ما للديار تراءى وهي أطلال
ما للديار تراءى وهي أطلال / هل خفّ بالقوم عنها اليوم ترحال
كانت بها السمرات الخضر زاهية / واليوم لا سمر فيها ولا ضال
ما بالها وهي أنقاض مبعثرة / تغبرّ فيهن أبكار وآصال
هل هذّ بنيانها من فوقُ صاعقة / أوهدَ بنيانها من تحتُ زلزال
بل قد عفتها فلم تترك بها أثراً / ريح لها من لهيب النار أذيال
شبّ الحريق بها ليلاً مشيّدةً / فما أتى الصبح إلاّ وهي أطلال
أنارت النار في أطرافها رهجاً / من الدخان كأن النار أبطال
حتى حكت معركاً خرّت بساحته / صرعى بُيوت وأموال وآمال
دار السعادة أمست من تحرّقها / دار الشقاء وقد ضاقت بها الحال
ترنو إلى البحر ترجو نقع غلَتها / لحظ المهّجر إذ يبدو له الآل
تنهال كالرمل بالنيران أدؤرها / حتى تكاد لها الأرواح تنهال
يا ريح مهلاً فلا تُذري الرماد بها / إن الرماد الذي تذرين أموال
قد رُحت للحيّ مذعوراً أيمّمه / ولي عن الزُمَر الباكين تسآل
وفي العراص ديار القوم خاوية / وفي الشوارع نِسوان وأطفال
جلسنَ والشمس فوق الرأس دانية / وللغبار بعرض الحيّ تجوال
ولا خمار فيرددن الغبار به / ولا يقيهنّ حرّ الشمس سربال
حتى وقفت وقلبي كلّه جزع / وأدمعي لجج طوراً وأوشال
ما أنسَ لا أنس أم الطفل قاتلةَ / وفوق وجنتها للدمع تهطال
إني تجرّدت من دنياي حاسرةً / مالي سوى طفليَ الباكي بها مال
أي امرئ بعد هذا اليوم ذي جدة / يَعُولني حيث لا زوج ولا آل
أودى الحريق بدار كنت أسكنها / وكنت من بعضها للقوت اكتال
واليوم أصبحت لا دار ولا وزر / آوي إليه ولا عم ولا خال
أن الحريق خبت نيرانه ومضت / وما خبت في فؤادي منه أو جال
يا ربّ رحماك إني اليوم عاجزة / عمّادها وبظهري منه أثقال
يا رب قد ضقت ذرعاً بالحياة فما / أدري حنانيك ربّي كيف أحتال
وعندما قد شجاني من مقالتها / لفظ يقطعّه في البين أعوال
دنّوت منها قليلاً وهي باكية / ومن بكاها بقلبي هاج بلبال
حتى وقفت وإيناساً لوحشتها / حنَيت رأسي وحني الرأس اجلال
وقلت يا أخت لا تستَيئسي جزعاً / فإنما الدهر ادبار واقبال
أتَجزعين ابتئاساً بين أظهرنا / وكلّنا عنك للبأساء حمّال
مالي أراك بعين اليأس باكيةً / كأنّ أمرك عند القوم اهمال
ألست من أمة أيدي الرجال بها / قد فكّ عنهنّ بالدستور أغلال
حتى لقد أصبحوا أبناء واحدة / في المرزئات وهم في الحكم أشكال
مستعصمين بحبل من أخُوَّتهم / يسمو بهم للعلا فضل وافضال
أمسى التعاضد كالحصن الحصين لهم / إذا تصادم بالأهوال أهوال
فاستبشري اليوم فيما مسّ من ظمأ / بأنّ وردك عند القوم سلسال
وإن حقَّك عول في مساكنهم / وما همو بأداء الحق بخّالَ
تلك التي قد شجتني في مقالتها / وكم لها في نساء الحيّ أمثال
فهل يصدّق قومي ما ظننت بهم / حتى تقوم لهم في المجد أفعال
فالمجد يدرك مرماه البعيد فتىً / رحب الذراعَين طلق الكف مفضال
وأكثر المال حمداً ما يعان به / من عضّهم من نيوب الدهر اقلال
يا قوم هذي سبيل العرف واضحةٌ / فَليمض فيها بكم وخد وارقال
ومَن تك الحال فيها لا تساعده / فليُسعِد النطق أن لم تسعد الحال