَنبِ زمانٍ مضى / ما أَحسنَ العفوَ مع الاقتدار
هذا هو العيش ومن لي به / قبل انْقضاء العُمرِ المستعار
لا خيرَ في العيش إذا لم يكنْ / في ظلِّ عبد الله عالي المنارْ
ما جئته إلاَّ وأَبْصَرْتَني / أَسحبُ من نعماه ذيل الفخارْ
قيَّدَني في برِّهِ ماجدٌ / كأنَّما أطْلَقَني من أسارْ
موفّق يسعى إليه الغِنى / من غير ما سعيٍ وخوض الغمار
لا يقتني المالَ ولم يدَّخرْ / شيئاً ولا مالَ إلى الادِّخار
إنِّي لأغنى النَّاس عن غيره / ولي إليه بالسُّرور افتقار
المنجزُ الوعدَ بلا منَّةٍ / ولم أكنْ من وعده بانتظار
ما فارق الأُنسَ له طلعة / بل سارَ في خدمته حيث سار
كم طائل قصَّر عن شأوه / ولاحقٍ ما شقَّ منه الغبار
ومستميحٌ نالَ ما يبتغي / منه وحاز العزَّ والافتخار
يَروق كالصّمصام إفرنده / أبيض مثل السَّيف ماضي الغرار
أمَّا جميل الصّنع منه فمِن / شعاره أَكرِمْ به من شعار
يركبُ في الجدِّ جوادَ المنى / إذ يأمن الرَّاكبُ فيه العثار
حديقةُ الأَفراح في ربعه / للمجتني منها شهيّ الثمار
فلم أبلْ ما دمت خلاًّ له / ما كانَ من أمري ولا كيف صار
وكلّ ما اسْتَطْيَبْتُه كائن / من طيّب الذَّات كريم النجار
من كابرٍ ينمى إلى كابرٍ / ومن خيار قد نمّته الخيار
هم الزّهيريُّون زهر الرُّبا / والأَنجُم الزّهر الَّتي تستنار
فهم أجلُّ النَّاس قدراً وهم / أعزُّ من تعرف في النَّاس جار
فلا يمسّ السُّوء جاراً لهم / ما ذلَّ مَنْ لاذَ بهم واستجار
يُوفُونَ بالعَهد ويَرْعَوْنَهُ / في زمنٍ لم يُرْعَ فيه الذمار
ألا ترى كلّ امرئٍ منهم / لنائل يرجى ونقعٍ مثار
يلتمس المعروف من برِّهم / ويستفاض الجود فيض البحار
من كلِّ معروفٍ بمعروفه / في كلّ قطرٍ من نداه قطار
إذا دَعَتْهُ للوغى همَّةٌ / كانَ هو المقدام والمستشار
تغدو رياضي فيه مخضرَّةً / أَشبهَ شيءٍ باخضرار العذار
أُصلح شاني بأبي صالح / وأغتدي فيه نقيّ الإزار
باهى بي الأَزهار في روضها / فرحْتُ أزهو مثل ورد البهار
لا زلت في نور صباح الهنا / يا كوكباً لاحَ بدراً أنار
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا / وأَذَبنا بلُجَين الكأس تبرا
وتخيَّلنا الحميّا لهباً / وحسِبنا أنَّها بالماء تورى
قال لي الساقي وقد طاف بها / هي خمرٌ وتراها أَنْتَ جمرا
يا نديماً قد سَقاني كأسَه / إسقنيها في الهوى أخرى وأخرى
إنَّ أحلى العيش ما مرَّ على / روضة غنَّاء والكاسات تترى
ويد المزن وأزهار الرُّبا / نُشِرَتْ من بعد ذاك الطيّ نشرا
فأدِرْها قرقفاً إن مُزِجت / كَلَّلَتْ ياقوتها بالمزج درّا
لا تَخَفْ من وِزْرِها في شربها / أو تخشى مع عفو الله وزرا
راحة الأرواح بالراح الَّتي / لم تدع للهمّ في الأحشاء ذكرا
وبأهلي ذلك الظبي وإن / أوْسَعَ المغرم إعراضاً وهجرا
غَرَّني في حبّه ذو هيف / كلّما لام به العاذل أغرى
