المجموع : 39
خليفةُ الملك ترى عنده
خليفةُ الملك ترى عنده / خليفةَ الشمس تجلّي الظُّلَمْ
ذابلةٌ في الصُّفرِ مركوزَةٌ / لها من النّار سِنانٌ خذِم
تُبْدي من الشمع قراً مُدْمَجاً / لولا نُخاعُ القُطْنِ لم يَسْتقمْ
فجسمها من ذهبٍ جامدٍ / يُذيبُهُ روحٌ له مُضْطَرِم
تَقْطفُ من هامتها فَضْلَةً / قطفكَ بالمقراض رأسَ القلم
فنورها من ذاك مُسْتَأنَفٌ / كأنّهُ الصحّةُ بعْدَ السّقَم
يأكلها وهيَ غذاءٌ له / منها لسانٌ وهوَ في غَيرِ فم
كأنّها راقصةٌ بيننا / لم تنتقلْ في الرّقص منها قدم
قائمةٌ في مَلبَسٍ أصْفَرٍ / قد حرّكتْ منه لنا فَرْدَ كُم
عسى للصّبا عِلْمٌ برَسْمِ المعالمِ
عسى للصّبا عِلْمٌ برَسْمِ المعالمِ / فَتُبْرِدَ حَرّاً من صَبَابَةِ هائمِ
ربوعٌ رَبَعْتُ اللهوَ والكاسَ والصِّبا / بها مُكْرَماً بالوصلِ عند الكرائمِ
لياليَ تعذيبي من الوجد مقلقي / ورشفي اللمى من عذبة الرِّيق غارمي
وقد كان في مَحْلِ الهوى وانتجاعِهِ / مُنَدّايَ في وَرْد الخدود النّواعمِ
فيا ريحُ إنّ الرّوح فيكِ فعلّلي / به ساهراً وقفاً على ذِكْرِ نائمِ
تطيّبْتِ بالأرضِ التي طابَ تُرْبُهَا / وَمَجّ نداها الندَّ في أنفِ لاثمِ
وأذكرْتني عَصْرَ الصبا فكأنّما / تَحدّثُ منه العينُ عن طيْفِ حالمِ
أعيدي حديثاً عنده مَوْردٌ لنا / وُقوعٌ عليه بالقلوب الحوائمِ
وهاتي جهامَ السُّحْبِ أملؤها حَياً / بدمعي لسقيا أربُعي ومعالمي
سرَتْ موهناً تمشي على الماءِ بالهوى / وبالمسكِ من أنفاسِها في النّمائمِ
وليس حديثُ الريح إلا تبسّماً / يفتّ حصاةَ القلب بين الحيازمِ
وكم من بِلى صَبْرٍ تَهُبّ به أسى / وتجديدِ شوقٍ من هوىً متقادمِ
وأسطارِ حزن يملأ الخدَّ خَطُّها / جراحاً بأقلام الدموع السواجمِ
فَمَنْ لغريبٍ مُذْهبٍ شَطْرَ عُمْرِهِ / طِلابُ المعالي وارتكابُ العزائمِ
ذوى عُودُهُ وانحطّ في العمرِ إذ رَقى / إلى سِنِّ مَنْ أفنى ثلاثَ عمائمِ
لقد صَرَمَتْ حبلي ظباءُ الصرائمِ / وجازَتْ موَدّات الهوى بالسخائمِ
وأعرَْضَ عن ذكري الحسانُ وطالما / نَقَشْنَ كلامي في فُصُوصِ الخواتمِ
وكنتُ أُعاديها على فَرَسِ الصبا / مغيراً فتغدو غُرّها من غنائمي
كأنّيَ لم أُشْغَفْ بِزَهْرِ بَرَاقِعٍ / يقصّرُ عن ريّاهُ زَهْرُ الكمائمِ
ترى نرجسَ الأجفانِ منه كلاثمٍ / يشير إلى ما في أقاحِ المباسمِ
لياليَ يشدوني على كأسِ قهوةٍ / قيانُ العذارى أو قيانُ الحمائمِ
وصفراءَ في جسم الزّجاج تَمَيّعَتْ / تألُّقَ بَرْقٍ في الغمام لشائمِ
ترى الشمسَ منها وَسْطَ هالةِ أنْجُمٍ / ولا فَلَكٌ إلّا بَنَانُ المُنادمِ
وكم غادةٍ زارَتْ على خوفِ رِقْبَةٍ / ولم يَثْنِها عن زورتي لومُ لائمِ
فباتَ يَشُبّ النارَ في القلب حُبُّها / على أنّها كالماء في فم صائم
وبيدٍ تَرَى ذاتَ السنابك في السّرَى / مُسَلِّمَةً فيها لذات المناسمِ
بها من قبيلِ الإنس جنّانُ مَهْمَهٍ / صعاليكُ إلا من قنا وصوارمِ
وكلِّ أضاةٍ لا مغاص للهذمٍ / على الذِّمرِ فيها يَوْمَ طَعْنِ الحيازمِ
وكلّ عُقابٍ جانحٍ بقوادمٍ / مُعَقٍّ بطرف سابِحٍ بقوائِمِ
كأنّ الرياحَ الهوجَ راضوا شدادَها / أما ركبوها وهي لِينُ الشكائمِ
إذا ما انتضَوْا للحرْبِ ما في غمودهمْ / رَعَوْا بوجيع الضرب ما في العَمائمِ
وتعجبُ منهم من فصاحة ألْسُنٍ / وما صَحِبوا في القفرِ غيرَ البهائمِ
وخضرٍ خلاياهُنّ تجري كما ارتَمَتْ / بقاعِ سرابٍ مُجْفَلاتُ النّعائمِ
كأنّ جبالاً بالعواصف فوقها / مُسَيَّرَةٌ من موجها المتلاطمِ
كأنّ مغاصَ الدّرّ في قعرها بَدَتْ / فرائِدُهُ أو مَنْثَراً للدراهمِ
كأنّ على الأفلاكِ مَسْبَحَ فلكها / إذا طَلَعَتْ زُهْرُ النجوم العوائمِ
إلى ابنِ تميم أسْنَدَتْ كلّ مَنْكِبٍ / إلى منكبِ الجوزاءِ غيرَ مزاحمِ
وجدنا جميعَ الأرْض في أرضِ حَمّةٍ / وفي قَصْدِنا يحيى جميعَ المكارمِ
همامٌ صريحُ العزم سلّ سيوفَهُ / فَذَبّتْ ضراباً عن خدور المحارمِ
تلوذُ المنايا منه والدهر عابسٌ / بأرْوَعَ عن ثغْرِ الرئاسةِ باسمِ
تحلّ بنو الآمالِ منه بساحةٍ / بها يَقِفُ الجبّارُ وِقْفَةَ واجمِ
وتمشي بذي الإكبار جَبْهةُ ساجدٍ / إليه وفوقَ الترب أو فم لاثمِ
حَمَى مُلْكَهُ يحيى ولولاه ما احتَمى / وهل يَحْتَمي غِيلٌ بغير ضُبارمِ
وحَكّمَ في الجودِ العُفاةَ وهكذا / يُحكّمُ أطرافَ الظّبا في الجماجمِ
تشيمُ به صبحاً من العدل مُشْرِقاً / إذا كنتَ في ليلٍ من الجوْرِ فاحمِ
ويجري لك المعروفُ من كفّ واهبٍ / إذا جَمَدَ المعروفُ من كفّ حارمِ
إذا رحلته همةٌ أدْرَكَ العُلَى / وحطّ رحال العزّ فَوْقَ النعائمِ
ولا عَجَبٌ أنْ عَلّمَ الجودَ باخلاً / يَضِلّ أخو جَهْلٍ ويُهدى بعالمِ
يسوسُ الوَرَى من بين بَرٍّ وفاجرٍ / بلطفِ صفوح منه أو عَفوِ ناقمِ
وتطوي سراياهُ السّرَى وهباتُهُ / فأيّ انتباهٍ للعيونِ النّوائمِ
ومَن يُمض أمرَ المُلك بالبأس والندى / يَجُزْ حُكْمُهُ في الأرض طيبة حاتمِ
فما راحةٌ لا راحةٌ للندى بها / ومالٌ عليه البذلُ ضَرْبةَ لازمِ
له في مَكَرِّ الخيل قَسْوَةُ قاهِرٍ / وعند مَجَرّ الذيل رأفَةُ راحمِ
وَعِفّةُ سيفٍ ليس يبْرُقُ بالرّدى / إذا سلّهُ إلّا على رأس ظالمِ
يفضّ ختامَ الهامِ قطفاً عن الطلى / بيسرى إذ اليمنى قبيعةُ صارمِ
نَمَتْهُ من الأملاكِ صِيدٌ تَقَدّمَتْ / لهم قَدَمُ الإعظام عند الأعاظمِ
بهاليلُ من حيٍّ لقاحٍ سَمَوْا على / أعاربَ من أهْلِ العُلى وأعاجمِ
مجالِسُهُمْ في الحرب والسلم لم تزَلْ / دسوتَ المعالي أو سرُوجَ الصلادمِ
