القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 32
ولقد علقت من الحسان مليحة
ولقد علقت من الحسان مليحة / تحكي الهلال بحاجب وجبين
كلفت بها ودون وصولها / وصل المنون وثمّ ليث عرين
حسناء أضحى كلّ حسن دونها / ولذاك عشّاق المحاسن دوني
قد روّعت حتى لتخشى بردها / من أن يبوح بسرّها المكنون
وتريبها أنفاسها ويخفيها / عند اللقاء تنهّد المحزون
هجرت فكلّ دقيقة من هجرها / عندي تعدّ بأشهر وسنين
يا هذه لا تجحدي حقي فقد / أصليت قلبي بالنّوى فصليني
أطلقت دمعا كان قلب مقيّدا / وسجنت قلبا كان غير سجين
أشبهت (ليلى العامرية) فاكتمي / خبر الذي قد صار (كالمجنون)
أبعدك يعرف الصّبر الحزين
أبعدك يعرف الصّبر الحزين / وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم / فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب / شريف فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار / و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ / على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا / و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا / فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن / ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني / و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى / و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان / كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا / وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري / و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه / و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر / و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو / و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا / فكلّ فتى بمصرعه رهين
أيا نور العيون بعدت عنّا / و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع / و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن / أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي / نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا / إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي / كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم / و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع / عليك و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا / كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا / فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء / و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك يا أخي أبغي عزاء / إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي / بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي / و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب / و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي / فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها / و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي / فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي / عليك أسى لذلك ما يبين
ما زال يمشي في الأمور بفكره
ما زال يمشي في الأمور بفكره / حتّى تمشّى النّوم في الأجفان
وكما يرى الوسنان راء كأنّه / في النّعش ميت هامد الجثمان
وعلى جوانب نعشه صفّان / من جند ((ألبرت)) الرّفيع الشّان
يبكونه لا شامتين بموته / ليس الشّماتة عادة الشجعان
ورأى حواليه جماهير الورى / تستعلرض الملحود في الأكفان
وكأنّما كره اختلاط رفاته / في الأرض بالضّعفاء والعبدان
أو أنّ مرأى الحشد أقلق روحه / في جسمه فهفا إلى الطّيران
ومن العجائب في كرى أنّ الفتى / يغدو به وكأنّه شخصان
