القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 246
لقد بتّ مطروف النواظر بالسُّهد
لقد بتّ مطروف النواظر بالسُّهد / تقلّبني فوق الفراش يد الوجْد
تساورني رقشاء من لاعج الجوى / ويَقدَح في قلبي الأسى واري الزند
فأرقب تغوير النجوم بمقلةٍ / ترقرق فيها الدمع منفرط العِقد
أقول وفرع الليل أسحم والأسى / يذِبّ دبيب السمّ في العظم والجلدٍ
متى يسفر الصبح الذي أنا راقب / أليس قميص الليل عنه بمنقدّ
إلى أن رأيت الفجر قد لاح خيطه / كما أصلت السيف الجزار من الغمد
فما أنا إلا غفوة فخيالة / لدى العالم العلويّ في ربوة الخلد
رأيت كأني قمت حول سرادق / من النور مرفوع الدعائم ممتدّ
أقاموا لواء الحمد فوق عماده / وخطّوا على حافاته سورة الرعد
وقد أشرقت ملء السموات حوله / قناديل خضر تستنير بلا وقد
وقد لاح لي محمود شوكت جالساً / به فوق كرسي الجلالة والمجد
وفي يد ه سيف أُجيد صقاله / على أنه من صّنعة الله لا الهند
وفي الرأس تاج بالثناء مرصّع / فويق جبين مشرق بسنى الحمد
وقد جلّلته بردة سندسيّة / ومن تحتها دِرعِ إلهية السرد
وبين يديه زهرة من ملائك / مجنّحِة الأيدي غرانقةٍ مُرد
تُهنّئه بالفوز طوراً وتارة / تُحييّه بالغضّ الطريّ من الورد
وقد قام من حول السرادق موكب / عظيم به اصطفّت أُلوف من الجند
فلما رآني واقفاً بحياله / وقد كنت بين الجند معتزلاً وحدي
أشار أن أقرب يا رصافي مالنَا / نراك وحيداً قد وقفت على بعد
فجئت وجسمي قد تغشتّه رجفة / كما يرجف المقرور من شدة البرد
فقمت لديه وانحنيت أمامه / فقبلت بالتعظيم حاشية البرد
فقال لقد آنستَ إذ جئت أننا / عهدناك في زُوّارنا مخلص الود
ولا ترتجف هوّن عليك فإنما / نزلت قرين الأمن في منزل السعد
فأبلغ تحياتي إلى الوطن الذي / سعيتُ إلى اعلائه باذلاً جُهدي
وقل لبنيه إنني لست حاقداً / عليهم فمثلي لا يميل إلى الحقد
وإني لما أن تمثلت قائماً / بديوان ذي العرش الذي جلّ عن ند
طلبت لهم عفواً من الله سابغاً / وقلت له يا رب لا تُخزهم بعدي
ويا رب إني قد قصدت نجاحهم / فحقق لهم يا ربّ ما كان من قصدي
وإني لأرجو منك مرحمة لهم / وإن قتلوني ظالمين على عمد
فإني أرى موتي بخدمة أمتي / حياةً به طعم الشهادة كالشهد
ألا فاهدهم يا ربّ للمجد والعلا / فما من مضلٍ في الأنام لمن تهدي
وقال أتدري من هم الجند إنّهم / من استشهدوا في حرب أعدائنا اللد
ألم ترهم دامين حتى كأنما / تسربل كلٌ لبدة الأسَد الورد
فسوف بحول الله أرأب صدعهم / وأغزو العدى فيهم على الضمّر الجرد
وإذنّ في الحيّ المؤذَن غدوةً / فأيقظني التكبير من سنةٍ الرقد
فقمت وبي من خشية الله رعدة / وأحسست من رؤياي بَرداً على كبدي
وأصبحت لم أملك بوارد عبرةٍ / تخُطّ سطور الدمع في صفحة الخد
سأبكي وأستبكي الجيوش على فتىً / فقدناه فقد الغيث في الزمن الصلد
فتىً كان في أفق الوزارة كوكباً / به في دحبى الخطب الخلافة تستهدي
وقد كان في وجه الخطوب تبسماً / إذا عبّست يوماً بأوجهها الرُّبد
وما مات محمود الخصال وإنما / تنقّل من هذا الفناء إلى الخلد
لئن غَيبت عنا مرائية في الثرى / فما غُيّبت عنا معاليه في اللحد
وما هو إلا السيف قد كان مصلتاً / على الدهر وهو اليوم قد قرّ في الغمد
سيبقى له الذِكر الجميل مؤّبداً / تَمُرّ به الأيام حالية الأيدي
تفكّرت في كنه الحياة فلم أكن
تفكّرت في كنه الحياة فلم أكن / لأزداد إلاّ حيرةً في تفكري
وكم بتّ فيها أخبط الليل رامياً / إليها بلحظ الطارق المتنوّر
فلا أهتدي من أمرها لمقدّم / ولا أنتهى من أمرها لمؤخّر
على أنني مهما تقدّمت نحوها / رجعت رجوع الناكص المتقهقر
وهبها كما قد قيل أحلام نائم / أما في بني الدنيا لها من معبّر
تأمّلت آثار الحياة فلم يلح / لعينيّ منها وجه ذاك المؤثّر
سوى أنني آنست شعلة قابس / توقّد في مستن هو جاء صرصر
فبينا سناها يبهج العين لامعاً / أتته كقطع الليل هبوة معصر
فما هي إلا خبوةٌ ترتمي بها / إلى ظلمات صبحها غير مسفر
كذلك محيي الدين إذ غاله الردى / فأطفأ منه نيًرا أيّ نيّر
عليك العفا بيروت هل لك بعدما / قضى فيك محيي الدين من متصبّر
فتىً كان ركناً فيك للعلم والحجا / وغرّ القوافي والكلام المحبّر
فقدنا به صلت الجبين مهذّباً / كريم سجايا النفس عفّ المؤزّز
لقد عاش شيخاً في العلوم مقدّماً / فما ضرّه أن مات غير معمّر
وما مات من أبقى له طيّب الثنا / لدى الناس من بادٍ ومن متحضر
نعاه لي الناعي فكان كأنه / لدى نعيه أهوى إليّ بخنجر
ولو لم يكن شدّي الحيازيم دونه / خررت كما خرّ الصريع لمنخر
خليليّ عوجا بي على قبر ماجد / بيروت يحوي كل فضل ومفخر
قفا نحتقر دمع العيون تجلّةً / لمن فيه من ذاك الجليل الموقّر
ونتدب في ملحوده المجد والعلا / ونسقيه غيث الدمع من كل محجر
عسانا بذا نقضي له بعض حقّه / وإن جلّ أن يقضى بدمع محقر
أيّ خطب دها ربوع الشام
أيّ خطب دها ربوع الشام / يوم أمست تبكي بطرف دام
وبأي الأسى رمتها الليالي / فاكتست للحداد ثوب ظلام
إن تكن افجعت بشهم بني العظ / م فأعظم بخطبها المترامي
ذلك الماجد الذي أدرك المج / د بأيدٍ إلى العلاء سوام
سل دمشقاً تجبك عن شيم في / ه تعالت عن أن تزنّ بذام
