المجموع : 40
فجعةٌ ما اِحتسبتُها في زماني
فجعةٌ ما اِحتسبتُها في زماني / نادَمَتْ بِي غرائبَ الأحزانِ
وأشدُّ الخطوب عُنفاً بنفسٍ / ما أتى بَغْتَةً بغيرِ أوانِ
أيُّها الآخذِي بِشَأنِ التسلِّي / جلَّ ما بي عن طاعةِ السُّلْوانِ
رُمْتَ عَذْلي وأنتَ تجهل ما بِي / وَفُؤادي مُستيقِنٌ ما عَناني
خَلَجَتْ في بَبْغاءَ نَبْوَةُ دهرٍ / مُولَعٍ بالنَّفيسِ من أثماني
بعث الدّهرُ نحوها يدَ شخصٍ / مُزعِجِ الكيدِ ثائرِ الأضغانِ
غالها فرصةً وما الغافلُ الوَسْ / نانُ كُفْواً للرّاصدِ اليقظانِ
لَو أَتى معلناً بِيَوم رَداها / لاِنثَنى غانماً من الحِرمانِ
أمكَنَتْهُ حُشاشةً طالما خا / بَتْ لديها وسائلُ الإمكانِ
صَدّها الحَيْنُ عن تعاطي حِذارٍ / منه والحَينُ عُقلَةُ الأذهانِ
إنْ تكنْ عُوجِلَتْ فما مُهلةُ المُر / جى على سُنّةِ الرّدى بأمانِ
ذاتُ جِسمٍ يحكي الزَّبَرْجَدَ قدْ نِي / طَتْ ذُراهُ بمِنْسَرٍ مَرْجاني
وخَوافٍ قد فارقتْ لونَها الأظ / هرَ فيها بمنظرٍ أُرجُوانِي
غَضَّةُ اللّونِ تُبصرُ العينُ منها / روضةً أخْمَلَتْ بلا بُستانِ
تُرجع القول كالصّدى في أقاصي / درجاتِ الإفصاح والتّبيانِ
تمحضُ الصّدقَ إنْ أجابتْ سَؤولاً / وهْيَ خِلْوٌ من فهم تلك المعاني
لا اِستَقلّتْ من بعد فقدِكِ وَرْقا / ءٌ تُبكِّي الدّجى على الأغصانِ
حتّامَ ذمّي عندكمْ أزماني
حتّامَ ذمّي عندكمْ أزماني / وبحبّكمْ طرق الزّمانُ جَناني
تاللَّه ما أنصفتُمُ في حبّكمْ / فَرداً وأنتمْ والغرامُ اِثنانِ
لو أنّ هذا الحبَّ يظهر شخصُهُ / لدخلتُ في أحشائه بسِنانِ
لَكنّه يرمي القلوبَ ويتّقِي / بسوادِها من أسهمِ الشُّجعانِ
يا ليتَ شعري كيف يثأر عاشقٌ / وعدوُّه في موطنِ الأخدانِ
يا من يغير على المحبّ بقلبهِ / ألّا اِنفردتَ له من الأعوانِ
لَو كانَ ذاك لما اِنفردتَ بطائلٍ / ولعُدْتَ تسحب بُردةَ الحِرْمانِ
وَأَنا الّذي راع اللّيالي بأسُهُ / فشعارُها من أسترِ الألوانِ
يَلقى الرّدى بعزيمةٍ هو عندها / وَالعيشُ إلّا في الذُّرا سِيّانِ
سَلْ عنِّيَ الأبطالَ إذْ عمّمتُهم / بقواضبي بدلاً من التّيجانِ
تُخبِرْكَ عن نَصْلِ الفَراشِ رؤوسُهمْ / وَنُحورُهم تُنبيك عن خُرصاني
لا تَأمنُ الأعداءُ منِّي نَجدَةً / ظَفَري بهمْ يلقاهُمُ بأماني
يا عاذلِي في بذلِ نفسي للوغى / أنتَ الكفيلُ بعيشِ كلِّ جبانِ
إنّ الرّدى دَيْنٌ عليك قضاؤه / فاِسمحْ به في أشرفِ الأوطانِ
مَن فات أسبابَ الرّدى يوم الوغى / لَحِقَتْهُ في أمْنٍ يدُ الحَدَثانِ
لو كان هذا الدّهرُ يُنصف ساعياً / لوَطِئْتُ منه مطالعَ الدَّبَرانِ
لا تأمُلَنْ زمناً يؤلّف وِردُهُ / بين الأسودِ الشُّوسِ والسِّرْحانِ
يُعطِي بَنيهِ العيشَ لا عن صَبْوَةٍ / ويشلُّهُم عنه بلا شَنَآنِ
فمتى رأيت مجرّراً أذيالَه / ناديته يا صاحبَ الأكفانِ
عندي له صبرٌ يردّدُ رِيقه / في صدره وقذاه في الأجفانِ
ولَطالما جرّعته كأسَ الأسى / وجَدَحْتُها بأسنّةِ المُرّانِ
كن يا زماني كيف شئتَ فلن ترى / شخصَ المذلّةِ لائذاً بلُباني
ما كلُّ مَن تلقى يبيعك عقلَه / ولَبَيْعُهُ من أكبر الخُسْرانِ
ألقيتُ عن قلبي السُّرورَ لفارغٍ / من همّتي بغرورِه ملآنِ
ما عاقني سِرْبُ السُّرورِ وإنّما / كِبَرُ النّفوسِ شبيبةُ الأحزانِ
ومُبَرّأٍ من كلّ ما شمل الورى / ألقيتُ من ثِقَتي إليه عِناني
لمّا كساني حُلَّةً من وُدِّهِ / أُنْسِيتُ سَلْبَ حَبائبي رَيْعاني
ما زلتُ أفحصُ في الورى عن مثلهِ / حتّى ظفرتُ بمن أقول كفاني
طمحتْ إليه عينُ كلِّ رئاسةٍ / لولاه ما نظرتْ إلى إنسانِ
لو شاء ما فاتَتْه أبعدُ رُتْبَةٍ / يسعى إليها الخلقُ بالأجفانِ
لكنّه نظر الممالك دونه / فَزَهى على السُّلطانِ مِن سلطانِ
سبق الكرامَ السّالفين إلى العُلا / والسَّبْقُ للإحسانِ لا الأزمانِ
يا مَن علا بي ظهرَ وَرْدٍ سابقٍ / لمّا رأى ذمّي إليه حِصاني
إيّاك أنْ تُفْشِي سَريرةَ وُدِّنا / فيصدّني عن قربك المَلَوانِ
ويمدّ صَرْفُ الدّهرِ نَحِوى طَرْفَه / وَهو الّذي لَولاك ليس يراني
هَذا الّذي ذكراه آنسَ ناظري / وهواه أوحشني من الأشجانِ
أُهدِي إليه من كلامي أيِّماً / لكنْ لها من مدحِهِ بَعْلانِ
تتجاذبُ الخُطّابُ دون جنائها / ويُرَدُّ عنها أجملُ الفِتْيانِ
فَتَوَدُّ كلُّ جوارحي في مدحهِ / أنْ كنّ من شوقٍ إليه لساني
بربِّك أيّها البرقُ اليماني
بربِّك أيّها البرقُ اليماني / تكشّف لِي بلمعك عن أبانِ
فَقِدماً ما جَلَوْتَ عليّ وَهْناً / شَماماً في صبيغةِ أُرْجُوانِ
وكدْتَ وما شعرتَ بذاك منِّي / تَدُلُّ الطّالبين على مكاني
أرِقتُ لضوءِ نارٍ منك تبدو / وتخبو في السّماءِ بلا دُخانِ
كما لَوَّحْتَ في ظلماءِ ليلٍ / إلى الأبطال في العَضْبِ اليمانِي
أراك إذا لمعتَ وعن قليلٍ / تغيب فلا أراك ولا تراني
وأرقُبُ منك خدّاعاً لِحسّي / مَروقاً بالتّقلُّبِ عن عِياني
كأنّك لا تقرّ على طريقٍ / أخَذْتَ سَناك من عهد الغواني