صال باللحظ على عشاقه / ولَكَم من كرّةٍ في الحب كرّا
قد مضى في الحبّ أن أقضي به / وقضايا حبّه صغرى وكبرى
ما عليه في الهوى صيَّرَ لي / كبداً حرّى وقلباً ما استقرّا
يا زماناً حَذرت أخطاره / نحن لم نأخذ من الأيام حذرا
أَنْتَ من دون النقيب القرم لا / تَمْلِكُ اليومَ لنا نَفعاً وضَرّا
سيّدٌ أمَّا نَداه فالحيا / دونه جوداً وأدنى منه وفرا
هكذا من كانَ تجري كفّه / نايلاً وفراً وإحساناً وبرّا
وإذا ما المُعوِل العافي أتى / بابه العالي اغتنى فيه وأثرى
باليد البيضاء كم أمطرنا / من غوادي جودها بيضاً وصُفرا
وَرَدوا البحر أُناسٌ قبلنا / لا وَرَدنا غير تلك اليد بحرا
نَتَحرّى كلَّ آنٍ جودَها / وهو بالفضل وبالمعروف أحرى
وإذا مُدَّت إلى أعدائها / جزَرَتْهم بالمواضي البيض جزرا
هو ربّ الكَرم المحضِ الَّذي / لا يرى الإقلال يوم الجود عذرا
وإذا أولاكَ من إحسانه / ساعةً في عمره أغناك دهرا
فيميناً كلَّما شاهدته / قلت فيه إنَّ بعدَ العسر يسرا
سيٍّدٌ سهلٌ في بأوقات النَّدى / وبأَيَّامِ الوغى لا زالَ وعرا
يصنع المعروف مع كلّ امرئٍ / وهو لا يبغي على المعروفِ أجرا
لمْ يَخِبْ في النَّاس يوماً آمِلٌ / جاعِلٌ آل رسول الله ذخرا
نَثرَ المالَ على وُفَّادِه / فشكرنا فضله نظماً ونثرا
سيِّدي والفضلُ لولاكَ عفا / فجزاك الله عن عافيك خيرا
بأبي أَنْتَ وأُمٍّي ماجدٌ / قادرٌّ هو أعلى النَّاس قدرا
مَلَكتْ رقِّيَ منه أنعمٌ / بعدَ ما كنتُ وأيم الله حرَّا
أَيُّ نعمائك يقضي حقّها / أيُّها السَّيِّد هذا العبد شكرا
إنَّما الفخر الَّذي طُلْتَ به / شرحَ الله به للمجد صدرا
ولقد جاوَزْتَ حدًّا في العُلى / رَجَعَتْ من دونه الأَبصار حسرى
فاهنا بالعيد ودم مبتهجاً / ناحِرُ الحاسِدِ بالنّعْمَةِ نحرا
ومَليحَةٍ أخَذَتْ فُؤادي كلّه
ومَليحَةٍ أخَذَتْ فُؤادي كلّه / وجَرَتْ بحكمِ غرامِها الأَقْدارُ
فتَّانة باللّحظ ساحرة به / ومن اللّواحظ فاتنٌ سحَّارُ
خَفَرَتْ غداةَ البين ذمَّة وامقٍ / سُلِبَ القرارَ فما لديه قرارُ
وَدَّعْتُها يوم الرَّحيل وفي الحشا / نارٌ وفي وَجَناتها أنوارُ
والرَّكبُ مُلْتمِسٌ نوًى بغريرةٍ / تُرمى لها الأَنجاد والأَغوار
بمدامعٍ باحتْ بأَسرار الهوى / للعاذلين وللهوى أسرارُ
لا ينْكُرنَّ المستهام دموعه / ممَّا يَجنّ فإنَّها إقرار
وخَلَتْ لها في الرّقمتين منازل / كانت تلوح لنا بها أَقمار
يا دارها جادتك ساجمة الحيا / وجَرَتْ عليكِ سيولها الأَمطار
أَأُميمُ ما لي كلّ آنٍ مرَّ بي / وهواك تستهوي ليَ الأَفكار
أُمسي وأُصبحُ والجوى ذاك الجوى / واللَّيل ليلٌ والنهَّار نهار
لا أستفيقُ من الخمار وكيفَ لي / بالصَّحْو منه وثغرك الخمَّار
أَتنفّس الصّعداء يبعث عبرتي / لهفٌ عليك كما تُشَبُّ النَّار
إنْ كانَ غاضَ الصَّبر بعد فراقها / منِّي فهاتيك الدُّموع غزار
