المجموع : 35
طَمَعٌ أَلقى عَنِ الغَربِ اللِثاما
طَمَعٌ أَلقى عَنِ الغَربِ اللِثاما / فَاِستَفِق يا شَرقُ وَاِحذَر أَن تَناما
وَاِحمِلي أَيَّتُها الشَمسُ إِلى / كُلِّ مَن يَسكُنُ في الشَرقِ السَلاما
وَاِشهَدي يَومَ التَنادي أَنَّنا / في سَبيلِ الحَقِّ قَد مِتنا كِراما
مادَتِ الأَرضُ بِنا حينَ اِنتَشَت / مِن دَمِ القَتلى حَلالاً وَحَراما
عَجِزَ الطُليانُ عَن أَبطالِنا / فَأَعَلّوا مِن ذَرارينا الحُساما
كَبَّلوهُم قَتَلوهُم مَثَّلوا / بِذَواتِ الخِدرِ طاحوا بِاليَتامى
ذَبَحوا الأَشياخَ وَالزَمنى وَلَم / يَرحَموا طِفلاً وَلَم يُبقوا غُلاما
أَحرَقوا الدورَ اِستَحَلّوا كُلَّ ما / حَرَّمَت لاهايُ في العَهدِ اِحتِراما
بارَكَ المَطرانُ في أَعمالِهِم / فَسَلوهُ بارَكَ القَومَ عَلاما
أَبِهَذا جاءَهُم إِنجيلُهُم / آمِراً يُلقي عَلى الأَرضِ سَلاما
كَشَفوا عَن نِيَّةِ الغَربِ لَنا / وَجَلَوا عَن أُفُقِ الشَرقِ الظَلاما
فَقَرَأناها سُطوراً مِن دَمٍ / أَقسَمَت تَلتَهِمُ الشَرقَ اِلتِهاما
أَطلَقوا الأُسطولَ في البَحرِ كَما / يُطلِقُ الزاجِلُ في الجَوِّ الحَماما
فَمَضى غَيرَ بَعيدٍ وَاِنثَنى / يَحمِلُ الأَنباءَ شُؤماً وَاِنهِزاما
قَد مَلَأنا البَرَّ مِن أَشلائِهِم / فَدَعوهُم يَملَئوا الدُنيا كَلاما
أَعلَنوا الحَربَ وَأَضمَرنا لَهُم / أَينَما حَلّوا هَلاكاً وَاِختِراما
خَبِّروا فِكتورَ عَنّا أَنَّهُ / أَدهَشَ العالَمَ حَرباً وَنِظاما
أَدهَشَ العالَمَ لَمّا أَن رَأَوا / جَيشَهُ يَسبِقُ في الجَريِ النَعاما
لَم يَقِف في البَرِّ إِلّا رَيثَما / يُسلِمُ الأَرواحَ أَو يُلقي الزِماما
حاتِمَ الطُليانِ قَد قَلَّدتَنا / مِنَّةً نَذكُرُها عاماً فَعاما
أَنتَ أَهدَيتَ إِلَينا عُدَّةً / وَلِباساً وَشَراباً وَطَعاما
وَسِلاحاً كانَ في أَيديكُمُ / ذا كَلالٍ فَغَدا يَفري العِظاما
أَكثِروا النُزهَةَ في أَحيائِنا / وَرُبانا إِنَّها تَشفي السَقاما
وَأَقيموا كُلَّ عامٍ مَوسِماً / يُشبِعُ الأَيتامَ مِنّا وَالأَيامى
لَستُ أَدري بِتَّ تَرعى أُمَّةٍ / مِن بَني التَليانِ أَم تَرعى سَواما
ما لَهُم وَالنَصرُ مِن عاداتِهِم / لَزِموا الساحِلَ خَوفاً وَاِعتِصاما
أَفلَتوا مِن نارِ فيزوفَ إِلى / نارِ حَربٍ لَم تَكُن أَدنى ضِراما
لَم يَكُن فيزوفُ أَدهى حِمَماً / مِن كُراتٍ تَنفُثُ المَوتَ الزُؤاما
إيهِ يا فيزوفُ نَم عَنهُم فَقَد / نَفَضَت إِفريقِيا عَنها المَناما
فَهيَ بُركانٌ لَهُم سَخَّرَهُ / مالِكُ المُلكِ جَزاءً وَاِنتِقاما
لَو دَرَوا ما خَبَّأَ الشَرقُ لَهُم / آثَروا فيزوفَ وَاِختاروا المُقاما
