القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 71
يا لَيلةً لَمّا نَأى بَدرُها
يا لَيلةً لَمّا نَأى بَدرُها / عَن أُفقِهِ باتَ إِلى جَنْبي
ضَجيعَ جِسمي وَغَرامِي بهِ / ضَجيع أسرارِيَ في قلبي
وَزارني واللّيلُ مُستحْلِكٌ / غَضبان ملآن منَ العَتْبِ
كَأنَّ ما يُجرِمه مِن يَدِي / أَو الّذي يُذنِبُهُ ذنبي
فَلَم أَزَلْ أَجعل خَدّي لهُ / تُرْباً لِرِجْلَيْهِ عَلى التُّربِ
حَتّى اِنثَنى يَضحَكُ عَن لُؤلؤٍ / رَطْبٍ ثَوى في مَشربٍ عَذْبِ
وَقالَ لي حَسبُك مِمّا أرى / فقلتُ أو ترضى فما حسبِي
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ / وَللغُصنِ يُرمى كلَّ يومٍ بشاذِبٍ
وَللنّاسُ إمّا ظاعنٌ حانَ يومُهُ / وَإمّا مقيمٌ لاِجتراعِ المصائبِ
وَزَوْرُ المَنايا إِنْ حَميناه جانباً / أَتانا كَأَنْ لَمْ يُحْمَ مِن كلِّ جانبِ
يُعطُّ عَلينا كلَّ سَرْدٍ مضاعفٍ / ويخطو إلينا كلَّ بابٍ وحاجِبِ
وكم هاربٍ مِنْ أنْ يلاقِيَهُ الرّدى / مُغذٍّ ولكنْ لا نجاءَ لهاربِ
نُقِلُّ اِعتِباراً في الزّمانِ تغابياً / وَأَبصارُنا مَملوءَةٌ بالعجائبِ
وَنَصبو إِلى وِرْدِ الحياةِ وصرفُها / يذودُ بنا عنها ذِيادَ الغرائبِ
بُلينا منَ الدّنيا بِخلْفٍ مُجَدَّدٍ / وَإِن درَّ أَحياناً بِأَيدِي الحوالبِ
وَنَظْما إلى ما لا يَزالُ يُذيقُنا / لُعابَ الأَفاعِي أَو شِيالَ العَقاربِ
وَخِلٍّ تَولّى المَوتُ عنّي بِشَخصِهِ / توَلِّيَ مُمتدِّ النّوى غيرِ آيبِ
كَأنِّيَ لمّا صكَّ سَمعي نَعِيُّهُ / صُكِكْتُ بمسنونِ الغِرارين قَاضبِ
وَفارقني مِن غيرِ شَيءٍ أرابَه / وَصدُّ المقاصِي غيرُ صدِّ المعاتِبِ
طَواهُ الرّدى طيَّ الرِّداءِ وعُطِّلتْ / مَغانِي الحِجى منهُ وغُرُّ المناقبِ
خَليليَّ قوما فَاِندُبا مَنْ بِقُربِه / لَهَوْتُ زَماناً عن سَماعِ النوادِبِ
وَيا لَهْفَتِي منهُ عَلى ذِي مَودّةٍ / بَريءِ الأَديمِ مِن قروفِ المَعايبِ
نَسيبِيَ بِالوُدِّ الصحيحِ وأَقْربي / وَصاحِبيَ الأدْنى إِذا اِزوَرَّ صاحِبي
وَمَنْ كُنتُ لا أُفضِي لَه بِخليقةٍ / وَلا أَشتكِي منهُ اِعوِجاجَ المذاهبِ
مَذاقٌ كَما يَحلو الشّهادُ لِذائقٍ / وَصَفوٌ كَما يَصفو الشّرابُ لشاربِ
وَلَمّا بَلَوْتُ الأَصدقاءَ ووُدَّهُم / خلصْتُ إِليهِ مِن خِلال التّجارِبِ
فَأَعْلَقتُ قلبي منهُ مِلْء جَوانِحي / وَأَغلقتُ كفِّي منه مِلْءَ رواجِبي
شَقَقنا لهُ في التُّربِ بيتاً كَأنّما / شَقَقناهُ مِنْ وَجْدٍ بِه في التَرائبِ
وَهِلْنا عليهِ مِن جَوانبِ قبرِهِ / ثَرىً طابَ لمّا مسَّ طِيبَ الضّرائِبِ
أَيا ذاهِباً بُقّيتُ لِلحزنِ بعدَهُ / أَلا إِنَّني حزناً عَليك كَذاهبِ
تُوُفّيتَ دونِي غَيرَ أَنَّكَ هالكاً / توفّيتَ آمالِي وعُلْتَ مطالبِي
فَأَصبحتُ فَرْدَ الشّخص لولا تلهّفٌ / يَزور بِسارٍ مِن همومٍ وسارِبِ
وَلَوْ أنّ غير الدّهر رابكَ بالرّدى / عَجِلنا إِليهِ بالقنا والقواضبِ
وَدافَعَ عنكَ الضّيمَ حتّى يزيغه / رِجالٌ رجالٌ مِن لويّ بن غالبِ
إِذا ما دُعوا طاروا إِلى حَومَةِ الوغى / عَلى كلِّ مَعروقِ الجناجِنِ شازِبِ
جَريئونَ رَكّابون إِمّا تنمّروا / رقابَ المنايا أو ظهورَ المعاطِبِ
وَكَم لهُمُ في باب كلّ عظيمةٍ / قراعُ أَكفٍّ أَو زِحامُ مناكبِ
سقَى اللَّه قَبراً كنتَ حشوَ ضريحهِ / غزيرَ الحوايا مستهلّ الهيادِبِ
تَقَعقَعُ في جوّ السّماءِ رعودُه / ويوقِد فيه البرقُ نارَ الحُباحبِ
وَإِنْ مزّقتْ عنه الشّمال برودَه / عَلى عَجَلٍ حاكَتْه أيدي الجنائبِ
وَما لِيَ أَستسقِي الغمامَ لقبرِهِ / وقد نُبْتُ عنه بالدّموِع السّواكبِ
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي / وشَكوى إِلى مَنْ لا يردّ جوابي
وَأَطلُبُ ما أَعيا الرّجالَ طِلابُه / فَيا لِلحِجى كَم ذا يَكونُ طِلابي
وَبِي ما أَذودُ النّاسَ عن باب علمِهِ / وكلُّ أُساتي جاهلون بما بِي
فلِي كَبِدٌ تَصلى بغيرِ خريدةٍ / وَلِي جَسدٌ يبلي بغير كَعابٍ
إِذا لَم أُرَغْ عند الغوانِي تغزّلاً / فَمثلُ مشيبي بينهنَّ شَبابي
وَلَو كنتُ يوماً بالخِضاب موكَّلاً / خضبتُ لمَن يَخفي عليهِ خضابي
فَإِن تعطِني أولى الخِضاب شبيبةً / فإنّي أُخيراه بغير شبابٍ
وَأَين منَ الإِصباحِ صِبغةُ غَيْهبٍ / وَأَين مِنَ البازيّ لون غُرابٍ
وقد قلّصتْ خَطْوِي الليالي وشمّرتْ / برَوْحاتها من جيئتِي وذهابي
وَكَم ظَفر الأقوامُ في البيض كالدُّمى / بفُوفِ المنى منهنَّ لا بثيابِ
وَلِي هِممٌ لمّا طَمحْنَ إلي العُلا / طمحْنَ كثيراتٍ وقلّ صِحابي
فمِنْ عذْبِ أزوادِ النّزاهةِ مطعمِي / ومن ماءِ أحواض العَفاف شرابي
فأيّ بلادٍ ما خرقتُ فِجاجها / وَفي أَيّ أَرضٍ لم تدُرَّ سحابي
وَأَيّ صَديقٍ لَم تُصبْه مثوبتي / وَأَيّ عدوٍّ لَم يَنلهُ عِقابي
أُريدُ الغنى مِن غيرِ ما جانب الغنى / فسهمِيَ لا يُصمى وسيفِيَ ناب
وَفي راحَتي أَسعى وَمن دونِ راحتِي / ركوبُ شِماساتِ المتون صِعابِ
وَربّ أُناسٍ جارِعي مُرَّ بِغْضَتِي / وَأَضلُعُهم ملأى بخبّ ضَبابِ
بَطيئينَ عنّي ناكِصينَ عَنِ الّتي / رَقَيْتَ إِلَيها من قلالِ هضابِ
وَلَمّا جرَوْا يَرجونَ سَبْقي إِلى العُلا / مَضيتُ وَلَمّا يَلحَقوا بترابي
يريدونَ أَن أَشقى برَجْع خطابِهمْ / وَمنْ فيهم يستطيعُ رَجْعَ خطابي
وَودّوا وأنّى ما يَودّون أنّهم / أصابوا معاباً لِي وأين معابي
وَمُذْ أَخطَأوا بابَ الصّواب ونكّبوا / عَنِ الرّشدِ باتوا حاسِدينَ صَوابي
وَقَد صَفِرتْ مِن كُلّ مَجدٍ أكفّهُمْ / ولم تخلُ من مجدٍ حَوَتْهُ وِطابي
ولمّا تناهبنا النّدى جئتُ راكباً / سنامَ النّدى في كلّ يومِ نِهابِ
وَقَد عَلِموا أنّي عَلى غيرِ ريبةٍ / تُلَطُّ سُجوفي ثمّ يُغلَق بابي
وإنّي وأَدناسُ الزّمان كَثيرةٌ / مَررتُ فَلم تَعلقْ بهنّ ثِيابي
وَما كانَ جاري وَالقِرى يستفزّه / مَروعاً وقد وافى بِنَبحِ كلابي
وَلا طارِقِي يرجو ثوابِيَ عائداً / بعسرٍ ولا يُسرٍ بغير ثوابِ