قد بكته شجواً يسبع عيون / في رباها تجود بالتسجام
ورثته بألسن من معالي / ه حداد تفلّ حدّ الحسام
فقدت من محمد خير ندب / ذائد عن حياضها ومحام
وغدت تشتكي إلى بَرَداها / من أحرّ الأسى أحرّ الأوام
لهف نفسي عليه ساعة أودى / من كريم غمر الرداء همام
إن قلبي قد استطير بمنعا / ه اختطافاً بمنسر الآلام
فكأن الناعي لدى النعي أهوى / نحو قلبي بمرهف صمصام
قد فقدنا منه خلائق تحكي / زهر الروض غبّ صوب الغمام
يا أبا خالد وما هذه الدن / يا بدار معدّة لمقام
إن تكن هالكاً فكم لك ذكر / في العلا خالد مدى الأيام
خطفت عمرك المنون اختلاساً / كاختلاس المنى يد الأوهام
فكأنّ المنون خافت على تل / ك المعالي ذبولها بالسقام
فلذا أحرزتك غضاً طرياً / وكذا كم يكون موت الكرام
فسقى الله تربةً أنت فيها / صوب وطفاء من غوادٍ هوام
لعمرك لو كانت حديداً جسومنا
لعمرك لو كانت حديداً جسومنا / لأبلته من كرّ الليالي مبارد
فكيف ولسنا بالحديد وإنما / جوارحنا هذي الدماء الجواسد
إذا ما افتكرنا في الحياة واصلها / وغايتها هانت علينا الشدائد
وماذا عسى يجدي التوّجع والأسى / من الموت إذ كلْ على الموت وارد
نعين منايانا علينا بحزننا / فيقرب من آجالنا المتباعد
وليس برزءٍ أن نرى المرء هالكاً / إذا حييت بالذكر منه المحامد
بل الرزء كلّ الرزء أن يذهب الفتى / وليس له من بعده الدهر حامد
ويدفن في التراب اسمه دفن جسمه / فلم يتفقّده من الناس فاقد
ومن تفن بعد الموت آثار مجده / فآثار روحي الخالديّ خوالد
فتى غمدت منه المنون مهنّداً / وأيّ حسام ماله الدهر غامد
يعدّ بألف من رجال زمانه / على أنه في الألمعّية واحد
لقد بقيت للخالديين بعده / مناقب غرّ دونهنّ الفراقد
وكم حبّرت أقلامه من صحائف / بجيد العلا من درّهن قلائد
نماه إلى المجد الصراع متمماً / به فخره السيف الآلهيّ خالد
دعانا ابن جبر أن نلّم بذكره / لدى محفل قد ضّمنا وهو حاشد
فقمنا لذكرى مجده بعد موته / نباهي به أحياءنا ونماجد
ونستشهد الدنيا على حسناته / وقد كثرت فيها عليها الشواهد
وإني وإن لم أحظ منه برؤية / ليشهد لي من عادل فيه شاهد
ألا يا ابن جبر أنت أيقظت للعلا / عواطف كانت وهي فينا رواقد
فقلت اذكروا يا قوم فضل رجالكم / ففي ذكر فضل الغابرين فوائد
وسيروا على آثارهم واهتفوا بها / لينشط كسلان وينهض قاعد
ففي الغرب أموات أقيمت لذكرهم / تماثيل في كل البلاد أوابد
أعادل قد أنهضت للعلم جثّماً / فأنت لنا في نهضة العلم قائد
أقمت لذكرى الخالديّ مقامةً / بها حسنت للقوم منك المقاصد
وجاهدت في إنهاض حيّ بميّت / فجهدك في إنهاض قومك جاهد
ذكر ت مزاياه وذكرتنا به / وهل يذكر الأمجاد إلاّ الأماجد
فسعيك مشكور ورأيك صائب / وفعلك محمود وسيرك راشد
أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا
أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا / لمّا رأيت مناخ القوم أوحالا
رأيتنا في ظلام ليس يعقبه / صبحٌ فشّمرت للترحال أذيالا
كرهت طول مقام بين أظهرنا / بحيث تبصرنا للحق خذّالا
ولم ترق نفسك الدنيا ونحن بها / لسنا نؤكد بالأفعال أقوالا
وكيف تحلو لذي علم إقامته / في معشر صحبوا الأيام جهّالا
لذاك كنت اعتزلت القوم منفرداً / حتى أقارّبك الأدَنين والآلا
وما ركنت إلى الدنيا وزخرفها / ولا أردت بها جاهاً ولا مالا
لكن سلكت طريق العلم مجتهداً / تهدي به من جميع الناس ضّلالا
محمود شكري فقد نامنك حبرهديّ / للمشكلات بحسن الرأي حّلالا
قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً / إذا تقسم فيها كان أجبالا
وبحر علم إذا جاشت غواربه / تقاذف الدرّ في لجّيه منهالا
يا من بشوّال قد شالت نعامته / نغّصت بالحزن شهر العيد شوّالا
أعظم برزئك في الأيام من حدَث / هزّت عليّ به الأيام عسّالا
أمست لروعته الأبصار شاخصةً / أما القلوب فقد أجفلن إجفالا
طاشت حصاة العلا لما نعيت لها / وكل ميزان علم بالأسى سالا
إذا نعيَك وافى مصر منتشراً / جثا أبو الهول يشكو منه أهوالا
وإن أتى البيت بيت الله رجّ به / وأوجس الركن من منعاك زلزالا
أما العراق فأمسى الرافدان به / سطرين للدمع في خدّيه قد سالا
بكى الورى منك حبراً لا مثيل له / أقواله ضربت في العلم أمثالا
بكوك حتى قد احمرتّ مدامعهم / كأنهم نضحوا فيهنّ جريالا
ولو لفظنا لك الأرواح من كمد / لم نقض من حقك المفروض مثقالا
ولا نخصَص في رزءٍ بتعزية / إلا علوماً أضاعت منك مفضالا
فإن رزأك عمّ الناس قاطبةً / يا أكرم الناس أعماماً وأخوالا
شكراً لأقلامك اللائى كشفت بها / عن أوجه العلم أستاراً وأسدالا
كتبن في العلم أسفاراً سيدرسها / أهل البسيطة أجيالاً فأجيالا
أمددتها بمداد ليس يعقبه / دمع الأنام وإن يبكوك أحوال
وكنت أنت نطاسيّ العلوم بها / وكنّ في سبر جرح الجهل أميالا
يا مُطلعاً في سماء الفكر أنجمه / تهدي إلى العلم رحّالاً وقفّالا
لو أنني بلغت زهر النجوم يدي / نحتها لك بعد الموت تمثالا
ما ضرّ من بعدما خلدّت من كتب / أن لا نرى لك بين الناس أنجالا
إذا ذكرناك يوماً في محافلنا / قمنا لذكراك تعظيماً وإجلالا
إني أخفّ لدى ذكراك مضطرباً / وإن حملت من الأحزان أثقالا