وتخفق في نواحي الأُفْقِ حتّى / كأنّك في الوغى قلبُ الجبانِ
تَخبُّ إليَّ مِن بَلَدٍ بعيدٍ / مَنيعٍ لا تَعَلَّقُه الأماني
وتُذْكِرني وبالكُ غيرُ بالي / ضلالاً ما تقدّم من زماني
وعيشاً كنتُ أجرِي فيه دهراً / إلى اللّذّاتِ مُستَلَبَ العِنانِ
إذا خَطَرَتْ ملاحتُهُ بقلبي / جرى شوقاً إلى رؤياه شاني
إذِ البيضُ الحِسانُ إليَّ مِيلٌ / وإذْ وَصْلُ الغواني في زماني
وَإذْ أُمسي وأُصبحُ كلَّ يومٍ / على عُقَبِ الحوادثِ في أمانِ
زمانٌ كان لِي فيه صِحابٌ / كرامٌ من بني عبد المُدانِ
مِنَ النَّفَرِ الّذين أبَوْا إبائي / وقادوا في أزِمَّتِهمْ جِراني
ولفّوا شملهمْ بالشّمْلِ منّي / وكنت مدا الزّمان بغير ثانِ
ولولا أنّهمْ حِلْفُ الأعادي / وقَوْني من عُداتي ما عَداني
يَمَسُّهُمُ الأذى قبلي ويَعْنِي / جميعَهمُ لعَمْرُك ما عَناني
وتَلْقاهمْ يؤودُهُمُ اِحتياجي / ولا يكفيهمُ لِي ما كفاني
مَضَوْا لسبيلهم وبقيتُ فَرْداً / أَعضّ على فراقهمُ بَناني
وسائلةٍ لتعرفَ ما عَراني
وسائلةٍ لتعرفَ ما عَراني / وما جرّتْ إليَّ يَدا زماني
فَقلتُ لَها لو اِستمليتِ ما بي / لأَملتهُ عليكِ غُروبُ شاني
تعمّدني زماناً ريبُ دهري / فلمّا أنْ تعمّدني رماني
ولِي مُتَزَحْزَحٌ عنه لو اِنّي / أراهُ بناظِريَّ كما يراني
أقود إلى المقابرِ كلَّ يومٍ / على رغمي خبيئاً في جَناني
وأُودِعُهُ على أنّي شفيقٌ / عليه كلَّ غبراءِ المَحاني
مُطَمِّسَةٍ يضلّ المرءُ فيها / ضَلالَ العَصْفِ خرّ من الفِنانِ
مُعَرَّسُ كلِّ مملوكٍ ومَلْكٍ / ومُضطَجَعُ المكرَّمِ والمُهانِ
وفارقني بداهيةِ اللّيالي / حبيبٌ ما سلَوْتُ ولا سَلاني
فأُصبح فيه مجتمع الأماني / وأُمسي حَيث لا تأتي الأماني
وقالوا قد مَرَنْتَ على الرّزايا / فقلتُ لهمْ وما يُغنِي مِراني
وفي الأيّامِ مُطْرِقةٌ صَموتٌ / تَقمّصُ بالشّجاعِ وبالجبانِ
فهَبْها لم تكن جَذَمَتْ يميني / ألَيِستْ بالّتي أوْهَتْ بَناني
وهَبْها لم تكن صدعتْ قَناتي / أَليست بالّتي ثملتْ سِناني
أَلا مَن عاذرِي من جار سوءٍ / إذا لم آتِهِ هَرَباً أَتاني
مُعانٍ في الّذي يَبغيهِ منّي / وإنْ أَرْبى ومدلولٍ مكاني
له أَيْدٍ بما أَجنِي عليه / وما لي بِالّذي يجني يدانِ
أقدّرُه المُسالِمَ وهو حَرْبٌ / وأحسبُهُ بعيداً وهو دانِ
وتعدوني صوائبُهُ لغيري / وما أعدى حميمي ما عداني
فيا ليتَ الّذي أقلاهُ منه / وأجفوه قلاني أوْ جَفاني
تأمّلْ أنتَ أدرَى اليومَ منّي / أَصَرْفٌ ما سقاني السّاقيانِ
وهلْ غنّى لِيَ العَصْرانِ فيمنْ / هويتُ بما سمعتُ ليُطرباني
وهلْ أحسستَ يا حادِي المطايا / عشيّةَ فارقوني باِفتِتاني
عشيّةَ قلّص المحبوبُ عنّي / وقام بما كرهتُ النّاعيانِ
وقد أرعيتُ نطقي منك سمعاً / فهل أنكرتَ شيئاً من بياني
فإنّي مَن ينال الخطبُ منه / فيأنف أنْ يفوه به لساني
وغيرُ الذَّوْدِ مُلِّكَ بعد خمسٍ / جِمامَ الماءِ قُعْقِعَ بالشِّنانِ
وصبراً بالّتي لا أتّقيها / بضَرْبي في الكريهةِ أوْ طِعاني
ومن طَمَعٍ أُخادع مِنْ يقينِي / على عَمْدٍ وأُكذِبُ من عِياني
وأُضحِي في بني الدّنيا مقيماً / وفي أيدي نوائبها عناني
تلاعبُ بي الحوادثُ كلَّ يومٍ / وتُقْرِئنِي أساطيرَ الزّمانِ
وبالزَّوْراءِ أحداثٌ بَناها / على الإعظامِ والإكرامِ بانِ
عَلَون تُقىً على شُرُفاتِ رَضْوى / وطُلْن عُلاً على هَضْبَيْ أَبانِ
وهنّ على العراقِ لمن يراها / وأفنِيةُ الإلهِ لها مَغانِ
فكم سَبَبٍ لهنّ إلى العطايا / وكم بابٍ لهنّ إلى الجِنانِ
وللأقوامِ تَطْوافٌ عليها / طوافَهمُ على الرّكنِ اليَماني
قبورٌ للأجادِلِ من قريشٍ / ذوي السُّوراتِ تُتْلى والمَثاني
من النّفرِ الأُلى جمعوا المعالي / وحازوا في العُلا قَصَبَ الرِّهانِ
أُناسٌ لا يبالون المنايا / ونارُ الحربِ ساطعةُ الدُّخانِ
وتلقاهمْ بحربٍ أَوْ بجَدْبٍ / مطاعيناً مطاعيمَ الجِفانِ
فحُطّا صاحِبَيَّ بهمْ رِحالي / قُبَيْلَ نزولِ أمرٍ ترقُبانِ
أُقِمْ في ظلّهمْ ما دمتُ حيّاً / ويُدركني بعَقْوَتهمْ أواني
لَعلّي أَن أُجاورهمْ صريعاً / فآخذ من شفاعتهمْ أماني
فقد قضّيتُ بالهفواتِ عمري / ونلتُ من الخطايا ما كفاني
قطعتَ بها يا دهرُ حبلَ وَتِيني
قطعتَ بها يا دهرُ حبلَ وَتِيني / فشأنُك أنّي اليومَ طوعُ شُؤوني
ولا تَلْحَني إنْ ضَلّ عنّي تصبُّري / فقد ضلّ عنّي صاحبي وقريني
ويا مَنْ عهدناه ضَنيناً بدمعِهِ / كنِ اليومَ في ذا الرُّزءِ غيرَ ضَنينِ
وإِنْ كنتَ مرتاداً حنيناً ولوعةً / فخذ سَرَفاً من لوعتي وحنيني
فَلَم تُشْفَ إلّا بالبكاءِ حرارتي / وَلَم تقضَ إِلّا بالدّموعِ ديوني
فأيُّ نفيسٍ قلّص الموتُ شخصَه / على بَغْتَةٍ عنّا وأيُّ ثمينِ
مُعَرَّسُ أسراري إذا ما تَقَلْقَلَتْ / ومَلْقى همومي خالياً وشُجوني
وَمَن كان عَوْني يومَ أبغي معونةً / بحيث شمالي لا تُعين يميني
