القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 46
قال لي الحب كيف تعزف عنّي
قال لي الحب كيف تعزف عنّي / أحسبت الحياة محض التمنّي
قلت هيهات أن أفوتك طوعا / أنت كنزي بل أنت روحي وفنّي
كل ما تشتهيه أعطيه سمحا / غير بيعي استقلال قلبي وذهني
اين تلك التي ائتمنت على الكن / ز لتبني لك الذي عشت أبني
التي تعرف الجمال بشدوي / وتغني لك الذي قد أغني
والتي تنشد الصباحة الظر / ف بفني ولا تبالي بسني
والتي في الحبور تلقى بقلبي / منبعا زاخرا له فاض عني
والتي في الهموم تلقى همومي / باسمات لها كأن لم تنلني
والتي إن سقمت بددت السق / م من عطفها المطمئن
والتي لا ترى وفيا يفدى / أو حريا بها وعني يغني
والتي لا تخون عهد ولائي / إن يبعني الأنام أو إن يخني
والتي تزدهي بما أنا مشد / للورى حين أسرفوا في التجني
والتي سخرها بكل زنيم / راح يغتابني ولوعا بطعني
والتي ترجع السهام ثقابا / أو هشيما وقد تبدت مجني
والتي وحيها مثاليتي الكب / رى ووحيي جمالها ملء عيني
والتي لا ترى التجاوب غبنا / لسناها وإن يكن محض غبن
والتي تغتدي كتوأم نفسي / وتعالت على سؤال ومن
إن تراءت فإنني عندها أعطي / جميع الذي تمنّته منّي
وإذا صرت عبدها قلت للده / ر طروبا بالله دعها ودعني
إني بريء منك يا بدني
إني بريء منك يا بدني / فلست فيك بحال أيّ مرتهن
ولست مرآة روحي في تصوّفها / وإن زعمت وإن حاولت يا بدني
ولست منصف حسن ثائر بدمي / ولا غرامي وقد ندا عن الزمن
مهما مدحت فما عبرت مكتملا / عن الشباب الذي في الروح لم يهن
ولا عن الشوق جياشا بلا أمل / ولا عن الشعر فوارا بلا سنن
ظلمت فيك ولو حاولت تنصفني / وبنت عنك وإن عدوك من سكني
فعل جسمي في نور أهيم به / أو في حنان ولحن عانقا أذني
أما تعاريف روحي فهي نائية / عن كل فهم وعن حدس وعن فطن
كأنها من معاني الله قد خلقت / فلم تكيف ولم تسكن ولم تبن
أو أنها بعد لم تخلق وإن فطرت / أو أنها لم تزل كالحلم في الوسن
لو يعرف الحسن إحساني لأبدعني / بعطفه فوق معنى الروح والبدن
ألا فانظروا أيها السادرون
ألا فانظروا أيها السادرون / ققور قبور قبور قبور
مضى أهلها واستحال النشور / وحدثكم واعظ في القبور
فهلا استمعتم لوعظ المنون /
وهل رقم هذه أم تراب / تراب تراب تراب تراب
خراب خراب خراب خراب / فلا رمم بقيت للحساب
ولف الخراب رداء السكون /
ومن عجب بعضها خالدات / كأن الذي مات ما كان مات
كأن الممات حياة حياة / فقد كرس الموت مجدا وفات
فهان وفي الموت ما لا يهون /
ها هو الشحاذ لصق البن
ها هو الشحاذ لصق البن / ك تستجدي لحونه
يضرب الأوتار في / عنفٍ ويبكيها جنونه
ساخطا أو ساخرا تث / أر في مقت فنونه
أشعث الشعر سقيم ال / وجه قد ماتت عيونه
وعليه من ثياب الذ / ذُل والحرمان أسمال تخونه
قلت يا هذا لأنت الفن / نُ فاسعدني بصورة
علّني أرسم منها / عالما تخفي شعوره
فتملاني كمجنون / رأى مثلي أجيره
ضاحكا كالرعد لا يَع / بَأ بالدنيا الحقيره
وتمطي كمليك لم / يعد يخشى أسيره
قلت هل ترضى بدو / لار أجبني يا صديقي
ربما نحن خليل / لان بإحساس وضيق
قال هذي رأس مالي بل / هي الكنز الحقيقي
قلت دولاران فازور / ر كناجٍ من نهيق
قلت ماذا تبتغي / هِ فمضى عبر الطريق
الشاعر القرويّ في تكريمنا
الشاعر القرويّ في تكريمنا / اشمى وأكرم من مقام زعيمنا
