المجموع : 26
يا ليتما خلق الزمان أميلا
يا ليتما خلق الزمان أميلا / إني أراه كالشّباب جميلا
ولّى فودّعت السماء بهاءها / من بعده هوى النّهار عليلا
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما / تبغي رقادا أو تريد مقيلا
وتناثرت قطع السحاب كأنها / الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسط السكون جناحه / والليل أمسى ستره مسدولا
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد / وكلّ جفن بالكرى مكحولا
إلا مهفهفة بها نزل الهوى / ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى / أني لأحسد ذلك الموصولا
تحكي المدامة رقة وقساوة / تحكي المهاة لواحظا وتليلا
ماء الحياء يجول في وجناتها / فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
والخدّ أبهج ما يكون موردا / والطرف أفتن ما يكون كحيلا
نظرت وربّ منية من نظرة / قد كان عنها ربّها مشغولا
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى / وهوى ينال به الحمام نبيلا
والحبّ مصدره العيون وربّما / تخذ السماع إلى القلوب سيلا
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى / عينيك إنّ من العيون قتولا
ودّت وقد نال الذّبول خدودها / لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء / لم بجد عذل العاذلين فتيلا
سمعت دويا في الظّلام فهرولت / مذعورا بعد الوقوف طويلا
وأنين مختضر يقول قتلتني / ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
تعدو وتجذبها روادفها إلى / خلف فتجهد خضرها المتبولا
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما / وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا / ومن الأنين إلى الأنين دليلا
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره / تبغي حليلا لا تراه جليلا
وتدير في تلك البنان مسدّسا / تركت قذائفه السهام فضولا
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا / طرف الزّمان إليه عاد كليلا
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه / فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربّما / قتل الجبان به الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل / قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
حتى إذا رأيت المراد وما رأت / إلا خيالا واقفا مجهولا
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت / أنّ الذي علقت به المقتولا
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من / بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت / أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
كالبدر حسنا كالغمام سماحة / كالغصن غضّا كالحسام صقيلا
ثبت الجنان قويّة عف الإزارنقيّه / ما خان قطّ خليلا
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى / فيها وأغضب كاشحا وعذولا
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى / والبدر يكسيه المسير أفولا
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها / من لم تر أبدا سواء جميلا
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى / ورأت عيانا نعشه محمولا
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه / إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
يا صاحبي إن جزت في قبريهما / فاتل السّلام عليهما ترتيلا
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا / إلا تذّكر وردة وإميلا
للّه ما أحلى البشير وقوله
للّه ما أحلى البشير وقوله / سقط الهلال إلى الحضيض ودالا
بشرى نسينا كلّ شيء قبلها / النّاس والدّولات والأجيالا
ردّت على الشّيخ المسنّ شبابه / وعلى الحزين اليائس الآمالا
وعلى الصّديق صديقه وعليهما / أبويهما وعلى الأب الأطفالا
لو سلوم الخلق الّذي وافى بها / بذلوا له الأرواح والأموالا
من مبلغ الأبطال عني أنّني / أهوى القروم الصّيد والأبطالا
بالأمس قطّعت الجزيرة قيدها / ورمت بوجه الغاشم الأغلالا
واليوم ودّعت المظالم أختها / ومشت تجر ذيولها إدلالا
أبنات أورشليم ضمّخن الثّرى / بالطّيب واملأن الدّروب جمالا
حتّى يمرّ الفاتحون فإنّهم / كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا
فاخلعن أثواب الكآبة والأسى / وألبسن من نور الضّحى سربالا
وانفخن بالبسمات كلّ سيمذع / خاض العجاج ووجهه يتلالا
هذا مجال للفتى أن يزدهي / فيه وللحسناء أن تختالا
يا قائد الصّيد الغطارفة الألى / تحنى الرؤوس لذكرهم إخلالا
ظنّ المغول جنودهم تحميهم / والقرد يحسنه أبوه غزالا
فتألّبوا وتهدّدوا وتوّعدوا / حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا
ذعر الطّيور سطا عليهم باشق / وبنات آوى أبصرت رئبالا
كم حجفل بعثوا إليك مع الدّجى / لاقاه جيشك والصّباح فزالا
طاردتهم فوق الجبال وتحتها / كالليث يطرد دونه الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطح والرّبى / بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلاّ السّهد عن أجفانهم / ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا
ساقوا إليك مثنهم وألوفهم / فرقا وسقت إليهم الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم / لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليك جبالهم / عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنة / أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا
وشكت خيولك في اليادين الوجى / فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا
ورأوك قد عرّضت صدرك للظّبى / عند الحصون فعرّضوا الأكفالا
هنّئت بالنّصر المبين فإنه / نصر يعزّ على سواك منالا
هذي القلوب نسجتها لك أحرفا / لو أستطيع صنعتها تمثالا
أرضيت موسى والمسيح وأحمدا / والنّاس أجمع والإله تعالى
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل / وقل كما قالت الأنباء والرّسل
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طربا / ما لأجمل الرّسل في عيني وما نقلوا
فاجمع رواياتهم واملأ بها أذني / حتى تراني كأنّي شارب ثمل
دع زخرف القول فيما أنت ناقله / إنّ المليحة لا يزري بها العطل
فكلّ سمع إذا قلت ((السّلاف)) فم / وكلّ قول إليهم ينتهي عسل
لا تسقني الرّاح إلاّ عند ذكرهم / أو ذكر قائدهم أو ذكر ما فعلوا
هم المساميح يحي الأرض جودهم / إذا تنكّب عنها العراض الهطل
هم المصابيح تستهدي العيون بها / إذا كفهرّ الدّجى واحتارت المقل
هم الغزاة بنو الصّيد الغزاة بهم / وبطشهم بالأعادي يضرب المثل
قوم يبيت الضّعيف المستجير بهم / من حوله الجند والعسّالة الذّبل
فما يلم بمن صافاقهم ألم / ولا يدوم لمن عاداهم أمل
تدري العلوج إذا هزّوا صوار مه / أيّ الدّماء بها في الأرض تنهمل
((وللغرندق)) رأي مثل صارمه / يزلّ عن صفحتيه الحادث الجلل
المقبل الصّدر والأبطال ناكصة / تحت العجاجة لا يبدو لها قبل
والباسم الثّغر والأشلاء طائرة / عن جانبيه وحرّ الطّعن متّصل
سعد السّعود على السّؤال طالعه / لكنّه في ميادين الوغى زحل
في كلّ سيف سوى بتّاره فلل / وكلّ رأي سوى آرائه زلل!
