أصبحت أعذل نوّاباً وأعيانا
أصبحت أعذل نوّاباً وأعيانا / عذلاً كنارٍ تلظّت في شراغانا
قصر أطلّ على البسفور مرتفعاً / إليه يشخص طرف العقل حيرانا
ذو زخرف يبهج العين التي نظرت / حتى تراه لها نوراً وإنسانا
راقت مبانيه اتقاناً وهندسةً / مستوقفاً صنعها من مرّ عجلانا
كل القصور عبيد وهو سيّدها / إذ كان أكرمها صنعاً وبنيانا
يمشي المهندس فيه وهو ينظره / مشي المقيّد يستقصيه امعانا
يضمّ كفّيه للإبطَين منبهراً / مقلّباً في الأعالي منه أجفانا
عرش به تعرف الناس الجلالة إذ / لاح الجمال على مبناه ألوانا
لو كان عرشاً لبلقيس لما خضعت / للأمر حين أتاها من سليمانا
فيه الحوادث أمست وهي ناطقة / بألسٍ دلعتها فيه نيرانا
فلو رأيت وقد شبّ الحريق به / والريح دلعتها فيه نيرانا
فلو رأيت وقد شبّ الحريق به / والريح تصفق للنيران أردانا
رأيت ملكاً كبيراً ثمّ محترقاً / يديب منه لهيب النار عقيانا
طالت به ألسن للنار تلحسه / لحساً يدكّ قوى البنيان إيهانا
يا درة في ضفاف البحر ضيّعها / قوم وكان بها البسفور مزدانا
كم قد أضاءت بوجه البحر مشرقة / ورصّعت من رءوس الهضب تيجانا
يا أيها القصر مذ أمسيت محترقاً / أبكيت في البحر أسماكاً وحيتانا
لم يبق منك لهيب النار باقية / ولا لدي القوم أبقى عنك سلوانا
معاول من شواط النار هادمةٌ / يا للعجائب كالأطواد جدرانا
قمنا أمامك والنيران صائلة / تدكّ منك على الأركان أركانا
كم هدة لك بين النار تُفزِعنا / حتى نخالك منها صرت بركانا
يهتزّ فيك لهيب حين نُبصره / نهتزّ بالحزن أرواحاً وأبدانا
فأنت تملأ صدر الجوّ أدخنةً / ونحن نملأ صدر الأرض أحزانا
ما أشرف القوم لو كانت مدامعهم / مطافئاً لك تجري الدمع غدرانا
ويل لمرتئسٍ قد قام مجتهداً / يسعى بجعلك للنواب ديوانا
حتى إذا كنت للنواب مجتمَعاً / بانت عواقب ذاك السعي خسرانا
للنار فيك حسيس كنت أحسبه / صحكاً على مَن بسوء الرأي أبكانا
أشكو إلى الله قلباً لا يطاوعني / أن لا أكون على الأوطان غيرانا
يا قوم أن بصدر الشعر موجدةً / لا يستطيع لها ستراً وكتمانا
ما بال نوابنا أمسوا نوائبنا / إذ لا يبالون مكروهاً تغشّانا
أما كفى أنهم لم يعملوا عملاً / حتى أرادوا اجتماعاً في شراغانا
هم يطلُبون قصوراً ينعمون بها / ونحن نطلب للأوطان عمرانا
ليس الجلوس ببهو القصر مفخرةً / لمن هم اليوم أشقى الناس أوطانا
قد ضيّعوا الحزم حتى أنهم ندموا / على الذي كان منهم بعد ما كانا
يعيش ذو الحزم مسروراً ومغتبطاً / وتارك الحزم لا ينفكّ ندمانا
وأحزم الناس من أن نام بات له / طرف على حدثان الدهر يقظانا
أين الطريق إلى العلياء نسلُكها / فإننا لم نزل يا قوم عميانا
لا الشعب يخلع أثواب الخمول ولا / نوّابه يلبسون الصدق قمصانا
الناس تسعى لدينا نحن نهملها / ما أسعد الناس في الدنيا وأشقانا