المجموع : 44
أحِنُّ إليكُم والمَهامِهُ بَيْنَنَا
أحِنُّ إليكُم والمَهامِهُ بَيْنَنَا / حَنينَ أَلُوفٍ بانَ عنها قَرِينُها
وأَسْتُر أشْواقِي واعلَمُ أنّ لِي / لَدَى ذِكرِكُم أنفاسَ وجْدٍ تُبينُها
نفسي الفِداءُ لمن أذُودُ بِذكرِهِ
نفسي الفِداءُ لمن أذُودُ بِذكرِهِ / عَنّي عَوادِي الهَمِّ والأشجانِ
وإذَا فَررتُ من الخُطوبِ جَعلتُه / فِئَتِي فَيُفرِقُها امتِنَاعُ مَكانِي
وكأَنّ مُعجزةَ المسيحِ كِتابُهُ / فإذا قَضَيْتُ من الأسى أحْيَاني
وإنَّ امرَأً أضحَى بإرْبِلَ دَارُهُ / وفي شيزَرٍ أحبابُه وشجُونُهُ
لَغيرُ مَلُومٍ في الحنينِ إليهمُ / ومَعذُورَةٌ أن تسْتَهِلَّ جُفُونُهُ
يَا ساكني جَنَّةٍ رِضوانُ خَازنُها
يَا ساكني جَنَّةٍ رِضوانُ خَازنُها / هُنّيتُمُ العيشَ في رَوحٍ ورَيْحَانِ
مُرُوا النّسِيمَ إذا مَا الفجرُ أيقظَه / بحملِهِ طيبَ نَشرٍ مِنهُ أَحياني
أو فَابعَثُوا نَغْمَةً منه يعيشُ بها / قَلبي فقد مَات مُذْ حِينٍ وأَزمانِ
ظَبيٌ أغَنُّ تردَّى بالدُّجَى وَجَلاَ / شَمْس النّهارِ على غُصْنٍ من الْبانِ
في فِيهِ مَا في جِنَانِ الخُلدِ من دُرَرٍ / ومن رَحِيقٍ ومن مسْكٍ ومَرْجَانِ
إذا بَدَا وشَدَا في مَجلسٍ ظَفِرُوا / بمُنية النّفسِ من حُسنٍ وإحسَانِ
لا تَنْسَنِي يا أبا نَصرٍ إذا حَضَرتْ / قُلوبُكم بين مَزمُومٍ وطَرخاني
كُن لي وكيلاً على الرّؤيِا ووكّلْ لِي / سواكَ يَسمعُ عَنّي شَدوَ رضْوانِ
وقُل له يَتَغَنّى من قلائِده / صوتاً يُجدّدُ لي شَجْوي وأشْجَاني
نسيمُه يتلقّاني بزوْرَتِهِ / مُبَشِّراً لي بهِ من قَبلِ يَلقانِي
وصَفُوا لي بغدادَ حيناً فلمّا / جئتُها جئتُ أحسنَ البُلدانِ
منظرٌ مبهِجٌ وقومٌ سَراةٌ / قد تحَلَّوْا بالحُسنِ والإحسَانِ
ليس فيهمْ عيبٌ سوى أنّ في كُلْ / لِ بنانٍ علاّقَةَ الميزانِ
وسمِعْنَا وما رأينَا سوَى / أمِّ ظَلومٍ فيها من النّسوانِ
وهْي جِنِّيَّةٌ كأَقبحِ ما شَوْ / وَهَهُ ربّنَا من الغيلانِ
إنّ فيها من الصّبَايا شُموساً / في غُصونٍ تهتَزُّ في كُثبانِ
شغلَتْنَا السَبعونَ والحجُّ عَنهُنْ / نَ فقلنَا بالسَّمْعِ دُونَ العَيانِ
يا مُنعِماً مَوْردُ إحسانِه
يا مُنعِماً مَوْردُ إحسانِه / سَهلٌ فَما في مَنِّهِ مَنُّ
قد اقْتَدى بالمُزْنِ في جُودِه / بل بِنداهُ يَقتدي المُزنُ
بَسَطْتَ كفّاً في النّدى والوغَى / ما كَفَّها بُخلٌ ولا جُبْنُ
فاسلَم من الدّهرِ ففِيه على / كلِّ كريمٍ ماجِدٍ ضِغنُ
إليكِ فما تَثنِي شؤونُكِ شاني