وعارٍ من الفحشاء زلّ به الرّدى / كما زلّ نَصْلٌ في أكفِّ قُيونِ
أمينٌ على سرِّ الأخلّاءِ حيثما / يكون أمينُ القومِ غيرَ أمينِ
فأىُّ شَجاةٍ بعده لجوانحي / وأيُّ قذاةٍ بعده لجوفني
وعاذلةٍ هبّتْ عليَّ تلومني / فقلتُ دعيني والمصابَ دعيني
لقد فاتَنِي منه الّذي كنتُ أَرْتجي / وَأخلَفتِني فيه الّذي تَعِدِيني
عِدِيني ومَنّيني سِواه فقد مَحا / طُروقُ الرّدى فيه طريقَ ظُنوني
وإنْ كنتِ تبغيني ففي جانبِ الأسى / فإنّكِ في السُّلوانِ لا تَجديني
فلا تتّقيني في البكاءِ وكلّما / سئمتُ فأعييتُ البكاءَ فقِيني
ولا تسأليني لِمْ جَزِعْتَ وإنّما / عن الحزنِ لم أبلُغْه فيه سَلِيني
قرعتَ به يا موتُ قلبي فلِمْ تَلُمْ / على فقده أنّي قرعتُ جبيني
ولا غَرْوَ أنْ أبكي لمنْ خفّ بالرّدى / إذا كنتُ أبكي يومَ خفَّ قطيني
أفي كلِّ يومٍ أيّها الدّهرُ فُرقةٌ / فراقُ حميمٍ أَوْ فراق خَدينِ
ففي أيِّ فجٍّ لا أراك تنوبني / وأيُّ عجيبٍ لا أراك تُريني
وكم أنا مغرورٌ بك العمرَ كلَّه / تخادعني عن خِبرتي ويقيني
تقلّبني فيما أُرجِّي وأَتّقي / وترعى سهولي تارةً وحُزوني
وإنّ حَرُوني يومَ ينقاد مِقْوَدي / سريعٌ إلى الغايات غيرُ حَرونِ
أَلا يا اِبن حَمْدٍ رُزءُنا فيه واحدٌ / وما كنتَ يوماً بالمُرَزَّءِ دوني
فلا تحملنَّ العِبْءَ وحدَك كلَّهُ / فإنّي على الأعباءِ خيرُ معينِ
يا حادِيَ العِيسِ عرّجْ بي على الدِّمَنِ
يا حادِيَ العِيسِ عرّجْ بي على الدِّمَنِ / فكم لنا عندهنّ اليوم من شَجَنِ
ماذا على النّفرِ الغادين لو سمحوا / بنظرةٍ من خلالِ السِّجْفِ لم تَبنِ
قالوا نراك بلا سُقْمٍ فقلتُ لهمْ / السُّقمُ في الجسمِ ليس السُّقْمُ في البدنِ
في القلبِ منكمْ حَزازاتٌ لو اِنكَشَفتْ / لِعاذِلي فيكمُ ما بات يَعذُلني
هل في الهوى من غريمٍ لا يماطلني / أوْ من خليلٍ عليه لا يُعنّفني
لا يعرف الدَّارَ إلّا قام يندبُها / ولا يسائلها إِلّا عن السَّكَنِ
ولي فُؤادٌ إِذا أصبحتَ تأمُرُه / بالصّبرِ أمسى بغير الصَّبْرِ يأمرني
ومسرفٌ كلَّما واصَلْتُ قاطعني / بَغْياً عليَّ وإِنْ واصلتُ باعدني
وإِنْ شكوتُ إِليه بعضَ قَسْوَتِهِ / لانَتْ صخورُ شروري وهو لم يَلِنِ
وقد جفانيَ حتّى أَنّ طارقَهُ / في ظُلمة اللّيل عمداً ليس يطرُقني
للَّهِ أيّامُ فخرِ الملك مَن عَلِقَتْ / به المكارمُ مجرى الرّوحِ للبدنِ
ومَن يَجود بما تحوي أنامِلُهُ / من النّفائس في سرٍّ وفي عَلَنِ
أَعطيتَ حتّى كأنّ الجودَ مُبتَدَعٌ / وإِنّ شيئاً من المعروفِ لم يكنِ
للَّهِ دَرُّك والأبطالُ هائبةٌ / واليومُ يعنُفُ بالطّاقاتِ والمُنَنِ
والسُّمرُ تفتُقُ طعناً كلَّ راعفةٍ / من النّجيع بمثل العارِضِ الهَتِنِ
في ظهر طاويةِ الأحشاءِ ضامرةٍ / كأنّها قِدْحُ نَبْعٍ جِيب بالسَّفَنِ
قُل للّذينَ أَرادوا نيلَ غايتِهِ / أين الحضيضُ من الأعلامِ والقُنَنِ
كَم ذا اِهتَديتم ولا هادٍ سواه على / ظلماءَ لو مرّ فيها الصّبحُ لم يَبِنِ
أُحبُّهُ وقليلٌ ذاك مُحتَقَرٌ / حبَّ الغريبِ القَصِيِّ الدّارِ للوطَنِ
وأَرْتضي مُلكَه لي بعدما عزفتْ / نفسي عن المَلِكِ الجبّار يملكني
وأَرتجيهِ لأيّامٍ أُطالعُها / غيباً بلا باطلٍ فيها ولا دَرَنِ
يَفديك كلُّ وساعِ الباعِ في طَبَعٍ / شَحْطٍ على مُرتجيه ضيّقِ العَطَنِ
ما زالَ وَالنّاسُ شتّى في خلائقهم / غَرْثانَ من كرمٍ ملآنَ من جُبُنِ
يريد نيلَ العُلا عفواً بلا تعبٍ / وكم دُوَيْنَ العُلا من مركبٍ خَشِنِ
لا يُدرك العزَّ إلّا كلُّ ذي أَنَفٍ / نابٍ عن العجزِ شَرّادٍ عن الوَهَنِ
يُلقِي الثَّراءَ على وجهِ الثَّرى أبداً / ويترك الغثَّ منبوذاً على السَّمِنِ
دان الزّمانُ لنا بعد الجِماحِ ولو / سواك راضَ شِماساً منه لم يَدِنِ
فَالآنَ نَجرِي إلى اللّذّاتِ نأخذها / بِلا عِذارٍ يُعنّينا ولا رَسَنِ
هُنِّيتَ بالعيدِ واِعتادتْ ربُوعَك مِن / سعودِهِ كلُّ وطْفاءٍ من المُزُنِ
وعشتَ من نَبَواتِ الدّهرِ قاطبةً / وإنْ دَهَيْن الورى في أوثقِ الجُنَنِ
وَلا تَغِب عَن نعيمٍ ظَلْتَ تألفُهُ / ولا تَخِبْ عن مُنىً فيه ولا تَهِنِ
هذا الثّناءُ فإنْ كانتْ مدائِحُهُ / يقصُرْن عنك فبُعْدُ الشَّأْوِ يعذُرني
ومَنْ يُطيقُ وإن أَوفَت بلاغتُهُ / يُثني بكلِّ الّذي أوتيتَ من حَسَنِ
ألم تَرَني في كلِّ يومٍ وليلةِ
ألم تَرَني في كلِّ يومٍ وليلةِ / أحنُّ إلى من لا يحنُّ حنيني
وأندُبُ مرموساً بملساءَ قَفرةٍ / فيا ليتني ناديتُ غيرَ دفينِ
كأنّي وقد قُطِّعتَ عنّيَ هالكاً / تقطّع منّي أكْحَلى ووَتِيني
فَرَتْ نائباتُ الدّهرِ أغصانَ دَوْحَتِي / ولاقَ أُصولي ما أصاب غُصوني
فإنْ بقيتْ بعد القرينِ حُشاشتي / قليلاً فإنِّي لاحقٌ بقريني
رضيتُ بالدّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً
رضيتُ بالدّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً / ولو وجدتُ لَما أُرضيتُ بالدُّونِ