علقت به آمالنا وتشبّثت / أحلامنا فاعتدّ رمز صميمنا
أمم العروبة ذاته فصفاته / سير البطولة من عريق كريمنا
هو رائد الآتي ونفحة أمسنا / والثار العاتي على تسليمنا
ما اعتزّت الفصحى بشعر صاغهُ / إلا اعتزاز سمائنا وأديمنا
أو تاهت الأخلاق من أندائه / إلا كتيه النور من تكريمنا
أو بشّت الأديان عند عظاته / غلا لروح مسيحنا وكليمنا
أو هزت الألباب ثورة فنه / إلا وأرضخه إلى تعليمنا
العبقرية بضعة من شخصه / والبضعة الأسمى مدار حلومنا
ما كان ذاك الشعر شعر فصاحة / عزّت فحسب ففيه كل نجومنا
وبه الطبية في جميع فصولها / وبه أحب عبيرنا ونسيمنا
وبه تشبّ لنا هموم جمة / وبه الشفاء لياسنا وهمومنا
من لم يحز ديوانه فكأنه / حرم الجنان ففيه كل نعيمنا
كم متعة لي لا تحد جديدة / وتزيد جدتها يبعث قديمنا
أمم العروبة لو قدرت مكانه / قدست مجد حكيمنا ومديمنا
من غير التاريخ من إيحائه / وأثار نخوتنا برغم رميمنا
الأمة الحكماء قبل جنودها / الخالقو الجنات رغم جحيمنا
ما قيمة الأجناد لا يزجيهم / شرف ولا لهف لغير تخومنا
ولرب شاعر أمة مهضومة / كرشيد عاش ضمين حق عديمنا
هيهات أعدل ثروة بتراثه / وأنا الفقير دون حظ عليمنا
فيم اعتذار النابهين إذا نسوا / للشعر حق إمامنا وحميمنا
نمنا ونام الحاكمون بأمرهم / والغاصبون سعوا إلى تنويمنا
حتى غدونا جاهلين رجالنا / الماهدين ونحتفي يخصيمنا
لا بدع إن جلى تذبذب راينا / وغدا الشعار لنا صياح سقيمنا
واليوم إذ طلع الصباح وإن يكن / فيه الضباب معكرا لشميمنا
ولو أن الوان الجهالة لم تزل / شرعا تقدّس بل ودين بهيمنا
نحني الرؤوس له وإن تك قلة / عزّت ولكنا هداة عميمنا
ونود تكتحل العيون بنوره / أبدا وإن يك مائلا بفهومنا
سيجيء عهد نحتفي شرفا به / كالشمس والجوزاء غب غيومنا
ويسابق الأقوام بعضا بعضهم / ليترجموا الآيات في تقويمنا
شعر كهذا الشعر ذخر للورى / جمعا وإن يحسب تراث زعيمنا
لم يفجع الدهر أحلامي ويرهقها
لم يفجع الدهر أحلامي ويرهقها / إلا وعندي له من قبل حسبان
يا من خذلتم رجائي في مودتهم / مهما نسيت فمالي اليوم نسيان
باركت تطهيركم أوطاننا سلفا / فإن أغلى عزاء المرء أوطان
وإن حزنت لرهط لم يزل لهمو / شأن وخيرهمو أفعى وثعبان
يا ليتكم قد جمعتم كل عزمتكم / يوم الحساب لمن زلوا ومن خانوا
ما احتملتم وصوليا يراودكم / يوم الحساب لمن زلوا ومن خانوا
وما احتملتم وصوليا يراودكم / غنم الدنيء له الأحرار قربان
أتهملون الآلى قد مهدوا زمنا / لنصركم وتعزون الألى هانوا
أتغفلون عقولا من مواهبها / شعت وعزت وسادت قبل أزمان
أتكرمون صغارا كل قيمتهم / زيف وليس لهم صدق وغيمان
في مثل هذا يحار الفكر في زمن / قد ساده الفكر لما اعتز إنسان
لا تحسبوه صديقي بعد خذلاني
لا تحسبوه صديقي بعد خذلاني / في العيش إن جاء بع الموت يرعاني
وزفّ إكليل زهر ليس ينفعني / كأنّه حجر من فوق أكفاني
ما كان أولاه لما لج بي مرضي / لو زارني ورعاني ثم عاداني
لا أن يجانبني نذلا ويهجرني / والموت يرمقني في موقف الجاني
حسبت أني أساوي بعض خردلة / لديه فانهال تقديري وحسباني
وكان يغرق إطراء ويذكرني / كأن ذكري تسبيح لديّان
حتى إذا الموت في أثواب ممتحن / أتى تهارب من إحساس إنسان
وفاتني لأعاني أزمة عرضت / كأن موتي الذي قاسيت موتان