تِلكَ عُقبى أُمَّةٍ غادِرَةٍ / تَنكُثُ العَهدَ وَلا تَرعى الذِماما
تِلكَ عُقبى كُلِّ جَبّارٍ طَغى / أَو تَعالى أَو عَنِ الحَقِّ تَعامى
لَو دَرَت رومَةُ ما قَد نابَها / في طَرابُلسَ أَبَت إِلّا اِنقِساما
وَأَبى كُلُّ اِشتِراكِيٍّ بِها / أَن يَرى التاجَ عَلى رَأسٍ أَقاما
أَعلَنوا ضَمَّ مَغانينا إِلى / مُلكِ فِكتورَ وَلَم يَخشَوا مَلاما
أَعلَنوا الضَمَّ وَلَمّا يَفتَحوا / قَيدَ أُظفورٍ وَراءً أَو أَماما
فَاِعجَبوا مِن فاتِحٍ ذي مِرَّةٍ / يَحسَبُ النُزهَةَ في البَحرِ صِداما
وَيَرى الفَتحَ اِدِّعاءً باطِلاً / وَاِفتِراءً وَاِحتِجاجاً وَاِحتِكاما
أَيُّها الحائِرُ في البَحرِ اِقتَرِب / مِن حِمى البُسفورِ إِن كُنتَ هُماما
كَم سَمِعنا عَن لِسانِ البَرقِ ما / يُزعِجُ الدُنيا إِذا الأُسطولُ عاما
عامَ شَهرَينِ وَلَم يَفتَح سِوى / هُوَّةٍ فيها المَلايينُ تَرامى
دَفَنوا تاريخَهُم في قاعِها / وَرَمَوا في إِثرِهِ المَجدَ غُلاما
فَاِطمَئِنّي أُمَمَ الشَرقِ وَلا / تَقنَطي اليَومَ فَإِنَّ الجَدَّ قاما
إِنَّ في أَضلاعِنا آفئِدَةً / تَعشَقُ المَجدَ وَتَأبى أَن تُضاما
أَيا صوفِيا حانَ التَفَرُّقُ فَاِذكُري
أَيا صوفِيا حانَ التَفَرُّقُ فَاِذكُري / عُهودَ كِرامٍ فيكِ صَلّوا وَسَلَّموا
إِذا عُدتِ يَوماً لِلصَليبِ وَأَهلِهِ / وَحَلّى نَواحيكِ المَسيحُ وَمَريَمُ
وَدُقَّت نَواقيسٌ وَقامَ مُزَمِّرٌ / مِنَ الرومِ في مِحرابِهِ يَتَرَنَّمُ
فَلا تُنكِري عَهدَ المَآذِنِ إِنَّهُ / عَلى اللَهِ مِن عَهدِ النَواقيسِ أَكرَمُ
تَبارَكتَ بَيتُ القُدسِ جَذلانُ آمِنٌ / وَلا يَأمَنُ البَيتُ العَتيقُ المُحَرَّمُ
أَيُرضيكَ أَن تَغشى سَنابِكُ خَيلِهِم / حِماكَ وَأَن يُمنى الحَطيمُ وَزَمزَمُ
وَكَيفَ يَذِلُّ المُسلِمونَ وَبَينَهُم / كِتابُكَ يُتلى كُلَّ يَومٍ وَيُكرَمُ
نَبِيُّكَ مَحزونٌ وَبَيتُكَ مُطرِقٌ / حَياءً وَأَنصارُ الحَقيقَةِ نُوَّمُ
عَصَينا وَخالَفنا فَعاقَبتَ عادِلاً / وَحَكَّمتَ فينا اليَومَ مَن لَيسَ يَرحَمُ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ / وَاِبنُ الكِنانَةِ في حِماهُ يُضامُ
صَبّوا البَلاءَ عَلى العِبادِ فَنِصفُهُم / يَجبي البِلادَ وَنِصفُهُم حُكّامُ
أَشكو إِلى قَصرِ الدُبارَةِ ما جَنى / صِدقي الوَزيرُ وَما جَبى عَلّامُ
قُل لِلمُحايِدِ هَل شَهِدتَ دِماءَنا / تَجري وَهَل بَعدَ الدِماءِ سَلامُ
سُفِكَت مَوَدَّتُنا لَكُم وَبَدا لَنا / أَنَّ الحِيادَ عَلى الخِصامِ لِثامُ