فَقلْ للعدى كونوا جميعاً بنجوَةٍ / إذا ماج تيّاري وجُنّ عُبابي
وَلا تَأمَنوا وَالشرّ ينتجُ بِالأَذى / وَقَد سَحَّ وَدْقِي أَنْ تَسيلَ شِعابي
وَوثبة مَفتول الذّراعِ قُصاقِصٍ / يُساعد ظُفراً في الصّريع بنابِ
هجومٍ عَلى الأقرانِ لَم يَثنِ كيدَه / كَميٌّ بِإقدامٍ ولا بهِبابِ
تَبوعٍ لحوقٍ في يديهِ طِلابه / وَما كلُّ باغٍ فائزاً بطِلابِ
ثَوى الغابَ مَرهوبَ المكانِ وما الرّدى / يُلاقيه إلّا في خبيئةِ غابِ
تَرى حولَهُ أَسلابَ قومٍ ولم يكنْ / ليحفل في مَنْ بزّه بسِلابِ
وَما لحظُهُ إلّا كَنجمَيْ دُجُنَّةٍ / وَلا بَطشُهُ إلّا كَمثل حِرابِ
له زَفرةٌ مِن فوق جنب صريعهِ / كما صُكَّ صُلْبٌ يابسٌ بصِلابِ
حَكتْ زَفرة المغلوب حزناً وخيبةً / وما هي إلّا زفرةٌ لِغلابِ
وَنهشةَ مَسموم اللِّثاثِ لعابُهُ / خَروقٌ إلى الأرداءِ كلّ حجابُ
تَراه لَصوقاً بالتّراب كأنّه / قطيعٌ طريحٌ أو سقيطُ حِقابِ
لَه مَلْمَسٌ لَيْنٌ وَحشو أديمِهِ / خشونةُ فرّاءٍ لكلِّ إِهاب
يَسدُّ على السّاري الطريقَ مجرُّهُ / وآثاره يحمين كلّ نِقابِ
كأنّ عليه جبّةً وهو صائفٌ / وفي القُرِّ عُريانٌ بغيرِ ثيابِ
يُمجّ سِماعاً في اللّديغِ كأنّه / لُغامُ نياقٍ أو نضيح حِبابِ
وما مشيُهُ إلّا تغضّنُ نِسْعَةٍ / تَلَوَّى على كوماء ذاتِ هِبابِ
حُبابٌ بأعلى الواديين طريقُهُ / وَما المَوتُ إِلّا في طَريق حبُابِ
يَصمّ عنِ الرّاقي وَيحدُرُ ظامِئاً / لدانٍ إِلى مطواه كلّ وئابِ
فَشاكٍ تَشكّاهُ بِغَيرِ تَعِلَّةٍ / وماضٍ توخّاه بغير إيابِ
سَلِ البارقَ العلويّ ليلة شُمتَهُ / وأعشى الكرى رَكْبي معاً ورِكابي
أَلستُ وَقَد خامَ الكماة عن الرّدى / لَبِستُ طعاني نَحوه وضِرابي
عَشِيّةَ هابَ الدّارعون تورُّدي / هُناك وَهمّ الطاعنون جنابي
إِلى أَن رأوْا سَيفي وَرمحيَ في الطُّلى / بِغَير أَنابيبٍ وغير ذُبابِ
وما حيلتِي أن كنتُ في سرّ أُسرَتي / ولم يشركوا في صفوتي ولُبابي
ولم أكُ يوماً قانعاً في فضيلةٍ / بأصلي ولا في مَحتِدٍ بنصابي
وكنتُمْ وهاداً هابطاً ثمّ أنتُمُ / تسامون في العلياء أهلَ روابِ
وهيهات أن تستصبحوا في دُجُنَّةٍ / بغير مصابيحٍ وغير شهابِ
وَهَل فيكمُ إلّا مَلومٌ مُفَنَّدٌ / ببذلِ أَساةٍ أو بمنع ثوابِ
وَهل درّ يوماً خيرُكمْ وهو نازحٌ / بشيءٍ سوى مسحي له وعِصابي
صحبتُكُمُ جهلاً بكم وملأتُ مِنْ / عهودكمُ وهْيَ الضعاف عِيابي
وإنْ فُتّكُمْ فضلاً فكم فات قبلكمْ / سَبوقٌ على بُعد المدى لكوابِ
أَعلى العهدِ منزلٌ بالجنابِ
أَعلى العهدِ منزلٌ بالجنابِ / كان فيه متى أردتُ طِلابي
المَغاني تلكَ المَغاني فَهل في / هنَّ ما قَد عهدتُ مِن أَطرابي
لَيستِ الدّارُ بعد أن توحش الدّا / ر ترى غيرَ جندلٍ وترابِ
وإذا لم يعدْ نحيبي على الرّبْ / عِ حَبيباً فليسَ يُغني اِنتِحابي
حرُّ قلبٍ إذا تمكّن من قل / بِ المُعَنَّى حماهُ بَرْدُ الشّبابِ
والمعافى منْ لم يَقُدْه إلى اللّو / عةِ يوماً تفرّقُ الأحبابِ
والمطايا يوم السّقيفةِ ما رُح / حلْنَ إِلّا تَعمّداً لعذابي
إِنّ نُعْماً وكان قلبيَ فيما / ألِفَتْهُ موكَّلاً بالتّصابي
سَأَلتني عنِ الهَوى في ليالٍ / ضاعَ فيهنَّ مِن يديَّ شَبابي
فَمَتى ما أَجَبتُها بِسوى ذك / رِ مَشيبي فَذاكَ غيرُ جوابي
صارَ منّي مثلَ الثَّغامة ما كا / نَ زَماناً مُحْلَوْلِكاً كالغُرابِ
لَيسَ يبقى شيبي عَلى شَأنِهِ الأو / وَلِ في كَرّ هذِهِ الأحقابِ
مَنْ عذيري من المشيب وقد صا / رَ بُعَيْدَ الشّباب من أثوابي
وشفاني في غير ما دافه الساقِي / وَراءَ المَشيبِ مِن أَوصابي
أيُّها الرّاكب المغِذُّ على وج / ناءَ مثل العَلاةِ كالحرفِ نابِ
لَيسَ يَدنو منها الكلالُ ولا تَنْ / فَكُّ عَن عَجْرَفيّةٍ وهِبابِ
لا تُعنِّ الرِّكابَ تطلُبُ ما نلْ / ناه عفواً صفواً بغير رِكابِ
أَنَا في حوزةِ الهمُامِ فخارِ الْ / مُلكِ كالنَّجم في أعزّ جَنابِ
في محلٍّ كالبحر إن كنتُ ظمآ / نَ وإن رابني العِدا كالغابِ
بالغاً ما أردتُهُ من زيادا / تٍ عليهِ ما كنّ لي في حسابِ
شَغلَ اللّحظَ بي وَلم يُصغِ إلّا / لِندائي مِن بَينِهمْ وَخِطابي
قَد سَمِعناهُ قائلاً فَسمعنا / نطقَه وارداً بفصلِ الخطابِ
ورأينا نوالَه فرأينا / سَبَلاً ليس مثلُه للسّحابِ
وَبَلوناهُ في الوَغى فَأَصَبنا / هُ ضروبَ اليدين يومَ الضِّرابِ
في مقامٍ ضنْك تَجول بِه الخَي / لُ على أرْؤُسٍ هَوَتْ ورقابِ
ولأَنتَ الّذي أَعاجيبُه في الد / دَهرِ كَلّتْ عنها قُوى الألبابِ
طَلَبوا شَأوه وَأَين منَ الأو / شالِ سيلٌ يجيءُ مِلء الشِّعابِ
وَتَمنّوا مَكانَه لا بِأَسبا / بٍ وأنّى دَرٌّ بغيرِ عِصابِ
وَإِذا عَنّتِ الضّرائب للأَس / يافِ بانتْ قواطعٌ مِن نوابِ
ما أُبالِي إذا رضيتَ عن الطّا / عةِ منّي بالمُحْفظِينَ الغِضابِ
وإذا ما رأيتَ منّي صواباً / فحقيرٌ عَماهُمُ عن صوابي
وَلَئِنْ أَظلَموا بِعيني فما أح / فِلُ ظَلْماءَهمْ وَأَنتَ شِهابِي
وَإِذا كُنتَ لِي شراباً فما تُخ / دَعُ لي مُقلةٌ بلمْعِ سرابِ
لا أَبانَ الزّمانُ فيك اِنثلاماً / لا وَلا همَّ ما ترى باِنقلابِ
وأتاك النّيروزُ بالسّعد واليُم / نِ ونيلِ الأَوطارِ والآرابِ
وَإِذا ما مَضى يَعود ولا أخْ / لاكَ من جَيْئةٍ له وذهابِ
في زَمانٍ يُنسِي زمانَ التّصابِي / وَنَعيمٍ يُسلِي نعيمَ الشّبابِ
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي / وَدعنيَ ظمآناً ففي غيرها نَخْبِي
وإنْ كنتَ تبغي بالمدامةِ نشوةً / فعندِيَ ما يُوفِي على نشوةِ الضَّربِ
أَبَيْتُ الهوى دهراً ولمَّا عرفتُهُ / عرفتُ مطاعَ الأمر مُغتَفَر الذّنبِ
وهيّمَ إطرابَ الفؤادِ أوانِسٌ / خَلَصْنَ إلى ذاك الممنَّعِ من حبّي
عَلَوْن النَّقا يوماً بأوفى من النّقا / ولُثْنَ على أبهى من العَصْبِ بِالعصبِ
ونادَمْننَا وهْناً بمنعرج اللّوى / فَضوَّأْنَ للسّارين داجِيةَ السَّهْبِ
وعانقْنَ قُضباناً من الرّنْدِ مرّةً / بأيدٍ سِباطٍ هنّ أندى من القضْبِ