فإن يكن في شفائي اليوم معجزة / فبعضها بعد هذا البعث سلواني
أنا الغني بقلبي حين أرخصني / من كنت أغليه فاستغنى وألقاني
وهو الفقير بثروات يجمعهها / كأنها رمز إفلاس لخوان
عزّ الوفاء فما يبقى أخو ثقة / كأنها نعمتي في هم دفان
إني لأفقد أحبابي وأدفنهم / إلا بقاء خيال دون برهان
صدّاحة الشرق مذ أتتنا
صدّاحة الشرق مذ أتتنا / نجواك غنّى لنا الأمان
في النور في العطر رنحتنا / أنفاسك العذبة الحسان
لم تمنحي العاشقين حلما / بل فوق ما أملوا وكانوا
الكون من حولنا أغان / وكل نجم لنا كمان
كأنما السحر قد حباه / بكل ما يبدع الحنان
يا من أتت تستطيب حينا / عوفيت والفن والبيان
ما كان في قربك اغتراب / ولا عناء الذين عانوا
بالله جودي على فؤادي / بنفحة منك تستبان
وأنشدي للعزاء شعرا / في مسمع الخلد قد يصان
عادانيَ الدهر نصف يوم / فانكشف الناس لي وبانوا
يا أيها المعرضون عنا / عودوا فقد عاود الزمان
جزيرة النور تحيّينا
جزيرة النور تحيّينا / وتنشر رفحتها فينا
اضواؤها أبهج أشعارها / وألوانها تحكي أغانينا
ما عابها الصمت ففي صمتها / ما يلهم الشدو أفانينا
ساءلتها لما تأملتها / عن عشقها مثلي المجانينا
من أصغروا المال الذي عندها / وأكبروا النور المناجينا
فاستضحكت ثم تهادت كما / يستضحك الروض رياحينا
وعطرتني مثل تعطيرها / بالنور أحلام المحبينا
دين لأهليها ولم يعرفوا / من قبل إلاه لهم دينا
لولاه رغم كنوز لهم / كانوا عفاة بل مساكينا
البسمة ملء أساريرهم / فما ترى الباكين باكينا
وإن تنادوا بشكاة لهم / لم يصبح الشاكون شاكينا
أنفاس هذا النور لما سرت / حولت العانين لاهينا
فجلجلت فيه فكاهاتهم / كأنهم باتوا فراعينا
لا تنهني عن أيّ مجلى أرى / الفتنة فيه تحيينا
فإنني الشاعر من فنّه / يخلق للنور موازينا
ويسبغ النعمة مما يرى / شتى على الخلق المعانينا
هشت لي الأشجار في نشوة / والماء والطير مغنينا
كأنما قد زدت تطريبها / وأسكنتها شعري بساتينا
وداعبتني السامقات الذرى / بألسن للنور راوينا
وبعضها من خلفه جنة / وبعضه بالنار يغوينا
فكان إحساسي بها أنها / قد حجبت جنا ملاعينا
وأنهم مثلي بعرفانهم / للحسن لاهين مصلينا
وإنما الدنيا بآياتها / وخيرها من صنع أيدينا
أربعاء الرماد يا عيد أحزا
أربعاء الرماد يا عيد أحزا / ني ويا رمز حرقة الإنسان
فيك ذكرى لنكبة ولنص / ر ومزيج الإيمان والكفران
ليس هذا الرماد من سعف الن / نخل رمادا وإنما وجداني
إن ماضيّ ماثل فيه والحا / ضر أيضا ومقبلي المتداني
المسيح النبيل بارك ما / فيه من الوجد والرؤى والمعاني
أتركوني يا قوم أركع في / همي خشوعا لهذه الصلبان
إن أكن مسلما فقلبي / حوى العالم طرا كخالق الأكوان
فلسفات الحياة ليست / لدين واحد بين سائر الأديان
إنها الحس بالمآسي / وتفسير وجود موزع حيران
من تراب نشأت ثم إلى / الترب مآلي كتائه ظمآن
وأنا السائح الشريد الذي / ينعم في بؤسه العني الجاني
ذكروني نعم هنا ذكروني / بانتصاري العظيم ثم امتهاني
وغرور الحياة والخلق والدن / يا مشاعا في روح هذا الزمان
ليس يبقى سوى الجمال سوى ال / خير سوى الحب في الوجود الأناني
دورٌ من القدم الغالي مجلّلة
دورٌ من القدم الغالي مجلّلة / تبعثرت بين أشجار وغيطان
أرنو إليها فتعدوني بنظرتها / إلى ترقرق غدران وشطآن
وبعضها صاحب العليق في شغف / كأنها في عناق ليس بالفاني