إِنَّ المَراجِلَ شَرُّها لا يُتَّقى / حَتّى يُنَفِّسَ كَربَهُنَّ صِمامُ
لَم يَبقَ فينا مَن يُمَنّي نَفسَهُ / بِوِدادِكُم فَوِدادُكُم أَحلامُ
أَمِنَ السِياسَةِ وَالمُروءَةِ أَنَّنا / نَشقى بِكُم في أَرضِنا وَنُضامُ
إِنّا جَمَعنا لِلجِهادِ صُفوفَنا / سَنَموتُ أَو نَحيا وَنَحنُ كِرامُ
وَدَعا عَلَيكَ اللَهَ في مِحرابِهِ / الشَيخُ وَالقِسّيسُ وَالحاخامُ
لاهُمَّ أَحيِ ضَميرَهُ لِيَذوقَها / غُصَصاً وَتَنسِفَ نَفسَهُ الآلامُ
بَنَيتُم عَلى الأَخلاقِ آساسَ مُلكِكُم
بَنَيتُم عَلى الأَخلاقِ آساسَ مُلكِكُم / فَكانَ لَكُم بَينَ الشُعوبِ ذِمامُ
فَما لي أَرى الأَخلاقَ قَد شابَ قَرنُها / وَحَلَّ بِها ضَعفٌ وَدَبَّ سَقامُ
أَخافُ عَلَيكُم عَثرَةً بَعدَ نَهضَةٍ / فَلَيسَ لِمُلكِ الظالِمينَ دَوامُ
أَضَعتُم وِداداً لَو رَعَيتُم عُهودَهُ / لَما قامَ بَينَ الأُمَّتَينِ خِصامُ
أَبَعدَ حِيادٍ لا رَعى اللَهُ عَهدَهُ / وَبَعدَ الجُروحِ الناغِراتِ وِئامُ
إِذا كانَ في حُسنِ التَفاهُمِ مَوتُنا / فَلَيسَ عَلى باغي الحَياةِ مَلامُ
حَوِّلوا النيلَ وَاِحجُبوا الضَوءَ عَنّا
حَوِّلوا النيلَ وَاِحجُبوا الضَوءَ عَنّا / وَاِطمِسوا النَجمَ وَاِحرِمونا النَسيما
وَاِملَئوا البَحرَ إِن أَرَدتُم سَفيناً / وَاِملَئوا الجَوَّ إِن أَرَدتُم رُجوما
وَأَقيموا لِلعَسفِ في كُلِّ شِبرٍ / كُنسُتَبلاً بِالسَوطِ يَفري الأَديما
إِنَّنا لَن نَحولَ عَن عَهدِ مِصرٍ / أَو تَرَونا في التُربِ عَظماً رَميما
عاصِفٌ صانَ مُلكَكُم وَحَماكُم / وَكَفاكُم بِالأَمسِ خَطباً جَسيما
غالَ أَرمادَةَ العَدُوَّ فَفُزتُم / وَبَلَغتُم في الشَرقِ شَأواً عَظيما
فَعَدَلتُم هُنَيهَةً وَبَغَيتُم / وَتَرَكتُم في النيلِ عَهداً ذَميما
فَشَهِدنا ظُلماً يُقالُ لَهُ العَد / لُ وَوُدّاً يَسقي الحَميمَ الحَميما
فَاِتَّقوا غَضبَةَ العَواصِفِ إِنّي / قَد رَأَيتُ المَصيرَ أَمسى وَخيما
سَعَيتُ إِلى أَن كِدتُ أَنتَعِلُ الدَما
سَعَيتُ إِلى أَن كِدتُ أَنتَعِلُ الدَما / وَعُدتُ وَما أُعقِبتُ إِلّا التَنَدُّما
لَحى اللَهُ عَهدَ القاسِطينَ الَّذي بِهِ / تَهَدَّمَ مِن بُنيانِنا ما تَهَدَّما
إِذا شِئتَ أَن تَلقى السَعادَةَ بَينَهُم / فَلا تَكُ مِصرِيّاً وَلا تَكُ مُسلِما
سَلامٌ عَلى الدُنيا سَلامَ مُوَدِّعٍ / رَأى في ظَلامِ القَبرِ أُنساً وَمَغنَما
أَضَرَّت بِهِ الأولى فَهامَ بِأُختِها / فَإِن ساءَتِ الأُخرى فَوَيلاهُ مِنهُما
فَهُبّي رِياحَ المَوتِ نُكباً وَأَطفِئي / سِراجَ حَياتي قَبلَ أَن يَتَحَطَّما
فَما عَصَمَتني مِن زَماني فَضائِلي / وَلَكِن رَأَيتُ المَوتَ لِلحُرِّ أَعصَما
