المجموع : 39
غُضّي جُفونَ السِحرِ أَو فَاِرحَمي
غُضّي جُفونَ السِحرِ أَو فَاِرحَمي / مُتَيَّماً يَخشى نِزالَ الجُفون
وَلا تَصولي بِالقَوامِ الَّذي / تَميسُ فيهِ يا مُنايَ المَنون
إِنّي لَأَدري مِنكِ مَعنى الهَوى / يا جولِيا وَالناسُ لا يَعرِفون
سَأَلتُهُ ما لِهَذا الخالِ مُنفَرِداً
سَأَلتُهُ ما لِهَذا الخالِ مُنفَرِداً / وَاِختارَ غُرَّتَكَ الغَرّا لَهُ سَكَنا
أَجابَني خافَ مِن سَهمِ الجُفونِ وَمِن / نارِ الخُدودِ لِهَذا هاجَرَ الوَطَنا
سُوَرٌ عِندي لَهُ مَكتوبَةٌ
سُوَرٌ عِندي لَهُ مَكتوبَةٌ / وَدَّ لَو يَسري بِها الروحُ الأَمين
إِنَّني لا آمَنُ الرُسلَ وَلا / آمَنُ الكُتبَ عَلى ما تَحتَوين
مُستَهينٌ بِالَّذي كابَدتُهُ / وَهوَ لا يَدري بِماذا يَستَهين
أَنا في هَمٍّ وَيَأسٍ وَأَسىً / حاضِرُ اللَوعَةِ مَوصولُ الأَنين
أَعيدوا مَجدَنا دُنيا وَدينا
أَعيدوا مَجدَنا دُنيا وَدينا / وَذودوا عَن تُراثِ المُسلِمينا
فَمَن يَعنو لِغَيرِ اللَهِ فينا / وَنَحنُ بَنو الغُزاةِ الفاتِحينا
مَلَكنا الأَمرَ فَوقَ الأَرضِ دَهراً / وَخَلَّدنا عَلى الأَيّامِ ذِكرى
أَتى عُمَرٌ فَأَنسى عَدلَ كِسرى / كَذَلِكَ كانَ عَهدُ الراشِدينا
جَبَينا السُحبَ في عَهدِ الرَشيدِ / وَباتَ الناسُ في عَيشٍ رَغيدِ
وَطَوَّقَتِ العَوارِفُ كُلَّ جيدِ / وَكانَ شِعارُنا رِفقاً وَلينا
سَلوا بَغدادَ وَالإِسلامَ دينُ / أَكانَ لَها عَلى الدُنيا قَرينُ
رِجالٌ لِلحَوادِثِ لا تَلينُ / وَعِلمٌ أَيَّدَ الفَتحَ المُبينا
فَلَسنا مِنهُمُ وَالشَرقُ عانى / إِذا لَم نَكفِهِ عَنَتَ الزَمانِ
وَنَرفَعُهُ إِلى أَعلى مَكانٍ / كَما رَفَعوهُ أَو نَلقى المَنونا
رُوَيدَكَ حَتّى يَخفِقَ العَلَمانِ
رُوَيدَكَ حَتّى يَخفِقَ العَلَمانِ / وَتَنظُرَ ما يَجري بِهِ الفَتَيانِ
فَما مِصرُ كَالسودانِ لُقمَةُ جائِعٍ / وَلَكِنَّها مَرهونَةٌ لِأَوانِ
دَعاني وَما أَرجَفتُما بِاِحتِمالِهِ / فَإِنِّ بِمَكرِ القَومِ شِقُّ زَماني
أَرى مِصرَ وَالسودانَ وَالهِندَ واحِداً / بِها اللُردُ وَالفيكُنتُ يَستَبِقانِ
وَأَكبَرُ ظَنّي أَنَّ يَومَ جَلائِهِم / وَيَومَ نُشورِ الخَلقِ مُقتَرِنانِ
إِذا غاضَتِ الأَمواهُ مِن كُلِّ مُزبِدٍ / وَخَرَّت بُروجُ الرَجمِ لِلحَدَثانِ
وَعادَ زَمانُ السَمهَرِيِّ وَرَبِّهِ / وَحُكِّمَ في الهَيجاءِ كُلُّ يَماني
هُناكَ اِذكُرا يَومَ الجَلاءِ وَنَبِّها / نِياماً عَلَيهِم يَندُبُ الهَرَمانِ
أَينَ يَومُ القَنالِ يا رَبَّةَ التا
أَينَ يَومُ القَنالِ يا رَبَّةَ التا / جِ وَيا شَمسَ ذَلِكَ المِهرَجانِ