لأشكرتك يا شكري مدى عمري / وأبكينّك أبكاراً وآصالا
فأنت أنت الذي لقنّتني حكما / بها اكتسيت من الآداب سربالا
أوجرتني من فنون العلم أدوية / شفت من الجهل داءً كان قتّالا
فصحّ عقلي وقبلاً كنت مشتكياً / من علّة الجهل أوجاعاً وأوجالا
أنا المقصر عن نعماك أشكرها / ولو ملأت عليك الدهر إعوالا
فاغفر عليك سلام الله ما طلعت / شمس وما ضاء بدر الليل أولالا
لمن تركت فنون العلم والأدب
لمن تركت فنون العلم والأدب / أما خشيت عليها من يد العطب
نلك المدارس قد أوحشتها فغدت / خلواً من الدرس والطلاب والكتب
ما إن تركت لها في العلم من وطر / ولا لمنتابها في الدرس من أرب
إن الألوسي محموداً عرته لدن / لاقاك محمود شكري خفة الطرب
فاهتزّ لابنٍ أبٌ قي قبره وغدا / يبدي الحفاوة خير ابن لخير أب
بحرين في العلم عجّاجين قد ثويا / فاتصبّ مضطرب في جنب مضطرب
من فخر أزماننا في العلم أنّهما / علاّمتا هذه الأزمان والحقب
عليك شكري غدت شكرى مدامعنا / تكفيك أدمعها السقيا من السحب
ما كنت فخر الألوسيّين وحدهم / بل كلّ من ساد من صيّابة العرب
ولا رزأت النهى والعلم وحدهما / بل قد رزأت صميم المجد والحسب
ولم يخصّ الأسى داراً نعيت بها / بل عمّ مبتعداً من بعد مقترب
من العراق إلى نجد إلى يمن / إلى الحجاز إلى مصر إلى حلب
لقد ترحّلت في يوم بنا انقلبت / حوادث الدهر فيه شرّ منقلب
حتى تقدّم ما في القوم من ذنبٍ / فصار رأساً وصار الرأس في الذنب
وبات يحسو الطلا بالكأس من ذهب / من كان يشرب رنق الماء بالعلب
فاذهب نجوت رعاك الله من زمن / من عاش فيه دعا بالويل والحرب
تستثقل الصدق فيه إذن سامعه / وتطرب القوم فيه رنّة الكذب
والخير قد ضاع حتى أنّ طالبه / لم يلق منه سوى المسطور في الكتب
أما الرجال فنار الشرّ موقدةٌ / فيهم وهم بين نفّاخ ومحتطب
أفعالهم لم تكن جدّاً ولا لعباً / لكن تراوغ بين الجد واللعب
إذا جلست إليهم في مجالسهم / تلقى القوارض فيها ذات مصطخب
أرقى الصحائف فيما عندهم أدباً / ما شذّ منها بهم عن خطّة الأدب
قد يطربون لشتم المرء صاحبه / كأنما الشتم مدعاة إلى الطرب
ويستلذّون من قوم سبابهم / كما استلذّ بحكّ الجلد ذو جرب
لا يغضبون لأمرٍ عمّ باطله / كأنهم غير مخلوقين من عصب
وليس تندى من النكراء أوجههم / كأنما القوم منجورون من خشب
يا راحلاً ترك الآماق سائلةً / يذرفن منسكباً في إثر منسكب
أجبت داعي موت حمّ عن قدر / وأي نفس لداعي الموت لم تجب
والناس أسرى المنايا في حياتهم / من فاته السيف منهم مات بالوصب
هذي جيوش الردى في الناس زاحفةً / لكنهنّ بلا نقع ولا لجب
بين الدواء وبين الداء معترك / فيه قضى ربنا للداء بالغلب
والناس فيه عتاد للحمام فلا / ينجون من عطب إلاّ إلى عطب
وإن للموت أسباباً يسببّها / من سدّ كلِّ طريق عنه للهرب
ولا يخلق الله مخلوقاً يجول به / دم الحياة بلا أم له وأب
ولا يميت بلا داء ولا سقم / ولا يعيش بلا كدٍ ولا تعب
وليس ذلك مِن عجزٍ بخالقنا / عن أن يزجّ بنا في قبضة الشجب
لكنّه جعل الدنيا مسبّبةً / لكل أمرٍ بها لابدّ من سبب
يا من إذا ما ذكرناه نقوم له / على الأخامص أو نجثو على الركب
لقد تركت يتيم العلم منتجاً / والكتب راثيةً منه لمنتحب
إن كنت في هذه الدنيا لمنقطعاً / إليه عن كل موروث ومكتسب
أعرضت عنها مشيحاً غير ملتفت / إلى المناصب فيها أو إلى الرتب
أولعت بالعلم تنميه وتجمعه / منذ الشباب وما أولعت بالنشب
فعشت دهراً حليف العلم تنصره / حتى قضيت فقيد العلم والأدب
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه / من قديم وطاف يسقي أناسه
كيف يرجى طول البقاء لحّيٍ / جعل الله عمره أنفاسه
تعست هذه الحياة وإن كا / نت لعمري خلابةً حسّاسه
قصّرتها يد الحوادث لكن / قد اطالت بها على الحيّ باسه
غير أن السعيد من بان عنها / وهو مستثمر بها أغراسه
والذي عاش مؤنساً وحشة النا / س ممدّاً بفضله إيناسه
مثل ذاك الشيخ الذي مذ فقدنا / ه فقدنا به النهى والكياسه
نعي الخالصي فارتجّت الأن / فس حزناً مضرّجاً بحماسه
هو ذاك المهديّ أحرز سبقاً / حين أجرى إلى الهدى أفراسه
هو ذاك الحبر الذي كان للشر / ع مقيماً دليله وقياسه
كان في الدين آية الله أفنى ال / عمر فيه رعايةً وحراسه
أفق العلم قد بد مكفهرّاً / عندما أطفا الردى نبراسه
إن بكاه الدين الحنيفي شجواً / فلأن كان ركنه وأساسه
كان ردءاً للحق مرتدي التق / وى فكانت طول الحياة لباسه
ولقد كان في العلوم إماماً / حيث فيها انتهت إليه الرياسه
أنا أبكي عليه من جهة العل / م واغضي عن خوضه في السياسه
لا لأني أراه فيها ملوماً / بل لأني أعيب فعل الساسة
ليس في هذه الهنات السياس / يات إلا ما ينجلي عن خساسه
قد أبت هذه السياسة إلاّ / أن تكون الغشّاشة الدسّاسه
وأبت أن تصافح الناس إلا / بيدٍ من خديعة فراسه
كلّما مسّت الأمور بكفٍ / لوّثتها بما بها من نجاسه
إن في هذه السياسة سهماً / جعل الله باطلاً قرطاسه
ما تعاطى غير الخداع غلاد س / تون فيها كلا ولا دلكْاسه
إن أحسّت بقوةٍ من خصيم / كانت الظبي لم يزايل كناسه
وهي إن آنست من الخصم ضعفاً / كانت الليث مبرزاً أضراسه
لو أردنا إفاضة في هجاها / لكتبنا لكم به كرّاسه