إليكِ فما تَثنِي شؤونُكِ شاني / ولا تَملكُ العِينُ الحِسانُ عِناني
ولا تجزَعي من بَغتَةِ البينِ واصبري / لعلَّ التَّنائي مُعْقِبٌ لِتَداني
ولا تَحمِلي همَّ اغترابي فلم أَزل / غَريبَ وفاءٍ في الورَى وبَيانِ
وفيّاً إذا ما خان جَفنٌ لناظِرٍ / ولم تَرْعَ كفٌ صُحبةً لِبَنانِ
فللأُسْدِ غِيلٌ حيثُ حلَّت وإنَّما / يهابُ التّنائي قلبُ كلِّ جبانِ
ولا تَسأليني عن زَماني فإنّني / أُنَزِّهُ عن شكوى الخَطوبِ لِساني
ولكن سَلي عنِّي الزَّمانَ فإنّه / يُحَدِّثُ عن صَبري على الحَدَثانِ
رَمتني الليالي بالخُطوبِ جَهَالةً / بصبري على ما نابني وعَرانِي
فما أوهَنَتْ عظمي الرَّزايا ولا لَها / بحُسنِ اصطباري في المُلِمِّ يَدانِ
وكم نكبةٍ ظَنَّ العِدا أنَّها الرَّدى / سَمتْ بي وأعلَت في البَرِيَّة شاني
وما أنا مِمَّنْ يستكينُ لحادِثٍ / ولا يملأُ الهولُ المَخُوفُ جَناني
وإن كانَ دَهري غالَ وَفْري فلم يَغُلْ / ثَنائي ولا ذكْري بكُلِّ مَكانِ
وما كانَ إِلاّ للنَّوالِ ولِلقِرَى / وغَوثاً لملهوفٍ وفِدْيَةَ عانِ
حُمِدتُ على حالَيْ يَسارٍ وعُسرةٍ / وبرَّزتُ في يومَيْ ندىً وطِعانِ
ولم أدَّخِر للدَّهرِ إن نابَ أو نَبا / وللخَطبِ إلاّ صارِمي وسِناني
لأنَّ جميلَ الذكرِ يَبقى لأهلِه / وكلُّ الذي فوقَ البسيطة فانِ
لا تُودَعنْ سَمع أخٍ شكيّةً
لا تُودَعنْ سَمع أخٍ شكيّةً / فالقلبُ أولى بالذي أَجَنَّا
وكلُّ ما نشكوهُ من زمانِنا / نزولُ عَنهُ أو يَزولُ عَنَّا
اصطبِرْ للزَّمانِ إِن حافَ حِينَا
اصطبِرْ للزَّمانِ إِن حافَ حِينَا / أو تَلقَّاكَ بالمَخاوِفِ حِينَا
إنَّ صبرَ الكلِيمِ وهو طَريدُ الْ / خَوفِ أفضَى بِهِ إلى طُورِ سينَا
مَن ملَّ فاهجُرهُ فَقَدْ
مَن ملَّ فاهجُرهُ فَقَدْ / أبدَى لكَ اليأسَ المُبينا
أعيا شماسُ أخِي التَّلَوْ / وُنِ والمَلالِ الرَّائِضينا
لن يرجعَ الفَخَّاُر بعْ / دَ تَلاَفِهِ بالكسرِ طينا
يا شاربَ الخمرِ بعدَ النّسكِ والدّينِ
يا شاربَ الخمرِ بعدَ النّسكِ والدّينِ / وبعدَ ما تَابَ عمَّا رابَ مُذْ حِينِ
أفسدتَ دينَكَ والسبعونَ أفسَدَتِ اُلدْ / دُنيا فَلَسْتَ بذي دُنيا ولا دينِ
وإنّما أنتَ فَخّارٌ تكسَّرَ لاَ / يُرجى لنفعٍ ولا يُعتَدُّ في الطِّينِ
كم تقصِدُ الماجِدِينَ الفاضِلِين وكم
كم تقصِدُ الماجِدِينَ الفاضِلِين وكم / تُعلِّمُ الكرماءَ البُخْلَ يا زَمنُ
إذا تَوالت عنهم نائباتُك واِجْ / تاحَتْ فواضلَ ما يُولُونَهُ المِحَنُ