أمّ السّماء وقد توهّم أنّه / لا شكّ والجها بلا استئذان
ما زال يرقى صاعدا حتى انتهى / حيث الغناء مثالث ومثاني
فرمى بناظره فأبصر بابها / فمشى إليه مشية العجلان
وأقام يفرعه فأقبل ((بطرس)) / ذو الأمر في الفردوس والسّلطان
وأدار فيه لحظه فإذا به / ضيف ولكن ليس كالضّيفان
ما جاءنا بك؟ صاح ((بطرس)) غاضبا / يا شرّ إنسان على الإنسان
إذهب فما لك في السّما من موضع / يا أيّها الرّجل الأثيم الجاني
ثمّ انثنى للباب يحكم سدّه / والضّيف لم ينبس ببنت لسان
ما ذي الفظاظة ؟ قال((وليم)) وانثنى / لليأس كالمصفود في الأقرا
وبمثل لمح الطّرف أسرع هابطا / نحو الجحيم يقول ذاك مكاني
هيهات يحرم من جهنّم عائد / من جانب الفرّدوس بالحرمان
حتّى إذا ما صار دون رتاجها / سميع ((الزّعيم)) يصيح بالأعوان
أبني جهنّم أوصدوا أبوابكم / واستعصموا كالطّير بالأوكان
كونوا على حذر ففي هذا الضّحى / يأتي إلينا قيصر الألمان
إن كنتم لم تعلرفوه فإنّه / رجل بلا قلب ولا وجدان
أخشى على أخلاقكم إن زاركم / وهي الحسان تصير غير حسان
إيّاكم أن تسمحوا بدخوله / فدخوله خطر على السّكان
أمري لكم أصدرته فخذوا به / وحذار ثمّ حذار من عصياني
ماذا تراني؟ صاح ((وليم)) باكيا / حتّى الأبالس لا تحبّ تراني
ابليس يا شيخ الزّبانية الألى / كانوا لأخداني من الأخدان
رحماك بي فاللّيل قاس برده / والهول يملأ ناظري وجناني
بجهنّم بالسّاكني حجراتها / بمواقد النّيران بالنّيران
وبكلّ شيطان مريد ماكر / وبكلّ تابع مارد شيطان
مر ينفتح باب الجحيم فإنّني / قد كاد يجمد للصقيع لساني
يا ليت شعري أين أذهب بعدما / سدّ السّبيل وأوصد البابان
مر لي بزاوية أزجّ بمهجتي / فيها وإن تك من حميم آن
هلاّ قبلت تضرّعي؟ فأجابه / إبليس وهو يروع كالسّرحان
لو كنت أعلم ما سكتّ فلا تزد / لا أرى للحيران في الحيران
عبثا تحاول أن تصادف عندنا / نزلا فهذا ليس بالإمكان
لا تذكرنّ ليّ الحنان وما جرى / مجراه إني قد قتلت حناني
لا يدخلنّ جهنّما ذو مطمع / بالمجد أو بالأصفر الرّنّان
إن كنت تشتاق الإقامة في اللّظى / فالنّار والكبريت كلّ مكان
فاجمعهما واصنع لنفسك منهما / ولمن تحبّهم جحيما ثاني
وهنا تقهقر ((وليم)) ثمّ اختفى / ما بين ليل حالك ودخان
فأفاق مذعورا يقلّب طرفه / للرّعب في الأبواب والحيطان
ويقول لا أنساك يا حلمي ولو / نسجت علّي عناكب النّسيان
ما راعني أنّي طردت من السّما / أنا قانط من رحمة الدّيّان
لكنّ طردي من جهنّم إنّه / ما دار في خلدي ولا حسباني
إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه
إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه / و يهزّها كالزهر و الألحان
أللّحن من قمريّة أو منشد / و الزهر في حقل و في بستان
هذا يحرّك بي دفين صبابتي / و يهزّ ذاك مشاعري و كياني
يهوى الملاحة ناظري صورا ترى / و أحبّها في مسمعيّ أغاني
و أحبّها نورا جميلا صافيا / متألّقا في النفس و الوجدان
و أحبّها سحرا يرفّ مع النّدى / و يموج في الألوان كالألوان
و أحبّها ذكرى تطيف بخاطري / لأخ هويت و غادة تهواني
أو مجلس للحبّ في ظلّ الصبا / إنّ الحياة جميعها هذان
أو في خيال منازل أشتاقها / كم من جمال في خيال مكان
و لقد نظرت إليكم فكأنّما / أنا في الربيع و في ربى لبنان
أصغي إلى النسمات تروي للربى / ما قالت الأشجار للغدران
و إلى السّواقي و هي تنشد للصبا / و الحبّ في الفتيات و الفتيان
و إلى الأزاهر كلّما مرّت بها / عذراء ذات ملاحة و بيان
متهامسات : ما نظنّ ( فلانة ) / أحدا بها أولى من ( ابن فلان)
يا ليت ينثرنا الغرام عليها / من قبل ينثرنا الخريف الجاني "
ألفت مجاورة الأنام فأصبحت / و كأنّها شيء من الإنسان
فإذا نظرت إليها متأمّلا / شاهدت حولك وحدة الأكوان
حيّا الصّبا عني ربى لبنان