جلست في المرج كالمشدوه أرقبها / فلم تعرني التفاتا بعد نسياني
أنا الغريب الذي يرجو رعايتها / فما لها شغلت عن خير حسباني
هل العصافير والغربان تسعدها / وليس تسعدها أشواق إنسان
لا بدع إن كانت السلاك حاشدة / بهن في صلوات مثل رهبان
والشمس تضفي سناء من أشعتها / كأن إشعاعها غفران ديان
أم أنني في نزوحي عن مشاهدها / صار احتفائي بها أدنى لنكران
وصار أولى بها من رام ألفتها / في كل فصل ولم يحفل بميزان
حاذر من الشمس قالوا إنها خطر / وإن تقبيلها إحراق نيران
فقلت يا حبذا فالنار في لهفي / فما أبالي إذا شبت بجثماني
لقد هجدرت نيويورك لأعبدها / فكيف أحذرها في فرط غيماني
لم يشكها شجر أو طائر غرد / ولا أزاهير من ميراث نيسان
ولا اشتكت حشرات ثم راقصة / كأنها الفن والإشعاع في آن
فكيف أشكو وأخشى من توهّجها / والشمس روحي وإلهامي وجسماني
كأنما أشكو وأخشى من توهجها / والشمس روحي وإلهامي وجسماني
كأنما أخنتون حين مجدها / قد ناب عني في حبي وقرباني
كأنني البحر في موج يغازلها / أو أنّني العشب في أحلام نعسان
وأقبلت زمر شتى تكلمني / من الطيور وقد جاوبن ألحاني
حتى السكون الذي حولي له لغة / تردّدت في حنايا كائني الثاني
حين السماء التي تاهت بزرقتها / تنافس البحر في معنى وألوان
من كل هذا وهذا أستمد غنى / كأنما نظراتي لوح فنان
أعيش في وسطها من بعض نفحتها / وقد نسيت تباريحي واشجاني
كما رجعت إلى المفقود من عمري / مجددا في نعيم ناضر ساني
وأملأ العين من ألوان خمرته / كأنني شارب أكواب رضوان
حتى إذا الليل وافى في سكينته / ودغدغ البدر بالإشعاع وجداني
نظمت شعري هذا من مباهجه / ومن مباهج يومي الناعم الهاني
هدية الروح من نعمى يعاش لها / إلى صديق أراعيه ويرعاني
مضت سنون على يوم لفرقتنا / ولم نفرّق بأرواح وأبدان
فإنّنا شعراء في تصوّفنا / وقد سمونا على تحديد إمكان
لا الرمز يغني ولا التصريح يرضيني
لا الرمز يغني ولا التصريح يرضيني / وهذه أمم حولي تقاضيني
مكدودة ما لها حظ يراودها / ولا رجاء بإنصاف الملايين
فيم التأدب في حق الألى نهبوا / حق الشعوب وكل شبه قارون
فيم التأدب في حق الألى نهبوا / حق الشعوب وكل شبه قارون
يشكون فقرا إذا ازدادوا غنى وغنى / كأنهم في حساب للمجانين
وكل يوم ضحايا لا عداد لها / من غدرهم في جحيم البؤس والهون
أبعد هذا نصوغ الشعر زخرفة / لعسفهم ونبيح اللهو بالدين
وما نقطع إلا لحم من عصروا / من الضحايا وأرواح المساكين
أقسمت بعد تجايبي التي سلفت / وأنها مثل كابوس يناديني
لا يبذلن الذي أغليت من أدبي / نارا تصب على رجس الشياطين
وأن أثير شعوبا في استنامتها / جرم ولا جرم أشرار ملاعين
حتى يعود لمجد العرب ما سطعت / به القرون لأجداد ميامين
حتى نطهر أرضا طالما عبقت / بها المآثر أضعاف الرياحين
وما أبالي متى عادت لعزتها / إذا رجمت كأني في القرابين
ليس منا قال الحسود المعنى
ليس منا قال الحسود المعنى / ليس منا أعادها ليس منا
علم الله أنني لست من يرغب / في مثلكم ولا من تدنى
أيها السارق الحقير الذي / يزهى بمسلوب غيره مطمئنا
قد أتينا عبر المحيط لنلقاك فكان / البلاء ما قد رأينا
قد حسبناك ثروة أو تراثا / فوجدنا وشرّ ما قد وجدنا
الصغار الذي تدهور بالخلق / فشمنا الصغار معنى وعينا
والغرور الذي تضاحك منه / كل غر فقد شأى المين مينا