وناعمةِ الأطراف حلّ ودادُها / مَكانَ شغافِ القلبِ مِن حبّةِ القلبِ
دَعاني قبولٌ خَلَّفَتْهُ إلى الصّبا / وما كلُّ من تمّتْ محاسنُهُ يُصبْي
خُلِقتُ كما شاءَ الصّديق مُحكّماً / عليَّ خليلي نازلاً في هوى صَحْبي
وذمّ رجالٌ أنّني غيرُ مُعْجَبٍ / فيا عَجَباً ماذا يفيدهُمُ عُجْبي
ولو أنّني أزهى بشيءٍ مُنِحْتُه / زهيتُ بفخرِ الملكِ في العُجْم والعُرْبِ
حياتِيَ منه بِالمحلّ الَّذي بهِ / يُحَسِّدُني قومي ويَغبطني شَعْبي
وأرْكَبني أثباجَ كلّ فضيلةٍ / مُمَنَّعَة الأرجاءِ محميّةِ الغَرْبِ
ففي خُلقِهِ ذاك المُفَسَّحِ مرتعِي / ومِنْ لفظهِ ذاك المشرّف لِي عُشبي
وَكَم جهدَ الأعداءُ فيما يسوؤُني / فما خوّفوا أَمْني ولا ذَعْذَعوا سِرْبي
رَضينا عَنِ الدُّنيا وَأَنتَ تركتَنا / بلا سَخَطٍ في ذا الزّمان ولا عَتْبِ
وجُدْتَ ولم تُسْأل بكلِّ نفيسةٍ / وَقَبلكَ قَومٌ لا يدرّون بالعَصْبِ
شَرِبنا أُجاجاً مِنْهُمُ وَتَنازحوا / عَنِ المَوردِ المَورودِ والمنهلِ العّذْبِ
وَما نِلتَه إِلّا بِحَقٍّ أتيتَهُ / وكم نيلَتْ العظمى من الأمر بالغصبِ
حَلفت بِمن ضحّت مِنى يوم نحرِهمْ / وما عقروا من أُمِّ سَقْبٍ ومن سَقْبِ
وبالنّفرِ الثّانين عُقْلَ رِكابِهمْ / على عَرَفاتٍ يبتغون رضا الربِّ
لقد نال فخرُ الملك ما شاءَ من عُلاً / حَلَلْنَ على أعلى محلٍّ من السُّحْبِ
فتىً لم يزلْ يغدو بِعرْضٍ مُمَنَّعٍ / ومالٍ مُذالٍ لا يفيق من النّهْبِ
ولم يرضَ سهلَ الأمرِ يرطب مسُّه / وَلَم تلْقَهُ إلّا على مركبٍ صَعْبِ
وَرامَ مداهُ المُترفون وإنّما / يَرومونَ ما رامَ الوِهادُ من الهَضْبِ
فللّهِ أيّامٌ مضين قطعتَها / بلا سَأمٍ منها على ضُمَّرٍ قُبِّ
وَلا ظِلَّ إلّا ما تُفيءُ لك القَنا / وَلا زادَ إلّا نُجعةُ الطّعنِ والضّربِ
تَصولُ بِعَضْبٍ في يديك وَخلفَه / مِنَ الرأْي ما أَمضى وأقضى من العَضْبِ
فَصفْوُكَ لا يُبلى بِشيءٍ منَ القذى / وخِصْبكَ لا يُمنى بشيءٍ من الجَدْبِ
وَطاولتَ أعماراً طِوالاً فطُلتَها / وأربيتَ حتى نِلتَ ما لم ينْل مُربِ
وَلا زالَ هَذا العيدُ يَتلوهُ مثلُهُ / تعاقُبَ أنواءِ السّحاب على التُّربِ
أَلا مَنْ معينِي مِن خليلٍ أَعدُّه / عَلى شُكر نعماءِ أتتني بلا كسبِ
تَجشّم خير الناس طُرّاً عيادَتي / فَجاءَ بِما حسبي به شرفاً حسبي
وَلَم يَعرِفوا شُكراً لها ولربّها / فلم يعْلمونا كيف نشكر في الكُتْبِ
فإنْ أَعْيَ عن شكرٍ لها من صنيعةٍ / فَذلك مِن ذنبِ البلاغةِ لا ذَنبي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي / كفيلاً بها دوني فلستَ بصاحبي
ولو لم تكنْ خير الأُلى عَجَمَتْهُمُ / بَنانِيَ لم أضمُمْ عليك رواجبي
ذَخرتك لي في النّائباتِ ومنْ يكنْ / صديقاً صدوقاً فهْوَ ذُخرُ النّوائبِ
وما ضرّ والقربُ المؤلّفُ بيننا / ودادٌ لنا أنْ لم تكنْ من أقاربِي
أجِرْنِيَ إمّا بالقواضب والقنا / أو الرّأْي إنْ خَطْبٌ أناخ بجانبي
وكنْ قَبَسِي إنْ كان قومٌ دياجِري / وكنْ صادقي إنْ كان دهرِيَ كاذِبي
وَقُمْ وَاِكفِنِي إن كنتَ تَسطيع هذِهِ / حلولِيَ مغلوباً بوادِي العجائبِ
أَلا هَل لما فات من مطلبِ
أَلا هَل لما فات من مطلبِ / وهل عن ردَى المرءِ من مَهرَبِ
وَهَل لامرئٍ يبتغيهِ القضا / ءُ من مُستجارٍ ومن مذهبِ
عذيرِيَ من حادثات الزّمان / أجِدُّ لهنَّ ويلعبْنَ بي
يُثلّمْنَ من حَنَقٍ مَرْوَتي / ويرعَيْنَ من نَهَمٍ خُلّبي
وإمّا بَرِحْنَ ففي طيّهن / نَ ما شئتَ من تعبٍ مُتعبِ
وإنْ هنّ صفّينَ لي مشرباً / رَجَعْنَ فَرنّقْنَ لي مَشْربي
فكم ذا أُعلّلُ بالمُبْرِضاتِ / وأُخدَعُ بالبارق الخُلّبِ
وأُعدي بأدواء هذا الزّما / نِ عَدْوَى المُصحِّ من المُجرَبِ
ولو كنتُ أعجبُ من حادثٍ / عجبتُ من الحادث الأقربِ
أتاني على عُدَوَاءِ الدّيارِ / لَواذِعُ مِن نبأٍ مُنصِبِ
فإنّ نجيع فخار الملو / كِ سِيط هنالك بالأثْلَبِ
وإنّ أُسامةَ ذا اللِّبدَتيْ / نِ صُرِّع عن خُدَعِ الأَذْؤُبِ
غُلبتمْ بنقضِكُمُ عهدَهُ / ومن غلّبَ الغدْرُ لم يغلِبِ
بأيِّ يدٍ قُدتمُ غِرَّةً / خِزامةَ ذا المُقرَمِ المُصْعَبِ
وكيف ظفِرتُمْ وبُعدُ المنا / ل بينكُمُ بسنا الكَوكبِ
وَكَيف عَلِقْتُم عَلى ما بِكمْ / من العَجْزِ بالحُوَّلِ القُلَّبِ
وأينَ يمينُكُمُ والعُهو / تطايحن في نَفْنفٍ سَبْسَبِ
وَأَصبح ملكُكُم بعدَه / بغير ذراعٍ ولا مَنكِبِ
وما كنتُ أخشى على الأُفعوانِ / مَدى الدّهرِ مِن حُمةِ العقربِ
أَمِنْ بَعد أَن قادَها نحوَكمْ / نفوراً مُحَرَّمَةَ المركبِ
وَأَولَجها بَين أَبياتكمْ / وَلَيسَ لَها ثمَّ من مرغَبِ
وَدافع عنها لِغير القوي / يِ كلَّ شديدِ القُوى مُحرِبِ
تُجازونَهُ بجزاء العدوِّ / وتَجْزونَه أُسْوَةَ المُذنِبِ
ولو رابه منكُمُ ما أرا / بَ شآكمْ وَلكن لم يَرْتَبِ
خُذوها تلَذُّ لَكمْ عاجلاً / وآجلُها غيرُ مُستَعذَبِ
ولا تَرقبوا غير ودْقِ الحِمام / وشيكاً من العارِضِ الصيِّبِ
ففِي الغيبِ مِن ثارِه فيكُمُ / شفاءٌ لأفئدةٍ وُجَّبِ
ألا غنّياني بقرع السّيوفِ / فَما غيرُها أبداً مُطربي
وحُثّا عليَّ كؤوسَ النّجيعِ / سواءً شربتُ ولم أشربِ
ولا تمطُلا ثاره إنّه / فتىً حرّم المَطْلَ في مَطلبِ
كأنّي بها كجبالِ الحجا / زِ يُقبلنَ أو قِطَعِ الغَيْهبِ
عليهنّ كلُّ شُجاعِ الجَنان / إذا رُهبَ الهولُ لم يَرهَبِ
لأسيافهم في رؤوس الكُماةِ / مصمّمة القُضُب اللّهّبِ
ولمّا مررنا على رَبْعِهِ / خرابِ الأنيس ولم يَخرِبِ
تَبدّل بعدَ عَجيج الوفودِ / بحاجاتِهم صرَّةَ الجُندُبِ
ومن سابغاتٍ ملَأْن الفِناءَ / من القَزّ أردية العنكبِ
بَكينا على غَفَلاتٍ بِهِ / سُرِقنَ وعيشٍ مضى طيّبِ
وَقُلنا لما كانَ صعبَ المَذا / لِ من سَبَلِ العين لا تَصعُبِ
أيا دارُ كيف لبستِ العَفاء / وماءُ النضارِة لم ينضُبِ
وَكيفَ نسيتِ الّذي كان فيكِ / من العزّ والكرم الأرحبِ
وكيف خلوتِ من القاطنين / وغربانُ بينك لم يَنعَبِ