فكيفَ بالجُودِ والأحداثُ تسلُبُ ما / يُولَى به العُرْفُ أو تُسدَى به المِنَنُ
شُغْلُ الزّمان بأهلِ النقصِ يرفعُهم / حَتَّى يُثَمِّرَ للوُرَّاثِ ما خَزَنُوا
ألهاهُ عن كُرماءِ النّاسِ فهْو عَلَى / ذَوي المكارِمِ والأفْضَالِ مُضْطَغِنُ
لما تخطّتنِيَ السَّبعونَ مُعرِضةً
لما تخطّتنِيَ السَّبعونَ مُعرِضةً / وساوَرَ الضَّعفُ بعدَ الأَيْدِ أركاني
وأُدخِلَتْ كانَ في شُكرِي وفي صِفتِي / واسترجَع الدَّهرُ ما قد كان أعطَانِي
رُزقْتُ فَروةَ والسَّبعون تُخبرُها / أن سوف تَيْتَمُ عن قُربٍ وتَنْعانِي
وهي الضّعِيفَةُ ما تنفكُّ كاسِفةً / ذلِيلةً تَمتري دمعي وأحزانِي
ما كان عمَّا ستلقاهُ وعن جَزَعي / لِما ستلقَاهُ أغناهَا وأغْنَانِي
حَمَلَتْ ثِقْلِيَ في السَّهلِ العَصَا
حَمَلَتْ ثِقْلِيَ في السَّهلِ العَصَا / ونَبتْ بي حينَ حاولتُ الحُزونَا
وإذا رجليَ خانَتْني فَلا / لومَ عندي للعصا في أن تَخونَا
لا تَغبِطَنْ أهْلَ بيتٍ سَرّهُمْ زمَنٌ
لا تَغبِطَنْ أهْلَ بيتٍ سَرّهُمْ زمَنٌ / فسوفَ يَطْرُقُهم بالهمِّ والحَزَنِ
يُعيرُهم كلَّ دُنياهم وينْهَبُ ما / أعارَهم بيد الآفاتِ والمِحَنِ
حتى يَروحوا بِلا شيءٍ كما خُلِقوا / كأنَّ ما خُوَّلوه أمسِ لم يكنِ
لا يصحبُ المرءَ مما كان يملِكُهُ / في ظُلمةِ اللَّحدِ إلاّ خِرقَةُ الكَفَنِ
يُستَنْزَعُ المالُ مِنهُ ثم يُسألُ عن / جميعِهِ يا لها من حسرةِ الغَبَنِ
حمائِمَ الأيكِ هيّجتُنَّ أشجانا
حمائِمَ الأيكِ هيّجتُنَّ أشجانا / فليبكِ أصدقُنا بثّاً وأَشجانا
كم ذا الحنينُ على مرّ السّنينَ أَما / أفادكُنّ قديمُ العهدِ نِسيانا
هل ذا العويلُ على غيرِ الهَديلِ وهل / فقيدكُنَّ أعزُّ الخلقِ فِقدانا
ما وجدُ صادحَةٍ في كلّ شارقَةٍ / تُرجِّعُ النَّوحَ في الأفنان أَلحانا
كما وجدتُ على قَومي تخوُّنَهم / ريبُ المَنونِ ودهرٌ طالَ ما خَانا
إذا نَهى الصّبرُ دَمعي عند ذِكرِهِمُ / قال الأَسى فِضْ وجُدْ سَحّاً وتَهتانا
قالوا تَأسَّ وما قالوا بِمَنْ وإِذا / أُفرِدتُ بالرُّزءِ ما أنفكَّ أَسوانا
ما حدَّثتنيَ بالسُّلوانِ بعدَهُمُ / نَفسي ولا حانَ سُلواني ولا آنا
ما استدرَجَ الموتُ قومي في هلاكِهِمُ / ولا تخرَّمَهمْ مَثْنى ووُحدانا
فكنتُ أصبرُ عنهم صبرَ مُحتَسبٍ / وأحملُ الخطبَ فيهم عَزَّ أو هانا
وأقتَدي بالوَرى قبلي فكم فَقدوا / أخاً وكم فارقوا أهلاً وجيرانا
لكنَّ سقبَ المنايا وسطَ جمعِهِمُ / رَغا فخَرُّوا على الأذْقان إِذْعانا