أَينَ مُجري القَنالِ أَينَ مُميتُ ال / مالِ أَينَ العَزيزُ ذو السُلطانِ
أَينَ هارونُ مِصرَ أَينَ أَبو الأَش / بالِ رَبُّ القُصورِ رَبُّ القِيانِ
أَينَ لَيثُ الجَزيرَةِ اِبنُ عَلِيٍّ / واهِبُ الأَلفِ مُكرِمُ الضَيفانِ
أَينَ ذا القَصرُ بِالجَزيرَةِ تَجري / فيهِ أَرزاقُنا وَتَحبو الأَماني
فيهِ لِلنَحسِ كَوكَبٌ مُسرِعُ السَي / رِ وَلِلسَعدِ كَوكَبٌ مُتَواني
قَد جَرى النيلُ تَحتَهُ بِخُشوعٍ / وَاِنكِسارِ وَهابَهُ الفَتَيانِ
كُنتَ بِالأَمسِ جَنَّةَ الحورِ يا قَص / رُ فَأَصبَحتَ جَنَّةَ الحَيَوانِ
خَطَرَ اللَيثُ في فِنائِكَ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَسرَحاً لِلحِسانِ
وَعَوى الذِئبُ في نَواحيكَ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَعقِلاً لِلِّسانِ
وَحَباكَ الزُوّارُ بِالمالِ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَصدَرَ الإِحسانِ
كُنتَ تُعطي فَمالَكَ اليَومَ تُعطى / أَينَ بانيكَ أَينَ رَبُّ المَكانِ
إِن أَطافَت بِكَ الخُطوبُ فَهَذي / سُنَّةُ الكَونِ مِن قَديمِ الزَمانِ
رُبَّ بانٍ نَأى وَرُبَّ بِناءٍ / أَسلَمَتهُ إِلى غَيرِ باني
تِلكَ حالُ الإيوانِ يا رَبَّةَ التا / جِ فَما حالُ صاحِبِ الإيوانِ
قَد طَواهُ الرَدى وَلَو كانَ حَيّاً / لَمَشى في رِكابِكِ الثَقَلانِ
وَتَوَلَّت حِراسَةَ المَوكِبِ الأَس / نى نُجومُ السَماءِ وَالنَيِّرانِ
إِن يَكُن غابَ عَن جَبينِكِ تاجٌ / كانَ بِالغَربِ أَشرَفَ التيجانِ
فَلَقَد زانَكِ المَشيبُ بِتاجٍ / لا يُدانيهِ في الجَلالِ مُداني
ذاكَ مِن صَنعَةِ الأَنامِ وَهَذا / مِن صَنيعِ المُهَيمِنِ الدَيّانِ
كُنتِ بِالأَمسِ ضَيفَةً عِندَ مَلكٍ / فَاِنزِلي اليَومَ ضَيفَةً في خانِ
وَاِعذُرينا عَلى القُصورِ كِلانا / غَيَّرَتهُ طَوارِئُ الحِدثانِ
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ / حَسَدَت رَوائِعَ حُسنِها بِرلينُ
طاحَت بِها تِلكَ المَدافِعُ تارَةً / لَمّا أَمَرتَ وَتارَةً زِبلينُ
ماذا رَأَيتُ مِنَ النَبالَةِ وَالعُلا / في عُدمِهِنَّ وَكُلُّهُنَّ عُيونُ
لَو أَنَّ في بِرلينَ عِندَكَ مِثلَها / لَعَرَفتَ كَيفَ تُجِلُّها وَتَصونُ
إِن كُنتَ أَنتَ هَدَمتَ رِمسَ فَإِنَّهُ / أَودى بِمَجدِكَ رُكنُها المَوهونُ
لَم يُغنِ عَنها مَعبَدٌ خَرَّبتَهُ / ظُلماً وَلَم يُمسِك عِنانَكَ دينُ
لا تَحسَبَنَّ الفَخرَ ما أَحرَزتَهُ / الفَخرُ بِالذِكرِ الجَميلِ رَهينُ
هَل شِدتَ في بِرلينَ غَيرَ مُعَسكَرٍ / قامَت عَلَيهِ مَعاقِلٌ وَحُصونُ