فلهذا أجلّ عنها رجالا / شغلتهم علومهم بالدراسه
رحم الله شيخنا إنه كا / ن بعيداً عمّا تريد السياسه
ليت تلك العلوم قد شغلته / عن أمور لا تشتري بنحاسه
أنتجت بعده فأوحش أرضاً / في العراقين عوّدت إيناسه
فقضى بعد نأيه عن إناس / طلبوا علمه وراموا اقتباسه
أيها القوم إن هذا لرأيي / في فقيدٍ لم تشهدوا إرماسه
فإذا كنت قد أصبت وإلا / فانبذوا ما أقوله في الكناسه
لست بالشاعر الذي يرسل اللف / ظ جزافاً لكي يصيب جناسه
أنا لا أبتغي من اللفظ إلاّ / ما جرى في سهولةٍ وسلاسه
إنما غايتي من الشعر معنىً / واضح يأمن اللبيب التباسه
هي دنيا بقاؤها مستحيل
هي دنيا بقاؤها مستحيل / فليقف عند حدّه التأميل
ليس يغني فيها عن المرء شيئاً / شرف باذخ ومجد أثيل
إنما الراحة المرجّاة فيها / تعب والهدى بها تضليل
كل شيء في أهلها مستعار / من سواه وكل حال تحول
ليس ما قد جتى علينا بها إلا ق / قار أدهى مما جنى التمويل
رتّلت ألسن اللذائذ آي ال / عيش فيها فغرّنا الترتيل
فرجونا طول البقاء وإن كنّا / علمنا بأننا سنزول
وطلبنا تعلّة لنفوس / ليس يشفي عليلها التعليل
قد قتلت الحياة خبراً ولكن / أنا منها بحيرتي مقتول
كل ما قيل في الحياة ظنون / جرّها في افتكارنا التخييل
قد وهمنا في البدء منها وأما / منتهاها فستره مسدول
إن يك العقل في دجى الشك نجماً / فخفيٌّ مثل السها وضيئل
ويك إن المعقول ما صحّ عندي / فمتى صحّ عندك المنقول
كلنا خابطون في ظلمات / حائر بائر بهنّ الدليل
إن حبّ الحياة أوهم أن ال / موت نوم تحت الثرى لا يطول
إنما هذه الجسوم مبانٍ / قد بناها من الزمان عمول
نزلتها الأرواح حيناً فأضحت / عامراتٍ ما دام فيها النزول
ثم لابدّ أن ترحّل عنها / فيسّمى بالموت ذاك الرحيل
إنما هذه الجسوم رسوم / موحشات بعد الردى وطلول
ما بسقط اللوى مثلن ولكن / بسقوط البلى لهنّ مثول
ليس يسلي الفتى عن الموت إلاّ / خلف صالح وذكر جميل
مثلما مات شيخنا النائب الحب / ر فسالت من الدموع سيول
إن عبد الوهاب عاش جليل ال / قدر فرداً ومات وهو جليل
وقضى عادم المثيل فأمسى / ما لمنعاه في الخطوب مثيل
حادث أظلمت به الأرض واستو / حش منها حزونها والسهول
إن أسينا أسىً عليه كثيراً / فكثير الأسى عليه قليل
كان فحل الفحول علماً وفضلاً / فلهذا بكت عليه الفحول
كيف لا تجزع العلوم لمنعى / رجل باعه بهنّ طويل
قد بكته مدارس عامرات / هو فيها المدّرس المسؤول
وبكاه الكتاب ذو الذكر شجواً / وعلوم إلى الكتاب تؤول
وبكته آيٌ به محكمات / وبكاه التفسير والتأويل
وبكته أرامل ويتامى / جذّ عنها بموته التنويل
إن يكن أغمد الردى منه في القب / ر حساماً فذكره مسلول
أو رمى حدهّ الردى بفلول / فمعاليه ما بهنّ فلول
أو خلت منه دوره مُوحشاتٍ / فذراها بفضله مأهول
كيف لا هؤلاء أبناؤه الغرّ / شهود بما أقول عدول
كلهم في العلاء مثل أبيه / حسن الخلق فاضل بهلول
هل تطيب الفروع في الناس إلاّ / حيث طابت فيهم لهنّ أصول
عذرةً يا أبا الحسين بماذا / نصف الرز وهو رزء جليل
وإذا طاشت الحلوم بيوم / فيه فارقتنا فماذا نقول
اخرس الشعر يوم منعاك لكن / ناب عنه تأوّه وعويل
وإذا أسكت المقاويل حزنٌ / ترجمت عنهم دموع تسيل
فصلتك المنون عنّا ولكن / أنت بالحمد والثنا موصول
لك في العلم رتبة لن تسامى / فاضل القوم عندها مفضول
ومحياً صلت الجبين طليقٌ / يتلالا كأنه قنديل
ويد يجمع الشفاه عليها / كلما قد ومددتها التقبيل
إنما قد ذكرت بعض مزايا / ك وإلاّ فشرحهن يطول
وإذا القول لم يفده اختصار / لم يفده الاطناب والتفصيل
عبد المجيد قضى فوا أسفا
عبد المجيد قضى فوا أسفا / ماذا يفيد تأسّفي جزعا
ثم ويك نبك المجد والشرفا / ونعزّ طرف العين ما دمعا
فلقد فقدنا سّيد الظرفا / وأجلّ ساعٍ للعلاء سعى
لم يتخذ غير العلا هدفا / عن قوس هّمته إذا نزعا
خبر طويت حشاي مرتجفا / من هوله وسقطت منصدعا
ألقى بوجه حياتنا كلفا / أوعاد لون العيش ممتقما
فالدمع من عيني إذا وكفا / جلل وإن أرسلته دفعا
صاحبت منه أخا نهى ووفا / يزهر النديّ به إذا اجتمعا
فسمعت من أقواله طرفا / ورأيت من أفعاله بدعا
ساء المكارم كونه دنفا / يشكو إلى عوّاده الوجعا
الداء أذهب نفسه تلفا / بذل الدواء له فما نجعا
بيروت منه أحرزت شرفا / لما غدت لعلاه مضطجعا
لكنما قلب العراق هفا / حزناً عليه إذ به فجعا
وكفى بسعدون له خلفا / لفعاله في المجد متّبعا
يمشي على آثاره الخطفى / ويقوم بالأعباء مضطلعا
عبد المجيد قضى فوا حربا
عبد المجيد قضى فوا حربا / ماذا يردّ إليّ واحربي
إن الرزايا قد قضت عجبا / مما رزئناه من الحسب
رزءٌ أثار الحزن ملتهبا / في كل قلبٍ أيّ ملتهب
وأسال غرب الدمع منسكبا / من كل عين اثر منسكب
وأمرّ حلو العيش فانقلبا / بمحاوليه شرّ منقلب
فبكاه من بغداد منتجا / في جانبيها كل ذي أدب
يا راحلاً بالداء مغتربا / يبغي الشفاء له من الوصب
أوتيت فضلاً في النهى عجبا / يأتي من الآراء بالعجب
كم كنت تكشف فيه محتجبا / وتنال أقصى الأمر من كثب
فنبيت مجداً منك مكتسبا / من بعد آخر غير مكتسب
وبك العروبة قد زهت نسبا / يزهى بغبطة كل ذي نسب
قد كنت من عربّية عصبا / والحسّ مصدره من العصب
