المجموع : 45
طَرِبَ الحَطيمُ وَكَبَّرَ الحرَمانِ
طَرِبَ الحَطيمُ وَكَبَّرَ الحرَمانِ / وَاِعتَزَّ دينُ اللَهِ بَعدَ هَوانِ
قامَت سُيوفُ الفاتِحينَ بِنَصرِهِ / وَالنَصرُ بَينَ مُهَنَّدٍ وَسِنانِ
ظَمِئَت جَوانِحُهُ إِلى حَرِّ الوَغى / فَسَقَتهُ شُؤبوبَ النَجيعِ القاني
تَعدو الذِئابُ عَلى مُمَنَّعِ غيلِهِ / وَالأُسدُ غَضبى وَالسُيوفُ عَوانِ
لا قُبَّةُ الإِسلامِ قائِمَةٌ وَلا / مُلكُ الخَلائِفِ ثابِتُ الأَركانِ
يَمضي تُراثُ المُسلِمينَ مُوَزَّعاً / وَالمُسلِمونَ نَواكِسُ الأَذقانِ
ما بَينَ مِصرَ إِلى طَرابُلسٍ إِلى / عَدَنٍ إِلى القَوقازِ فَالبَلقانِ
كَرَّ الصَليبُ عَلَيهِ كَرَّةَ حانِقٍ / ضَرِمَ العَداوَةِ ثائِرِ الشَنآنِ
مُتَوَثِّبٍ مِن خَلفِهِ وَأَمامِهِ / مُتَأَلِّبٍ يَلقاهُ كُلَّ أَوانِ
يَرميهِ مِن فَوقِ الزَمانِ وَتَحتِهِ / وَيُريهِ كَيفَ يَدينُ لِلحِدثانِ
حارَ الهِلالُ فَما يُحاوِلُ نَهضَةً / إِلّا رَماهُ مُحَلِّقُ الصُلبانِ
تَمضي السُيوفُ فَما تُجاوِرُ مَقتَلاً / إِلّا حَماهُ تَعَصُّبُ الجيرانِ
نُعطي الوَقائِعَ حَقَّها وَيَسوءُنا / حَنَقُ الظُبى وَتَعَتُّبُ الفُرسانِ
زَعَموا الحَضارَةَ أَن يُبيدَ طُغاتُهُم / دينَ الحَياةِ وَمِلَّةِ العُمرانِ
ماذا يَروعُ الظالمينَ وَبَينَنا / أَمنُ المَروعِ وَنَجدَةُ اللَّهفانِ
إِنّا بَنو القُرآنِ وَالدينِ الَّذي / صَدَعَ الشُكوكَ وَجاءَ بِالتِبيانِ
ضاعَت حُقوقُ العالَمينَ فَرَدَّها / وَأَقامَها بِالقِسطِ وَالميزانِ
ظَلَمَ العَزيزُ فَهَدَّهُ وَأَهانَهُ / وَحَمى الذَليلَ فَباتَ غَيرَ مُهانِ
نَعفو وَما اِشتَفَتِ السُيوفُ وَلا هَفا / بِصُدورِها شَوقٌ إِلى الأَجفانِ
عَصَفَ الزَمانُ بِنا فَكُنّا بَينَهُم / كَالشاةِ بَينَ مَخالِبِ السِرحانِ
جاروا عَلى المُستَضعَفينَ وَرَوَّعوا / مَن باتَ في دَعَةٍ وَطيبِ أَمانِ
مَنّوا عَلَيهِم بِالحَياةِ ذَليلَةً / مَحيا الذَليلِ وَمَوتُهُ سِيّانِ
يَشكون حَشرَجَةَ القَتيلِ وَعِندَهُم / أَنَّ الحَياةَ تَكونُ في الأَكفانِ
وَلَقَد رَأَيتُ فَما رَأَيتُ كَظالِمٍ / جَمِّ الشَكاةِ وَقاتِلٍ مَنّانِ
مَنَعَ الخِلافَةَ أَن تُضامَ وَحاطَها / حامي الحَجيجِ وَناصِرُ القُرآنِ
جَيشٌ يَسيرُ بِهِ النَبِيُّ وَحَولَهُ / جُندُ المَلائِكِ بَينَهُ العُمَرانِ
يَهتَزُّ عَمرٌو في اللِواءِ وَخالِدٌ / وَيَمورُ حَيدَرَةٌ بِكُلِّ عِنانِ
خاضَ الحُروبَ فَما تَدافَعَ لُجُّها / إِلّا تَدافَعَ فيهِ يَلتَطِمانِ
يَطفو عَلى ثَبَجِ الدِماءِ إِذا هَوَت / في الهالِكينَ رَواسِبُ الشُجعانِ
وَيَشُقُّ مُصطَفَقَ العُبابِ إِذا طَغى / يَرمي عُبابَ الشَرِّ وَالطُغيانِ
ما لِلجُنودِ الباسِلينَ وَإِن عَلَوا / بِجُنودِ رَبِّ العالَمينَ يدانِ
الحافِظينَ عَلى الخِلافَةِ عِزَّها / الناصِرينَ خَليفَةَ الرَحمَنِ
غَدَرَ العَدُوُّ فَعَلَّمَتهُ سُيوفُهُم / صِدقَ العُهودِ وَصِحَّةَ الإيمانِ
السَيفُ إِنجيلُ الهِدايَةِ إِن دَجا / لَيلُ الضَلالِ فَطاحَ بِالعُميانِ
يَجلو عَماياتِ النُفوسِ بِأَسرِها / ما فيهِ مِن عِظَةٍ وَحُسنِ بَيانِ
دينُ اليَقينِ لِكُلِّ شَعبٍ جاحِدٍ / سَنَّ العُقوقَ وَدانَ بِالعِصيانِ
قَومٌ إِذا رَفَعوا اللِواءَ فَإِنَّهُ / وَالنَصرُ بَينَ سُيوفِهِم أَخَوانِ
ما يَفتِآنِ إِذا الوَغى جَمَعتُهُما / يَتَناجَيانِ بِها وَيَعتنقانِ
بَينَ الدَمِ الجاري نَديمَي لذَّةٍ / إن لَذَّتِ الصَهباءُ لِلنُدمانِ
يَنبَتُّ حَبلُ الأَصفِياءِ وَيَنطَوي / وَهُما بِحَبلِ اللَهِ مُعتَصِمانِ
سَيفُ الخَليفَةِ وَالسُيوفُ كَثيرَةٌ / وَالقَومُ بَينَ تَضارُبٍ وَطِعانِ
ما في القَواضِبِ وَالكَتائِبِ إِن مَضى / وَمَضَيتَ غَيرَ مُفَلَّلٍ وَجَبانِ
تُمضيكَ مِنهُ عَزيمَةٌ مِن دونِها / يَقِفُ الزَمانُ وَيَرجُفُ الثَقَلانِ
لَمّا أَطَلَّ عَلى الخِلافَةِ كَبَّرَت / وَمَشَت إِلَيهِ بِبَيعَةِ الرِضوانِ
صَدَعَت بِهِ أَغلالَها وَتَدافَعَت / تَختالُ بَعدَ الجهدِ وَالرَسَفانِ
أَخَذَت بِرَأيِ المُستَبِدِّ وَغودِرَت / زَمَناً تُعالِجُ حُكمَهُ وَتُعاني
ظُلمٌ عَلى ظُلمٍ وَسوءُ سِياسَةٍ / وَفَسادُ تَدبيرٍ وَطولُ تَوانِ
وَإِذا القُلوبُ تَفَرَّقَت عَن مالِكٍ / لَم يُغنِ عَنهُ تَمَلُّكُ الأَبدانِ
تَهوي الأَسِرَّةُ أَو تَقومُ وَما لَها / غَيرُ السَرائِرِ هادِمٌ أَو بانِ
لا يَخدَعَنَّكَ ظاهِرٌ مِن مُحنِقٍ / خافَ الشَكاةَ فَلاذَ بِالكِتمانِ
إِن قامَ عَرشُ المُستَبِدِّ فَإِنَّما / قامَت قَواعِدُهُ عَلى بُركانِ
وَالمَرءُ إِن أَخَذَ الأُمورَ بِرَأيِهِ / طاشَت يَداهُ وَزَلَّتِ القَدَمانِ
اللَهُ أَدرَكَ دينَهُ بِخَليفَةٍ / بَرِّ السَريرَةِ صادِقِ الإيمانِ
أَخَذ السَبيلَ عَلى العَدُوِّ بِقَسوَرٍ / دامي المَكَرِّ مُخَضَّبِ المَيدانِ
ريعَت له أُمَمُ النِمالِ وَأَجفَلَت / دُوَلُ الثَعالِبِ مِنهُ وَالذُؤبانِ
لَمّا تَرَدَّدَ في فَروقَ زَئيرُهُ / رَجَفَت جِبالُ الصينِ وَاليابانِ
في مِخلَبَيهِ إِذا الحُصونُ تَهَدَّمَت / حِصنانِ لِلإِسلامِ مُمتَنِعانِ
جَرَحَ الأُلى صَدَعوا الخِلافَةَ فَاِشتَفى / جُرحانِ في أَحشائِها دَمِيانِ
حَمَلا الهِلالَ عَلى عُبابٍ مِن دَمٍ / الدينُ وَالدُنيا بِهِ غَرِقانِ
المُلكُ مُعتَصِمٌ بِهِ مُستَمسِكٌ / مِنهُ بِأَوثَقِ ذِمَّةٍ وَضَمانِ
سَيفُ الخِلافَةِ جَرَّبوهُ فَكَشَّفَت / مِنهُ التَجارِبُ عَن أَغَرَّ يَمانِ
خَيرُ الغُزاةِ الفاتِحينَ أَعانَهُ / أَوفى الصِحابِ وَأَكرَمُ الأَخدانِ
طَلَبوا شَبابَ المُلكِ وَاِحتَسَبوا الفِدى / في اللَهِ مِن شيبٍ وَمِن شُبّانِ
وَسَمَت بِأَركانِ الخِلافَةِ أَنفُسٌ / يَسمو الأَمينُ بِها إِلى رِضوانِ
كانَ الدَمَ المَسفوحَ أَكبَرُ ما بَنوا / وأَجَلُّ ما دَعَموا مِنَ الجُدرانِ
في الدَردَنيلِ وَفي الجَزيرَةِ بَعدَهُ / رُعبُ المِياهِ وَرَوعَةُ النيرانِ
بَرَزَت تَماثيلُ المَنِيَّةِ كُلُّها / شَتّى الضُروبِ كَثيرَةَ الأَلوانِ
كُلٌّ يَموجُ بِها وَكُلٌّ ساكِنٌ / فَالحَربُ في قَلَقٍ وَفي اِطمِئنانِ
نارانِ بَرَّحَ بِالكَتائِبِ مِنهُما / حالانِ في الهَيجاءِ مُختَلِفانِ
هَذي تَفيضُ مِنَ البُروجِ وَهَذِهِ / تَنسابُ بَينَ أَباطِحٍ وَرِعانِ
البحرُ يَفتَحُ لِلبَوارِجِ جَوفَهُ / فَتَغورُ مِن مَثنىً وَمِن وُحدانِ
وَالبَرُّ مُلتَهِبُ الجَوانِحِ مُضمِرٌ / حَنَقَ المَغيظِ وَلَوعَةَ الحَرّانِ
مَدَّ الشِراكَ إِلى العَدُوِّ وَبَينَها / طَرَبُ المَشوقِ وَهِزَّةُ الجَذلانِ
حَتّى إذا أَخَذَ الدَهاءُ بِلُبِّهِ / أَخَذَ البَلاءُ عَلَيهِ كُلَّ مَكانِ
ظَمِئَت إِلى وِردِ الأُسودِ نُفوسُهُم / وَالمَوتُ يَنقَعُ غُلَّةَ الظَمآنِ
شَرِبوا المَنايا الحُمرَ يَسطَعُ مَوجُها / بَينَ المُروجِ الخُضرِ وَالغُدرانِ
تَرمي بِها لُجَجٌ يَظَلُّ شُواظُها / مُتَدَفِّقاً كَتَدَفُّقِ الطوفانِ
عَصَفَت بِأَحلامِ الغُزاةِ وَقائِعٌ / رَكَدَت بِأَحلامٍ هُناكَ رِزانِ
أَإِلى الأُسودِ الغُلبِ في أَجماتِها / تَرمي شِعابُ البيدِ بِالجِرذانِ
غالوا بِمُلكِ الفاتِحينَ وَأَيقَنوا / أَنَّ النُفوسَ رَخيصَةُ الأَثمانِ
تِلكَ المَصارِعُ ما تَكادُ مَنِيَّةٌ / تَجتازُ جانِبَها بِلا اِستِئذانِ
ما الجَيشُ مِن نَصرِ الإِلَهِ وَفَتحِهِ / كَالجَيشِ من فَشَلٍ وَمِن خِذلانِ
وَيحَ الأُلى زَعَموا الحُروبَ دُعابَةً / ما غَرَّهُم بِالتُركِ وَالأَلمانِ
سَيفانِ ما اِستَبَقا مَقاتِلَ دَولَةٍ / إِلّا مَضى الأَجَلانِ يَستَبِقانِ
يَجري قَضاءُ اللَهِ في حَدَّيهِما / وَيَجولُ في صَدرَيهِما المَلكانِ
أَينَ المَنايا السابِحات حَوامِلاً / فَزَعَ البِحارِ وَرَعدَةَ الخُلجانِ
غَرَّت جِرايَ فَجاءَها مِن تَحتِها / ما لَم يَكُن لِجِرايَ في الحُسبانِ
قَدَرٌ جَرى في الماءِ تَحتَ سُكونِهِ / وَجَرى الرَدى فَاِستَرسَلَ القَدَرانِ
سِرُّ المَنِيَّةِ جائِلٌ في جَوفِهِ / كَالروحِ حينَ تَجولُ في الجُثمانِ
سُفُنٌ هَوَت بِالحوتِ حينَ تَبادَرَت / تَنسابُ بَينَ الحوتِ وَالسَرَطانِ
صُنعُ الأُلى فاتوا العُقولَ وَجاوَزوا / مَرمى القُوى وَمَواقِعَ الإِمكانِ
كَشَفوا عَنِ العِلمِ الغِطاءَ وَأَدرَكوا / سِرَّ التَفَوُّقِ فيهِ وَالرَجَحانِ
مَلَكوا العَناصِرَ فَالعَصِيُّ مُطاوِعٌ / وَالصَعبُ سَهلٌ وَالبَعيدُ مُدانِ
المَوتُ يَسبَحُ في الغِمارِ بِأَمرِهِم / وَالمَوتُ يَمرَحُ في حِمى كيوانِ
فَالناسُ نَهبٌ وَالعَوالِمُ ساحَةٌ / عِزريلُ فيها دائِمُ الجَوَلانِ
هاجوا المَنايا الرائِعاتِ وَهاجَهُم / جَشَعُ العِدى وَتَأَلُّبُ القُرصانِ
شابَت لَها الأَجيالُ وَهيَ أَجِنَّةٌ / لَم تَدرِ بَعدُ مَراضِعَ الوِلدانِ
فَزِعَت بِأَحشاءِ الدُهورِ وَغالَها / طولُ الوُثوبِ وَشِدَّةُ النَزَوانِ
أُوتوا كِبارَ المُعجِزاتِ وَمُيِّزوا / بِرَوائِعِ الإِحكامِ وَالإِتقانِ
جذبوا بِسِرِّ الكيمياءِ عَدُوَّهُم / فَأَطاعَ بَعدَ شَراسَةٍ وَحِرانِ
مَدَّ العُيونَ إِلى اللِواءِ فَرَدَّهُ / أَعمى وَأَطفَأَ نارَهُ بِدُخانِ
ضَلَّ المُلوكُ فَجَدَّدوا لِشُعوبِهِم / دينَ العَمى وَعِبادَةَ الأَوثانِ
رَكِبوا العُقوقَ فَتِلكَ عُقبى أَمرِهِم / إِنَّ العُقوقَ مَطِيَّةُ الخُسرانِ
مَسَحَ الأَذى وَمَحا وَصِيَّةَ بُطرِسٍ / ماحي العُروشِ وَماسِحُ التيجانِ
جَيشٌ مِنَ النَصرِ المُبينِ مَشى لَهُ / جَيشٌ مِنَ التَضليلِ وَالهَذَيانِ
نُظِمَت فَما اِطَّرَدَ الخَيالُ لِشاعِرٍ / إِلّا بِأَلفاظٍ لَها وَمَعانِ
هَدَّ الكَنائِسَ ما وَعَت جُدرانُها / مِن موبِقاتِ البَغيِ وَالعُدوانِ
اَفَيُؤمِنونَ بِقَولِ بُطرُسَ أَم لَهُم / فيهِ كِتابٌ لِاِبنِ مَريَمَ ثانِ
لَيتَ القُبورَ إِلى العَراءِ نَبَذنَهُ / لِيَرى مَصيرَ المُلكِ رَأيَ عَيانِ
مُلكٌ تَأَلَّفَ في عُصورٍ جَمَّةٍ / وَاِنحَلَّ بَينَ دَقائِقٍ وَثَوانِ
يا آلَ رومانوفَ أَصبَحَ مُلكُكُم / عِظَةَ الشُعوبِ وَعِبرَةَ الأَزمانِ
ضَجَّ النُعاةُ فَما بَكى حُلَفاؤُكُم / أَينَ الدُموعُ وَكَيفَ يَبكي الجاني
تَبكي الطُلولُ لَكُم وَيَقضي حَقَّكُم / عاوي الذِئابِ وَناعِقُ الغِربانِ
اللَهُ هَدَّ كِيانَكُم بِكَتائِبٍ / يَرمي بِها فَيَهُدَّ كُلَّ كِيانِ
لا تَجزَعوا لِلمُلكِ بَعدَ ذَهابِهِ / المُلكُ لِلَهِ العَلِيِّ الشانِ
سيناءُ تيهي بِالغُزاةِ وَفاخِري / وَاروي الحَديثَ لِسائِرِ الرُكبانِ
ماذا بَدا لَكِ مِن أَعاجيبِ الوَغى / وَشَهِدتِ مِن أَسَدٍ وَمِن قِطعانِ
ماذا رَأَيتِ مِنَ البَواسِلِ إِذ دَعا / داعي العَوانِ فَطارَ كُلُّ جَنانِ
أَرَأَيتِ أَبطالَ الرِجالِ مُشيحَةً / تَلهو بِبيضِ كَواعِبٍ وَغَوانِ
أَعلِمتِ مَن يَلقى الحُتوفَ إِذا الْتَقى / ضاري اللُيوثِ وَناعِمُ الغِزلانِ
مَلَكوا الشِعابَ عَلى العَدُوِّ وَزاحَموا / شَعبَ النُسورِ وَأُمَّةَ العِقبانِ
الجَوُّ يَهتِفُ لِلمَلائِكِ خاشِعاً / وَالأَرضُ تَشهَدُ صَولَةَ الجِنّانِ
رَكِبوا العَزائِمَ فَالرِياحُ جَنائِبٌ / تَنقادُ طَيِّعَةً بِلا أَرسانِ
وَالشُهبُ بَينَ أَكُفِّهِم مَقذوفَةٌ / حَمراءُ تَصبُغُ خُضرَةَ القيعانِ
رُسُلٌ يُشَيِّعُها الرَدى وَرَسائِلٌ / يَرمي بِها مَلَكٌ إِلى شَيطانِ
أَمراقِصَ الفَتَياتِ حينَ تَأَلَّبوا / ظَنّوا الوَغى وَملاعِبَ الفِتيانِ
هَمُّ الفَوارِسِ في القِتالِ وَهَمُّهُم / في قَرعِ أَكوابٍ وَعَزفِ قِيانِ
كانَت مِنَ الأَقوامِ نَشوَةَ جاهِلٍ / وَالسَيفُ يَكشِفُ غَمرَةَ النَشوانِ
يا مِصرُ إِن رَجَعَ المَشوقُ فَقَد وَفى / حُسنُ البَلاءِ بِحُسنِكِ الفَتّانِ
وَلّى عَلى كُرهٍ وَبَينَ ضُلوعِهِ / وَجدٌ يُغالِبُهُ عَلى السُلوانِ
كَم في المَمالِكِ مِن شَجِيٍّ مُغرَمٍ / يَهفو إِلَيكِ وَشَيِّقٍ وَلهانِ
مايَشتَفي بِالوَصلِ مِنكِ مُعَذَّبٌ / إِلّا أَسَأتِ إِلَيهِ بِالهِجرانِ
عَبَثَ الهَوى بِالفُرسِ فيكِ هُنَيهَةً / وَعَبَثتِ بِاليونانِ وَالرومانِ
رَمسيسُ يَعلَمُ أَنَّ بَرقَكِ خُلَّبٌ / وَهَواكِ لَيسَ يَدومُ لِلخِلّانِ
عَقَدَ الهَوى لَكِ بَيعَةً يُدلي بِها / ما شِئتِ مِن زُلفى وَمِن قُربانِ
ضَمَّ الضُلوعَ عَلى هَواكِ وَضَمَّهُ / بَيتُ الشُموسِ وَمَجمَعُ الكُهّانِ
يَهذي بِحُبِّكِ وَالهَياكِلُ خُشَّعٌ / وَالشَعبُ يَسجُدُ وَالشُموسُ رَوانِ
وَالجُندُ مِن حَولِ المَواكِبِ واقِفٌ / صَفَّينِ مِن حَولَيهِما صَفّانِ
تَحتَ البُنودِ الخافِقاتِ يَزينُها / غالي الحَريرِ وَخالِصُ العِقيانِ
وَكَأَنَّ أَعناقَ الجِيادِ مَزاهِرٌ / وَكَأَنَّ تَردادَ الصَهيلِ أَغانِ
تَرمي بِأَعيُنِها الفِجاجَ كَأَنَّما / جُلِبَت صَوافِنُها لِيَومِ رِهانِ
لَم تُنصِفيهِ وَلا ذَكَرتِ عُهودَهُ / بَينَ الوُلوعِ الجَمِّ وَالهَيَمانِ
لا تُنكري عِظَةً يُريكِ سُطورَها / زاهي النُقوشِ وَشامِخُ البُنيانِ
عِظَةٌ تُشيرُ إِلى الدُهورِ وَكُلُّها / قَلبٌ يُشيرُ إِلَيكِ بِالخَفَقانِ
الدَهرُ كَأسُكِ وَالمَمالِكُ كُلُّها / ظَمآى إِلَيكِ وَأَنتِ بِنتُ الحانِ
طوفي بِكَأسِكِ في النَدامى وَاِصرَعي / ما شِئتِ مِن أُمَمٍ وَمِن بُلدانِ
مُدّوا بَني التاميزِ مِن أَبصارِكُم / وَخُذوا أصابِعَكُم عَنِ الآذانِ
