المجموع : 226
غَيري يَميلُ إِلى كَلامِ اللاحي
غَيري يَميلُ إِلى كَلامِ اللاحي / وَيَمُدُّ راحَتَهُ لِغَيرِ الراحِ
لا سِيَّما وَالغُصنُ يُزهِرُ زَهرَهُ / وَيَهُزُّ عِطفَ الشارِبِ المُرتاحِ
وَقَد اِستَطارَ القَلبَ ساجِعُ أَيكَةٍ / مِن كُلِّ ما أَشكوهُ لَيسَ بِصاحِ
قَد بانَ عَنهُ قَرينُهُ عَجَباً لَهُ / مِن جانِحٍ لِلهَجرِ حِلفِ جَناحِ
بَينَ الرِياضِ وَقَد غَدا في مَأَتَمٍ / وَتَخالُهُ قَد ظَلَّ في أَفراحِ
الغُصنُ يَمرَحُ تَحتَهُ وَالنَهرُ في / قَصفٍ تُدَرِّجُهُ يَدُ الأَرواحِ
وَكَأَنَّما الأَنشامُ فَوقَ جِنابِهِ / أَعلامُ خَزٍّ فَوقَ سُمرِ رِماحِ
لا غَروَ أَن قامَت عَلَيهِ أَسطُراً / لَمّا رَأَتهُ مُدَرَّعاً لِكِفاحِ
فَإِذا تَتابَعَ مَوجُهُ لِدِفاعِها / مالَت عَلَيهِ فَظَلَّ حِلفَ صِياحِ
فَلِأَيِّ وَقتٍ تُرفَعُ الكاساتُ قَد / آنَ اِطِّراحُ نَصيحَةِ النُصّاحِ
وَعَلى العَروسِ مِنَ الغُصونِ عَرائِسٌ / قَد وُشِّحَت مِن زَهرِها بِوِشاحِ
اِنهَض بِأَمرِكَ فَالهُدى مَقصودُ
اِنهَض بِأَمرِكَ فَالهُدى مَقصودُ / وَاِسعَد فَأَنتَ عَلى الأَنامِ سَعيدُ
وَالأَرضُ حَيثُ حَلَلتَ قُدسٌ كُلُّها / وَالدَهرُ أَجمَعُ في زَمانِكَ عيدُ
ماضي الزَمانِ عَلَيكَ يَحسِدُ حالَهُ / لا زالَ غَيظَ الحاسِدِ المَحسودُ
وَيَفوقُ وَقتٌ أَنتَ فيهِ غَيرَهُ / حَتّى اللَيالي سَيدٌ وَمَسودُ
تَصبو لَكَ الأَعيادُ حَتّى كادَ أَن / يَبدو لَها عَمَّن سِواكَ صُدودُ
وَتَكادُ تَسبُقُ قَبلَ وَقتِ حُلولِها / وَتَكادُ في أَثَرِ الرَحيلِ تَعودُ
أَيّامُ عَصرِكَ كُلَّها غُرَرٌ فَما / لِلعيدِ فيهِ عَلى سِواهُ مَزيدُ
ما كانَ يُعرَفُ مَوسِمٌ مِن غَيرِهِ / لَولا نِظامُ السُنَّةِ المَعهودُ
وَإِذا الجُمانُ غَدا حَصى أَرضٍ فَما / لِلدُرِّ فيهِ مَبسَمٌ مَحمودُ
أَكرَمتَ شَهرَكَ بِالصِيامِ فَبَيَّضَت / فيهِ صَحائِفَكَ اللَيالي السودُ
ما زالَ يُحيي لَيلَهُ وَفَقيرَهُ / جودٌ أَفَضتَ غَمامَهُ وَسُجودُ
وَالفِطرُ قَد وافاكَ يُعلِنُ بِالرِضى / فَالصَحوُ فيهِ تَبَسُّمٌ مَقصودُ
ما قَدَّمَ الأَنواءَ فيما قَبلَهُ / إِلّا لِكَي يَلقاكَ وَهُوَ جَديدُ
وَأَرى الغُيوثَ تُطيلُ عِندَكَ لِبثَها / لِتُبَينَ أَنَّكَ تِربُها المَودودُ
وَلَرُبَّما تَندى اِقتِصادَ مُخَفِّفٍ / فَتَرى غُلُوَّكَ بِالنَدى فَتَزيدُ
خَلَفَت نَداكَ فَأَكثَرَت في حَلفِها / وَلَقَد يَكونُ مِنَ الجَبانِ وَعيدُ
يَمنُ الوَزيرِ إِذا رَعَيتَ بِلادَهُ / وَلَقَد يَدِرُّ بِيُمنِهِ الجُلمودُ
فَمَتى يَكونُ الغَيثُ مِن أَكفائِهِ / وَالغَيثُ مِن حَسَناتِهِ مَعدودُ
ها سَبتَةٌ بِأَبي عَليٍّ جَنَّةٌ / وَالبَحرُ فيها كَوثَرٌ مَورودُ
فَزَمانُهُ فيها الرَبيعُ وَشَخصُهُ / فيها الأَمانُ وَظِلُّهُ التَمهيدُ
سَفَرَت بِهِ أَيّامُها واِستَضحَكَت / فَكَأَنَّهُنَّ مَباسِمٌ وَخُدودُ
قَد جَمَّعَت خِلَلَ الهُدى أَخلاقُهُ / جَمعاً عَلَيهِ يَنبَني التَوحيدُ
حَمَلَت سَرائِرُهُ ضَمائِرَ مُفرَدٍ / لِلصِدقِ وَهوَ عَلى الجَميعِ يَعودُ
سَهلُ الإِنالَةِ وَالإِبانَةِ غُصنُهُ / بَينَ السَماحَةِ وَالتُقى أُملودُ
حانَ عَلَينا شافِعٌ إِحسانَهُ / فينا فَمِنهُ العَطفُ وَالتَوكيدُ
هُمَمُ الخَلاصيّ المُبارَكِ أَنجُمٌ / آراؤه العُليا لَهُنَّ سُعودُ
فَالرَأيُ عَن إِسعادِهِ مُتَسَدِّدٌ / وَالثَغرُ عَن تَحصينِهِ مَسدودُ
يا مَن لآِمالِ العُفاةِ بِجودِهِ / أُنسٌ وَلِلأَشعارِ فيهِ شُرودُ
مِنكَ اِستَفَدتُ القَولَ فيكَ فَما عَسى / أُثني عَلى مَن بِالثَناءِ يَجودُ
فَمَتى حَمَلتُ لَكَ الثَناءَ فَإِنَّما / هُوَ لُؤلُؤٌ في بَحرِهِ مَردودُ
الهَديُ فيكَ سَجيَّةٌ مَفطورَةٌ / وَالنورُ طَبعاً في الضُحى مَوجودُ
المَلِكُ رَأسٌ أَنتَ مِغفَرُ رَأسِهِ / فيما يُباهي تاجُهُ المَعقودُ
أَنتَ الشَفيقُ عَلى الهُدى أَنتَ الَّذي / رَبَّيتَهُ في الغَربِ وَهوَ وَليدُ
فَإِذا اِستَدَلَّ عَلى الكَمالِ بِأَهلِهِ / فَلَأَنتَ بُرهانٌ وَهُم تَقليدُ
طَوَّقتَني طَوقَ الحَمامَةِ مُنعِماً / فَنِظامُ مَدحِكَ في فَمي تَغريدُ
فَاِهنَأ فَلَو أَنَّ الكَواكِبَ خُيّرَت / لَأَتَتكَ مِنها لِلثَناءِ وُفودُ
وَاِسلَم لِكَي تَبقى المَكارِمُ وَالعُلا / وَإِذا سَلِمتَ فَكُلُّ يَومٍ عيدُ
أُقَلِّدُ وَجدي فَليُبَرهِن مُفَنِّدي
أُقَلِّدُ وَجدي فَليُبَرهِن مُفَنِّدي / فَما أَضيَعَ البُرهانَ عِندَ المُقَلِّدِ
هَبوا نُصحَكُم شَمساً فَما عَينُ أَرمَدٍ / بِأَكرَهَ في مَرآهُ مِن عَينِ مُكمَدِ
غَزالٌ بَراهُ اللَهُ مِن مِسكَةٍ سَبى / بِها الحُسنُ مِنّا مُسكَةَ المُتَجَلِّدِ