بنو الحرب تُخْشى صولةُ البأس منهمُ / وحربُ القنا في نافذاتِ اللهاذمِ
لهم كلّ موْلودٍ على فِطْرَةِ الوغى / تُرَاعُ به شبلاً أُسودُ الملاحمِ
وتحسبُهُ سيفاً على عاتقِ العلى / ولا حليةٌ إلا مَنوطُ التمائمِ
ولم يدرِ من قبل السيوفَ وإنّما / حكى القينُ فيها ما لهم من عزائمِ
فيا جاعلاً من عَفْوِهِ وانتقامِهِ / جنى النحل طَعْمَيْه وَسَمّ الأراقمِ
لأذكيتَ نارَ العِزّ وهي التي بها / وَضَعْتَ سماتِ الذلّ فوْقَ المَخاطمِ
سيوفُك أبقتْ في الأعادي أبدْتَهُمْ / مآتمَ أحزانٍ بغير مآثمِ
كأنّ حروفَ اللينِ كانتْ رؤوسهُمْ / فلاقَيْنِ حَذْفاً من وقوع الجوازمِ
وجيشُك هنديّ الخوافي بِهزّهِ / جناحَي عُقَابٍ سمهرِيُّ القوادمِ
وزرق ذبابٍ في الثعالب أجْدَبَتْ / وما انتجعتْ إلّا نجيعَ الضراغمِ
فيا دَوْلَةً قعساءَ دَرّتْ فأرْضَعَتْ / ثُديّ المنايا أو ثُديّ المكارمِ
حلُمْتَ فما تُثْني على حلم أحنفٍ / وَجُدْتَ فما تُصْغي إلى جود حاتمِ
فهنّئتَ عيداً يقتضي كلّ عودةٍ / إِلَيكَ بعزٍّ ثابتِ الملكِ دائمِ
أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ
أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ / أم أياةُ الشمس في كأس النديم
فَتَلَقّ الرَّوْحَ من ريحانةٍ / حَيّتِ الشَّربَ بها راحةُ ريم
عُصِرَتْ والدهرُ يومٌ مُفْرَدٌ / كقسيمٍ لم تُجِزْهُ بقسيم
جُنِيَتْ أعْنابُها مِنْ جَنّةٍ / نُقِلتْ منها إلى حرّ الجحيم
فَلَبُوسُ النارِ فيها سكةٌ / حَكَمَتْ للشَّرْبِ منها بالنّعيم
كفَّ حكمُ الماءِ منها سورةً / تُسْكِرُ الصّاحيَ منها بالشّميم
وكأنّ الكأسَ تاجٌ كُلّلَتْ / جَنَباتٌ منه بالدّرّ النّظيم
وقواريرُ حَبابٍ سَبَحَتْ / من سُلافِ الكرم في ماءٍ كريم
فَهِيَ الدّرْياقُ مِنْ سَمّ الأسى / حيثُ لا يَشْفيكَ درياق الحكيم
أقبَلَتْ تَسْعى بها خُمْصَانَةٌ / عمّ منها حُسْنُها خلقاً عميم
كلما قامت تثَنّى خَلَعَتْ / مَيَلَ التيه على خُوطٍ قويم
سِحْرُ هاروتٍ وماروتٍ بها / في فتُورِ اللحظِ واللفظِ الرّخيم
تودعُ الكفّ شهاباً محرقاً / كلّ شيطانٍ من الهمّ رجيم
في ظلامٍ بَرَقَ الصبحُ له / فتولى عنه إجفالَ الظليم
وحَكَتْ جَوْزاؤهُ ساقيةً / بنطاقٍ شُدّ في خَصْرٍ هضيم
وكأنّ الشُّهْبَ كاساتٌ لها / شاربٌ في الغرب للشُّرْبِ مديم
وكأنّ الصبحَ كفّ أُخْرِجَتْ / لك من جَيْبِ ابنِ عمرانَ الكليم
وكأنّ الشرقَ فيه رافعٌ / حُجُباً عن وجه يحيى بن تميم
مَلِكٌ في الملكِ يُبْدي فَخْرُهُ / جَوْهَراً في حَسَبِ المجد الصّميم
ذائدٌ بالسيف عَنْ دينِ الهدى / سالكٌ فيه سراطاً مستقيم
أحْلَمُ الأملاكِ عن ذي زَلّةٍ / سَبَقَ السيفَ له عَذْلُ الحليم
وسليمُ العِرْضِ تَلْقى مَالَهُ / أبداً من بذلِهِ غَيْرَ سليم
ذو إباءٍ من عِداهُ ناقمٌ / ورؤوفٌ برعاياهُ رَحيم
من أزاحَ الفقْرَ إذْ أسْدَى الغنى / وأباحَ الوَفْرَ إذ صانَ الحريم
من له طيبُ ثناءٍ أرِجٌ / راحلٌ في مِقْوَلِ الدّهْرِ مقيم
مَنْ له القِدحُ المُعَلّى في العلى / فائزٌ في الملكِ بالحظّ العظيم
مُنْعِمٌ نبْتُ مغانيه الغنى / أفَلا يعدم فِيهنّ العديم
لم تَزَلْ تُرْضِعُ أخلافَ الندى / يَدُهُ العافينَ مُذْ كان فطيم
ماءُ نعماهُ نميرٌ لا صَرىً / وَمُنَدّاهُ خصيبٌ لا وخيم
لا جمودُ القَطْرِ في المحل ولا / خُلّبُ البرق بعيْنَيْ مَنْ يَشيم
كم له من حُجّةٍ بالغةٍ / في لسانِ السيْفِ تُوْدي بالخصيم
يَعْمُرُ الحربَ بجيشٍ أرضُهُ / من دمِ الأعداءِ حمراءُ الأديم
يقتضي الذِّمْرُ من الذِّمْرِ بها / روحَهُ فالذِّمرُ للذِّمرِ غريم
وكأنّ الشمسَ من قَسْطَلِهِ / فَوْقَهُ تنظرُ من طَرْفٍ سقيم
دقّ فيه السّمْرَ طعناً وَثَنى / وَرَقَ الفولاذِ بالضربِ هشيم
كيفَ لا يُفْني عِدَاهُ في الوغى / مَلِكٌ يغدو له الموتُ خديم
كم فلاةٍ دونه يَدْفَعُها / سُنْبُكُ العدو إلى خفّ الرسيم
لابن آوى وَسْطَها وَعْوَعةٌ / تُوحِشُ الإنسَ وللبومِ نئيم
وعظيم الهولِ لولا آيةٌ / لم يكُنْ راكبُهُ إلّا أثيمْ
لم تزلْ عينيَ أو أذني به / تُؤذنُ القلب بخوْفٍ لا يُنيم
قد جَمَمْتُ العزمَ ما بينهما / بالسّرى والنجم بالليلِ البهيم
ووردتُ النّيلَ من نَيْلِ يدٍ / تَرْتَوي الآمالُ منها وهي هيم
يا أبا الطاهر جَدَّدْتَ على / ثني أزمانِ العلى المُلْكَ القديم
لستَ كالبحرِ فَمِلْحٌ ماؤهُ / لا ولا كالليثِ فالليثُ شتيم
بل حباكَ اللَّه بأساً وندىً / خُلُقاً منك على أكْرم خِيمْ
رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما
رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما / فَحَلّلَ من وَصْلِ سلمى حرَاما
تَحَمّلَ منها بريّا العبير / ومنْ أرْضِها بأريجِ الخزامى
تَعَرّضَهُ سُورُ قَصْرٍ فَطارَ / وَسَاوَرَهُ مَوْجُ بَحْرٍ فَعاما
مَشى بالتواصلِ بَيْنَ الجُفونِ / وَداوَى السليمَ وأهدى السلاما
وَمَثّلَ للصّبّ في نومِهِ / ضجيعاً إذا أرّقَ الصّبَّ ناما
ومن صُوَرِ الفكر محبوبةً / يعودُ عليلاً بها مستهاما
لها عَنَمٌ في غُصُونِ البنان / يَعُلّ نَدى أُقحُوانٍ بشاما
ترى نَضْرَةَ الحُسْنِ في خَدّها / تَمَيّعُ ماءً وتُذْكى ضِرَاما
تَرَنّحُ بالبدرِ غُصْناً رطيباً / وترتجّ في السيرِ دِعْصاً ركاما
فأمسيتُ منها بماءِ اللمى / أُرَوّي أُواماً وأشْفي سقاما
حلا لي وأسكرني ريقها / فهل خامرَ الأرْيُ منْهُ المداما
تلاقتْ صواعِدُ أنْفاسِها / فمازَجَ منها السلوُّ الغراما
ولا عَجَبٌ أنّ ضَمّاتنا / جَبَرْنَ القلوبَ وَهِضْنَ العظاما
بأرضٍ دحاها الكرى بيننا / ننالُ الأمانيّ فيها احتكاما