وَاِستَقبِلوا سودَ الصَحائِفِ وَاِعلَموا / أَنَّ الكِنانَةَ أَوَّلُ العُنوانِ
آذَيتُمونا مُدمِنينَ فَجَرِّبوا / عُقبى الأَذى وَمَغَبَّةَ الإِدمانِ
كُنتُم ضُيوفَ الدَهرِ ما لِجَلائِكُم / عَن مِصرَ مِن أَجَلٍ وَلا إِبّانِ
هَل كانَ صَوتُ الحَقِّ غَيرَ سَحابَةٍ / زالَت غَواشيها عَنِ الأَذهانِ
هَل كانَ صِدقُ العَهدِ غَيرَ دُعابَةً / هَل كانَ عَدلُ الحُكمِ غَيرَ دِهانِ
رُمنا حَياةَ العامِلينَ فَلَم نَجِد / مِن ناصِرٍ فيكُم وَلا مِعوانِ
حارَبتُمُ الأَخلاقَ حَربَ مُناجِزٍ / يَرمي بِزاخِرَةِ العُبابِ عَوانِ
شَرُّ الجَرائِرِ وَالمَساوي عِندَكُم / شَمَمُ الأَبِيِّ وَنَخوَةُ الغَيرانِ
وَالكُفرُ أَجمَعُ أَن يُحِبَّ بِلادَهُ / حُرُّ السَريرَةِ مُؤمِنُ الوُجدانِ
ما أَولَعَ المَوتَ الزُؤامَ بِأُمَّةٍ / تَرجو الحَياةَ مِنَ العَدُوِّ الشاني
جاءوا فَكانَ مِنَ التَناحُرِ بَينَنا / ما كانَ مِن عَبسٍ وَمِن ذُبيانِ
لَمّا تَأَلَّبَتِ القُلوبُ حِيالَهُم / حَشَدوا لَها جَيشاً مِنَ الأَضغانِ
شَرَعوا لَنا سُبُلَ العَداوَةِ بَينَنا / حَتّى الفَتى وَإِلَهُهُ خَصمانِ
لِلكيمياءِ مِنَ العَجائِبِ عِندَهُم / سِرٌّ يُريكَ تَفَوُّقَ الإِنسانِ
فَتَحتَ خَزائِنُها لَهُم عَن صِبغَةٍ / تَدَعُ الشُعوبَ سَريعَةَ الذَوَبانِ
ساسوا المَمالِكَ وَالشُعوبَ سِياسَةً / رَفَعوا الجَمادَ بِها عَلى الحَيَوانِ
مَلَكوا عَلَينا البُغيَتَينِ فَلَم نَذُق / طَعمَ الحَياةِ وَلَذَّةَ العِرفانِ
الفَقرُ يَرفَعُ بَينَنا أَعلامَهُ / وَالجَهلُ يَضرِبُ فَوقَنا بِجِرانِ
عَضّوا عَلى أَموالِنا بِنَواجِذٍ / أَكَلَت خَزائِنَ مِصرَ وَالسودانِ
تَهمي المُكوسُ عَلى العِبادِ فَلا يَفي / صَوبُ النُضارِ بِصَوبِها الهَتّانِ
تُجبى لِساداتِ البِلادِ وَبَينَها / مُهَجُ الإِماءِ وَأَنفُسُ العِبدانِ
القوتُ يُسلَبُ وَاللِباسُ وَما حَوَت / دارُ الفَقيرِ مِنَ المَتاعِ الفاني
المالُ جَمٌّ في الخَزائِنِ عِندَهُم / وَالجوعُ يَقتُلُنا بِغَيرِ حَنانِ
وَتَرى عَميدَ القَومِ يَبسُطُ كَفَّهُ / يَرجو المَعونَةَ في ذَوي الإِحسانِ
نامَ الَّذي أَفنى الخَزائِنَ ظُلمُهُ / وَأَبو البَنينَ مُسَهَّدُ الأجفانِ
القصر يسبحُ في النعيمِ بربِّهِ / والدار تشهدُ مَصرَعَ السُكّانِ
في كُلِّ يَومٍ مَغرَمٌ وَإِتاوَةٌ / يَتَفَزَّعُ القاصي لَها وَالداني
نَقِموا الشَكاةَ عَلى الحَزينِ فَأَمسَكوا / مِنّا بِكُلِّ فَمٍ وَكُلِّ لِسانِ
نَفَضوا الكِنانَةَ مِن ذَخائِرِها فَهَل / نَفَضوا جَوانِحَها مِنَ الأَحزانِ
غَضِبوا عَلى الأَحرارِ في أَوطانِهِم / وَرَضوا بِكُلِّ مُداهِنٍ خَوّانِ
أَسرٌ وَتَشريدٌ وَضَربٌ موجِعٌ / وَأَذىً يُبَرِّحُ بِالبَريءِ العاني
هُم قَدَّموا القَومَ الطَغامَ وَأَخَّروا / مَلَأَ السُراةِ وَمَعشَرَ الأَعيانِ
نُبِّئتُ ما زَعَمَ الشَريفُ وَقَومُهُ / فَسَمِعتُ ما لَم تَسمَعِ الأُذنانِ
وَرَأَيتُ ما زانَ المُلوكَ فَلَم أَجِد / كَطِرازِ مُلكٍ بِاِسمِهِ مُزدانِ
خَدَعوهُ إِذ ضاقَ السَبيلُ بِمَكرِهِم / وَرَموا بِآمالٍ إِلَيهِ حِسانِ
فَأَباحَ ما مَنَعَت فَوارِسُ هاشِمٍ / وَحَمَت وُلاةُ البَيتِ من عدنانِ
يا ذا الجَلالَةِ لا سَعِدتَ بِتاجِهِ / مُلكاً سِواكَ بِهِ السَعيدُ الهاني
أَمَلَكتَ ما بَينَ البَقيعِ فَجُدَّةٍ / وَأَبَحتَ جَيشَكَ ما وَراءَ مَعانِ
وَبَصَرتَ بِالوُزراءِ حَولَكَ خُشَّعاً / تُمضي أُمورَ المُلكِ في الإيوانِ
يُجبى إِلَيكَ مِنَ البِلادِ خَراجُها / ما بَينَ ذي سَلَمٍ إِلى عُسفانِ
مُلكٌ أَمَدَّكَ مِن خَزائِنِهِ بِما / أَعيا الجُباةَ وَناءَ بِالخُزّانِ
الجُندُ مَعقودُ اللِواءِ لِفَيصَلٍ / بَينَ الظُبى وَعَوامِلِ المُرّانِ
يَلقى النَبِيَّ مُدَجَّجاً في جُندِهِ / وَبَنو أَبيهِ عَلى اللِواءِ حَوانِ
أَيَقودُ جَيشَكَ أَم يَقودُ عُيَينَةٌ / شُمَّ الفَوارِسِ مِن بَني غَطفانِ
سَلَبوا اللِقاحَ وَإِنَّ دينَ مُحَمَّدٍ / لَأَعَزُّ مِن إِبلٍ عَلَيهِ وَضانِ
أَهدى إِلَيكَ مِنَ المَفاخِرِ مِثلَ ما / أَهدى يَزيدُ إِلى بَني شَيبانِ
فَتَحَ الحِجازَ رِمالَهُ وَصُخورَهُ / وَأَتى إِلَيكَ بِرَندِهِ وَالبانِ
اعذُر شُعوبَ المُسلِمينَ إِذا هَفَت / إِنّي أَرى الحَرَمَينِ يَنتَفِضانِ
وَلَئِن جَرَت حَولَ النَبِيِّ عُيونُها / فَلَقَد رَأَت عَينَيهِ تَنهَمِلانِ
تَمحو السُيوفُ وَلِلحَقائِقِ حُكمُها / مُلكَ الخَيالِ وَدَولَةَ الصِبيانِ
ما المُلكُ مِن عِزٍّ وَبَأسٍ صادِقٍ / كَالمُلكِ مِن كَذِبٍ وَمِن بُهتانِ
صونوا بَني الأَعرابِ مِن عَوراتِها / دَعوى لَعَمرِ اللَهِ غَيرَ حَصانِ
غَشّى عَلى أَبصارِكُم وَقُلوبِكُم / كَاللَيلِ مِن حُجُبٍ وَمِن أَكنانِ
أَنَسيتُمُ الآياتِ بالِغَةً فَما / بِصَحائِفِ التاريخِ مِن نِسيانِ
التُركُ جُندُ اللَهِ لَولا بَأسُهُم / لَم يَبقَ في الدُنيا مُقيمُ أَذانِ
خُلَفاؤُهُ الأَبرارُ نَزَّهَ حُبَّهُم / فيهِ وَطَهَّرَهُم مِنَ الأَدرانِ
لَم يَخذُلوهُ وَلا أَضاعوا حَقَّهُ / في شِدَّةٍ مِن أَمرِهِم وَلَيانِ
صانوا بِحَدِّ السَيفِ حَوزَةَ مُلكِهِم / وَحِفاظَ كُلِّ مُشَيَّعٍ صَلَتانِ
يَأتَمُّ فيهِ خَليفَةٌ بِخَليفَةٍ / وَيَزيدُ خاقانٌ عَلى خاقانِ
بِالمَغرِبَينِ مَمالِكٌ أَودى بِها / عَبَثُ الخَلائِفِ مِن بَني قَحطانِ
أَودى بِها عَبدُ العَزيزِ وَقَومُهُ / قَومُ الخَليعِ وَشيعَةُ السَكرانِ
تَشقى رَعِيَّتُهُ وَيَظمَأُ مُلكُهُ / فَيَلوذُ مِنهُ بِناعِمٍ رَيّانِ
ذَعَرَ الجَآذِرَ وَالظِباءَ فَما وَفَت / أَفياءُ مِصرَ وَلا رُبى لُبنانِ
مَلِكٌ أَحاطَ بِتاجِهِ وَسَريرِهِ / جَيشُ القِيانِ وَعَسكَرُ الغِلمانِ
تَحمي حِماهُ بِصافِناتِ كُؤوسِها / وَتَصونُهُ بِصَوارِمِ الأَلحانِ
عَصَفَت بِأَندَلُسٍ رِياحُ جَهالَةٍ / مادَت لَها الدُنيا مِنَ الرَجفانِ
صَدَعَت قُوى الإِسلامِ بَينَ مُلوكِها / وَرَمَت بَنيهِ بِأَبرَحِ الأَشجانِ
راحوا يُديرونَ الشِقاقَ وَحَولَهُم / عَينُ المُغيرِ تَدورُ كَالثُعبانِ
يَتَنازَعونَ رِداءَ مُلكٍ مونِقٍ / خَضِلِ الحَواشي مُذهَبِ الأَردانِ
لَبِسَ العَدُوُّ ظِلالَهُ وَتَكَشَّفوا / لِبَني الزَمانِ تَكَشُّفَ العُريانِ
صَدَّ النَبِيُّ مِنَ الحَياءِ بِوَجهِهِ / وَلَوَت أُمَيَّةُ صَفحَةَ الخِزيانِ
وَأَهَلَّ موسى في القُبورِ وَطارِقٌ / يَتَفَجَّعانِ مَعاً وَيَنتَحِبانِ
خَطبٌ تَباعَدَ حينُهُ وَإِخالُهُ / أَدنى الخُطوبِ وَأَقرَبَ الأَحيانِ
أَبكي وَرُزءُ المُسلِمينَ وَما لَقوا / في العالَمينَ أَشَدُّ ما أَبكاني
أَبكي لِدامِيَةِ الجَوانِحِ هاجَها / ما هاجَني مِن دائِها وَشَجاني
الدَهرُ أَندَلُسٌ وَكُلٌّ ذِكرُها / وَعُهودُ سُكّانٍ لَها وَمَغاني
وَالكائِناتُ قَصيدَةٌ تَروي لَنا / عَنها فُنونَ الوَجدِ وَالتَوَقانِ
اللَيلُ فيها وَالنَهارُ كَلاهما / بَيتانِ طولَ الدَهرِ يَبتَدِرانِ
فَهُما رَسولاها إِلى أَهلِ الهَوى / وَهُما الهَوى وَالشَوقُ يَتَّصِلانِ
مُلكٌ هَوى بَينَ الكُؤوسِ جَنازَةً / وَمَضى عَلى نَعشٍ مِنَ الرَيحانِ
يا أَيُّها الشَعبُ الذَلولُ أَما كَفى
يا أَيُّها الشَعبُ الذَلولُ أَما كَفى / ما قالَ أَقطابُ السِياسَةِ فينا
بورِكتَ مِن شَعبٍ يُقادُ بِشَعرَةٍ / لَو كانَ قائِدُكَ المُطاعُ أَمينا
أَخَذَتكَ ثالِثَةُ الصَواعِقِ فَاِستَفِق / أَفَما تَزالُ مُضَلَّلاً مَفتونا
هَل أَنتَ إِذ مَضَتِ البُعوثُ مُخَبِّري / أَتُريدُ دُنيا أَم تُحاوِلُ دينا
إِنَّ الَّذينَ زَعَمتَهُم حُلَفَاءَنا / نَصَروا العِدى نَصراً عَلَيكَ مُبينا
يَتَنازَعونَ تُراثَنا فَإِذا رَضوا / عادَ الضَجيجُ هَوادَةً وَسُكونا
أَعمَلتَ رَأيَكَ في الوَساوِسِ حِقبَةً / وَشَغَلتَ نَفسَكَ بِالمُحالِ سَنينا
وَطَفِقتَ تَهذي بِالعُهودِ وَقَد أَبى / عَهدُ السِياسَةِ أَن يَكونَ مَصونا
الذِئبُ أَصدَقُ مِن أولَئِكَ مَوثِقاً / وَأَبَرُّ مِنهُم ذِمَّةً وَيَمينا
اللِصُّ يَغضَبُ إِن جَعَلنا ذِكرَهُ / يَوماً بذكر زعيمِهم مقرونا
وَأَرى البَغِيَّ عَلى اِختِلافِ شُؤونِها / أَدنى إِلى شَرَفِ الخِلالِ شُؤونا
ضَجَّ الدَمُ المَسفوكُ في يَدِ عُصبَةٍ / جُنَّت بِقَتلِ الأَبرِياءِ جُنونا
بِئسَت حَضارَةُ هادِمينَ رَموا بِها / شُمَّ الفَضائِلِ وَالعُلا فَهَوَينا
جَعَلوا الأَذى في العالَمينَ لَها يَداً / وَالإِثمَ وَجهاً وَالفُسوقَ جَبينا
وَيحَ المَعارِفِ وَالفُنونِ فَإِنَّهُم / جَعَلوا الشُرورَ مَعارِفاً وَفُنونا
ظَنّوا الظُنونَ بِها وَأَعلَمُ أَنَّها / سَتَذوبُ في الدَمِ وَالحَديدِ يَقينا
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ / وَيُنادي كُلَّ ذي عَقلٍ وَدينْ
مُؤمِنٌ ما زَلزَلَتهُ بِدعَةٌ / مِن أَباطيلِ الدُعاةِ المُشرِكينْ
قَهَرَ الطاغوتَ في عُبّادِهِ / وَقَضى المَوتَ عَلَيهِم أَجمَعينْ
جَعَلوا الدينَ لِأَربابِ الهَوى / إِنَّما الدينُ لِرَبِّ العالَمينْ
ذَهَبَ العِلجُ وَوَلّى عَهدُهُ / وَاِنطَوَت آثارُهُ في الغابِرينْ
فَتَنَ القَومَ فَخَرّوا سُجَّداً / لِإِلَهٍ قامَ مِن ماءٍ وَطينْ
شَرُّ مَعبودٍ تَرَدّى حَولَهُ / مِن بَني فِرعَونَ شَرُّ العابِدينْ
مَلَكَ الأَمرَ فَجاءوا خُشَّعاً / وَرَأى الرَأيَ فَراحوا مُذعِنينْ
إيهٍ بَني مِصرَ مِن صُمٍّ وَعُميانِ
إيهٍ بَني مِصرَ مِن صُمٍّ وَعُميانِ / ضَجَّ اللَهيفُ وَهَبَّت صَيحَةُ العاني
أَتَصدِفونَ بِأَبصارٍ وَأَفئِدَةٍ / وَتَجمَحونَ بِأَسماعٍ وَأَذهانِ
فُضَّ الكِتابُ فَسالَت مِن صَحائِفِهِ / مَآتِمُ النيلِ تَجري بِالدَمِ القاني
إيماءَةُ المَوتِ في عُنوانِهِ وَضَحَت / وَالمَوتُ أَبلَغُ مَن يُومي بِعُنوانِ
زِنوا الأُمورَ فَإِنَّ الظُلمَ مَهلَكَةٌ / وَأَعدَلُ الناسِ مَن يَقضي بِميزانِ
ماذا تُريدونَ بَعدَ اليَومِ فَاِنتَبِهوا / لا يَقبَل اللَهُ عُذراً بَعدَ تِبيانِ
أَتُؤمِنونَ بِرَبٍّ لا شَريكَ لَهُ / أَم تُؤمِنونَ بِأَصنامٍ وَأَوثانِ
دينٌ مِنَ العارِ لَم تُرفَع قَواعِدُهُ / إِلّا عَلى طاعَةٍ مِنكُم وَإِذعانِ
لا تَعبُدوا الهُبَلَ الأَعلى وَشيعَتَهُ / شَرُّ البَلِيَّةِ كُفرٌ بَعدَ إيمانِ
لا بارَكَ اللَهُ مِنكُم كُلَّ ذي سَفَهٍ / وَلا رَعى اللَهُ مِنهُم كُلَّ خَوّانِ
صَبّوا الرِياءَ عَلى أَخلاقِهِم فَطَغى / حَتّى رَموا قَومَهُم مِنهُ بِطوفانِ
ثُمَّ اِرعَوَت ضَجَّةُ الآذيِّ وَاِنحَسَرَت / بَقِيَّةُ السَيلِ مِن زورٍ وَبُهتانِ
فَاليَومَ هُم كُلُّ ضاحي الكَيدِ مُنجَرِدٍ / بادي الشَناءَةِ وَالبَغضاءِ عُريانِ
لا يَعصِبُ الرَأسَ لِلشَنعاءِ يَفعَلُها / وَلا يُقَنِّعُ يَوماً وَجهَ خِزيانِ
يا صادِقَ العَهدِ فيما تَدَّعي فِئَةٌ / الذِئبُ أَصدَقُ عَهداً مِنكَ لِلضانِ
ما كانَ أَكبَرَ ما أوتيتَ مِن عِظَمٍ / لَو لَم يَغُرَّكَ هَذا الزائِلُ الفاني
مُلكٌ مِنَ الجاهِ لَم يُرفَع لِذي خَطَرٍ / مِنَ المُلوكِ وَلَم يُجمَع لِخاقانِ
وَطاعَةٌ جاوَزَت أولى طَلائِعِها / أَقصى القَرارَةِ مِن روحٍ وَجُثمانِ
عَمياءُ ما خَفَضَت مِصرُ الجَناحَ لَها / مِن بَطشِ فِرعَونَ أَو مِن بَأسِ هامانِ
لَو كُنتَ غَيرَكَ لَم تَقنَع بِمَنزِلَةٍ / لِأُمَّةٍ آمَنتَ مِن غَيرِ بُرهانِ
أَومَأتَ فَاِستَنفَرَت تُدلي بِبَيعَتِها / وَاِستَرسَلَت مِن زُرافاتٍ وَوحدانِ
في جامِحٍ مِن خُطوبِ الدَهرِ ذي حَرَدٍ / صَعبِ المَقادَةِ لا يُلقي بِأَرسانِ
لَوى الشَكائِمَ وَاِستَشرى لِغايَتِهِ / لا بِالذَلولِ وَلا بِالرَيِّثِ الواني
أَيّامَ تَنساكَ أَخّاذاً بِحُجزَتِها / وَبِالمُخَنَّقِ مِن بَغيٍ وَعُدوانِ
يَطَغى عُرامُكَ في جاهِ اِمرِئٍ صَلِفٍ / يُؤذي الأُباةَ وَيَرمي كُلَّ ذي شانِ
كَذي الطَرائِدِ يَرميها إِذا اِنجَفَلَت / بِكُلِّ ضارٍ هَريتِ الشَدقِ طَيّانِ
مَرحى فَتى النيلِ لا ظُلمٌ وَلا جَنَفٌ / جازَيتَ قَومَكَ نِسياناً بِنِسيانِ
ضَجَّت بِلادُكَ تَشكو ما صَنَعتَ بِها / دَعها تَضِجُّ وَتَشكو غَيرَ أَسوانِ
ماذا يُضيرُكَ إِن باتَت مُرَوَّعَةً / وَلهى وَبِتَّ بِلَيلِ الناعِمِ الهاني
إِن كُنتَ جازَيتَ بِالكُفرانِ نِعمَتَها / فَقَد رَمَت كُلَّ ذي نُعمى بِكُفرانِ
لا يَغضَبِ المَجدُ إِنَّ الحُرَّ يَفدَحُهُ / ظُلمُ البَريءِ وَنَصرُ الجارِمِ الجاني
يا سَعدُ إِنَّكَ ذو عِلمٍ وَتَجرِبَةٍ / فَاربَأ بِنَفسِكَ عَن خِزىً وَخُسرانِ
أَسرَفتُ في النُصحِ حَتّى مَلَّني قَلَمٌ / أَرعاهُ في الأَدَبِ العالي وَيَرعاني
يَأبى الضَراعَةَ إِلّا أَن يَدينَ بِها / لِواحِدٍ قاهِرِ السُلطانِ ديَّانِ
خدنُ المروءة لم تُقدَر مراتبه / في حبِّ مصرَ لأترابٍ وَأَخدانِ
حُرُّ المَواقِفِ في الأَقلامِ كابِرُها / عَفُّ الصَحائِفِ في سِرٍّ وَإِعلانِ
لا يَعرِفُ القَومُ هَل يَرمي بِذي شُعَلٍ / مِن مارِجِ الشِعرِ أَم يَرمي بِبُركانِ
يا زاجِرَ الطَيرِ أَمسِك عَن بَوارِحِها / ماذا تَهيجُ سِوى تَنعابِ غِربانِ
لا مَنطِقُ الطَيرِ مِن وَحيِ القَريضِ وَلا / عِندي بَقِيَّةُ عِلمٍ مِن سُلَيمانِ
لَكِنَّ لي نَظَراتٍ ما تُخادِعُني / أَرمي الأُمورَ بِها عَن قَلبِ لُقمانِ
شَمِّر إِزارَكَ إِنَّ الأَمرَ مُنتَظِرُ / وَالدَهرُ وَيحَكَ ذو رَيبٍ وَحِدثانِ