وَأَلطَفَ فيها الصُّنعَ حَتّى أَعارَها / بَياضَ الضُحى في نِعمَةِ الغُصُنِ النَدي
وَأَبقى لِذاكَ المِسكِ في الخَدِّ نُقطَةً / عَلى أَصلِها في اللَونِ إيماءَ مُرشِدِ
وَإِنّي لِثَوبِ السُقمِ أَجدَرُ لابِسٍ / وَموسى لِثَوبِ الحُسنِ أَملَحُ مُرتَدِ
تَأَمَّل لَظى شَوقي وَموسى يَشُبُّهُ / تَجِد خَيرَ نارٍ عِندَها خَيرُ موقِدِ
دَعوهُ يُذِب نَفسي وَيَهجُر وَيَجتَهِد / تَرَوا كَيفَ يَعتَزُّ الجَمالُ وَيَعتَدي
إِذا ما رَنا شَزراً فَمِن لَحظِ أَحوَرٍ / وَإِن يَلوِ إِعراضاً فَصَفحَةُ أَغيَدِ
وَعَذَّبَ بالي نَعَّمَ اللَهُ بالَهُ / وَسَهَّدَني لا ذاقَ بَلوى التَسَهُّدِ
تَطلَّعَ وَاللاحي يَلومُ فَراعَني / وَكِدتُ وَقَد أَعذَرتُ يُسقَطُ في يَدي
وَنادَيتُ لا إِذ قالَ تَهوى وَإِنَّما / رَماني فَكانَت لا اِفتِتاحَ التَشَهُّدِ
وَيا طيبَ سُكرِ الحُبِّ لَولا جُنونُهُ / مَحا لَذَّةَ النَشوانِ سُخفُ المُعَربِدِ
شَكَوتُ مِزاجاً لِلطَبيبِ وَإِنَّما / طَبيبي سَقامٌ في لَواحِظِ مُبعِدي
فَقالَ عَلى التَأنيسِ طِبُّكَ حاضِرٌ / فَقُلتُ نَعَم لَو أَنَّهُ بَعضُ عُوَّدي
فَقالوا شَكا سوءَ المِزاجِ وَإِنَّما / بِهِ سوءُ بَختٍ في هَوى غَيرِ مُسعِدِ
بَكَيتُ فَقالَ الحُسنُ هَزلاً أَتَشتَري / بِماءِ جُفونٍ ماءَ ثَغرٍ مُنَضَّدِ
وَغَنَّيتُهُ شِعري بِهِ أَستَميلَهُ / فَأَبدى اِزدِراءً باِبنِ حُجرٍ وَمَعبَدِ
كَأَنّي بِصَرفِ البَينِ حانَ فَجادَ لي / بِأَحلى سَلامٍ مِنهُ أَفظَعُ مَشهَدِ
تَغَنَّمتُ مِنهُ السَيرَ خَلفي مُشَيِّعاً / فَأَنشَأتُ أَمشي مِثلَ مَشيِ المُقَيَّدِ
وَجاءَ لِتَوديعي فَقُلتُ اِتَّئِد فَقَد / مَشَت لَكَ نَفسي في الزَفيرِ المُصَعَّدِ
جَعَلتُ يَميني كَالنِطاق لِخَصرِهِ / وَصاغَت جُفوني حَليَ ذاكَ المُقَلَّدِ
وَجُدتُ بِذَوبِ التِبرِ فَوقَ مُوَرَّسٍ / وَضَنَّ بِذَوبِ الدُرِّ فَوقَ مُوَرَّدِ
وَمَسَّحَ أَجفاني بِطَرفِ بَنانِهِ / فَأَلَّفَ بَينَ المُزنِ وَالسَوسَنِ النَدي
أَيا عِلَّةَ العَقلِ الحَصيفِ وَصَبوَةَ ال / عَفيفِ وَغَبنَ الناسِكِ المُتَعَبِّدِ
رَعَيتُ لِحاظي في جَمالِكَ آمِناً / فَأَذهَلَني عَن مَصدَرٍ حُسنُ مَورِدِ
وَأَنَّ الهَوى في لَحظِ عَينِكَ كامِنٌ / كُمونَ المَنايا في الحُسامِ المُهَنَّدِ
أَظَلُّ وَيَومي فيكَ هَجرٌ وَوَحشَةٌ / وَيَومي بِحَمدِ اللَهِ أَحسَنُ مِن غَدي
وِصالُكَ أَشهى مِن مُعاوَدَةِ الصِبا / وَأَطيَبُ مِن عَيشِ الزَمانِ المُمَهَّدِ
عَلَيكَ فَطَمتُ العَينَ عَن لَذَّةِ الكَرى / وَأَخرَجتُ قَلبي طَيِّبَ النَفسِ عَن يَدي
أَما لَكَ لا تَرثي لِحالِهِ مُكمَدِ
أَما لَكَ لا تَرثي لِحالِهِ مُكمَدِ / فَيَنسَخَ هَجرَ اليَومَ وَصلُكَ في غَدِ
أَراكَ صَرَمتَ الحَبلَ دوني وَطالَما / أَقَمتُ بِذاكَ الحَبلِ مُستَمسَكَ اليَدِ
وَعَوَّضتَني بِالسُخطِ مِن حالَةِ الرِضا / وَمِن أُنسِ مَألوفٍ بِحالَةِ مُفرَدِ
وَما كُنتُم عَوَّدتُمُ الصَبَّ جَفوَةً / وَصَعبٌ عَلى الإِنسانِ ما لَم يُعَوَّدِ
طَوَيتُ شِغافَ القَلبِ موسى عَلى الأَسى / وَأَغرَيتَ بِالتِسكابِ جَفنَ المُسَهَّدِ
وَما أَنتَ إِلّا فِتنَةٌ تَغلِبُ الأُسى / وَتَفعَلُ بِالأَلحاظِ فِعلَ المُهَنَّدِ
وَتَوَّجَكَ الرَحمَنُ تاجَ مَلاحَةٍ / وَبَهجَةَ إِشراقٍ بِها الصُبحُ يَهتَدي
يَميلُ بِذاكَ القَدِّ غُصنُ شَبابِهِ / كَمَيلِ نَسيمِ الريحِ بِالغُصُنِ النَدي
وَيَهفو فَيَهفو القَلبُ عِندَ اِنعِطافِهِ / فَهَلّا رَأى في العَطفِ سُنَّةَ مُقتَدِ
أَبى اللَهُ إِلّا أَنَّ عِزَّ جَمالِهِ / يَسومُ بِهِ الأَحرارَ ذِلَّةَ أَعبُدِ
لَهُ الطَولُ إِن أَدنى وَلا لَومَ إِن جَفا / عَلى كُلِّ حالٍ فَهُوَ غَيرُ مُفَنَّدِ
أَقولُ لَهُ وَالبَينُ زُمَّت رِكابُهُ / وَقَد راعَ روعي صَوتُ حادٍ مُغَرِّدِ
دَنا عَنكَ تَرحالي وَلا لِيَ حيلَةٌ / إِذا حيلَ بَينَ الزادِ وَالمُتَزَوِّدِ
وَإِنّي وَإِن لَم يَبقَ لي دونَكُم سِوى / حَديثِ الأَماني مَوعِداً بَعدَ مَوعِدِ
لَأَصبِرُ طَوعاً وَاِحتِمالاً فَرُبَّما / صُروفُ اللَيالي مُسعِداتٌ بِأَسعُدِ
وَأَبعَثُ أَنفاسي إِذا هَبَّت الصَبا / تَروحُ بِتَسليمي عَلَيكَ وَتَغتَدي
أَصيخوا فَمِن طورِ الهُدى اِنبَعَثَ النَدا
أَصيخوا فَمِن طورِ الهُدى اِنبَعَثَ النَدا / وَشيموا فَإِنَّ النورَ في الشَرقِ قَد بَدا
هُوَ الفَتحُ قَد فاجا فَأَحيا كَأَنَّما / هُوَ القَطرُ لَم يَضرِب مَعَ الأَرضِ مَوعِدا
أَتى اليُسرُ يَسعى في طَريقٍ خَفِيَّةٍ / كَما طَرَقَ الإِغفاءُ جِفناً مُسَهَّدا
كَتَمتُ بِها هَديَ الإِمارَةِ مِدَةٍ / فَعالَ كَمّي يَذخُرُ السَيفَ مُغمَدا