كَم ذا أُعالجُ إمّا كاشحاً حَنِقاً / أَوْ أُبتَلى بصديقٍ غيرِ مأمونِ
ما زلتُ بُقياً على الأحوالِ تجمعنا / أُطيعه وهو طولَ الدّهرِ يعصيني
بُعداً وسُحقاً لقومٍ لا حِفاظَ لهمْ / كنزتُ عندهمُ وُدّاً فملّوني
ما زلتُ فيهم وَصولاً مَن يقاطعني / ورائشاً عندهمْ من كان يَبريني
منُّوا عليَّ بأن لم يسلبوا نَسَبِي / سَقْياً ورَعْياً لفضلٍ غير ممنونِ
مِن كلِّ أَخرَقَ مأسورٍ بشهوتِهِ / مُخَدَّعٍ برخاءِ العيشِ مفتونِ
ظنّوا وليس لهمْ فضلٌ يقدّمهم / إنّ التقدّمَ في أَيدي السَّلاطينِ
هيهاتَ ما الفضل إلّا ما حبَتك به / أَمُّ الفضائلِ من عقلٍ ومن دينِ
ما كان مُبتاعُهم إلّا أَخا نَدَمٍ / وَليسَ بائعهم إلّا بمغبونِ
جَنَوْا سَقامي وكم فيهم وعندهُم / طَبٌّ بدائي ولكنْ لا يُداويني
يقولُ قومٌ وما لي فيهمُ دُوَلٌ / أجفوهُ بَذْلاً له فيهمْ ويجفوني
كم بين فَقْرٍ وإثراءٍ فقلت لهمْ / ما بين عزِّ الفتى في النّاسِ والهُونِ
عش مفرداً غيرَ مقرونٍ فلا جَذَلٌ / إلّا بأنِّيَ فردٌ غيرُ مقرونِ
لو كنتُ أعلمُ أنّ البعدَ يؤمنني / بعدتُ لكنّ بُعدي لا يُنجّيني
مَن مُخرِجِي من بلادي فهْيَ موبئةٌ / وكلّ داءٍ بها في الخلقِ يُعديني
وقد عَمَرْتُ زماناً في مرابعها / أعدو المحاذرَ فيها وهْيَ تعدوني
وَقَد صَحبتُ الّذي بالغيِّ يَأمُرُني / وبالّذي يُدنِسُ الأعراضَ يُغرِيني
إنّي لأعجبُ منه وهو ذو عَجَبٍ / يبيعني قبل أن يلقي ويَشريني
يَقِيهِ نحرِيَ مِن رامٍ فريستَه / يوم الوغى هو عُمْرَ الدَّهرِ يرميني
وَكلّما أَخرجتْ كفّي القَذاةَ له / من جَفْنِهِ بات يُشجيني ويُقذيني
وكم أُلَبِّيهِ في ضَرّاءَ يركبُها / ولم يكن يومَ سَرّاءٍ يُلَبّيني
مَن لِي بِحُرٍّ من الإخوانِ ذي أَنَفٍ / أكفيه أثقالَه طَوْراً ويكفيني
لا يَلتَقي بِيَ إلّا عند نائبةٍ / يُعين فيها ومكروهٍ يُعنّيني
فهو المُؤاتِي ولكنْ في مُذَمَّمَةٍ / يُثنِي عَليَّ ونَرْدي لا يُؤاتِيني
خذْ كيف شئتَ فما الدّنيا بخالدةٍ / ولا البقاءُ على خلقٍ بمضمونِ
خُلِقتَ من طينةٍ لمّا خُلِقتَ فلِمْ / تَربأ بنفسكَ أنْ تُهدى إلى الطّينِ
إلى التّراب يصير النّاسُ كلُّهمُ / مِن مُفْهَقٍ بالغِنى كفّاً ومِسكينِ
مُبَدَّلين بتُربٍ عن ملابسهم / وبالخشونةِ عن خَفْضٍ وعن لينِ
قُلْ للَّذي رَقَمَتْ أموالَهُ يدُه / يُغنِي مُوَيلكَ مُفني مال قارونِ
أَينَ الّذي رَفع الإيوانَ تحسبُه / إذا بدا لك طَوْداً لاح في بِينِ
وأين عالٍ على غُمدانَ مُحتقراً / من كِبْرِياءٍ به غُرَّ العَثانينِ
وأين مَن حلّ في خَفّانَ مُحتكِماً / على الملوكِ مُحَيّاً بالرّياحينِ
كأنّهمْ ساكني غُبْر القبورِ لهمْ / لم يسكنوا بيننا غُبْرَ البساتينِ
بادوا فلا أثَرٌ منهمْ ولا خبرٌ / إلّا أَساطيرُ تقريظٍ وتأبينِ
يا ليتَ شعرِيَ أيُّ الأرض تَنبتُ لِي / وأيُّ تُربٍ من البَوْغاءِ يَعْلوني
وأيُّ وقتٍ من الأوقاتِ أكرهُهُ / أُجيبُ فيه حِمامي إذْ يناديني
إنْ كنتُ لم أعْيَ من خَطْبٍ رُميتُ به / فإنّ خَطْبَ صُروفِ الدّهرِ يُعييني
رُمِ النَّجاءَ عن الفحشاءِ والهونِ
رُمِ النَّجاءَ عن الفحشاءِ والهونِ / وَلا تَعُجْ بصديقٍ غير مأمونِ
ولا تُقِمْ بين أقوامٍ خلائقُهُم / خُشْنٌ وإنْ كنت في خَفْضٍ وفي لِينِ
ماذا العناءُ وظلُّ العودِ يُقنعني / وذا الشّقاءُ وبعضُ القوتِ يكفيني
والمالُ تُصبِحُ صِفراً كفُّ جامعِهِ / ولو أَنافَ على أموالِ قارونِ
وليس ينفعني والدّاءُ يعنُفُ بي / إذا وجدتُ طبيباً لا يداويني
مَن لِي بمن إنْ هَفَتْ رِجلاهُ في زَلَقٍ / حُميتُهُ أو هفَتْ رِجْلايَ يحميني
يرمي العِدا أبداً عنّي وليس يُرى / ولو رماني جميع النّاس يرميني
أَشكو إلى اللَّهِ قَوماً عشتُ بينهُمُ / يرضون من كلّ ما يبغون بالدُّونِ
لا رَوْنَقٌ لهمُ يرضاهُ لِي بصري / ولا لهمْ عَبَقٌ يرضاه عِرْنِيني
من كلّ أخْرَقَ بالشّنعاءِ مُضطَبِعٍ / وبالّذي دنّسَ الأعراضَ مَزْنونِ
أَعدوه لا جائزاً منه بناحيةٍ / والشّرُّ كالعُرِّ في الأقوامِ يُعديني
لولا التّنوخيُّ لم آنسْ إلى أحدٍ / ولا أجَبْتُ وداداً من يناديني
وَلا رَأتنِيَ عينٌ لاِمرئٍ أبداً / إلّا عَرِيّاً خَلِيّاً غيرَ مقرونِ
ليلي بزَورَتِهِ في مُشْرِقٍ يَقَقٍ / والصّبحُ أَسعدُ صبحٍ حين يأتيني
كأنّه مبهجٌ أضحى يبشّرني / ومطربٌ أبداً أمسى يغنّيني
لَو يَستَطيع حَماني كلَّ بائقَةٍ / وباعد السّودَ في رأسي عن الجُونِ
يُطيعني وهو ممّن لا اِمتنانَ لهُ / كأنّه طولَ هذا الدّهر يَعصيني
كم ليلةٍ بتُّ منه في بُلَهْنِيَةٍ / أُعطيهِ ما يَبتغي منّي ويُعطيني
كأنّنا باِخضرارٍ من تذكّرنا / نُمسِي ونُصبحُ في خُضرِ البساتينِ
ونابَ مِنّا حديثٌ بات يُطربنا / عن أنْ أُسَقِّيهُ كأساً ويسقيني
متى سقاني فروّاني مواصلةً / فما أُبالي بمن في الخَلْقِ يجفوني
وإنْ جرى لِيَ مدحٌ في مقالتِه / فقل لمن شاء في الأقوام يهجوني
لَم تَحلُ إلّا بهِ الدّنيا ولا مَرَقتْ / منهُ الخَلائقُ عن بُحْبُوحَةِ الدِّينِ