لَتَشرَبَنَّ الأَذى مَلأى مَناقِعُهُ / وَالشَربُ حَولَكَ مِن مُودٍ وَنَشوانِ
لا يُفلِحُ القَومُ تَستَعصي عَمايَتُهُم / عَلى الهُداةِ وَلَو جاءوا بِفُرقانِ
إيهٍ بَني مِصرَ جازَ الأَمرُ غايَتَهُ / وَذاعَ سِرُّ اللَيالي بَعدَ كِتمانِ
دَعوا اللجاجَ وَسُدّوا كُلَّ مُنفَرِجٍ / وَأَجمَعوا الرَأيَ مِن شِيبٍ وَشُبّانِ
هَل تَحمِلونَ لِمِصرٍ في جَوانِحِكُم / إِلّا بَراكينَ أَحقادٍ وَأَضغانِ
يَطغى السِبابُ حَوالَيها لِيُطفِئَها / وَما يَزيدُ لَظاها غَيرَ طُغيانِ
يا قَومَنا هَل رَأَيتُم قَبلَ مِحنَتِكُم / مَن قامَ يُطفِئُ نيراناً بِنيرانِ
مَن لي بِكُلِّ حَثيثِ المَدِّ مُطَّرِدٍ / وَكُلِّ مُندَفِقِ الشُؤبوبِ هَتّانِ
لَو عَظَّموا حُرُماتِ النيلِ ما اِضطَرَمَت / أَحقادُ قَلبٍ بِماءِ النيلِ رَيّانِ
لا مَطلَبَ اليَومَ إِلّا الحَقُّ نُكبِرُهُ / عَن أَن يَهونَ وَأَن يُرمى بِنُقصانِ
قالوا خُذوهُ نُجوماً فَهوَ مُدَّخَرٌ / في مَخلَبِ اللَيثِ يَحميهِ لِإِبّانِ
اللَهُ أَكبَرُ جَدَّ اللاعِبونَ بِنا / وَأَعمَلَ الذَمَّ فينا كُلُّ طَعّانِ
أَما يَرَونَ بَوادينا سِوى نَعَمٍ / وَلا يُصيبونَ مِنّا غَيرَ قِطعانِ
سَيَكشِفُ الجِدُّ عَنهُم كُلَّ غاشِيَةٍ / وَيوقِظُ الحَقُّ مِنهُم كُلَّ وَسنانِ
ضُمّوا القُلوبَ شَبابَ النيلِ وَاِعتَزِموا / لا يَشمِتَنَّ بِكُم ذو البِغضَةِ الشاني
ظَنَّ الظُنونَ بِكُم مَن لَيسَ يَعرِفُكُم / وَالأَمرُ ذو صُوَرٍ شَتّى وَأَلوانِ
أَينَ العُقولُ بِنورِ اللَهِ مُشرِقَةً / أَينَ الذَخائِرُ مِن عِلمٍ وَعِرفانِ
أَينَ الضَمائِرُ وَالأَخلاقُ طاهِرَةً / أَينَ المَواقِفُ تَشفي كُلَّ حَرّانِ
مِصرُ الفَتِيَّةُ إِن هاجَت حَمِيَّتَكُم / كُنتُم لَها خَيرَ أَنصارٍ وَأَعوانِ
الهادِمونَ كَثيرٌ بَينَ أَظهُرِكُم / شُدّوا البِناءَ وَصونوا حُرمَةَ الباني
أَما تَسيلُ نُفوسٌ ريعَ جانِبُها / عَلى جَوانِبَ تَبكيهِ وَأَركانِ
مَدَّ اليَمينَ إِلَيكُم يَستَغيثُ بِكُم / هُبّوا سِراعاً وَمُدّوهُ بِأَيمانِ
أَإِن طَوى العَيشَ آثَرتُم لِأَنفُسِكُم / ما آثَرَ اليَومَ مِن قَبرٍ وَأَكفانِ
أُعيذُكُم مِن وَفاءٍ راحَ يُنكِرُهُ / ما في الجَوانِحِ مِن صَبرٍ وَسَلوانِ
خُذوا السَبيلَ إِلى العَلياءِ وَاِستَبقوا / لِلمَجدِ في كُلِّ مُستَنٍّ وَمَيدانِ
أَدَعوَةُ الحَقِّ أَولى أَن يُصاخَ لَها / أَم دَعوَةٌ خَرَجَت مِن جَوفِ شَيطانِ
اليَومَ آذَنَ بِالآياتِ مُرسِلُها / ماذا تُرَجّونَ مِنهُ بَعدَ إيذانِ
إِن تَعلِقِ اليَومَ بِالأَعناقِ بَيعَتُهُ / يَعلَق بِكُلِّ وَريدٍ نابُ ثُعبانِ
لَو كُنتُ حاشايَ مِمَّن راحَ يَحمِلُها / طارَت بِها الريحُ فَوضَى مُنذُ أَزمانِ
تِربُ الإِساءَةِ لَم يَحمِل لِأُمَّتِهِ / غَيرَ العُقوقِ وَلَم يَهمِم بِإِحسانِ
جَمُّ الأَراجيحِ لِلأَقوامِ يَنصِبُها / يَظُنُّ أَحلامَهُم أَحلامَ صِبيانِ
مَن يَغلِبُ اللَهَ أَو يَرمي خَلائِفَهُ / في العالَمينَ بِكَيدٍ أَو بِخِذلانِ
الرافِعينَ لِواءَ الحَقِّ مُذ عُرِفوا / مِن كُلِّ راضٍ لِوَجهِ اللَهِ غَضبانِ
المانِعينَ حِمى مِصرٍ إِذا فَزِعَت / وَاِستَصرَخَت مِن بَنيها كُلَّ غَيرانِ
مِن كُلِّ مُتلِفِ مالٍ غَيرَ ذي أَسَفٍ / وَكُلِّ باذِلِ نَفسٍ غَيرَ مَنّانِ
عَزَّت بِهِم أُمَّةٌ عَزَّت بِما مَلَكَت / في قُوَّةِ الحَقِّ مِن عِزٍّ وَسُلطانِ
نَأبى المَناصِبَ إِلّا في جَوانِحِها / يَنُصُّها كُلُّ ذي لُبٍّ وَوِجدانِ
ونزدري المالَ إلا أن تفيض به / دقَّاتُ قلبٍ بنجوى الحبِّ رنَّانِ
قَياصِرُ الحَقِّ نَستَولي عَلى سُرُرٍ / مِنَ الجَلالِ وَنَستَعلي بِتيجانِ
لا نَبتَغي غَيرَ دُنيا الأَنبِياءِ وَلا / نَرضى سِوى اللَهِ مِن رَبٍّ لَنا ثانِ
لَنا عَلى كُلِّ قَومٍ يوزَنونَ بِنا / مِلءُ المَوازينِ مِن فَضلٍ وَرُجحانِ
لَم يُؤثِرِ الخُطَّةَ المُثلى طَواعِيَةً / لِلَهِ مَن راحَ يرمينا بِعِصيانِ
رُدّوا المُغيرَ حُماةَ الحَيِّ وَاِحتَرِسوا / إِنَّ السَراحينَ تَخشى كُلَّ يَقظانِ
وَكُلُّ ضَيعَةِ غالٍ حادِثٌ جَلَلٌ / وَلا كَضَيعَةِ أَقوامٍ وَأَوطانِ
جِدّوا إِلى الغايَةِ القُصوى وَلا تَهنوا / إِنَّ الرِجالَ أولو جِدٍّ وَإِمعانِ
دَعوا المَضاجِعَ إِنَّ الرابِضينَ لَكُم / مِلءُ المَراصِدِ مِن إِنسٍ وَجِنّانِ
لا يَسكُنونَ إِذا نَفسُ اِمرِئٍ سَكَنَت / وَلا يَمُرُّ الكَرى مِنهُم بِأَجفانِ
إِن يُبصِروا غِرَّةً لا يُجدِكُم فَزَعٌ / هَل يَرجِعُ الأَمرُ أَعيا بَعدَ إِمكانِ
اللَهُ مِن حَولِكُم يَحمي جَوانِبَكُم / فَجاهِدوا لا تَخافوا كَيدَ إِنسانِ
بَني الآمالِ قَد وَضَحَ اليَقينُ
بَني الآمالِ قَد وَضَحَ اليَقينُ / تَجَلّى العامُ وَالعَصرُ المُبينُ
أَطَلَّ عَلى بَني الدُنيا وَليدٌ / أَجَلُّ الحادِثاتِ بِهِ جَنينُ
بَشيرُ الغَيبِ يُلمَحُ في يَدَيهِ / كِتابٌ لا يَضِلُّ وَلا يَخونُ
تُضيءُ حَقائِقُ الآمالِ فيهِ / وَتَنقَشِعُ الوَساوِسُ وَالظُنونُ
وَما تَعمى قُلوبُ الناسِ يَوماً / إِذا عَمِيَت عَنِ الأَمرِ العُيونُ
هِلالَ العامِ أَنتَ لِمِصرَ دُنيا / تُعَظِّمُها وَأَنتَ لِمِصرَ دينُ
تُجَدِّدُ مِن رَسولِ اللَهِ ذِكرى / لَها في كُلِّ جانِحَةٍ رَنينُ
أَتى والناسُ في الظُلُماتِ غَرقى / فَفاضَ النورُ وَاِستَوَتِ السَفينُ
وَقامَت دَولَةُ الأَخلاقِ تَعلو / وَقامَ العَرشُ وَالتاجُ الثَمينُ
وَأَشرَقَتِ الحَضارَةُ فَاِستَضاءَت / بِها الأَجيالُ أَجمَعُ وَالقُرونُ
تَلوذُ بِمَعقِلٍ لِلعَدلِ عالٍ / تَلوذُ بِهِ المَعاقِلُ وَالحُصونُ
نُحِبُّ مُحَمَّداً وَنَصونُ فيهِ / لِعيسى ما يُحِبُّ وَما يَصونُ
وَنُكرِمُ قَومَهُ وَنَكونُ مِنهُم / بِحَيثُ يَكونُ ذو الرَحِمِ الضَنينُ
تُؤَلِّفُ بَينَنا آمالُ مِصرٍ / وَتَجمَعُنا الحَوادِثُ وَالشُؤونُ
تَوَلَّ أَمورَنا يا رَبِّ إِنّا / بِكَ اللَّهُمَّ وَحدَكَ نَستَعينُ
وَمَهما نَبغِ مِن شَرَفٍ وَمَجدٍ / فَأَنتَ بِهِ كَفيلٌ أَو ضَمينُ
سَيَملِكُ أَمرَهُ الشَعبُ المُفَدّى / وَيَرفَعُ ذِكرَهُ البَلَدُ الأَمينُ
مَرحَباً بِالإِخاءِ في حَرَمِ اللَ
مَرحَباً بِالإِخاءِ في حَرَمِ اللَ / هِ وَأَهلاً بِقَومِنا الصالِحينا
حَيِّ آلَ المَسيحِ يا بَيتُ واقِضِ ال / حَقَّ عَن آلِ أَحمَدٍ أَجمَعينا
اكتبِ العَهدَ بَينَنا وَاِجعَلِ المُص / حَفَ خَيرَ الشُهودِ فيهِم وَفينا
حَسبُنا اللَهُ لا نُريدُ سِواهُ / مِن كَفيلٍ وَلا نُريدُ ضَمينا
إِن عَقَدنا عُرى الوَفاءِ لِمِصرٍ / وَجَعَلنا الإِخاءَ دُنيا وَدينا
فَهيَ لِلَهِ حُرمَةٌ مَن يَصُنها / يَحيَ في ظِلِّهِ الظَليلِ مَصونا
إِنَّ مَن عَقَّ مِن بَني النيلِ مِصراً / عَقَّ آباءَهُ وَخانَ البَنينا
رَبَّنا هَب لَها الجَزيلَ مِنَ الخَي / رِ وَوَفِّق أَبناءَها العامِلينا
ناشَدَتنا العَهدَ المَصونَ فَكُنّا / أُمَّةً بَرَّةً وَشَعباً أَمينا
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم
يا أَيُّها الناسُ إِنَّ اللَهَ يَأمُرُكُم / أَلّا تَكونوا لِأَهلِ الظُلمِ أَعوانا
يا قَومُ إِلّا تُطيعوا اللَهَ أَمطَرَكُم / رِجزاً وَجَلَّلَكُم خِزياً وَخُسرانا
يا قَومِ لا تَنصُروا مَن لَيسَ يَنصُرُهُ / وَلا تَكونوا لِمَن عاداهُ إِخوانا
يَلقى العِدى طاعَةً مِنكُم وَمَسكَنَةً / إِذا اِستَبَدّوا وَيَلقى اللَهُ عِصيانا
إِنّي أَخافُ عَلَيكُم حادِثاً جَلَلاً / لا تَملِكونَ لَهُ رَدّاً إِذا حانا
أَرى لَكُم في بَريدِ الدَهرِ مَألَكَةً / يَموجُ فيها الدَمُ المَسفوحُ عُنوانا
ما عُذرُ قَومٍ تَمادوا في عَمايَتِهِم / لَم يَألُهُم رَبُّهُم نُصحاً وَتِبيانا
لا يَأمُرونَ بِغَيرِ الظُلمِ أَنفُسَهُم / وَاللَهُ يَأمُرُهُم عَدلاً وَإِحسانا
أَتصِدفونَ عَنِ الآياتِ ساطِعَةً / تَجلو العَمى وَتُضيءُ القَلبَ إيمانا
مِلتُم عَنِ النورِ يَمحو كُلَّ داجِيَةٍ / وَاِنصاعَ رائِدُكُم في الأَرضِ حَيرانا
لَمّا ذَهَبتُم سَواماً لا رُعاةَ لَها / سالَت عَلَيكُم فِجاجُ الأَرضِ ذُؤبانا
تَنازَعَتكُم أَكُّفُ الطامِعينَ بِها / فَأَصبَحَ الجَمعُ أَسراباً وَقُطعانا
هَل تَملِكونَ مِنَ الدُنيا لَكُم وَطَناً / أَم تَعرِفونَ بِها عِزّاً وَسُلطانا
اليَومَ يَبكي عَلى الإِسلامِ شاعِرُهُ / وَيَملَأُ الدَهرَ إِعوالاً وَإرنانا
ضَجَّ الكِتابُ وَضَجَّ البَيتُ مِن أَسَفٍ / وَباتَ فيكم رَسولُ اللَهِ غَضبانا
يا أُمَّةَ النيلِ هُبّي اليَومَ وَاِنطَلِقي / أَما تَرَينَ حِمى الإِسلامِ قَد هانا
رِدي الحَياةَ وَعُبّي في مَشارِعِها / إِنّي أَرى النيلَ ذا الأَنهارِ ظَمآنا
خُذي نَصيبَكِ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ / وَوَدِّعي مِن حَياةِ الذُلِّ ما كانا
اللَهُ أَكبَرُ إِنَّ الناسَ قَد دَلَفوا / فَاِستَرسِلي إِثرَهُم شيباً وَشُبّانا
كُلٌّ يَجِدُّ وَراءَ الحَقِّ يَطلُبُهُ / مِن غاصِبٍ سامَهُ خَسفاً وَإِهوانا
عَصرٌ جَديدٌ وَدُنيا لا نُساءُ بِها / وَلا نَذوقُ الَّذي ذُقنا بِدُنيانا
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها / أَم قَد حَمَلتَ أَمانَةَ الأَوطانِ
الدَهرُ عَينٌ وَالمَمالِكُ أَلسُنٌ / وَالنيلُ قَلبٌ دائِمُ الخَفَقانِ
قُل لِلأُلى وَزَنوا الشُعوبَ تَذَكَّروا / في مِصرَ شَعباً راجِحَ الميزانِ
وَإِذا رَماكَ أولو الخُصومَةِ فَاِرمِهِم / بِالحُجَّةِ الكُبرى وَبِالبُرهانِ
وَاِصدَع غَيابَةَ كُلِّ شَكٍّ مُظلِمٍ / بِشِهابِ عِلمٍ ساطِعٍ وَبَيانِ
سَكَنَت أَكُفُّ الضارِبينَ عَنِ الظُبى / فَاِضرِب بِقَلبٍ قاطِعٍ وَلِسانِ
إِنَّ الحَياةَ لَنا لَحَقٌّ ثابِتٌ / وَالحَقُّ أَغلَبُ قاهِرُ السُلطانِ
ما لِلقَوِيِّ إِذا تَجاوَزَ حُكمُهُ / يَبغي التَعَسُّفَ بِالضَعيفِ يَدانِ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ / وَاِنظُري الآياتِ حيناً بَعدَ حينْ
كَشَفَ الحِدثانُ عَن مَكنونِها / فَأَزالَ الشَكَّ عَن وَجهِ اليَقينْ
ذَلِكَ الجِدُّ فَذوقي مُرَّهُ / وَخُذيهِ مِن أَكُفِّ اللاعِبينْ
اشرَبي الكَأسَ دِهاقاً وَاِسمَعي / عِظةَ المَخمورِ بَينَ الشارِبينْ
أَنتِ خُنتِ البِرَّ إِذ لَم تَعرِفي / مَوضِعَ الخائِنِ وَالبَرِّ الأَمينْ
تَجعَلينَ الأَمرَ فَوضى ما لَهُ / مِن نِظامٍ واضِحٍ لِلمُستَبينْ
وَتَرَينَ الناسَ ناساً كُلَّهُم / مِن مَناجيدَ وَصَرعى خامِدينْ
أَضلالاً مِنكِ تَجزينَ الأُلى / أَفسَدوا الأَمرَ جَزاءَ المُصلِحينْ
وَتُقيمينَ رِجالاً نَقَضوا / عَهدَكِ الأَوفى مَقامَ المُخلِصينْ
إيهِ يا مِصرُ أَلَمّا تَعلَمي / حادِثاتِ الدَهرِ في ماضي السِنينْ
إيهِ يا مِصرُ اِذكُريها وَاِنظُري / أَيَّ شَعبٍ شَعبَكِ العاني الحَزينْ
وَكِلي الأَمرَ إِلى اللَهِ فَما / لَكِ في الدُنيا سِواهُ مِن مُعينْ
عُدَّةُ الأَقطارِ في شِدَّتِها / وَغِياثُ الأُمَمِ المُستَضعَفينْ
يَدفَعُ الأَهوالَ عَن مَكروبِها / حينَ لا يُرجى دِفاعُ الناصِرينْ
وَيُعيدُ المَيتَ مِن آمالِها / مُشرِقَ الطَلعَةِ وَضّاحَ الجَبينْ
مالِكُ المُلكِ مَضَت أَحكامُهُ / وَجَرَت أَقدارُهُ في العالَمينْ
ما لِنفسٍ قُوَّةٌ في مُلكِهِ / جَلَّ ذو القُوَّةِ وَالحَولِ المَتينْ
تَذهَبُ الهَزَّةُ مِن أُسطولِهِ / بِأَساطيلِ المُلوكِ القادِرينْ
وَإِذا ما هَمَّ يَوماً جُندُهُ / فَالمَنايا لِلجُنودِ الغالِبينْ
سائِلِ الغَبراءَ كَم مِن دُوَلٍ / ذَهَبَت آثارُها في الغابِرينْ
حَمَلَتها أَعصُراً ثُمَّ اِنطَوَت / في عُصورِ الذاهِبينَ الأَوَّلينْ
هَمَدَت في جانِبٍ مِن بَطنِها / يَسَعُ الأَحياءَ مِنّا أَجمَعينْ
سَل عَنِ التيجانِ وَاِنظُر هَل تَرى / فيهِ شَيئاً مِن عُروشِ المالِكينْ
وَتَأَمَّل هَل لَهُم في جَوفِهِ / مِن جُنودٍ أَو بُنودٍ أَو سَفينْ
قَلِّبِ التُربَ فَكَم في التُربِ مِن / دَولَةٍ صَرعى وَمِن مُلكٍ دَفينْ
مَعرضُ الأَجيالِ إِن طُفتَ بِهِ / فَتَمَهَّل وَاِتَّئِد في الطائِفينْ
وَاِجعَلِ المِصباحَ في ظُلمَتِهِ / عِبرَةَ المَوتِ لِقَومٍ مُبصِرينْ
إِنَّما الدُنيا حَياةٌ تَنقَضي / وَحَديثٌ نافِعٌ لِلذاكِرينْ
وَضَحَ الحَقُّ لِقَومٍ جاهِلينْ / فَاِنظُري يا مِصرُ ماذا تَأمُرينْ
أَنتِ لِلَهِ بِناءٌ قائِمٌ / تَلتَوي عَنهُ أُكُفُّ الهادِمينْ
صابِري الأَحداثَ مَهما مَكَرَت / وَثِقي بِاللَهِ خَيرِ الماكِرينْ
لا تُراعي إِنَّ مِن آياتِهِ / ما يُراعي فيكِ مِن دُنيا وَدينْ
اطلُبي ما شِئتِ مِنهُ وَارقُبي / حُكمَهُ في شَعبِكِ العاني الرَهينْ
أَهِيَ الأَحداثُ لا تُنصِفُنا / فَتَعالى اللَهُ خَيرُ الحاكِمينْ
وَيحَ نَفسي وَيحَ مِصرٍ كُلَّما / ذَكَرَت مِصرُ بَنيها الهالِكينْ
يَومَ جاشَ الهَولُ في أَرجائِها / فَاِتَّقَتهُ بِالشَبابِ الناهِضينْ
بِنُفوسٍ أَقبَلَت دَهماؤُها / تَتَرامى مِن أُلوفٍ وَمِئينْ
تَفتَدي مِصرَ وَتَقضي حَقَّها / وَتُريها هِمَمَ المُستَبسِلينْ
حَدِّثي يا مِصرُ عَنهُم وَاِذكُري / كَيفَ كانَت غَضبَةُ الشَعبِ الرَزينْ
أَكرميهِم وَاِحفَظي ما بَذَلوا / مِن دَمٍ غالٍ وَمِن عُمرٍ ثَمينْ
شُهَداءُ الحبِّ بَرّوا وَوَفوا / وَقَضَوا مِن حَقِّهِ ما تَعلَمينْ
عَظَّموا ما شِئتِ مِن حُرمَتِهِ / وَمَضَوا في العُظَماءِ الخالِدينْ