وَلَمّا اِنتَضاهُ أَدرَكَ النَصرَ مُنتَهىً / بِحَدَّيهِ لَمّا اِستَقبَلَ الحَزمَ مُبتَدا
لَقَد نَسَقَت يُسرَينِ في العُسرِ بَيعَةٌ / حَوَت إِمرَةً عُليا وَعَهداً مُجَدَّدا
فَذي تَنشُرُ الرائين شَمساً مُنيرَةً / وَذا يَكنُفُ الآوينَ ظِلّاً مُمَدَّدا
وَذي مَعقِلٌ نائي الذُرى لِمَن اِنطَوى / وَذا مَرتَعٌ داني الجَنى لِمَن اِجتَدى
فَقَد طَلَعَ البَدرانِ بِالسَعدِ وَالسَنا / وَقَد مُزِجَ البَحرانِ بِالبَأسِ وَالنَدى
فَيا أَهلَ حِمصٍ أَيقِظوا مِن رجائِكُم / فَقَد جاءَ أَمرٌ لَيسَ يَترُكُكُم سُدى
وَقَد بَلَغَت شَكوى الجَزيرَةِ مُشفِقاً / وَوافى صُراخُ الحَيِّ شَيحانَ مُنجِدا
وَنيطت أَماني أَهلِ دينِ مُحَمَّدٍ / بِذي سِيَرٍ تُرضي النَبيَّ مُحَمَّدا
حَباكُم أَميرُ الهَديِ مِن أَهلِ بَيتِهِ / بِأَدناهُمُ قُربى وَأَبعَدِهِم مَدى
بِأَروَعَ حَلَّ البَدرُ مِنهُ مَفارِقاً / وَنَسجُ القَوافي مِعطَفاً وَالنَدى يَدا
فَأَرعِ بِهِ عَينَيكَ طَلعَةَ ماجِدٍ / تَخَتَّمَ بِالعَلياءِ وَاِعتَمَّ وَاِرتَدى
سَما حَيثُ لَم يُلحَق فَلَولا اِنفِرادُهُ / هُنالِكَ مِن تِربٍ لَخِلناهُ فَرقَدا
وَما ضَرَّ أَن غابَ الأَميرُ وَخَصَّكُم / بِتابِعِهِ قَولاً وَفِعلاً وَمَحتِدا
تَلُفُّهُما في العُنصُرِ الحُرِّ نِسبَةٌ / كَما قُبِسَ المِصباحُ أَو قُسِمَ الرِدا
وَما بَعُدَت شَمسُ الضُحى في مَحَلِّها / وَقَد أَلحَفَتكُم نورَها مُتَوَقِّدا
إِذا المُزنُ أَهدى الأَرضَ صَفوَ قِطارِهِ / فَقَد زارَ بِالمَعنى وَأَخفى التَمَهُدا
أَبا فارِسٍ حَسبُ الأَماني أَنَّها / نُجومٌ تَلَقَّت مِن قُدومِكَ أَسعُدا
طَلَعتَ فَأَبهَجتَ المَنابِرَ بِالَّتي / بَنَت فَوقَها أَعلى وَأَبقى وَأَرشُدا
فَلَو أَنَّ عوداً مادَ في غَيرِ مَنبَتٍ / لَأَبصَرتَها مِن شِدَّةِ الزَهوِ مُيَّدا
لَكَ الحُكمُ في دينِ الصَليبِ وَأَهلِهِ / تُسالِمُ مُمتَنّاً وَتَغدو مُؤَيَّدا
إِلَيكَ حَدا الإِسلامُ رَأياً وَرايَةً / فَأَوسِعهُما عَنهُ سَداداً وَسُؤدُدا
وَإِنّا لَنَرجو مِن مَضائِكَ هَبَّةً / تُعيدُ عَلى الدينِ الشَبابَ المُجَدَّدا
فَقَد أَنشَأَتكَ الحَربُ في حُجراتِها / كَما تَطبَعُ النارَ الحُسامَ المُهَنَّدا
أَلِفتَ مِنَ الأَعلامِ وَالدَمِ وَالظُبى / تَصِلُّ أَغاريداً وَظِلّاً وَمَورِدا
تَرى السَيفَ يَدمى وَالقَناةَ كَأَنَّما / تَرى مِعطَفاً لَدناً وَخَدّاً موَرِّدا
فَكَم مِن ضَجيعٍ رائِقٍ بِحَشيَّةٍ / تَعَوَضتَ مِنها أَجراداً وَمُجَرَّدا
تَهَشُّ إِلى الأَقرانِ حَتّى كَأَنَّما / تُلاقي لَدى الرَوعِ الحَبائِبَ لا العِدا
يَميناً لَأَنتَ اللَيثُ لَولا حَزامَةٌ / تُرينا بِعِطفِكَ الدَلاصَ المُسَرَّدا
سَرَيتَ مَسيرَ الصُبحِ لا يَعرِفُ الوَنى / وَلا يُنكِرُ الصيقَينِ بَحراً وَفَرقَدا
فَهَل خِلتَ غُبرَ البيدِ رَوضاً مُنَوَّراً / وَهَل خِلتَ لُجَّ اليَمِّ صَرحاً مُمَرَّدا
غَدا مِنكَ هَذا البَحرُ لِلناسِ ساحِلاً / أَصابَت بِهِ الغَرقى مَلاذاً مِنَ الرَدى
أَتى بِكَ أَفشى مِنهُ صيتاً وَهَيبَةً / وَأَغرَبَ أَنباءً وَأَندى وَأَجوَدا
أَما إِنَّ هَذا البَحرَ أَهداكَ حُجَّةً / لِمَن قالَ إِنَّ الغَيثَ مِنهُ تَوَلَّدا
أَآلَ أَبي حَفصٍ خُذوها بِقوَّةٍ / وَحُلّوا لَها في ساحَةِ الصِدقِ مَقعَدا
فَأَنتُم أُولوها ما لَكُم مِن مُنازِعٍ / وَإِن أَنكَرَت شَمسَ الضُحى عَينُ أَرمَدا
هَبوا غَيرَكُم نالَ الإِيالَةَ قَبلَكُم / وَأَصدَرَ فيها مُستَبِدّاً وَأَورَدا
كَذاكَ يَسوسُ البيضَ قَينٌ وَصَيقَلٌ / وَما فَخرَها إِلّا لِمَن قَد تَقَلَّدا
إِذا ما اِقتَدى الأَعلى بِمَن هُوَ دونَهُ / فُغَرُّ الغَوادي وَالدَراري لَكُم فِدا
وَإِن ضَحِكَت سِنُّ الهُدى عَن إِمارَةٍ / فَعَنكُم وَعَن أَيّامُكُم يَضحَكُ الهُدى
وَدونَكَ مِن دُرِّ الثَناءِ مُنَظَّماً / بِحَيثُ غَدا دُرُّ الهِباتِ مُبَدَّدا
قَوافٍ لَكَ اِنساغَت وَفيكَ تَيَسَّرَت / شِياعاً فَأَضحَت في ثَنائِكَ شُرَّدا
فَأَصبَحَ سُؤَلي مِن سَماحِكَ مُتهِماً / وَأَصبَحَ شِعري في مَعاليكَ مُنجِدا
أَحلى مِن الأَمنِ لا يَأوي لِذي كَمَدِ
أَحلى مِن الأَمنِ لا يَأوي لِذي كَمَدِ / فيهِ اِنتَهى الحُسنُ مَجموعاً وَمِنهُ بُدي
لَم تَدرِ أَلحاظُهُ كُحلاً سِوى كَحَلٍ / فيها وَلا جيدُهُ حَلياً سِوى الغَيَدِ
حَسِبتُ ريقَتَهُ مِن ذَوبِ مَبسِمِهِ / لَو أَنَّ صِرفَ عُقارٍ ذابَ مِن بَرَدِ
لَو قيلَ وَالنَفسُ رَهنُ المَوتِ مِن ظَمَءِ / موسى أَو البارِدُ السَلسالُ لَم أَرِدِ
موسى تَصَدَّق عَلى مِسكينِ حُبِّكَ لا / تَرُدَّ كَفّي فَكَم باتَت عَلى كَبِدي