وَأَين مَكامنُ ذاكَ الشجاع / ومربضةُ الأسدِ الأغلبِ
وأين مواقفُ وِلْدانِهِ / ومُزدَحمِ الجُند في الموكبِ
ومجرى سوابقِهِ كالصّقورِ / جلبنَ صباحاً على مَرْقَبِ
أيمضِي وأسيافُهُ ما فَتِئْ / نَ بالضّرب والسُّمرُ لم تُخضَبِ
وَلَم تُعجل الخيلُ مذعورةً / إلى مَرغبٍ وإلى مرهبِ
ولم يُستلبْ بالرّماح الطّوا / لِ في الرّوع واسطةُ المِقْنَبِ
ولو عَلِمَ السّيفُ لمّا علا / كَ حالَ كليلاً بلا مَضرِبِ
وبُدّل من ساعدٍ هزّه / لحتفك بالسّاعد الأعضبِ
تعامَه قومٌ سقوك الحِمامَ / فما فيهُمُ عنك مِن مُعرِبِ
فلو عن رداكَ سألنهاهُمُ / أحالَ الحضور على الغُيَّبِ
ألِفْتَ التكَرّم حتّى غفل / تَ عن جانب الحاسد المُجلبِ
ولم تَعتدِ المنعَ للطّالبين / فجدْتَ بنفسك للطُّلَّبِ
فإِن تكُ يا واحداً في الزّمانِ / ذهبتَ ففضلُك لم يذهبِ
وإنْ حجّبوك بنسْجِ الصّفيحِ / فغرُّ مساعيك لم تُحجَبِ
سلامٌ عليك وإن كنتَ ما / سلمتَ من الزّمن الأخيبِ
وواهاً لأيّامك الماضياتِ / مُضِيَّ السّحابة عن مُجدبِ
فَما بِنْتَ إلّا كبين الحياةِ / وشرخِ الشّباب عن الأشيبِ
ولا خَير بعدكَ في الطيّباتِ / فَما العَيشُ بَعدك بالطيّبِ
حَرامٌ عليّ اِكتسابُ الإخاءِ / فَمثل إِخائك لم أكسِبِ
وَلستَ ترانِيَ فيمنْ ترا / هُ إِلّا عَلى نجوَةِ الأجْنَبِ
ولستُ به طالباً غيرَه / فقِدْماً وجدتُ ولم أطلُبِ
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ / بِدَمعك سَحّاً بينَ سارٍ وساربِ
وَعاصِ الّذي لم يُهمِ ماءَ جفونِهِ / على فقدِ ماضٍ أو على إِثْر ذاهبِ
ولا تُغرِني بالصَّبْرِ وَالصَبرُ ما لَه / طَريقٌ إِلى ما في الحَشا والتّرائبِ
تَلومُ عَلى ما بي وأنتَ مُسَلَّمٌ / وَقد جبَّ هَذا الرُّزءُ دونَك غاربي
وَإنّيَ مَبْلوٌّ بِما لم تُبل بِهِ / فَلا تُبلِني فيهِ بلومِ المعاتِبِ
وَما مَسَّني فيما مضى مشبهٌ بِهِ / ولا مرّ شاجٍ لِي شجاه بجانبِي
مُصابٌ هَوى بِالشمّ مِن آل هاشمٍ / وَضَعْضعَ ركناً من لُؤَيّ بن غالبِ
وَلَم يَمض إِلّا بالشَّواة عن الشّوى / وَلم يرضَ إلّا بالطُّلى والذوائبِ
وَناعٍ نَعى نفسي ولم يدرِ أنّه / نَعاها فَأَغراها بلدمِ تَرائِبي
ولَم أَشفِ ما بي مِن جَوىً ومضاضةٍ / بِقَرع جبيني أَو غَضيض رَواجبي
تَمَنّيت لمّا أَن أتى وهو صادِقي / على الرّغمَ منّي أنّه كانَ كاذبي
نَسيبيَ بالودّ الصّحيح وفضلةٌ / على ودّنا ما بيننا من مَناسِبِ
وما ضرّ من كان القريبَ مودّة / مقرّبةً أنْ لم يكن من أقاربي
عَططتُ اِصطِباري عنهُ لمّا فَقَدته / عليهِ وَلَم أَقنع بعطّ جلاببي
ولمّا تُوفِّي الزينبيُّ محمّدٌ / وسارت بما لاقاه أيدي الرَّكائبِ
نفضتُ منَ الخُلّانِ كَفِّيَ بعدَهُ / ولوّيتُ عن دار الأخوّة جانبي
وَغاضتْ دُموعي في الشّؤون فلَمْ تسِلْ / على الذّاهبين بعده والذَّواهبِ
فلا مُطمِعٌ من سائر النّاس مُطمِعِي / ولا رائبٌ من بَنْوةِ الدّهر رائبي
وَإنّ ودادي بعده لمّ نَفسَه / وَحاصَ اِمتِراقاً من أكفِّ الخواطِبِ
فلا تُدنِنِي يوماً دِيار مَسّرةٍ / وَلا تغشَ بِي إلّا بيوتَ المنادِبِ
فَمَن ذا الّذي يَرجو البَقاءَ وَنَحنُ في / يَمينِ الرّدى طَوعاً وَأَيدي المَعاطِبِ
نُساقُ إِلى المَكروهُ من كلِّ وجهةٍ / ونلُوى عنِ المحبوب لَيَّ الغرائبِ
وَنُطوى كَما تُطوى البُرود بحفرةٍ / مُطمّمةٍ أعيتْ على كلّ هاربِ
فَثاوٍ بها طولَ المدى غيرُ راحلٍ / وماضٍ إليها بالرّدى غير آئبِ
ونُعدى بداء الموتِ ممَّنْ أَصابهُ / وَعَدوى المَنايا غَيرُ عَدوى الأجاربِ
وَلم يَعْرَ جلدِي كلّما ذَرَّ شارِقٌ / لِرامِي المَنايا مِن سِهامٍ صوائِبِ
فَيَثلمُني مَن لا أراهُ بِناظري / وَيَجرحُني مَن ليسَ لِي بمحارِبِ
وَما غَرّني مِنها سلامةُ سالمٍ / فَكَمْ سالمٍ من حولِهِ أَلفُ عاطِبِ
فَإنْ تُبقِني الأيّامُ بعدكَ للأَسى / عَليكَ وَحُزني فائضٌ غير ناضِبِ
فَإِنّيَ قَوسٌ ما لَها مِنك أسهُمٌ / وَنَصلُ قراعٍ ما لَهُ من مَضارِبِ
ونارٌ بلا صالٍ وضيفٌ بلا قِرى / وليلٌ بهيمٌ ما لهُ مِن كواكِبِ
فَإِنْ لَم يَكن شوك القَتادِ منَ الأسى / عَليك فراشاً لِي فشَوْلُ العقاربِ
أَبادَ الرّدى أَهلي وَأَفنى معاشِري / وَفرّقَ ما بيني وبينَ عَصائبي
وَعاثَ زَماني في قَبيلي وتارةً / يُذَعْذِعُ ما بَيني وَبين أَصاحِبي
وَأَسمَعني في كلِّ يومٍ وليلةٍ / نَشيجَ البواكي أو حنينَ النوادبِ
وَأَعرى يَميني مِن إِخاءٍ شريتُهُ / وأعَددْتُهُ ذخراً بسومِ التجاربِ
كَأنِّيَ عَوْدٌ في يديهِ مُذَلَّلٌ / تجذِّبُهُ للعَقْرِ أيدي الجواذِبِ
له مَنسِمٌ من كلّ فِهْرٍ مُشجّجٌ / وَيُبلى قراه كلَّ يومٍ براكبِ
وَمِن عَجَبٍ أنّي طَرحتُك في الثّرى / بِمَلْعَبَةٍ بينَ الرّياحِ الجنائبِ
وَوسّدْتُكَ البَوْغاءَ من بعدِ بُرْهةٍ / تَوسَّدت فيها طالعاتِ الكواكبِ
فَإِنْ تَخفَ عنّا في الترابِ فإنّما / خفيتَ وَقَد أَطلعت غُرَّ المناقبِ
وَإِن تُبْلَ في قعرِ الضّريح بغَيْهبٍ / فَقد طالَما بيّضتَ سودَ الغَياهِبِ
وَإِن تُضح مَحبوساً عنِ النُّطق بالرّدى / فَما زلتَ في الأقوامِ أوّلَ خاطِبِ
وَما أَنصَف الأقوامُ خلَّوْك في الثرى / وَراحوا إِلى أَوطارهمْ والملاعِبِ
وَما جانَبوك عَن قِلاهمْ وإنّما / تَناءَوْا جَميعاً عن بعيدٍ مجانِبِ
هُمُ أَودعوكَ التّرب عمداً وَوَدَّعوا / عَلى رَغمهم خَير اللّحى والحواجِبِ
فَإِنْ حَملوا صَعْباً عَليك فَطالما / تَحمّلْتَ عَنهم مُضْلِعاتِ الصّعائبِ
وَإِنْ أَسعَفوكَ بِالنّحيبِ تَوجّعاً / فَمن بعدِ أَن أَسعفتَهمْ بالحرائبِ
فَقدْتكُ فَقدي مِقْوَلي يومَ حاجتِي / إلى القولِ أو سيفي غداةَ التضاربِ
وَلَم يُعيِني إلّا الَّذي يطرقُ الفتى / وَإِلّا فإنّي غالبٌ كلَّ غالبِ
وَكَم سَلَبٍ أجرى الدّماء جفوننا / وَلَم تَجنِهِ فينا يمينٌ لغاصِبِ
فَلا أرَبٌ في الدّهرِ إِلّا مَحوتَه / فبِنْ بالمُنى عنّا وكلِّ المآرِبِ
أَيا ذاهباً ولّى وخلّفَ بعدَه / عَليَّ مِنَ الأحزانِ مِلْءَ جَوانبي