إنِّي لأَطربْ في إعادة ذكرها / ما أَطْرَبتْ نغماتها الأَوطار
ما لي على جند الهوى من ناصرٍ / عزَّ الغرام وذلَّت الأَنصار
ليستْ تقالُ لديه عثرة مغرمٍ / حتَّى كأَنَّ ذنوبها استغفار
قَدِمْتَ فحيَّاك المهيمنُ بندرا
قَدِمْتَ فحيَّاك المهيمنُ بندرا / لترجعَ مسروراً وتمضي مُظفَّرا
وأقبلتَ بالعيد السَّعيد مبجَّلاً / فهلَّل هذا العيدُ فيك وكبَّرا
بشهرٍ محيَّاك استهلَّ هلالُهُ / فقُلنا هلالُ العيد لاح مبشّرا
فلا ليلَ إلاَّ فيكَ أَصبحَ مُقمِراً / ولا صُبحَ إلاَّ في جبينك أسفرا
وقلتُ لنفسي والأَماني لم تزل / تخيّل لي إمكان ما قد تعذَّرا
عسى أن أرى من بعد عيسى وبندر / ببندر ما قد كنت في بندر أرى
رعيتُ بهم روض المكارم مزهراً / وأُسْقِيتُ منهم عارض الجود ممطرا
وكانوا على روض المجرَّة أمَّةً / تَفَجَّرَ من أيديهمُ الجود أنهرا
وتلك ديار أورِثوها منيعةً / حَمَوْها ببيض تقطر الموت أحمرا
فكم طائل قد رامهم بخديعةٍ / ولكنَّه ما طال إلاَّ وقصَّرا
وكم قائل لي هَلْ وجدت نظيرهم / فقلتُ له أين الثريَّا من الثرى
ذكرت ومن ينساهم القلب ساعةً / على أنَّني فيهم أَذوب تَذَكّرا
زماناً بهم طلق المحيَّا ومنزلاً / من العزِّ أمسى بالحديد مسوَّرا
تدرّ علينا الخير أخلافها المنى / وكان لنا في الدَّهر أنْ نتخيَّرا
أَلم تنظر الأَيَّام كيف تبَدَّلَتْ / بأَحوالها والدَّهر كيف تغيَّرا
وكانتْ أُمورٌ ما هنالك بعدها / يكادُ لها الجلمود أنْ يتفطَّرا
وقد كانَ ذاك المنهل العذب صافياً / بهم قبل هذا اليوم حتَّى تكدَّرا
وقامت لها ساق على سوق فتنة / تباع بها الأَرواح بخساً وتشترى
إلى أنْ تلافيتَ العشيرة فارعَوَتْ / وأصبح فيها آمراً ومُؤَمَّرا
وأَخْمَدْتَ تلكَ النَّار بعدَ وقودها / وقَد أَوْشَكَتْ لولاك أَنْ تتسعَّرا
جمعتَهُم بعد الشتات وسُسْتَهم / وأَقْصَيْتَ منهم من عَصى وتكبَّرا
وما راح يستغني عن الرأي عسكرٌ / وكم دمّر التدبير والرأي عسكرا
وما كانَ أقواها لديك قبيلة / لو انتصرت للبأس نصراً مؤزَّرا
إذا الحرُّ ألفى الضَّيمَ شرط حياته / رأى الرأي فيها أنْ يموتَ ويقبرا
لقد فازَ من أصبحْتَ في النَّاس شيخَهم / ومن كنتَ فيه هادياً ومدبّرا
دعوتَهُم للخير إذ ذاك دعوةً / كشفتَ بها عنهم من الضُّرِّ ما عرا
سلكتَ سبيلَ الأَوَّلين فلم تَحِدْ / عن الرُّشد أو تُلقى عن الورد مصدرا
سَعَيْتَ إلى المجد الأَثيلِ مُوَفَّقاً / ومَن حَلَّ بالتَّوفيق صَدراً تصدَّرا
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ / ولم تَبْرَحْ شِفاءً للصدورِ
وطهَّرْتَ الشَّريعة من دنيٍّ / يبيعُ الدِّين في فلسٍ صغيرِ
مطامعُ نفسِه قد صَيَّرَتْهُ / كما تدري إلى بئس المصير
ويشكو فَقره للنَّاس طرًّا / وما هو وربّك بالفقير
تعاطى من تجاسُرِه أُموراً / يَسُرُّ عِداك في تلك الأُمور