لا تُقذِ بِالنَأيِ وَالإِعراضِ عَينَ شَجٍ / أَذاقَها فيكَ طَعمَ الدَمعِ وَالسُهُدِ
زُرني فَلَو كُنتَ تَسخو بِالوِصالِ لَما / ساغَ العِناقَ لَما أَبقَيتَ مِن جَسَدي
قَد كُنتُ مَوثِقَ عَقدِ الحِلمِ مُذ زَمَنٍ / فَحَلَّهُ لَحظُكَ النَفّاثُ في العُقَدِ
هُوَ البَينُ حَتّى لَم تَزِدكَ النَوى بُعدا
هُوَ البَينُ حَتّى لَم تَزِدكَ النَوى بُعدا / تَرَحَّلَ قَبلَ البَينِ لا شَكَّ مَن صَدّا
أَيا فِتنَةً في صورَةِ الإِنسِ صوِّرَت / وَيا مُفرَداً في الحُسنِ غادَرتَني فَردا
جَبينٌ وَأَلحاظٌ وَجيدٌ لِحُسنِها / أَضاعَ الأَنامُ التاجَ وَالكُحلَ وَالعِقَدا
وَكَم سُئِلَ المِسواكُ عَن ذَلِكَ مَلولٍ / فَأَخبَرَ أَنَّ الريقَ قَد عَطَّلَ الشَهدا
أَلا لَيتَ شِعري وَالأَماني كَثيرَةٌ / وَأَكذَبُها في الوَعدِ أَعذَبُها وِردا
أَتَأنَسُ عَيني بِالكَرى بَعدَ نَفرَةٍ / وَيَكحَلُ ميلُ الوَصلِ مُقلَتي الرَمدا
وَتَخدِشُ في وَجهِ الصُدودِ بِزَورَةٍ / يُصَيِّرُ فيها الشَوقُ حُرَّ المُنى عَبدا
عَجائِبُ لَم تُدرَك فَعَنقاءُ مُغرِبٌ / وَإِقبالُ موسى أَو زَمانُ الصِبا رُدّا
أَعِد خَبَرَ التَلاقي عَن مَلولٍ
أَعِد خَبَرَ التَلاقي عَن مَلولٍ / كَأَنّي عِندَهُ خَبَرٌ مُعادُ
وَطارِحني الشُجونَ عَلى حِذارٍ / فَبي حُرَقٌ يَذوبُ لَها الجَمادُ
فَأَمّا مُقلَتي وَاللَحظُ حَتفٌ / فَمُذ عَرَفَتكَ أَنكَرَها الرُقادُ
يَسوغُ وَيَلتَعي حُسنٌ وَذَنبٌ / وَلَيسَ يَسوغُ حُبٌّ وَاِنتِقادُ
أَلَيسَ مِنَ العَجائِبِ حالُ صَبٍّ / لَهُ شَغفٌ وَلَيسَ لَهُ فُؤادُ
يُمَثِّلُ لي نَهجَ الصِراطِ بِوَعدِهِ
يُمَثِّلُ لي نَهجَ الصِراطِ بِوَعدِهِ / رَشاً جَنَةُ الفِردَوسِ في طَيِّ بُردِهِ
تَغَصُّ بِمَرآهُ النُجومُ وَرُبَما / تَموتُ غُصونُ الرَوضِ غَمّاً بِقَدِّهِ
عَلِقتُ بِبَدرِ السَعدِ أَو نِلتُ ذا الَّذي / تُؤَمِّلُ مِنهُ مُهجَتي بَعضَ سَعدِهِ
حَكى لَحظُهُ في السُقمِ وَاِغتَدى / لَنا ثالِثاً في ذاكَ ميثاقُ عَهدِهِ
وَأَركَبني طِرفَ الهَوى غُنجُ طَرفِهِ / وَأَشرَقَني بِالدَمعِ إِشراقُ خَدِّهِ
وَأَغرى فُؤادي بِالأَسى رَيضُ آسِهِ / وَأَورَدَني ماءَ الرَدى غَضُّ وَردِهِ
يُعارِضُ قَلبي بِالخُفوقِ وِشاحُهُ / وَيَحكي اِمتِدادَ زَفرَتي لَيلُ صَدِّهِ
وَما المِسكُ خالٍ مِن هَوى خالِهِ وَإِن / غَدا المِسكُ مِنهُ مُستَهاماً بِندِّهِ
فَما وَجدُ أَعرابِيَّةٍ بانَ دارُها / فَحَنَّت إِلى بانِ الحِجازِ وَرَندِهِ
إِذا آنَسَت رَكباً تَكَفَّلَ شَوقُها / بِنارِ قِراهُ وَالدُموعُ بِوِردِهِ
وَإِن أُقِدَ المِصباحُ ظَنَّتهُ بارِقاً / يُحَيّي فَهَشَّت لِلسَلامِ وَرَدِّهِ
بِأَعظَمَ مِن وَجدي بِموسى وَإِنَّما / يَرى أَنَّني أَذنَبتُ ذَنباً بِوُدِّهِ
أَنا السائِلُ المِسكينُ قَد جاءَ يَبتَغي / جَواباً وَلَو كانَ الجَوابُ بِرَدِّهِ
مُحِبٌّ يَرى في المَوتِ أُمنِيَّةً عَسى / تَخِفُّ عَلى موسى زِيارَةُ لَحدِهِ
وَأَلمى بِقَلبي مِنهُ جَمرٌ مُؤَجَّجٌ
وَأَلمى بِقَلبي مِنهُ جَمرٌ مُؤَجَّجٌ / أَراهُ عَلى خَدَّيهِ يَندى وَيَبرُدُ
يُسائِلُني مِن أَيِّ دِينٍ مُداعِباً / وَشَملُ اِعتِقادي في هَواهُ مُبَدَّدُ
فُؤادي حَنيفيٌّ وَلَكِنَّ مُقلَتي / مَجوسِيَّةٌ مِن خَدِّهِ النارَ تَعبُدُ
أَبا مُحَمَّدٍ اِعذِرني فَحُبُّكَ قَد
أَبا مُحَمَّدٍ اِعذِرني فَحُبُّكَ قَد / جَرى بِنَفسيَ جَريَ الماءِ في العودِ
وَقَد تَقَلَّدتَ مِن حَليِ الفَضائِلِ ما / أَلقى لَكَ الناسُ فيهِ بِالمَقاليدِ
ذَخَرتُ دَمعي لِأَبكي المَكرُماتِ بِهِ / فَلَستُ أَبذُلُهُ حُزناً لِمَلحودِ
إِن كانَ مَدحٌ فَمَدحي لِلقَناعَةِ أَو / رَثَيتُ مَيتاً فَما أَرثي سِوى الجودِ
تَسَلَّيتُ عَن موسى بِحُبِّ مُحَمَّدٍ
تَسَلَّيتُ عَن موسى بِحُبِّ مُحَمَّدٍ / هُديتُ وَلَولا اللَهُ ما كُنتُ أَهتَدي
وَما عَن قِلىً قَد كانَ ذاكَ وَإِنَّما / شَريعَةُ موسى عُطِّلَت بِمُحَمَّدِ
لَقَد كُنتُ أَرجو أَن تَكونَ مُواصِلي
لَقَد كُنتُ أَرجو أَن تَكونَ مُواصِلي / فَأَسقَيتَني بِالبُعدِ فاتِحَةَ الرَعدِ
فَبِاللَهِ بَرِّد ما بِقَلبي مِن الجَوى / بِفاتِحَةِ الأَعرافِ مِن ريقِكَ الشَهدِ
كَأَنَّ الخالَ في وَجَناتِ موسى
كَأَنَّ الخالَ في وَجَناتِ موسى / سَوادُ العَتبِ في نورِ الوِدادِ
وَخَطَّ بِصَدغِهِ لِلحُسنِ واواً / فَنَقَّطَ خَدَّهُ بَعضُ المِدادِ
لَواحِظُهُ مُحَيَّرَةٌ وَلَكِن / بِها اِهتَدَتِ الشُجونُ إِلى فُؤادي
كَيفَ خَلاصُ القَلبِ مِن شاعِرٍ
كَيفَ خَلاصُ القَلبِ مِن شاعِرٍ / رَقَّت مَعانيهِ عَن النَقدِ
يَصغُرُ نَثرُ الدُرِّ مِن نَثرِهِ / وَنَظمُهُ جَلَّ عَنِ العِقدِ