وَأَخطَرَني مِن بعد أَنْ كانَ لي حِمىً / وَأَفردني مِن بعد أَنْ كانَ صاحِبي
وُهبتَ لَنا ثُمّ اِرتُجعتَ إِلى الرّدى / فما لي اِنتفاعٌ بَعدها بالمواهبِ
فَإِنْ لَم أَكُنْ مَيْتاً كَما أنتَ ميّتٌ / فَما لِيَ في عَيشي نَصيبٌ لراغبِ
فَإِنْ حَجّبوكَ عَن لِقائِيَ بالثّرى / فَما حَجَبوا حزني عَليك بحاجِبِ
وَإِن تَمضِ صِفْرَ الكفّ مِن كلّ ثروةٍ / فَقد بِنتَ صِفْراً مِن جميعِ المعايِبِ
بِقلبيَ نارٌ مِن فراقكَ لَيتها / وَلا بدَّ مِنها اليومَ نارُ الحُباحبِ
ومن أين لِي من بعده بَدَلٌ بهِ / وأين بديلٌ عن زُلالٍ لشاربِ
فَتىً أقفَرتْ منه ديارُ مودّتي / وخُولستُ أحبابي بها وحبائبي
وَفارَقني لا عَن ملالِ وِصالِهِ / وكم مللٍ لي من لصيقٍ مصاقِبِ
وقال خليلي حزنُك اليومَ مُسرفٌ / كأنّ عليك الحزنَ ضربةُ لازِبِ
لَعَمْرُ اللّواحي إنّها لَمصيبةٌ / وَلكنّها لَيست كَباقي المصائِبِ
وَقَد نابَكمْ ما نابَكمْ فتأمّلوا / أمرَّ لَكمْ مِثلٌ لها في النّوائبِ
أَعِنِّي على ما بِي وَإِلّا فَخلِّنِي / فلستَ وما ثِقْلي عَليك بصاحبي
ولا تُسلِني عمّا مضى بالّذي تَرى / فَقَد حِيزَ عنِّي خير ما في حقائبي
وَلَو أنَّ غيرَ المَوتِ ضامَكَ وَحدَه / دَفعناهُ بِالبيض الرّقاق المضارِبِ
وَمُدّتْ إِليهِ مِن رجالٍ أعزّةٍ / طوالِ الخُطا أيدي القنا والقواضبِ
إِذا ركِبوا لم يَرجِعوا عن عزيمةٍ / وَإِن غَضبوا لم يَحفلوا بالعواقِبِ
هُمُ أطعموا سُغبَ الصّوارم والقنا / طعاناً وضرباً من لحومِ الكتائِبِ
وما عُظِّموا في النّاس إلّا بِحقّهمْ / وما قُدّموا في القوم إلّا بواجِبِ
وَهمْ أَخلجوا بالجدْب كلَّ مجاودٍ / وَهمْ غَلبوا في الحربِ كلَّ محاربِ
عَليكَ سَلامٌ لا اِنقِطاع لوَبْلِهِ / يجود وإنْ ضنّتْ غِزارُ السّحائبِ
ولا زِلتَ مطلولَ الثّرى أرِجَ النَّدى / تضوع ذَكَاءً من جميع الجوانِبِ
وإنْ مسّت الأرواحُ تربَك مسّةً / فمرُّ نسيمِ المُعْيِياتِ اللّواعِبِ
وَأوْلَجَك اللَّهُ النعيمَ وَلا تكنْ / بجنّاتِهِ إلّا عَليَّ المراتبِ
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ / قضى ولم أقضِ به نَحْبي
زوّدني بعد فراقي له / ما شاءتِ الأحزانُ من كربِ
قلتُ لرَكْبٍ قال لِي إِنّه / ذاق الرّدى أُرجلتَ من رَكْبِ
ولا رَعَتْ عيسُك في منزلٍ / نزلتَه شيئاً من العُشبِ
وَلا يَزلْ فوكَ وقد قال ليْ / ما قال مملوءاً من التربِ
قد ضرّني الصّدقُ فمنْ ذا الّذي / يَنفعني يا قومُ بالكذبِ
نعيتَ لا بوعدت من سيَّئٍ / أفضلَ من قلبي إلى قلبي
رُمحي الّذي يَفري نُحورَ العِدى / وَفي جلادِي هوَ لِي عَضْبي
فكمْ له دونِيَ من موقفٍ / آمنني فيه من الرُّعبِ
ولم يكن لي وهْوَ في قبضتي / على المُنى شيءٌ من العَتْبِ
ما قنعتْ إلّا بِهِ همّتي / وَلَم أَقلْ إِلّا بهِ حَسبي
وَعاضَني مِن حَرجٍ ضيّقٍ / عليَّ بالإفساحِ والرُّحْبِ
هوَ الرّدى يأخذُ مِن بَيننا / إِذْ هَمّ مَنْ شاء بلا ذنْبِ
وَليسَ يُسطاع دِفاعٌ له / بِالطعنِ بالرُّمْح ولا الضّربِ
إِنْ يَبغِ مَحجوباً فما إنْ له / مِن دونه شيءٌ من الحُجْبِ
أو شاءَ أن يَأخُذَ ذا هَضْبةٍ / عاليةٍ فهو بلا هضْبِ
بزّ اليمانيّين تيجانَهمْ / مِن دونها أَردية العَصْبِ
وَاِستَلَّ من كسرى بإيوانِهِ / أطواقَه الحُمرَ مع القُلبِ
ولم تزلْ تدخل رُوَّادُهُ / مِن مُضَرٍ شِعْباً إلى شِعْبِ
وَشرّدتْ أصحابَه بطشةٌ / منه بِهمْ فهْو بلا صَحْبِ
وَلفّهمُ لفّا بِأيدي القنا / لفَّ الصّبا للغُصُنِ الرَّطْبِ
كأنّهمْ تزهر أجداثهُمْ / ذوائبٌ خرّتْ منَ الشهبِ
وكم سطا فيهمْ بأُسْدِ الشّرى / ومُطعمِي الأضيافِ في الجَدْبِ
قُل لاِمرئٍ يَطمع في خُلدِهِ / فهْوَ غَفولٌ آمنُ السِّرْبِ
لَيس كَما قدّرتَه إنّما / خُلقتَ للتّربِ من التُّربِ
لا ترجُ أن تَنْجُوَ مشياً وقد / بغاك باغٍ واسعُ الوثْبِ
تنال كفّاه إذا مُدَّتا / من كان في بُعدٍ وفى قُرْبِ
يا نائياً عنّي ومن مُنيتي / أنْ بِعْتُ بُعدي منه بالقُربِ
كم لك عندي من أيادٍ مضتْ / بيضاً وإن كنتَ من الشُّحْبِ
واللّيل كالصّبحِ لنفع الورى / والسُّمرُ كالبيضِ لدَى الحربِ
وما جرى في النّاس شيءٌ لهمْ / مَجرى سَوادِ العينِ والقلبِ
وَالقزُّ في الصُّفرةِ مخلوقةً / خيرٌ لباغيهِ من العُطبِ
فَاِفخرْ على القومِ الأُلى سُوِّدوا / في الشّرق إِنْ شئتَ وفي الغربِ
فليس فيهمْ كلِّهمْ واحدٌ / سادَ جميعَ العُجْمِ والعُرْبِ
لم تألفِ السُّوءَ ولا بتَّ في / ناحيةِ القذفِ ولا الثَّلْبِ
ولم تعُجْ باللّهوِ في خلوَةٍ / ولا مزجتَ الجِدَّ باللّعبِ
وكلّما نِلْتَ بها رُتبةً / حَمَيْتَ فيها جانِبَ الجُنبِ
كم كنتَ للأملاكِ كهفاً وكمْ / حَمَيتهُمْ بالمُلك من خَطْبِ
وكم تلافيتَ بتفكيرةٍ / صافيةٍ شَعْباً من الشَّعْبِ
كانوا ومن رأيك آراؤهُمْ / مثلَ رَحى دارتْ على قُطْبِ
قد دَرّت الدّنيا لهمْ مرّةً / وأيُّ درٍّ ليس بالحَلْبِ
كَم ذا تَداركتَ اِعوِجاجاً لهمْ / على ظهورِ الضُّمَّرِ القُبِّ
يَطوينَ يَحملنَ الرّدى للعِدى / سَهْباً من الأرضِ إلى سَهْبِ
وَكُلّما زاحَمْنَ في غَمرةٍ / شوكَ القنا السّمر على إِرْبِ
كُسِينَ أَجلالاً بِنسجِ القَنا / مِنَ النجيعِ الأَحمرِ العَصْبِ
سَقى الّذي أَصبَحتَ رَهناً بهِ / مِنَ الثَّرى أنديةُ السُّحْبِ
وَلا سَمِعنا لِخريقٍ بهِ / صوتاً ولا زَعزَعَةَ النُّكْبِ
ولا يزلْ تُنضحُ حافاتُهُ / من الحَيا بالباردِ العَذْبِ
حتّى يُرى من بين أجداثِهمْ / ريّانَ مَلآْنَ من الخِصْبِ
فليس مُلْقىً في الثَّرى ميّتاً / موسّدَ الكفِّ على الجنْبِ
مَنْ طار في الآفاق ذكرٌ لهُ / وسار بالأقلامِ في الكتبِ
فَاِلحَقْ بِمَن سمّى لنا نفسَه / بأنّه يعفو عن الذّنبِ
فما أتت كفّاكَ من سيّئٍ / يضيقُ عنهُ كرمُ الربِّ
إِذا سارتْ بنا خُوصُ الرِّكابِ
إِذا سارتْ بنا خُوصُ الرِّكابِ / ورُحنا بالهوادج والقِبابِ
دعي ما لا يردّ عليكِ شيئاً / وقومِي فاِنظري مِنّي إيابي
