المجموع : 46
أمْطَتْكَ همّتُك الغريمةَ فاركبِ
أمْطَتْكَ همّتُك الغريمةَ فاركبِ / لا تُلقِيَنّ عصاكَ دون المَطلبِ
ما بالُ ذي النظرِ الصحيح تقلّبتْ / في عينه الدنْيا ولم يَتقلّبِ
فاطوِ العجاجَ بكلّ يَعمُلَةٍ لها / عَوْمُ السفينةِ في سرابِ السَّبْسَبِ
شَرِّقْ لتجلوَ عن ضيائكَ ظلمةً / فالشمسُ يَمْرَضُ نورُها بالمغربِ
والماءُ يأجنُ في القرارةِ راكداً / فإذا عَلَتْكَ قذاتُهُ فَتَسَرّبِ
طالَ التغَرّبُ في بلادٍ خُصّصَتْ / بوخامةِ المرعى وَطَرْقِ المشربِ
فطويتُ أحشائي على الألم الّذي / لم يشفه إلّا وجودُ المذهبِ
إنّ الخطوبَ طَرَقْنَني في جنّة / أخْرَجْنني منها خروج المذنبِ
من سالَمَ الضعفاءَ راموا حرْبَهُ / فالبسْ لكلّ الناسِ شِكّةَ محرَبِ
كلٌّ لأشراكِ التحيّلِ ناصِبٌ / فاخلبْ بني دنياك إن لم تغلبِ
من كلّ مركومِ الجهالةِ مُبْهمٍ / فكأنّما هوَ قطعةٌ من غَيْهبِ
لا يكذبُ الإِنسانَ رائدُ عَقلهِ / فامْرُرْ تُمَجّ وكنْ عذوباً تُشْرَبِ
ولربّ محتقَرٍ تركتُ جوابَهُ / والليثُ يأنفُ عن جوابِ الثعلبِ
لاتحسبنّي في الرجال بُغَاثَةً / إني لأقْعَصُ كلّ لَقْوَةِ مَرْقَبِ
أَصبَحتُ مثلَ السَّيفِ أبلى غمدهُ / طولُ اعتقالِ نجاده بالمنكبِ
إن يعلُهُ صدأ فكمْ من صَفحةٍ / مصقولةٍ للماء تحت الطُّحلبِ
كم من قوافٍ كالشوارد صِرْتُها / عن مثلِ جرْجرَةِ الفنيق المُصْعَبِ
ودقائقٍ بالفكر قد نَظّمْتُها / ولوَ انَّهُنَّ لآلئٌ لم تُثقبِ
وصلتْ يدي بالطبع فهو عقيدُها / فقليلُ إيجازي كثيرُ المُسْهبِ
نَفَثَ البديعُ بسحره في مِقْوَلي / فَنَطَقْتُ بالجاديّ والمُتَذهّبِ
لوْ أنّنا طيرٌ لقيلَ لخيرنا / غرّدْ وقيلَ لشرّنا لا تنعبِ
وإذا اعتقدتَ العدلَ ثم وزنتَني / رَجحتْ حصاتي في القريض بكبكبِ
إنّي لأغمِدُ من لساني مُنْصُلاً / لو شئتُ صَمّمَ وهو دامي المضربِ
بلى جَرّ أذيالَ الصّبَا فتصابَى
بلى جَرّ أذيالَ الصّبَا فتصابَى / وأوجَفَ خيلاً في الهوَى وركابا
قَصَرْتُ زماني بالشمولِ مُسِنّةً / وبالرّوضِ كهلاً والفتاة كَعابا
وأقصرُ أيام الفتى يومُ لَذّةٍ / صبا ما صبا بالعيش فيه فطابا
لياليَ لا ترمي الرميَّ وإن تُصِبْ / بسهمك خوداً فالشبابُ أصابا
وعصبةِ لهوٍ غادروا الهمّ جانباً / فلم يألفوا إلّا السرورَ جَنَابا
يديرونها راحاً كأنّ بكأسِها / إذا لبستْ درعَ الحَباب حُبابا
تنَافِرُ لمسَ الماءِ وهو يَرُوضُها / كما تَفْرَكُ البكرُ الفَرُوقُ لُعابا
فاحْبِبْ بذاك العَيشِ عيشاً ذكرتُهُ / وبالعصرِ عصراً والصحابِ صحابا
وليلٍ تخوضُ النيّرات ظلامهُ / كأوْجُهِ غَرْقَى يَفْترِقْنَ عُبابا