وَجَمَعتَ شَعبَكَ كُلَّهُ في قَبضَةٍ / إِن لَم تَكُن لانَت فَسَوفَ تَلينُ
نَظَمَت تِجارَتُكَ المَدائِنَ وَالقُرى / فَالنيلُ ناءَ بِها وَناءَ السينُ
فَبِكُلِّ أَرضٍ مِن رِجالِكَ عُصبَةٌ / وَبِكُلِّ بَحرٍ مِن لَدُنكَ سَفينُ
تَسري وَنَسرُكَ أَينَ لُحنَ يُظِلُّها / لا اللَيثُ يُزعِجُها وَلا التِنّينُ
فَالأَمرُ أَمرُكَ وَالمُهَنَّدُ مُغمَدٌ / وَالنَهيُ نَهيُكَ وَالسُرى مَأمونُ
قَد كانَ في بِرلينَ شَعبُكَ وادِعاً / يَستَعمِرُ الأَسواقَ وَهيَ سُكونُ
فُتِحَت لَهُ أَبوابُها فَسَبيلُها / وَقفٌ عَلَيهِ وَرِزقُهُ مَضمونُ
فَعَلامَ أَرهَقتَ الوَرى وَأَثَرتَها / شَعواءَ فيها لِلهَلاكِ فُنونُ
تَاللَهِ لَو نُصِرَت جُيوشُكَ لِاِنطَوى / أَجَلُ السَلامِ وَأَقفَرَ المَسكونُ
سَبعونَ مِليوناً إِذا وَزَّعتَها / بَينَ الحَواضِرِ نالَنا مِليونُ
وَيلٌ لِمَن يَستَعمِرونَ بِلادَهُ / القَحطُ أَيسَرُ خَطبِهِ وَالهونُ
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الإِلَهِ تَوَرُّعاً / وَزَعَمتَ أَنَّكَ مُرسَلٌ وَأَمينُ
عَجَباً أَتَذكُرُهُ وَتَملَأُ كَونَهُ / وَيلاً لِيَنعَمَ شَعبُكَ المَغبونُ
وَكَذَلِكَ القَصّابُ يَذكُرُ رَبَّهُ / وَالنَصلُ في عُنُقِ الذَبيحِ دَفينُ
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج / نَ وَرُحتُ أَرقُبُ جَمعَهُنَّه
فَإِذا بِهِنَّ تَخِذنَ مِن / سودِ الثِيابِ شِعارَهُنَّه
فَطَلَعنَ مِثلَ كَواكِبٍ / يَسطَعنَ في وَسَطِ الدُجُنَّه
وَأَخَذنَ يَجتَزنَ الطَري / قَ وَدارُ سَعدٍ قَصدُهُنَّه
يَمشينَ في كَنَفِ الوَقا / رِ وَقَد أَبَنَّ شُعورَهُنَّه
وَإِذا بِجَيشٍ مُقبِلٍ / وَالخَيلُ مُطلَقَةُ الأَعِنَّه
وَإِذا الجُنودُ سُيوفُها / قَد صُوِّبَت لِنُحورِهِنَّه
وَإِذا المَدافِعُ وَالبَنا / دِقُ وَالصَوارِمُ وَالأَسِنَّه
وَالخَيلُ وَالفُرسانُ قَد / ضَرَبَت نِطاقاً حَولَهُنَّه
وَالوَردُ وَالرَيحانُ في / ذاكَ النَهارِ سِلاحُهُنَّه
فَتَطاحَنَ الجَيشانِ سا / عاتٍ تَشيبُ لَها الأَجِنَّه
فَتَضَعضَعَ النِسوانُ وَال / نِسوانُ لَيسَ لَهُنَّ مُنَّه
ثُمَّ اِنهَزَمنَ مُشَتَّتا / تِ الشَملِ نَحوَ قُصورِهِنَّه
فَليَهنَأَ الجَيشُ الفَخو / رُ بِنَصرِهِ وَبِكَسرِهِنَّه
فَكَأَنَّما الأَلمانُ قَد / لَبِسوا البَراقِعَ بَينَهُنَّه
وَأَتَوا بِهِندِنبُرجَ مُخ / تَفِياً بِمِصرَ يَقودُهُنَّه
فَلِذاكَ خافوا بَأسَهُن / نَ وَأَشفَقوا مِن كَيدِهِنَّه
أَلَم تَرَ في الطَريقِ إِلى كِيادِ