كَيفَ نَنساهُم وَما طالَ المَدى / كَيفَ نَنسى الأُمَناءَ الصادِقينْ
أَرَضينا الغَدرَ ديناً بَعدَهُم / فَعَلى اللَهِ جَزاءُ الغادِرينْ
كَفكَفَ الباكونَ مِن أَدمُعِهِم / فَبَكَتهُم أُمَّهاتُ المُؤمِنينْ
يا لِقَومي لِلثَكالى شَفَّها / إِذ مَضى أَبناؤُها طولُ الرَنينْ
يا لِقَومي لِليَتامى بَعدَهُم / وَالأَيامى وَالشُيوخِ الهامِدينْ
رَحمَةً لِلطِفلِ يَبريهِ الأَسى / لِلأَبِ المودي وَلِلعَمِّ السَجينْ
جَفَّ حَتّى ما تَراهُ أُمُّهُ / حينَ جَفَّت عَنهُ أَيدي المُحسِنينْ
يَطلُبُ القوتَ فَتَبكي وَلَها / جارُ سوءٍ مِن رِجالٍ مُترَفينْ
تَحمِلُ الضُرَّ وَيَشقى جَدُّها / وَهوَ يَندى نَضرَةً في الناعِمينْ
أَطيَبُ الأَنغامِ في مَسمَعِهِ / رِنَّةُ الشَكوى وَتَردادُ الأَنينْ
جُنَّ بِالدُنيا وَلا دُنيا لَهُ / غَيرُ ما أدركَ مِن عَيشٍ مَهينْ
لا يَراهُ الناسُ إِلّا جَشِعاً / بارِزَ الأَنيابِ كَالذِئبِ اللَعينْ
طاحَ بِالخَيرِ وَعَفّى رَسمَهُ / زَمَنٌ لِلشَرِّ مُنبَتُّ القَرينْ
عَلَّمَ الأَقوامَ ما عَلَّمَهُم / مِن سَجايا بَرَّحَت بِالأَكرَمينْ
ما يَوَدُّ الشَعبُ مِن أَخلاقِهِ / غَيرَ أَخلاقِ النُهاةِ الآمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ حَسبي وَكَفى / أَيظَلُّ النيلُ لِلمُستَعمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ صونوا مُلكَهُ / وَأَرى النيلَ لِقَومٍ آخَرينْ
بَشِّروا يا قَومُ إِنّي لَأَرى / في مَصيرِ النيلِ رَأيَ المُنذِرينْ
لا وَمَن أَلقى إِلَينا أَمرَهُ / لا تَرَكناهُ بِأَيدي الخاذِلينْ
نَحنُ حِزبُ اللَهِ صُنّا حَقَّهُ / وَحَفِظنا عَهدَهُ في الناكِثينْ
نَحنُ بايَعناهُ مُذ كُنّا عَلى / نُصرَةِ الحَقِّ وَكُنّا فاعِلينْ
إِن غَضِبنا أَو رَضينا فَلَهُ / لا نُبالي تُرَّهاتِ المُرجِفينْ
نَحمِلُ الأَقلامَ غُرّاً وَلَنا / صُحُفُ الأَبرارِ بَينَ الكاتِبينْ
ما الأَلِبّاءُ كَضُلّالِ النُهى / لا وَلا الأَحرارُ كُالمُستَعبَدينْ
ما رَضينا خُطَّةَ الغاوي وَلا / عابَنا شَأنُ الذَليلِ المُستَكينْ
يا لِقَومي جاهِدوا لا تَهنوا / وَسَيَأتي اللَهُ بِالنَصرِ المُبينْ
أَنجدوا مِصرَ إِذا ما فَزِعَت / وَأَهابَت بِالكُماةِ الباسِلينْ
احفَظوها إِنَّ مِصراً إن تَضِع / ضاعَ في الدُنيا تُراثُ المُسلِمينْ
أَمِن عَرشِ الشَآمِ إِلى أَثينا
أَمِن عَرشِ الشَآمِ إِلى أَثينا / لَقَد هانَت عُروشُ المالِكينا
أَفَيصَلُ في بَني الأَعرابِ آناً / وَفِنزيلوسُ في اليونانِ حينا
لِكُلٍّ مَصرَعٌ جَلَلٌ وَخَطبٌ / يَرِنُّ صَداهُ في الدُنيا رَنينا
أَمِن مَلِكٍ يُطاعُ إِلى شَريدٍ / تُحَيّيهِ الخَلائِقُ ساخِرينا
يَجوبُ الأَرضَ يَنشُدُ في بَنيها / أولي القُربى وَيَلتَمِسُ المُعينا
أَفَنزيلوسُ إِن تَنزِل بِمِصرٍ / فَقَد عَرَفَتكَ بَينَ النازِلينا
وَما جَهِلَت مَكانَكَ حينَ تُزجي / جُيوشَكَ في المَمالِكِ فاتِحينا
أَبادَت في قُرى إِزميرَ قَوماً / وَغالَت في أَدَرنَةَ آخِرينا
تُغيرُ على البِلادِ فَتَحتَويها / وَتَستَلِبُ المَعاقِلَ وَالحُصونا
كَتائِبُ لَم تَدَع لِلتُركِ ذِكراً / بِفَرسالا وَلا جَبَلَي مَلونا
فَمَن يَنسى الفُتوحَ مُحَجَّلاتٍ / بَلاريسا فَإِنّا ما نَسينا
تُعيدُ بِها شَبابَ المُلكِ غَضّاً / وَتَمنَعُ أَن يَذِلَّ وَأَن يُهونا
وَتَحمي مِن بِلادِكَ ما اِستَباحَت / بِحَدِّ السَيفِ أَيدي الغاصِبينا
وَدائِعُ في بَني عُثمانَ حَلَّت / بِأَيدي الباسِلينَ حِمىً أَمينا
بَلَغتَ بِها المَدى وَطَلَبتَ شَأواً / يَفوتُ مَدى القَياصِرِ أَجمَعينا
فَلَم تَرَ غَيرَ مُلكِ النَجمِ شَيئاً / وَلَم تَرَ مِنكَ حينَ هَمَمتَ لينا
تَظُنُّ مَنالَهُ أَمَلاً كَذوباً / وَتَطمَعُ أَنتَ وَحدَكَ أَن يَكونا
أَبَت وَأَبَيتَ فَاِقتَحَمَتكَ غَضبى / وَكانَ فِرارُكَ النَصرَ المُبينا
وَما بَرَحَ الغُزاةُ ذَوي فِرارٍ / إِذا كَرِهَت نُفوسُهُم المَنونا
يَرى الحُكَماءُ أَمضى الناسِ بَأساً / غَداةَ الحَربِ أَكثَرَهُم جُنونا
وَما مِن حِكمَةٍ في الأَرضِ إِلّا / لِقَومِكَ فَضلُها في العالَمينا
فَدَع ما أَحدَثَ العُلَماءُ وَاِرجِع / إِلى عِلمِ الثِقاتِ الأَوَّلينا
وَلا تُؤمِن بِساسَتِهِ زَماناً / يَعُدُّ سِياسَةَ الجُهَلاءِ دينا
شَهادَةُ مُفسِدِ الأَحداثِ مُؤذٍ / يَرى الإِصلاحَ دَأبَ المُفسِدينا
هُمُ السُمُّ المَشوبُ يُظَنُّ شَهداً / وَتَفضَحُهُ مَنايا الشارِبينا
أَلَم تَرَ لِلشُعوبِ وَكَيفَ أَمسَت / تُقَلِّبُهُم أَكُفُّ اللاعِبينا
إِذا دارَت بِهِم ذَهَبوا وَجاءوا / أَذِلّاءَ النُفوسِ مُسخَّرينا
إِذا كانَ السَلامُ بَقوا مَتاعاً / فَإِن تَكُنِ الوَغى ذَهَبوا طَحينا
إِذا نَظَرَ الفَتى شَعباً جَريحاً / أَصابَ حِيالَهُ شَعباً دَفينا
جِنايَةُ مَعشَرٍ غَلَبَت عَلَيهِم / نُفوسُ جَبابِرٍ ما يَرعَوينا
مَلَأنَ مَآتِمَ الهَلكى عَويلاً / وَزِدنَ مَصارِعَ الجَرحى أَنينا
مَلَكنَ الأَرضَ فَاِستَعلَينَ فيها / وَأَحدَثنَ الحَوادِثَ وَالشُؤونا
كَأَنَّ اللَهَ لَيسَ بِذي مِحالٍ / يَهُدُّ عَزائِمَ المُتَجَبِّرينا
لَهُ الآياتُ تَصدَعُ كُلَّ شَكٍّ / وَتَعصِفُ بِالأُلى جَهِلوا اليَقينا
رَأَيتُ ذَوي العَمى في الناسِ هَلكى / وَلا مِثلَ القُلوبِ إِذا عَمينا
وَمَن زَعَمَ الغَوائِلَ غافِلاتٍ / فَقَد ظَلَمَ المَزاعِمَ وَالظُنونا
وَإِنَّ حَقائِقَ الحِدثانِ تَأتي / فَتَدمَعُ تُرَّهاتِ الجاهِلينا
سَلِ الدُنيا عَنِ الماضينَ وَاِنظُر / إِلى الدُوَلِ الخَوالي هَل بَقينا
وَقُل لِرِوايَةِ الأَجيالِ ماذا / وَعَيتِ عَنِ الكِرامِ الكاتِبينا
طَوَتهُم حادِثاتُ الدَهرِ فيها / فَهُم صُحُفٌ بِأَيدي القارِئينا
كَذَلِكَ نَحنُ نُصبِحُ بَعدَ حينٍ / صَحائِفَ عِبرَةٍ لِلغابِرينا
شَقينا بِالحَياةِ وَأَيُّ شَعبٍ / تَطيبُ لَهُ حَياةُ المُسلِمينا
أَنُنكَبُ في الشُعوبِ بِكُلِّ خَطبٍ / وَنَذهَبُ في البِلادِ مُشَرَّدينا
نَعوذُ بِباعِثِ المَوتى وَنَرجو / عَوارِفَهُ رَجاءَ العامِلينا
وَلَيسَ بِمُفلِحٍ شَعبٌ جَهولٌ / تُخادِعُهُ أَماني العاجِزينا
يَظَلُّ بِمُستَقَرِّ الهونِ مُلقىً / يُناجي الطَيرَ أَو يُحصي السِنينا
يُرَوِّعُهُ الذُبابُ فَإن تَمَنّى / رَمى الرِئبال وَاِستَلَبَ العَرينا
وَسالَ البَرُّ مِن فَمِهِ جُنوداً / وَماج البَحرُ في يَدِهِ سَفينا
حَنانَكَ رَبَّنا إِنّا أَنَبنا / إِلَيكَ فَنَجِّنا مِمّا لَقينا
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى / وتَموجُ المُدْنُ منها بالمِئينْ
سائلوا النّيلَ عنِ استِقلالكم / ثمّ سيروا خبباً أو مُعْنِقينْ
أَجْمَعُوا الأمرَ وجاءوكم بها / قُطُراً تُزْجَى إليكم كلَّ حينْ
أأعدُّوها لأعيانِ القُرَى / أَمْ أعَدُّوها لقومٍ مُعوزِينْ
يَشترون القُطنَ بِاسْتقلالهم / ويبيعونَ العِدَى إرثَ البنينْ
صفقةٌ للنّيلِ في آثارها / صَرخةُ العاني وإطراقُ الحزينْ
يا عبيدَ المالِ هل فيكم فتىً / يَمنعُ المالَ أكفَّ الغاصِبينْ
أو يرى الأَنفُسَ إن هَمَّتْ بها / ضرَباتُ القومِ في حِرزٍ أَمينْ
اجْمَعوا المالَ لأيدي السَّالبينْ / وَلِدُوا الأبناءَ للمُستَعبِدينْ
هل رأيتم أمّةً تحيا على / ما تُلاقون حياةَ الآمنينْ
ردوا غمراتِها في الواردينا
ردوا غمراتِها في الواردينا / وسيروا في الممالكِ فاتحينا
لكم ما اسْتَعمرَ الأعداءُ منها / وما استلبتْ أكُفُّ الغاصبينا
وما مُلْكُ الهلالِ بِمُستباحٍ / وإن غَفَتِ القواضبُ عنه حينا
لها خُلُقُ الصَّواعقِ حين تُغْفِي / فما يُمْسَكْنَ حتّى يَرتمِينا
تَبيتُ على مَضاجِعها المنايا / مُولَّهةً تظنُّ بها الظنونا
تقرُّ فتفزعُ الدّنيا وتأبى / ممالِكُها الهَوادةَ والسُّكونا
وتبعثُها الوغَى فيسيلُ منها / عُبابُ الموتِ يطوي المعتدينا
يُطوِّحُ بالكتائبِ والسّرايا / ويلتهمُ المعاقلَ والحصونا
سلِ اليونانَ كيف طغَى عليهم / أما كانوا الطُّغاةَ القاهرينا
إذا طلبوا النّجاةَ تلقّفَتْهم / يدا عزريلَ في المُتلقِّفينا
يشقُّ الموجَ إن فَزِعوا إليهم / ويُزجِي من مخالبهِ سفينا
خُطوبٌ زُلزِلتْ أزميرُ منها / وزالت عن مَواقِعها أثينا
إذا ما ساقَ قُسطنطينُ جيشاً / رَمى الغازي فساق له المَنونا
وما بجنودِ قسطنطينَ نُكرٌ / إذا كرَّ الغُزاةُ مُكبِّرينا
يَردُّونَ السّيوفَ بِلا قتالٍ / ويَلْوُونَ الأعِنَّةَ مُعرِضينا
إذا نَظموا الهزائمَ أَحْسَنوها / وزَفُّوها روائعَ يزدهينا
وما تخفى فُنونُ الحربِ يوماً / على الشَّعبِ الذي وَرِثَ الفُنونا
تولَّوْا كالرّياحِ تَهُبُّ نُكْباً / وطاروا كالنَّعامِ مُشرَّدينا
تكاد الأرضُ تُنْكِرُهم إذا ما / تَولَّوْا في الأباطحِ مُدبرينا
تكاد بلادُها ترتابُ فيهم / إذا مَرُّوا بهنَّ مُدمِّرينا
فذلك بأسُهم والبأسُ عَجْزٌ / إذا رَحِمَ الضِّعافَ العاجزينا
وتِلكَ سَبِيلُهم لا عَيْبَ فيها / وإن زَهقتْ نُفوسُ اللّائمينا
ومَن زَعمَ المذابحَ مُنكَراتٍ / فقد زَعمَ الملائكَ مُجرِمينا
أَلَمْ تَسَلِ المدائنَ كيف بادت / ألم تبكِ المنازلَ إذ بُلينا
كساهُنَّ الشُّحوبَ بلىً عَبوسٌ / وكان الحُسْنُ ممّا يكتسينا
سَلِ الأطلالَ من سُفْعٍ وسُودٍ / أهنَّ إلى النَّواعِبَ ينتمينا
أُتِيحَ لهنّ من ظُلمٍ طِلاءٌ / كَلَوْنِ القارِ هُنَّ بهِ طُلينا
ديارَ عُمومتي وبلادَ قومي / متى دَرستْ رسومُكِ خبِّرينا
أثارَ عليكِ من فِيزوفَ سُخطٌ / أمِ اخترمتكِ أيدي السّاخطينا
تَفجَّر فيكِ طُوفانٌ جحيمٌ / هَوَى بكِ موجُه في المُغْرَقينا
لَئِنْ جاش العُبابُ فَذُبْتِ فيه / لقد ذَابتْ نُفوسُ السّاكنينا
جَرَيْنَ على غَوارِبه حَيارَى / دوائبَ يفترِقنَ ويلتقينا
تظلُّ النّارُ تأكلُهم أُلوفاً / وليسوا بالعُصاةِ المُذنبينا
تُصيبُ المُذعِنينَ فتحتويهمْ / وتعصِفُ في وُجوهِ الجافلينا
وتغشَى كُلَّ منزلةٍ وَمَثْوَىً / فيذهبُ كيدُها باللّاجئينا
إذا مالَ السَّبيلُ بها فَحارتْ / هَدتْها صَيْحةُ المُسْتَصرِخْينا
وناعِمةِ الشّبيبةِ ذاتِ طفلٍ / يُضيءُ وسامةً ويَرفُّ لِينا
تَلوذُ بِمهدهِ وتضمُّ مِنهُ / رياحينَ الرّياضِ إذا نَدينا
دَهاها الخطبُ أحمرَ في نُفوسٍ / لَبسْنَ الموتَ أسودَ إذ دُهينا
فعادَ الثَّدْيُ في فمهِ لهيباً / وعاد المَهْدُ في يدِها أَتونا
تثورُ فلا تُريدُ سِوَى طعامٍ / ولا يَفْنَى القِرَى في المُطعميا
تَسيلُ أكفُّهم كَرَماً وبرّاً / إذاجمدتْ أكفُّ الباخلينا
تَبارَوْا في السَّماحِ فجاوَزوهُ / وفاتوا فيه شأوَ السّابقينا
بني الإِغريقِ سُدْتُم كلَّ قومٍ / وزِدتُمْ في الكرامِ المُنعمينا
ترامى ذِكركم في كلِّ أرضٍ / فجابَ سهولَها وطوى الحَزونا
ذهبتُمْ بالصّنائعِ والأيادِي / وجاءَ الأدعياءُ مقلِّدينا
تظلُّ النارُ مِلءَ الأُفقِ تعلو / وتَقذِفُ بالحيارى الذّاهلينا
تُريد حِمَى النُّسورِ فتتَّقِيها / وتطلبُ في السَّحابِ لها وكُونا
فلولا الجوُّ يَمنعُ جانبَيْهِ / ملائكةُ السّماءِ مُرفرفينا
هَوَى القمرانِ من فَزَعٍ وألقى / حِمَى المِرِّيخِ بالمُستضعَفينا
هِضابٌ قُمْنَ من لَهَبٍ عليها / دُخانٌ كالجبالِ إذا رُئينا
بقايا الظُّلمِ من حُمْرٍ وسُودٍ / يُفارِقْنَ البلادَ وينقضينا
تَطلَّعتِ السَّماواتُ ارتْياعاً / وألقتْ نَظرةً تَصِفُ الشُّجونا
ترى الأرضينَ كيف عَنا بنوها / لآلهةٍ عليها قائمينا
فتلك قيامةُ الأحياءِ قامت / ولمّا يأتِ وعدُ السّالفينا
وتلك النّارُ تُلقِي الناسَ فيها / بأرضِ التُّركِ أيدي المُضرِمينا
رَأَوْا أن يُطفِئوا ناراً بنارٍ / فَهلْ بِرَدَتْ قلوبُ الحاقدينا
أبادت قومَنا إلا بقايا / أقاموا بالعَراءِ معذَّبينا
نُفوسٌ ما سُقِينَ به شراباً / سِوَى الأسفِ المُذيبِ ولا غُذينا
نَظَرْنَ الموتَ ثم نظرن أخرى / أَتُدركهنَّ أيدي الرّاحمينا
تضِجُّ الأُمّهاتُ مُفجَّعاتٍ / وينتحبُ البنونَ مُفجَّعينا
حنانَكَ ربَّنا ماذا لَقِينا / أَيُجزَى الصّالحونَ كما جُزِينا
أقاموها لأنفسهم شِفاءً / فما صَدقوا ولا شَفَتِ الجُنونا
لئن ظَنُّوا بجالينوسَ شرّاً / لقد عَرفوا النَّطاسيَّ الأمينا
متى يلمسْ مكانَ السُّوءِ منهم / يُمِتْهُ وينزعِ الدّاءَ الدّفينا
مَسِيحٌ من بني عُثمانَ سَمْحٌ / يُرينا الحقَّ أسطعَ واليقينا
أعزَّ اللهُ دَوْلَتَهُ وأحيا / بهِ أُممَ المشارقِ أجمعينا
وهدَّ ببأسِه أُممَاً شِداداً / نُهِيبُ بها وتأبَى أن تلينا
بَنَى هامانُها للبَغْيِ صرَحاً / تَهابُ قُواهُ أيدي الهادمينا
رمى الغازِي فَزلزلَ جانِبيْهِ / ودَمّرَ رُكنَهُ الضّخمَ المكينا
تطيرُ العاصفاتُ به شَعاعاً / وتنفضُه على الدُّنيا طحينا
ترى هَبَواتِه في كلِّ أفُقٍ / يَرُحْنَ على الجِواءِ ويغتدينا
يَرُعْنَ مسابحَ العِقبانِ فيه / ويُفزِعْنَ الغياهِبَ والدُّجونا
حَوالِكَ لو جُمِعْنَ لكُنَّ ليلاً / يخَافُ صباحُه أن يستبينا
إذا ما الظُّلمُ ذُو الزَّلزالِ أمسى / يَهُزُّ الأرضَ بالمستضعفينا
فَحسْبُ المؤمنين دِفاعُ رامٍ / يَداهُ يدا أميرِ المؤمنينا
تطلَّع والهلالُ يَميلُ غرباً / وأعلامُ الخلافةِ ينطوينا
فأشرفَ يستقيمُ على يَديْهِ / وعُدْنَ به خوافِقَ يعتلينا
يُضلِّلنَ الممالكَ شاخصاتٍ / يَصِلْنَ به الجوانحَ والعيونا
يَرُفُّ رجاؤُهنَّ على رجاء / يُناشِدُ يثربَ العهدَ المصونا