فلا بَسَطَ الصبحُ فيها الضّياءَ / ولا قَبَضَ الليلُ عنها الظلاما
فلو عاينَ الأمرَ حلَّ الجوادَ / وشدّ الحزامَ وسلّ الحساما
وأقبلَ بالرّيحِ نحوَ السّحابِ / يظنّ سنَا البرق منها ابتساما
ولما أتانا من الإنتباهِ / دخلنا له بالوصال المناما
جعلنا تزاوُرَنا في الكَرى / فما نَتّقي من مَلومٍ مَلاما
وَمَرّتْ لطائفُ أرْواحِنا / بِلَغْوِ الهَوَى حيثُ مَرّتْ كراما
وطامٍ كجيشِ الوَغَى لا تخوضُ / به غمرةُ الموتِ إلا اقتحاما
تُباري عليه الدَّبورُ الصَّبا / مُنَاقَضَةً والشمالُ النعامى
إذا ما ارتمى فيه قَرْمُ الرّدَى / ركبنا له وهو يرغُو سناما
وردنا فُراتاً يُنيلُ الحياة / ومن كفّ يحيى انتجعنا الغماما
لدى مَلِكٍ جادَ بالمكرمات / تلاقيه في كلّ فَضْلٍ إماما
أشَمُّ قديمُ تراثِ العُلى / يراجِحُ بالحلم منه شَماما
إذا قَرّ في دَسْتِهِ جالساً / رأيتَ الملوكَ لديه قياما
بنادٍ تَرَى فيه سَمْتَ الوقارِ / يَزِينُ عظيماً أبيّاً هُماما
يقلل في الجفن عنه اللحاظَ / ويبعثُ بالوزن فيه الكلاما
تَعَلّمَ عِفّتَهُ سيفُهُ / فليس يُريقُ نجيعاً حراما
وما زالَ دينُ الهدى في الخطوبِ / يشدّ عليه يديه اعتصاما
ولا عَجَبٌ أنّ صَرْفَ الزّمان / تُصَرّفُ يُسْرَاهُ منه زماما
أما مَهّدَ الملكَ يحيى أما / أرَاكَ لكلّ اعوجاج قَوَاما
أما نَشَأتْ منه سُحْبُ النّدى / سواكبَ تهمي وكانت جهاما
أما ذِكْرُهُ ذِكْرُ من يُتّقى / يداً ويكون كلامٌ كِلاما
يبيد العدا بِلُهامٍ يريك / رداءً على منكبيه القَتاما
بعزْمٍ يُجَرّدُ منه السيوفَ / ورأيٍ يفوّقُ منه السهاما
يَعُدّ من الصِّيد آبائِهِ / كُفاةً حُفاةً وَغُرّاً كراما
مجالسُهُمْ في الحروبِ السروجُ / إذا قَعَدَ الموتُ فيها وقاما
تُحَمّرُ حِمْيَرُ أرْضَ الوَغَى / وَتَفْلُقُ بالبِيضِ بَيْضاً وهاما
تَكَهّلَ مُلكُهُمُ والزمانُ / يُصَرَّفُ بين يديه غلاما
وجيشٍ يجيشُ بأبطاله / كما ماجَ موجُ العباب التطاما
بنقعٍ يُريكَ نجومَ السماء / إذا الجوّ منه على الشمس غاما
إذا همّ بالفتكِ فيه الشجاعُ / وحامَ على نفسه الموتُ خاما
غدا ابن تميم به قَسْوَراً / وقد لَبِسَ البدْرُ منه التماما
فيا مَنْ تسامى بهمّاتِهِ / فنالَ بها للثريّا مَصَاما
ملأتَ الزمانَ على وُسْعِهِ / أناةً وبطشاً فراضا الأناما
وحلماً مفيداً وروعاً مبيداً / وعيشاً هنيئاً وموتاً زؤاما
وَقُضْباً بضربِ الطّلى مقطرات / وَقُبّاً على الهامِ تعدو هياما
جعلتَ لكلّ مقالٍ فَعَالاً / ولم تَحْتَقِبْ في صنيعٍ أثاما
ليهنك عودةُ عيدٍ مَشَى / إليك على جَمْرَةِ الشوْق عاما
وأوْدَعَ في كلّ لحظٍ رنا / إليك وفي كلّ لفظٍ سلاما
وحجّ بربعك بيتَ العلى / وطافَ به لا يملّ الزحاما
ومن لَثْمِ يمناك لولا النّدى / رأى حَجَرَ الركن يُغْشَى استلاما
حَمَيْتَ حِمى المُلْكِ بالمُرْهَفاتِ / وَدُمْتَ له في المعالي دواما
أُعطيتَ حُكمكَ في الأيام فاحْتكمِ
أُعطيتَ حُكمكَ في الأيام فاحْتكمِ / وإن تملّكتَ رقّ المجد والكرمِ
وحالفتك سعودٌ لو يُخَصّ بها / عصرُ الشبابِ لما أفْضى إلى الهرمِ
إنّ الزّمانَ ليجري في تصرّفِهِ / على مُرادك منه غيرَ مُتّهمِ
فما هممتَ بأمْرٍ أو أشرتَ به / إلا وقامتْ له الدنيا على قدمِ
إنّ القسنطينة الكبرى مُمَلَّكُها / قد اتّقى منك حدّ السيفِ بالقلمِ
وخاف قَدْحَ زنادٍ أمره عجبٌ / يَرميه في الماءِ ذي التيّار بالضرمِ
ورام حَقْنَ دماءِ الرّومِ معتمداً / على وفاءِ وفيّ منك بالذممِ
فكفَّ عزم كفاة صدقُ بأسِهِمُ / مستأصلٌ نِعَمَ الأعداءِ بالنقمِ
وأقبلتْ مع رُسْلٍ منه مألكةٌ / تأسو كلومك في الأعلاج بالكلمِ
رآك بالقلب لا بالعين من جَزَعٍ / في دَسْتِ مُلْكِ عليه هَيْبةُ العِظَمِ
مُطَيَّبُ الذكرِ في الدنْيا مُوَاصِلُهُ / كأنّما عَرْفُهُ مسكٌ بكلّ فمِ
مشى إليك بتدريج على شفةٍ / من لثم أرضِ عظيم الملك ذي هممِ
مقدِّماً كلّ علقٍ من هديّته / كروضَةٍ فَوّفَتها راحةُ الدّيمِ
في زاخرٍ من بحورِ الروم عادتُهُ / ألا يزال مشوباً منهمُ بدمِ
لولا النواتي وأثقالٌ لها حُمِلَتْ / من البطاريق إجلالاً على القممِ
فعاد بالسلم من حرب سلاهبها / دُهْمٌ بأرجلها تَغْنَى عن اللجمِ
ومنشآتٌ إذا ريحٌ لها نشأتْ / جرين في زاخرٍ بالموت ملتطمِ
راحتْ من الشحْم فوق القار لابسةً / فيه تأزُّرَ أنوارٍ على ظُلَمِ
تبدي سواعدَ أكمامٍ تُريكَ بها / مَشْيَ العقارب في ألوانها السخمِ
من كلّ مدَّرعٍ بالحزْم ذي جَلَدٍ / لا يشتكي في أليم الضرب من أَلمِ
وما رأيْتُ أُسوداً قبلهم فَتَحَتْ / مدائناً نازَلَتْها وهي في الأجُمِ
سُدْتم وجدْتم فأوطان النجوم لكم / مراتبٌ من علوّ القدر والهممِ
وأرْضُ بُنْصُرَ قد أهْدى غرائبها / لملكهم مَلْكُهَا في سالف القدمِ
قل للعفاة أديموا قصد ساحته / إن نمتمُ عن نداه الغمرِ لم ينمِ
لولا مكارمُ يحيى والحياةُ بها / ما رُدّ روحُ الغنى في ميّتِ العدمِ
مَلْكٌ إذا جادَ جادَ الغيثُ من يده / فَمَسْقَطُ القطر منه مَنْبِتُ النعمِ
إذا أثار عجاجَ الحرب ألحفها / ليلاً بهيماً بكرّ الخيل بالبُهَمِ
أنسيتنا بأيادٍ منك نذكرها / خصيبَ مصرٍ وما أسداه للحكمي
وقد طويتَ من الطّائيّ ما نَشَرَتْ / من المفاخرِ عنه ألسنُ الأممِ
هدَيْتَ من ضلّ عن مجدٍ وعن كرَمٍ / بما تجاوَزَ قَدْرَ النار والعلمِ
خُصِصْتَ بالجود والبأس المنوط به / والجودُ والبأسُ مولودان في الشيمِ
ولو رآك زهيرٌ في العلى لثنى / لسانَهُ في كريمِ المدح عن هرمِ
فاشرَبْ خبيئةَ دنّ أظْهَرَتْ حبباً / للثم منه ثغر مبتسمِ