لا أدْرَكتْ أُذُني ما ليس يُعجبني / فيه ولا مُقلتي ما ليس يُرْضيني
وَلا اِستُرِدَّ الّذي أُعطيتُ منه ولا / عادتْ غصونٌ كَستْني منه تعريني
إنّ نُعمى وما دَرَتْ
إنّ نُعمى وما دَرَتْ / حَمَلَتْنِي بظعنها
سَرَقت ليلة الجِما / رِ فؤادي بحسنها
كنتُ صُبحاً حُرّاً وأمْ / سيتُ من بعض قِنِّها
طَلَبتني على شجا / عةِ قلبي بجُبْنِها
كنتُ لمّا كنّيْتُ عن / ها كأنّي لم أعْنِها
لَيتَني كنتُ في الظّلا / مِ ضجيعاً لغُصنها
أو نسيمَ الصَّبا يمر / رُ اِجتِيازاً برُدْنِها
ولقد عدّدَت عَلَي / ىَ ذُنوباً لم أجْنِها
يا طائرَ الأيْك غرّدْ لي على الفَنَنِ
يا طائرَ الأيْك غرّدْ لي على الفَنَنِ / وَداوِ ما بِيَ من همٍّ ومن حَزَنِ
وفي الفؤاد شجونٌ غيرُ زائلةٍ / إنْ كان قلبُك خِلْواً غيرَ ذي شَجَنِ
ما لي أراك بلا شَوْقٍ ولا كَلَفٍ / ولا حبيبٍ تُرَجِّيهِ ولا سَكَنِ
إنْ كنتَ تُنصَف ممّنْ أنتَ تعشقه / فإنّني عاشقٌ من ليس يُنصفني
وَما الشّقاوةُ إلّا فتنةٌ سكنتْ / قلباً وأفلح قلبٌ غيرُ مُفتَتنِ
وَفي الكثيب الّذي فارقتُهُ عجلاً / ما شاءتِ العينُ من حُسْنٍ ومن حَسَنِ
أُحبُّ فيه عَسوفاً ليس يرأفُ بِي / وقاسِيَ القلبِ فَظّاً ليس يرحمني
ما الوعدُ منه بمألوفٍ لعاشقِهِ / فإِنْ يَعِدْ فهْوَ بالإنجاز يَمطُلُني
يسيءُ بي مالكاً رِقِّي ولستُ أَرى / حظّاً لنفسِيَ منه أنْ يُحرّرني
نفسي الفداءُ لخوّانٍ كلفتُ به / أظلُّ أُونِسُهُ دهراً ويوحشني
وَهمّ نفسي خَلِيٌّ بات يشغلنِي / أو الصّحيحُ الّذي ما زال يُمرضني
وكم ليالٍ مضتْ لي في خُناصِرَةٍ / ينام فيها قريراً مَنْ يُؤَرِّقُني
ظَبْيٌ تجافى الجَوى عنه فروّحه / يُقيمني حُبُّهُ طوراً ويُقعدني
مُحيّرٌ وجهُهُ للشّمسِ إِن طلعتْ / ومُخجلٌ قَدُّه إنْ ماس للغُصُنِ
أُطيعهُ وهو يَعصيني وأُنصِفُهُ / كما يحاول من نفسي ويظلمني
ما للخيالِ الّذي قد كان يطرقنا / أَيّامَ وَصْلكُمُ قد عاد يطرُقُني
نَفَتْ يقينِيَ عن قلبي أباطِلُهُ / فما لعينِيَ حقٌّ لا ولا أُذُني
قُلْ لِلحُداة وقَد زَمّوا لِرحلَتِهمْ / يومَ الفراقِ خياشيماً من البُدُنِ
دقّتْ وما زالتِ الأشطانُ تجذبُها / إلى المَهامِهِ حتّى صِرْن كالشَّطَنِ
حملتُمُ اليومَ قلبي في هوادِجكمْ / فليس ينفعُني أنْ تحملوا بدني
ولستُ في وطنٍ فارقتموهُ وفي / رِحالكمْ حيثما يمَّمْتُمُ وطني
يا صاحبيَّ على ما الدّهرُ مُحدثُهُ / من مركبٍ لَيِّنٍ أَوْ مركبٍ خَشِنِ
قولاً لملكِ ملوك الأرض كلِّهمُ / والرّكن للدّين والماضي على السُّنَنِ
قد نِلتَ ما لم يَنل كسرى ولا بلغتْ / هِمّاتُ عمرٍو ولا سَيفِ بن ذي يَزنِ
ما إنْ يكون لأخلاقٍ خُصصتَ بها / كريمةٍ في الورى شِبْهٌ ولم يكنِ
تُغضي وما حاذر الأقوامُ كلُّهمُ / من الرّجالِ سوى إِغضاءِ ذي فِطَنِ
وَتتركُ القولَ لم تُحْمَد مواضعُهُ / وكم صَموتٍ وما يُدعى من اللَّكَنَ
يَفديك كلُّ جَمودِ الكفِّ عن كرمٍ / للعرضِ مُطّرِحٍ للمالِ مُحتَجِنِ
ناءٍ عن الخير منحازٍ بناحيةٍ / عن المكارمِ صَبّارٍ عن الوَهَنِ
للّهِ دَرُّك في هولٍ نفضتَ به / عن الضّلوعِ مُرورَ الرُّعْبِ والجُبُنِ
والطَّعنُ يفتُقُ في كفَّيْك فاغرةً / كشِدْقِ أعْلَمَ أوْ لا فهي كالرُّدُنِ
وَأَنتَ في معشرٍ شُمٍّ أُنوفُهُمُ / لم يرتضوا في هضابِ المجدِ بالقُنَنِ
عارينَ إلّا مِن الحسناءِ قاطبةً / كاسِينَ إلّا منَ الشّنعاءِ والدَّرَنِ
ومشتري الحَمدِ لَمّا قلّصَت هِمَمٌ / عن غاية الحمد بالغالي من الثمَنِ
لهم ثِيابٌ نَقيّاتٌ بلا دَنَسٍ / مَرَّ اللّيالي وعيدانٌ بلا أُبَنِ
وإنْ دَعَوْتَ بهمْ في يومِ مَلْحَمَةٍ / جاؤوك شدّاً على الأكوارِ والحُصُنِ
بأَذرُعٍ لم تزلْ منهمْ معوَّدَةً / هزَّ الظُّبا البيضِ أو سُمرَ القنا اللّدِنِ
قُل للَّذي باتَ يَرمينِي وليس له / علمٌ بأنّك لِي أوْقى من الجُنَنِ
لا تَبغِ سَلبِي ولا تَمْدُدْ إلى سَلَبِي / منك اليدين ورُكْنُ الدّين يحرسني
قد كنت قبلك أهجو الدّهرَ مجتهداً / وقد رُزِقْتُك لا عَتْبٌ على الزَّمَنِ
فَأَنت أَحلى لقلبي من مُناهُ وفي / عيني عقيبَ السُّرى والأَيْنِ من وَسَني
قدني إليك فما أعطيت معتصباً / بِالتاجِ قبلك رقّي لا وَلا رَسني
وَاِعلمْ بِأنِّيَ في يُمناك مُدَّخراً / خيرٌ من المالِ في أبياتِ مُختَزِنِ
فإِن تجدني كما جرّبتَ ذا لَسَنٍ / فإِنَّ مدْحَك موقوفٌ على لَسَني
وما رضيتُ سواكمْ آمراً أبداً / وقد رضيتُك تنهاني وتأمرني
إذا مدحتُك لم أقرعْ بلائمةٍ / وبات يعذرني من بات يعذُلني
قصائدٌ رقّصَتْ بالسّامعين كما / ترقّص الخمرُ في أحشاء ذي أَرَنِ
فالغَوْرُ كالنَّجدِ في نشر الرُّواةِ لها / والحيُّ مِن مُضَرٍ كالحيِّ من يَمَنِ
لِي في اِمتداحك أَسبابٌ تُقدّمني / وتارةً ليَ أسبابٌ تؤخّرني
فطَوْلُ فضلك عن قومي يُجنّبني / وعِظْمُ حلمك عن هَفْوي يشجّعني