أَلَم تَرَ في الطَريقِ إِلى كِيادِ / تَصيدُ البَطَّ بُؤسَ العالَمينا
أَلَم تَلمَح دُموعَ الناسِ تَجري / مِنَ البَلوى أَلَم تَسمَع أَنينا
أَلَم تُخبِر بَني التاميزِ عَنّا / وَقَد بَعَثوكَ مَندوباً أَمينا
بِأَنّا قَد لَمَسنا الغَدرَ لَمساً / وَأَصبَحَ ظَنُّنا فيكُم يَقينا
كَشَفنا عَن نَواياكُم فَلَستُم / وَقَد بَرِحَ الخَفاءُ مُحايِدينا
سَنُجمِعُ أَمرَنا وَتَرَونَ مِنّا / لَدى الجُلّى كِراماً صابِرينا
وَنَأخُذُ حَقَّنا رَغمَ العَوادي / تُطيفُ بِنا وَرَغمَ القاسِطينا
ضَرَبتُم حَولَ قادَتِنا نِطاقاً / مِنَ النيرانِ يُعيي الدارِعينا
عَلى رَغمِ المُروءَةِ قَد ظَفِرتُم / وَلَكِن بِالأُسودِ مُصَفَّدينا
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم / فَمُصابُكُم وَمُصابُنا سِيّانِ
حارَبتُمُ أَخلاقَكُم لِتُحارِبوا / أَخلاقَنا فَتَأَلَّمَ الشَعبانِ
لَم يَبقَ شَيءٌ مِنَ الدُنيا بِأَيدينا
لَم يَبقَ شَيءٌ مِنَ الدُنيا بِأَيدينا / إِلّا بَقِيَّةُ دَمعٍ في مَآقينا
كُنّا قِلادَةَ جيدِ الدَهرِ فَاِنفَرَطَت / وَفي يَمينِ العُلا كُنا رَياحينا
كانَت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخَةً / لا تُشرِقُ الشَمسَ إِلّا في مَغانينا
وَكانَ أَقصى مُنى نَهرِ المَجَرَّةِ لَو / مِن مائِهِ مُزِجَت أَقداحُ ساقينا
وَالشُهبُ لَو أَنَّها كانَت مُسَخَّرَةً / لِرَجمِ مَن كانَ يَبدو مِن أَعادينا
فَلَم نَزَل وَصُروفُ الدَهرِ تَرمُقُنا / شَزراً وَتَخدَعُنا الدُنيا وَتُلهينا
حَتّى غَدَونا وَلا جاهٌ وَلا نَشَبٌ / وَلا صَديقٌ وَلا خِلُّ يُواسينا
نَعِمنَ بِنَفسي وَأَشقَينَني
نَعِمنَ بِنَفسي وَأَشقَينَني / فَيا لَيتَهُنَّ وَيا لَيتَني
خِلالٌ نَزَلنَ بِخِصبِ النُفوسِ / فَرَوَّينَهُنَّ وَأَظمَأنَني
تَعَوَّدنَ مِنّي إِباءَ الكَريمِ / وَصَبرَ الحَليمِ وَتيهَ الغَني
وَعَوَّدتُهُنَّ نِزالَ الخُطوبِ / فَما يَنثَنينَ وَما أَنثَني
إِذا ما لَهَوتُ بِلَيلِ الشَبابِ / أَهَبنَ بِعَزمي فَنَبَّهنَني
فَما زِلتُ أَمرَحُ في قَدِّهِنَّ / وَيَمرَحنَ مِنّي بِرَوضٍ جَني
إِلى أَن تَوَلّى زَمانُ الشَبابِ / وَأَوشَكَ عودِيَ أَن يَنحَني
فَيا نَفسُ إِن كُنتِ لا توقِنينَ / بِمَعقودِ أَمرِكِ فَاِستَيقِني
فَهَذي الفَضيلَةُ سِجنُ النُفوسِ / وَأَنتِ الجَديرَةُ أَن تُسجَني
فَلا تَسأَليني مَتى تَنقَضي / لَيالي الإِسارِ وَلا تَحزَني
دَعاني رِفاقي وَالقَوافي مَريضَةٌ
دَعاني رِفاقي وَالقَوافي مَريضَةٌ / وَقَد عَقَدَت هوجُ الخُطوبِ لِساني
فَجِئتُ وَبي ما يَعلَمُ اللَهُ مِن أَسىً / وَمِن كَمَدٍ قَد شَفَّني وَبَراني