فإنْ فُجِعتْ يمينُك بي اِرتحالاً / فقد فجعتْ يَميني بالشّبابِ
فما يُجدي زفيري إذْ توالى / ولا يُغني بكائي واِنتحابي
ذعَرْتُ به المَها وأَرقْتُ لمّا / لبستُ قميصَه ماءَ التَّصابي
ونكّب عاذلي عن دارِ عَذْلِي / فتاركني وأقصرَ عن عتابي
فلستُ أحنّ والبيضاءُ عندي / إلى البيضاء والرُّودِ الكعابِ
ولا تَقتادني بُرَحاءُ وجْدِي / إلى ذاتِ القلائِد والسِّخابِ
فَقُلْ لِصَقيلة الخدّين حُسناً / دَعيني من ثناياك العِذابِ
فَما لي فوق جِيدِكِ من عِناقٍ / وَما لي مِن رُضابِكِ من شرابِ
وَلا لي منكِ والشّعرات بيضُ / بُعَيْدَ سوادِها غير اِجتنابِ
نِقابَكِ والبعادَ اليومَ منّي / فقد صار المشيبُ بها نِقابي
ضَللتُ عن الهُدى زمناً بسودِي / فَأَرشَدني المَشيبُ إلى الصّوابِ
أَلَمْ تَرني مُقيماً في سِراعٍ / إِلى خَطأٍ بطاء عن صوابِ
طعامي فيهمُ وعدٌ خَلِيٌّ / عَنِ الجَدوى وَشُربي من سَرابِ
لَهمْ غدرٌ بجارِهُمُ وَمكْرٌ / بِه خافٍ ولا مكرُ الذّئابِ
وَقَد مَزجوا دَهاءً بالتَّداهي / كَما خَلطوا الغَباوَة بالتّغابي
وَحبُّهُمُ الّذي لا أَرتضيهِ / فَأنفقُ فيه من جِدّي لِعابي
فَقُل لِمَعاشرٍ رجموا حِمامي / أَروني مَن يَنوب لَكمْ مَنابي
وَمَن يشفيكُمُ كَلِماً وكلْماً / لدى غَمَراتِ خطبٍ أو خطابِ
وَقَد طَرد الرّدى عنكمْ قِراعي / كما طرح النّدى فيكمْ سحابي
فأين حضيضُكمْ من رأسِ نِيقِي / ومِن أوشالكمْ أبداً عُبابي
وَما للعار في طَرَفِي مجالٌ / وأنتمْ في يَدَيْ عارٍ وعابِ
فَلا تَستَوطِنوا إلّا وِهاداً / فَإِنّ لِغيركمْ قُلَلَ الرّوابي
وَممّا ضرّمَ الأعداءَ ناراً / حلولِي من قريشٍ في اللّبابِ
وَأنّ إِلى نبيٍّ أو وصيٍّ / نُسِبتُ فمن له مثلُ اِنتسابي
وفي بيتي النبُوّةُ ما عَدَتْنِي / وقانونُ الإمامةِ في نِصابي
أَجِلْ عَينيك في مَجدي تَجدْني / وَلَجْتُ إلى العلا من كلّ بابِ
فما طُوِيتْ على لَعِبٍ ثيابي / ولا حُدِيَتْ إلى طَرَبٍ رِكابي
هو الزّمنُ الّذي يُدْني ويُنئِي / ويُقعِي حين يُقعِي للوِثابِ
جَمَعتمْ يا بني الدّنيا حطاماً / يُرى من بعدكمْ بيدِ النِّهابِ
وَقَد أَذلَلتُ ما أَعززتموهُ / فَدأبكُمُ بني الدنيا ودابي
لَقد طَلب العدى منّي معاباً / فَما وَجدوا وَقد وجدوا معابي
وَلا رجّوا ولا حذروا جميعاً / سِوى عقبي ثَوابي أو عقابي
وَمن ذا كانَ لِلخلفاءِ مِثلي / وقد مسّتْ أسِرَّتهم ثيابي
وَقَد عَتِبوا عليَّ وليس يخلو ال / عَدُوُّ ولا الوليُّ من العتابِ
فَما طَرحوا لذي أرَبٍ سؤالي / وَلا تَركوا جَوابي عن خطابي
وَما لِي بَينهمْ إِلّا ليالٍ / عذُبْنَ وغير أيّامٍ طِيابِ
وكمْ يومٍ نصرتُهُمُ وفَرْشِي / قَرا الجُرْدِ المطهّمةِ العِرابِ
كأنّي شامِخٌ في رأس طَوْدٍ / وفي الإسراعِ فوق قطاةِ جابِ
وفي كفّي صقيلٌ لا بصقلٍ / له عهدٌ طويل بالقِرابِ
إذا حَمَلَتْهُ كفّي في هِياجٍ / فويلٌ للجماجمِ والرّقابِ
وقد جمجمتُ عمّا في ضميري / فإنْ بُقّيتُ قلتُ ولم أحابِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ / وَتذهب عنّا بالذُرى والغواربِ
وتُستَلبُ الآسادُ وهْيَ مُلِظَّةٌ / بأخياسهنّ من أعزّ المسالبِ
وتُوخذ منّا من وراء سُجوفنا / بلا رأيِ بوّابٍ ولا إذْنِ حاجِبِ
وتُقنص فينا روحُ كلّ محاربٍ / أبيٍّ جرِيءٍ وهو غير محاربِ
أَيا صاحَبي إِنْ كنتَ في إثْرِ من مَضى / على مثل حالاتِي فإنّك صاحبي
دَعِ الفكرَ إلّا في الحِمامِ ولا تُقِمْ / مع الحرصِ في دار الظّنونِ الكواذبِ
وإنْ كنتَ يوماً بالحديثِ مُعلِّلاً / لسمعِي فحدّثني حديثَ النّوائِبِ
فلي شُغلٌ عمّنْ أقامَ بمنْ مَضى / وعن معجباتٍ رُقْنَنَا بالعجائبِ
وناعٍ لسيف الدّين أضرم قولُه / ولم يدنُ ما بين الحشا والتّرائبِ
وجاء بصدقٍ غير أنّي إخالُهُ / خِداعاً لنفسي إنّه قولُ كاذبِ
فأثْكَلنِي طيبَ الحياةِ وضمّنِي / إلى جانبِ الأحزانِ من كلّ جانِبِ
فيا لكَ من رُزءٍ أزارَنِيَ الأسى / وَعرّف ما بيني وبين المصائبِ
وَلَولاه لَم أغضِ الجفونَ على قذىً / وَلا لانَ للوجدِ المبرّحِ جانِبي
أُساقُ إلى الأحزانِ من كلِّ وُجْهَةٍ / كَأنّي ذَلولٌ في أكفِّ الجواذِبِ
فلا مَطعمٌ فينا يطيبُ لطاعمٍ / ولا مشربٌ منّا يَلَذّ لشاربِ
فَقُل لِسيوفِ الهندِ من بعد فقدِهِ / تناهَيْنَ ما فيكنّ ضربٌ لضاربِ
وَقلْ لِطوالِ الخَطِّ يُركَزْن فالّذي / سَقَتْكُنَّ يمناهُ مضى غيرَ آئبِ
وَقُل لِجيادِ القُودِ لَستنَّ بعد ما / تولّى جديراتٍ بركبةِ راكبِ
وَقُل لِلمُغيرين الّذين تعوّدوا / زِحامَ العوالي في صدور الكتائبِ
دعوا ما ألِفْتُمْ من قِراعٍ فقد مضى / بحكمِ الرّدى منكم قريعُ المقانِبِ
وَقُل للسّراة النازعين إلى الغِنى / فهمْ أبداً ما بين سارٍ وساربِ
أقيموا فلا نارٌ تَوَقَّدُ للقِرى / ولا راحةٌ مفجورةٌ بالمواهبِ
فتىً أوحشتْ منه المكارم والعُلا / ولمّا قضى عُطّتْ جيوبُ المناقبِ
وَكَم لكَ مِن يومٍ لدغت كُماتَه / بِشَوكِ العوالي لا بشوك العقاربِ
وحيٍّ خبطتَ اللّيلَ حتى ملكتَهُ / على آلفاتٍ للصّعاب شَوازبِ
تراهُنّ يقضمنَ الشّكيمَ كأنّما / لَبِسنَ بنسجِ الطَّعنِ حُمْرَ الجلابِبِ
وَحَولك طلّاعونَ كلَّ ثنيّةٍ / إِلى المَجدِ حلّالونَ شُمَّ المراقِبِ
إِذا عَزموا لم يَرجِعوا من عزيمةٍ / وإنْ أقدموا لم ينظروا في العواقِبِ
وَفقدُ الصَّديقِ المَحض صَعْبٌ فَكيفَ بي / وفقدي صديقاً من أجلّ أقاربي
وَيُؤلِمني أنّي تركتكَ مفرداً / بمَدْرَجةٍ بين الصَّبا والجنائبِ
يُطاع بها أمرُ البِلى في معاشرٍ / أبَوْا أن يطيعوا غالباً بعد غالبِ
وَما منهُمُ إِلّا الّذي نال رتبةً / سَمتْ وعلتْ عن كلّ هذي المراتِبِ
فإنْ يُكسَفوا في غَيْهَبٍ من قبورهْم / فَقَد ضوّؤوا دهراً ظلام الغياهبِ
وإنْ قُبضتْ منهمْ أكفٌّ عن النّدى / فقد بُسطتْ دهراً لهمْ بالرّغائبِ
وإنْ جَثَموا بالتُّربِ طوعَ حِمامِهمْ / فكم جرّروا فينا ذيولَ المواكِبِ
ألا سقّياني دمعَ عينِيَ بعدَه / ولا تُسمعاني غيرَ صوتِ النّوادبِ