سريتُ بمحبوك مِنَ القُبِّ كلَّما / دعا شأوَه وهيُ العِنَانِ أجابا
من الجِنِّ فاسْمُ اللّه إما وَضَعْتَهُ / مكانَ قطيعٍ طار عنك وغابا
ترَى ضَحِكَ الإصباحِ فوق جبينهِ / وَقُمّصَ من ليلِ المُحَاقِ إهابا
تخالُ الثريّا رأسَهُ وهو مُلْجَمٌ / إذا الجريُ لم يُلبِسْ طُلاه سِخابا
يحرّفُ بالتأليل أذناً كأنّما / ترى قلماً منها يخطّ كتابا
سما الدّرُّ في أرساغِهِ عن زَبَرْجَدٍ / يغادرُ بالوطءِ الصخورَ ترابا
هو الطِّرفُ فاركبْ منه في ظهرِ طائرٍ / تَنَلْ كلّ ما أعيا عليكَ طلابا
إلى قمرٍ تسري إليه كأنّما / عليه سماءُ اللّه تُغلِقُ بابا
كأنِّيَ سرٌّ في حشا الليلِ داخلٌ / على حَبّةِ القلبِ المصونِ حجابا
فبتُّ مُرَوّىً من مجاجة باردٍ / غذا ذكرُهُ قَلْبَ الغيورِ فَذابا
كأنّ قطافَ اللثم من ثَغْرِ رَوْضِهِ / تَكَسّبَ من طَلّ الغمامِ رضابا
ولم أرَ كالدّنْيا خؤوناً لصاحبٍ / ولا كُمصابي بالشبابِ مُصَابا
فَقَدْتُ الصّبا فابيضّ مُسْوَدّ لمّتي / كأنّ الصّبا للشيب كان خضابا
ما زلتُ أشربُ كأسَهُ من كفّهِ
ما زلتُ أشربُ كأسَهُ من كفّهِ / ورضابُهُ نُقْلٌ على ما أشرَبُ
حتى انجلى الإصباحُ عن إظلامه / كالستر يُرفع عن مليكٍ يحجبُ
والشهبُ في غربِ السماءِ سواقطٌ / كبناتِ ماءٍ في غديرٍ تَرْسُبُ
مُصْفَرَّةُ الجسم وهي ناحلةٌ
مُصْفَرَّةُ الجسم وهي ناحلةٌ / تستعْذِبُ العيشَ معْ تَعَذّبِها
تطعنُ صدرَ الدجى بعاليةٍ / صنوبريٌّ لسانُ كوكبها
إن تَلِفَتْ روحُ هذه اقتسمَتْ / من هذه فضلةً تعيشُ بها
كحيّةٍ باللّسانِ لاحسةٍ / ما أدرَكتْ من سوادِ غيهبها
قَبَسٌ بكفّ مديرها أم كوكبُ
قَبَسٌ بكفّ مديرها أم كوكبُ / يَنْشَقّ منه عن الصّباح الغيهبُ
وأريجُ مسكٍ فاحَ عن نفَحاتها / فذوائبُ الظلماءِ منه تَطَيّبُ
قالوا الصبوحُ فقلتُ قَرِّبْ كأسَهُ / إنّي لِمُهديها بها أتَقَرّبُ
لا تسقني اللبنَ الحليبَ فإنّ لي / في كلّ داليَةٍ ضروعاً تحلبُ
وذخيرَةٍ للعيشِ مَرّ لعمرها / عَدَدٌ يشقّ على يَدَيْ من يحسبُ
دَبّابَةٌ في الرّأسِ يَصْعَدُ سُكْرُها / فتجدّ منا بالعقولِ وتلعبُ
دارَتْ بعقلي سَورةٌ من كأسها / حتى كأنّ الأرضَ تحتي لولبُ
باكرتُها والليلُ فيه حُشاشَةٌ / يستلّها بالرّفقِ منه المغربُ
والجوّ أقبَلَ في تراكبِ مُزْنهِ / قُزَحٌ بعطفةِ قَوْسِهِ يَتَنَكّبُ
صابتْ فأضْحَكَتِ النديمَ بأكْؤُسٍ / عَهدي به من نقطهنَّ يُقَطبُ
والبشرُ في شربِ المدامةِ فارتقبْ / منها سرورَ النفسِ ساعةَ تَعْذُبُ
تخالفَتِ النياتُ يوم تحمّلوا
تخالفَتِ النياتُ يوم تحمّلوا / فركبٌ إلى شرق وركبٌ إلى غربِ
وما قُدّ قَدّ السيرِ بالسيرِ بينهمْ / ولكنّما المنقدّ بينهمُ قلبي