مَلِلتُ وُقوفي بَينَكُم مُتَلَهِّفاً / عَلى راحِلٍ فارَقتُهُ فَشَجاني
أَفي كُلَّ يَومٍ يَبضَعُ الحُزنُ بَضعَةً / مِنَ القَلبِ إِنّي قَد فَقَدتُ جَناني
كَفانِيَ ما لُقّيتُ مِن لَوعَةِ الأَسى / وَما نابَني يَومَ الإِمامِ كَفاني
تَفَرَّقَ أَحبابي وَأَهلي وَأَخَّرَت / يَدُ اللَهِ يَومي فَاِنتَظَرتُ أَواني
وَما لي صَديقٌ إِن عَثَرتُ أَقالَني / وَما لي قَريبٌ إِن قَضَيتُ بَكاني
أَرانِيَ قَد قَصَّرتُ في حَقِّ صُحبَتي / وَتَقصيرُ أَمثالي جِنايَةُ جاني
فَلا تَعذِروني يَومَ فَتحي فَإِنَّني / لَأَعلَمُ ما لا يَجهَلُ الثَقَلانِ
فَقَد غابَ عَنّا يَومَ غابَ وَلَم يَكُن / لَهُ بَينَ هالاتِ النَوابِغِ ثاني
وَفي ذِمَّتي لِليازِجِيِّ وَديعَةٌ / وَأُخرى لِزَيدانٍ وَقَد سَبَقاني
فَيا لَيتَ شِعري ما يَقولانِ في الثَرى / إِذا اِلتَقَيا يَوماً وَقَد ذَكَراني
وَقَد رَمَيا بِالطَرفِ بَينَ جُموعِكُم / وَلَم يَشهَدا في المَشهَدَينِ مَكاني
أَيَجمُلُ بي هَذا العُقوقُ وَإِنَّما / عَلى غَيرِ هَذا العَهدِ قَد عَرَفاني
دَعاني وَفائي يَومَ ذاكَ فَلَم أَكُن / ضَنيناً وَلَكِنَّ القَريضَ عَصاني
وَقَد تُخرِسُ الأَحزانُ كُلَّ مُفَوَّهٍ / يُصَرِّفُ في الإِنشادِ كُلَّ عِنانِ
أَأَنساهُما وَالعِلمُ فَوقَ ثَراهُما / تَنَكَّسَ مِن أَعلامِهِ عَلَمانِ
وَكَم فُزتُ مِن رَبِّ الهِلالِ بِحِكمَةٍ / وَكَم زِنتُ مِن رَبِّ الضِياءِ بَياني
أَزَيدانُ لا تَبعُد وَتِلكَ عُلالَةٌ / يُنادي بِها الناعونَ كُلَّ حُسانِ
لَكَ الأَثَرُ الباقي وَإِن كُنتَ نائِياً / فَأَنتَ عَلى رَغمِ المَنِيَّةِ داني
وَيا قَبرَ زَيدانٍ طَوَيتَ مُؤَرِّخاً / تَجَلّى لَهُ ما أَضمَرَ الفَتَيانِ
وَعَقلاً وَلوعاً بِالكُنوزِ فَإِنَّهُ / عَلى الدُرِّ غَوّاصٌ بِبَحرِ عُمانِ
وَعَزماً شَآمِيّاً لَهُ أَينَما مَضى / شَبا هِندُوانِيٍّ وَحَدُّ يَماني
وَكَفّاً إِذا جالَت عَلى الطِرسِ جَولَةً / تَمايَلَ إِعجاباً بِها البَلَدانِ
أَشادَت بِذِكرِ الراشِدينَ كَأَنَّما / فَتى القُدسِ مِمّا يُنبِتُ الحَرَمانِ
سَأَلتُ حُماةَ النَثرِ عَدَّ خِلالِهِ / فَما لي بِما أَعيا القَريضَ يَدانِ
أَمّا أَمينُ فَقَد ذُقنا لِمَصرَعِهِ
أَمّا أَمينُ فَقَد ذُقنا لِمَصرَعِهِ / وَخَطبِهِ مِن صُنوفِ الحُزنِ أَلوانا
لَم تُنسِنا ذِكرَهُ الدُنيا وَإِن نَسَجَت / لِلراحِلينَ مِنَ النِسيانِ أَكفانا
مَضى نَقِيّاً عَفيفَ النَفسِ مُحتَسِبا / فَهَدَّ مِن دَولَةِ الأَخلاقِ أَركانا