سَقى اللَّهُ ما أصبحتَ فيه من الثَّرى / زُلالَ التَّحايا عن زلالَ السّحائبِ
وَلا زالَ مَنضوحاً بعفوٍ ورحمةٍ / ورَوْحِ الجنانِ من جميع الجوانبِ
فقد طُوِيَتْ منه الصفائحُ عَنْوةً / على سامقِ الأعراقِ ضخم الضّرائبِ
كلُّ يومٍ غريبةٌ للخطوبِ
كلُّ يومٍ غريبةٌ للخطوبِ / وعجيبٌ يُنسيك كلَّ عجيبِ
حَيرٌ كالضّلال في غَسَقِ اللَّي / ل بلا صاحبٍ ولا مصحوبِ
وَاِزوِرارٌ عن الهدى فحليمٌ / كسفيهٍ ومخطئٌ كمصيبِ
وعيونٌ مملوءةٌ من دموعٍ / وقلوبٌ محشوّةٌ من وجيبِ
وذنوبٌ من الزّمان فقد عش / تُ طَويلاً وَما له مِن ذنوبِ
وَرَمَتني أَحداث هذي اللّيالي / إذْ رمتنِي بمُصمِياتِ القلوبِ
في مَليكٍ أَسطو بهِ وَحميمٍ / أَو خَليلٍ أو صاحبٍ أو نسيبِ
عُجْ عَلى هذهِ الدّيار التي لي / س لداعٍ بأهلها من مُجيبِ
دَخلتْ هَذه الرّزايا اِقتِساراً / بين قلبي وبين كلِّ حبيبِ
وَاِستَبدّت دوني بكلِّ نفيسٍ / وتناءتْ عنّي بكلّ قريبِ
وإذا ما شكوتُ ما بِي فشكوا / يَ إِلى كلِّ مُثقَلٍ مكروبِ
غَرَضٌ بالزّمانِ يَكْلِمُ بالأظ / فار منه وتارةً بالنّيوبِ
يَتهنّا بِالعيشِ وَهوَ عَلى ما / لَيسَ يَهوى مِنها لقاء شَعوبِ
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي / ذَهَبَ الشّباب وَبعده أَطرابي
فَالآنَ ما أَرجو وِصالَ خَريدَةٍ / يَوماً وَلا أَخشى صُدودَ كعابِ
يا صاحِبي قَد عادَ عَذلكَ ظاهراً / فالشّيبُ أعذلُ منك في أحبابِي
قَد نابَتِ الخَمسون والسّبع الّتي / لِي بَعدها في العذلِ عن أصحابِي
فَلَربّما حابى العَذول فلم يلُمْ / وَالشّيبُ في الفَوْدَين لَيس يحابي
لا تخشَ منّي أن أنقّبَ عَن هَوى ال / بيض الأوانس والمشيبُ نِقابي
بَلَغَ المَشيب مآرباً ومآرباً / مِنّي وَلم أبلغ به آرابي
وَرَجوتُ منهُ شِفاءَ داءٍ كامنٍ / فَاِزدَدته وَصَباً إلى أوصابي
قد كان شافِعِيَ الشّباب إلى الدُّمى / والشيبُ بعد فراقِه أغرى بي
فَرباعهنّ سِوى رباعِيَ في الهوى / وجنابهنّ هناك غيرُ جنابي
ولقد عَمَرتُ مراسلاً من قبلهِ / فأعاد لي رُسُلي بغير جوابِ
لا ذَنبَ عندي منه إلّا أنّهُ / كان السّفير لفرقةِ الأحبابِ
وَلَقَد عَتبت على الّتي صَرَمَتْ وقد / وَصل المشيبُ وما أفاد عتابي
يا جَملُ كَيف نزعتِ حبلَكِ من يدي / لمّا نزعتُ منَ الصِّبا أثوابي
فَقَطعتِ وَصلكِ لا لجرمٍ كان لِي / وَإِلى وصالكِ جيئتي وذهابي
ساقَ الّذي بَعَثَ النّوى قَلبي كما / ساق الحُدَاةُ ضُحىً بِطاءَ رِكابِ
فَمَتى سَألتَ عَنِ الفُؤادِ فَإِنّهُ / قَد سارَ بَينَ هوادجٍ وقِبابِ
يا طالِباً يَجتابُ كلَّ تنوفةٍ / تُدمي ظهورَ العيس خيرَ جنابِ
والشمسُ في الجوزاء راميةٌ إلى / تلك المرامي كلِّها بلُعابِ
عُجْ بالوزير أبي المعالي أيْنُقِي / وَاِجعَلْ إِليه غَيبتي وإيابي
وَاِقطَعْ بهِ كَي لا أسافرَ أنسُعي / وَاِعقِرْ لَه كي لا أريمَ رِكابي
فَهوَ الّذي قَد كنتُ عُمري أَبتغي / وَأَرومُ مُقترحاً على أنصابي
وَإِذا بَلغن بِيَ المُنى موفورةً / فشعابُ غيرِ المُدلجِين شعابي
لِي مِن وِدادك وَاِصطِفائك رتبةٌ / حُبٌّ أتِيهُ بهِ على أَحبابي
وَإِذا ملأتَ منَ الثناءِ مَسامِعي / فَكأَن ملأْتَ منَ الثّراءِ عِيابِي
وإذا رضيتَ فقد حظيتُ فإنّني / أرضى بأن ترضى وذاك طِلابِي
لِي كلَّ يومٍ من جميلك مِنّةٌ / غرّاءُ تأتينِي وتقرعُ بابي
وكرامةٌ لم يدنُ منها مُكْرِمٌ / عَبقتْ بها دونَ الأنامِ ثِيابي
كرّمتَني فملكت منّي رِبْقَةً / تَأبى اِنعِتاقاً يومَ عِتْقِ رِقابِ
وَتَركتنِي وقْفاً عليكَ إِقامتِي / وإلى ديارِك موئِلِي ومآبي
كم لي إليك شفاعةٌ مقبولةٌ / ونداءُ مسموعِ النّداءِ مُجابِ
فمتى أردتُ جعلتُ قولي رائداً / في نيل موهبةٍ وصرفِ عِقابِ
فلقد كُفيتُ وفي يديك مَعونَتي / وَلَقد غَلبتُ وأنتَ مِن أَحزابي
وَمَتى ضَحيتُ ففي ذراك أظِلَّتي / وإذا ظمِئتُ فمِنْ نَداك شرابي
وأنا الّذي لك بالولاءِ مواصلٌ / فَاِغفِرْ لذاك زيارةَ الإِغْبابِ
سَلْ عَن بَسالتِهِ خفاجَةَ والظّبا / في راحتيهِ تُعطّ كلَّ إهابِ
والطّعن يَثني كلَّ من شابتْ له / تلك المفارق من دمٍ بخِضابِ
وَتَوهّموا جَهلاً بأنّكَ كالأُلى / شُلُّوا بأرماحٍ لهمْ وحِرابِ
حتّى رأَوْكَ مُصمّماً فَتَساهموا / طُرقَ الفِرارِ بقفرةٍ كذئابِ
شَرّدتهمْ فخيامُهم منبوذةٌ / مِن غير إعمادٍ ولا إطنابِ
وسلبتَ أنفسَهمْ ولم تحفلْ بما / أبقتْ مصارعُهمْ من الأَسلابِ
للَّه درُّ شجاعةٍ بكَ أَمكنتْ / نَصْلَ الأعاجمِ من طُلى الأعرابِ
ولقد لَفَفْتَهُمُ بهمْ فكأنّما / حَضَّضْتَ بين ضراغمٍ في غابِ
واليومَ لا يُنجيكَ من أَهوالِهِ / إلّا الطّعانُ وصدقُ كلِّ ضِرابِ
فالضَّربُ في هاماتهمْ منثورةٌ / فوق الثّرى والطّعن في الأَقرابِ
هدرتْ زماناً بالفرات فحولُهمْ / فَاليومَ ما فيهمْ طَنينُ ذُبابِ
أَمَّا بنو عبد الرّحيمِ فإنّهم / حدُّ الرَّجاء وغايةُ الطلابِ
لَم يَسكنوا إلّا القِلالَ وَلَم يُرَوْا / والنَّجم إلّا في رُؤوس هِضابِ
ما فيهمُ إلّا النّجيبُ لأنّه الْ / بيتُ المليءُ بكثرِة الأَنجابِ
القائِلين الفصْلَ يَومَ تخاصمٍ / وَالواهِبين الجَزْلَ يومَ رِغابِ
وَمُزاحِمين لَهم على راياتِهمْ / رَجعوا وَقد نكصوا على الأعقابِ
لَن يصلحوا قُرُباً لصونِ سُيوفهمْ / وهُمُ السّيوفُ لنا بغيرِ قرابِ
لا خيرَ في أسلٍ بغير عواملٍ / فينا ولا سيفٍ بغير ذُبابِ
ليس الرّياسة بالمُنى أو بالهوى / لكنّها بركوب كلّ صِعابِ
لا تقربوا بذئابكمْ طَلَعاً عن ال / نسَلانِ والعَسَلانِ ليثَ الغابِ
وَإِذا الجِيادُ جَرينَ لم تَحفلْ وقد / عَنَّ التسابقُ بِالهجينِ الكابي
وَصوارمُ الأسيافِ عند ضريبةٍ / ما كنّ يوماً كالكليل النابي
خُذها فَإِنْ بُقّيتُ شيئاً آنفا / تسمعْ لها ما شئْتَ من أَترابِ
وَاِسمَعْ كَلاماً لم يُحَكْ شِبْهٌ له / ملآنَ بالإحسانِ والإطرابِ
روضاً ولكنْ ليس يجنِي زَهرَه / إِلّا يمينُك مالكَ الآدابِ
وَإِذا المَسامعُ أنصفتْ لَم تَنتقصْ / إِلّا كَلامِي وحدَه وخطابي