فَيا قَلبُ لا تَجزَع إِذا عَضَّكَ الأَسى / فَإِنّكَ بَعدَ اليَومِ لَن تَتَأَلَّما
وَيا عَينُ قَد آنَ الجُمودُ لِمَدمَعي / فَلا سَيلَ دَمعٍ تَسكُبينَ وَلا دَما
وَيا يَدُ ما كَلَّفتُكِ البَسطَ مَرَّةً / لِذي مِنَّةٍ أَولى الجَميلَ وَأَنعَما
فَلِلَّهِ ما أَحلاكِ في أَنمُلِ البِلى / وَإِن كُنتِ أَحلى في الطُروسِ وَأَكرَما
وَيا قَدَمي ما سِرتِ بي لِمَذَلَّةٍ / وَلَم تَرتَقي إِلّا إِلى العِزِّ سُلَّما
فَلا تُبطِئي سَيراً إِلى المَوتِ وَاِعلَمي / بِأَنَّ كَريمَ القَومِ مَن ماتَ مُكرَما
وَيا نَفسُ كَم جَشَّمتُكِ الصَبرَ وَالرِضا / وَجَشَّمتِني أَن أَلبَسَ المَجدَ مُعلَما
فَما اِسطَعتِ أَن تَستَمرِئي مُرَّ طَعمِهِ / وَما اِسطَعتُ بَينَ القَومِ أَن أَتَقَدَّما
فَهَذا فِراقٌ بَينَنا فَتَجَمَّلي / فَإِنَّ الرَدى أَحلى مَذاقاً وَمَطعَما
وَيا صَدرُ كَم حَلَّت بِذاتِكَ ضيقَةٌ / وَكَم جالَ في أَنحائِكَ الهَمُّ وَاِرتَمى
فَهَلّا تَرى في ضيقَةِ القَبرِ فُسحَةً / تُنَفِّسُ عَنكَ الكَربَ إِن بِتَّ مُبرَما
وَيا قَبرُ لا تَبخَل بِرَدِّ تَحِيَّةٍ / عَلى صاحِبٍ أَوفى عَلَينا وَسَلَّما
وَهَيهاتَ يَأتي الحَيُّ لِلمَيتِ زائِراً / فَإِنّي رَأَيتُ الوُدَّ في الحَيِّ أُسقِما
وَيا أَيُّها النَجمُ الَّذي طالَ سُهدُهُ / وَقَد أَخَذَت مِنهُ السُرى أَينَ يَمَّما
لَعَلَّكَ لا تَنسى عُهودَ مُنادِمٍ / تَعَلَّمَ مِنكَ السُهدَ وَالأَينَ كُلَّما
طوفوا بِأَركانِ هَذا القَبرِ وَاِستَلِموا
طوفوا بِأَركانِ هَذا القَبرِ وَاِستَلِموا / وَاِقضوا هُنالِكَ ما تَقضي بِهِ الذِمَمُ
هُنا جَنانٌ تَعالى اللَهُ بارِئُهُ / ضاقَت بِآمالِهِ الأَقدارُ وَالهِمَمُ
هُنا فَمٌ وَبَنانٌ لاحَ بَينَهُما / في الشَرقِ فَجرٌ تُحَيّي ضَوءَهُ الأُمَمُ
هُنا فَمٌ وَبَنانٌ طالَما نَثَرا / نَثراً تَسيرُ بِهِ الأَمثالُ وَالحِكَمُ
هُنا الكَمِيُّ الَّذي شادَت عَزائِمُهُ / لِطالِبِ الحَقِّ رُكناً لَيسَ يَنهَدِمُ
هُنا الشَهيدُ هُنا رَبُّ اللِواءِ هُنا / حامي الذِمارِ هُنا الشَهمُ الَّذي عَلِموا
يا أَيُّها النائِمُ الهاني بِمَضجَعِهِ / لِيَهنِكَ النَومُ لا هَمٌّ وَلا سَقَمُ
باتَت تُسائِلُنا في كُلِّ نازِلَةٍ / عَنكَ المَنابِرُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
تَرَكتَ فينا فَراغاً لَيسَ يَشغَلُهُ / إِلّا أَبِيٌّ ذَكِيُّ القَلبِ مُضطَرِمُ
مُنَفَّرُ النَومِ سَبّاقٌ لِغايَتِهِ / آثارُهُ عَمَمٌ آمالُهُ أَمَمُ