وَشِعرُهُ الطائِلُ في حُسنِهِ / طالَ عَلى النابِغَةِ الجَعدي
جاءَ الرَبيعُ بِبيضِهِ وَبِسودِهِ
جاءَ الرَبيعُ بِبيضِهِ وَبِسودِهِ / صِنفانِ مِن ساداتِهِ وَعَبيدِهِ
جَيشٌ ذَوابِلُهُ الغُصونُ وَفَوقَها / أَوراقُها مَنشورَةً كَبُنودِهِ
لَمِن خافِقاتٌ قَد تَعَوَّدَتِ النَصرا
لَمِن خافِقاتٌ قَد تَعَوَّدَتِ النَصرا / هَوافٍ بِها الإِسلامُ وَالمُلكُ قَد قَرّا
يُريها الهُدى بيضاً لِمُستَرشِدٍ بِها / وَإِن كانَ يُبديها نَجيعُ العِدى حُمرا
لَئِن لَقَّبوها بِالعُقابِ فَإِنَّها / قَد اِتَّخَذَت قَلبَ العَدوِّ لَها وَكرا
لَقَد فَتَكَ الأُسطولُ في الشَرِّ فَتكَةً / غَدا غِبُّها حُلواً وَمَشهَدُها مُرّا
أَتَتكَ بِفَتحٍ أَورَدَ المُلكَ عَذبَهُ / وَأَهدَت بِهِ الحَربُ العَوانُ يَداً بِكرا
حَكَت في بَديعِ الشَكلِ عَنقاءَ مُغرِباً / وَسَمّيتِ الغُربانَ إِذ نَعَت النُكُرا
جَرى اِبنُ خَلاصَ وَالأَنامَ إِلى مَدىً / فَقامَ جَميعاً بِالَّذي فاتَهُم طُرّا
وَكَم ديمَةٍ جادَت فَأَروَت صَدى الثَرى / وَلَم يَروَ ظامٍ يَقصُدُ اللُجَجَ الخُضرا
فَشا خَوفُهُ في الرومِ حَتّى حُسامُهُ / لَهُم صَنَمٌ سَنّوا السُجودَ لَهُ جَهرا
وَأَحسَبُهُم قَد ثَلَّثوهُ فَإِنَّهُم / يَرَونَ عَلَيهِ النورَ وَالمارَ الماءَ وَالجَمرا
لَقَد عاقَهُم عَن كُلِّ وَجهٍ وَمَذهَبٍ / فَأَمسَوا وَهُم سُكّانُ أَوطانِهِم أَسرى
غَذا حَيوانَ البَرِّ وَالبَحرِ سَيفُهُ / فَلَو نَطَقَت قامَت تُقَرِّظُهُ جَهرا
بِمَلحَمَةٍ في البَحرِ تُشبِعُ حوتَهُ / وَفي البَرِّ أُخرى تُشبِعُ الذيبَ وَالنَسرا
جَوارٍ إِذا المَوجُ الخِضَمُّ اِزدَهى بِها / تَخَيَّلتَها الكُثبانَ حامِلَةً زَهرا
مَساعٍ ثَنَت شاكي السِماكينِ أَعزَلا / جَباناً بِها النَصرا
وَمَرقىً سَما عِندَ السُها وَمَسالِكٌ / إِلى المَجدِ لَم تُشرَع فَمَذهَبُها الشِعرى
بَصيرٌ بِطُرقِ البَأسِ وَالجودِ لَم تزَل / وَقائِعُهُ جَهراً وَمَعروفُهُ سِرّا
لَهُ سِيَرٌ أَذكَرنَنا عُمَراً إِلى / مَواقِفَ في الهَيجاءِ أَنسَينَنا عَمرا
رَبيعَ النَدى نورَ الهِدايَةِ لَم يَزَل / فَيَنصُرُ مُقتَرّاً وَيُطعِمُ مُعتَرّا
إِذا ما اِحتَبى في القَومِ أَو خَطَرَ اِقتَدى / بِحِكمَتِهِ لُقمانُ أَو عَزَهُ كِسرى
يَقودُ عَصِيّاتِ القُلوبِ بَيانُهُ / فَلَولا تُقاهُ كُنتُ أَحسَبُهُ سِحرا
مَحِيّاً ضِياءُ الشَمسِ فيهِ ذُبالَةٌ / وَكَفٌّ يَمينُ الغادِياتِ لَها يُسرى
وَلَو أَنَّ عِندَ الزُهرِ بَعضَ خِلالِهِ / لَما كانَ رَأيُ العَينِ يَستَصغِرُ الزُهرا
لَئِن جاءَ في أُخرى الزَمانِ زَمانُهُ / فَإِنَّ ذُبابَ السَيفِ أَشرَفُهُ قَدرا
أَتى بَعدَهُم أَعلى وَأَنجَدَ مِنهُمُ / كَما شُفَعُ الأَعدادِ في الرُتبَةِ الصُغرى
حَكى يوسُفاً في العَدلِ وَالصِدقِ واِغتَدَت / عَطاياهُ نيلاً وَاِغتَدَت سَبتَةٌ مِصرا
وَكانَت ثُغورُ الغَربِ تَبكي أَسىً فَقَد / غَدا كُلُّ ثَغرٍ ما عَدا سَبتَةً ثَغرا
تَدومُ عَطاياهُ وَيُحمَدُ غِبُّها / وَصَوبُ الحَيا إِن دامَ إِلمامُهُ ضَرّا
وَما في أَياديهِ الكَريمَةِ مَطعَنٌ / تُعابُ بِهِ إِلّا تَعَبُّدُهُ الحُرّا
مَلَأتُ يَدي مِنهُ وَمِن نَجلِهِ الرِضى / وَمَن رُزِقَ اليُسرَينِ لَم يَرهَبِ العُسرا
وَأَنَّسَ مِن وَحشِ المُنى جودُ كَفِّهِ / وَأَلبَسَ أَعطافي بِرودَ المُنى خُضرا
أَلا واِلبِس النُعمى /
أَبو القاسِم المَعيِي الكِرامَ بِغايَةٍ / مِنَ السَبقِ فيها يَحسُدُ القَرَّحَ المُهرا
إِذا نالَ بِالأَهلِ القَضاعيُّ خُلَّةً / مِنَ الفَضلِ زادَتهُ سَجِيَّتُهُ عَشرا
خَلَعتَ عَلى عِطفَيهِ مَجدَكَ فَاِرتَدى / كَذا الأَصلُ يَكسو فَرعَهُ الوَرَقَ النَضرا
تَحَلّى المَعالي في صِباهُ وَإِنَّما / يُرى الحِليُ مِن بَينِ الأَنامِلِ في الصُغرى
وَتَمَّ ثَناءً في الشَبابِ وَهَكَذا / تَرى الرَوضَ في أَسحارِهِ يَبعَثُ النَشرا
أَتاكَ وَقَد أَضحى مِنَ الخَشيِ قَلبُهُ / وَلا أَضلُعٌ تَحويهِ إِلّا القَنا السُمرا
بِحَيثُ بَدَت عوجُ القِسيِّ أَهِلَّةً / وَقَد أَحدَقَت مِن وَجهِهِ قَمَراً بَدرا
لَعَمري لَقَد حاطَ البِلادَ مَسيرُهُ / وَأَوسَعَها حُسناً بِأَوبَتِهِ الغَرّا
هُوَ الكَوكَبُ الدُرِّيُّ يَحرِسُ أُفقَهُ / إِذا اِنقَضَّ أَو يَكسوهُ نوراً إِذا قَرّا
بِطَنجَةَ لَمّا سارَ يَتبَعُهُ الرِضى / وَسِبتَةَ لَمّا زارَ تَقدُمُهُ البُشرى
كَما اِختَرَقَ الغَيثُ البِلادَ مُحَبَّباً / تَهُشُّ لَهُ أَرضٌ وَتَشكُرُهُ أُخرى
أَلا هَكَذا فَليَسعَ لِلمَجدِ مَن سَعى / وَيَجري لِآمادِ المَكارِمِ مَن أَجرى