فَاِسعَد بِذا العيدِ والإفطار إنّهما / والنُّجحَ في كلّ ما تَبغيهِ في قَرَنِ
وقد مضى الصّومُ لم يكتبْ عليك به / ذنبٌ ولا ناله شيءٌ من الظِّنَنِ
يُثني عليك كما أثنى الرّياضُ وقد / جيدَتْ ضواحيه إصباحاً على المُزَنِ
ودُمْ لمجدٍ تعلّيهِ ومُمْتَحَنٍ / أخرجتَه كَرَماً من قبضةِ المِنَنِ
ما اِفتَرَّ فجرٌ وما لاحَتْ بشائرُهُ / وما تَرَنَّمَ قُمْرِيٌّ على غُصُنِ
يا مالكاً رِقِّي بلا ثَمَنٍ
يا مالكاً رِقِّي بلا ثَمَنٍ / غير الملاحةِ منه والحسنِ
إنَّ الّذي نمَّ الوشاةُ به / لم يصدقوا فيه ولم يكُنِ
وهَجَرتني فطردت معتمداً / عن مُقْلَتَيَّ لَذاذَةَ الوَسَنِ
فقبيح ظلمِك فيه يعذُلني / ومليحُ ظُلمٍ منك يعذرني
ولِمنْ ألومُ وإنّما بصري / هذي جنايتُهُ على بَدَني
هي محنةٌ لولا الغرورُ بها / حازتْ ضِراراً سائرَ المِحَنِ
وَلو اِنّ لِي قلباً يطاوعني / ليئِسْتُ ممّنُ ليس يرحمني
فقطعتُ من إنصافِهِ أَمَلِي / ونفضتُ من إسعافِهِ دَرَنِي
سأَبلغُ حاجاتي وإنْ كنّ نُزَّحاً
سأَبلغُ حاجاتي وإنْ كنّ نُزَّحاً / بكلّ رقيقِ الشَّفْرتينِ يَمانِ
وكلِّ طويلٍ كالرِّشاءِ مَدَدْتهُ / يناجيك منه رأسُهُ بسِنانِ
وإنّي حَرونٌ عن ديارٍ مَرِيعةٍ / وكم ساق لِي عِزّاً طويلُ حِراني
وقلبي مطيعٌ لِي وإنْ كنتُ كالّذي / نلاقيه من هذا الزّمانِ عصاني
وَأَعلمُ أنّ الدّهرَ يعبث صَرْفُهُ / بمالِ فُلانٍ تارةً وفلانِ
أقِلّا فشأنُكما غيرُ شاني
أقِلّا فشأنُكما غيرُ شاني / ولَستُ بطَوْعكما فاِتركاني
ولا تجشما عَذْلَ من لا يُصيخ / فما تُعدِلاني بأنْ تَعذُلاني
غرامي يغير ذوات الخدود / ووجدي بغير وِصالِ الغَواني
ولِي شُغُلٌ عن هوى الغانياتِ / وَما الحبُّ إلّا فَراغُ الجَنانِ
ومن أجلِ وَسْواسِ هذا الغرامِ / أقام العزيزُ بدار الهَوانِ
ولولا الهوى ما رأيتَ الشّجا / عَ يَقنِصُ في حومةٍ للجبانِ
ولِي عِوَضٌ بوجوهِ الصّوا / بِ مُشرقةً عن وجوه الحِسانِ
فأغنى من البِيض بِيضُ الضّراب / وأغنى من السُّمرِ سُمْرُ الطّعانِ
دعاني إليهِ فلَبَّيْتُهُ / مليكُ الورى والعُلا والزّمانِ
دعاني ولولا ولائي الصّريح / لدولتِهِ وَجْدُها ما دعاني
أَتَتْهُ ولم يأتها رِيبةً / يَغارُ على مثلها الفَرقدانِ
وكنتُ أراها له بالظُّنونِ / فقد صرتُ أُبصرها بالعيانِ
فدونَكَها دولةً لا تَبيدُ / كما لا يبيدُ لنا النَّيِّرانِ
بَناها لَك اللَّهُ في شامِخٍ / بعيدِ الرِّعانِ رفيعِ القِنانِ
فقد علم المُلكُ ثمّ الملو / كُ أنّك أوْلاهمُ بالرِّهانِ
وأنّك أضرَبُهُمْ بالحُسامِ / وأنّك أطعنُهمْ بالسِّنانِ
وأنّك أبذَلُهمْ للبدُورِ / وأملاهُمُ في قِرىً للجِفانِ
وأنّك سِلْماً وحرباً أحقُّ / بظهر السّرير وظهرِ الحِصانِ
وأنّك في خَشِناتِ الخطو / بِ أبعدُهُمْ عن محلِّ اللِّيانِ
فللّهِ دَرُّك يوم اِلتَوَتْ / عليك الخطوبُ اِلتِواءَ المثاني
وَقَد ذَهَبوا عَن طَريقِ الصّوابِ / وأنتَ عليه وما ثَمَّ ثانِ
دعوك إليها دعاءَ الرَّكوبِ / سُرَى اللّيل للقمرِ الأَضحَيانِ
وقالوا هَلُمَّ إلى خُطَّرٍ / تُقَعقِعُ بالشَّرّ لا بالشِّنانِ
عشيّةَ لاكوا ثِمارَ النُّكولِ / وذاقوا جَنى عجزهمْ والتّواني
ولاحتْ شواهدُ مشنوءَةٍ / ودلّ على النّارِ لونُ الدُّخانِ
وأشعرنا الحزمُ قبلَ اللّقاءِ / بيومٍ يسيل ردىً أرْدَنانِ
وأنتَ على ظَهر مجدولةٍ / من الشّدِّ والطّرْدِ جَدْلَ العِنانِ
كأنَّ الّذي فَوقها راكبٌ / قَرَا يَذْبُلٍ أوْ سَراتَيْ أبانِ
إلى أن حذبتَ صِعابَ الرّقابِ / وشُمَّ المخاطمِ جَذْبَ العِرانِ
وغيرُك يندم في فائتٍ / وليس له غيرُ عضِّ البَنانِ
وغرّهُمُ منك طولُ الأناةِ / وكم غرَّ في السَّرْعِ من بُعْدِ دانِ
فلا تستغرّوا بإطراقةٍ / تهابُ كإطْراقةِ الأُفعوانِ
ولا تحسبوا حِلْمَهُ دَيْدَناً / فكم نزع الحِلْمَ إصرارُ جانِ
وإنّك في معشرٍ شأنُهمْ / إذا شهدوا معركاً خيرُ شانِ
لهمْ رُمَمٌ كلّما رُجِّلَتْ / فبالسّائل العَصْبِ لا بالدِّهانِ
وأيْمانُهمْ خُلقتْ في الهِياجِ / لضربٍ يقطُّ الطُّلى أو طِعانِ
يحلُّون في كلّ مرهوبةٍ / محلَّ الغِرارِ الحُسامِ اليماني
وإنْ أنتَ طاعَنْتَ أغنَوْك في ال / قناةِ وقد حضروا عن سِنانِ
فيا رُكنَ أدياننا والجمالُ / لِملَّتنا في نأىً أو تَدانِ
أَبوك الّذي سامني مَدحَه / وما زلتُ عنه طويلَ الحِرانِ
إلى أنْ ثناني إليه الوِدا / دُ منه وكرّمني فَاِشتراني
وما زال يجذبني باليدي / نِ حتّى عطفتُ إليهِ عِناني
ولمّا رَقاني ولم أعيهِ / وأعيَيْتُ مِنْ قبله مَنْ رَقاني
فسيّرتُ فيه من الصّائباتِ / دِراكاً نحورَ العدا والمعاني
وأطربتُهُ بغناءِ المَديحِ / فأغنيتُهُ عن غِناءِ القِيانِ
فخذْ منّيَ اليومَ ما شئتَ مِنْ / صنيعِ الضّمير ونسجِ اللّسانِ
كلاماً يغور إليه البليدُ / وينقلُهُ مُسرعاً كلُّ وانِ
شَموساً يُبرِّحُ بالهاتفين / ولمّا هَتَفْتُ به ما عصاني
غنيّاً بصنعتِه لم يَطُفْ / بلفظِ فلانٍ ومعنى فلانِ