ويبطِشُ بطشَ جبَّار على أنْ / له جأشٌ يَفِرُّ من الصفير
فكيفَ يلينُ مولانا لخصمٍ / أشَدَّ عليك من صُمِّ الصّخور
عقورٍ إنْ ذُكِرْتَ له بغيبٍ / له الويلات من كلْبٍ عقور
ومن يك ذاته نَجِساً خبيثاً / متى يلقاك في قلب طهور
فلو يُرمى بلجّ البحر يوماً / لنَجَّسَ شيبُه ماءَ البحور
نظرتَ إليه في عيني رحيمٍ / صفوحٍ عن جنايته غفور
وأَحْيَيْتَ اسمَه من بعد موتٍ / وكانَ يُعَدُّ من أهل القبور
فعاد لما نُهي عنه وأمسى / على تلك السَّفاهة والفجور
يظنُّ لجهله من غير علمٍ / بأنَّك غير مُطَّلعٍ خبير
ولك يتحمَّل الإِكرام حتَّى / رماه لؤمه في قعرِ بير
يطيش إذا الْتَفَتَّ إليه طيشاً / ولا ربَّ الخورنق والسَّدير
فلو طالت يداه عليك يوماً / أراك الحتفَ ذو الباع القصير
وإنَّ سَماعَك الأَخبارَ عنه / وإنْ كَثُرتْ قَليلٌ من كَثير
وكدَّرَ كلّ من يهواك منَّا / وكنَّا قبلُ كالماء النَّمير
ولا ترضى الحميرُ به إذا ما / نَسَبْناه إلى جنس الحمير
أَزَلْتَ وجودَه فغَنِمتَ أجراً / كأعظم ما يكون من الأُجور
فأنتَ فُدِيتَ للإِسلام حصنٌ / وسُورٌ للشريعة أَيُّ سور
تحامي عن شريعة دين طه / بماضيها محاماة الغيور
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ / فَبَشَّرَنا بما فيه السُّرورُ
ورُحْنا تَسْتَقِرُّ لنا قلوبٌ / بما فَرِحَتْ وتَنْشَرِح الصدور
تَقلَّدْتَ القَضاء ورُبَّ عِقْدٍ / تُزَيِّنه الترائِبُ والنحور
وأَمضى ما يكونُ السَّيفُ حدًّا / إذا ما استَلَّهُ البطل الجسور
تضيء البصرة الفيحاء نوراً / بأَحْمَدَ وهو في الفيحاء نورُ
إذا نازلتَه نازَلْتَ صِلاًّ / يروعُ الصّلَّ منه ويستجير
وإنْ نَزَلَتْ بمنزلِهِ ضيوفٌ / فقد شَقِيَتْ بمنزله الجُزور
إذا ما جِئْتَهُ يوماً ستلقى / ضيوفاً نحو ساحته تسير
ألا يا ساكني الفيحاءَ إنِّي / لكمْ من قَبلها عَبدٌ شكور
ليهْنِكُمُ من الأَنصار قاضٍ / لدين الله في الدُّنيا نصير
فهل عَلِمَ النقيبُ بأنَّ شوقي / إليه دُون أُسْرَتِهِ كثير
وهل يقِفُ الكتاب على أخيه / فيعلَمُ ما تضَمَّنَتِ السُّطور
هما قمرا سماوات المعالي / إذا ما يأْفُلُ القمر المنير
ومقصوصِ الجناح لو فؤادٌ / يكاد إلى معاليكم يطير
فلا خبرٌ ليوصله إليكم / على عَجَلٍ ولا أحدٌ يسير
يعالجُ في الجوى دمعاً طليقاً / يذوبُ لصَوْبهْ قلبٌ أَسير
ومن لي أنْ تكون بنو زهير / أَحبَّائي ولي فيهم سميرُ
إذا هَبَّ النَّسيمُ أقولُ هذي / شمائله اللَّطيفةُ والبخور
تَوَلَّى قاضياً فيكم وَوَلَّى / وفي أعقابهِ ظلمٌ وزُورُ
عَدُوّكم القضاة الصُّفْرُ تتلو / وشَرَّ الأَصْفَرين هو الأَخير
إذا ما مال نحو الحقّ يوماً / أمالته الوَساوِسُ إذ يجور
وكم في النَّاس من شيخ كبير / عليه ينزل اللَّعْن الكبير
تَمَلُّ حياتَهُ الأَحياءُ منَّا / وتكرهه الحفائر والقبور