إنا فقدنا الظرف والأدبا / وفقدت يا سعدون خير أب
يا أكرم المتهذّبين أبا / صبراً لفقدك أكرم العرب
إذ كنت أنت لمثله عقبا / أكرم يمثلك أنت من عقب
هلّم نبكِ النهى والعلم والشرفا
هلّم نبكِ النهى والعلم والشرفا / فقد قضى من بهذا كان متّصفا
هلّم نبك الذي كانت شمائله / كمثل قطر الغوادي رقّةً وصفا
هلّم نبك امرأً لم يغلُ واصفه / بالخير إلا رآه فوق ما وصفا
عطا الخطيب الذي آل الخطيب به / فتّت مصيبتهم أكبادنا أسفا
نبكي لمبكاهم حزناً بحيث نرى / بدر التّمام بأعلى أفقهم خسفا
قد فاجأته المنايا وهو معتدل / كالرمح دقّ على الصفواء فانقصفا
قامت بحسّاده الأطماع هائجةً / لمّا رأوه مجدّاً يطلب الترفا
فمارضوه بسيل من مكايدهم / قد سال فاكتسح الآمال واجترفا
وعرقلوا بدعاويهم مساعيه / ومدّدوا من دواهيهم له كففا
فظلّ يرسف في مسعاه مرتطماً / فيما يكيدون حتى خالط التلفا
كانوا يمدّون سيل الكيد مندفقاً / وكان يبني له من سعيه رصفا
حتى قضى راسباً في مكرهم غرقاً / إذ عطّل الموت منه الكفّ والكتفا
وبعدما قتلوه هكذا علموا / بأنهم قد أصابوا المجد والشرفا
والمرء تظهر بعد الموت قيمته / كمغرق اليمّ بعد الانتفاخ طفا
لو عجّل الله للحسّاد لعنته / لكان أسقط منها فوقهم كسفا
لكن يؤخرها عنهم إلى أجل / يخزي به كلّ من قد جار واعتسفا
هم جاوزوا العدل والأنصاف في رجلٍ / ما كان قطّ عن الأنصاف منحرفا
فتىّ رزئناه بالأخطار مضطلعاً / بالمجد مشتملاً بالفضل ملتحفا
لما رمى عن قسّي الرأي مجتهداً / لم يتخذ غير أسباب العلا هدفا
ما شبّ إلاّ على التقوى وكان له / قلب سليم بحبّ الخير قد شغفا
مهذّب الطبع عفّ النفس ذو خلق / قد شابه الورد مشموماً ومقتطفا
إذا تصّورت في يوم خلائقه / فقد تصوّرت منها روضة أنفا
وإن نظرت بإمعان مساعيه / فقد نظرت بعيني رأسك الشرفا
بيناه يدرك من دنياه زهرتها / إذ جاءه الموت يمشي نحوه الخطفى
أعظم به طود مجد طال طائله / فكيف في ساعة بالموت فد نسفا
قد شرّفت بقعة الجيليّ حفرته / كما ضريح علي شرّف النجفا
مضى عبد وّهاب الهبات لربّه
مضى عبد وّهاب الهبات لربّه / فللهّ من ماض إلى ربّه حرّ
مضى وهو محمود الخصال مخلّفاً / له عندنا آثار أخلاقه الغرّ
مضى وله في كل قلب مكانةٌ / تديم له ذكراه بالحمد والشكر
كذلك كّنا معه قبل وفاته / نبجّله في السرّ منّا وفي الجهر
وما زادنا إلاّ أسىَ بفراقه / فأمسى الأسى فينا له مالئ الصدر
إذا ما ذكرناه تفوح خلاله / فننشق من تذكاره أطيب النشر
ونلجأ عند الأدّكار إلى البِكا / ونفزع من بعد البكاء إلى الصبر
أخا سالم ما زلت عندي سالماً / وإن كان منك الشخص غيّب في القبر
تمثّلك الذكرى لعينَّى جالساً / تحدثّنا عّما أهمّ من الأمر
وتمزح طوراً ثم تنصاع ذاهباً / إلى الجدّ تغري بالحقيقة من تغري
فنغضب أحياناً ونطرب تارة / وأنت على الحالين مبتسم الثغر
وأنشدك الشعر الحقيقي تارة / فتطرب من ذكر الحقيقة في شعري
طواك الردى عنّي وشخصك لم يزل / بذكراك بعد الطيّ متصل النشر
فما أنت ميتاً إذ خيالك سانح / مدى العمر نصب العين في سانح الفكر
ولا عجب إن الحياة خيالة / فلا فرق عندي بين شخصك والذكر
سأنثر دمعي فيك نثر لآلىءٍ / وأنظم شعري في رثائك من درّ
لعلّي بذا أقضي إخاءك حقّه / وإن كان لاُ يقضى بنظم ولا نثر
هكذا يدرك في الدنيا الكمال
هكذا يدرك في الدنيا الكمال / هكذا في موتها تحيا الرجال
هكذا يشرف موت المبتغي / شرفاً ليس إذا ريم ينال
من كعبد المحسن الشهم الذي / حفّه بالموت عزّ وجلال
ما بعبد المحسن السعدون إذ / رام قتل النفس مسّ وخبال
بل رأى أوطانه يرهقها / من بني الغرب انتداب واحتلال
فانتضى الهمّة كي ينقذها / كانتضاء السيف ما فيه كلال
مارس الأحوال حتى إنه / شاب في إصلاحها منه القذال
أعمل الرأي وقد جادله / فيه بعض القوم واشتدّ الجدال
خذلوه فاغتدت آراؤه / كسهام كسرت منها النصال
كم غدا ينصحهم حتى إذا / راء أن الداء في القوم عضال
ورأى أن الذي يرجوه من / طلب استقلالهم شيء محال
جاد للأوطان منه بدم / لسوى أوطانه ليس يُسال
والفتى الحرّ له في موته / سعةٌ إن ضاق بالنفس المجال
إنه لما أرادت نفسه / ميتة حمراء ما فيها اعتلال
ميتة الأبطال فيها شمم / طأطأت من دونه الشمّ الجبال
نال بالموت حياة ما لها / أبد الدهر فناءٌ وزوال
هو حيّ أبد الدهر فما / ضرهّ من هذه الدنيا انتقال
ان يكن قد زايل القوم فما / لمساعيه عن القوم زيال
أو يكن عن أعين القوم اختفى / فله في أنفس القوم خيال
وإذا التأريخ أجرى ذكره / أخذ التأريخ بالفجر اختيال
فاندبوا يا قوم منه بطلا / هو للأبطال حسن وجمال
وأقيموا عالياً تمثاله / فهو للأوطان عزّ وجلال
واقصدوا مرقده حجاً فلا / غروَ أن شدّت لمثواه الرحال
واتركوا الغرب وأهليه ولا / تسمعوا منهم إلى ما قد يقال
وعلى أنفسكم فاتّكلوا / خاب من فيه على الغير اتّكال
فالمواعيد التي قد وعدوا / كلها منهم خداع واحتيال
كلما قال لنا ساستهم / نقضت أقوالهم منهم فعال
هكذا كونوا وإلا فاعلموا / أنما استقلالكم شيء محال
شبّ الأسى في قلوب الشعب مستعرا
شبّ الأسى في قلوب الشعب مستعرا / يوم ابن سعدون عبد المحسن انتحرا
يوم به كل عين غير مبصرة / إذ كان إنسانها في الدمع منغمرا