فلو رامه الأفقُ ما ناله / ولولاك كفواً له ما عداني
ولي خدمةٌ سلفتْ في الزّمان / صدعتُ بها غرّةً في زماني
ولمّا رأتْنِيَ منك اللِّحاظُ / حَمَتْني هنالك منك اليدانِ
وأُسكِنْتُ عندك ظلّاً أقول / كفانِيَ ما نلتُ منه كفاني
وما زلتُ مذْ ذاك تحنوا على / ودادك في الصّدرِ منِّي الحواني
يَهابُ مراسِيَ مَن رامني / ويُخطئني خِيفةً من رماني
ولولا دفاعُك عنّي لَما / تغَيَّبَ عن رَيْبِ دهري مكاني
ولا كنتُ ممّنْ يرى سيّئاً / بغيري ومقلتُهُ لا تراني
ولمْ لا أتِيهُ وأنت الّذي / تَنَخّلَنِي خِبرةً واِصطفاني
ولمّا اِنتَسبتُ إلى عزّهِ / حَميتُ الّذي كان قِدْماً حماني
فلا زِلْتَ من تَبِعاتِ الخُطوبِ / ومن كلّ طارقةٍ في أمانِ
وأصبحتَ مصطبحاً ما تَبيت / تُرامقُهُ من مُنىً أو تراني
ولا فارقَتْكَ ضُروبُ السّرورِ / ولا صارمَتْك فنونُ التَّهاني
وَسَّدني كفَّهُ وعانقني
وَسَّدني كفَّهُ وعانقني / ونحن في سَكْرَةٍ من الوَسَنِ
وبات عندي إلى الصّباح وما / شاع اِلتقاءٌ لنا ولم يَبِنِ
خادعني ثمّ عَدّ خُدْعَتَه / لمُقْلَتِي منَّةً من المِنَنِ
فليت ذاك اللّقاءَ ما زال أوْ / ليتَ خيالاً في النّومِ لم يَكُنِ
وزارني زَوْرَةً بلا عِدَةٍ / وما أتى وقتُها ولم يَحِنِ
فإِنْ تكنْ زَوْرَةً موهّمةً / فقد أَمِنّا فيها الظِّنَنِ
وإنْ تكن باطلاً فكم باطلٍ / عاش به ميّتٌ من الحَزَنِ
يا يومُ أيُّ شَجىً بِمثلك ذاقه
يا يومُ أيُّ شَجىً بِمثلك ذاقه / عُصَبُ الرّسولِ وصفوةُ الرّحمنِ
جرّعتَهم غُصصَ الرّدى حتّى اِرتوَوا / ولَذعْتَهمْ بلواذِعِ النّيرانِ
وطَرَحتَهمْ بَدَداً بأجوازِ الفَلا / للذّئبِ آونةً وللعِقبانِ
عافوا القرارَ وليس غير قرارهمْ / أوْ بردِهمْ موتاً بحدّ طعانِ
مُنِعوا الفُراتَ وصُرّعوا مِن حولِهِ / من تائقٍ للوِرْدِ أوْ ظمآنِ
أوَ ما رأيتَ قِراعَهم ودفاعَهم / قِدْماً وقد أُعْرُوا من الأعوانِ
متزاحمين على الرّدى في موقفٍ / حُشِيَ الظُّبا وأُسِنَّةَ المُرّانِ
ما إِنْ بهِ إلّا الشّجاعُ وطائرٌ / عنه حِذارَ الموتِ كلُّ جَبانِ
يومٌ أذلَّ جماجماً من هاشمٍ / وسرى إلى عدنانَ أوْ قحطانِ
أرْعى جميمَ الحقِّ في أوطانهمْ / رَعْيَ الهشيمِ سوائِمَ العُدوانِ
وأنارَ ناراً لا تبوخُ وربّما / قد كان للنّيرانِ لونُ دُخانِ
وهوَ الّذي لم يُبقِ من دينٍ لنا / بالغدرِ قائمةً من البُنيانِ
يا صاحبيَّ على المصيبةِ فيهمُ / ومشارِكِيَّ اليومَ في أحزاني
قوما خُذا نارَ الصَّلا من أضلُعِي / إن شئتما والماءَ من أجفاني
وتَعلّما أنّ الّذي كتّمْتُه / حَذَرَ العِدا يأْبى على الكتمانِ
فلو اِنّني شاهدتُهمْ بين العِدا / والكُفْرُ مُعْلَوْلٍ على الإيمانِ
لخَضَبْتُ سيفي من نجيع عدوّهمْ / ومحوتُ من دمهمْ حُجول حصاني
وشفيتُ بالطّعنِ المبرِّحِ بالقنا / داءَ الحقودِ ووعْكَةَ الأضغانِ
ولَبعْتُهُمْ نفسي على ضَنٍّ بها / يومَ الطُّفُوفِ بأرْخصِ الأثمانِ
إذا أنتُمُ لَم تَشفَعوا في قباحةٍ
إذا أنتُمُ لَم تَشفَعوا في قباحةٍ / ولم تشفعوا في خائفٍ بأمانِ
فَما أَنتُمُ إلّا سَرابٌ بقِيعَةٍ / يضلّلُ رَأْيي أوْ يغرّ عِياني
وجدْتُكمُ لَم تَصلحوا لِرَخائِنا / ولا لزمانِ البُؤْسِ والحَدَثانِ
وما أنتُمُ أهلٌ لودِّ قلوبنا / ولكنّ للبغضاءِ والشَّنَآنِ
أقمْ واحداً فرداً ودعْ عنك مرّةً / نفاقَ فلانٍ أوْ خِداعَ فلانِ
فكْم عشتُ مقروناً بقومٍ صحبتُهمْ / ولكنّني لم أنتفعْ بقِرانِ
أذمُّ زماني فيهمُ ومِن أجلِهم / وما الذّنبُ لو أنصفتُ ذنب زماني
فإنْ أنتَ أنكرتَ المعاريضَ وَاِنتَهَتْ / إليك مَغازٍ بينها ومعانِ
فَهذا وَقولي في يد الحزمِ مُوثَقٌ / فكيف إذا أطلَقْتُ فيه عِناني
في العناءِ الطّويل كيف وقعتُم
في العناءِ الطّويل كيف وقعتُم / لاعَدِمْتم هذا العناءَ المُعَنِّي
قد مضتْ نوبةُ السُّرور فلم يب / قَ سوى تَرْحَةٍ ونَوْبةِ حُزْنِ
ورَكوبٍ ظهورَ حُدْبٍ شَموسا / تٍ على كلّ راكبيهنّ خُشْنِ
أيّها المظهرُ القبيحَ وقد كا / ن قديماً ما بين قُبحٍ وحُسْنِ
ليس مَن بات مُرصداً مضرمَ الكي / دِ بكُفْوٍ للغافلِ المطمئِنِّ
أيُّ شيءٍ أردتَ بِي ثُمّ ماذا / راب يوماً صميمَ قلبكِ مِنّي
لَيت حالاً دامتْ بعقلٍ فمن ذا / يرتجي أَنْ يَدوم حالاً بأفْنِ
إِنْ تَبت حصنك الثَّراء وقومٌ / نَصرهمْ في يديك فاللَّهُ حِصْنِي
وَإِذا ما اِتّخذتَ ركناً من النّا / س فمن غيرهمْ لعَمْرُكَ ركني
لم تقدني قهراً إليك فمن قب / لك بالقهرْ نحوه لم يقُدْني
أنَا حرٌّ بين الرّجالِ فما يَمْ / لك رِقّي ذو المنِّ فيهمْ بمَنِّ
رابَني في اِختيارِ مثلك عقلي / وأَرَتْني المحالَ عيني وأُذني
وظننتُ الجميلَ ثمّ تأَمَّلْ / تُ فأكْدى حَدسي وأخفَقَ ظَنّي
ولو أنّي لمّا شريُتك جرّبْ / تك قبل الشّراءِ ما بان غَبْنِي
كَيفَ ضَيّعتَنِي وقد كنتَ بي فَوْ / قَ محلِّ السِّماك لو لم تُضِعنِي