وَدونَكَ أَبكارَ القَوافي وَإِن بَدا / عَلَيها حَياءٌ فَهُوَ مِن شِيَمِ العَذرا
مُنَضَّرَةً بيضَ الوُجوهِ تَخالُها / عَلى صَفحَةِ الطَرسِ الدَراريَّ وَالدُرّا
بَنو العَبدِ رَقٌّ مِثلُهُ وَخَواطِري / عَبيدُكَ لَكِن تُنتِجُ الكَلِمَ الحُرّا
أَمِنتُ بِكَ الأَيامَ بَل خِفتُها فَقَد / أَفَدتُ غِنىً أَخشى عَلى مِثلِهِ الدَهرا
هاتِها كَالمَنارِ لاحَ النَهارُ
هاتِها كَالمَنارِ لاحَ النَهارُ / وَبَكَت مَصرَعَ الدُجى الأَطيارُ
وَكَأَنَّ الرِياضَ تُجلى عَروساً / وَعَلَيها مِنَ النَباتِ نِثارُ
وَالطِلا وَالحُبابُ وَالرَوضَةُ الغَ / نّاءُ خَدٌّ وَمَبسَمٌ وَعِذارُ
أَكؤُساً ما أَرى بِأَيدي سُقاةٍ / أَم نُجوماً تَسعى بِها أَقمارُ
وَكَأَنَّ الإِبريقَ جيدُ غَزالٍ / دَمُ ذاكَ الغَزالِ فيهِ العُقارُ
قَهوَةٌ إِن جَرى النَسيمُ عَلَيها / كادَ يَعلوهُ مِن سَناها اِحمِرارُ
نالَ مِنها الضَنى وِلايَةَ سِكرٍ / فَلِهَذا يُعزى إِلَيها العِثارُ
حَثَّها مِن كُؤوسِهِ رانِياتٍ / عَن فُتورٍ في لَحظِهِ خُمّارُ
فِتنَةٌ في العُيونِ تُدعى بِغُنجٍ / حَيرَةٌ لِلنُهى وَقيلَ اِحوِرارُ
كَيمينِ اِبنِ خالِدٍ حينَ تُدعى / راحَةً وَهيَ ديمَةٌ مِدرارُ
لَستُ أَدري يُسرينِ لِلعُسرِ إلّا / راحَتَيهِ إِذا اِعتَرى الإِقتارُ
بِدَرُ المالِ كَالبُدورِ وَلَكِن / نالَها مِن نَدى يَدَيهِ السِرارُ
جودُهُ لُجَّةٌ لَآلِئُها المَد / حُ وَرَوضٌ طُيورُهُ الأَشعارُ
وَلِذاكَ الثَناءُ فيهِ اِنتِظامٌ / وَلِذاكَ العَطاءُ فيهِ اِنتِثارُ
يَسكُبُ الجودَ عِندَ نَغمَةِ عافٍ / كَالرَحيقِ عَلى الغِناءِ يُدارُ
رَجِّهِ فَالمُنى طِوالٌ لِراجي / هِ وَأَيدي الخُطوبِ عَنهُ قِصارُ
تَستَمِدُّ السَحابُ بِالبَحرِ لَكِن / بِعَطاياهُ تَستَمِدُّ البِحارُ
ماجِدٌ حازَ في المَعالي اِحتِفالاً / هُوَ في طُرُقِهِ إِلَيها اِختِصارُ
عودُهُ في الأَصحابِ عودٌ نُضارٍ / وَسَجاياهُ إِن سَمَحنَ قِطارُ
شِيَمٌ قَد تُخُيِّرَت فَلَها مِن / كُلِّ ما يَنتَمي إِلَيها الخِيارُ
هِيَ في المِسكِ نَفحَةٌ وَمِنَ العُم / رِ شَبابٌ وَفي الحُسامِ غِرارُ
جاءَنا آخِرَ الزَمانِ كَما تَع / بَقُ عِندَ الأَصائِلِ الأَزهارُ
وَذُبابُ الهِندِيِّ أَشرَفُهُ لَي / سَ عَلَيهِ مِنَ التَأَخُّرِ عارُ
حَسُنَت ذاتُهُ وَلَم تَخشَ ذاماً / فَهيَ كَالنورِ لَم يُخالِطهُ نارُ
أَحمَدَت خَلقَهُ بَديّاً وَعَوداً / فَهيَ كَالخَمرِ لَم يَشِنها الخِمارُ
هُوَ ظِلٌّ فَإِن دَجا وَجهُ خَطبٍ / عادَ شَمساً بِضَوئِها يُستَنارُ
بَطشُهُ في سَنا البَوارِقِ خَطفٌ / وَتَأَنّيهِ في الجِبالِ وَقارُ
هَيبَةٌ لَو لَم يَغتَدِ بِسِواها / لَعَنَت دونَها القَنا الخَطّارُ
وَقَبولٌ لَو لَم يَفُز ما سِواهُ / لَتَفَشَّت بِهِ الأَماني الحَرارُ
طَبَّقَ الأَرضَ ذِكرُهُ فَلَهُ في / كُلِّ أُفقٍ مَعَ الهَواءِ اِنتِشارُ
وَمَعَ الشَمسِ أَينَ لاحَت شُروقٌ / وَمَعَ الريحِ حَيثُ طارَت مَطارُ
لَقَبُ المَجدِ فيهِ حَقٌّ وَلَكِن / هُوَ لَفظٌ لِغَيرِهِ مُستَعارُ
زارَنا وَهوَ سؤلُنا وَكَذا الغَي / ثُ يَزورُ الثَرى وَلَيسَ يُزارُ
فَلَو أَنَّ البُروجَ قامَت إِلى البَد / رِ اِشتِياقاً قامَت إِلَيهِ الدِيارُ
نَزَلَت نَحوَهُ النِجادُ خُضوعاً / وَتَعالَت شَوقاً لَهُ الأَغوارُ
حَيثُما حَلَّ فَالزَمانُ رَبيعٌ / وَقَتادُ الثَرى بِهِ نُوّارُ
وَهَجيرُ الأَيّامِ مِنهُ مَقيلٌ / وَاللَيالي بِطيبِها أَسحارُ
وَالحَصى تَحتَ وَطءِ نَعلَيهِ دُرٌّ / وَتُرابُ البَطحاءِ مِسكٌ مُثارُ
وَثَنائي حَدائِقٌ وَعُلاهُ / هَضَباتٌ وَجودُهُ أَنهارُ
يا أَبا عَمرٍ وإِنَّما أَنتَ خَلقٌ / عَجَبٌ جِئتَ مِثلَما تَختارُ
لَو يُنادى أَينَ الجَوادُ بِحَقٍّ / قالَ كُلٌّ إِلى الوَزيرِ يُشارُ
لَو حَوَت مِن جَلالِكَ الشُهُبُ حَظّاً / ما بَدَت في العُيونِ وَهيَ صِغارُ
جُد عَلى يوسُفٍ فَمِصرُ شَريشٌ / وَعَطاياكَ نيلُها المُستَمارُ
نافَسَتها العِراقُ وَالأَرضُ كَالنا / سِ فَبَعضٌ مِنها بِبَعضٍ يَغارُ
بِكَ عَزَّت لِما حَوَتكَ وَلَولا السِ / راحُ لَم تُمتَدَح دِنانٌ وَقارُ
أَيُّهَذا السَحابُ دونَكَ مِنّي / زاهِراً مِن كَمامِهِ الأَفكارُ
بِكَ تَسمو حُلى القَريضِ وَلِلغُن / جِ بِعَينِ الظَبيِ الغَريرِ اِفتِخارُ
قَصَّرَت لَو أَنَّ النُجومَ عُقودٌ / في حُلاها أَو الهِلالَ سِوارُ
لا تَلُم في الحَياءِ هَذي القَوافي / لَيسَ بِدَعاً أَن تَخجَلَ الأَبكارُ
ذُد عَن مَوارِدِ أَدمُعي طَيرَ الكَرى
ذُد عَن مَوارِدِ أَدمُعي طَيرَ الكَرى / وَأَعِد بِنارِ الوَجدِ لَيلِيَ نَيِّرا
وَأَصِخ وَطارِحني الشُجونَ وَغَنِّني / بِهِمُ وَنازِعني أَفاويقَ السُرى