إِنّي أَرى وَفُؤادي لَيسَ يَكذِبُني / روحاً يَحُفُّ بِها الإِكبارُ وَالعِظَمُ
أَرى جَلالاً أَرى نوراً أَرى مَلَكاً / أَرى مُحَيّاً يُحَيّينا وَيَبتَسِمُ
اللَهُ أَكبَرُ هَذا الوَجهُ أَعرِفُهُ / هَذا فَتى النيلِ هَذا المُفرَدُ العَلَمُ
غُضّوا العُيونَ وَحَيّوهُ تَحِيَّتَهُ / مِنَ القُلوبِ إِذا لَم تُسعِدِ الكَلِمُ
وَأَقسِموا أَن تَذودوا عَن مَبادِئِهِ / فَنَحنُ في مَوقِفٍ يَحلو بِهِ القَسَمُ
لَبَّيكَ نَحنُ الأُلى حَرَّكتَ أَنفُسَهُم / لَمّا سَكَنتَ وَلَمّا غالَكَ العَدَمُ
جِئنا نُؤَدّي حِساباً عَن مَواقِفِنا / وَنَستَمِدُّ وَنَستَعدي وَنَحتَكِمُ
قيلَ اِسكُتوا فَسَكَتنا ثُمَّ أَنطَقَنا / عَسفُ الجُفاةِ وَأَعلى صَوتَنا الأَلَمُ
قَدِ اِتُّهِمنا وَلَمّا نَطَّلِب جَلَلاً / إِنَّ الضَعيفَ عَلى الحالَينِ مُتَّهَمُ
قالوا لَقَد ظَلَموا بِالحَقِّ أَنفُسَهُم / وَاللَهُ يَعلَمُ أَنَّ الظالِمينَ هُمُ
إِذا سَكَتنا تَناجَوا تِلكَ عادَتُهُم / وَإِن نَطَقنا تَنادَوا فِتنَةٌ عَمَمُ
قَد مَرَّ عامٌ بِنا وَالأَمرُ يَحزُبُنا / آناً وَآوِنَةً تَنتابُنا النِقَمُ
فَالناسُ في شِدَّةٍ وَالدَهرُ في كَلَبٍ / وَالعَيشُ قَد حارَ فيهِ الحاذِقُ الفَهِمُ
وَلِلسِياسَةِ فينا كُلَّ آوِنَةٍ / لَونٌ جَديدٌ وَعَهدٌ لَيسَ يُحتَرَمُ
بَينا نَرى جَمرَها تُخشى مَلامِسُهُ / إِذا بِهِ عِندَ لَمسِ المُصطَلي فَحَمُ
تُصغي لِأَصواتِنا طَوراً لِتَخدَعَنا / وَتارَةً يَزدَهيها الكِبرُ وَالصَمَمُ
فَمِن مُلايَنَةٍ أَستارُها خُدَعٌ / إِلى مُصالَبَةٍ أَستارُها وَهَمُ
ماذا يُريدونَ لا قَرَّت عُيونُهُمُ / إِنَّ الكِنانَةَ لا يُطوى لَها عَلَمُ
كَم أُمَّةٍ رَغِبَت فيها فَما رَسَخَت / لَها عَلى حَولِها في أَرضِها قَدَمُ
ما كانَ رَبُّكَ رَبُّ البَيتِ تارِكَها / وَهيَ الَّتي بِحِبالٍ مِنهُ تَعتَصِمُ
لَبَّيكَ إِنّا عَلى ما كُنتَ تَعهَدُهُ / حَتّى نَسودَ وَحَتّى تَشهَدَ الأُمَمُ
فَيَعلَمَ النيلُ أَنّا خَيرُ مَن وَرَدوا / وَيَستَطيلَ اِختِيالاً ذَلِكَ الهَرَمُ
هَذا الغِراسُ الَّذي والَيتَ مَنبِتَهُ / بِخَيرِ ما والَتِ الأَضواءُ وَالنَسَمُ
أَمسى وَأَضحى وَعَينُ اللَهِ تَحرُسُهُ / حَتّى نَما وَحَلاهُ المَجدُ وَالشَمَمُ
فَاُنظُر إِلَيهِ وَقَد طالَت بَواسِقُهُ / تَهنَأ بِهِ وَلِأَنفِ الحاسِدِ الرَغَمُ
يا أَيُّها النَشءُ سيروا في طَريقَتِهِ / وَثابِروا رَضِيَ الأَعداءُ أَو نَقِموا
فَكُلُّكُم مُصطَفى لَو سارَ سيرَتَهُ / وَكُلُّكُم كامِلٌ لَو جازَهُ السَأَمُ
قَد كانَ لا وانِياً يَوماً وَلا وَكِلاً / يَستَقبِلُ الخَطبَ بَسّاماً وَيَقتَحِمُ