حيّا الصّبا عني ربى لبنان / حيث الهوى ومراتع الغزلان
ورعى المهيمن ساكنيه فإنّهم / في خير أرض خيرة السكّان
قوم صفت أخلاقهم ووجوههم / فالحسن مجموع إلى الإحسان
لهم الأيادي البيض والشّيم التي / لو مثلت كانت عقود جمان
شيم الكرام قصائد في الكون غرّ / وهى في شيم الكرام معان
قوم إذا زار الغريب بلادهم / جعلوه منهم في أجل مكان
إن خفت شرّ طوارق الحدثان فاق / صدهمتخفك طوارق الحدثان
لو أنّ في كيوان دار إقلتي / لهجرت كيوانا إلى لبنان
قيّدت قلبي في هواه فلم أعد / أهوى السّوى إذ ليس لي قلبان
والحبّ تجمل في الشبيبة والصّبى / كجمال زهر الرّوض في نيسان
هو جنّة الخلد التي منّى بها / رسل الهدى قدما بني الإنسان
خلت الدّهور ولا يزال كأنّما / بالأمس شادته يد الرحمن
يا ساكنيه تحية من نازح / إن التحيّة لهي جهد العاني
أصبحتم فوق الممالك رقعة / لولا وجود معاشر(الغربان)
قوم قد اتخذوا الديانة بينكم / شركا لصيد الأصفر الرّتان
فتظاهر بالزّهد حتى أوشكت / تخفى دخائلهم على اليقظان
وتفنّنوا بالمكر حتى أصبحوا / وغبّيهم أدهى من الشيطان
ضربوا على الشّعب الرّسوم شراهة / حسب التعيس ضرائب السّلطان
كفروا بنعمته التي أسداهم / ورموه بالإحاد والكفران
ولقد تفانوا في انتهاك حقوقه / وهو المحبّ رضاهم المتفاني
حتّى حسبنا أنه ينحطّ عن / كسل ولم قطّ بالكسلان
لكنّه يسعى ويذهب سعيه / للقّس والشّماس والمطران
لولا احترامي مذهبا عرفوا به / لكشفت مستوارتهم ببيان
فتنّهبوا إن كنتم في غفلة / فالدّهر بالمرصاد للغفلان
إنّ الأبالس حين أعيا أمركم / جاءتكم في صورة الرّهبان
فحذرا من أن تخدعوا بلباسهم / فهم الضّواري في لباس الضّان
من يتبع العميان حبّا بالهدى / لا يأمننّ تعثّر العميان
إن كان لي ذنب وهم غفرانه / آثرت أن أبقى بلا غفران
أو كنت في النيران حيث لديهم / منها النجاة رضيت بالنيران
أشهى إلى من الذّل الرّدى / لا يرتضي بالذّل غير جبان
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم / ويرضى بتافهات الأماني
إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور / كميت في ظلمة الأكفان
وحياة أمدّ فيها التوقّي / لا توازي في المجد بضع ثوان
ألشجاع الشجاع عندي من أمسى / يغنّي والدمع في الأجفان
كلوا و اشربوا أيّها الأغنياء
كلوا و اشربوا أيّها الأغنياء / و إن ملأ السكك الجائعون
و لا تلبسوا الخزّ إلاّ جديدا / و إن لبس الخرق البائسون
و حوطوا قصوركم بالرجال / و حوطوا رجالكم بالحصون
فلا ضحايا الطّوى / و لا يبصرون الذي تصنعون
و إن ساءكم في الوجود / و أزعجكم أنّهم يولون
مرّوا فتصول الجنود عليهم / تعلّمهم فتك المنون
فهم معتدون و هم مجرمون / و هم مقلقون و هم ثائرون
و تلك العصيّ لتلك الرؤوس / و تلك الحراب لتلك البطون
و تلك السّجون لمن شدّتموها / إذا تزجّوهم في السّجون ؟
كلوا للظبي حلق عاماتهم / فإنّ الملوك كذا يفعلون
إذا الجند لم يحرسوكم و أنتم / سراة البلاد فمن يحرسون ؟
و إن هم لم يقتلوا الأشقياء / فيا ليت شعري من يقتلون ؟
و لا يحزننّكم موتهم / فإنّهم للردى يولدون
و قولوا كذا قد أراد الإله / و إن قدّر الله شيئا يكون
و يا فقراء لماذا التشكّي ؟ / ألا تستحون ؟ ألا تخجلون ؟
دعوا الأغنياء و لذّاتهم / فهم مثل لذّاتهم زائلون
سيمسون في " سقر " خالدين / و تمسون في جنّة تنعمون
فلا تعطشون و لا تسغبون / و لا يرتوون و لا يشبعون
لكم وحدكم ملكوت السّماء / فما بالكم لستم تقنعون ؟
فلا تحزنوا أنّكم ساهرون / فسوف تنامون ملء الجفون
ستتّكئون مع الأنبياء / تظلّلكم وارفات الغصون
يضوع السّنا بالشّذى / و تجري الطّلا أنهرا و عيون
و تسقيكم الخمر حور حسان / كما يشتهين كما تشتهون
كذا وعد الله أهل التقى / و أنتم هم أيّها المتعبون
ألا تؤمنون بقول الكتاب ؟ / فويل لكم إنّكم كافرون !