رَيحانُها ذِكرى حَبيبٍ لَم يَزَل / راحي بِهِ دَمعاً وَكاسي مَحجَرا
سَلَبَ الثُرَيّا في البُعادِ مَحَلَّها / وَأَعارَ جَفني نَوءَها المُستَغزَرا
لا تَعجَبوا إِن غابَ عَنّي شَخصُهُ / وَخَيالُهُ في أَضلُعي مُتَقَرِّرا
هَذا أَبو عُثمانَ خَيَّمَ قَدرُهُ / في النَيِّراتِ وَشَخصُهُ بَينَ الوَرى
الكَوثَرِيُّ إِذا هَمى وَالكَوكَبيُّ / إِذا سَما وَالمُنصُلِيُّ إِذا فَرى
مَلِكٌ تَسَنَّمَ مِن قُرَيشٍ ذُروَةً / مِن أَجلِها تُدعى الأَعالي بِالذُرى
حَسَبٌ يَجُرُّ عَلى المَجَرَّةِ ذَيلَهُ / وَمَناقِبٌ تَذَرُ الثُرَيّا كَالثَرى
يَسعى السُهى أَن يَغتَدي كَصَغيرها / وَيُعَذِّرُ الدَبَرانِ عَنها مَدبَرا
عالي مَنارِ العِلمِ لَو أَنَّ الهُدى / شَخصٌ لَكانَ لِشَخصِهِ مُتَصَوِّرا
وَمُبارَكُ الآثارِ لَو وَطِىءَ الصَفا / لَجَرى بِمُنهَلِّ النَدى وَتَفَجَّرا
أَو مَسَّ عوداً ذابِلاً بِبَنانِهِ / مَسّاً لَأَورَقَ في يَدَيهِ وَنَوَّرا
خُصَّت بِهِ مَنورَقَةٌ وَسَناؤُهُ / قَد نَوَّرَ الآفاقَ حَتّى أَقمَرا
كَالشَمسِ مَطلَعُها السَماءُ وَضَوءُها / قَد عَمَّ أَقطارَ البَسيطَةِ أَنؤُرا
كَذَبَ المُشَبِّهُ بِالنُجومِ ضِياءَه / وَسَناءَهُ وَذَكاءَهُ المُتَسَعِّرا
لَو كانَ عِندَ النَجمِ بَعضُ خِصالِهِ / ما كانَ في رَأي العُيونِ لِيصَغَرا
مَلَكُ السَجايا لَو يَحِلُّ بِمَنزِلٍ / بَينَ النُجومِ الزُهرِ كانَ مُؤَمَّرا
العالِمُ البَطَلُ الَّذي ما اِنفَكَّ في / حالٍ يَخُطُّ دُجىً وَيَرفَعُ عِثيَرا
لَم أَدرِ قَبلَ هِباتِهِ وَكَلامِهِ / أَنَّ الفُراتَ العَذبَ يُعطي الجَوهَرا
نَدبٌ إِذا أَعطى الكِرامُ لِيُحمَدوا / أَعطى كَرائِمَ مالِهِ كَي يُعذَرا
لَمّا تَكَرَّرَ كُلَّ حينٍ حَمدُهُ / نَسِيَ الوَرى ثِقلَ الحَديثِ مُكَرَّرا
أَضحى بَنو حَكَمٍ وَقَد عَلِمَ الضُحى / مُذ أَسفَروا أَن لَيسَ يُدعى مُسفِرا
قَومٌ إِذا رَكِبوا الخُيولَ حَسِبتَها / عُقبانَ جَوٍ حُمِّلَت أُسدَ الشَرى
أَوشَمتَ مُسبَغَةَ الدُروعِ عَلَيهِمُ / أَبصَرتَ أَنهاراً تَضُمُّ أَبحُرا
لَو مَثَّلَت لَهُمُ المَنايا في الوَغى / أَقرانَهُم لَم تَلقَ مِنهُم مُدبِرا
جُمِعَت مَآثِرُ مَن سِواهُم فيهِمُ / جَمعاً كَمَثَلِ العامِ ضَمَّ الأَشهُرا
نَفَرٌ لَو أَنَّكَ لَم تَكُن مِن عِزِّهِم / في عَسكَرٍ جَهَّزتَ عَزمَكَ عَسكَرا
قَد كانَ قَبلَ الأَمرِ أَمرُكَ صادِعاً / وَالفِعلُ يَعمَلُ ظاهِراً وَمُقَدَّرا
آياتُ عيسى في يَدَيكَ وَإِنَّما / ماتَ الهُدى وَبِحُسنِ رَأيُكَ أُنشَرا
حارَبتَ حِزبَ الشِركِ عَنهُ بِالحِجى / وَالرِفقُ مِثلُ البَطشِ يَقصِمُ أَظهُرا
وَطَعَنتَهُم بِالمَكرُماتِ وَبِاللُها / في حَيثُ لَو طَعَنَ القَنا لَتَكَسَّرا
قَد تَجهَلُ السُمرُ الطِوالُ مَقاتِلاً / تَلقى بِها الصُفرَ القَصيرَةَ أَبصَرا
وَتُصَحَّحُ الآراءُ وَالراياتُ قَد / نَكَصَت عَلى الأَعقابِ واهِيَةَ العُرى
إِن خابَ غَيرُكَ وَهُوَ أَكثَرُ ناصِراً / وَبَقيتَ لِلإِسلامِ وَحدَكَ مَظَهَرا
فَالبَحرُ لا يُروي بِكَثرَةِ مائِهِ / ظَمَأً وَرُبَّ غَمامَةٍ تَروي الثَرى
الغَيثُ أَنتَ بَل أَنتَ أَعذَبُ شيمَةً / وَأَعَمُّ إِحساناً وَأَعظَمُ عُنصُرا
وَالمَزنُ يَهمي باكِياً مُتَجَهِّماً / أَبَداً وَتَهمي ضاحِكاً مُستَبشِرا
وَالشَمسُ مُرمِدَةٌ وَنورُكَ لَو جَرى / في مُقلَتَي أَعمى لَأَصبَحَ مُبصِرا
حَسَّنتَ قُبحَ الدَهرِ حَتّى خُلتُهُ / ذَنباً وَخُلتُكَ عُذرَهُ المُستَغفِرا
وَوَهَبتَ لا مُستَرجِعاً وَحَكَمتَ لا / مُتَنَطِّعاً وَعَلَوتَ لا مُتَجَبِّرا
فَالمُلكُ مِنكَ خَصيبُ أَشجارِ المُنى / يَقظانُ عَينِ السَعدِ مَشدودُ العُرى
هُوَ مَفرِقٌ في السِلمِ يَلبِسُ مِنكُمُ / تاجاً وَفي حَربِ الحَوادِثِ مِغفَرا
يا بَحرُ جاوَرتَ البِحارَ لِعِلَّةٍ / حازَت لَها الفَخرَ المِياهُ عَلى الثَرى
وَأَراكَ لَم تَرضَ البَسيطَةَ ساحِلاً / فَجَعَلتَ ساحِلَكَ الخِضَمَّ الأَخضَرا
بَحرٌ أُجاجٌ حالِكٌ أَدّى إِلى / بَحرٍ حَلا وِرداً وَأَشرَقَ مَنظَرا
تُهدي رِياحُ الحَمدِ عَنكَ المِسكَ إِن / أَهدَت رِياحُ الأُفقِ عَنهُ العَنبَرا
خُذها تُنيفُ عَلى الجُمانِ مُفَصَّلاً / وَالزَهرِ غَضّاً وَالرِداءِ مُحَبَّرا
رَوضاً تَغَنَّت مِن ثَنائِكَ وَسطَهُ / وُرقٌ جَعَلنَ غُصونَهُنَّ الأَسطُرا
لَمّا طَغى فِرعَونُ دَهري عاتِياً / شَقَّت عَصا شِعري بَنانَكَ أَبحُرا
ما إِن أُبالي حَيثُ كُنتُم وُجهَتي / أَنّي أُفارِقُ مَوطِناً أَو مَعشَرا
إِذ عَصرُكُم كُلُّ الزَمانِ وَأُفقُكُم / كُلُّ البِلادِ وَشَخصُكُم كُلُّ الوَرى