لها تألقُ برقٍ كيف قَيّدَهُ / في الكأسِ ساقٍ يُنيلُ الوَرْدَ في عنَمِ
وكيف تُسْمِعُ في هامٍ تُفَلّقها / صهيلَ صمصامك الماضي لذي الصممِ
قالوا صَبَا يا مَن رأى مستهامْ
قالوا صَبَا يا مَن رأى مستهامْ / حِجاهُ كهْلٌ وَهَوَاهُ غُلامْ
لعلّهُ صادَ ولم يعلموا / رئماً حلالٌ صيدُهُ لا حرام
أو زاره طيفٌ خفيّ الهوَى / يَطْرُقُهُ في الوهم لا في المنام
كأنّ تمثالَ سليمى اجتلى / عليه منها خَفَراً واحتشام
وربّما هاجَ اشتياقَ الفتى / تألّقُ البرقِ وسجعُ الحمام
أو نفحَةٌ تعبقُ من روضةٍ / تُحيي من الصّبّ رَميمَ العظام
غزالةُ السرب التي جسمها / مَعَانُ مسكٍ ما علاه ختام
للّه ما صَوّرَ في فكرتي / بردُ المنى منها وحرّ الغرام
تمشي وسكرُ التيه في عطفها / يُميلُ منها باعتدال القوام
يا من رأى في غُصُنٍ روضة / يسمعُ منها للأقاحي كلام
يخبرُ من فاز بتقبيلها / عن بَرَدٍ تنبعُ منه مُدام
أذكى من المندلِ في نارِهِ / ما سَاكَتِ الدّرَّ به مِنْ بشام
كأنّ في فيها عبيراً إذا / تفجّرَ النورُ وغار الظلام
جسمُ لجينٍ ناعمٌ لَمْسُهُ / لصفرةِ العسجدِ فيه اتّهام
قد حازها البعدُ فَمِن دونها / ركوبُ طامٍ موجُهُ ذو سنام
تسافرُ الأرواحُ ما بيننا / والسّر فيما بيننا ذو اكتتام
كأنّما تحملُ أنفاسُها / لطائماً ضُمّنّ مسكَ السّلام
وهي من العفة لم تَدْرِ مَنْ / جُنّ بها دونَ الغواني وهام
فتّاكةٌ باللّحظِ وارحمتا / منها لقلبِ الدّنِفِ المستهام
كأنّما عَلّمَهُ فَتْكَهُ / سيْفُ عليّ يوْمَ تفليقِ هام
مُمَلَّكٌ في ملك آبائه / أيُّ كريمٍ أنجبته كرام
ذو هيبَةٍ تَحْسَبُ في دَسْتِهِ / قسْوَرَةَ الغيلِ وَبَدْرَ التمام
مُتَرْجِمٌ عنه لسانُ العُلى / فيما عَنَاهُ أو لسانُ الحسام
وكلّ جبّارٍ أتى أرْضَهُ / مُقَبّل بالرّغمِ منه الرّغام
يُقدِمُ ما بين العوالي إذا / ما نكلَ المقدامُ عنه وَخَام
يملأ جنبَ القرنِ من طعنةٍ / نَجْلاءَ يَرْغُو شِدْقُها وهو دام
مُؤيَّدٌ باللَّه ذو عِصْمَةٍ / للدين تأييدٌ به واعتصام
أسنّةُ الأعداءِ في حربه / أطعنُ منها إبَرٌ في ثمام
ذا كعبةُ الجودِ الذي كفُّهُ / ركنٌ لنا لثمٌ به واستلام
لا تحسبوها حجراً إنّها / من ساكبِ المعروفِ أُختُ الغمام
يَمُدّهُ المَدْحُ لبذلِ النّدى / كمدّهِ المرهفَ يوم اقتحام
وتقبضُ الحرمانَ منه يدٌ / تَبْسُطُ للوفدِ العطايا الجسام
للبحر بالرّيح عُبَابٌ كذا / جدواهُ إن أُسْمِعَ فيها الملام
إن سابقَ القُرّحَ أبصَرْتَهُ / أمامها سَبْقاً يثيرُ القتام
إنّ الأنابيب لمأمومةٌ / في الرمح واللهذمُ فيها إمام
لا يَغْتررْ بالعفوِ من سلمه / أعداؤهُ فالحربُ دار انتقام
أخافُ والموتُ بهم واقعٌ / أن يُفطِرَ الصمصامُ بعد الصيام
يُمْلي لمن يُغْرَى به نقمَةً / بالبطءِ في النزعِ نفوذُ السهام
إذا تحيّرنا فقولوا لنا / أكان رضوى حِلمُهُ أم شَمام
لو رَكَنَ الباغي إلى عزّهِ / ما قَعَدَ الذلّ عليه وقام
منفردٌ بالبأس في نفسه / سكونُهُ فيه حَرَاكُ اعتزام
كأنّه جيشٌ لهامٌ حدا / من أُسُدِ الأبْطال جيشاً لهام
أثوابُهُمْ فيه وتيجانُهُمْ / قُمْصُ الأفاعي وَتَريكُ النعام
من كلّ فتّاكٍ بأقرانِه / له حياةٌ تَغْتذي بالحِمام
فَصَيْحَةُ الرّوْعِ وطعمُ الرّدى / لديه كالشّدوْ على شربِ جام
إنّ ابن يحيى من وكوف الحيا / في زَمَنِ المحل ليهمي انسجام
فمن حياءٍ لا تَرى وَجْهَهُ / إلا وللغيم عليه لثام
لئن تزاحمنا بساحاته / فالموْردُ العذبُ كثير الزحام
نطولُ من ساعات أفْراحهِ / بالسّعْد ما يقصرُ عنه الأنام
أقسمتُ ما بهجةُ أيّامه / في عَبْسَةِ الأيام إلّا ابتسام
يا منْ إذا مالَ زمانٌ بنا / عن حكمنا قوّمه فاستقام
لك المذاكي والمواضي الّتي / تَمَيّعَ الماءُ بها في الضرام
من كلّ يعبوبٍ كريح الصّبا / يطير جرياً ما أراد اللجام
وكلّ ماضي الحدّ في جفنه / عينُ الردى ساهرةٌ لا تنام
أنصفتَ همّاتِكَ أعْظِمْ بها / لم يُنْصِفِ الهمّاتِ مثلُ الهمام
قابلكَ العامُ الذي تشتهي / فابقَ من بعده ألفَ عام
إنّ المنى في سلكه نُظّمَتْ / وإنّه أوّلُ درِّ النظام
فقارِنِ السعدَ على أفْقِهِ / وأنْتَ في العمرِ قرينُ الدوام
موشِّحٌ شبليك في عزّةٍ / قعساءَ مرماها بعيدُ المرام
والجودُ في يمناك منه حيا / واليُمْنُ في يُسْرَاكَ منه زمام
يُمضي لك السيفُ ما تَنْويهِ والقلمُ
يُمضي لك السيفُ ما تَنْويهِ والقلمُ / وَيَسْتَقِلّ برضوَى هَمُّكَ الجَمَمُ
لو شئتَ أغناك جدّ عن محجَّلةٍ / شعارُ فرسانها الإقدام والقحمُ
تحطّمُ السمرَ في الأبطال إن طَعنَتْ / وساقَها للمنايا سائقٌ حُطَمُ
لكنّ عزمك عن حزم يثورُ به / بالقَدْحِ يَظْهَرُ ما في الزندِ ينْكتِمُ
وليس يدرك نفساً منك صابرةً / فيما يسوم العدا منه الرّدى سأمُ
وإن أرْضَكَ لو ألقى تعزّزها / منها رغاماً على أرض العدا رَغمُوا
هذا الأجمّ رَمَتْهُ حَمّةٌ بشبا / عزمٍ أباحَ حِماهُ فهو مُهتَضمُ
ووجّهت نحوه بالنصرِ جيشَ وغى / ببحره ظلّ وجهُ الأرض يلتطمُ
طِرْفٌ جموحٌ على الرُّوّاض من قِدَمٍ / فلا الشكائمُ راضَتْهُ ولا الخزُمُ
أضحتْ سيوفك في تجريدها عوضاً / عَليه من حَكَماتٍ فيه تحتكمُ
أجدتَ بالقهرِ عن علمٍ رياضتَهُ / ففعلُهُ ما تُريكَ الكفُّ والقدمُ
أحلّ منك ركوباً ذلُّ شِرّتِهِ / وكلُّ مَلْكٍ عليه ظهرُهُ حَرَمُ
حصنٌ بَنَتْهُ لِصَوْنِ الملك كاهنةٌ / وأُفْرِغَتْ فيه من تدبيرها الحِكَمُ
على الحُصُونِ مُطلّ في مهابته / تلك البُغاثُ وهذا الأجدلُ القَرِمُ
كأنّهُ من بروجِ الجوّ منفرِدٌ / فنظرَةٌ منه فوق الأرض تُغتَنَمُ