وفاجأتْهُمْ مِن الأَيّامِ قارِعةٌ / سقتهُمُ بكؤوسِ الموتِ ذَيْفانا
ماتوا جميعاً كَرجعِ الطَّرْفِ وانقرضوا / هل ما تَرى تارِكٌ للعينِ إنْسانا
أعزِزْ علَيَّ بِهم من مَعشرٍ صُبُرٍ / عند الحفيظةِ إِنْ ذو لُوثةٍ لانا
لم يتركِ الدهرُ لي من بعدِ فقدِهِمُ / قلباً أُجشِّمُه صبراً وسُلوانا
فلو رأَوْني لقالوا مات أسعدُنا / وعاشَ للهَمِّ والأحزانِ أشقانا
لم يترك الموتُ منهم من يُخبِّرُني / عنهم فيُوضِحُ ما لاقَوْهُ تِبيانا
بادوا جميعاً وما شادوا فوا عَجَباً / للخطبِ أهلَكَ عُمّاراً وعُمرانا
هذي قصورُهُمُ أمست قبورَهُمُ / كذاكَ كانوا بها من قبلُ سكّانا
ويحَ الزّلازِلِ أفنَت مَعشَري فإذا / ذكَرتُهُم خِلتُني في القوم سَكرانا
بَنِي أبي إن تَبيدوا أن عَدا زَمنٌ / عليكُمُ دون هَذا الخلقِ عُدوانا
فلن يَبيدَ جَوى قَلبي ولا كَمَدي / عليكُمُ أو يُبيدَ الدَّهرُ ثَهلانا
أفسدتُمُ عمْرِيَ الباقي عليَّ فما / أَنْفَكُّ فيه كئيبَ القَلبِ ولهانا
أُفردتُ منكُم وما يَصفو لمنفرِدٍ / عيشٌ ولو نال من رِضوانَ رِضوانا
فليتني معَهم أوليتَ أنّهُمُ / بَقَوا وما بَينَنا باقٍ كَما كانا
لقِيتُ منهم تَباريحَ العُقوقِ كَما / لقيتُ من بَعدُهم همّاً وأَحزانا
لولا شَماتُ الأعادي عند ذكرِهِمُ / لغادَرَتْ أدمُعي في الأرض غُدرانا
أرُدُّ فَيضَ دُموعي في مَسالِكِها / فتستحيلُ مياهُ الدَّمعِ نِيرانا
لا ألتقي الدَّهرَ من بعد الزَّلازِل ما / بقيتُ إلاّ كسيرَ القَلب حَيْرانا
أخْنَتْ على مَعشري الأدنَيْنَ فاصطَلَمَتْ / منهم كُهولاً وشُبّاناً ووِلدانا
كم رامَ ما أدرَكَتْه منهمُ مَلِكٌ / فعادَ باليأسِ ممّا رامَ لَهفانا
لم يَحمِهم حِصنُهم منها ولا رَهِبَتْ / بأساً تَناذَرَه الأقرانُ أزمانا
أتاهُمُ قَدرٌ لم يُنْجِهم حَذَرٌ / منه وهل حَذرٌ مُنجٍ لمن حانا
إن أقْفرت شيزَرٌ منهمْ فهم جَعَلوا / منيعَ أسوارِها بيضاً وخُرصانا
هُمُ حَمَوهَا فلو شاهدتَها وهُمُ / بها لشاهدتَ آساداً وخَفّانا
كانوا لمن خافَ ظُلماً أو سُطا مَلِكٍ / كَهفاً وللجاني المطلوبِ جيرانا
عَلَوْا بمجدِهِمُ سيفَ بنَ ذي يَزنٍ / كما علت شيزرٌ في العزِّ غُمْدانا
كانوا مَلاذاً لأيتامٍ وأرمَلَةٍ / وبائِسٍ فاقدٍ أهلاً وأوطانا
إذا أتيتَهُمُ ألفيتَ شطرَهمُ / مُسترفِدين وزُوَّاراً وضيفانا
تراهُمُ في الوَغى أُسداً ويومَ نَدىً / غيثاً هَتُوناً وفي الظَّلْماءِ رُهبانا
حاولتُ كتمانَ بثِّي بعدَ فقدِهِمُ / فلم يُطِقْ قلبيَ المحزونُ كِتمانا