إلى الحرَميْنِ مَفزعُه وفيه / حِمَى الدُّنيا ومحيا العالمينا
بني عثمانَ مَن يَكُ ذا امتراءٍ / فإنّ نُفوسَنا لا يَمترينا
ومَن يَرْعَ الذِّمامَ لكم فَيصْدُقْ / فإنّ اللهَ مَوْلى الصَّادقينا
نَصونُ العهدَ إلا ما نسينا / وكيف يَضيعُ حقُّ اللهِ فينا
أَفي عِرض الخلافةِ وهو بَسْلٌ / تَجولُ مطامعُ المتألِّبينا
ومن أبطالِها وَهُمُ الضّواري / تَنالُ مخالبُ المُتنمِّرينا
رموا بجنودِهم من كلِّ فجٍّ / وجاءوا بالسَّفائنِ مُهطِعينا
وضجّوا بالوعيدِ دماً وناراً / وما يُغنِي ضجيجُ المُوعدينا
هو البأسُ المُصمِّمُ لا نُكوصٌ / ولو ملأوا الفِجاجَ مُناجزينا
نسوا بالدردنيلِ لهم قُبوراً / تفيضُ لها دُموعُ الذّاكرينا
ترى الأسطولَ يَفزعُ حين يمشِي / بساحتِها ويخشعُ مُستكينا
وما وادي الجحيمِ بِمُستطاعٍ / وإن عَزُبَتْ حُلومُ الغافلينا
لئن جَحدوا المصارعَ دامياتٍ / لقد شهِدتْ منايا الهالكينا
لبئس القومُ كالقُطعانِ سِيقوا / إليه وبئسَ مَرْعَى المُصطَلينا
أطاعوا الآمرين فأنزلوهم / بأرضٍ لا تُحبُّ النّازلينا
تدورُ بهم جوانبُها وتهوي / وتَصعدُ في مطارِ الصَّاعدينا
تُطارِدُهم إذا ذَهبوا شِمالاً / وتطلُبُهم إذا انقلبوا يمينا
تثور فتملأ الآفاقَ رُعباً / إذا ملأوا الفضاءَ مُحلِّقينا
إذا انطوتِ الجُنودُ بها رَمَتْها / فراعنةُ الشُّعوبِ بآخرينا
كأنّ بها إلى المُهجاتِ يَمْضِي / بها عزريلُ شوقاً أو حنينا
فما تضعُ السِّلاح وإن تشكَّى / ولا تَدَعُ النُّفوسَ وإن عَيينا
عُبابُ دَمٍ يَقِلُّ سِنينَ حُمراً / طوَى الأجيالَ فيها والقُرونا
هَوَى صَرحُ الدُّهورِ فذاب فيه / كما ذابتْ جُهودُ المُبتَنِينا
وما فَضْلُ الشُّعوبِ إذا أضاعتْ / أواخرُها تُراثَ الأوّلينا
رموا باسمِ الصّليبِ فما أصابوا / ولا وجدوا الصَّليبَ لهم مُعينا
وما يرضَى المسيحُ إذا استباحت / دمَ الضُّعفاءِ أيدي الآثمينا
ولا العذراءُ حين ترى العذارَى / جَوازعَ يَنْتَحِيْنَ ويشتكينا
رأت جللاً من الأحداثِ نُكراً / هَراقَ العينَ واعتصرَ الجبينا
رأت حُورَ الجِنانِ مُصرَّعاتٍ / يُقرِّبْن النُّفوسَ ويفتدينا
يَقُلْنَ لها حَنانَكِ أدركينا / فقد أزرى بنا ما تعلمينا
أَقَومُكِ أم ذِئابٌ عادياتٌ / وأمرُ يسوعَ أم ما تأمرينا
أقاموها على الخُلَطاءِ حرباً / تدكُّ مزاعمَ المتحضِّرينا
جنوها ظالمينَ وغاب عنها / أعزُّ أولي الحفيظةِ غائبينا
فما هابوا الفتى والشيخَ فيها / ولا رَحمِوا الرَّضيعَ ولا الجنينا
ولا تركوا بناتِكِ ناجياتٍ / ولا خَفروا ذمامَكِ مُجمِلينا
إذا ضجّ الدّمُ المُهراقُ ضَجَّتْ / شعوبُكِ رحمةً للمُهرِقينا
وتأخذنا الخطوبُ فإن صبرنا / تداعَوْا في الكنائسِ جازعينا
رمونا بالتعصُّبِ فاشْهديه / وكوني حُجّةَ المُتعصِّبينا
ذَريهم إذ عَصَوْكِ ولم يثوبوا / إلى الوَحْيِ المنزَّلِ أو ذرينا
همو جعلوا الصّليبَ أذىً وبغياً / عليكِ صلاةُ ربّكِ أنصفينا
أقلّي الهمّ واتّئدِي فإنّا / سَيُدرِكُنا غِياثُ المُنجدينا
سما الغازِي المجاهدُ في جنودٍ / لربّكِ ما لهم من غالبينا
وجاء الفتحُ أسطعَ ما يُوارَى / وطار الذُّعرُ بالمُتقهقِرينا
تمرُّ الخيلُ بالأبطالِ رَهْواً / وتمضِي في مواكبها ثَبينا
يُردِّدْنَ الصّهيلَ مُبشِّراتٍ / ويتلون الكتابَ مُبشِّرينا
مشَى جبريلُ يدعو القومَ شتّى / فَلَبُّوهُ وخَرّوا ساجدينا
ونادى القائدُ الأعلى فجاءوا / إليه مكبِّرينَ مُهلِّلينا
وهبَّ الشّعبُ ملءَ الأرضِ يجزي / يدَ الغازي ويلقى الوافدينا
مواكبُ من يَغِبْ في الدّهرِ عنها / فما شهِدَ الملوكَ مُتوَّجينا
ولا عَرفَ الهلالَ يسير فخماً / ولا نظر السُّهى يمشِي رصينا
مَشاهدُ خانتِ الأنباءُ فيها / وضاقَ بها بيانُ الواصفينا
يظلُّ الكاتبُ العربيُّ فيها / يَجورُ به لسانُ الأعجمينا
قَنعنا بالرّوايةِ وانكفأنا / نُهيبُ بقومِنا في القاعدينا
يُهيّجُنا الحديثُ وتعترينا / خيالاتٌ يَلُحنَ ويختفينا
رُبَى أزميرَ ماذا تنظرينا / وأيَّ عَطاءِ ربّكِ تشكرينا
صبرتِ على الأذى فجزاكِ نصراً / وساق إليكِ عُقبى الصّابرينا
وردَّ عليكِ قومَكِ بعد يأسٍ / فَمِنْ غادين فيكِ ورائحينا
أَتَوكِ مُسلِّمينَ فما شجاهم / سوى خَبَبِ العِداةِ مُودّعينا
تودُّ سُيوفُهم أن لو أقاموا / وإن أخذوا الأعِنَّةَ زاهدينا
بقيّةُ مُفسدينَ عَتَوْا فأمسوا / حَصيداً في المصارعِ خامدينا
رمت أيدي التَّبابِ بهم فبانوا / وما تأبَى البقيّةُ أن تَبينا
أتَوْا أزميرَ يَسْتَعلُونَ عِزَّاً / ويستبقونها مُتخايلينا
يَهُزّون السُّيوفَ بها اغتراراً / ويُزجون الجِيادَ مخدَّعينا
نَشاوَى يَحسَبون الأُسْدَ تُغضي / إذا أجَماتُها يوماً غُشينا
وأقربُ ما يكونُ الذّئبُ حَتْفاً / إذا هاجَ الضَّراغمَ مُستَهِينا
نزوها نزوةً لم يعرفوها / وكانوا قبل ذلك جاهلينا
أشادوا بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ / وصاحوا صَيْحةَ المُتَبجِّحينا
فكان حُماتُهم حرباً عليهم / وكانوا الفاتحين الكاذبينا
أتوا غَرِقينَ في صَلَفٍ وكِبرٍ / وعادوا بالهوانِ مُخيَّبينا
ألا بَعُدتْ ديارُ الظّاعنينا / ولا عطفوا الركائبَ راجعينا
تظلُّ الأرضُ تَقذِفُهم سِراعاً / فما ندري أخَلقاً أم كرينا
تطايرَ جمعُهم فَرَقاً وزالوا / عصائبَ كالجرادِ مُطرَّدينا
إذا بلغوا الدّيارَ تَجهَّمَتهُم / فساروا في البلادِ مُباعدينا
خلائقُ ما يُقاربُها حِسابٌ / وإن بَعُدَ المدى بالحاسبينا
ترامَوْا في السّفائنِ واستمرّوا / يَجوبونَ البِقاعَ مُولَّهينا
فضجَّ البحرُ من فَزَعٍ بُكاءً / وماج البَرُّ من جَزَعٍ أنينا
جنايةُ معشرٍ طلبوا مُحالاً / فَهمُّوا بالشّعوبِ مُغرِّرينا
أبادوا النّاسَ شعباً بعد شعبٍ / وقاموا في المآتمِ ساخرينا
تنفّستِ المشارقُ حين صاحوا / بأبطالِ الخلافةِ بارزينا
لَتِلكَ أحبُّ ما تَهَبُ الأمانِي / من النُّعْمَى وأبهجُ ما تُرينا
إلى أيّامنا في الدهرِ بيضاً / نَخوضُ غياهبَ الأحداثِ جُونا
وما للقومِ كالهيجاءِ وِردٌ / إذا وردوا الحُتوفَ مُسالمينا
وما في الأرضِ أعدلُ من حُسامٍ / إذا جَمحَ الهوى بالحاكمينا
وما حقُّ الحياةِ لنا بحقِّ / إذا خِفنا وعيدَ المُبطلينا
ولولا البأسُ ما وَفَتِ الأماني / ولا نَهضتْ جُدودُ العاثرينا
أَمَنْ جَعلَ الهَوانَ له حليفاً / كمن جَعلَ العَنانَ له قرينا
ولولا النّقعُ ينهضُ مُكفَهِرّاً / لما نَهضتْ عروشُ المالكينا
بني عثمانَ مَنْ يضربْ بسيفٍ / فما زلتم سُيوفَ الضّاربينا
ومن يَعبثْ به نَزَقُ الأماني / تُعِدْهُ سيوفُكم ثَبْتاً رزينا
وما لذوي الجهالةِ من عذيرٍ / إذا ركبوا الحُتوفَ مُجرِّبينا
إذا ما النُّصحُ لم يكُ ذا غناءٍ / فإنّ السّيفَ خيرُ النّاصحينا
خُلِقْتُم للجِلادِ وأرضعتكم / ثُدِيُّ الأُمّهاتِ مُدرَّبينا
وما للقومِ في الهيجاءِ كُفءٌ / إذا وُلدوا فوارسَ مُعلَمينا
سَمَوْتُم في الشُّعوبِ بِمُنجباتٍ / يَفِئْنَ إلى غَطارِفَ مُنجبينا
مُطهّرةِ البطونِ مُبارَكاتٍ / يُربِّينَ الرّجالَ مُبارَكينا
نَمْتهُنَّ المنابتُ مُمرعاتٍ / يطيبُ بها غِراسُ المُنبِتينا
فإن يَجهلْ بني عُثمانَ قومٌ / فما عرفوا الأُبوّةَ والبنينا
أولئك أفضلُ الأقوامِ خُلقاً / وأصدقُ أمّةِ الفُرقانِ دينا
يَحلّون الكِتابَ حِمَى نفوسٍ / حَلَلْنَ من السّماءِ بحيث شِينا
أهاب بهم رسولُ اللهِ هُبُّوا / فَهَبّوا بالسُّيوفِ مُجاهدينا
يُنادون الخلافةَ لا تُراعي / فلن نَرْضَى لِتاجكِ أن يهونا
إذا بات العَرينُ بغير حامٍ / ورِيعَ حِمَى الخلائفِ فاذكرينا
لكِ المهجاتُ نَبذلُها فِداءً / ولسنا في الفداءِ بمُسرِفينا
أمانةُ ربّنا صِينَتْ لدينا / وكنّا للأمانةِ حافظينا
دَعَوْتِ فأقسمَ الجيشُ اليمينا / وحسبُكِ أن يُبيدَ الظالمينا
نُجاهِدُ وَحدَنا ونراه حقّاً / وإن نكَصتْ شُعوبُ المسلمينا
ونحن القومُ لا نَخْشَى المنايا / ولا نتهيَّبُ الحربَ الزَبونا
علينا أن نُجيبَ إذا دُعينا / ونَصدُقَ في الوغى مَن يبتلينا
نذمُّ القائلين ولا حياةٌ / لمن يأبَى سبيلَ العاملينا
إذا الخطباءُ للتعليم هَبُّوا / خَطبنا بالسّيوفِ مُعلِّمينا
ونكتبُ في الملاحمِ ما أَردنا / إذا التحمتْ صُفوفُ الكاتبينا
وأضعفَ ما يكونُ القومُ جُنداً / إذا حَشدوا الصّحائفَ صائحينا
تُجادلُ بيّناتُ البأسِ عنّا / إذا ضجَّ الرّجالُ مُجادلينا
لنا الحُجَجُ التي لا رَيْبَ فيها / إذا ارتابتْ قُلوبُ المُنكِرينا
لِنصرِكَ ربَّنا خُضْنا المنايا / وفيكَ وفي رسولِكَ ما لَقينا
دَعَوْتَ إلى الجهادِ ونحن صرعَى / فما أبَتِ السُّيوفُ ولا عَصينا
نهضنا تَخذُلُ الأوصالَ منّا / مناكبُ يَسْتَقِمْنَ ويلتوينا
نَنُوءُ من الجِراحِ بما حملنا / ونمشِي للكفاحِ مُصفَّدينا
نضِجُّ مُكبِّرين إذا رَمَيْنا / ونستبِقُ الجِنانَ إذا رُمِينا
إذا لم نملأ الدُّنيا سلاماً / فلسنا للسُّيوفِ بِمُغْمِدينا
نُقاذِفُ عن ذوي الأرحامِ طُرّاً / ويقذفنا العِدى ببني أبينا
ونعلمُ أنّهم قومٌ ضِعافٌ / شَقُوا بالغاصِبينَ كما شَقِينا
يُسامُونَ الهوانَ أذىً وبغياً / ويأتون الدَنِيَّةَ صاغرينا
إذا انبعثتْ قذائفُهم غَضِبْنا / فإن بعثوا القُلوبَ لنا رضينا
تَبيتُ صُفوفُهم تهفو إلينا / وإن مَضَتِ الطّلائعُ تَتَّقِينا
يُريدونَ الحياةَ ككلِّ شعبٍ / وتقتلُهم قُوى المُستعبِدينا
أولئك قومُنا اللهمَّ فافتحْ / لنا ولقومِنا الفتحَ المُبينا
أروني سيفَ خالدةٍ وعُدُّوا / مناقبَها العُلىَ للمُعْجَبينا
أَروهُ ممالكَ الدُّنيا وقُصّوا / على الأممِ الحديثَ مُفاخِرينا
لئن جَهِلَ التفوُّقَ مُدَّعوهُ / فتلك مَراتبُ المتفوِّقينا
وما للعبقريَّةِ في سواكم / سوى الذّكرى ودعوى المُرجفينا
عَهِدنا الغِيدَ يُؤثِرن الحَشايا / ويُغْلِينَ القلائدَ والبُرينا
فما بالُ التي جَعلتْ حُلاها / حَديدَ الهندِ في المُتلَبِّبينا
رمت بالسّابحاتِ تَسُحُّ ركضاً / إلى الغَمَراتِ تَلْقَى الدَّارِعينا
تَحُطُّ قِناعَها وتخوضُ فيها / فوارسَ بالحديدِ مُقَنَّعينا
وتَلْبَسُ من دَمِ الأبطالِ مِرطاً / تَفيضُ له نُفوسُ اللّابسينا
تَزينُ جُفونَها بالنّقعِ فَرحى / إذا ما زَيَّنَ الكُحلُ الجفونا
وما تَضَعُ السّلاحَ بناتُ قومي / ولا تَدَعُ الحِمَى للواغِلينا
حرائرُ ما شُغِلْنَ بِمُستَحَبٍّ / سِوَى الشَّرفِ الرفيعِ ولا عُنينا
نَمتْهُنَّ المَناسبُ مُشرِقاتٍ / سُلِلْنَ من القواضبِ وانْتُضينا
إذا ما الخيلُ سِرْنَ نَفَرن بيضاً / يُبادرنَ الرَّعال ويَنْبرينا
يُغِرْنَ فَيَسْتلِبْنَ الجيشَ ضخماً / إذا اسْتُلِبَ العقائلُ أو سُبيِنا
فمن يَشهدْ حُماةَ الملكِ يَشهدْ / خِلالَ النّقعِ آساداً وعِينا
يُعاجِلْنَ الصُّفوفَ مُغامِراتٍ / ويغشَوْنَ الحُتوفَ مُغامِرينا
فيا لكَ سُؤْدُداً وطِرازَ مجدٍ / يَروعُ جلالُه المتأنِّقينا
تدفّقَ رَوْنَقُ الإسلامِ يسقي / جوانِبَه ويستسقِي المُتونا
وجال الوحيُ ذو الإشراقِ فيه / فسالَ على أكفِّ القابسينا
أكنتم أمةً خُلِقتْ سُيوفاً / تعالى اللهُ خيرُ الخالقينا
تَخوضُ الحربَ شُبّاناً وشِيباً / وتغشى القتلَ أبكاراً وعونا
لكم نورُ الفتوحِ يُضيءُ فيها / إذا هَزّتْهُ أيدي المِصْلَتينا
سنا عُثمانَ ذِي النُّورَيْنِ فيه / وسِرُّ اللهِ للمتوسِّمينا
طوى الأجيالَ ما واراهُ غِمدٌ / ولا عَرفَ الصياقلَ والقيونا
تجلّتْ غمرةُ اليَونانِ عنكم / وجاءت غَمرةُ المُتحالِفينا
بني عثمانَ أَعْنَقَتِ المطايا / وجَدَّ الجدُّ بالمُتردِّدينا
خُذُوا سُبلَ العُلىَ ركضاً وسيروا / مَيامينَ الرِّكابِ موفَّقينا
لَعمرُ الجامحِينَ لقد أردتم / فأَلْقوا بالأعِنَّةِ مُذعِنينا
إذا خَفضوا الجناحَ لكم رَضيتم / أعزّاءَ المعاطِسِ كابرينا
وإن طلبوا العَوانَ بعثتموها / وسِرتم باللّواءِ مُظفَّرينا
تُحبّون الهَوادةَ ما اسْتقاموا / ولستُمْ للقتالِ بكارهينا
حُماةَ المُلكِ هل للملكِ ذُخرٌ / سِوَى بأسِ الحُماةِ الباسلينا
وما تنأى فَروقُ إذا هممتم / ولا تأبى أدرنةُ أن تدينا
قبورُ الفاتحينَ تَرفُّ شوقاً / وتسألُ ما وقوفُ القادمينا
مضاجعُ للخلائفِ شيّقاتٌ / تحنُّ إلى نوازَع شيِّقينا
لكم مَقْدُونيَا شرقاً وغرباً / فَزُوروا داركم وصِلُوا القطينا
صِلوا إخوانَكم وبني أبيكم / وإن كَرِهَتْ نُفُوسُ الكاشحينا
أقاموا بالديارِ مروَّعاتٍ / يُنادون الحُماةَ مُروّعينا
ديارُ هوىً هلكن أسىً فلمّا / أَتاهُنَّ البشيرُ ضُحىً حيينا
يَكَدْنَ من الحنينِ يجِئنَ رَكباً / يُحيِّين اللواءَ ويحتفينا
مَلَلتُمْ ما يَمَضُّ الحُرَّ منهم / وما مَلّوا الدُّعابةَ والمُجونا
تَواصَوْا بالهَوادةِ وهي زُورٌ / ونادوا بالسّلامِ مُضلِّلينا
رأوا عزماً يَطُمُّ على العوادي / ويَغمرُ حِدَّةَ المُتمرِّدينا
فَباءُوا بالتي لا ظُلمَ فيها / وجاءوا بالقُضاةِ مُحكِّمينا
فما اسْطاعوا لِحُكمِ اللّيثِ رَدّاً / ولا وَجدوا لهم من ناصرينا
رَضُوا بعد التوثُّبِ واستكانوا / لأَغلبَ يَصرعُ المتوثِّبينا
إذا نَفَر الحِفاظُ به تناهَوْا / يَغُضُّونَ النّواظرَ خاشعينا
يَضِنُّ بحقِّهِ والحقُّ عِرضٌ / إذا انْتهكتْهُ أيدي الطّامعينا
أصمُّ العَزْمِ ما وَجدوهُ إلا / كَرُكنِ الطَّودِ مُمتنِعاً ركينا
يُريدُ الأمرَ لا يَبغِي كفيلاً / سِوَى البأسِ الشّديدِ ولا ضمينا
أرادوا ظُلْمَنا فأبَى عليهم / وعلّمهم سجايا الأكرمينا