وَأَنتَ يا قَبرُ قَد جِئنا عَلى ظَمَإٍ / فَجُد لَنا بِجَوابٍ جادَكَ الدِيَمُ
أَينَ الشَبابُ الَّذي أودِعتَ نَضرَتَهُ / أَينَ الخِلالُ رَعاكَ اللَهُ وَالشِيَمُ
وَما صَنَعتَ بِآمالٍ لَنا طُوِيَت / يا قَبرُ فيكَ وَعَفّى رَسمَها القِدَمُ
أَلا جَوابٌ يُرَوّي مِن جَوانِحِنا / ما لِلقُبورِ إِذا ما نودِيَت تَجِمُ
نَم أَنتَ يَكفيكَ ما عانَيتَ مِن تَعَبٍ / فَنَحنُ في يَقظَةٍ وَالشَملُ مُلتَئِمُ
هَذا لِواؤُكَ خَفّاقٌ يُظَلِّلُنا / وَذاكَ شَخصُكَ في الأَكبادِ مُرتَسِمُ
لا مَرحَباً بِكَ أَيُّهَذا العامُ
لا مَرحَباً بِكَ أَيُّهَذا العامُ / لَم يُرعَ عِندَكَ لِلأُساةِ ذِمامُ
في مُستَهَلِّكَ رُعتَنا بِمَآتِمٍ / لِلنافِعينَ مِنَ الرِجالِ تُقامُ
عَلَمانِ مِن أَعلامِ مِصرَ طَواهُما / فيكَ الرَدى فَبَكَتهُما الأَهرامُ
غَيَّبتَ شُكري وَهوَ نابِهُ عَصرِهِ / وَأَصَبتَ إِبراهيمَ وَهوَ إِمامُ
خَدَما رُبوعَ النيلِ في عَهدَيهِما / وَالطِبُّ نَبتٌ لَم يَجُدهُ غَمامُ
وَالناسُ بِالغَربِيِّ في تَطبيبِهِ / وَلِعوا عَلى بُعدِ المَزارِ وَهاموا
حَتّى اِنبَرى شُكري فَأَثبَتَ سَبقُهُ / أَنَّ اِبنَ مِصرَ مُجَرِّبٌ مِقدامُ
وَأَقامَ إِبراهيمُ أَبلَغَ حُجَّةٍ / أَنَّ العَرينَ يَحُلُّهُ ضِرغامُ
وَتَرَسَّمَ المُتَعَلِّمونَ خُطاهُما / فَاِنشَقَّ مِن عَلَمَيهِما أَعلامُ
قَد أَقسَموا لِلطِبِّ أَن يَسموا بِهِ / فَوقَ السِماكِ فَبَرَّتِ الأَقسامُ
وَغَدَت رُبوعُ الطِبِّ تَحكي جَنَّةً / فيها لِبُقراطَ الحَكيمِ مَقامُ
وَرَأى عَليلُ النيلِ أَنَّ أُساتَهُ / بَذّوا الأُساةَ فَلَم يَرُعهُ سَقامُ
يا مِصرُ حَسبُكِ ما بَلَغتِ مِنَ المُنى / صَدَقَ الرَجاءُ وَصَحَّتِ الأَحلامُ
وَمَشى بَنوكِ كَما اِشتَهَيتِ إِلى العُلا / وَعَلى الوَلاءِ كَما عَلِمتِ أَقاموا
وَمَدَدتِ صَوتَكِ بَعدَ طولِ خُفوتِهِ / فَدَعا بِعافِيَةٍ لَكِ الإِسلامُ
وَرَفَعتِ رَأسَكِ عِندَ مُفتَخَرِ النُهى / بَينَ المَمالِكِ حَيثُ تُحنى الهامُ
كَم فيكِ جَرّاحٌ كَأَنَّ يَمينَهُ / عِندَ الجِراحَةِ بَلسَمٌ وَسَلامُ
قَد صيغَ مِبضَعُهُ وَإِن أَجرى دَماً / مِن رَحمَةٍ فَجَريحُهُ بَسّامُ
وَمُوَفَّقٍ جَمِّ الصَوابِ إِذا اِلتَوى / داءُ العَليلِ وَحارَتِ الأَفهامُ
يُلقي بِسَمعٍ لا يَخونُ إِذا هَفَت / أُذُنٌ وَخانَ المِسمَعَينِ صِمامُ
وَإِذا عُضالُ الداءِ أَبهَمَ أَمرُهُ / عَرَفَت خَفِيَّ دَبيبِهِ الإِبهامُ
يَستَنطِقُ الآلامَ وَهيَ دَفينَةٌ / خَرساءُ حَتّى تَنطِقَ الآلامُ