لو استطيع كتبت بالنّيران
لو استطيع كتبت بالنّيران / فلقد عييت بكم وعيّ بياني
ولكدت استحي القريض وأتّقي / أن يستريب يراعتي وجناني
أمسى يعاصيني لما جشّمته / فيكم وكنت وكان طوع بناني
يشكو إلّي وأشتكي إعراضكم / اللّه في عان يلوذ بعان
عاهدته أن لا أثير شجونه / أو يستير كوامن الأشجان
يا طالما استبكيته فبكى لك / لولا الرّجاء بكيته وبكاني
كم ليلة أحيتها متململا / طرفي وطرف النّجم ملتقيان
تحنو على قلمي يميني والدّجى / حان على فتيات والفتيان
أجلو عرائسه لكم وأزفها / ما بين بكر كاعب وعوان
متألما فيكم وفي أبنائكم / وهم وأنتم نائمو الأحزان
ما غال نومي حبّ معسول اللّمى / ممنوعه لكن هوى الأوطان
أنفقت أيّام الشّباب عليكم / في ذّمة المضي الشّباب الفاني
كم تسألوني أن أعيد زمانه / يا قوم مرّ زمانه وزماني
هان اليراع على البواتر والقنا / ما تصنع الأقلام بالمرّان
ليس الكلام بنافع أو تغتدي / حمر المضارب خلف كلّ لسان
والشّعب ليس بمدرك آماله / حتّى يسير على النّجيع القاني!..
***صلّ الحديد وشّمرت عن ساقها / وتنكّر الإخوان للإخوان
فالخيل غاضبة على أرسانها / والبيض غاضبة على الأجفان
والموت من قدّامهم وورائهم / والهول كلّ ثنيّة ومكان
بسطت جناحيها ومدّت ظلّها / فإذا جناحا السّلم مقصوصان
تغشى مواكبها ثلاث غياهب / من قسطل ودجنّة ودخان
ويردّ عنها كلّ خائض لّجة / سيلان: من ماء ومن نيران
أنّى التفتّ رأيت رأسا طائرا / أو مهجة مطعونة بسنان
يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفة / فكأنّما تقتاده بعنان
فالجوّ مّما من أرواحهم / لا تستبين نجومه عينان
والنّهر مّما سال من مهجاتهم / يجري على أرض من المرجان
والأرض حمراء الأديم كأنّها / خدّ الييّة أو خضيب بنان
كم من مبيح للضّيوف طعامه / أمسى طعام الأجدال الغرثان
ومقاتل ناش الكتيبة ناشه / ظفر العقاب ومخلب السّرحان
ومخلّق بين المجرّة والسّها / صعد الحمام إليه في الطيران
ومشيّد وقف الزّمان حياله / متحيّرا بجماله الفتّان
أخنى على ذكر ((الخورنق)) ذكره / وسما على ((الحمراء)) و((الإيوان))
وقضى العصور النّاس في تشييده / أودت به مقذفة وثوان
ومدينة زهراء آمنة الحمى / هدمت منازلها على السّكان
خرست بلابلها الشّوادي في الضّحى / وعلا صياح البوم والغربان
وتعطلّت جنّانها وقصورها / ولقد تكون بغبطة وأمان
حرب أذلّ بها التّمدّن أهله / وجنى الشّيوخ بها على الشّبان
سحق القويّ بها الضّعيف وداسه / ومشى على أرض من الأبدان
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم / في ساحها والفجر للتيجان
ماأقبح الإنسان يقتل جاره / ويقول هذي سنّة العمران
بلي الزّمان وأنت مثلك قبله / يا شرعة قد سنّها الجدّان
فالقاتل الآلاف غاز فاتح / والقاتل الجاني أثيم جان
لا حقّ إلاّ تؤيّده الظّبى / ما دام حبّ الظّلم في الإنسان
لو خيّر الضّعفاء لاختاروا الرّدى / لكنّ عيش الأكثرين أماني