فإذا هِجتَني فقد وَدّ من قب / لك مَن ودّ أنّه لم يَهِجْني
أنا في كلّ ساعةٍ بين أمْرَيْ / نِ فُمبْكِ عيني ومضحكِ سِنِّي
ومقيمٌ على خِطارِ اللّيالي / بَينَ راوٍ يروي عليّ وعنِّي
وتَجَنٍّ من الزّمان ومن يُد / رِكُ يا قومُ غايةَ المُتَجَنِّي
وَلو اِنّي أطَعْتُ عزمي لأصبح / تُ من النّاس نافضاً فَضْلَ رُدْني
ولمّا تعانقنا ولم يكُ بيننا
ولمّا تعانقنا ولم يكُ بيننا / سوى صارمٍ في جَفْنِهِ لا من الجُبْنِ
كرهتُ عناقَ السّيف من أجلِ جَفْنِهِ / فها عانِقِي منّي حُساماً بلا جَفْنِ
فَما كنتِ إلّا منه في قبضةِ الحِمى / ولا ذقتِ إلّا عنده لذَّةَ الأمْنِ
وَيَجني على مَنْ شئتِ منكِ غِرارُهُ / وأمّا عليكِ ساعةً فهو لا يَجني
كتَمْتُ من أسماءَ ما كان عَلَنْ
كتَمْتُ من أسماءَ ما كان عَلَنْ / يومَ طلولٍ ورسومٍ ودِمَنْ
لولا ليالِي الخَيْفِ ما كان لنا / قلبٌ على حبِّ الغواني مُرْتَهَنْ
عَنَّ لنا منكِ على وادي مِنى / نَوْءُ غرامٍ ليته ما كان عَنْ
لم تَقصدي رَميَ الجِمارِ إنّما / رميتِنا دون الجِمارِ بالفِتَنْ
كم صادنا ثَمَّ فصِرْنا رِقَّهُ / مِنْ شَعَرٍ جعدٍ وَمِن وَجهٍ حَسَنْ
ليتَ قَطيناً بان عنّا باللِّوى / مِن بعد أنْ أوْرَطَ حُبّاً لم يَبِنْ
وليتَه مَنَّ بوصلِ حَبْلِهِ / على قلوبٍ لم تُطِقْ حَمْلَ المِنَنْ
نِمْتُمْ وما تعرف منّا أعيُنٌ / من بعد أنْ ظَعَنْتُمُ طَعْمَ الوَسَنْ
راعكِ يا أسماءُ منّي بارقٌ / ضوّأ ما بين العِذارِ والذَّقَنْ
لا تنفري منه ولا تستنكري / فهو صباحٌ طالما كَان دُجَنْ
ثاوٍ نأى إذْ رحل الدّهرُ به / وأيُّ ثاوٍ في اللّيالِي ما ظَعَنْ
إِنْ كانَ أَحيا الحِلْمَ فينا والحِجى / فإنّه غالَ المِزاحَ والأَرَنْ
كم كعَّ مملوءَ الإهابِ من صِباً / عن العُلا وأطْلَق الهمَّ اليَفَنْ
نَحن أُناسٌ ما لنا محلّةٌ / إلّا قِلالُ الرّاسياتِ والقُنَنْ
ما نَقتَنِي إلّا لهبّاتِ الوَغى / سُمْرَ الرّماحِ والصّفاحِ والحُصُنْ
مِنّا النبيُّ والوصِيُّ صِنْوُهُ / ثُمّ البَتولُ والحسينُ والحَسَنْ
وَعمُّنا العبّاسُ مَن كعمِّنا / أبناؤه الغرُّ مصابيحُ الزّمنْ
من كلّ مرهوبِ الشّذا دانتْ له / ممالكٌ لمّا تَدِنْ لذي يَزَنْ
جرّوا الجيوشَ والزُّحوفَ مثلما / جرّ اليمانيّون أذيالَ اليُمَنْ
وَاِعتَصبوا بالعزّ لمّا اِعتَصَبتْ / ملوكُ لَخْمٍ بالنُّضارِ في شَدَنْ
وكم لنا مفخرةٌ دِينيَّةٌ / أحْذَتْ نِزارٌ كلّها هامَ اليَمَنْ
سائِل بِنا إنْ كنت لا تعرفنا / سَلَّ الظُّبا البِيضِ وهزّاتِ اللُّدُنْ
وكلَّ شَعْواء لها غَمْغَمَةُ الش / شاكي إذا حَنّ لمنْ يشكو وأنْ
مُغبرّةٌ بالنَّقْعِ حمراءُ الثّرى / إذْ ليس عينٌ للفتى ولا أُذُنْ
نعدُّ في يومِ الوغى أنجبَنا / مَن ضرب القَرْنَ بسيفٍ وطَعَنْ
ومَن تراه خائفاً حتّى إذا / تورّد الحَوْمةَ في الرَّوْعِ أمِنْ
وَمن إِذا اِعتَنَّ هِياجٌ لم يَخِمْ / أوْ جاد بالنَّيْلِ الجزيلِ لم يَمُنْ
لَم تَدخلِ الفَحشاءُ في أبياتنا / ولم تُشِرْ يوماً إليهنّ الظِّنَنْ
ليس بهنّ صَبْوَةٌ ولا صِباً / ولم يُصَبْ فيهنّ لَهْوٌ أو دَوَنْ
مَرافِدُ الفقرِ وَأَبوابُ الغِنى / وعصمةُ الخوفِ وعزُّ المُمتَهَنْ
وَليسَ فينا كِظَّةٌ من مَطْعَمٍ / ولم نُعَبْ قطُّ بما تجني البِطَنْ
فَقُل لقَومٍ فاخرونا قبل أنْ / ينفّضوا أعراضهمْ من الدَّرَنْ
أين رؤوسُ القومِ من أخامصٍ / في مَفخرٍ أمْ أين وَهْدٌ من قُنَنْ
كَيف تُرامونا وأنتمْ حُسَّرٌ / أَم كيف تغشَون الظُّبا بلا مَجِنْ
فد كنتُمُ هادنتمونا مرّةً / ثمَّ اِلتَويْتُمْ هُدْنَةً على دَخَنْ
وإنْ تكنْ عِيدانُكمْ صيغَتْ لنا / مِنْ أُبَنٍ فإنّنا بلا أُبَنْ
وَإِنْ يَبِتْ أَديمكمْ ذا لَخَنٍ / فلم يكنْ فينا أديمٌ ذا لَخَنْ
شَنَنْتُمُ بغضاءكمْ فينا وكمْ / شَنّ اِمرؤٌ في قومِهِ ما لم يُشَنْ
وكم وَرَدْتُمْ صَفْوَنا ولم نَرِدْ / مِن صَفوكمْ إلّا أُجاجاً قد أَسِنْ
وَلَم نَزلْ نحملُ من أثقالكمْ / ما عجزتْ عنه ضَليعاتُ البُدُنْ
دعوا لنا ظاهركمْ ثمّ اِجعلوا / قَبيحكم إنْ شِئتُمُ فيما بَطَنْ
ماذا على مَنْ بجميلٍ ضَنُّهُ / على أخٍ لو كان بالشَّنعاءِ ضَنْ
لَولا اِحتِقاري لكُمُ بَريْتُكم / ولم أرِدْ تقويمَكمْ بَريَ السَّفَنْ
لا تحذروا رَبَّ حُسامٍ صارمٍ / وحاذروا رَبَّ بيانٍ ولَسَنْ
يَفْنَى الفتى وقولُهُ مخلَّدُ / يمضي عليهِ زمنٌ بعد زمَنْ
خلِّ لأبناءِ الغِنى دُنياهمُ / فمنْ يُهِنْ هذا الثَّراءَ لم يَهُنْ
فَإنّما الرّاحةُ في هجر الغِنى / والمالُ للألبْابِ هَمٌّ وحَزَنْ
سيّانِ والدّهرُ أخو تبدّلٍ / خِصْبٌ وجَدْبٌ وهِزالٌ وسِمَنْ
وَلَيس يُنجي من ردىً ساقتْ إلى / ورودِه الأقدارُ مالَ مُختَزِنْ
ولا الرّماحُ والكفاحُ بالظُّبا / ولا الخيولُ والدُّروعُ والجُنَنْ
ولا تُقِمْ على الأذى في وَطَنٍ / فحيثُ يعدوك الأذى هو الوَطنْ
فإنّما بيتُ فتىً ذِي أَنَفٍ / إمّا السّماءُ شاهقاً أو الجَنَنْ