فعادوا بالمهانةِ في ذَويهم / وعُدنا بالكرامةِ في ذوينا
يُشاوِرُ سَيْفَه والسّيفُ أجدى / إذا لم يُجْدِ لَغْوُ القائلينا
يردُّ الذّاهلين إلى نُهاهم / ويكشِفُ حَيرْةَ المُتعسِّفينا
دَعوا أُسطولَهم فاهتاجَ ذُعراً / وبات جُنودُهم مُتفزِّعينا
لئن أخذوا السَّبيلَ إلى فَروقٍ / لقد أخذوا سبيلَ الذّاهبينا
وإن شَقُّوا الخنادِقَ في جِناقٍ / فقد شَقُّوا القُبورَ مُموِّهينا
تهلّلتِ الخلافةُ إذ نَعَوها / وجاءوها بسيفرَ وارثينا
تولَّوْا عن مغانِمها خَزَايا / وعادوا بالحقائبِ مُخْفِقينا
وما لِعُهودِ سيفَرَ من بقاءٍ / إذا دَلَفَ الكُماةُ مدجَّجينا
وما خُطَطُ الدُّهاةِ بِمُغنياتٍ / إذا خُطَطٌ بأنقرةٍ قضينا
مهبُّ الحادثاتِ إذا ترامَتْ / بها الأقدارُ حُمراً يلتظينا
يَدعْنَ رواكدَ الأقطارِ وَلْهى / وما يَدرِينَ ماذا ينتوينا
إذا بلغ المطارُ بهنّ أرضاً / بلغن من العِدَى ما يشتهينا
يَزُرْنَ مَساقِطَ الآجالِ هِيماً / يَرِدْنَ بها النّجيعَ فيرتوينا
منازل فتيةٍ فزعوا إليها / بآمالِ العُناةِ المُرهَقينا
يعدُّون الخُطى يَنْقُصْنَ حيناً / ويستوفونها مُتلفِّتينا
يخافون الكلامَ فإن تَناجَوْا / تَناجَوْا بينهم مُتخافتينا
أصابوا غِرّةً فمشوا دَبيباً / وساروا خِفيةً مُتسلِّلينا
يُهالُ الغيبُ ذو الأهوالِ منهم / بِمُستخفين فيهِ وساربينا
رأوها نكبةً هَوْجاءَ تأتِي / زَلازِلُها على المُستسلِمينا
ورُوِّعَتِ الخلافةُ في حماها / وضجَّ بنو الخلافةِ نادبينا
فباعوا اللهَ أنفسَهم وهبُّوا / كأصحابِ النبيِّ مُهاجرينا
همُ ابتدروا العَرِينَ فأنقذوهُ / وهم كانوا الحُماةَ المانعينا
سيوفُ اللهِ ليس له سواه / وراياتُ الهُداةِ المُلهَمينا
ترى القُوّادَ والوزراءَ صَرْعَى / على عاري الصَّعيدِ مُجَنْدَلينا
يُلاقون الحُتوفَ وما أساءوا / ولا كانوا الجُناةَ الخائنينا
وما من حيلةٍ في التُّركِ تُجدِي / إذا ذَعروا المقانبَ مُقدِمينا
وهل في طاقةِ القُوّادِ شيءٌ / إذا دهموا الجُيوشَ مُطوِّقينا
همُ امتلكوا النُّفوسَ فأخضعوها / وجاءوا بعد ذلك خاضعينا
وَهُمْ ساقوا الكتائبَ ثم سِيقوا / كأمثالِ العقائرِ مُوثَقينا
أَلحَّ الأُسْرُبُ المسمومُ يَفْري / جَماجِمَهم فخرُّوا هامدينا
يشقُّ لهم عُيونَ الصِّدقِ تمحو / حقائقُها ظُنونَ الزّاعمينا
ترى عُقْبَى الأذى فتفيضُ غَمّاً / وتَقذِفُ بالنُّفوسِ دَماً سخينا
تَتابعَ من يدِ الغازي عليهم / وإن قذفته أيدي القاتلينا
مُثقِّبُ كُلِّ مُعْتَصمٍ وحصنٍ / رماهم في القُبورِ مُثَقَّبينا
كذلك وَعْدُ ربِّكَ حين يأتي / ومن ذا يَعصِمُ المُسْتَهتِرينا
تَظلُّ دموعُ قُسطنطينَ تَهمِي / لِقَتلىَ بالدّماءِ مضرَّجينا
تَولَّى خَوْفَ مصرعِهِ حثيثاً / وخابتْ حِيلةُ المُتربِّصينا
يَذمُّ العرشَ والتّاجَ المُحلَّى / ويلعنُ قومَه في اللّاعنينا
يَعيبون الفِرارَ عليه ظُلماً / وأيُّ النّاسِ يُرضي العائبينا
أما كانوا حديثَ الدهرِ لولا / شرائعُه العُلىَ للهاربينا
يَجودُ بِعرضِه ويَصونُ منهم / بقايا العارِ للمُستهزئينا
لئن جَحدوا مناقِبَهُ وكانوا / يُقيمون المواكبَ شاكرينا
فما جحدت بلاريسا الرَّوابِي / ولا الشُّمُّ الفوارعُ من ملونا
إذا جَدَّ النِّزالُ ارْتَدَّ يعدو / وأقبلَ بالفوارسِ راكضينا
فجاءوا بالنُّفوسِ مُحصَّناتٍ / وقَرُّوا في البُيوتِ مُعسكرينا
فوارسُ لا يَروْنَ الجُبنَ عاراً / إذا غنِموا النُّفوسَ مُتارِكينا
فما تَجنيِ هزائمهُم عليهم / وإن زانتْ سُيوفَ الهازمينا
ولا تمضي مَغانمُهم إذا ما / مَضتْ أسلابُهم في الغانمينا
أقُسطنطينُ مُتَّ وما أرانا / على حُبِّ البقاءِ بخالدينا
كفى بالموتِ صَحْواً للسُّكارَى / وشكراً للصُّحاةِ المُدركينا
لعلّكَ كُنتَ تَطمعُ في حياةٍ / يَسرُّكَ طولُها في المُنظَرينا
ولو أُوتِيتَ سؤلكَ لم تَنَلْها / مطامعَ تصرعُ المُتطاولينا
بنو عثمانَ أحداثُ الليالي / ومُلْكُ التُّركِ دَهرُ الدّاهرينا
يَزولُ القومُ بعدكَ من مَوالٍ / وأحلافٍ وليسوا زائلينا
فإن تكُ قد سَبَقْتَ ذَوِيكَ فَرداً / فموعدُهم غداً في اللّاحقينا
حُماةَ الشّرقِ بُورِكَتِ المواضِي / وطُوبَى للحُماةِ الذّائدينا
أقمتم للأُلى ظلموا وجاروا / مآتِمَ تملأُ الدُّنيا رَنينا
وصُنْتُم مَجدَكم عن كلِّ عادٍ / بكلِّ غَضَنْفَرٍ يحمِي العَرينا
أرادوا شَأوَهُ العالي فكنتم / مَوالِيَهم وكانوا الأسفلينا
لكم نَصرُ الأُلى في يومِ بدرٍ / أُمِدُّوا بالملائكِ مُردِفينا
مَضَى الحكمُ الذي قضتِ المواضي / فَتِلكَ مَصارعُ المُتجبِّرينا
سَلوا أممَ المشارقِ ما دَهاها / وكونوا للمشارقِ مُنقِذينا
تُؤَمِّلُ أن يُصانَ بكم حِماها / ويُوشِكُ ما تُؤمِّلُ أن يكونا
هو الميثاقُ ذُو الحُرُماتِ لَسْتُمْ / طِوالَ الدّهر عنه بحائدينا
تنزَّلَ من بقايا الوَحْيِ نُوراً / يُضيءُ النَّهجَ للمُترسِّمينا
وما نَفَعَ النُّفوسَ ولا هَداها / كنُورِ الله خيرِ المُنزِلينا
أَرونا البطشةَ الكبرى سِراعاً / فإنّ لكم لَبطشُ القادرينا
هُمُ اتخذوا الشُّعوبَ لهم عَبيداً / وعاثوا في الممالكِ مُفسِدينا
أقيموا الحقَّ ليس له سواكم / وَسُوسوا النَّاسَ أجمعَ والشُّؤونا
فذلك عَهدُكم للهِ فيهِ / وللمختارِ عَهْدُ الرّاشدينا
قَضيتُمْ بالكِتابِ فهل رأيتم / كآيات الكتابِ حِمىً حصينا
وهل نَفذتْ قُوى الطَّاغين فيه / ونالت منه أيدي الماكرينا
أَحِصْنَ اللهِ يُوعِدُ كلُّ رامٍ / ويطمعُ أن يكونَ له مُهينا
وما زَجرَ الحُصونَ الشُّمَّ إلا / حَففْنَ به يَطُفْنَ ويحتمينا
سبيلُ المجدِ إيمانٌ وحقٌّ / وسَيْفٌ يَردعُ المُتهجِّمينا
يَعِفُّ عن المظالمِ والدَّنايا / ويرفُقُ بالضِّعافِ الوادعينا
ويَجتنبُ المناهِلَ مُتْرعاتٍ / تَطيبُ نِطافُها للنّاهلينا
يرى حَرَّ الغليلِ وإن تمادَى / أحبَّ مَواردِ المُتعَفِّفينا
تَهيَّبَ رَبَّهُ فازدادَ مجداً / وكان بكلِّ مَكْرُمةٍ قمينا
يُشيرُ فتفزعُ الغَبراءُ منه / ويَفزعُ من شَكاةِ العاتبينا
ويُوهِنُ حادثاتِ الدَّهرِ رُعباً / ويخشَى أن يُصيبَ الواهنينا
سِلاحُ الحقِّ يقطعُ كلَّ عَضْبٍ / ويَصدعُ قُوّةَ المُتهوِّرينا
وما الإِيمانُ للأقوامِ إلا / سبيلُ اللهِ يَهدي السّالكينا
إذا لم يَرْفَعِ البُنيانَ عدلٌ / هَوَتْ جَنبَاتُه بالرّافعينا
وإن ضاعَ التعاونُ في أُناسٍ / عَفتْ آثارُهم في الضّائعينا
بني عثمانَ رَدَّ اللهُ فيكم / خلائفَه وأحيا التّابعينا
فذلك عهدهم لا الأمرُ فَوْضَى / ولا الدُّنيا بأيدي اللّاعبينا
وتلك شرائعُ الإسلامِ عادت / تجبُّ شرائعَ المُسْتَعمرينا
رَفعتُمْ من حضارتِهِ مَناراً / يَفيضُ شُعاعُه للمُدْلجِينا
فأين السُّبلُ بالرُّكبانِ حَيْرَى / وأين حَضارةُ المتوحِّشينا
أبالتاجِ المُعظَّمِ كلَّ يومٍ / يُراءون الممالكَ مُقسِمينا
وما للتّاجِ في الدُّنيا قَرارٌ / إذا صَدقَ الأُلى عقدوا اليمينا
يُكفِّرُ من كبائِرهم ويعفو / وإن أبَوا الإِنابةَ عامدينا
يرى المُستغفرِينَ أشدَّ ذنباً / ويجعلُ رِجزَهُ للتّائبينا
هو الإلحادُ إن جنحوا إليه / فقد علموا جَزاءَ المُلحِدينا
ولن ترضى الجلالةُ عن أناسٍ / تراهم في الضّلالةِ سادرينا
تهين الأَنبياءَ إذا استباحوا / محارمَها وتنفِي المُرسَلينا
لها في كلِّ مملكةٍ وشعبٍ / شرائعُ تُعجب المتعبِّدينا
إذا حُمِلَتْ إليها الشّمسُ غُنماً / فلا طَلعتْ على المتذمِّرينا
ترى الدُّنيا لها مُلكاً مُباحاً / ومن فيها عِباداً طائعينا
عُروشُ الأرضِ إرثٌ في يَدَيها / وتيجانُ الملوكِ الأقدمينا
تَروعُ بعرشِ عُثمانَ الدَّراري / وتستهوِي الشُّموس بتاجِ مينا
كذلك تَخدعُ القومَ الأماني / وتكذبُ تُرّهاتِ المدّعينا
أرادوا بالخلافةِ ما أرادوا / ورَدُّوا المُسلمينَ مُمزَّقينا
يُقيمون الممالكَ واهياتٍ / يَمِلْنَ مع الرّياحِ ويَنْثَنينا
بَنوها أربعاً ولوِ استطاعوا / لشقّوها ممالكَ أربعينا
يَدبُّون الضَراءَ لنا وما هم / وإن خَدعوا الصِّغارَ بضائرينا
إذا دَأبَ القضاءُ يُريد أمراً / تقاصرَ عنه سَعْيُ الدّائبينا
تكشّفتِ الأُمورُ لنا فلسنا / عن السّنَنِ السَّوِيِّ بناكبينا
وفي لوزانَ إذ فَزعوا إليها / وجاءوا بالوُفودِ مُكاثرينا
رأوا ناراً يَطيرُ لها شُواظٌ / تطيرُ له نُفوسُ المُوقِدينا
إذا هاجوا الأسودَ فأفزعوهم / أهابوا بالممالكِ غاضبينا
وقالوا أُمّةٌ سَكْرَى وشعبٌ / يُريد بنا الهَوانَ ويزدرينا
يرى الدُّنيا العريضةَ في يَدَيْهِ / ويَعتدُّ الشُّعوبَ له قطينا
لَعمرُ الكاشِحينَ لقد رَجَعنا / على الأمرِ المدبَّرِ مُجمِعينا
فيا لكِ صخرةً صمّاءَ تأبى / جَوانبُها على المُتمَرِّسينا
تَمادَوْا في الوعيد وسيَّروها / دَعاوَى تُضحِكُ المتأمِّلينا
فما سَمِعَ الأُسودُ لهم عُواءً / ولا خافَ الذُّبابُ لهم طنينا
يَسدُّ وَقَارُ عِصْمَتَ مَسْمَعَيِهِ / إذا عَكَفوا عليه مُهوِّلينا
إذا ما الصَّمتُ أعجبه تولَّى / به صَلَفٌ يَهولُ السّائلينا
فلا صَيحاتُ فنزيلوس تُجدِي / ولا كِرزونُ يطمع أن يُبينا
أَتَوا مُتفائِلينَ لهم ضَجيجٌ / فَردَّ جموعَهم مُتطيِّرينا
إذا راضوه أعجزهم شِماسٌ / يُطيلُ ضَراعةَ المتكبِّرينا
أما والرّاقصاتِ لقد طربنا / لأنباءِ الحُماةِ الرّاقصينا
أساطينُ الممالكِ حيث كانوا / وساداتُ الشُّعوبِ البائسينا
شرائعُ للحضارةِ نَزدريها / وإن فُتِنَ الغُواةُ بها فُتونا
إذا شَرِبوا الكُؤوسَ رَمَى إليهم / بكأسٍ مُرَّةٍ للشّاربينا
وإن شَدَتِ القِيانُ أجال صوتاً / يشُقُّ مرائرَ المُتطرِّبينا
مَقاوِمُ تتركُ الألبابَ حَيْرَى / وتُعجِزُ حِيلةَ المُتحيِّلينا
تَبسّمَ ضاحكاً والأرضُ تعلو / وتَسفُلُ بالدُّهاةِ العابسينا
فقالوا حادثٌ جَللٌ وخطبٌ / يُنازِعنا القرارَ ويزدهينا
وطار البرقُ يُنبِئُ كلَّ شعبٍ / ويخشى أن يَزِلَّ وأن يَمينا
يَجوبُ الأرضَ مُرتاباً مَرُوعاً / ويلقى النّاسَ مُتَّهماً ظنينا
وحسُبك رَوْعَةً نظراتُ عينٍ / ترى عِزريلَ بين الضّاحكينا
سعوا بالرُّوسِ يلتمسون أمراً / ومَن ذا يتبع الرّأيَ الغبينا
أرادوا بالنّمائمِ أن يَؤُوبوا / بأسلابِ الضّراغمِ فائزينا
فما ملكوا لِعصمتَ من قِيادٍ / ولا مَلكَ الدُّهاةُ تشتشرينا
همُ الأحلافُ نَقبلُ ما رضوه / ونَنقمُ ما أبَوْا في النّاقمينا
تولّى مُلكُ قيصرَ والتقينا / على أطلالهِ مُتأنِّقينا
هي الدُّنيا الجديدةُ نرتضيها / على العهدِ الجديدِ وتَرتضينا
لكلٍّ من شُعوبِ الأرضِ حَقٌّ / فما بالُ الجُفاةِ الجاحدينا
سنحمي النّاسَ من عَنَتٍ وظُلمٍ / ونكفِي الأرضَ شرَّ العابثينا
أمَنْ يبغي السَّويَّةَ في بنيها / كمن يبغِي الشُّعوبَ مُسخَّرِينا
أقاموا عصبةَ الأُممِ احتيالاً / وجاءوا بالشُّعوب مُخاصمينا
حَلفتُ بمن أضاعَ العدلَ فيهم / لتلكَ عصابةُ المُتلَصِّصينا
لئن زعموا الأذى والبَغْيَ عدلاً / فما خَفِيَ الصوابُ ولا عَمينا
أخا الأُسطولِ ما للتُّركِ حقٌّ / ولا بك ريبةٌ في المُنصفينا
يُريدون الحياةَ عُلاً ومجداً / وتلك مطالبُ المُتطرِّفينا
حددتَ القومَ إذ وفدوا سكارى / وهمّوا بالوفودِ مُعربِدينا
فإنّ لكم لَعُقبى الخيرِ فيهم / وإنّ لهم لعُقبى الزّائغينا
تورّطتِ الممالكُ في الخطايا / ونِيطَ بكم جزاءُ الخاطئينا
أيكفرُ بعضُها فيفيضُ زَيْتاً / ويطغَى بعضُها ماءً وطيناً
دَعِ الأُسطولَ يَهْدِ الناسَ وابعثْ / جُنودَك في المشارقِ واعظينا
أخا الأُسطولِ بُورِكَ من مَسيحٍ / وبوركَ في ذويك الصّالحينا
كأنّ اللهَ ربَّكمُ اصطفاكم / وأنشأكم طَهارَى طيِّبينا
وأَفْسَح في السّماءِ لكم فكنتم / ملائكةً إليه مُقرَّبينا
وهبتم للمالك ما تمَّنتْ / وقُمُتمْ في الشُّعوبِ مُهذِّبينا
لكم أُممُ الزّمانِ دماً ومالاً / وأنتم سادة المُترفِّقينا
إذا التّيجانُ عاثَ الفقرُ فيها / أَتيتم أهلَها مُتصدِّقينا
ملكتم من عَطاءِ اللهِ فيهم / مَقاوِدَ تملك الشّعبَ الحَرونا
فَسُودوا في الممالكِ واستَبِدُّوا / بتيجانِ الملوكِ المُعوزِينا
بكم تحمِي الخلافةُ جانِبَيْها / وتدفعُ غارة المُتحفِّزينا
وميراثُ النبيِّ لكم وأنتم / وُلاةُ البيتِ غير مُكذَّبينا
خذوا آثارَهُ من غاصِبيها / ولا تَثِقُوا بقولِ المُفْترِينا
خُذوها للمتاحفِ واجعلوها / بلُنْدُنَ عُرضةً للنّاظرينا
لكم شَرَفُ المناسبِ في قُريشٍ / وإن جَهِلتْ ثِقاتُ النّاسبينا
وما ينسى أبو لهبٍ بنيهِ / ولا يأبى ذويه الأقربينا
سليلَ التّاج والدُّنيا جزاءٌ / وعُقبى الأمرِ للمُتدبِّرينا
وما تُبقِي الشُّعوبُ على مُلوكٍ / مَشائيمِ العهودِ مُبغَّضِينا
مصيرُكَ للنّفوسِ أجلُّ ذِكرَى / وخطُبكَ سُلوةٌ للمُؤْتَسينا
أكنتَ ترى الخلافةَ جُحرَ ضَبٍّ / غداة تُطيعُ أمرَ المُجحِرينا
تَذِلُّ وما على الغبراءِ عِزٌّ / كعزّكَ لو رأَوك به ضنينا
وتُذعِنُ للتحكُّمِ فوق عرشٍ / تَدين له قُوى المُتحكِّمينا
وتقضِي الأمرَ مفسدةً وشرّاً / ومثلُكَ لا يُطيعُ الآمرينا
أمن يحمي الخلافةَ خارجيٌّ / لَبِئسَ الحكمُ حكمُ القاسطينا
لَفنزيلوسُ إن صدقوا فتاها / ومولى حقِّها في الطَّالبينا
أعزُّ حُماتِها إن نابَ خطبٌ / وخيرُ كُفاتِها المُتخيَّرينا
وماذا للخوارجِ إن أقاموا / لها كيرزونُ أو هارِنْجتُونا
مضى بك خاطفُ القرصانِ يعدو / فلا رجعتك أيدي الخاطفينا
أَكُنتَ خليفةً أم كنتَ شاةً / تولّتْ تتبعُ الذّئبَ اللّعينا
نُسائلُ عارفاتِ الطير عنه / ألا أين الخليفةُ نبِّئينا