يوم به البرق رجّ الرافدين أسىّ / غداة أدّى إلى أقصاهما الخبرا
فلو ترى القوم قاموا في ضفافهما / واستنزفوا من شؤون الدمع ما غزرا
خلت العراقين خدّي ثاكل وهما / سطران للدمع في الخدين قد سطرا
لله يوم فقدنا فيه مضطلعاً / بالأمر يمعن في تدبيره النظرا
يوم به فاض فيض الشعر منتظماً / كما به فاض فيض الدمع منتثرا
فبالدموع بكت في يومه شيعٌ / وبالقوافي بكت في يومه الشعرا
فالشعر قد قرّط الأسماع مندفقاً / والدمع قد قرّح الأجفان منحدرا
والدمع والشعر ممن قد بكى بهما / كلاهما حكيا في يومه الدررا
كلاهما انسجما حتى كأنهما / تسابقا في انسجام عندما انهمرا
فالشعر من هذه الأكباد بلّ صدى / والدمع من هذه الأوطان بلّ ثرى
أبو علي قويّ في عزائمه / لو رام بالعزم دحر الجيش لا ندحرا
أخلاقه كالخضمّ الرهو تحسبه / سهلا ولكنه صعب إذا زخرا
إذا أتاه شكيّ القوم قابله / بكا لنسيم جرى في روضةٍ عطرا
ويهزم الجمع مجثّاً مكايده / بكا لعواصف هبّت تقلع الشجرا
لما رأى الوطن المحبوب محتملاً / من الأجانب ما قد عمّه ضررا
سعى لانقاذه بالرأي مجتهداً / بالعزم متشّحاً بالحزم مؤتزرا
كم بات سهران في تحقيق منيته / وفي الأمانيّ ما يستوجب السهرا
وكم سعى راجياً تخليص موطنه / والشعب كان لما يرجوه منتظرا
حتى إذا لم يجد للأمر متسعاً / ولم يجد عن بلوغ العزّ مصطبرا
أرمى مسدسه في صدره بيدٍ / لا تعرف الضعف في المرمى ولا الخورا
فيا لها رميةً حمراء داميةً / قد مات منها ولكن بعدها نشرا
قد كان يحيا حياةً غير خالدة / واليوم يحيا حياةً تملأ العصرا
لو نقتري صحف التأريخ نسألها / عمّن يساويه في الدهر الذي غبرا
لما رأينا كبيراً مات ميتته / ولا وجدنا وزيراً مثله انتحرا
ما كان أشرفها من ميتة تركت / في نفس كل فتىّ من غبطة أثرا
كنا نقاسي ضلالاً قبلها فإذا / بها الطريق إلى استقلالنا ظهرا
يا أهل لندن ما أرضت سياستكم / أهل العراقين لا بدواً ولا حضرا
إن انتدابكم في قلب موطننا / جرح نداويه لكن لم يزل غبرا
وللمشورة في أوطاننا شبحٌ / تخيف صورته الأشباح والصورا
يجول في طرقات البغي محتقباً / للغشّ خلف ستار النصح مستترا
لم يكفه أنه للحكم مغتصب / حتى غدا يقتل الآراء والفكرا
إذا رأى نهضة للمجد أقعدها / وإن رأى فتنة مشبوبةً نعرا
فكم ضغائن بين القوم أوجدها / وكم بذور من التفريق قد بذرا
في كل يوم لنا معكم معاهدة / نزداد منها على أوطاننا خطرا
جفّت بها سرحة استقلالنا عطشاً / حتى إذا ما مسنا عودها انكسرا
تقسو قلوبكم لمّا نفاوضكم / كأننا نحن منكم تنقر الحجرا
أما مواعيدكم فهي التي انكشفت / عن مين من مان أو عن غدر من غدرا
لا تفخروا أن كسرتم غرب شوكتنا / لا فخر للصقر في أن يقتل النغرا
لا تستهينوا بنا من ضعف قوتنا / فكم ذبابة غاب أزعجت نمرا
هذي البلاد اغرسوا فيها مودتّكم / ثم اقطفوا من جناها ودّنا ثمر
نكن لكم حلف صدق في سياستكم / نمشي إلى الموت من جرّائكم زمرا
لسنا بقوم إذا ما عاهدوا نكثوا / ولو جرى الدم حتى أشبه النهرا
ولا نحالف أحلافاً فنخذ لهم / ولو لبسنا المنايا دونهم ازرا
فنحن أوفى الورى بالعهد شنشنةً / ونحن أرفعهم في المكرمات ذرا
سعد وسعدون محمود مقامها / هذا بمصر وهذا ها هنا اشتهرا
كلاهما قد فدى بالنفس أمته / لكنّ سعدون لا سعداً قد انتحرا
فكان بينهما بون وإن غديا / في الشرق أعظم مذكورين ما ذكرا
فإن سعدون دانى الشمس منزلةً / وإن سعدا بمصر قارن القمرا
هذا هنا قد سعى للمجد مبتدراً / وذا هناك سعى للمجد مقتدرا
يا أهل مصر وأنتم مثلنا عرب / ما قلتم عندما اعلمتم الخبرا
إن كان قد أرخص الأموال سعدكم / فإن سعدوننا قد أرخص العمر
نَم أيها البطل الفادي بمهجته / أوطانه نومة تستيقظ العبرا
نم نومة تجعل التأريخ محتفياً / بها لنضهة أهل الشرق مدّكرا
فلْيعتبر بك هذا الشعب مفتدياً / إن كان شعبك بعد اليوم معتبرا
فسوف تحمدك الأوطان شاكرةً / وسوف يذكرك التأريخ مفتخرا
نم مستريحاً فإن الشعب مرتقب / ماذا ستفعله من بعدك الوزرا
أيتركون الذي قد كنت تطلبه / أم هم سيقضون من مطلوبك الوطرا
فالشعب منهم مريد ما أردت له / وليس يقبل عذراً ممّن اعتذرا
يا مَن له ميتة بكر معظّمة / لاغروَ أن قلت فيك الشعر مبتكراً
إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنّا
إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنّا / فما أدرك المغزى ولا فهم المعنى
وما الحزم إلا أن نرى الدهر هاجماً / فنبنيَ من تدبيرنا دونه حصنا
وما الدهر إلا مبهرِ في طباعه / يغرّر بالأقوام يفتنهم فَتنا
يروع بنيه صائلاً بنباته / فقد ضلّ مَن من دهره يطلب الأمنا
يذفّ عليهم بالظبي من خطوبه / فكم جدعت أنفاً وكم صلمت أذنا
وما شهبه إلا مخالب كيده / تمدّ بجوف الليل دامية حجنا
إذا ما تشممت الزمان وطبعه / تشمّمت من أعماق طينته نتنا
إليك فتى السعدون جئت مهنّئاً / بما نلته عند الإله من الحسنى
إذا ما دممنا الدهر يوماً وأهله / فإنك من تلك المذمّات مستثنى
أتى يومك الدامي بذكراك حافلا / فجدّد في كل البلاد لنا حزنا
ففي مثل هذا اليوم بتّ مضرّجاً / وبتنا نحاكي في مداعمنا المزنا