وأعينُ الخلقِ منه كلما نَظَرَتْ / على العجائب بالألحاظ تَزْدحِمُ
كالأبْلقِ الفردِ لم يَرْكَنْ إلى طَمَعٍ / لفتحه قبلها عُرْبٌ ولا عَجَمُ
أو ماردٍ في غرامٍ من تَمَرّدِهِ / بمثله العُصْمُ في الأطواد تعتصمُ
يشمّ زَهْرَ الدراري الزُّهرِ من كَثَبٍ / بين البروج بعرنينٍ له شممُ
وهو الأجمّ ولكن لو يُناطِحُهُ / طَوْدٌ لَنَكّبَ عنه وهو مُنثلمُ
كانت مغانيه في صَدْرِ الزمان لكمْ / وللأسودِ الضواري تَرْجِعُ الأجمُ
زارَتْ روادة فيه كلُّ داهيةً / بمثلها من عُداةِ الحقّ تنتقمُ
ذاقوا به كلّ ضيقٍ لا انفساحَ له / تصافنوا فيه طَرْقَ الماء واقتسموا
جَهّزْتَ حزْماً إليهم كلَّ ذي لجبٍ / تُحَمّ بالضرب هنديّاتُهُ الخذمُ
عَرَمْرَمٌ مُقْدم الفرسانِ تحْسَبُهُ / سَيْلاً يُحَدّثُ عمّا فَجّرَ العَرِمُ
تعلو الأسودُ رياحاً يطَّرِدْنَ به / تنهى وتؤمر في أفواهها اللجمُ
والحربُ تحرق حوليه نواجذها / ناشَتْهُ بالعضّ حتى كاد يُلْتَهمُ
من كلّ ماضي شبا الكفّين قسورةٍ / بالعيشِ في لهواتِ الموت يقتحمُ
ما جاء في درعه يعدو بحدّته / إلا وأشْبَهَ منه لبدةً غممُ
ولا مجانيقَ إلا ضُمّرٌ جُعِلَتْ / صخورها حولها الأبطال والبهمُ
تَرْمي قلوبَهُمُ بالرّعبِ رؤيتُها / كما يَرُوعُ نياماً بالردى الحلمُ
كأنّما الحصنُ من خوفٍ أحَاطَ بهم / عليهم وَهُوَ المبنيّ مُنْهَدِمُ
ومعلماتِ طَلُوعِ النّبْعِ حيثُ لها / في نَزْعِهِن بألحانِ الردى نَغَمُ
كأنّما تسمُ الأعداءَ أسهمها / من الردى بسماتٍ وَيْحَ مَن تَسِمُ
تطيرُ بالرّيش والفولاذ واردةً / من النحور حياضاً ماؤهنّ دمُ
فإن خَشوا غَرَقاً عُنْوانُهُ بَلَلٌ / هلّا خشوا راجمات حَشْوُها ديمُ
من كلّ عارض نَبلٍ غيرِ منقشعٍ / في القَطْرِ منه شرارُ الموت يضطرمُ
حتى إذا أصبحوا جرْحى وقد طمعتْ / في أكلِ قتلاهمُ العقبانُ والرخمُ
نادَوْا بعفوك عنهم فاستجابَ لهمْ / على إساءتِهم من فِعلِكَ الكرمُ
أفَضْتَ طَوْلاً عليهم بالنّدى نِعَماً / من بعد ما واقعَتْهُمْ بالرّدى نقمُ
ولو تمادَوْا على الرأي الذميمِ ولم / يُسَلّموا لك أمْرَ الحصن ما سلموا
إنّ الصوارمَ في فتح الحصون لها / ضربٌ به تُخْتَلى الأجياد والقممُ
إنّ ابن يحيى عليّاً بدرُ مملكةٍ / لِصِيدِ آبائِهِ الإقدامُ والقدمُ
ساسَ الأمورَ فشِعبُ الكفرِ مفترقٌ / بالبأس منه وشعبُ الدينِ ملتئمُ
محاولٌ في كميّ الرّوع طعنته / نجلاء يشهق منها بالحمام فمُ
معظَّمُ الجود في الأملاك لَذّتُهُ / في بذل مالٍ لهم من بذله ألمُ
لا يتّقي العُدْمَ في وِرْدٍ ولا صَدَرٍ / مَنْ صافَحَتْ كفَّه من كفّه ذِمَمُ
وليس يشكو حَرُوراً لَذْعُهُ وَهَجٌ / مَنْ مَدّ ظلّاً عليه بارداً عَلَمُ
وما وَجَدْتُ عليلاً عنده أملي / فهو الكريمُ على العلّات لا هرمُ
وقد أشربَ اللّهُ في قلبي محبّتَهُ / فشبّ في مدحه طبعي وبي هَرَمُ
يا واحدَ الجود والبأس الذي اتفقتْ / بلا اختلافٍ على تفضيله الأممُ
زدْ زادك اللّه في صَوْن الهدى نَظَراً / إنّ الصليبَ ليشقى منك والصنمُ
صُمْتَ للَّه صَوْمَ خِرْقٍ هُمامِ
صُمْتَ للَّه صَوْمَ خِرْقٍ هُمامِ / مُفْطِرِ الكفّ بالعطايا الجسامِ
أطلعَ اللّه للصيام هلالاً / ولنا من علاكَ بدرَ تمامِ
وشفاكَ الإلهُ من كلّ داءٍ / صحّ منه الجلالُ بعد السقامِ
كان يومَ السرور منك ركوبٌ / أرحَلَ الهمّ عن قلوب الأنامِ
إذ شكا من شَكاتك الناسُ والبا / سُ وطعنُ القنا وضرب الحسامِ
ثم ضجّوا لما رَأوْكَ صحيحاً / والعُلى منك ثَغْرُهُ ذو ابتسامِ
مَرَضٌ منك قبّلَ الكفَّ شوْقاً / ثمّ ولّى بخجلةٍ واحتشامِ
حَجَبَ الغيمُ منه في الأفق بدراً / وانجلى عن ضيائه بسلامِ
واقتضى الشهرُ من معاليك صنعاً / مُعْلياً منه همّةً باهتمامِ
قَطْعُ ضوءِ النهار صوماً وبرّاً / ودجى الليل بالسُّرَى والقيامِ
وسجودٌ من نور وجهك طوعاً / ما أطالَ السجودَ وجهُ الظلامِ
وخشوعٌ يعلوه منك وقارٌ / مُعْرِبٌ عن رَجَاحةٍ من شَمامِ
طابَ بينَ الملوك ذكرُكَ كالمسْ / كِ إذا فُضّ عنه طيبُ الختامِ
فهو ما بينهمْ به سَمَرُ اللي / ل وشَدْوٌ على كؤوس المدامِ
فلك اللّه من كريم السجايا / معرِقِ المجدِ في الملوكِ الكرامِ
ذِمْرُ حَرْبٍ له اقتحامُ هزبرٍ / وجوادٌ له يمينُ غَمامِ
بائنُ الخطتين نخشى ونرجُو / رَيثَ غَفرٍ له وبطشَ انتقامِ
قام للّه ذو انتصارٍ لدينٍ / رامتِ الرّومُ منه كلّ مرامِ
ورمى ثغرةَ العدوّ بسهمٍ / وثنى سَهْمَهُ عن الإسلامِ
بإعتزامٍ ككوكب الجوّ يرْمي / منهمُ كلَّ ماردٍ بضرامِ
وَبِحَرْبِيّةٍ لها نِفْطُ حَرْبٍ / يحرقُ الماءَ تارةً باضطرامِ
ترتمي في مُلَوَّناتِ لُبُودٍ / كرياضٍ نَوّرْنَ فوق إكامِ
فهي تجلو عرائسَ الموت سوداً / هَوّلَتْ في عباب أخضرَ طامِ
يا لها من جحافلٍ زاحفاتٍ / بضواري الأسود في الآجامِ
وذبالٍ على القنا مُشْعَلاتٍ / مطفئات الأرواح في الأجسام
وندى فاضَ من بنانِ كريمٍ / غيرِ مُصْغٍ في بَذْلِهِ للملامِ
ليس يُفْني بيوتَ مال عليّ / طولُ إنفاقها بكرّ الدوامِ
كيف يُفْني الشموسَ ما اقتبسَتْه / من سنا نورها عيونُ الأنامِ
مَلِكٌ قد علا مَصَامَ الثريّا / ليس فوق الثرى لهُ من مُسامِ
من ملوكٍ لهم سحائبُ أيْدٍ / بالندى والردى هوامٍ دوامِ
إن دعاهُمْ مُثَوِّبُ الموْتِ خاضوا / في حشا الحرب بالخميس اللهامِ
أو رماهمْ إقدامُهُم بكلومٍ / قَطَرَتْ منهم على الأقدامِ
وإذا جَرّدوا السيوفَ لضرْبٍ / وَلَغَتْ في الدماء لا من أُوامِ
لبِسَ البشرُ منهمُ قَسماتٍ / مائعٌ فوقهنّ ماءُ القَسَامِ