تَفيأَ ظلَّهم فمضوا سِراعاً / بظلِّ الله للمتفيِّئينا
فما خدعوا الخليفةَ بالأماني / ولكن غرّهم في الخادعينا
يعدّون الملوكَ لغير شيءٍ / ويُلقون الروايةَ هازلينا
أرادوا عندهم نفعاً وليسوا / ولو بلغوا المئينَ بنافعينا
لئن جَهِلَ الأُلى نكثوا وخانوا / لقد علموا جَزاءَ النّاكثينا
كأنّي بالصّوافنِ عادياتٍ / يَنَلْنَ حِمَى الملوكِ ويحتوينا
يَدُسْنَ مَعاقدَ التّيجانِ شتّى / وينزعن العصائب يحتذينا
ويطوينَ الجلالةَ في جِلالٍ / نُهين لها الجباهَ مُعظِّمينا
وما للمجرمين إذا رأوها / يثورُ غُبارُها مِن شافعينا
طريدَ اللهِ هل لك من مُجيرٍ / تلوذُ بركنِه في اللّائذينا
أَخَوْفٌ غَالَ نفسَكَ أم رجاءٌ / رمى بك في الفريقِ المُصْحِرينا
إذا ما جِئتَ مكّة فإنأَ عنها / مناسكَ لا تُحِبُّ الغادرينا
ولا تَزُرِ البَنِيَّةَ واجْتنِبْها / إذا ازدلَفتْ وُفودُ الزّائرينا
وَدَعْ طهَ بيثربَ لا تَرُعْها / وقوماً في البقيعِ مُوسَّدينا
ولا تَلْممْ بزمزمَ إنّ فيها / لكَ المُهلُ الذي يشوي البطونا
ولا تَلْمَسْ كتابَ اللهِ واخسَأْ / إذا رفعْتهُ أيدي اللّامسينا
وإن طَمحَ الرّجالُ إلى حياةٍ / فَغُضَّ الطَّرفَ بين الطّامحينا
وَحَسْبُكَ بالحُسَين خدينَ صدقٍ / إذا اسْتَصفَيْتَ في الدُّنيا خدينا
هَوَى الإسلامُ بينكما صريعاً / وطاحَ بَنوهُ حولكما عِزينا
رَماهُ بطعنةٍ صَدعَتْ قُواه / وجئتَ فنالَ مَقدمُك الطّعينا
يدٌ عَصفتْ بهامتهِ فمالت / وأُخرى اسْتأصلت منه الوتينا
عفا المهدُ الأنيقُ فصار لحداً / وغُودِرَ في غَيابتهِ رهينا
به انبرتِ القَوابلُ فَانْتَضته / وفيه طوته أيدي الدّافنينا
حَنانَك ربَّنا وهُداك إنّا / بَرِئنا من ذوينا الصَّابئينا
ديارَ الوحي يُزجِي الرُّوحُ منه / كصَوْبِ المُزْنِ مِدراراً هَتونا
يجود رُباكِ مُونِقَةً حساناً / ويجري فيكِ سَلسالاً مَعينا
تُضيءُ به الشِّعابُ إذا ادلهمَّتْ / وتكرعُه النُفوسُ إذا صَدينا
إذا لم يرتعِ الأقوامُ فيه / فما عرفوا ربيعَ المُسنِتينا
لَعبدُ اللاتِ أكرمُ فيكِ عهداً / وعبدُ يغوثَ ممّن تحملينا
وحيدَ الدّين ضجّ الدِّين منها / جرائرُ جاوزت منك المئينا
إذا ما الرأيُ ثابَ إليكَ فاذكر / ذُنوبَك وابْكِها في النّادمينا
ودَعْها فتنةً عمياءَ واصبِرْ / لِحُكْمِ اللهِ واعْصِ المُوعِزينا
أميرَ المُؤمِنينَ طَلعتَ يُمناً / وكنتَ الخيرَ لِلمُتَيَمِّنينا
وما بَلغَ الجَلالُ وإن تناهى / جَلالكَ في الهُداةِ الطالعينا
لو اَنّ البيتَ سار إلى إمامٍ / لجاءك بالوفودِ مُهنِّئينا
أتى جبريلُ يَشهدُ حين حيَّا / رسولُ اللهِ خيرُ الشّاهدينا
لعمرُ المُنكِرين لقد توالت / بِسُدَّتِكَ الملائكُ طائفينا
لئن جحدوا الذي لك من ولاءٍ / فقد بلغ الصَّفا وأتى الحُجونا
عقدنا العهدَ إيماناً ومجداً / كذلك عهدُنا في العاقدينا
نُطيعُ من الخليفةِ كلَّ أمرٍ / ونعمل للخلافةِ مُخلصينا
ولسنا ما دعا الدّاعِي لشيءٍ / سِوَى الحقِّ المُبينِ بمُؤثِرينا
يَضِجُّ المُسلمون بكلّ أرضٍ / يُحيّون الإمامَ مُبايعينا
وما عبدُ المجيدِ بذي خَفَاءٍ / ولا هو ريبةُ المتوهِّمينا
نَمتْهُ السّابقاتُ من الأيادي / وَجَرَّبه الثِّقاتُ مُبالغينا
فما وجدوه إلا الخيرَ مَحْضاً / ولا اخْتاروه إلا مُوقِنينا
أقَرُّوا المُلكَ فاستعلت ذُراه / وهمّوا بالخلافةِ ناهضينا
وسنُّوا للخلائفِ ما عَلِمنا / فَصِينَ الدِّينُ والدُّنيا وزِينا
سبيلُ مُحمَّدٍ وذَوي هُداهُ / حُماةِ الحقِّ خيرِ المُرشِدينا
تباعدَ عهدُهم فمشوا إليه / على نُورِ الكتابِ مُسدَّدينا
لِربِّك حُكمُه والأمرُ شُورى / وتلك حكومةُ المُتحفِّظينا
إذا طَغتِ السّياسةُ في بلادٍ / فتلك سياسةُ المُستأثِرينا
وإن زعموا لَحُكمِ الفردِ معنىً / فتلك خُرافةُ المُتألِّهينا
بني عُثمانَ أنتم إن دَعَوْنا / ذَوي الأرحامِ خيرُ العاطفينا
فويحي للأُسودِ إذا استباحت / حِمَى الحَرَميْن أيدي النّاهبينا
أعينوا مصرَ إنّ لمِصرَ فيكم / رجاءً تستعزُّ به متينا
نَقومُ بنصرِها ونكون فيها / لأنصارِ الحمايةِ خاذلينا
أضاعوا حقَّها وجنوا عليها / وساموها الهَوانَ مُساومينا
فيا لكِ خُطّةً شططاً ورأياً / يَقُضُّ مضاجِعَ المُتبصِّرينا
إذا جَعلوا العُقوقَ لها جزاءً / أَبَيْنا أن نَعُقَّ وأن نخونا
نخاف الواحدَ القهّارَ فيها / ونَرقُبُ وعدَه حتّى يحينا
ذكرتم مصرَ ما نَقَعتْ صَداها / بذكرٍ من بنيها النّاعقينا
أغيثوا أهلها وتداركوهم / تهزُّ حُماتَها المُستبسِلينا
أعيدوا النّيلَ سيرته وردّوا / إلى استقلالهِ الشّعبَ الحزينا
أمِن شَرَفِ الخلافةِ أن تَرَوهْ / أسيراً في الأداهم أو سجينا
هو الذُّخر الثمينُ ولن تُصيبوا / كمِصرَ وشعبِها ذُخراً ثمينا
إذا طرقتكمُ الأحداثُ بِتْنا / قِياماً في المضاجعِ مُشفِقينا
نُثبِّتُ مِن جوانِحنا وتهفو / بهنَّ زلازلٌ ما يَرْعَوينا
أهاب المُوعدون بنا رُويداً / فما نفعَ الوعيدُ ولا خَشينا
نُهين الناكثينَ ونجتويهم / ونرفضُ خُطّةَ المُتقَلِّبينا
إذا اسْتَعرَ التِّناحرُ وارتمينا / مَشَوا بين الصُّفوفِ مُذَبْذَبينا
تَدورُ قلوبُهم فإذا ظفرتم / تباروا بالأكفِّ مُصفِّقينا
وإن ينزل بكم خطبٌ تولَّوْا / يضجُّ عُواتُهم في الشّامتينا
أولئكَ مُستقَرُّ الدّاءِ منّا / متى تتلمّسوا الدّاءَ الكمينا
جعلنا حُبّكم نُسُكاً وزُلْفَى / وبعضُ الحبِّ زُلفَى النّاسكينا
ولسنا بالتِجارِ نُريدُ رِبْحاً / فيذهب سعيُنا في الخاسرينا
لنا الأخلاقُ نجعلها عَتاداً / نَقِيهِ من الغوائلِ ما يقينا
فما نخشى الخُطوبَ وإن ألحّتْ / ولا يفنَى العتادُ وإن فنينا
إذا عَمَرَ الخزائنَ أشعبيٌّ / فتلك خزائنُ المُتَوَرِّعينا
ونَكتُمُ ما نقولُ فإنْ فعلنا / فخيرُ بني الكنانةِ فاعلينا
وأبعدُهم نُفوساً عن رياءٍ / وأصبرُهم إذا ملّوا السِّنينا
يضجُّ الأكثرون إذا صَمَتْنا / وتلك خلائقُ المُتبرِّجينا
عَرَفْنا حقَّكم وطغَى أُناسٌ / فما عرفوا الحُقوقَ ولا الدُّيونا
ولا حَفِظوا لمِصرَ سِوَى نُفوسٍ / دَأَبْنَ على الأذَى ما يأتَلينا
يَرَيْنَ ذَهابَها خطباً يسيراً / إذا نِلْنَ السَّلامةَ أو بَقينا
وما قومٌ يكون الأمرُ فيهم / لِسادَةِ دُنشوايَ بسالمينا
سلوا شُهداءَكم وتذكّروها / مصارعَ تُفزعُ المُتذكِّرينا
سلوا أين الأُلى هتفوا لمصرٍ / أفي الأحياءِ أم في البائدينا
سلوا الأحياءَ والموتى جميعاً / سلوا الثّاوِينَ والمتغرِّبينا
سلوا الدُّنيا العريضةَ أو سلوهم / متى ساسوا الممالكَ مُصلِحينا
عَتَوْا في الأرضِ والتهموا بنيها / فكانوا وَحشَها الجَشِعَ البطينا
ولولا ما جنى السُّفهاءُ فيها / لما ملكوا الشُّعوبَ مُسَيْطرينا
إذا نَزلَ البرِيطانيُّ أرضاً / فقد نَزلَ الرَّدى بالآمنينا
لنا الميثاقُ نَحفظُه ونَمضي / على مِنهاجِه في النّاهجينا
رَضينا حُكمَه الأعلى فلسنا / إلى حُكمٍ سواهُ بنازِعينا
نُبِيدُ حوادثَ الأيّامِ صبراً / ونعصِفُ بالشّوامخِ ثابتينا
ونَأبى أن نُغيِّر ما عَقَدنا / إذا انقلبَ الدُّعاةُ مُغيِّرينا
نُراقِبُ حقَّ مِصرَ إذا أُمِرْنا / ونَصدُقها الوَلاءَ إذا نُهِينا
إذا وَجدتْ شِفاءَ الغيظِ فينا / فزادُ اللهِ غيظُ المُحنَقِينا
نَصونُ حِمَى البلادِ وإن أُصِبْنا / ونثبُتُ في الجهادِ وإن مُحينا
فذلك عهدُنا الأوفى لمِصرٍ / وتلك سبيلُنا للمُقْتَدينا
أهاب المؤمنون به دُعاءً / تلقَّتهُ الجموعُ مُؤمِّنينا
يضمُّ كتابُه دُنيا المعالي / ودينَ المجدِ للمُتَمَسِّكينا
يُثيرُ الهامِدينَ وهم رُفاتٌ / ويَنهضُ بالجُذوعِ الجامدينا
كأنّ الكيمياءَ تَسُلُّ منه / عجائبَ سرِّها للعارفينا
تَبورُ مَذاهبُ الزُّعماءِ إلا / إذا جاءوا الرّوائعَ مُعجِزينا
وإن وَهَنَ الحُماةُ أوِ اسْتكانوا / فليسوا في الجهادِ بِمُفلِحينا
ولن تلِدَ الحياةُ الخُلْدَ إلا / لِمَنْ وُلِدُوا نوابِغَ نابهينا
أَتوا لُوزانَ يلتمسون فيها / دُعاةَ الحقِّ في المتآمِرينا
فما رَأَوُا الدُّعاةَ أُولِي وَفاءٍ / ولا وَجَدُوا القُضاةَ بسامعينا
إذا جَدَّ النِّضالُ أَبَوْا عليهم / ومالوا بالمناكبِ هازلينا
أقاموا دَوْلةً للظُّلمِ أُخرى / وراحوا بالضِّعافِ مُوكَّلينا
فيا لكَ مَعْرِضاً ما فاز فيه / سوى كرزونَ شيخِ العارضينا
تناهت عبقريّتُه وتمّتْ / براعةُ قومِه المُتَفَنِّنينا
يضنُّ بحقِّ مصرَ على بنيها / وما ضنَّتْ على المُتطفِّلينا
ويغضبُ أن يكونَ لها لسانٌ / يُذيعُ شكَاتَها في المُشْتكينا
ويَعجَبُ أن يَرى منها رجالاً / يجوبون البلادَ مُناضِلينا
فريسةُ قومِه عَكفوا عليها / وصَدُّوا عن بنيها الصّارخينا
أما والمُوجَعِين لقد أصابوا / بأنقرةٍ شِفاءَ المُوجَعينا
تولَّوْا بالجراحِ تَفيضُ سُمّاً / وما شَعَرتْ نُفوسُ الجارحينا
يَؤُمُّون المثابةَ لو أقاموا / شعائرَها لساروا مُحرِمينا
مُقدَّسةَ المسالكِ والنَّواحي / تُضيءُ بِمُشرِقين مُقدَّسينا
تَولُّوا بالكرامةِ حِزبَ مصرٍ / وشُدُّوا أزرَها مُتَطوِّعينا
حفاوةُ قومِنا وقِرى ذَوينا / وعَطفُ الأُخوةِ المتودِّدينا
نَحُلُّ ديارَهم فنزورُ منهم / مَساميحَ النُّفوسِ مُحبَّبِينا
ونَنْأَى والقلوبُ هَوىً وشوقاً / قُلوبُ الجيرةِ المُتزاوِرينا
وحَسْبُكَ نَجدةً ودفاعَ خطبٍ / إذا عَقَدوا اليمينَ مُعاهِدينا
نَجيءُ ببيّناتِ الحقِّ تَتْرَى / ويأبى باطلُ المُتخرِّصينا
سَيعلَمُ قومُنا أنّا وَفَيْنا / وأنّا قد كَفَيْنا ما يَلينا
حَفِظنا العهدَ غيرَ مُذمَّمينا / وأدَّيْنا الأمانةَ مُحسِنينا
إذا استبقَ الرجالُ السُّبلَ شتَّى / فإنّ لنا سبيلَ المُهتَدينا
وَمن يَعملْ لأجرٍ يبتغيهِ / فعندَ اللهِ أجرُ المُتَّقينا
أعن خطبِ الخلافةِ تسألينا
أعن خطبِ الخلافةِ تسألينا / أجيبي يا فَروقُ فتىً حزينا
هَوىَ العرشُ الذي استعصمتِ منه / بِرُكنِ الدَّهرِ واسْتعليتِ حينا
فأين البأسُ يقتحمُ المنايا / ويلتهمُ الكتائبَ والحصونا
وأين الجاهُ يَغمرُ كلَّ جاهٍ / وإن جَعَلَ السِّماك له سفينا
تَدفّق يأخذُ الأقطارَ طُرّاً / وينتظمُ القياصِرَ أجمعينا
مَضى الخُلفاءُ عنكِ فأينَ حَلُّوا / وكيفَ بَقيتِ وحدكِ خبّرينا
ولو أوتيتِ بِرّاً أو وَفاءً / إذنْ لَظَعَنتِ إثرَ الظّاعنينا
أيلدزُ ما دهاكِ وأيُّ رامٍ / رماكِ فهدَّ سؤدُدَكِ المكينا
خَفضتِ له الجناحَ وكنتِ قِدماً / حِمَى الخلفاءِ يأبى أن يدينا
وجلَّلكِ الظّلامُ وكنتِ نوراً / يَفيضُ على شُعوبِ المُسلِمينا
تزاورتِ الكواكبُ عنكِ وَلْهَى / تُقلِّبُ في جَوانِبكِ العُيونا
وتَجفُلُ تتَّقِى عُقْبَى اللّيالي / وتَخشَى أن تَذِلَّ وأن تهونا
تحيَّر فيكِ هذا الدّهرُ حتّى / لقد ظنّتْ حوادثُه الظُّنونا
فصبراً إن أردتِ أو الْتياعاً / وسَلْوَى عن قطنيكِ أو حنينا
ظَلمتُ هَواكِ أنتِ أبرُّ عهداً / وأصدقُ ذِمّةً وأجلُّ دينا
أَفيضي الدَّمْعَ تَوْكافاً وسَحّاً / ولا تَدَعِي التَّوجُّعَ والأنينا
لقد فَجعَ المُروءةَ فيكِ دَهرٌ / أصابَكِ في ذَويكِ الأوّلينا
أَليسَ الدَّهرُ كان لهم لساناً / إذا نَطقوا وكان لهم يمينا
تَمرّدَ يَنفضُ التِّيجانَ عنهم / ويَنتزعُ العُروشَ وما ولينا
تَولَّوْا في البلادِ تَضيقُ عنهم / جَوانبُها وكانوا المُوسِعينا
إذا وردوا الممالكَ أنكرتهم / وكانوا للممالكِ مُنكِرينا
عَجِبتُ لهم يَزولُ الملكُ عنهم / وما زالتْ عُروشُ المالكينا
أَذَلَّ جِبِاهَهم حَدَثٌ ذَميمٌ / أهانَ العِزَّ والشرَّفَ المصونا
رُويداً إنّها الدُّنيا وصبراً / فما تُغنِي شَكاةُ الجازعينا
تعالى اللهُ مُحدِثُ كلِّ أمرٍ / بأقدارٍ يَرُحْنَ ويَغْتَدينا
أتاهم أمرُه فَغَدَوْا مُلوكاً / وراحوا سُوقةً مُستضعَفينا
ولم أرَ كالسِّياسةِ في أذاها / وفي أعذارِها تُزجِي مئينا
تُغيرُ على الأُسودِ فتحتويها / وتَزعُمُ أنّها تحمِي العرينا
تُريدُ فتخلقُ الأصباغَ شتَّى / وتَبتدعُ الطرائقَ والفنونا
وتتّخذُ الدّمَ المسفوكَ وِرداً / تظنُّ ذُعافَه الماءَ المعينا
أداةُ الغدرِ ما حَفِظتْ ذِماماً / ولا احترمت خليطاً أو قرينا
يُصابُ بها الشقيُّ فما يُباليِ / رمَى الآباءَ أم صرَعَ البنينا
بني عثمانَ إنْ جَزَعاً فَحقٌّ / وإن صبراً فخيرُ الصّابرينا
أَعِدُّوا للنّوائبِ ما استطعتم / من الإيمانِ وادَّرِعُوا اليقينا
حياةُ الملكِ ضنَّ بها أبيٌّ / يخاف عليه كَيْدَ النّاقمينا
له عذرُ الأمين فإنْ رَضِيتم / فخيرُ النّاسِ مَنْ عَذَر الأمينا
قضَى الغازِي الأُمورَ فلا تَعيبوا / أمورَ الملكِ حتّى تستبينا
وما نَفْعُ الخلافةِ حين تُمسِي / حديثَ خُرافةٍ للهازلينا
ثَوتْ تَتجرَّعُ الآلامَ شتَّى / على أيدي الدُّهاةِ الماكرينا
تُغِيثُ المُسلِمينَ إذا استغاثوا / وتَنصرُهُم على المستعمرينا
فلما جَدَّ جِدُّ الحربِ كانوا / قُوَى الأعداءِ تَرْمِي النّاصرينا
مَنعْنا الظُّلمَ أن يَطغَى عليهم / فخانونا وكانوا الظَّالمينا
نُصابُ لأجلِهم ونُصابُ منهم / فإن تعجبْ فذلكَ ما لَقِينا
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه
قُلْ للأمين أقم لِلحُرِّ مَأتَمه / لا النّيلُ حُرٌّ ولا الدُّستورُ مأمونُ
أَشاهدُ الزُّورِ مَرجُوٌّ لأُمّتِه / والمؤمنُ الصّادقُ الوجدانِ ملعونُ
يُؤذَى بأسوأ ما يُؤذَى الهُداةُ بهِ / من فِتيةٍ كلّهم نَشوانُ مفتونُ
الحمدُ لله هذا ما أعدَّ لنا / شيخُ الزّغاليلِ والمغبونُ مغبونُ