جَرَت عَلى سَنَنِ التَوحيدِ نَشأَتُهُ / في اللَهِ وَالرَأيِ إِخلاصاً وَإيمانا
لَم يَلوِهِ المالُ عَن رَأيٍ يَدينُ بِهِ / وَلَو حَمَلتَ إِلَيهِ الدَهرَ مَلآنا
وَلَم يَلِن عودُهُ لِلخَطبِ يُرهِقُهُ / قَسا عَلَيهِ شَديدُ العَيشِ أَم لانا
ظُلمٌ مِنَ القَبرِ أَن تَبلى أَنامِلُهُ / فَكَم رَمَت في سَبيلِ اللَهِ مَن خانا
كانَت مَطِيَّةَ سَبّاقٍ جَوانِبُهُ / يُرويكَ فَيّاضُها صِدقاً وَعِرفانا
عِشرونَ عاماً عَلى الطِرسِ الطَهورِ جَرى / ما خَطَّ فاحِشَةً أَو خَطَّ بُهتانا
يَجولُ بَينَ رِياضِ الفِكرِ مُقتَطِفاً / مِن طيبِ مَغرِسِها وَرداً وَرَيحانا
فَيَنشَقُّ الذِهنُ مِن أَسطارِهِ أَرَجاً / وَتُبصِرُ العَينُ فَوقَ الطِرسِ بُستانا
أَمينَ فارَقتَنا في حينِ حاجَتِنا / إِلى فَتىً لا يَرى لِلمالِ سُلطانا
إِلى أَمينٍ عَلى أَوطانِهِ يَقِظٍ / ذي مِرَّةٍ يَتَلَقّى الخَطبَ جَذلانا
أَيَلبَسُ الخَزَّ مَن لانَت مَهَزَّتَهُ / وَأَنتَ تَخرُجُ مِن دُنياكَ عُريانا
إِنَّ القَناعَةَ كَنزٌ كُنتَ حارِسَهُ / تَرى بِهِ القوتَ ياقوتاً وَمُرجانا
فَما سَعَيتَ لِغَيرِ الحَمدِ تَكسِبُهُ / وَلا رَضيتَ لِغَيرِ الحَقِّ إِذعانا
أَودى بِكَ السُكَّرُ المُضني وَلا عَجَبٌ / أَن يورِثَ الحُلوُ مُرَّ العَيشِ أَحيانا
ما هانَ خَطبُكَ وَالأَخلاقُ والِهَةٌ / تَبكي عَلَيكَ إِذا خَطبُ اِمرِئٍ هانا
أَمينُ حَسبُكَ ما قَدَّمتَ مِن عَمَلٍ / فَأَنتَ أَرجَحُنا في الحَشرِ ميزانا
أَبشِر فَإِنَّكَ في أُخراكَ أَسعَدُنا / حَظّاً وَإِن كُنتَ في دُنياكَ أَشقانا
بَلِّغ ثَلاثَتَكُم عَنّا تَحِيَّتَنا / وَاِذكُر لَهُم ما يُعاني قَومُنا الآنا
وَاِضرَع إِلى اللَهِ في الفِردَوسِ مُبتَهِلاً / أَن يَحرُسَ النيلَ مِمَّن رامَ طُغيانا
مُسدي الجَميلِ بِلا مَنٍّ يُكَدِّرُهُ
مُسدي الجَميلِ بِلا مَنٍّ يُكَدِّرُهُ / وَمُكرِمُ الضَيفِ أَمسى ضَيفَ رِضوانِ
تَجتازُنا عَبقَةٌ مِن رَوضَةٍ أُنُفٍ / إِذا أَلَمَّت بِنا ذِكرى سُلَيمانِ
فَقُل لِآلِ سُلَيمانٍ إِذا جَزِعوا / رُدوا النُفوسَ إِلى صَبرٍ وَسُلوانِ
ما إِن رَأَيتُ دَفيناً قَبلَ شَيخِكُمُ / تَحتَ التُرابِ وَفَوقَ النَجمِ في آنِ
قَضَيتَها مِئَةً في كُلِّ واحِدَةٍ / تُعِدُّ زادَكَ مِن بِرٍّ وَإِحسانِ
فَكَم صَفَحتَ عَنِ الجاني وَلَم تَرَهُ / وَكَم غَرَستَ وَكانَ المُعوِزُ الجاني
وَكَم أَقَلتَ كَريماً عِندَ عَثرَتَهُ / وَكَم مَشَيتَ بِصُلحٍ بَينَ إِخوانِ
إِنّي رَأَيتُكَ قَبلَ المَوتِ في فَلَكٍ / مِنَ الجَلالِ عَلى جَنبَيهِ نورانِ