وفي مثل هذا اليوم في حفرة البلى / جعلنا بك الآمال مدفونة هنّا
عشيّةً أطلقت المسدّس ناره / على قلبك الخفّاق من يدك اليمنى
فللّه نار قد بردت بحرّها / وإن سال منها دمعنا بالجوي سخنا
لئن أفقدت بالموت قلبك نبضه / فكم أنبضت بالحزن أفئدةً منّا
وكم أنطقت دمع المحاجر بالأسى / على أنها بالهول أخرست اللسنا
فيا طلقةً ريع العراق بصوتها / فبانت به الآفاق عابسةً دكنا
وردّد مجرى الرافدين لصوتها / صدى الحزن من أقصى العراق إلى الأدنى
لقد جمع الأموال باسمك معشر / لتخليدهم ذكراك في معهد يبنى
وما علموا أن المباني كلّها / وإن قويت تفنى وذكرك لا يفنى
وأعظم تخليداً لذكراك منهم / فعائلك الغرّاء والخلق الأسنى
سعيت إلى استقلال قومك مخلطصاً / وما كنت في يوم على القوم ممتنّا
وقعت بأعباء السياسة ناهضاً / يهمّة لاوانٍ ولا ناكصٍ جبنا
وأبديت في تلك المواقف كلّها / أصالة رأيٍ قط لم يعرف الأفنا
فإن كنت لم تنجح فليس لعلّةٍ / سوى أن خصم القوم في كيده افتنّا
زكت لك نفس بين جنبيك حرّة / فلا أظهرت كبراً ولا أضمرت ضغنا
لنا المثل الأعلى بحلمك والنّدى / فكم بهما أثنى عليك الذي أثنى
فأحنف ربّ الحلم بالحلم فقته / وفي الجود قد فقت ابن زائدة معنا
ألست الذي قدم رام قتلك قاتل / فأطلقته عفواً وأوسعته مَنّا
سيبقى على الأيام ذكرك خالداً / به صحف التأريخ قاطبةً تعنى
فيا بطلاً بالنفس ضحّى وإنما / بذلك لاستقلالنا سنّةً سنّا
فعلّمنا أنّ التفادي واجب / على كل قوم حاولوا شرف المغنى
سنسعى إلى ما قد سعيت من العلا / بصادق عزم ينكر الضعف والوهنا
وإنا لقوم مستقلّون فطرةً / إذا أنكر استقلالنا منكر ثرنا
فلو جعلت تبراً سبيكاً بيوتنا / ولسنا بحكام أبينا بها السكنى
يهون علينا في السياسة أننا / نصلّب في الأعواد أو ندخل السجنا
ولسنا نبالي دون أحياء مجدنا / أعشنا على وجه البسيطة أم مُتنا
إذا أدرك المجد المؤثّل معشر / أُحاد فأنّا نحن ندركه مثنى
نفوساً ورثناها كباراً أبيةً / أبت في الدنى أن تحمل الضيم والغبنا
للجعفرين شهادة الأبرار
للجعفرين شهادة الأبرار / للعسكريّ وجعفر الطّيار
هذا قضى بيد اللئام مضرّجاً / بدم وذاك بأنصل الكفّار
هذا لموطنه وذاك لربّه / وقفا أجلّ مواقف الأبرار
وقفا بوجه الظلم وقفة وازعٍ / وكذا تكون مواقف الأحرار
للحقّ والشرف المخلّد في الدنى / قاما قيام المنجد المغيار
قضيا كيومهما علاً وبداعة / متجلّلَين بعزّة وفخار
زُقا إلى حور الجنان لأجل ذا / لبسا وشاحاً من دم موّار
لم يضحكا مستهزئين من الردى / إلاّ بثغر الصارم البتار
لله درّهما ودرّ رَداهما / بلغا الحياة به مدى الأعصار
يبكي العراق لفقد سائس حكمه / شجواً وقائد جيشه الجرّار
سل عن معاركه طرابلس التي / قد كان فيها شعلة من نار
وسل الشآم وما يليها كم بها / قد جال جولة فارسٍ مغوار
وسل العروبة عن مفناعيه لها / كم خففّت عنها من الأوزار
تلقاه في النادي بشوشاً ضاحكاً / وتراه يوم الروع كالتيّار
يزهو محّياه الوضيء كأنه / قمر يشع إليك بالأنوار
يبكي بكاء المتّقين تضرعاً / طوراً ويضحك ضحكة الفجار
وتراه يعمل في المقرّ معبساً / ويهشّ مبتسماً إلى الزّوار
وتراه بين مجالسيه ممازحاً / وتراه مصطخباً بيوم شجار
مثلَ الهزبر تراه يوم كريهة / وتراه يوم الأنس مثل هزار
هذا هو البطل الذي فجعت به / صيد البلاد وسادة الأمصار
جلّت مناقبهِ فسوف بذكرها / أبداً تسير جوائب الأخبار
لله يوم ما ذكرت قتيله / إلا بكيت بمقلة مدرار
ويح العراق فيوم مقتل جعفر / فجع العراق بعزّة الأخيار
قتلوه رمياً بالرصاص بصدره / فهوى لمصرعه بصدر نهار
ساموه خسفاً فاستجار بموته / كي لا تشان حياته بالعار
أنّي أفي ببكائه ورثائه / مهما نظمت قصائد الأشعار
فالشعر ليس يفي بذا ولو أنه / شعر الرضّي الفحل أو مهيار
مَن سامعٌ قصةً لي كنت شاهدها
مَن سامعٌ قصةً لي كنت شاهدها / على الربا الخضر من جنّات لبنان
فقد رأيت غلاماً صيغ منفرداً / بالحسن يصبو إليه كل إنسان
البدر يبدو حقيراً عند طلعته / والشمس تعنو لوجهٍ منه نوراني
في عينه حور في ثغره شنب / يفترّ عن عقد دّرٍ وسط مرجان
إذا رنا ناظراً يرنو بساحرة / أو انثنى ينثني عن عطف نشوان
عليه ثوب بديع النسج طرته / من صبغة المجد قد زينت بألوان
في جانب منه تلقى الدرّ منتظماً / والدرّ منتثراً في الجانب الثاني
وللعواطف في أثنائه صور / جادت بها ريشة في كفّ فنّان
تفاوح الطيب من أردانه عبقاً / كما تفاوح أزهار ببستان
تستخلص النفس من فحوى ملامحه / أن الغرام الذي يخفيه روحاني
يبكي وألحان موسيقاه مشجيةٌ / تهفو بأفئدة منّا وآذان
يبكي وأنغام موسيقاه مطربةٌ / نهتزّ منهنّ أرواح بأبدان
يبكي فيرفض عقد الدمع منتثراً / بغير وزن وأحيانا بميزان
لمّا أراني جلال الحسن ممتزجاً / بروعة الحزن أشجاني فأبكاني
فقمت بين إناس حوله وقفوا / مستعبرين وكلٌ نحوه ران
وكلّهم وقفوا مستسلمين إلى / تنهّدات وآهات وإرنان
حتى سألت عن الباكي وقصته / فقيل هذا هو الشعر ابن جبران
أبوه جبران أفناه الردى فغدا / من بعده رهن يتم حلف أشجان
فقلت لم يفنّ جبران بميتته / من خلّف ابناً كهذا ليس بالفاني
بل أصبحت بابنه ذكره خالدة / ما دام لبنان مأهولا بإنسان