قليل من سجاياه المخازي / وجزءٌ من خلائقه الفجور
طَوَيْتُ به الكتابَ وثَمَّ طيٌّ / يفوحُ المسكُ منه والعبير
أبا مصطفى إنَّا ذكرناكَ بَيْنَنا
أبا مصطفى إنَّا ذكرناكَ بَيْنَنا / فهاجَ بنا شَوْقٌ إليكَ مع الذّكْرِ
وقد جَمَعَتْنا للمسرَّات ساعةٌ / هي العمرُ لا ما مرَرَّ في سالف العصر
ونازَعَنا فيكَ الحديثَ مُعتَّقٌ / ونحنُ بقصر قد أطَلَّ على نهرِ
وقد مدَّ ماءُ النهر من بعد جزره / فيا حسن ذاك المدِّ في ذلك الجزر
بحيث اكْتَسَتْ أشجارُه فتمايَلَتْ / على نغماتِ الطير بالورقِ الخُضر
وقد غَرَّدَتْ من فوقهن حمائمٌ / لها أَنَّةُ المأْلوم من ألَم الهجر
وأطرَبنا في شكر نعماك أخرسٌ / بأَعذَب ما قد قال فيك من الشعر
وعاجَ بنا في كلِّ فنٍّ يجيده / فطوراً إلى نظيمٍ وطوراً إلى نثر
وكان لنا فيما روى عنك نشوةً / من السّكر ما يغني النديم عن الخمر
ورقَّ كما رقَّتْ سلافُ مدامة / تَخَيَّلها الندمان ذوباً من التبر
فلو كنتَ فينا حاضراً وَوَجَدْتَنا / ومن تحتِنا الأَنهار حينئذٍ تجري
لقُلْتَ اغنموها ساعةَ الأُنس واسلموا / على غفلات الدَّهر من نوب الدَّهر
هي البصرة الفيحاءُ لا مصرَ مثلها / وفيها لعمري ما ينوف على مصر
خلا أَنَّني أصْبَحْتُ بينَ وخامَتَيْ / عَناءٍ أُعانيه وآخر في فكري
سقى الله عهداً بالحمى قد تقدَّما
سقى الله عهداً بالحمى قد تقدَّما / وعَيشاً تقضّى ما ألَذَّ وأنعَما
تعاطيتُ فيه الراح تمزج باللمى / وعفراء سكرى المقلتين كأنَّما
سقتها الندامى من سلافة أشعاري /
لَهَوْتُ بها والدهر مستعذب الجنى / ونلتُ كما أهوى بوصلي لها المنى
ولم أنْسَها كالغصن إذ مال وانثنى / تمرُّ مع الأتراب بالخَيف من مِنى
مرورَ المعاني في مفاوز أفكاري /
وبيضٍ عذارى من لويٍّ وغالبِ / كواعبَ أترابٍ فيا للكواعبِ
تَخُطِّينَ في أبهى خُطاً متقاربِ / وعَفِّين آثار الخُطا بذوائبِ
كما قد عَفَتْ في منزل الذلِّ آثاري /
إذا نظَرَتْ سلَّت بألحاظها الظبا / وإن خَطَرت كانت كما خطر القنا
فما نَظَرتْ إلاَّ بأبيض يُنتضى / ولا خَطَرَتْ إلاَّ وتذكّرتُ في الوغى
بهام خطير القدر ميلة خطّاري /
كأنِّي بها ما بينَ أختٍ وضرّةٍ / إليَّ بأسرار الغرام أسَرَّتِ
أضيمَتْ كضَيْمي بين قومي وأُسْرتي / ومن ضَيْمها كادَت تبيحُ طمرَّتي
من الضَّيْم ما أخفَيْتُه تحت أطماري /
أمضَّ هواها في فؤادي وما حوى / سوى حبّها حتَّى أُليم فما ارعوى
وقد سألتْ عمَّا أُلاقي من الجوى / فَرُحْتُ إليها أشتكي مضض الهوى
كما شَكت الأقلام مني إلى الباري /
رَأتْ فَتَياتُ الحيّ عَيني وَوَبْلَها / فأكْثَرْنَ بالتأنيب إذ ذاك عَذْلَها
فَرُحْتُ وقد أجْرَتْ لها العينُ سَيْلَها / وجاراتها راحَتْ مُؤَنِّبة لها
على ما جرى في السفح من مدمعي الجاري /
أهيمُ بمرآها وحسن قوامها / وإنِّي لمعذورٌ بمثل هيامها