يا ابن يحيى الذي أبى عزُّهُ أنْ / يَقْعُدَ العزمُ عنده عَنْ قيامِ
أنا أثني عليك جَهْدي وعند ال / له يُثني عليك شهرُ الصيامِ
لي إلى الغيثِ من نداك انتجاعٌ / في خِضَمّ آذيُّهُ في التطامِ
تحسبُ الريحَ جِنّةً تعتريه / فهو كالقَرْمِ شِدْقُهُ ذو لغامِ
في حشا رادة كأمّ رئالٍ / ما لها في نِفارها من مُقامِ
بنتُ بَرٍّ في البحر تركبُ منها / كلكلاً يا لموجه من سنامِ
ذاتُ وصْلٍ تجرّها جرّ ذيلٍ / وهي تقتادُنا كوحي زمامِ
تتقي من جنوبها وقع سوط / فهي كالسهم طارَ عن قوْس رامِ
وحديثُ السّماع عنك عريضٌ / ضاقَ عن بعضه فسيحُ الكلامِ
لو لمستَ الجهامَ بالكفّ أضحى / عند ريّ العطاشِ غيرَ جهامِ
أو منحتَ الكهامَ منك مضاءً / فَلَقَ الهامَ وهو غيرُ كهامِ
أو جعلتَ الحِمامَ قِرْنَكَ في الحر / ب لجرّعْتَهُ مذاقَ الحِمامِ
فابْقَ في خُطّةِ العُلى ما تَغَنّى / في غُصُون الأراكِ وُرْقُ الحَمامِ
أذاعَ منه لسانُ الدّمْعِ ما كتما / لم يَبْكِ حتى رأى شيباً له ابتسَما
للَّه بالعيد بيضُ الغيدِ نافرةٌ / أهْيَ الحمائم شَامتْ أشْهباً قَرِمَا
لا تعجبنّ لدمعٍ بلّ وَجْنَتَهُ / لا بدّ للقطرِ من أرْضٍ إذا انسجما
صَدّتْ سليمى فما تأتي معاتبةً / ولا عتابَ إذا حبلُ الهوى انصرما
وأوْرَثَ الموتَ سرُّ البين حين فشا / عندي وعند حبيبٍ أورَثَ الصمما
ريحانةٌ في لطيفِ الروح قد غُرِسَتْ / لها النسيمُ الذي تُحيي به النّسما
كطينةِ المسكِ لا تخليكَ من أرَجٍ / إذا تَنَسّمَ رَيّاها امرؤ فغما
لها نظيرُ أقاحٍ ما به صدأ / بإسحلٍ زار من أطرافها عنما
لا تنكرِ الظُّلمَ من خودٍ مدلَّلَةٍ / في ظَلْمِها الدرُّ بالمسواكِ قد ظُلما
يَسمو بها عن صِفاتِ العِينِ أنّ لها / عيناً يُسَفِّهُ منّا سحرُها الحُلُما
وهل لعينِ مهاةِ الرملِ من سَقَمٍ / يُهْدي لكلّ صحيح في الهوى سقما
يا هذه إنْ أراكِ الدهرُ فيّ بلىً / فَجدّةُ الثَّوبِ تَبْلى كلما قدُما
إن الشبيبةَ في كفَّيك عاريةٌ / فإن وجدت لها رَدّاً فلا جَرَما
أصابَ فَوْدي بسهمٍ يا له عجباً / رمى المشيبَ ومن جُول الطويّ رمى
فشيبُ رأسيَ من قلبي الذي ازدحمتْ / فيه صروفُ همومٍ تُعْثِرُ الهمما
كأنّ سِقْطَ زنادٍ كان أوّلُهُ / لمّا تغذّى بِعُمْري في الوقودِ نما
وبلدةٍ لَطَمَتْ أيدي القلاصِ بنا / منها وجوهَ قفارٍ بُرْقِعتْ ظُلَما
إذا رميتُ بلحظ العين ساريَها / حسبتُهُ بين أجفانِ الدّجى حُلُما
ساريتُ فيها هداةً خلتُهُم ركبوا / رُبْدَ النقانقِ فيها أينُقاً رُسُما
شَقّوا بها جُنْحَ ليلٍ أليلٍ رَحَلوا / عن غُرّةِ الصبح من ديجوره غُمَما
حادَتْ بهم عن بقاع المحل جامِحَةٌ / ومن بنانِ عليّ زارَتِ الدّيَما
مملَّكٌ في رُوَاقِ الملك مْحتَجِبٌ / له تَبَرّجُ نُعمى تغمرُ الأمَما
ترعى سجاياهُ من قُصّاده ذِمماً / وليس يَرْعى لمالٍ بَذْلُهُ ذِمَما
لئن تأخّرَ عنه كلُّ ذي هممٍ / فاللّه قَدّمَ منه في العلى قدما
تُكاثِرُ القطرَ في الجدوى مكارمُهُ / وهي البحور فمن ذا يشتكي العَدما
إن الذي بَذَلَ الأموال ذو هِمَمٍ / سلّ الذكور فصانَ الدينَ والحُرَما
وَمَدّ ظلّاً على دينِ الهدى خَصِراً / لمّا تلظَّى حرورُ الكفر واحتدما
لا يقدحُ العفوُ في تمكين قدرته / ولا يواقعُ ذنباً كلّما انتقما
ما زال يهشِمُ من أسيافهِ وَرَقاً / من عهد حمير خضراً تحصُد القِمما
من كلّ برقٍ له بالقَرْعِ صاعقةٌ / على الأعادي بِضْربِ القَطرِ منه رمى
ماءٌ ونارٌ منايا الأُسْدِ بينهما / ما سُلّ للضرب إلّا سالَ واضطرما
في كلّ جيشٍ تثير النقعَ ضُمّرُهُ / يا جُنحَ ليلٍ بهيمٍ ظَلّلَ البُهَما
من كلّ مُقتحمِ الهيجاءِ يوقدها / كمِسْعرِ النار أنّى همّ واعتزما
إن ضاق خطوُ عبوس الأسد من جزَع / مَشَى إليه فسيحَ الخطو مبتسما
ما الليثُ يرتدّ للخطّيّ في أجَمٍ / إلا كظبي كناسٍ عنده بَغَما
يا ابن الملوك ذوي الفخر الألى ملكوا / رقّ الزمان وسادوا العُرب والعجما
كم من عُداةٍ وسمتمْ بالمنون لهمْ / يوماً فشيّبَ من ولدانهمْ لِمَما
أصبحتَ في الملك ذا قدرٍ إذا طمحتْ / عينُ المُسامي إليه فاتَها وَسَمَا
إنّا أُناسٌ بما نُثني عليك به / نُهدي إليك رياضاً نوّرَتْ كَلِما
من كلّ ناظمِ بيْتٍ لا شبيهَ له / فليس يُنْثَرُ منه الدهرَ ما نظما
مستغرق الذوق للأسماع يحسبه / من قالبِ السحر منه أُفْرِغَ الحكما
فانعمْ بعيدٍ سعيدٍ قد بَسَطْتَ له / للمعتفين يميناً تَبْسُطُ النعما
أبكاهُ شيبُ الرأسِ لما ابتسمْ
أبكاهُ شيبُ الرأسِ لما ابتسمْ / وعادَهُ في السقم طيفٌ ألَمّ
من غادةٍ في وصل هجرانها / يَقْنَعُ منها بوصالِ الحُلُم
صَوّرَ منها شَوْقُهُ صورةً / في فكرةٍ ساهرةٍ لم تَنَم
فالقلبُ يُذكي جذوةً تلتظي / والعينُ تُذْري عَبْرَةً تنسجم
غيداءُ تاجُ الحسنِ من غيرها / يُضحي لديها وهو نَعْلُ القدم
أثمرَ بالرّمّان من قَدّها / غضْنٌ ومن أطرَافها بالعَنَم
لمياءُ تبدي الدّر من أشْنَبٍ / يحرق بالأنوار جُنْحَ الظُّلَم
يُبْرِدُ حرّ الشوْق ترشافُهُ / عنكَ بمعسولِ الثنايا شَبم
كأنّما برقٌ ومسكٌ به / إليه يدعوك بِشَيمٍ وَشمّ
والصبحُ في مشرقه هازمٌ / والليلُ في مغربه منهزم
أرى اختلافَ الناس دانوا به / في صيدِ عُرْبٍ منهم أو عجم
وابنُ عليّ حسنٌ سيّدٌ / بلا خلافٍ في جميع الأمم
مُملَّكٌ في كفّه صارم / عزّ به دينُ الهدى واعتصم
مُبَدِّدُ المعروف من كفّه / وللعلى شملٌ به منتظم
مُنفّذُ الأمرِ كريمٌ إذا / قالَ نعم فابْشِرْ بنيلِ النّعم
وَمُرْهَفِ الحدّ إذا سَلّهُ / سال إلى ضرب الطلى واضطرم