بَلغتْ مَطيُّكَ أَوّلَ الرُّكبانِ
بَلغتْ مَطيُّكَ أَوّلَ الرُّكبانِ / ورَمتْ بَرحْلِكَ أبعدُ الأوطانِ
حَدَتِ النَّوى بك أربعينَ عَوابساً / شُوهَ الوُجوهُ ذميمةَ الألوانِ
مالَ الأسَى بِرحالِها وجرَى دماً / ماءُ الشُّؤونِ فمالَ بالأرسانِ
تمضِي جَوافلُها بأغبرَ مُوحَشٍ / تَنسابُ فيه نواعبُ الغِربانِ
وادي النَّوى اختطّتْ به لذويِ الأَسَى / مَسْرَى الهُمومِ ومَسرحَ الأحزانِ
يُزجِي الرّكائبَ كلَّ يومٍ شَطْرَهُ / غادى الفراقِ ورائحُ الإخوانِ
زالوا سِراعاً كالحُصونِ هَوَى بها / قَدَرٌ من الزَّلزالِ ذي الرَّجَفانِ
عَدَتِ الخطوبُ فَطاحَ في غَمَرَاتِها / شَعبٌ بأفياءِ الكِنانةِ عانِ
ضاحِي المَقاتلِ ما يَزالُ يَنوشُه / ضاحي العَداوةِ بارزُ الشَّنآنِ
ما انفَّك يُجزَعُ بالحُماةِ أعزّةً / مُستكبرينَ على ذَوِي التِّيجانِ
مُتمرِّدينَ على الزَّمانِ يَسومُهم / سِمةَ الهَوانِ وخُطَّةَ الإِذعانِ
نهضَ الأُباةُ بهم إلى مُستشرفٍ / تَنجابُ عنه قوارعُ الحِدْثانِ
عَالٍ لَوَ اَنَّ الجِنَّ في سُلطانهِا / هَمَّتْ به لَهَوتْ على الأذقانِ
يَستصغرُ الخَطرَ المَهِيبَ نَزيلُه / ويراه أَهْيَبَ مَنزلٍ ومكانِ
مَرقَى الرّجالِ إلى الخُلودِ وسُلَّمٌ / يَنحطُّ عنه العاجزُ المُتواني
وإذا رُزِقْتَ النَّفسَ دائبةَ القُوى / فَاهْنَأْ فلستَ على الزَّمانِ بفانِ
أَعليُّ ما بكَ غيرُ رَوْحةِ نازعٍ / قَلِقِ المطالبِ ثائرِ الأشجانِ
ضاقت به الدّارُ الشَّقيَّةُ فَانْتَحى / دارَ النَّعيمِ ومنزلَ الرِّضوانِ
عَزَّ الشّهيدُ وراح تاركُ حقِّهِ / في ذِلَّةٍ من عَيْشهِ وهَوانِ
هتفَ النعيُّ فما ملكتُ بياني
هتفَ النعيُّ فما ملكتُ بياني / ليت النعيَّ إلى الإِمام نعاني
ذَعر الحطيمَ وراع يثربَ عاصفٌ / للموت ضجّ لهوله الحرمانِ
سهمٌ أصابَ المسلمينَ وجال في / كبدِ الهُدَى وحُشاشةِ الإيمانِ
جَرحَ الأئمّةَ واستمرَّ فما ارعوى / حتّى استباح مقاتلَ الفُرسانِ
ذهبَ الإِمامُ يُقيمُ حائطَ دينهِ / ويراه أنفعَ ما يُقيمُ الباني
ذهب المجاهدُ يشتري لبلادهِ / عِزَّ الحياةِ بأشرفِ الأثمانِ
بالنّفس تَستبقُ الحتوفَ كريمةً / بين السُّيوفِ وبالنّجيع القاني
إن كنتَ تجهلُ في الكريهةِ بأسَهُ / فالعلم عند كتائبِ الطلّيانِ
قذف الغرورُ بها إلى أوطانِه / بطلاً يصونُ محارمَ الأوطانِ
عَجلَ المغارِ إذا يُؤامرُ نَفسَهُ / أَيُقيمُ أم يمضي الضّعيفُ الواني
يأبى على البَطِرِ المُدِلِّ ببأسِه / ما استنَّ من عَنَتِ ومن عُدوانِ
نزل البلاءُ بقومه فإذا الحمى / بيد المغير يُسامُ كلَّ هَوانِ
أخذ البلادَ فَرُوِّعت أقطارُها / ورمى الفضاءَ فلم يَبِتْ بأمانِ
البحرُ أحمرُ يستطير شُواظُه / والبرُّ أغبرُ دائمُ الرَّجَفانِ
والموتُ بين بُروقِه ورُعودِهِ / يرمى البقاعَ بوابلٍ هتّانِ
ملكَ البسيطةَ والعُبابَ ولم يَدَعْ / مَسرى النُّسورِ ومسرحَ العِقبانِ
ما عفَّ عن ذاتِ القناعِ ولا رعَى / حقَّ الرّضيعِ ولا الكبيرِ الفاني
هاجوا الإمامَ فهاجها قُرشيَّةً / يختالُ في غَمراتِها العُمرانِ
هاجت لنا ذكرى وقائعَ سمحةٍ / مأثورةٍ لابن الوليدِ حِسانِ
جندُ النبيِّ يسير حول لوائِه / وقواضبُ الله العليِّ الشّانِ
التركُ والعربُ الأُباةُ أنوفُهم / سيفان في لُجَجِ الوَغى غَرِقانِ
آناً بمُلْتَطَمِ الدّماءِ وتارةً / في جَوْفِ مُحتدَمٍ من النّيرانِ
الله ألّفَ بينهم فهمُ على / نُعمَى الحياةِ وبُؤسِها أَخَوانِ
سببان من دُنيا الشُّعوبِ ودينهم / تتفرَّقُ البلوى ويفترقانِ
ما زالتِ الأحداثُ تعصِفُ ريحُها / حتّى الْتَوَى وتقطَّع السّببانِ
وَارَحمتا للمسلمينَ تفرّقوا / وتباعدوا في الأرضِ بعد تَدانِ
فلئن بكيتُ فقد وجدتُ مُصابَهم / في مَنكِبي وجوانحي وجَناني
ما بالدّموع المُستهلَّةِ رِيبةٌ / هِيَ في الجُفونِ عُصارةُ الوِجدانِ
مَن كان أبصرَ خطبَهم فأنا الذي / مارستُه ولمستُه بِبناني
ما زلتُ أجمعُ بالقريضِ شَتاتَهم / حتّى انقضى أدبي وضاع زماني
انظرْ إلى الباني المُهدَّمِ واعتبرْ / بالدّهرِ يصدعُ شامخَ البُنيانِ
يا مأتمَ الإسلامِ بات شهيدُه / عَبِقَ الموسَّدِ طيِّبَ الأكفانِ
هل للهدايةِ منكَ لوعةُ جازعٍ / أم للحَميَّةِ فيك لهفةُ عانِ
وهل اكتستْ ثوبَ الحِدادِ لفقدهِ / أُمَمٌ تَدينُ بِمُحكَمِ الفُرقانِ
فَدحَ المصابُ فلا البكاءُ أراحَني / مّما لَقيتُ ولا الرِّثاءُ شفاني
من حقِّ أحمدَ أن يكون رثاءَه / زَجَلُ المُكِّبر عند كلّ أذانِ
لو زِيد ركنٌ في الصلاةِ على يدي / لجعلتُه من أَوثق الأركانِ
جار النَّبي غَنِمْتَ طيبَ جِوارِه / وظَفِرْتَ منه بذمَّةٍ وضمانِ
ونَزَلتَ من غُرَفِ الجِنان بناضرٍ / بَهِجِ القطينِ مُنَعَّم الجيرانِ
انفُضْ أذى الدنيا ودَعْ ما زيّنت / للنّاسِ من زُورٍ ومن بُهتانِ
واحْمَدْ مكانكَ في النَّعيمِ وطيبهِ / إنّ الهمومَ مَلأْنَ كل مكانِ
إن جلّ خطبُ المسلمين فإنّه / دينُ الزّمانِ وسُنّةُ الحَدَثانِ
دُنيا الشُّعوبِ وللحياةِ كِتابُها / سَلَبُ الكُماةِ ومغنمُ الشُّجعَانِ
جَرَى سعداً ومرَّ بنا يمينا
جَرَى سعداً ومرَّ بنا يمينا / قدومُكَ يا أعزَّ القادمينا
تتابعتِ البشائرُ مُؤذناتٍ / بعودِكَ أنفُساً ذابت حنينا
فأسرعتِ القلوبُ مُصافحاتٍ / وأقبلتِ الوفودُ مُهنِّئينا
ولاح على البحيرةِ منك نورٌ / جلا غمراتِها ومحا الدُّجونا
وليتَ أمورَنا والخطبُ قاسٍ / نُعالجهُ ويأبى أن يلينا
وفقدُ الأمن أيسرُ ما رأينا / وهولُ القتلِ أهونُ ما لقينا
فأحييتَ النُّفوسَ وكنَّ مَوتَى / وأبطلت الفسادَ وكان دينا
حكمتَ فكنتَ خيرَ الحاكمينا / وسُستَ فكنت أوفَى المصلحينا
ألنتَ لنا الخطوبَ وقُمتَ فينا / مَقَاومَ تُعجز المتشبّهينا
وأسَستَ الحضارةَ زاهياتٍ / معالمُها تسرُّ النّاظرينا
وأنبتَّ العلومَ بكلِّ أرضٍ / فتلك ثمارُها تُجنَى فُنونا
وأعززتَ اليتيمَ فتاهَ عُجباً / وراح يُنافسُ المتكبّرينا
فديتُكَ من أبٍ يرعى البنينا / وباركَ فيك ربُّ العالمينا
لك الآثارُ خالدةً كباراً / يَدُمْنَ إلى المدى ما ينقضينا
تمرُّ بها الدهورُ مُكبّراتٍ / وتلقاها القرونُ مهلّلينا
لقد حمّلتَ نفسكَ فادحاتٍ / تهدُّ عزائمَ المتجبّرينا
تكدُّ وتركبُ الأخطار فرداً / تُقارعُها قِراعَ الباسلينا
رويدكَ إنّ نفس المرءِ منه / وإنَّ العَضْبَ قد يرتدُّ حينا
وإنّ الحاكمينَ وهم كِثارٌ / قلائلُ إن عددنا المصلحينا
جزاك اللهُ صالحةَ الأيادي / وحقَّق في معاليكَ الظنونا
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ / أم عَيينا أن نَفوت النَّيِّرَيْنْ
قاتِلُ الأبطالِ في أدراعها / عصفتْ أقدارُهُ بالبطليْنْ
أَمَر الرّيحَ فلم تَحْمِلْهُما / وتنحَّتْ عنهما بالمنكَبَيْنْ
وكسا الجوَّ دُخاناً سَدَّهُ / وَطَوى أعلامَهُ عن كلِّ عَيْنْ
طَاحَ بالنَّسْرينِ منه قَدَرٌ / نَافِذُ النَّابيْنِ مَاضي المِخلبيْنْ
مُستَطيرُ البأسِ ما تَدفعُهُ / عُدَدُ الحربِ وبأسُ الفيلقيْنْ
تَسقطُ الجُردُ المَذَاكِي دونه / وتطير البيضُ مِلءَ المأزميْنْ
بعث الخَطْبين في إيماءةٍ / وَرمَى في نَفَسٍ بالنكبتيْنْ
إن يَرُعْها أمَّةً مَحزونةً / فلقد يَجمعُ بين الأُمَّتيْنْ
يَقْدِرُ العلمُ إذا سَالَمَهُ / وَهْوَ إن عَادَاه ذُو عجزٍ وأَيْنْ
سَابحٌ في البَرِّ والبحرِ وفي / مَسْبَحِ الريحِ ومَجرَى الشِّعريَيْنْ
كلُّ حيٍّ حين يرمي عن يدٍ / مُوثَقُ القُوّةِ مغلولُ اليدَيْنْ
نظر الوادي ففاضت عَبرةٌ / من بديع الدّمعِ تروي المعنَييْنْ
هَطلتْ حرَّى وراحت جهرةً / تتغَنّى فرحاً في المأتميْنْ
خِلَّةُ الشّامتِ إلا أنّها / أبعدُ الخلّانِ عن عَيْبٍ وشيْنْ
نَهضتْ بالوجدِ والمجدِ معاً / وقضتْ ما عَرَفتْ من حقِّ ذيْنْ
رُبَّ حَتفٍ في حياةٍ تُشتهَى / وحياةٍ هي في حتفٍ وحَيْنْ
أيُّ خطبٍ لم يُخَفِّفْ هولَه / مصرعُ الفاروقِ أو خطبُ الحُسَيْنْ
انظروا النَّعشين في عزّهما / وصِفوا لي كبرياءَ الموكبَيْنْ
واطلبوا الرّيحان عندي وخذوا / من بياني روضةً أو روضتيْنْ
واذكروا للشَّرق عن شاعرهِ / حَيرةَ الرُّزءين بين الموسميْنْ
لا تُريدوا بعد شوقي غيرَه / إنّ خيرَ الشّعرِ شعرُ الأحمديْنْ
نشط العالَمُ في حاجاتهِ / يبتغيها في مجالِ الفرقديْنْ
أنخونُ النّيل في آمالهِ / ليس هذا إن فعلناه بِزَيْنْ
آن للآباءِ أن يسترجعوا / ما على الأبناءِ من حقٍّ ودَيْنْ
لو صدقنا للعوادي مِثلهم / ما ارتضينا العيشَ من زُورٍ ومَيْنْ
أخذوا الموقف وضَّاحَ السَّنا / وبقينا نحن بين الموقفيْنْ
أيُّ دنيا هذه الدنيا التي / مالنا منها سوى خُفَّيْ حُنَيْنْ
يا شبابَ النّيلِ جِدُّوا وادأبوا / إنّ هذا المجدَ شيءٌ غَيرُ هَيْنْ
وإذا ما أعوزتكم نجدةٌ / فاطلبوها من بُناةِ الهرميْنْ
واستعينوا بالأُلى سنُّوا العُلا / لبني الدنيا وهزّوا الخافقيْنْ
نحن من فرعونَ أو من عُمرٍ / أيُّ مجدٍ مثل مجد الأبويْنْ
اذكروا العصريْنِ كم من قُوّةٍ / تتلظَّى نارُها في الذكريَيْنْ
واطلبوا في عصركم أقصى المدى / لا تهابوا تلك إحدى الخُطّتيْنْ
ربّنا إنّا اهْتدينا
ربّنا إنّا اهْتدينا / فَلَك الشُّكرُ عَلَيْنا
أَنتَ أَحْسَنْتَ إلينا / بالرّجالِ المُحسِنينْ
حَفِظوا القُرآنَ فينا / وَرَعَوْهُ مُخْلِصِينا
صَدَقوا دُنيا ودِينا / نِعمَ أجرُ الصّادقين
إنّهُ خيرُ البِضَاعَهْ / ليس مِنّا مَنْ أَضاعَهْ
رَبَّنا كُنْ لِلجَماعَهْ / إنّهم أهلُ اليمين
واجْزِ خَيراً كُلَّ حُرِّ / صادقِ الإِيمانِ بَرِّ
عَاملٍ قَامَ بِشَطْرِ / في الرّجالِ العامِلينْ
هِمَمٌ تَمضِي كِبارا / ونُفوسٌ تَتَبَارَى
تَنْصُرُ اللهَ جِهَارا / في حِمَى الهادي الأمينْ
عَلَّمونا فارْتَقَيْنا / وَمِنَ الحقّ ارْتَوَيْنا
أينَ مَن يَشربُ أينا / نحنُ خيرُ الشّاربينْ
نَحنُ للإِسلامِ جُنْدُ / بأسُنا البأسُ الأَشدُّ
خالدٌ فينا وسعدُ / نفتحُ الفتحَ المبينْ
نُرسلُ الآياتِ غُرّا / تَنفضُ الأعداءَ ذُعْرا
رَبّنا اللّهمَّ نصرا / رَبَّنا أَنتَ المُعينْ
سَيفُنا اللهُ أكبرْ / يضمن النَصْرَ المُؤَزَّرْ
أيُّ أمرٍ يَتعذّرْ / إن ذهبنا فاتحينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ / إنّها ذِكرَى إمامِ العاملينْ
وُلِدَ الإيمانُ في مَولدهِ / والجهادُ الحقُّ والعَزمُ المتينْ
فَسِّروهُ حادثاً أو قَدَراً / زَلْزَلَ الدُّنيا وهزَّ العالَمينْ
نامتِ الأقلامُ عن تفسيرِه / وخَلَتْ مِنهُ عُقولُ الكاتبينْ
وتوارى الشِّعرُ عن حكمتهِ / في أباطيل الغُواةِ الخاطِئينْ
يَبْتَغِي الزُّلفَى لَدَى أصنامِه / فدعوه تلك زُلفى المُشركينْ
رَبِّ ما أجرمتُ مُذْ عَلَّمتَني / رَبِّ جَنِّبني سبيلَ المجرمينْ
أين تمضِي عبقريّاتُ الأُلى / خدعوا الحمقى وغَرُّوا الجاهلينْ
خدعوهم بالصَّدَى يُزجِي الصّدَى / والرّنينِ العذبِ يجري في الرنينْ
إنّ في الصحراءِ من وادي الهُدَى / لَبياناً ساطعاً للمُبصرِينْ
أنشأ اللهُ بها مدرسةً / تُنشِئُ المُلكَيِنِ من دُنيا ودِينْ
يَتلقَّى الدهرُ عن أُستاذِها / أدبَ التلميذِ حيناً بعد حِينْ
سائلوا الأقوامَ ماذا حَفِظوا / من دُروسٍ بَرَّحتْ بالدّارِسينْ
وانظروا الدُّورَ التي هاموا بها / أهيَ أجداثٌ تضمُّ النّاشئينْ
هِمَمٌ مَوْتَى وأخلاقٌ بها / من عَوادِي الضّعفِ داءٌ مستبين
وعُقولٌ عَمرتْ أوهامُها / مَوْطِنَ الحقِّ ومُحتَلَّ اليقين
ذهب العصرُ الذي شَيَّبنَا / وأتى عصرُ الشَّبابِ المُلحدينْ
عَيَّرونا أن عَبَدْنا ربَّنا / وحَفِظْنا عهدَه في الحافِظينْ
وأعدّوها لنا رجعيّةً / جَعَلُوها سُبَّةً للمُؤمِنينْ
للمُصلِّين إذا ما سَجَدوا / من حديثِ السُّوءِ ما للصّائِمينْ
نَسَخَ الأخلاقَ في شِرعتِهم / أنّها من تُرَّهاتِ الجامِدينْ
إن نَقُلْ دينٌ يقولوا فتنةٌ / هَاجَها في مصرَ بعضُ المفسدِينْ
فسَدَ الأمرُ فهل من مُصلِحٍ / أصلحوه يا شبابَ المُسلِمينْ
أَسَمِعْتُمْ صادحَ الأمسِ وما / قال في الخمرِ يُغنِّي الشَّارِبينْ
يا له من ناعقٍ مُستهترٍ / ما رأينا مثله في النّاعِقينْ
أَنْطَقُوهُ فترامَى ومضَى / يَقذفُ الأسماعَ بالصّوتِ اللّعينْ
شَرَعَ اللهُ فلم يُؤمِنْ به / حَسْبُهُ شَرْعُ السُّكارَى المُدمِنينْ
ما لَهُمْ لا يتّقون اللهَ في / أُمَّةٍ صَرْعَى وشَعبٍ مُستكينْ
ما لهم لا يُكرمونَ الحقَّ في / كُلِّ قوّامٍ على الحقِّ أمينْ
هم أهانوا كلَّ حُرٍّ فاضلٍ / وأَعَزُّوا كلَّ صُعلوكٍ مَهينْ
يا شبابَ اللهِ صُونوا عَهْدَهُ / إنّ كلّ الخيرِ في العهدِ المَصُونْ
أَعْجَبَتْني غَضبْةٌ من شيخِكم / هِيَ من دَأْبِ الشُّيوخِ الأوّلِينْ
رَفَعَ الصّوتَ أَصِرْنا أُمَّةً / تتركُ الدّينَ لقومٍ لاعبينْ
أين حكمُ اللهِ في قُرآنِه / كيف ضاعَ اليومَ عِنْدَ الحاكِمينْ
يا حياةً يهتفُ النَّاسُ بها / إنّما أنتِ حياةُ الهازلينْ
أُمَمُ الدُّنيا إذا ما صَلُحَتْ / فَعَلَى أيدي الوُلاةِ الصّالحينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى وقُولوا رَجُلٌ / أَسَّسَ العدلَ وهدَّ الظّالِمينْ
وأقام الحقَّ يَهْوي حولَهُ / كلُّ عالٍ من قِلاعِ المبطِلينْ
ما يُبالي إن مَضَى ينصرُهُ / ما يُعانِي من بَلايَا الخاذلينْ
ضرب الأمثالَ في مِحنتهِ / بَيّنَاتٍ للهُداةِ الصّابرينْ
انشُروا ذِكراهُ نُوراً ساطِعاً / إنّ نُورَ اللهِ يَهدي الحائِرينْ