وكم ليلةٍ قد بِتُّ جنح ظلامها / يسامرني طول الدجى من غرامها
سميرٌ أُناغي في معانيه سُمّاري /
إذا قَرُبَتْ من ناظري أو تأخَّرَتْ / ففي صورة الشَّمس المنيرة صُوِّرَتْ
متى أسْفَرَتْ عن وجهها أو تَستَّرَتْ / على قربها منِّي إذا هي أسْفَرَتْ
يباعدُ منها الحسنُ ما بين أسفاري /
لها مقلةٌ كالمشرفيِّ شباتُها / لعقيدة صَبري أوهَنَتْ نفثاتُها
إذا ما رَنَتْ أو رُتّلت كلماتها / لرقّةِ سِحْري تنتمي لحظاتُها
وألفاظُها تُعزى لرقَّةِ أشعاري /
ولما رأيتُ الحيَّ والميْتَ واحداً
ولما رأيتُ الحيَّ والميْتَ واحداً / وفَقْد المعالي في وجودِ الأكابرِ
بَكيْتَ على أهل القبور وإنَّما / بكيْتُ السَّجايا الغُرَّ بين المقابر
رَمَيْتَ شهابَ الدِّين في نور فطنةٍ
رَمَيْتَ شهابَ الدِّين في نور فطنةٍ / شياطينَ أكدار يُوَسْوِسْنَ في صَدري
فيا لك من شهم إذا جاءَ كفُّه / تَيقَّنْتُهُ كالغيث يهمي وكالقطر
يدلّ على جود ابن غنام جوده / فوا عجباً للبحر دلّ إلى البحر
على من يرينا الموتَ طوع يمينه / ونقرأ من صَمصامه آية النصر
ويُنقِذُ من والاه مما يسوؤه / كما ينقذ الإسلام من ظلمة الكفر
فلا زِلْتُما يا نَيِّريْ أُفُق العلى / ملاذَ الَّذي يرجو إلى آخر الدهر
يَهنا أبو عيسى وإخوانُهُ
يَهنا أبو عيسى وإخوانُهُ / بالفَرَحِ الباقي ممرَّ الدُّهورِ
يلقى المسرّاتِ كما ينبغي / في عَقْدِه هذا ويلقى الحبور
قد جَمَعَ الأشراف في مجلسٍ / فكلّ أهل الفضل فيه حضور
زاروه للعَقد على موعدٍ / زيارةً يأنَسُ فيها المزور
من كلّ مَن أشْبَهَه قطرَ النَّدى / بالجود والإقدام ليث هصور
فباشَروا بالعَقدِ واستبشروا / بأوجهٍ تُشْرِقُ منها البدور
وأرَّخوه المصطفى عَقْدُهُ / عَقْدُ نكاحٍ بالهنا والسرور
قَصَدْتُ من الزوراء صدراً معظماً
قَصَدْتُ من الزوراء صدراً معظماً / تَقَرُّ به عيني وينشرح الصدرُ
وأمَّلْتُ فيه النفع فيما يَسُرُّني / وقد سامني ضرٌّ وقد ساءني دهر
فقلتُ لنفسي والرجاء مُوَفَّرٌ / ليهنك هذا القصد والنائل الوفر
فكنَّا به كالقلب طول حياتنا / لنا الصَّدرُ دونَ العالمين أو القبر
زُرْتُم فُحُيِّيتُم كما يَنبغي
زُرْتُم فُحُيِّيتُم كما يَنبغي / لصاحِب زارَ وخِلٍّ يَزورْ
مجلسكم هذا وإيناسكم / منكم عليه في المسرّات نور
يا حبذا مجلسُ أنسٍ زها / والسادة الأشراف فيه حضور
بطلعة مقرونة بالهنا / وأوجهٍ تطلع منها البدور
قَرَّتْ عيون المجد في عقدكم / وانشرحت منَّا لذاك الصدور
جاءَ بكم عُرسُ فتًى ماجدٍ / لباطن الأفراح فيه ظهور
في طالع السعد وإقباله / فيه البشارات وفيه الحبور
هَنَّيتُ محموداً وإخوانه / لهمّة لا يعتريها فتور
لفعله البر وأفعاله / ليسَ بها من كلّ وجه قصور
قد سَرَّنا الله فأرَّخْتُه / بعُرسِ إبراهيم أقصى السُّرور

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025