لعلَّ مَن يعرفُ الأمرَ الذي بَعُدتَ / بَعدَ التّصاقُبِ من جَرَّاهُ دارانا
يقولُ بالظَّنِّ إذْ لم يَدرِ ما خُلُقي / ولا مُحافَظتي مَن حانَ أو بانا
أسامةٌ لم يَسُؤْهُ فقدُ معشرِهِ / كم أوغروا صَدرَه غيظاً وأضغانا
وما دَرَى أنَّ في قلبي لفقدِهِمُ / ناراً تلظّى وفي الأجفانِ طُوفانا
بنو أبي وبنو عمّي دَمِي دمُهُمْ / وإن أرَوْني مُناواةً وشَنَآنا
كانوا جَناحي فحَصَّتْهُ الخطوبُ وإِخْ / واني فلم تُبقِ لي الأيّامُ إخوانا
كانوا سُيوفي إذا نازلتُ حادِثةً / وجُنَّتي حين ألقَى الخطبَ عُريانا
بهِمْ أصولُ على الأمرِ المَهولِ إذا / عَرا وألقى عَبوسَ الدَّهرِ جذْلانا
فكيف بالصبرِ لي عنهم وقد نَظَموا / دَمعي على فَقدِهم دُرّاً ومَرجانا
يُطَيِّبُ النَّفسَ عنهم أنَّهم رَحَلوا / وخلَّفوني على الآثارِ عَجلانا
سَقى ثَرىً أُودِعُوهُ رحمةً مَلأَتْ / مَثوى قُبورِهِمُ رَوْحاً ورَيْحانا
وألبسَ اللهُ هاتيكَ العظامَ وإن / بَلِينَ تحتَ الثّرى عفواً وغُفرانا
حَسْبي من العيشِ كم لاقيتُ فيهِ أذَىً
حَسْبي من العيشِ كم لاقيتُ فيهِ أذَىً / أقَلُّهُ فَقدُ أترابي وخُلاّني
لم يَبقَ لي من مُشْتَكى بثٍّ أحَمِّلُهُ / همّي ولا مَنْ إذا استصرختُ لَبّاني
وصُمَّ عنِّي صَدى صوتي وأفردَني / ظِلِّي وملَّ الكَرى والطيفُ غِشياني
وما نظرتُ إلى ما كان يُبهِجُني / إلاّ شَجاني وآسانِي وأَبْكاني
ناحَتْ فباحَت في فُروعِ البانِ / عن لوعَتي وعن جَوَى أحْزاني
بخيلةُ العينينِ بالدّمعِ وَلِي / عينٌ تجودُ بالنجيعِ القاني
إذا دعَتْ أجَبْتُها بروعةٍ / وُرْقٌ تداعت في ذُرا الأغصانِ
وحَسْرَتي أنّ الزمانَ غالَ مَنْ / كنتُ إِذا دعَوْتُه لبّاني
إذا بكى لديار باد ساكنها
إذا بكى لديار باد ساكنها / ذو وحدة ساءه في داره الزمن
بكيت أهلي وأوطاني وآسفني / أن ليس لي بعدهم دار ولا سكن
أخنى الزمان على قومي وملك أو / طاني سواي فلا أهل ولا وطن
ولم تدع لي المنايا مشتكى حزن / أبثه كمدي إن عادني حزن
إن كان عندهم وقد ظعنوا
إن كان عندهم وقد ظعنوا / أنا نقيم فبئس ما ظنوا
واسترهنوا قلبي فوا عجبي / الدين لي وفؤادي الرهن
لهفي لشرخ شبيبتي وزماني
لهفي لشرخ شبيبتي وزماني / وتروحي لفتوة وطعان
أيام لا أعطي الصبابة مقودي / أنفا ولا يثني الغرام عناني
وإذا اللواحي في تقحمي الردى / لا في المدام ولا الهوى تلحاني
وإذا الكماة على يقين أنهم / يلقى الردى في الحرب من يلقاني
اعتدهم وهم الأسود فرائسي / فهم دريئة صارمي وسناني