كَم سَلَّ مِن أَيدي المَنايا أَنفُساً / وَثَنى عِنانَ المَوتِ وَهوَ زُؤامُ
وَمُطَبِّبٍ لِلعَينِ يَحمِلُ ميلُهُ / نوراً إِذا غَشّى العُيونَ قَتامُ
وَكَأَنَّ إِثمِدَهُ ضِياءٌ ذَرَّهُ / عيسى بنُ مَريَمَ فَاِنجَلى الإِظلامُ
وَمُطَبِّبٍ لِلطِفلِ لَم تَنبُت لَهُ / سِنٌّ وَلَم يَدرُج إِلَيهِ فِطامُ
يَشكو السَقامَ بِناظِرَيهِ وَما لَهُ / غَيرُ التَفَزُّزِ وَالأَنينِ كَلامُ
فَكَمِ اِستَشَفَّ وَكَم أَصابَ كَأَنَّما / في نَظرَتَيهِ الوَحيُ وَالإِلهامُ
وَمُوَلِّدٍ عَرَفَ الأَجِنَّةُ فَضلَهُ / إِن أَعسَرَت بِوِلادِها الأَرحامُ
كَم قَد أَنارَ لَها بِحالِكَةِ الحَشا / سُبُلاً تَضِلُّ سُلوكَها الأَوهامُ
لَولا يَداهُ سَطا عَلى أَبدانِها / كَربُ المَخاضِ وَشَفَّها الإيلامُ
فَبِهَؤُلاءِ الغُرِّ يا مِصرَ اِهنَئي / فَبِمِثلِهِم تَتَفاخَرُ الأَيّامُ
وَعَلى طَبيبَيكِ اللَذَينِ رَماهُما / رامي المَنونِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ
عَلَمانِ مِن أَعلامِ مِص
عَلَمانِ مِن أَعلامِ مِص / رَ عَدا الرَدى فَطَواهُما
حَسَنٌ وَزُهدي لَم يُمَت / تَع بِالشَبابِ كِلاهُما
سَلَكا سَبيلَ الحَقِّ ما / عاشا وَما أَولاهُما
داسَ الأَثيمُ حِماهُما / تَحتَ الدُجى وَدَهاهُما
فَرَمى النُهى وَالفَضلَ مُج / تَمِعينَ حينَ رَماهُما
إِن تَذكُروا هِمَمَ الرِجا / لِ فَقَدِّموا ذِكراهُما
أَو تَسأَلوني عَن شَهي / دَي مَبدَإٍ فَهُما هُما
أُعَزّي فيكَ أَهلَكَ أَم أُعَزّي
أُعَزّي فيكَ أَهلَكَ أَم أُعَزّي / عُفاةَ الناسِ أَم هِمَمَ الكِرامِ
وَما أَدري أَرُكنُ الجاهِ أَودى / وَقَد أَودَيتَ أَم رُكنُ الشَآمِ
عيدٌ هُنا وَهُناكَ قامَ المَأتَمُ
عيدٌ هُنا وَهُناكَ قامَ المَأتَمُ / مَلِكٌ يَنوحُ وَتابِعٌ يَتَرَنَّمُ
عَجَباً أَرى تِلكَ الدِماءَ فَهاهُنا / دَمُ فَرحَةٍ وَهُناكَ لِلقَتلى دَمُ
سَخَّرَ العِلمَ لِيَبني آيَةً
سَخَّرَ العِلمَ لِيَبني آيَةً / فَوقَ شَطِّ النيلِ تَبدو كَالعَلَم
هِيَ ذِكرٌ خالِدٌ لَكِنَّهُ / عابِسُ الوَجهِ إِذا الذِكرُ اِبتَسَم
كُلُّ ما فيها عَلى إِعجازِها / أَنَّها قَبرٌ لِجَبّارٍ حُطَم
لَيتَهُ سَخَّرَ ما في عَهدِهِ / مِن قُوىً في غَيرِ تَقديسِ الرِمَم
مِن فُنونٍ أَعجَزَت أَطواقَنا / وَعُلومٍ عِندَها الفِكرُ وَجَم
وَبَنانٍ مُبدِعاتٍ صَوَّرَت / أَوجُهَ العُذرِ لِعُبّادِ الصَنَم
أَبدَعَت ما أَبدَعَت ثُمَّ اِنطَوَت / وَعَلى أَسرارِها الدَهرُ خَتَم
قَد غَفَونا وَاِنتَبَهنا فَإِذا
قَد غَفَونا وَاِنتَبَهنا فَإِذا / نَحنُ غَرقى وَإِذا المَوتُ أَمَم