ما بال قومي نائمين عن العلى / ولقد تنبّه للعلى الثّقلان
تبّاع أحمد والمسيح هوادة / ما للعهد أن يتنكّر الأخوان
اللّه ربّ الشّرعتين وربّكم / فإلى متى الدّين تختصمان
مهما يكن من فارق فكلاكما / ينمى إلى قحطان أو غسّان
فخذوا بأسباب الوفاق وطهّروا / أكبادكم من لوثة الأضغان
في ما يحيق بارضكم ونفوسكم / شغل لمشتغل عن الأديان
نمتم وقد سهر الأعادي حولكم / وسكنتم والأرض في جيشان
لا رأي يجمعكم إذا اختلف القنا / وتلاقت الفرسان بالفرسان
لا رأية لكم يدافع دونها / مردالعوارض والحتوف دواني
لا ذنب للأقدرا في إذلالكم / هذا جزاء الغافل المتواني
لو لم يعزّ الجهل بين ربوعكم / ما هان جمعكم على الحدثان
المرء قيمته المعارف والنّهى / ما نفع باصرة بلا إنسان
ما بالكم لا تغضبون لمجدكم / غضبات ملطوم الجبين مهان
أو لستم كالنّاس أهل حفائظ / أم أنتم لستم من الحيوان؟
أبناؤكم لهفي على أبنائكم / يلهو بهم أبناء جنكيز خان
النّازعون الملك من أيديكم / العابثون بكم وبالقرآن
أو كلّما طلعت عليهم أزمة / هاجوا ضغائنكم على الصّلبان
لا تخدعنّكم لسّياسة إنّها / شتّى الوجوه كثيرة الألوان
لو تعقلون عملتم لخلاصكم / من دولة القينات والخصيان
عارعلى نسل الملوك بني العلى / أن _ يستذلّهم بنو الرّعيان
ثوروا عليهم واطلبوا استقلالكم / ونشبّهوا بالصّرب واليونان
مذا يروع نفوسكم ما فيكم / وكلّ ولا التّرك غير جبان
وهبوهم الرّومان في غلوائهم / أفما غلبتم أمّة الرّومان
ما الموت ما أعيا النّطاسي ردّه / موت الذّليل وعيشه سيّان
زعم المؤدّب أنّ عيرا ساءه
زعم المؤدّب أنّ عيرا ساءه / أن لا يسار به إلى الميدان
فمضى فقصرت القواطع ذيله / وسطت مواضيها على الآذان
حتى إذا جاء المروض واعتلى / متنيه راب الفارس الكشحان
لكنه ما زال غير مصدّق / حتى راب صوت كصوت الجان
فاستل صارمه فطاح برأسه / ورمى بجثته إلى الغربان
ما دام يصحب كلّ حي صوته / هيهات يخفي العير جلد حصان
هذي الوغى مشبوبة النيران
هذي الوغى مشبوبة النيران / مشدودة الأسباب والأقران
شابت مفارقها وكانت طفلة / عذراء منذ دقائق وثوان
طوى السّلام فليس ينشر بعدها / أو يبعث الملحود في الأكفان
شقوا الطّروس وحطّموا أقلامكم / أليوم يوم شواجر المرّان
هانت على الصّمصام كلّ يراعة / ما لليراعة في الحروب يدان
يا صاحبي ليس الوغى من مذهبي / هاتيك وسوسة من الشّيطان
فالنّاس إخوان وليس من النّهى / أن يفتك الإخوان بالإخوان
لو تعقل الأجناد أنّ ملوكها / أعداؤها انقلبت على التيجان
قوم إذا شاؤوا الصّعود لمطلب / تخذوا مراقيهم من الأديان
أو إن كرهت الحرب كنت يراعة / وإذا قتلت أخاك غير جبان؟
إن كان قتل النّفس غير محرم / ما الفرق بين المرء والحيوان؟
الحرب مجلبة الشّقاوة للورى / والحرب يعشقها بنو الإنسان
لمن الخميس خوافق راياته / متماسك الأجزاء كالبنيان
متألب كاللّيل جنّ سواده / مستوفز كالقدر في الغيان
متدّفق كالسّيل في الغدرا / متدفّع كالعاصف المرتان