والخساسات وهي أشبه بالأدواء / طعما وبالجنايات لونا
إن يك الفن كل هذا / فإني لبريء مما تعدون فنا
إن أهلي في كل أرض بها الحق / عريق وباسمه تتغنى
اين أنتم منه جنيت / زنيمٌ جاحد يشبع المعانين منا
أين إحسانكم قلامة ظفر / أيها الحاسب الإساءة دينا
حظّك العمر في الدسائس والوعظ / خبيثا فبالخبائث تعنى
فلتهنّأ بها فإنك أولى / بالمخازي ودونها لا تهنا
وأنا ما أنا سوى الشاعر الملهم / بالحب والجمال المغنى
ومثاليّتي تناولت الكون فغنى / وبدل الكون كونا
إي نعم وهو إن يعد جنينا / ساد في الحلم قادرا واستكنا
ستراه الأجيال في مقبل الدهر / جنانافي عصرنا تتمنى
أتراني من بعد هذا أبالي / بالحسود الذي من الحقد جنا
وأخاف الهجاء يا أحقر / الخلق شعورا واضأل الناس ذهنا
أهملت شأنك الموازين يا فاجر / حتى عدمت في النبل وزنا
شاعر نافس التعالي بما / يحكي ويحكي القرود مغنى ومبني
أيّار كاد يذوب عطرا سابغا
أيّار كاد يذوب عطرا سابغا / وجمال ألوان وجمّ حنان
وأراك يا ورد الربيع بنومة / طالت كأنك لم تذق إيماني
أتظنّ عهد أبيك عهدا غادرا / وتخاف ما يأتي به الحدثان
أو لا ففيم إذن رقادك هاجرا / للناس في الأكمام والأردان
ولمن تبرّجت الطبيعة بعدما / أعطتك عهد سماحة وأمان
أولست فاتنها المليك وطالما / جملتها بنفائس التيجان
أسفر جواهر نمقت اصباغها / أيدي النجوم ولهفة الفنّان
ما زلت مرتقبا فشعري لم يزل / ظمآن مفتقرا إليك يعاني
لم تغنه هذي الموائد كلها / عن وحيك المتحجب الظمآن
مثلي ظمئت كأننا غرباء في ال / دنيا عن الإلهام والإحسان
ما قدرتنا رغم تقدير لنا / أو أنصفت بالري للريان
بي حرقة الفنان مثلك قابعا / في خلوتي وتوثب الفنان
فمتى أراك إذن تهم ممزقا / هذي الستائر واثبا لعياني
حتى أرتل في سناك تحية / بالنور عابقة وبالألوان
أفصح ولاتك مبهما كقصيدة / مطويّة بمشاعر وجنان
أو كالأغاني في الغدير تستّرت / بالموج فاحتجبت عن الإنسان
أو كالصبابة في القلوب دفينة / وتنم عن خطراتها العينان
أو كالحقيقة حجبت بعزوفنا / عنها وما خفيت عن الوجدان
أفصح فينتفض الربيع مجدّدا / والحب والنعمى بكل مكان
أمودّعي من قبل أن يلقاني
أمودّعي من قبل أن يلقاني / ماذا تركت لحلمي الفتان
ليلان قد مرا مرور جحافل / والآن أحرم وحيك النوراني
حين الغبار المستثار يحف بي / والشمس قد ضاعت ضياع هوان
هلا بقيت لكي أمتع ناظري / زمنا وكيف تغيب في نيسان
يا تارك الشعر الوضيء ذخيرة / كبرى وقد خلّفت ما أغناني
الشعر أنت وكل ما أودعته / ديوانك الحي المعزّ زماني
هيهات يغني رغم ذلك شاعرا / يهوى بك المثل الرفيع الساني
يا أوحد العصر الذي إيمانه / بالحق اسعد دائما إيماني
يا من تفنن في ابتداع عوالم / شتى وجدد من نهى الفنان
يا من رأته العبقرية ندها / في الخلق والآداب والإحسان
يا من شأى صور الحياة مصورا / عجبا من الإحساس والوجدان
يا من أحبته الطبيعة حبها / لله في ملكوته الروحاني
يا ن يرف النقش نفض يراعه / بيتيمة الألحان والألوان
يا من مآثر نبله وشموخه / كمآثر الأضواء في لبنان
يا من يحرّرني متى ناجيته / وإذا برمت ببيئتي ناجاني
يا من يخفف من لواعج حسرتي / بدموعه ودموعه أوطاني
يا من خواطره تزيد خواطري / ألقا ويرفع حبه إمكاني
أزجي إليك تحية من مهجة / عرفت بك الفنان في الإنسان