يخطفُ رأسَ الذِّمْرِ قطفاً به / كَحذفِ حرف اللين جزماً بلم
يصرّفُ الرمحَ على طوله / كأنّما صُرّفَ منه قلم
لئن همى من راحتيه الحيا / فالبدرُ منه يحتَبي بالديم
يُهْدَى به ضَلّ في ليله / تَوَقُّدَ النارِ برأسِ العلم
تُقَبِّلُ الآمالُ منه يداً / فهي لأفواه الوَرَى مُستَلَم
منتصرٌ باللّه في حربه / للّه من أعدائه منتقم
في رَبْعِهِ الرحبِ سماءُ العلى / طوالعٌ فيها نجومُ الهمم
كم ضربةٍ أوسعها سيفُهُ / فهو لسانٌ ناطقٌ وهي فم
تعدو سرَاحينُ الوَغَى حَوْلَهُ / مُجَلِّحاتٍ بأسودِ الأجَم
يا من وجدنا الجودَ من بذله / مِلءَ الأماني وعدمنا العدم
بقيتَ في الملك لِصَوْنِ العلى / ونصرةِ الدين ورَعيِ الذمم
وَفَدَتْ عَلَيكَ سعادةُ الأعوامِ
وَفَدَتْ عَلَيكَ سعادةُ الأعوامِ / لِعُلى يديكَ ونُصرَةِ الإسلامِ
وبطول عمرٍ يعمُرُ الرّتَبَ التي / يختطّها الخطّيّ وهي سَوَامِ
عامٌ أتاك مُبشّراً برياسةٍ / أبديّةِ الإجلال والإعظامِ
لك في ابتداءِ العمرِ عزمُ مُؤيَّدٍ / وأناةُ مقتدرٍ وعدلُ إمامِ
صدقُ المخايل في حداثةِ سنّهِ / والشبلُ فيه طبيعةُ الضرغامِ
كم قائلٍ لنموّ قدرك في العلى / هذا الهلالُ ينير بَدْرَ تَمامِ
تُرْدي عُداةَ اللَّه منك إشارةٌ / والسّقْطُ يحرقُ كثرَةَ الآجامِ
وكأنّما الإيمان في حرب العدا / بيمينه منك انتضاءُ حسامِ
حَسُنَتْ بسعدك للخلائقِ كلهمْ / لمّا وليتَ خلائق الأيامِ
فانْصَبّتِ الأرْزَاقُ بعد جُمودِها / وأضاءَتِ الآفاقُ بعدَ ظلامِ
وتنفّستْ من رَوْض خلقك نفحَةٌ / صَحّتْ بها الآمال بعد سقامِ
كم قال من حيٍّ لميتٍ قُم ترَى / فَرَحَ الورى بالأمنِ والإنعامِ
هذا هو الحَسَنُ الذي حَسَناتُه / قعدت لدى الكرماءِ بعد قيامِ
انظرْ إلى القمرِ الذي في دَسْتِهِ / فيمينُهُ تَنْدى بصَوْبِ غمامِ
مُتخَتّمٌ لعُفاتهِ وَعُداتِهِ / بالجود أو بقبيعة الصمصامِ
خلع اللواءُ عليك عزّ مُمَلَّكٍ / تَخْشَى سُطاهُ أجِنّةُ الأرحامِ
تخذ الجنودَ من الأسود فوارساً / مِنْ ضاربٍ أو طاعنٍ أو رامِ
في كلّ خضراءِ الحبائكِ فاضةٍ / فاضَتْ على قَدَمٍ من الأقدامِ
وكأنّ أحداقَ الجرادِ تبرّقتْ / منها لِعَيْنِكَ في سرابِ موامي
لسانُ الفتى عبدٌ له في سكوته
لسانُ الفتى عبدٌ له في سكوته / وَمَوْلىً عليه جائرٌ إنْ تَكَلّما
فلا تُطْلقنْه واجعل الصمتَ قيدَهُ / وصيّرْ إذا قيّدتهُ سجنَهُ الفما
أيّ خطْبٍ عن قوْسهِ الموْتُ يرْمي
أيّ خطْبٍ عن قوْسهِ الموْتُ يرْمي / وسهامٌ تصيبُ منه فتُصْمي
يسرعُ الحيّ في الحياة ببرءٍ / ثم يُفْضي إلى المماتِ بسقمِ
فهو كالبدرِ ينقصُ النورُ منه / بمحاقٍ وكانَ من قبلُ يَنْمي
كلّ نفسٍ رَمِيّةٌ لزَمانٍ / قدر سهم له فَقل كيف يرمي
بِيضُ أيّامها وسودُ ليالي / ها كشهبٍ تكرّ في إثْرِ دُهْمِ
وهي في كَرّها عساكُر حرْبٍ / غُرَّ مَنْ ظنّها عساكرَ سلمِ
بَدَرَ الموْتُ كلَّ طائرِ جَوٍّ / في مَفازٍ وكلَّ سابحِ يمِّ
رُبّ طَوْدٍ يريك غيرَ بعيدٍ / منه شَمّ السماءِ أنْفُ أشَمِّ
جَمَعَ الموْتُ بالمصارع منه / بين فُتْخٍ محَلّقاتٍ وَعُصْمِ
كم رأينا وكم سمعنا المنايا / غيرَ أنّ الهوَى يُصِمّ ويعمي
أين من عَمّرَ اليبابَ وجيلٌ / لبسَ الدهرَ من جديسٍ وطسمِ
وملوكٌ من حِمْيرٌ ملؤوا الأرْ / ضَ وكانتْ من حكمهم تحتَ خَتْمِ
وجيوشٌ يُظِلّ غابُ قَنَاها / أُسُداً من حُماةِ عُرْبٍ وعجمِ
كَشّرَ الدهر عن حِدادِ نُيوبٍ / أكلَتهُمْ بكلّ قَضْمٍ وَخَضْمِ
وَمُحُوا من صحيفةِ الدهر طُرّاً / مَحوَ هُوجِ الرياح آياتِ رسمِ
أفلا يُتّقى تَغَيّرُ حالٍ / فَيَدُ الدهرِ في بناءٍ وهدمِ
والرزايا في وعظهنّ البرايا / في الأحايين ناطقاتٌ كبكمِ
والذي أعجزَ الأطبّاءَ داءٌ / فَقْدُ روحٍ به وَوِجدانُ جسمِ
لو بكى ناظري بِصَوْبِ دماءٍ / ما وَفَى الأسى بحسرةِ أُمَّي
مَنْ تَوَسّدْتُ في حشايا حشاها / وارتدى اللحمَ فيه والجلدَ عظمي
وضعتْني كَرْهاً كما حملتني / وجرى ثديُها بشربي وَطُعمي
شرَحَ اللّه صَدرَها لي فأشْهَى / ما إليها إحصانُ جسمي وضمّي
بحنانٍ كأنّها في رضاعي / أمّ سَقْبٍ دَرّتْ عليْه بشمِّ
يا ابن أمي إني بحكمك أبكي / فَقْدَ أمي الغداةَ فابكِ بحُكمي
قُسِمَ الحُزْنُ بينَنَا فثبيرٌ / لك قسم وَيَذْبُل منه قسمي
لم أقُلْ والأسى يُصَدّقُ قولي / جمدت عبرتي فلذت بحلمي
ولو أنّي كففتُ دمعي عليها / عقّني برّها فأصبحَ خصمي
أُمّتا هل سمعتني من قريبٍ / حيثُ لي في النياح صَرْخةُ قرمِ
كنتُ أخشى عليك ما أنت فيه / لو تخيّلتُ في مُصابك همّي
كم خيالٍ يبيتُ يمسحُ عطفي / لكِ يا أمّتا ويهتفُ باسمي
وبناتٌ عليك منتحباتٌ / بخدودٍ مخدّرات بلطمِ
بِتْنَ يَمسحْن منكِ وجهاً كريماً / بوجوهٍ من المصيبةِ قُتْمِ
وينادينَ بالتّفجّعِ أمّاً / يا فداءً لها إجابةُ غتمِ
بأبي منك رأفةٌ أسندوها / في ضريحٍ إلى جنادلَ صُمِّ
وعفافٌ لو كان في الأرض عادتْ / كلَّ عظم من الدفين ولحمِ
وصيامٌ بكلّ مطلَع شمسٍ / قيامٌ بكلّ مطلع نجمِ
ولسانٌ دعاؤهُ مُسْتَجابٌ / ليَ أودعتُهُ الرغامَ برغمي
وحفير من الصبابةِ فيه / في حجاب التقى سريرة كمِّ
كم تكفّلتِ من كبيرة سنِّ / وتبنّيْتِ من صغيرة يُتمِ
فأضاقتْ يداك من صَدقَاتٍ / كان يُحيا بهنّ ميّتُ عُدْمِ
كان بين الأناس عُمْرُكِ حمداً / قد تبرّأتِ فيه من كلّ ذمِّ
أنتِ في جنّةٍ وروضِ نعيمٍ / لم يَسِمْ أرْضها السحابُ بوسم
يا أبا بكرٍ المصابُ عظيمٌ / فهو يُبْكي بكلّ سَحٍّ وَسَجْمِ
أنت في الودّ لي شقيقُ وفاءٍ / ومصابي إلى مصابك يَنْمي
أنتَ من صفوةِ الأفاضل نَدْبٌ / في نِصابٍ كريمِ خالٍ وعمِّ