إني أرى روح جبران مرفرفةً / على الربا الخضر من جنات لبنان
الشعر بعد مصابه بكبيره
الشعر بعد مصابه بكبيره / في مصر جلّ مصابه بأميره
بيناه يبكي حافظاً بشهيقه / إذ قام يبكي أحمداً بزفيره
لم يقض بعض حداده لنصيره / حتى أحدّ أسىً لفقد مجيره
ما إن خبت في الأفق شعلة ناره / حتى انطوت في الجوّ لمعة نوره
بالأمس ظلّ مرزأً بمبينه / واليوم بات مفجّعاً بمنيره
أخذت فرزدقه المنون وضاعفت / جلّى مصيبته بأخذ جريره
رزآن ملتهبان قد نضحتهما / عين العلا من دمعها بغزيره
فالشعر بعدهما استطال بكاؤه / وتموّجت بالحزن كل بحوره
وهزاره ترك الصداح وليثه / أمنت أعاديه سماع زئيره
يا نيّراً فجع القريض بموته / فبكته عين وزينة وكسيره
وخلت سماء الشعر بعد أفوله / من مشرقات شموشه وبدوره
ومؤمّراً لم تنتقض بوفاته / في الشعر بيعته على تأميره
إذ لن يقوم نظيره من بعده / هيهات أن تأتي الدنى بنظيره
لك في الخلود مكانة ما نالها / فرعون في ديماسه وحفيره
إن الدفين مضمّخاً بحنوطه / دون الدفين محنّطاً بشعوره
إن المتوّج فوق عرش ذكائه / يعلو المتوجّ فوق عرش سريره
ما مات من تركت لنا أقلامه / صوراً خوالد من بنات ضميره
صوراً تمثّل ذاته وصفاته / حتى يقمن لنا مقام نشوره
فكأنه وهو الدفين بقبره / حيّ يعيش بحزنه وسروره
وكأنه في القوم ساعة حفلهم / متكلّم بنظيمه ونثيره
لأبي علي من قريحة شعره / وحي أتى من جبرئيل شعوره
كم قد رمى الغيب الخفي فؤاده / بذكائه فأصاب كشف ستوره
وتصوّر المعنى الدقيق فردّه / كالصبح منفلقاً أوان ظهوره
يأتيك بالمعنى الجميل قد اكتسى / من وشي سندس لفظه وحريره
فالشعر قد دكّت جبال فنونه / إذ موت شوقي كان نفخة صوره
يا راجلاً ترك القوافي بعده / محتاجة المحيا إلى تفكيره
لهفي على ذيّالك القلم الذي / يتطرب الأرواح لحن صريره
الشعر كنت أميرة وسميرة / فمن المسامر بعد فقد سميرة
حّررته من رقّ كل تصنّعٍ / فبدت فنون الحسن في تحريره
سخّرت من أوتاره ما لم يكن / ليطيع غيرك قطّ في تسخيره
ولكم شدوت بنغمة من بمّه / ولكم صدحت بنغمة من زيره
تتمايل الأبدان في إنشاده / طرباً وليس يملّ في تكريره
يا أهل مصر عزاءكم فمصابكم / أمر قضاه الله في تقديره
الشعر قد ثلّت بمصر عروشه / بوفاة سيده وموت أميره
علمان من أعلامه كانا به / يتنازعان السبق في تحبيره
لكليهما الهرمان قد خشعا أسىً / والنيل مدّ أنينه بخريره
بكى الفضل لما أن قضى نحبه جبر
بكى الفضل لما أن قضى نحبه جبر / وليس لكسر الموت في طبّنا جبر
طوى الموت من جبر بن ضومط فاضلا / لغرّ المساعي كان في عيشه نشر
مضى بعدما أمضى حياةً سعيدة / تبسم فيها العلم والفضل والفخر
وخَلف آثاراً خوالد بعده / يطيب له مدّ الزمان بها ذكر
على اللغة الفصحى أياديه جمّةٌ / وآثاره في نشر آدابها غر
وما كان يبدي الرأي فيها مقِلّداً / ولكن له الإبداع والفكرة البكر
وما كان في استقرائه العلم جامداً / ولكنه في العلم كان له فكر
يشقّ حجاب المشكلات برأيه / كما شقّ بردّ الليل مذ طلع الفجر
ومن شك فلينظر بكلّ مدينة / تلاميذه من بعده فهم كثر
ليبصر منهم من حجاه مثقّفٌ / ومن لفظه درّ ومن علمه بحر
رزئناه في كلّية العلم هادياً / يضيء به للعلم في أفقها بدر
سيبكيه في كلية العلم منبر / ويرثيه من أبنائها النظم والنثر
فواجعنا في ذي الحياة كثيرةٌ / وأفجعها أن يفقد العالم الحبر
ألا إنما هذي الحياة رواية / يمثلها في كل يوم لنا الدهر
ولو لم تكن للفاجعات فصولها / ممثّلةً ما كان آخرَها القبر
بدا وجه العروبة في حلوك
بدا وجه العروبة في حلوك / غداة قضى الحسين أبو الملوك
قضى متنازلاً بعد اعتلاء / كذاك الشمس تجنح للدّلوك
قضى في المجد ليس بذي نظير / وفي العزمات ليس بذي شريك
مليك واصل الأقدام حتى / أتاه بهلكه يوم الهلوك
لقد سلك الطريق إلى المعالي / إلى أن مات محمود السلوك
وجدّد للعروبة غرس مجد / قديم كان كالعذق التريك
وأحدث نهضةً في العرب هزّت / جنوب الأرض كالريح السهوك
وأثبت بالسيوف لهم حقوقاً / مؤيّدةً بكل دم سيفك
ولكن غشّه الحلفاء حتّى / أتوه من الثعالب في مسوك
وخانوا لم يفوا بعد انتصار / بما كتبوه في بطن الصكوك
خطبنا ودّهم فتقبّلونا / بعاطفة كعاطفة الفروك
وكم وعدوا بني قحطان وعداً / به انقلب اليقين إلى شكوك
لقد ستروا شينع الغدر منهم / بثوب من سياستهم محوك
فساستهم إذا وقعوا بضنك / أرَونا الودّ في وجه ضحوك
وأبدوا في الرخاء لنا عبوساً / وهذا عدّ من شيم الهَلوك
ونحن العربَ نأبى غير عزٍ / وتطمح في الحياة إلى السموك
ويوم الرَوع ننتظم المنايا / ولم تكن السيوف سوى سلوك
ونمضع في اليهاج الموت دون ال / علا مضغ الأوانس للعلوك
وما عاب الفتى جسمٌ هزيل / إذا ما كان ذا شرفٍ وديك
وما الشرف الحميد سوى فَعال / حميدٍ من معادننا سبيك
قرينّ القبلتين عليك نبكي / وما بالدمع من طرف مسيك
فقدنا منك خير زعيم قوم / وخير نضيج تجربة حنيك
لقد ناح العراق عليك حزناً / وضجّ من الخليج إلى دهوك
وناح المسجد الأقصى جميعاً / إلى أرض الشآم إلى تبوك
لقد نُزَهت من غمز ولمز / كما نزّهت من شعر ركيك

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025