وأزف أغنية الوداع وإنها / قبل وأشواق لحلم ثان
إن كان هذا الجو يخلق روحنا / فالحب يخنقه عتو أناني
عم الضباب مع الغبار مخلفا / رهقا من الآلام والأحزان
ما كان أولانا بنبلك بيننا / كيما نصد وساوس الشيطان
العابث الجاني على ألبابنا / وممرغ الألباب اسفل جان
كم موقف للخبث يرقص عنده / ويعضّ في الأعراض كالثعبان
ويصول في سرقاته متفنّنا / كتفنّن الشغور في الروغان
يطريه اطفال ويطري نفسه / وكلاهما نوع من الهذيان
ما كنت أحسب أن أعمر كي أرى / هذي المهازل من خصال زماني
في موطن للعقل اسمى منزل / فيه وفيه الخلق أعظم بان
من لي بمثلك كالنبي مكرما / في موطن الإلهام والعرفان
يتلو الخوالد من هدى إنجيله / فيبر بالإنجيل والقرآن
ويهز آلاف المشاعر بعدما / ماتت من التغرير والبهتان
ويطهر الجيل الجديد بشعره / من كل شعوذة ومن كفران
يا من أوّعه ولست مودعا / من ظل يشغل بي أعز مكان
وتخوننا الدنيا وليس يخونه / منّي سوى دمعي وفرط خناني
الفتنة الكبرى تطلّ قرونها
الفتنة الكبرى تطلّ قرونها / أم دير ياسين أعيد جنونها
يا وصمة الإنسان من وحشيّة / أقسى الوحوش لها تراع عيونها
صفر الخراب لها بفرحة فاجر / وإذا الدماء شرابها ومجونها
العصبة الأنذال لم يتورّعوا / عن كل ما لطخ الوغى ويشنيها
باسم العدالة والحقوق تشدّقوا / وكأنما حامي الحقوق خؤونها
وبكل مذبحة لهم تهليلة / وبكل مجزرة يعيد دونها
ويمثلون من المهازل للورى / صور المىسي القارحات جفونها
كبش الفداء همو وأما من بغوا / وعدوا عليهم فالوغى وأتونها
جعلوا المروّع جانيا بل صوروا / جثث الضحايا في الحقول تخونها
كانت لقوم في أمان بيوتهم / ناموا فأين بيوتها وسكونها
ذهبت بهم وبحلمهم وتبعثرت / اشلاؤهم ودماؤهم وحنينها
الله في الباغي وعندي تستوي / كل الفئات وما يسوغ دينها
فالبطش ليس له حلال مرّة / مهما أحل الموبقات خدينها
والظلم ليس يحد بين خطوبه / من لم يصد خطوبه فمعينها
إيها بني الأرجاس أية نصفة / ترجونها وشروركم مضمونها
كثرت دعاويكم كوفرة خبثكم / والأبرياء طعينها ودفينها
من تخدعون وتلك قبية شاهد / والدينميت غريمها وقرينها
هل هيئة الأمم التي قد كفنت / في المهد أم أسر يمض أنينها
أم هل ترى أمم العروبة بعدما / رزئت بكم وبكم تشل يمينها
أم صادق التاريخ وهو مدون / آثامكم إن فاتكم تدوينها
قد كنت أرجو العدل بعد تفاهم / فإذا العدالة تستباح حصونها
وإذا القذائف وحدها قد أصبحت / لسن العدالة إن يصخ مفتونها
أواه من دول العروبة كلها / خابت وضاع أسودها وعرينها
هيهات تنهض والثعالي فوقها / يتحكمون وما تعد طنينها
صهيون ليس بمحض خصم واحد / فبكل باطن دولة صهيونها
من ذا ألوم إذا الجناة أقارب / وأباعد وإذا اللصوص زبونها
وإذا الدم الغالي يذال ولم تثر / همم وفي وقف الجيوش سجونها
أبطال قبية أنتمو وكفاكمو / فخرا بتدمير لكم تمدينها
من كان في ريب إزاء حضارة / شقيت بكم فصنيعكم تأبينها
من ذا يصور بد ذلك أنكم / من أمة بالغار خص جبينها
إن التسامح بعد ذاك جريمة / يا ضيعة الإنسان حين يزينها
إن نام أيار عن ورد وعدت به
إن نام أيار عن ورد وعدت به / فهل أنال حقوقي من حزيران
إن الورود معان ليس يعرفها / غلا محب وإلا قلب فتان
تناوب العطر والألوان أمثلة / من النشيد لإحساسي ووجداني
