المجموع : 23
أَلاَ ليتَ صبرِي لم يَبِنْ مثلَما بانُوا
أَلاَ ليتَ صبرِي لم يَبِنْ مثلَما بانُوا / لقد كان نِعْمَ المُسْتَعانُ إذا خانُوا
ولكنْ أطاع البينَ مني أربعٌ / فؤادٌ ونوم واصطبار وسُلوان
ولازَمني وَجْدٌ إذا حلّ بعضُه / بساحةِ سِرٍّ لم يُجاوِرْه كتمان
ودمعٌ إذا كَفْكَفْتُه فهْو وابِلٌ / وشوقٌ إذا أخفيتُه فهْو إعلان
وسُقْمٌ إذا أخفيتُ ما بي تأكدتْ / به حُجَجٌ للعاشقين وبرهان
فكم ليلةٍ ظلَّ اصْطبارِي كصُبْحِها / يُسامِرني فيها على الأَيْكِ حَنّان
غريبٌ نأَى عنه حبيبٌ ومنزل / كما قد نأى عني حبيب وأوطان
دعتْنِي وإياه فَريدةُمَهمهِ / أَنافتْ بها في ساحةِ الرمل أغصان
ينوح وأبكي غيرَ أنّ مدَامِعي / تَجود وما تَنْدَى لعينيه أجفان
إذا خفَّ عني الشوقُ هزَّ جوانحي / بنوحٍ كما هزَّتْه في تِيكَ أَفْنان
ولو ساعدتْني عزمةٌ من جناحِه / ليَمَّمتُ أحبابي بها حيثُ ما كانوا
رَعَى اللهُ عيشاً ناعماً سَمَحتْ به / لنا في ظهورِ الظاهرية أَزْمان
فكان كما زار الخيالُ مسلِّما / وودَّع إلا أنني فيه يقظان
فكم لي تلك الرُّبا من عشيةٍ / تُغازِلني فيها لدى البان غزلان
قُدودٌ حَكَتْهنَّ الغصون تهزُّها / روادفُ تَحكِيها من الرمل كثبان
دُمىً عَبَدتْهُنَّ القلوبُ صَبابةً / كما عُبِدت في الجاهلية أَوْثان
تَولَّى شبابٌ واقترابٌ فأَمْعَنا
تَولَّى شبابٌ واقترابٌ فأَمْعَنا / ووالَى مَشيبٌ واغترابٌ فأَدْمَنا
فيا حَبَّذا ليلُ الشبابِ الذي نأى / ولا حبذا صبح المشيب الذي دنا
إذا ما رأيتَ الشيبَ في عارضِ امرىءٍ / وإنْ لم يمتْ فاحسِبْه مَيْتا مُكفْنا
وإنْ ظهرتْ بيضاءُ في مَفْرِق الفتى / فأَوْلَى بذاك الموضع الضربُ بالقَنا
وقد كان صبري حارب الهجر والنوى / فما صَدَّه ضعفٌ ولا غالَه ونا
فلما ثنى عنه الشباب عنانه / وشاهَد من جيش المَشيب مُكمَّنا
تولى وكم ناديتُه بعد أنْ رأى / طليعةَ شيبي للرجوع فما انثنى
سقى العهدَ عهدَ الثغرِ بل عهدَ أهلِه / حَياً كدموعي تجعل السيل دَيْدَنا
فكم لي به من غُدوة وعشية / يقصِّر عن إدراك أمثالها المُنى
فطَوْرا لنا بين الكروم مَرابع / يشاهد فيها البدرُ أمثاله بنا
وطورا على ماء الخليج وقد جَلا / عليه نسيمُ الريح كَشْحا مُعَكَّنا
كأن حَباب الماء ثوب بَرقِش / وقد شابَه لون الضحى فتَلَوَّنا
حَبابٌ حكى بطنَ الحُباب وظهرَه / إذا الريحُ صاغتْ منه درعا وجَوْشَنا
فكان كأجيادِ الظباء تلفَّتت / فأظهرْنَ تدريجا هناك مُغَضَّنا
إذا أبرم التيار داراته حكى / أنامل خرّاط يحرّر مُدْهُنا
وفوق الثَّرى خَزٌّ من الروض أخضرٌ / يُقابل خَزّافي ذرَا الغيثِ أَدْكَنا
ترى ذا بطُرْز النَّوْر سُفْلا مُخَمَّلا / وذاك برَقْم البرق عُلْوا محسَّنا
وفي خَلل الأوراق وُرْقٌ غناؤها / ألذُّ وأحلى في القلوب من الغنى
شَدَتْ فهْي مثلُ الصَّبِّ أَوْدَى غرامه / بكتمانه حتى تلاشى فأعلنا
إذا راسلتْها شَمْأَلٌ خِلْتَ صِبْيةً / يُغَنِّين شيخاً أعجم اللفظ أَلْكَنا
مكانٌ به زهر البَساتين والفَلا / تَخال عليه منه ثوبا مُفَنَّنا
بَهارا وأزهارا ووردا ونرجسا / وآسا ونسْرينا وجُلاّ وسَوْسنا
تخال حصى الياقوت فيه ملوَّنا / فلو صَلُبت أحجاره كان مَعْدِنا
وقطرُ الندى فيهن أنصاف لؤلؤ / فلو جَمَدت كانت تُصان وتُقتَنى
رياضٌ حكى الديباجُ منها محاسنا / فلو كُنّ ديباجا لأصبح مُثْمَنا
لَعَمْري لقد خلَّفتُ منها مَواطنا / أبى الدهرُ أنْ أعتاضَ منهن موطنا
أنا ابْنُ مُضاضٍ وهْي أوطانُ جُرْهُمٍ / فلا فرقَ في طول التفرّق بيننا
عسى مُنْيَةٌ قبلَ المنيةِ تنقضي / فيرشفَ ثغرَ الثغرِ طرفي إذا رنا
سألتُك يا رَبّاه عَوْدا فجُدْ به / وجازِ بخيرٍ من دعوتُ فأَمَّنا
مُتلوِّنين على شواهدِ حبِّهم
مُتلوِّنين على شواهدِ حبِّهم / فالعينُ تُمطِرهم بذي ألوانِ
ولو أنه ماء لَقالوا دمعُه / ثغرٌ وجفناه به شفتان