والأسد تلقى مثلها مني إذا / لاقيتها بقوى يد وجنان
كم قد حطمت الرمح في لباتها / فتركتها صرعى على الأذقان
حتى إذا السبعون قصر عشرها / خطوي وعاث الضعف في أركاني
أبلتني الأيام حتى كل عن / ضرب المهند ساعدي وبناني
هذا وكم للدهر عندي نكبة / في المال والأهلين والأوطان
نوب يروض بها إباي وقد عسا / عودي فما تثنيه كف الحاني
لا أستكين ولا ألين وقد بلا / فيما مضى صبري على الحدثان
فالآن يطمع في اهتضامي إنه / قد رام أمرا ليس في الإمكان
والناصر الملك المتوج ناصري / وعلاه قد خطت كتاب أماني
قد كنت أرهب صرف دهري قبله / فأعاد صرف الدهر من أعواني
أنا جاره ويد الخطوب قصيرة / عن ان تنال مجاور السلطان
ملك يمن على أسارى سيبه / فيعيدهم في الأسر بالإحسان
خضعت له صيد الملوك فمن برى / أقلامه غرر على التيجان
ملأ القلوب محبة ومهابة / فخلت من البغضاء والشنآن
لي منه إكرام علوت به على / زهر النجوم ونائل أغناني
قرن الكرامة بالنوال مواليا / فعجزت عن إحصاء ما أولاني
فناده أخلف ما مضى من ثروتي / وبقاؤه عن أسرتي أسلاني
فلأهدين إلى علاه مدائحا / تبقى على الأحقاب والأزمان
مدحاً أفوق بها زهيرا مثلما / فاق المليك الناصر ابن سنان
يا ناصر الإسلام حين تخاذلت / عنه الملوك ومظهر الإيمان
بك قد أعز الله حزب جنوده / وأذل حزب الكفر والطغيان
لما رأيت الناس قد أغواهم ال / شيطان بالإلحاد والعصيان
جردت سيفك في العدا لا رغبة / في الملك بل في طاعة الرحمن
فضربتهم ضرب الغرائب واضعا / بالسيف ما رفعوا من الصلبان
وغضبت لله الذي أعطاك فص / ل الحكم غضبة ثائر حران
فقتلت من صدق الوغى ووسمت من / نجى الفرار بذلة وهوان
وبذلت أموال الخزائن بعدما / هرمت وراء خواتم الخزان
في جمع كل مجاهد ومجالد / ومبارز ومنازل الأقرام
من كل من يرد الحروب بأبيض / عضب ويصدر وهو أحمر قان
ويخوض نيران الوغى وكأنه / ظمآن خاض موارد الغدران
قوم إذا شهدوا الوغى قال الورى / ماذا أتى بالاسد من خفان
لو أنهم صدعوا الجبال لزعزعوا / أركانها بالبيض والخرصان
فهم الذخيرة للوقائع بالعدا / ولفتح ما استعصى من البلدان
واسعد بشهر الصوم فهو مبشر / لعلاك بالتأييد والغفران
في دولة عمت بنائلها الورى / فدعا لها بالخلد كل لسان
غضبوا وقالوا باح دمعك بالهوى
غضبوا وقالوا باح دمعك بالهوى / والذنب للهجر الذي أبكاني
هب أنني أخفي بكاي فمال الذي / يخفي ضناي وصدهم أضناني
كيف السبيل إلى رضى متجرم / يأبى قبول العذر وهو الجاني