وما غنيت وحولي من موائدها / غنم ومن خمرها ريّ لظمآن
أشمها إذ أراها شعر آلهة / والعطر كالشعر في استهواء إنسان
عرائس الزهر فاقت في منافسة / عرائس الناس في حسن وألوان
أحنو عليها كأني عاشق وأب / أو أنها خلقت من قلب الحاني
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم
طوبى ومرحى إذا الأحرار جمعهم / عيد وألفهم تحرير إنسان
لا مجد للأرض إن دب العبيد بها / وإن تسخر لأصنام وأوثان
إن أطلع الورد هذا الشهر مزدهيا / فإن أجمله تحرير عبدان
العالم الحر حياه ومجده / وحفه بتراتيل وقرآن
فاقت بإخلاصها الواعي ورهبتها / آي التبتل في تسبيح رهبان
إن الأخوة للإنسان حليته / قبل التضلع من دين وعرفان
إن التحرر للإنسان عزته / قبل الجلالة من ملك وسلطان
إن المساواة للإنسان قيمته / قبل انتساب لأجداد وأوطان
في مثل ذا اليوم ثار الحق ثروته / شوقا لفك قيود البائس العاني
فأصبح الحق بالجمهور مندمجا / من بعد ما كان إرث الباطش الجاني
فأيّ نجوى إذن تزجى لروعته / أجل من شكر ارواح وأبدان
ومن إطاعته لا طوع عميان / بل طوع ذي بصر حر وإيمان
في كل عم نحيي عيده شغفا / كالفيض في شوق أنهار وغدران
لدن يجدد أرواحا لنا فنيت / من الكفاح ومن ظلم وبهتان
أنسيت نيسان إذ مات الربيع به / لما لثمت الأماني في حزيران
كأنما خلقت من نوح أفئدة / كالنور يخلق من تسعير نيران
أو أنها بعد جدب شبه فاكهة / تألقت طفلة في حضن بستان
نحنو عليها ونرجو أن تزاملنا / مع الحياة لأزمان وأزمان
وأن تعم شعوب الناس قاطبة / مثل الهواء ومثل النور في آن
بوركت يا عيد ما أحياك أحياني / ودمت يا عيد ذكرى كل إنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان
لم ينهض الظلم في يوم بإنسان / فالظلم والموت للإنسان سيان
وليس يعرف عيد في جلالته / أجل من عيد تحرير لإنسان
فكيف بالعيد أحيا أمة رزحت / تحت البلاءين من جهل وطغيان
كأنما كل ماضيها الذي حفلت / به الشعوب خرافات لسكران
فلا هياكل أخناتون قد نهضت / على ثراها ولا توحيد أديان
وليس أحمس منسوبا لوثبتها / ولا تجلت بها آيات عرفا
ولا تهادى بها التمدين منبسطا / والنيل ما بين إحياء وإحسان
ولا تهافت من راموا مودتها / على منائر جازت كل حسبان
شأى الغزاة فنونا من مآثرها / فما استطاعوا وأعطت كل فنان
وأوغلوا فتواروا في مقابرها / تواري السيل في أعماق كثبان
كأنما الفاطميون الألى ابتدعوا / لها الحضارة كانوا أهل بهتان
كأنما الأزهر المعمور فارقها / وبيع سكانها في سوق عبدان
كأنما كل ما أعطت وما خلقت / لغو ويصدق فيه الحاقد الشاني
من شوّة المجد حتى صار منقصة / وأفسد الحق حتى صار كالجاني
لا شيء غير عتو الظلم دان له / من لا يدين لأصنام وأوثان
كأنما أنكر الأديان أجمعها / من قدسوها فهانت دون أثمان
وبات كافور من كنا نرجبه / وإن يكن في أديم أبيض قاني
من سخّر الدين عبدا في فضائحه / ولم يزل خصم إنجيل وقرآن
من داس فوق رقاب الناس أجمعهم / كأنهم مثله أشباه خصيان
غلا فريقا من الأحرار قد علموا / للثار ما بين تشريد وحرمان
واسعذبوا النفي رغم البؤس يرهقهم / حتى يؤدوا أمانات لأوطان
واستمرؤوا الموت ممن راح يسحقهم / كأنهم حشرات موتها داني
واستشهدوا في سبيل النبل ليس لهم / هم يمت لهذا العالم الفاني
فدى لمصر التي عزّ المسيح بها / طفلا وعاد لها في دينه الساني