ثُمَّ كانَت فَترَةٌ مَقدورَةٌ / غَرَّ فينا الدَهرُ ضَعفٌ فَهَجَم
فَتَماسَكنا فَكانَت قُوَّةٌ / زَلزَلَت رُكنَ اللَيالي فَاِنهَدَم
كانَ في الأَنفُسِ جُرحٌ مِن هَوىً / نَظَرَ اللَهُ إِلَيهِ فَاِلتَأَم
فَنَشَدنا العَيشَ حُرّاً طَلَقاً / تَحتَ ظِلِّ اللَهِ لا ظِلِّ الأُمَم
وَحَقيقٌ أَن يُوَفّى حَقَّهُ / مَن بِحَبلِ اللَهِ وَالصَبرِ اِعتَصَم
آفَةُ المَرءِ إِذا المَرءُ وَنى / آفَةُ الشَعبِ إِذا الشَعبُ اِنقَسَم
لَيسَ مِنّاً مَن يَني أَو يَنثَني / أَو يَعُقُّ النيلَ في رَعيِ الذِمَم
نَشءَ مِصرٍ نَبِّئوا مِصراً بِكَم / تَشتَرونَ المَقصِدَ الأَسمى بِكَم
بِنِضالٍ يُصقَلُ العَزمُ بِهِ / وَسُهادٍ في العُلا حُلوِ الأَلَم
أَنا لا أَفخَرُ بِالماضي وَلا / أَحسَبُ الحاضِرَ يُطرى أَو يُذَم
كُلُّ هَمّي أَن أَراكُم في غَدٍ / مِثلَ ما كُنتُم أُسوداً في أَجَم
فَالفَتى كُلُّ الفَتى مَن لَو رَأى / في اِقتِحامِ النارِ عِزّاً لَاِقتَحَم
لا تَظُنّوا العَيشَ أَحلامَ المُنى / ذاكَ عَهدٌ قَد تَوَلّى وَاِنصَرَم
هُوَ حَربٌ بَينَ فَقرٍ وَغِنىً / وَصِراعٌ بَينَ بُرءٍ وَسَقَم
هُوَ نارٌ وَوَقودٌ فَإِذا / غَفَلَ الموقِدُ فَالنارُ حَمَم
فَاِنفُضوا النَومَ وَجِدّوا لِلعُلا / فَالعُلا وَقفٌ عَلى مَن لَم يَنَم
لَيسَ يَجني مَن تَمَنّى وَصلَها / وانِياً أَو وادِعاً غَيرَ النَدَم
وَالأَماني شَرُّ ما تُمنى بِهِ / هِمَّةُ المَرءِ إِذا المَرءُ اِعتَزَم
تَحمِدُ العَزمَ وَتَثني حَدَّهُ / فَهيَ كَالماءِ لِإِخمادِ الضَرَم
وَاُنظُروا اليابانَ في الشَرقِ وَقَد / رَكَّزَت أَعلامَها فَوقَ القِمَم
حارَبوا الجَهلَ وَكانوا قَبلَنا / في دُجى عَميائِهِ حَتّى اِنهَزَم
فَاِسأَلوا عَنها الثُرَثّا لا الثَرى / إِنَّها تَحتَلُّ أَبراجَ الهِمَم
هِمَمٌ يَمشي بِها العِلمُ إِلى / أَنبَلِ الغاياتِ لا تَدري السَأَم
فَهيَ أَنّى حاوَلَت أَمراً مَشَت / خَلفَها الأَيّامُ في صَفِّ الخَدَم
لا تُبالي زُلزِلَت مِن تَحتِها / أَم عَلَيها النَجمُ بِالنَجمِ اِصطَدَم
تَخِذَت شَمسَ الضُحى رَمزاً لَها / وَكَفى بِالشَمسِ رَمزاً لِلعِظَم
فَهيَ لا تَألو صُعوداً تَبتَغي / جانِبَ الشَمسِ مَكاناً لَم يُرَم
هَدِيَّةٌ مِن شاعِرٍ بائِسٍ
هَدِيَّةٌ مِن شاعِرٍ بائِسٍ / إِلى الدِمِرداشي وَلِيِّ النِعَم
يُشرِكُ بِاللَهِ وَلا يَشتَرِك / في نُسخَةٍ فيها ضُروبُ الحِكَم
رِياضُ الأَزبَكِيَّةِ قَد تَحَلَّت
رِياضُ الأَزبَكِيَّةِ قَد تَحَلَّت / بِأَنجابٍ كِرامٍ أَنتَ مِنهُم
فَهَبها جَنَّةً فُتِحَت لِخَيرٍ / وَأَدخِلنا مَعَ المَعفُوِّ عَنهُم