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى / فَاِصطَادني منهنَّ بعضُ الرَّبرَبِ
بِجمال مُتَّشحٍ بِأرديةِ الصِّبا / غضٍّ وبهجةِ رَوْنقٍ لم تنضُبِ
وطلبتُ منه وِصالَه فحُرِمْتُهُ / ومضى بمهجةِ عاشقٍ لم يُطلَبِ
وشربتُهُ بجوارحي لكنّني / من عَذْبِ طِيبِ وِصالِهِ لم أشربِ
وسَرقتُه من بين من عاينتُه / في الواد والرّقباءُ لا يدرونَ بِي
يا حَبّذا مَنْ زارَني
يا حَبّذا مَنْ زارَني / مِن بَعدِ صَدٍّ وَاِجتنابِ
نَشوانَ في أعطافهِ / طَرَبُ الشَبيبةِ والشَّبابِ
وَشكوت لمّا أنْ شكوْ / تُ إِلى نَفورِ القلبِ نابِ
مُستَنزِرٍ منِّي الجَوى / مُستحقرٍ لعظيمِ ما بِي
أجلَلْتُهُ أو خِفتُهُ / فكفيتُهُ ثِقْلَ العِتابِ
وقنعتُ منهُ بزَوْرَةٍ / عَرَضتْ ولم تكُ في حسابي
جاءتْ بلا طَلَبٍ وكمْ / صفوٍ تكدّرَ بالطِّلابِ
لَو عَنّ لي في نَيلها / طمعٌ لبعتُ بها شبابي
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً / عليكِ وما شيبُ الفتى بعجيبِ
ورابَكِ سودٌ حُلْنَ بيضاً وربّما / يَكون حؤولُ الأمرِ غيرَ مُريبِ
وما ضرّني والعهدُ غيرُ مُبدَّلٍ / تبدُّلُ شَرْخِي ظَالماً بمشيبي
وما كنتُ أخشى أن تكون جنايةُ ال / مَشيبِ بِرَأسي في حِسابِ ذُنوبي
فَلا عَيبَ لي إلّا المَشيب وحبّذا / إِذا لَم يَكُن شَيءٌ سواهُ عيوبي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي / وإذا قربتُ إليكِ من قربي
لا تَعجبي مِن صَبوتي بكُمُ / فَالحسنُ أَين رأيتهُ يُصبي
وَرباعكمْ أَنَّى أفارِقها / وبها غديري العذْبُ أو عُشبي
وَلو اِستَطعتُ كَتمتُ حُبَّكُمُ / للضَّنِّ عَن قَلبي وَعَن صَحبي
وَمِنَ الغرائبِ أنّني أبداً / سِلْمٌ لمنْ هو ظالماً حربي
كم ليلةٍ نادمتُ فيك وأنتِ في / سِنَةِ الرُّقاد موائلَ الشُّهبِ
مُتقلّباً طولَ الدّجى أَسِفاً / كالصّلِّ من جنبٍ إلى جنبِ
ما تَعلمينَ وأنتِ ناعمةٌ / مَنْ بات فيكِ معانقَ الكربِ
وَأَردتُ أَن أَسلو وذا عَجَبٌ / لَو كانَ قَلبي بِالهَوى قَلبي
وَعذلتِ منّي من له أُذُنٌ / صمّاءُ عن عَذْلٍ وعن عَتْبِ
وَمَتى يَكنْ ذَنبي هَواكِ فلا / غَفرَ الإلهُ وأنتِ لي ذَنبي
أَخشى لِساني أَنْ يبوحَ بما / أشكوهُ في جِدٍّ وفي لِعْبِ
فَلِسانُ مَنْ عُرفتْ بَلاغتُهُ / أمضى إذا ما قال من عَضْبِ
بَلَغْنا ليلةَ الشِّعبِ
بَلَغْنا ليلةَ الشِّعبِ / عجالاً مُنيةَ الحبِّ
تَلاقَينا كَما شِئنا / بلا علمٍ من الرّكبِ
وَطَيفٍ طافَ في ظَمْيا / ءَ والإصباحُ في الحُجْبِ
جَفَتْ عيني وجاءتْ في / دُجى اللّيل إلى قلبي
وَزالتْ غبَّ ما زَارتْ / وما قلتُ لها حسبي
وولّتْ لم تُنِلْ شيئاً / من الغُنْمِ سوى حبّي
فَيا شِعباً تَعانقنا / بِهِ بوركتَ من شِعبِ
وَلا قُرّبتَ من جَدْبٍ / ولا بوعدتَ من خِصْبِ
فكمْ فيكَ لباغي نَفَ / لِ الأحبابِ من إِرْبِ
ومِنْ ظبيٍ غنيٍّ في / ك بالحسنِ عن القُلْبِ
كَفاه لُؤلؤا منه / لباسُ اللؤلؤ الرّطْبِ
وأطرافٌ خضابُ الل / هِ أغناهنّ عن خَضْبِ
ولمّا رأت الحسنا / ءُ في رأسِيَ كالشُّهبِ
وبيضاً كالظُّبا البيضِ / وَما يَصلحنَ للضّربِ
تُجُنِّيتُ بلا جُرمٍ / وَعوقِبتُ بِلا ذَنبِ
ولم يُصْبَوْا بشنعاءَ / وفي الشّنعاءِ ما يُصبي
ولم يُعْدَوا طِوال الدّه / ر من أنيابِهِ الجُربِ
ولا كانوا لكلِّ النّا / سِ إلّا موضعَ القُطبِ
بأعراضٍ نقيّاتٍ / من التّقريف والثّلبِ
يرون اليومَ ذا نحسٍ / إذا كان بلا شَغْبِ
ولا حَفْلَ لهمْ بالما / لِ لا يجنوه بالعضْبِ
لهمْ في كلِّ نكراءَ / حُلومٌ لَسْنَ للهضْبِ
وأيمانٌ خلقن الدّهْ / ر للطّعن وللضّربِ
وللنّفعِ وللضّرّ / وللدّفع وللذّبِّ
وَأَلبابٌ لدَى الرّوعِ / بلا شيءٍ من الرُّعْبِ
فيومُ السِّلمِ فيهنّ / كيومِ البأْسِ والحربِ
وَأَغنوا بالنّدى الغَمْرِ / عَنِ الأنواءِ والعُشبِ
وَجاؤوا ساعةَ الذُّعْرِ / على المُضْمَرَّةِ القُبِّ
وفي أيديهمُ كلُّ / طويلِ المُرتقى صُلبِ
تراه يدع الأورا / دَ في سَكْبٍ على سَكْبِ
ويرمي من دم الجوف ال / ثرى بِالأحمرِ العَصْبِ
إِذا ما لَحَفوا وجه ال / ثَرى أرديةَ العَصْبِ
وفاحوا عَبَقَ المسكِ / على بُعدٍ ومن قُربِ
ولم يَرْضَوْا سوى التّجري / ر للأذيالِ والسّحبِ
رأيتَ المجد محمولاً / على كلِّ فتىً نَدْبِ
مَضوا عنِّي فلا لذَّ / ةَ لي بالباردِ العذْبِ
ولا غمضَ ولا أرضَ / لِعَينَيَّ وللجنبِ
وقد كنتُ بهمْ دهراً / رَخيَّ البالِ والقَلبِ
بنفسي مَن نأى عنِّي / وما إنْ ملّ مِنْ قُربي
قضى من قبل أن أقض / يَ فيه وله نَحْبي
ولمّا أن نقلناهُ / على الرّغمِ إلى التُّربِ
وَأَضجعناهُ في غبرا / ءَ مَلساءَ على الجنبِ
بلا صوتٍ يناجيهِ / سوى زَعزعةٍ النُّكْبِ
دَفنّا العَضْب في الأرضِ / وكمْ في الأرض من عَضْبِ
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها / فأعرضتُ خوفاً من عيون الرّقائبِ
وَلم تَكُ إِلّا نَظرةً ثمَّ لفتةً / كنُغْبَةِ ظمآنٍ من الطّير لاغبِ
رَأى الماءَ لا يَسطيع رِيّاً وإنّما / رأى الماءَ والقنّاصَ من كلّ جانبِ
ولي مطلبٌ لكنّني لا أنالُهُ / وكم عاقتِ الأقدارُ دون المطالبِ
أرى الزّاد ممنوعاً وعَذْباً كأنّه ال / سُلافُ ولكنْ لا يَذُلُّ لشاربِ
وكم صَدّ مِقْداماً وثَبّط ماضياً / على عزمِهِ جهلٌ بما في العواقِبِ
صَدّتْ وما كان الّذي صدّها
صَدّتْ وما كان الّذي صدّها / إِلّا طلوعُ الشّعَرِ الأشهبِ
زار وكَمْ من زائرٍ للفتى / حلَّ بواديهِ ولم يُطلبِ
رَكبته كُرْهاً ومن ذا الّذي / أركبه الدّهر فلم يركبِ
كأنّه نارٌ لباغي القِرَى / أضرمها القومُ إلى مَرْقَبِ
أو كوكبٌ لاحَ على أُفقِهِ / أو بارقٌ يلمعُ في غَيْهَبِ
لحمي وقد أصبحت جاراً له / زادي ودمعي وحدَه مشربي
وإنّني فيه ومن أجلِهِ / مُعاقبُ القلبِ ولم يُذنِبِ
وليس لِي حظٌّ وإن كنتُ مِنْ / أهلِ الهوى في قَنَصِ الرّبْرَبِ
وما رأينا قبلَه زائراً / جاء إلينا ثُمّ لم يذهبِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025