يُنسي الوُفودَ سَماحُكُم أَوطانَهُم / وَكَذاكَ طيبُ الوِردِ يُنسي المَصدَرا
لَم أُرعِ تَأميلي حَمىً لَكُم وَلا / يَمَّمتُ مَغناكُم مَحَلّاً مُقفِرا
إِن كانَ عُمرُ المَرءِ حُسنَ ثَنائِهِ / فَاِعلَم بِأَنَّكَ لَن تَزالَ مُعَمَّرا
أَذكى عَلَيَّ الدَهرُ نارَ خُطوبِهِ / فَبَثَثتُ فيها مِن مَديحِكَ عَنبَرا
رَفَعَت عَوامِلُهُ وَأَحسبُ رُتبَتي / بُنِيَت عَلى خَفضٍ فَلَن تَتَغَيَّرا
دُم لِلأَنامِ فَلَو عَلى قَدرِ العُلى / بَقِيَت حَياتُهُم خَلَدتَ مُعَمَّرا
واِسلَم تُنيرُ دُجىً وَتُخصِبُ مُجدِباً / وَتُبيدُ جَبّاراً وَتُغني مُقتِرا
أَهدى التَلاقي صُبحَ وَجهِكَ مُسفِرَا
أَهدى التَلاقي صُبحَ وَجهِكَ مُسفِرَا / فَحَمِدتُ عِندَ الصُبحِ عاقِبَةَ السُرى
اللَهُ أَكبَرُ قَد رَأَيتُ بِكَ الَّذي / يَلقاهُ كُلُّ مُكَبِّرٍ إِن كَبَّرا
أُمنِيَّةٌ قَد أَبطَأَت لَكِن حَلَت / كَالنَخلِ طابَ قِطافُهُ وَتَأَخَّرا
ما ضَرَّني مَع رُؤيَةِ الحُسنِ الرِضى / أَنّي أُفارِقُ مَوطِناً أَو مَعشَرا
إِذ أُفقُهُ كُلُّ البِلادِ وَعَصرُهُ / كُلُّ الزَمانِ وَشَخصُهُ كُلُّ الوَرى
دارُ المَكارِمِ وَالمَناسِكِ دارُهُ / فَتَوَخَّ فيها مَشرَعاً أَو مَعشَرا
دارٌ تَرى دُرَّ الثَناءِ مُنَظَّماً / فيها وَدُرَّ المَكرُماتِ مُنَثَّرا
إِحسانُهُ مُتَيَقِّظٌ لِعُفّاتِهِ / وَمِنَ العُلا الكَرَمَ الأَكدَرا كَذا
تَأميلُهُ نورٌ لِقاصِدِ بابِهِ / فَتَظُنُّ مَن يَسري إِلَيهِ مُهَجِّرا
يَلقى ذَوي الحاجاتِ مَسروراً بِهِم / فَكَأَنَّ سائِلَهُ أَتاهُ مُبَشِّرا
يَرضى الكَفافَ تُقىً مِنَ الدُنيا وَلا / يَرضى الكَفافَ إِذا تَلَمَّسَ مَفخَرا
لَم أَدرِ قَبلَ سَماحِهِ وَبَيانِهِ / أَنَّ الفُراتَ العَذبَ يُعطي الجَوهَرا
يا أَهلَ سَبتَةٍ اِشكُروا آثارَهُ / إِنَّ المَواهِبَ قَيدُها أَن تُشكَرا
هُوَ بَينَكُم سِرُّ الهُدى لَكِنَّهُ / لِجَلالِهِ السِرُّ الَّذي لَن يُستَرا
هُوَ فَوقَكُم لِلأَمنِ ظِلٌّ سابِغٌ / لَو أَنَّ ظِلّاً قَد أَضاءَ وَنَوَّرا
ما كُلُّ ذي مَجدٍ رَأَيتُم قَبلَهُ / إِلّا العُجالَةَ سُبِّقَت قَبلَ القِرى
أَغناكُم وَأَزالَ رِجساً عَنكُمُ / كَالغَيثِ أَخصَبَ حَيثُ حَلَّ وَطَهَّرا
فَالأُسدُ مِن صَولاتِهِ مَذعورَةٌ / وَالطَيرُ مِن تَأمينِهِ لَن تُذعَرا
فَهُوَ الَّذي سَفَكَ الهِباتِ مُؤَمِّلاً / وَهُوَ الَّذي حَقَنَ الدِماءَ مُدَبِّرا
فَكَسانِيَ الآمالَ غَيثاً أَخضَراً / وَكَفى بَني الأَوجالِ مَوتاً أَحمَرا
اِستَخلَصَ اِبنُ خَلاصٍ الهِمَمَ الَّتي / بَلَغَ السَماءَ بِها وَيَبغي مَظهَرا
مِلءُ المَسامِعِ مَنطِقاً مِلءُ الجَوا / نِحِ هَيبَةً مِلءُ النَواظِرِ مَنظَرا
لَو أَنَّ عِندَ النَجمِ بَعضَ خِلالِهِ / ما كانَ في رَأيِ العُيونِ لِيَصغَرا
لَمّا تَكَرَّرَ كُلَّ حينٍ حَمدُهُ / نَسيَ الوَرى ثِقلَ الحَديثِ مُكَرَّرا
سَهُلَت لَهُ طُرُقُ العُلا فَتَخالُهُ / مَهما اِرتَقى في صَعبِها مُتَحَدِّرا
فَردٌ تُصَدِّقُ مِن عَجائِبِ مَجدِهِ / ما في المَسالِكِ وَالمَمالِكِ سُطِّرا
ما إِن يَزالُ لِما أَنالُ مِنَ اللُها / مُتَناسِياً وَلِوَعدِهِ مُتَذَكِّرا
يا كَعبَةً لِلمَجدِ طافَ مُحَلِّقاً / مَجدُ السَماكِ بِها فَعادَ مُقَصِّرا
أَطوادُ عِزٍّ فَوقَ أَنجَدَ نائِلٍ / وَكَأَنَّما بُركانُها نارُ القِرى
يا رَحمَةً بِالغَربِ شامِلَةً بَدَت / فيهِ أَعَمَّ مِنَ النَهارِ وَأَشهَرا
حِمصُ الَّتي تَدعوكَ جَهِّز دَعوَةً / لِغَياثِها إِن لَم تُجَهِّز عَسكَرا
قَد شِمتُ بَهجَتَها مُوَلِّيَةً عَلى / حَرفٍ كَما زارَ النَسيبُ مُعَذِّرا
حُفَّت مَصانِعُها الأَنيقَةُ بِالعِدا / فَتَرى بِساحَةِ كُلِّ قَصرٍ قَيصَرا
ما تَعدَمُ النَظَراتُ حُسناً مُقبِلاً / مِنها وَلا الحَسَراتُ حَظّاً مُدبِرا
نَفسي قَد اِختارَت جِوارَكَ عَودَةً / فَلتَرحَمِ المُتَحَيِّرَ المُتَخَيِّرا
إِن ضَلَّ غَيرُكَ وَهُوَ أَكثَرُ ناصِراً / وَنَهَضتَ لِلإِسلامِ وَحدَكَ مُظهَرا
فَالبَحرُ لا يُروي بِكَثرَةِ مائِهِ / ظَمَأً وَرُبَّ غَمامَةٍ تُحيِي الثَرى
كَم غِبتُ عَنكَ وَحُسنُ صُنعِكَ لَم يَزَل / عِندي عَبيراً حَيثُ كُنتَ وَعَنبَرا
وَالنَبتُ عَن لُقيا الغَمامِ بِمَعزَلٍ / وَيَبيتُ يَشرَبُ صَوبَهُ المُستَغزِرا
تَنأى وَتَدنو وَالتِفاتُكَ واحِدٌ / كَالفِعلِ يَعمَلُ ظاهِراً وَمُقَدَّرا
لَم أَدرِ قَبلَ فِراقُكُم أَنَّ العُلا / أَيضاً تَسومُ مُحِبَّها أَن يَسهَرا
كَفّاكَ تُقتُ إِلَيهِما وَأَراهُما / لِعِلاجِ سُقمي زَمزَماً وَالكَوثَرا
فَاِمدُد أُقَبِّل ثُمَّ أَحلِفُ أَنَّني / قَبَّلتُ في الأَرضِ السَحابَ المُمطِرا