نورُ اليَقينِ وَنورُ الشَيبِ بَينَهُما / سَكينَةٌ حَرَّكَت نَفسي وَوِجداني
عَلى جَبينِكَ آياتُ الرِضا اِرتَسَمَت / وَبَينَ جَنَبَيكَ قَلبٌ غَيرُ وَسنانِ
قَسَمتَ ما جَمَعَت كَفّاكَ مِن نَشَبٍ / عَلى بَنيكَ فَكُنتَ الوالِدَ الحاني
مالٌ حَلالٌ مُزَكّى ما خَلَطتَ بِهِ / مِلّيمَ سُحتٍ وَلا حَقّاً لِإِنسانِ
زَهِدتَ فيها وَهامَ العابِدونَ لَها / بِجَمعٍ فانٍ يُعاني جَمعَهُ فاني
بِكِسرَةٍ وَكِساءٍ عِشتَ مُغتَبِطاً / تُسَبِّحُ اللَهَ في سِرٍّ وَإِعلانِ
أَقَرَّ عَينَيكَ في دُنياكَ أَن رَأَتا / مُحَمَّداً يَتَراءى فَوقَ كيوانِ
قَضَيتَ في الأَوجِ مِن عِزَّيكُما وَكَذا / يَقضي سُلَيمانُ في عِزٍّ وَسُلطانِ
أَنجَبتَ أَربَعَةً سادوا بِأَربَعَةٍ / فَضلٍ وَنُبلٍ وَإِحسانٍ وَعِرفانِ
أَورَثتَهُم شَمَماً هَشَّ الإِباءُ لَهُ / وَأَورَقَت في ذُراهُ عِزَّةُ الشانِ
يَذكُرنَ بَرّاً رَحيماً قَد أَقامَ لَهُم / صَرحاً مِنَ المَجدِ أَعلى رُكنَهُ الباني
كَم نِعمَةٍ لَكَ يا مَحمودُ عِندَ أَبي / بِشُكرِها لَكَ عِندَ المَوتِ أَوصاني
مَضَيتَ وَنَحنُ أَحوَجُ ما نَكونُ
مَضَيتَ وَنَحنُ أَحوَجُ ما نَكونُ / إِلَيكَ وَمِثلُ خَطبِكَ لا يَهونُ
بِرَغمِ النيلِ أَن عَدَتِ العَوادي / عَلَيكَ وَأَنتَ خادِمُهُ الأَمينُ
بِرَغمِ الثَغرِ أَن غُيِّبتَ عَنهُ / وَأَن نَزَلَت بِساحَتِكَ المَنونُ
أَجَلُّ مُناهُ لَو يَحويكَ مَيتاً / لِيَجبُرَ كَسرَهُ ذاكَ الدَفينُ
أَسالَ مِنَ الدُموعِ عَلَيكَ بَحراً / تَكادُ بِلُجِّهِ تَجري السَفينُ
وَقامَ النادِباتُ بِكُلِّ دارٍ / وَكَبَّرَ في مَآذِنِهِ الأَذينُ
أُصيبَ بِذي مَضاءٍ أَريَحِيٍّ / بِهِ عِندَ الشَدائِدِ يَستَعينُ
فَتى الفِتيانِ غالَتكَ المَنايا / وَغُصنُكَ لا تُطاوِلُهُ غُصونُ
صَحِبتُكَ حِقبَةً فَصَحِبتُ حُرّاً / أَبِيّاً لا يُهانُ وَلا يُهينُ
نَبيلَ الطَبعِ لا يَغتابُ خِلّاً / وَلا يُؤذي العَشيرَ وَلا يَمينُ
تَطَوَّعَ في الجِهادِ لِوَجهِ مِصرٍ / فَما حامَت حَوالَيهِ الظُنونُ
وَلَم يَثنِ الوَعيدُ لَهُ عِناناً / وَلَم تَحنَث لَهُ أَبَداً يَمينُ
وَلَم تَنزِل بِعِزَّتِهِ الدَنايا / وَلَم يَعلَق بِهِ ذُلٌّ وَهونُ
مَضى لِسَبيلِهِ لَم يَحنِ رَأساً / وَلَم يَبرَح سَريرَتَهُ اليَقينُ
تَرَكتَ أَليفَةً تَرجو مُعيناً / وَلَيسَ سِوى الدُموعِ لَها مُعينُ
تَنوحُ عَلى القَرينِ وَأَينَ مِنها / وَقَد غالَ الرَدى ذاكَ القَرينُ
سَمِعتُ أَنينَها وَاللَيلُ ساجٍ / فَمَزَّقَ مُهجَتي ذاكَ الأَنينُ
فَقَد عانَيتُ قِدماً ما يُعاني / عَلى عِلّاتِهِ القَلبُ الحَزينُ