فدى لمصر التي الإسلام باركها / كنانة الله ما دانت لكفران
فدى لخير مثالياتها وفدى / لجيلهها الواثب المستيقظ الباني
حتى استجاب لها الأحرار أجمعهم / والجيش واحتشدوا في وجه شيطان
وخر من عرشه المنهوك في وجل / كأنما هو من خوص وعيدان
وراح شر طريد مصر تلفظه / للبحر مثل وبىء بين جرذان
يا ليت مصر التي قد خان نعمتها / وارته في إثمه من غير أكفان
وعلها اليوم في ذكرى لثورتها / لا تكتفي بازدراء أو بنسيان
فالحق تأييده في كف إيمان / والبطش تبديده في كف نيران
تموز يا شهر أعياد محجلة / وكل عيد له عيد لوجداني
من لي بزورة أوطان فتنت بها / وإن أكن في ربوع مثل أوطاني
لأشهد الفرحة العظمى وأنشرها / عطرا بشعري أو نورا بألحاني
وأرسم اليوم معنى مجدها الثاني / في فخم ألوانه لا فخم ألواني
وأرقب الكادح الفلاح ممتلكا / لأرضه لا بهيما ملك أطيان
وأنظر المجلس الشورى مجتمعا / في عزة الحر لا في ذلة العاني
وكل أعضائه زانوا مقاعهدهم / كما تلألأ أفكار بأذهان
قد أقسموا أن يصونوا مصر عن سفه / ويبلغوها مكانا فوق كيوان
ويسهموا في حضارات منوّعة / لا في سفاسف أوهام وأضغان
ويجعلوا الدين معنى لا يلوّنه / إفك السياسة أو تسميم ثعبان
إن كنت في البعد لم يعطف سوى حلمي / على حنيني فهذا الحلم غنياني
أو كنت في البعد منسيا فما برحت / روحي ترفرف في أصداء تحناني
أبناء مصر التي تسمو مناقبها / فوق الفراعين في تقدير أزمان
مثل الجواهر زاد العمر قيمتها / أو كالنجوم بعمر جد نوراتي
اليوم مبدأ عهد كله همم / كالنيرات أضاءت وسط إدجان
لا عذر بعد ليأس قد يساوركم / فإنكم أهل هذا الموطن الحاني
الجيش أنتم وأنتم مصر لا ملك / جان عليكم ولا آثام أعوان
وحطكم بين أعمال مخلّدة / وتضحيات لأبطال وشجعان
رسالتي قبل كانت في إثارتكم / كما يثار شواظ طيّ بركان
واليوم غنى لكم شعري محامدكم / كما تغنى بنفح الزهر بستاني
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل
يا قاصداً مصر في زهو وفي جذل / هنّئت ما مصر إلا أم أوطان
أم الحضارة ما كانت طفولتها / إلا مفاخر فنان وإنسان
لكل فرد بلاد يستعز بها / ومصر مهما استقل الموطن الثاني
لها عهود على الدنيا موثقة / فطالما حبت الدنيا بإحسان
أنت ابنها البر لا تنسيك منزلة / حقّا عليك ولا كر لأزمان
ومن يعد عمادا في تخصّصه / وخالقا لمزايا جيلها الباني
علم وعلم فلا خير لأمتنا / إلا من العلم إن العلم نوران
والثم ثرى مصر عنّي راكعا شغفا / وخذ فؤادي عني بعض قرباني
علم كعلمك غذاني وأحياني / كذاك خلقك يوم اليأس أحياني
وما أقول وداعا بل أقول وعلى / في موطن الشمس ناجاني وناداني
يا من تواضعه عنوان حكمته / وقدره فوق تقدير وعنوان
ومن شغلت طويلا عن مجالسه / لأنت أدنى إلى قلبي من الداني
عهد عليك شباب النيل ترشدهم / للحق إن خانهم تدجيل شيطان
إن الشجاعة اسمى ما اتصفت به / فاصدع بها الباطل المستأسد الجاني
لا خير في العلم صار الجبن سيده / فالعلم بالعلم يرقى دون سلطان
هذي تحية مهجور ومغترب / وباقة من أحاسيسي وألحاني
لم ألق غيرك موهوبا ليرفعها / لمصر حين وفاء النيل ناجاني
ولم أجد نابغا أولى بتكرمتي / ولا مثالية أولى بإيماني
فعش لقومك بل للناس أجمعهم / وعد لقومك ذخرا ليس بالفاني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025