تتنزلزل الأطواد من صدماته / وتظّل منه الأرض في رجفان
عجلان يكتسح البلاد وأهلها / إنّ الشّقىّ العاجز المتواني
في كلّ سرج ضيغم متحفّز / في كفّه ماضي الشّباة يمان
أباعثة المطايا من حديد
أباعثة المطايا من حديد / كأسراب القطا للعالمينا
ركائب في فجاج الأرض تسري / تقلّ الذاهبين الأيبينا
تقصّ على المدائن و القرايا / حكاية قومك المستنبطينا
و كيف العقل يخلق من زريّ / مهين لا زريّ و لا مهينا
و ينفخ في الجماد قوى وحسّا / فيركش تارة و يطير حينا
و يهتف بالقصائد و الأغاني / و قد ذهب الردى بالمنشدينا
لقد حسدتك أمّ الفنّ " روما " / كما حسدتك ضرّتها " أثينا "
فمجدك فوق مجدها علاء / و حسنك فوق حسنها فتونا
نزلنا في حماك فقرّبينا / و باركنا ثراك قباركينا
فما لطماعة بنضار " فورد " / و فضّته إليك اليوم جينا
فما هو في سماحته " كمعن " / و ليست نوقه للذابحينا
و لكن فيك إخوان هوينا / لأجلهم جميع الساكنينا
أحبّونا كأنّهم ذوونا / و أنسونا بلطفهم ذوينا
و عاهدناهم إذ عاهدونا / فلم ننكث و لا نكثوا يمينا
إذا غضبوا على الدنيا غضبنا / و إن رضوا على الدنيا رضينا
دعاهم للعلى و الخير داع / من " الوادي " فلبّوا أجمعينا
أيخذل " جارة الوادي " بنوها ؟ / معاذ الله هذا لن يكونا
فما لاقيت " زحليّا " جبانا / و لا لاقيت " زحليّا " ضنينا
تأمّل كيف أضحى " تلّ شيحا " / يحاكي في الجلالة " طورسينا "
فعن هذا تحدذرت الوصايا / و في هذا وجدنا المحسنينا
على جنباته و على ذراه / جمال يبهر المتأمّلينا
فلم مثله للخير دنيا / و لم أر مثله فتحا مبينا
فيا أشبال " لبنان " المفدّى / و يا إخواننا و بني أبينا
ترنّح عصركم فخرا و هشّت / لصنعكم عظام المائتينا
تبارى الناس في طلب المعالي / فكنتم في المجال السابقينا
بنى الأهرام " فرعون " فدامت / لتخبر كيف كان الظالمونا
و كم أشقى الجموع الفرد منهم / و كم طمس الألوف لكي يبينا
وشدتم معهدا في " تلّ شيحا " / سيبقى ملجأ للبائسينا
يطلّ الفجر مبتسما عليه / و يرجع مطمئنّا مستكينا
و يمضي يملأ الوادي ثناء / عليكم و الأباطح و الحزونا
أرى غيثين يستبقان جودا / هما مطر السّما و الغائثونا
لئن حجب الغمام الشّمس عنّا / فلم يطمس ضياء الله فينا
و لم يستر سبيل الخير عنكم / و لم يقبض أكفّ الباذلينا
وجدت المرء حبّ الخير فيه / فإن يفقده صار المرء طينا
تكمّش في الحقول الشوك بخلا / فذلّ و عاش مكتئبا حزينا
و أسنى الورد إذ أعطى شذاه / مكانته فكن في الواهبينا
سألت الشعر أن يثني عليكم / فقالت لي القوافي : قد عيينا
سيجزيهم عم البؤساء ربّ / يكافيء بالجميل المحسنينا
لا شيء يوم الرّوع أجمل عنده
لا شيء يوم الرّوع أجمل عنده / من أن يرى والقرن يصطرعان
يا رب معركة تراكم نقعها / حتى اختفى في ظلّها الجيشان
باتت صقال الهند في أفيائها / كالبرق يسطع من خلال دخان
والخيل طائرة على أرسانها / تهوي لو انعتقت من الأرسان
دوت المدافع كالرّعود قواصفا / نطق الحديد فعيّ كلّ لسان