مِنَ الخَفِراتِ قَد نَعِمَت بِزَوجٍ / سَما بِجَلالِهِ أَدَبٌ وَدينُ
أَقامَت في النَعيمِ وَلَم تُرَوَّع / فَكُلُّ حَياتِها رَغَدٌ وَلينُ
لَقَد نَسَجَ العَفافُ لَها رِداءً / وَزانَ رِداءَها الخِدرُ المَصونُ
دَهاها المَوتُ في الإِلفِ المُفَدّى / وَكَدَّرَ صَفوَها الدَهرُ الخَؤونُ
فَكادَ مُصابُها يَأتي عَلَيها / لِساعَتِها وَتَقتُلُها الشُجونُ
رَبيبَةُ نِعمَةٍ لَم تَبلُ حُزناً / وَلَم تَشرَق بِأَدمُعِها الجُفونُ
وَفَت لِأَليفِها حَيّاً وَمَيتاً / كَذاكَ كَريمَةُ اللَوزِي تَكونُ
سَتَكفيها العِنايَةُ كُلَّ شَرٍّ / وَيَحرُسُ خِدرَها الروحُ الأَمينُ
شَوَّفتُماني أَيُّها الفَرقَدانِ
شَوَّفتُماني أَيُّها الفَرقَدانِ / لِبَدرٍ تَمٍّ غابَ قَبلَ الأَوانِ
وَكُلَّما أَشرَقتُما مَرَّةً / عَلَّمتُما عَينَيَّ نَظمَ الجُمانِ
عَلى عَزيزٍ قَد تَوَلّى وَلَن / يَؤوبَ حَتّى يَرجِعَ القارِظانِ
عَجَّلتَ يا مَحمودُ في رِحلَةٍ / قَرَّت بِها أَعيُنُ حورِ الجِنانِ
كَأَنَّما آخِرُ عَهدِ الهَنا / قَد كانَ مِنّا لَيلَةَ المِهرَجانِ
إِنَّ الَّذي كانَتِ الدُنيا بِقَبضَتِهِ
إِنَّ الَّذي كانَتِ الدُنيا بِقَبضَتِهِ / أَمسى مِنَ الأَرضِ يَحويهِ ذِراعانِ
وَغابَ عَن مُلكِهِ مَن لَم تَغِب أَبَداً / عَن مُلكِهِ الشَمسُ مِن عِزٍّ وَسُلطانِ
ثَلاثَةٌ مِن سُراةِ النيلِ قَد حَبَسوا
ثَلاثَةٌ مِن سُراةِ النيلِ قَد حَبَسوا / عَلى مَدارِسِنا سَبعينَ فَدّانا
أَحيَوا بِها أَمَلاً قَد كانَ يَخنُقُهُ / بُخلُ الغَنِيِّ وَجَهلٌ قَد تَغَشّانا
وَخالَفوا سُنَّةً في مِصرَ شائِعَةً / جَرَّت عَلى العِلمِ وَالآدابِ خُسرانا
فَإِن هَمَّ سُراةُ النيلِ أَن يَقِفوا / عَلى القُبورِ وَإِن لَم تَحوِ إِنسانا
فَكَم ضَريحٍ خَلاءٌ لا رُفاتَ بِهِ / تَرى لَهُ مَناحي النيلِ أَطيانا
وَكَم حُبوسٍ عَلى المَوتى وَغُلَّتُها / يَشري الجُباةُ بِهِ خوصاً وَرَيحانا
وَالعِلمُ في حَسرَةٍ وَالعَقلُ في أَسَفٍ / وَالدينُ في خَجَلٍ مِمّا تَوَلّانا
ما كانَ ضَرَّ سُراةَ النيلِ لَو فَعَلوا / شَرواكُمُ فَبَنَوا لِلعِلمِ أَركانا
تَقذى عُيونُ بَني مِصرٍ بِمَظهَرِهِم / في الرَملِ حيناً وَفي حُلوانَ أَحيانا
يَبغونَ أَن تَحتَوي الدُنيا خَزائِنُهُم / وَيَزرَعوا فَلَواتِ اللَهِ أَقطانا
وَلَيسَ فيهِم أَخو نَفعٍ وَصالِحَةٍ / وَلا تَرى لَهُمُ بِرّاً وَإِحسانا
يا مِصرُ حَتّامَ يَشكو الفَضلُ في زَمَنٍ / يُجنى عَلَيهِ وَيُمسي فيكِ أَسوانا
قَد سالَ واديكِ خِصباً مُمتِعاً فَمَتى / تَسيلُ أَرجاؤُهُ عِلماً وِعِرفانا