باتَ من طبعك المفجعِ طبعي / ربّ سَهم أُعِيرَ صارم شهمِ
تركت بيت يوسفٍ للمعالي / أسفاً ينحر العيون فيدمي
دوحةُ المجد بالفخار جناها / يافعٌ فهي في البلى تحت ردمِ
فسقى التربةَ التي هي فيها / عارضٌ منه رحمةُ اللَّهِ تَهمي
ولبستَ العزاءَ يا خير فرْعٍ / قد بكى حسرةً على خير جِذْمِ
يعيدُ عطايا سكرِهِ عندَ صَحوِهِ
يعيدُ عطايا سكرِهِ عندَ صَحوِهِ / ليُعْلم أنّ الجودَ منه على عِلْمِ
ويسلمَ في الإنعام من قول قائلٍ / تكرّم لما خامرتْهُ ابنةُ الكرْمِ
فقد حضّهُ سكرُ المدام على النّدى / ولكنّه حضٌّ بريّ من الذمِّ
أكْرِمْ صديقك عن سؤا
أكْرِمْ صديقك عن سؤا / لك عنه واحفظ منه ذِمّه
فلربما استخبرت عن / ه عَدُوَّهُ فسمعتَ ذَمّه
ولي عصا من طريق الذمّ أحْمَدُها
ولي عصا من طريق الذمّ أحْمَدُها / بها أُقدّمُ في تأخيرها قدمي
كأنّها وهي في كفّي أهشّ بها / على الثمانين عاماً لا على غنمي
كأنّني قوسُ رامٍ وهي لي وترٌ / أرمي عليها رميَّ الشيب والهرمِ
رمى الموتُ في عين التصَبّرِ بالدّمِ
رمى الموتُ في عين التصَبّرِ بالدّمِ / وقال لحسن الصبر بين الحشا دُمِ
على القائد الأعلى الذي فُلّ عزمه / كما فُلّ عن ضرب الطلى حَدُّ مخذمِ
أرى زَمَنَ الدنْيا يُنَقِّلُ أهلها / إلى دار أخرى من غنيّ ومعدمِ
وَخَانَ أمينَ الملك فيما انطوى له / على حفظِ أسرار الجلال المكتَّمِ
وصادره الحتفُ الذي حَطّهُ إلى / حشا القبر عن صَدرِ الخميس العرَمرَمِ
وما شاءَهُ ذو العرشِ جلّ جلالُهُ / يدقّ وَيَخفَى عن خفيّ التوَهَّمِ
فما دَفَعَتْ عنه جنودُ جنودِهِ / على أنّها في القرب كاليد للفمِ
ولم يُغنِ عنها الضرْبُ من كلّ مرْهَفٍ / ولا نافذاتُ الطعنِ من كلّ لهذمِ
بأيدي كماةٍ منهمُ كلُّ مُقْدِمٍ / بإقْدامِهِ يحمي حِماهُ ويحتمي
ويُقْبِلُ في فضفاضةٍ فارسيّةٍ / تحدِّثُ عن أبطالِ عادٍ وجُرْهُمِ
عليّ بن حمدون الذي كان حَمْدُهُ / تُرَفَّعُ منه همّةُ المتكلمِ
خَلَتْ منه يوْمَ الرّوْع كلّ كتيبةٍ / وكم عَمِرَتْ من بأسِهِ بالتقدّمِ
كأنّ عَلَيها للعجاج مُلاءَةً / مُطَيّرَةً في الجوّ من كلّ قشعمِ
متى تعبسِ الهيجا لهُ في لقائِهِ / رأتْ منه في الإقحامِ سِنَّ تبسمِ
تَنَقّلَ من سرجِ الكميّ بحتْفِهِ / إلى حفرةٍ في جوفِ لحدٍ مُسَنَّمِ
وكم مُكْرَمٍ بالعزِّ فَوْقَ أريكةٍ / يصيرُ إلى بيت العلى المتهدّمِ
وكم كرمٍ تنهلّ جدوى يمينه / لأيدي عفاةٍ من مُحِلّ ومحرمِ
كأنّ صفَاءَ الجوّ يوْمَ عَطائِهِ / مشوبٌ بشؤبوب الغمام المديّمِ
فَظُلّلْتُ منه في تَوحّشِ غُرْبَةٍ / بظلّ جناح بين غبراءَ مظلمِ
وأرضَعَني ثَدْيَ المنى فكأنّني / وليدٌ أتى عمرانَ شيخ التقدمِ
وما أبْتُ عن جدواهُ إلا مُشَيَّعَاً / بإفْضالِ ذي فضْلٍ وإنعام منعمِ
فيا سيّداً زُرْناهُ حيّاً وميّتاً / فما زَالَ في هذا الجنابِ المعظمِ
نردّد تسليماً عليك محبّةً / وإن كنتَ لم تَرْدُدْ سلامَ المسلّمِ
وذي خفقات بالقرى تسحق الحصى / لهنَّ اجتراء من حديد التحدّمِ
وراجي النّدى من غيره كمعوَّضٍ / من الماءِ إذ صلّى ترابَ التيمّمِ
ويبدي علاهُ من أسرّةِ وجهه / سناءَ نسيم الخير للمتوسّمِ
وقد كان ذاك البشرُ منه مُبَشّراً / بأكْبَرِ مأمولٍ وأوفرِ مَغْنَمِ
وما زال ميالاً إلى البرّ والتّقى / تقيّ نقيّ القلب من كلّ مأثمِ
تنَقّلَ والإكرامُ من ربّه له / إلى جَنّةٍ فيها له دار مكرمِ
له كلّ نادٍ بالوقار مُكَرَّمٌ / بغيرِ وقورٍ منه مِقْوَلُ أبكمِ
وَصَفْحٌ عن الجاني بشيمةِ صَفْحِهِ / وَحِلْمٌ حكى في الغيظِ هضْبَ يلملمِ
ومدرسةٌ أبناؤها فُقَهاؤها / فَمِنْ عالمٍ منهمْ وَمِنْ متعلّمِ
ضراغمُ في الجيش اللهامِ وإنّما / فوارسُهُمْ في الحرب من كلّ ضيَغمِ
وقد كان في نصر الشريعة مُشْرعاً / عن الحقّ ما يَشْفي به كلَّ مُسْلمِ
أرى قائدَ القوّادِ أعطى مَقَادَهُ / لحكم قضاءٍ في البرايا محكَّمِ
وأسْلَمَ للحتْفِ المقدَّرِ نَفْسَهُ / وقد كان لا يرقى إليه بِسُلّمِ
إذا المَلْك ناجاه بِوحْيِ إشارة / رأيتَ له نَهْضَ العقابِ المحرّمِ
فتستهدِفُ الأغراضَ آراؤهُ كما / تُقَرْطِسُ أغراضاً صوائبُ أسهمِ
وتهدي له كفُّ تصولُ على العدا / إلى كفّ ميمون المضاءِ المصمّم
أأبناؤهُ أنْتمْ سراة أكابرٍ / فكلكمُ من مُكْرَمٍ وابن مكرمِ
وأنتم سيوفٌ للسيوف مواضياً / وأيمانكم فيها ذوات تَخَتّمِ
عزاءٌ جميل في المصاب فإنّكم / جبالُ حلومٍ بل طوالعُ أنجمِ
فدامَ لكمْ في العزّ شملٌ منظَّمٌ / وشَمْلُ الأعادي منه غير منظَّمِ
لهمْ رياضُ حتوفٍ فالذبابُ بها
لهمْ رياضُ حتوفٍ فالذبابُ بها / تشدوهمُ في الهوادي كلما اقتحموا
بيضٌ تصفّ المنايا السودَ صارخةً / وهي الذكورُ التي انقضتْ بها القممُ
وحمّامِ سوءٍ وخيمِ الهواءِ
وحمّامِ سوءٍ وخيمِ الهواءِ / قليلِ المياه كثيرِ الزّحامِ
فما للقيامِ قعودٌ به / ولا للقعود به مِنْ قيامِ
حنيّاتُهُ قانصاتٌ لنفسي / وَقَطْرَاتُهُ صائباتُ السهامِ
ذكرْتُ بهَ النّارَ حتى لقدْ / تخيلتُ إيقادَها في عظامي
فيا رَبّ عَفْوَكَ عن مُذنبٍ / يخافُ لقاءَكَ بَعْد الحِمامِ
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ / أكلْتُمْ عليها طولَ ليلكمُ لحمي
بلى لو قَدَرْتُمْ لاتخذتم شرابَكُمْ / دمي في كؤوسٍ وهي تُنحتُ من عظمي
سلامٌ عليكم أوقدوا نارَ حَرْبِكُمْ / فإني مفيضٌ ماءَ سَلْميَ من حلمي
فللحم عندي إن أكلتم عواقبٌ / تُقَصّرُ عنهُنّ العواقب للظلمِ
وَلي مِقْوَلٌ قد أطْلَقَتْهُ سَجيّتي / عن الحمدِ لما عَقَلَتْهُ عَنِ الذمِّ