ترمي بأشباه الرّجوم تخالها / حمراء قد صيغت من المرجان
ما إن تطيش وإن نأت إغراضها / ولكم تطيش قذائف البركان
صخّابة تذر الحصون بلاقعا / وتدكّها دكّا إلى الأركان
تنقضّ والفرسان في آثارها / تنقضذ مثل كواسر العقبان
هي وقعة ضجّت لها الدّنيا كما / ضجّت وضجّ النّاس في ((سيدان))
مشت المنايا حاسرات عندها / تتطلب الأرواح في الأبدان
فعلى أديم الجو ثوب أسود / وعلى أديم الأرض ثوب قان
وإذا نظرت إلى الجسوم على الثّرى / أبصرت كثبانا على كثبان
لّما رأوا(بورغاس) ضرّة مكدن / حملوا عليها حملة اليابان
وقد انجلت فإذا الهلال منكس / علم طوته راية الصّلبان
رجحت قواهم أيّما رجحان / فيها وشال التّرك في الميزان
نفروا لكالحمر التي روعتها / بابن الشّرى المتجهّم الغضبان
وقلوبهم قد أسرعت ضرباتها / وتظنّها وقفت عن الخفقان
متلفّتين إلى الوراء باعين / تتخيل الأعداء في الأجفان
يتلمّسون من المنيّة مهربا / هيهات إنّ الموت كلّ مكان
واللّه ما ينجون من أشراكه / ولو استعاروا أرجل الغزلان
أسلابهم للظّافرين غنيمة / وجسومهم للحاجل الغرثان
إن يأمنوا وقع الأسنّة والظّبى / فالذّعر طاعنهم بشّر سنان
ما أنس لا أنسى عصابة خرّد / في اللّه مسعاهنّ والإحسان
عفن الوثير إلى وسائد فضّة / ونزحن عن أهل وعن أوطان
ووقفن أنفسهنّ في الدنيا على / تأمين ملتاع ونصرة عان
يحملن ألوية السّلام إلى الألى / حملوا لواء الشّر والعدوان
كم من جريح بالنّجيع مخضّب / في الأرض لا يحنو عليه حان
ما راعة طيف المنيّة مثلما / راعت حشاه فرقة الخّلان
فله إذا ذكر الدّيار واهله / آه الغريب وأنّه الشّكلان
نفّسن من برجائه وأسونه / وأعضنه من خوفه بأمان
ما حبّب الجنّات عندي أنّها / مثوى سلام مستقرّ حسان
لولا حنان الغابيات وعطفها / ما كانت الدّنيا سوى أحزان
من مسمع الأيام عنّي نبأة / يرتاع منها كلّ ذي وجدان
إنّ الألى جبنوا أمام عدلتهم / شجعوا على الأطفال والنّسوان
وصوارما قد أغمدت يوم الوغى / شهرت على الأضياف والقطّان
أكذا يجازي الآمنون بدورهم / أو هكذا قد جاء في القرآن؟
أخنى على الأتراك دهر حول / أخنى على يونان والرّومان
وطوى محاسن ((يلدز))قدر طوى / ربّ السّدير وصاحب الإيوان
فاليوم لا أستانةتزهو / ولا السّلطان بالسّلطان
دارت دوائره عليها مثلما / دارت دوائره على ((طهران))
أمنبّهي الأضغان كيف هجمتم / لّما تنّبه نائم الأضغان
وحكومة الأشباح ويحك ما الّذي / خالفت فيه عصبة الفتيان
قالوا: لنا الملك العريض وجاهه / كذبوا فإنّ الملك للرّحمن
ما بال قومي كلّما استصرختهم / وضعوا أصابعهم على الآذان
أبناء سوريّا الفتاة تضافروا / وخذوا مثالتكم عن البلقان
ما التّرك أهل أن يسودوا فيكم / أو تحك الآساد بالظّلمان
هم ألبسوا الشّرقي ثوب غضاضة / وسقوه كأسي ذلّة وهوان
فإذا جرى ذكر الشّعوب بموضع / شمخت وطأطأ رأسه العثماني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025