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم / ما لم تشيّده أملاك ولا دول
وقائد الجيش ما للريح منفرج / فيه ولكن لها من حولها زجل
موهّم الترك لّما حان حينهم / أن الألى وتروا آباءهم غفلوا
حتّى طلعت من ((القوقاس)) في لجب / تضيق عنه فجاج الأرض والسّبل
فأدركوا أنّهم ناموا على غرر / وأنّك البدر في الأفلاك تنتقل
يا يوم صبّحتهم والنّقع معتكر / كأنّه اللّيل فوق الأرض منسدل
ليل يسير على ضوء السّيوف به / ويهتدي بالصّليل الفارس البطل
بكلّ أروع ما في قلبه خور / عند الصّدام ولا في زنده شلل
وكلّ منجرد في سرجه أسد / في كفّه خذم في حدّه الأجل
وكلّ راعفة بالموت هادرة / كأنّها الشّاعر المطبوع يرتحل
سوداء تقذف من فوهاتها حمما / هي الصّواعق إلاّ أنّها شعل
لا تحفظ الدّرع منها جسم لا بسها / ولا ينجي الحصون الصّخر والرّمل
فالبيض تأخذ منهم كيفما انفتلت / والذّعر يمعن فيهم كيفما انفتلوا
وكلّما وصلوا ما انبتّ باغتهم / ليث يقطع بالفصّال ما وصلوا
فأسلموا(( أرضروما)) لا طواعية / لو كان في وسعهم إمساكها بخلوا
كم حوّطوها وكم شادوا الحصون بها / حتّى طلعت فلا حصن ولا رجل
وفرّ قائدهم لّما عرضت له / كما يفرّ أمام القشعم الحجل
ومن يشكّ بأنّ الوعل منهزم / إذا التقى الأسد الضّرغام والوعل؟
لم يقصر الزّمح عن إدراك مهجته / لكت حمى صدره وقع الظّبى الكفل
تعلّم الرّكض حتّى ليس تلحقه / هوج الرّياح ولا خيل ولا إبل
يخال من رعبة الأطواد راكضة / معه وما ركضت قدّامه القلل
ويحسب الأرض قد مادت مناكبها / كذاك يمسخ عبن الخائف الوجل
وبات((أنور)) في ((يلديز)) مختبئا / لأمّه وأبيه الشّكل والهبل
يطير إن صرّت الأبواب طائره / ويصرخ ((الغوث))لا إمّا وسوس القفل
في جفنه أرق في نفسه فرق / في جسمه سقم في عقله دخل
في وجهه صفرة حار الطّبيب بها / ما يصنع الطّبّ فيمن داؤه الخبل؟
لم يبق فيه دم كيما يجمعه / في وجهه عند ذكر الخيبة الخجل
يطوف في القصر لا يلوي على أحد / كأنّه ناسك في القفر معتزل
لا بهجة الملك تنسيه هواجسه / ولا تروح عنه الأعين النّجل
يزيد وحشته إعراض عوّده / وينكأ الجرح في أحشائه العذل
إذا تمثّل جيش التّرك مندحرا / ضاقت به مثلما ضاقت بذا الحيل
يا كاشف الضّرّ عمن طال صبرهم / على النّوائب لا مرّت بك العلل
أطلقتهم من قيود الظّلم فانطلقوا / وكلّهم ألسن تدعو وتبتهل
لو كان ينشر ميتا غير بارئه / نشرت بعد الرّدى أرواح من قتلوا
بغى عليهم علوج التّرك بغيهم / لم يشحذوا للوغى سيفا ولا صقلوا
خانوهم وأذاعوا أنّهم نفر / خانوا البلاد بما قالوا وما عملوا
يا للطّغام ! ويا بهتان ما زعموا / متى أساء إلى المخلب الحمل؟
أجدّكم كلّما جوّ خلا ((أسد)) / وجدّكم كلّما شبت وغى ((ثعل))؟
قد جاء من يمنع الضّعفى ويرغمكم / إن تحملوا عنهم النّير الذي حملوا
أمّنت (( أرمينيا)) مّما تحاذره / فلن تعيث بها الأوغاد والسّفل
ظنّوك في شغل حتّى دهتهم / فأصبحوا ولهم عن ظنّهم شغل
مزّقت جمعهم تمزيق مقتدر / على المهنّد بعد اللّه يتّكلى
فهم شراذم حيرى لا نظام لها / كأنّهم نور الآفاق أو همل
ألسنتهم ثوب عار لا تطهّره / نار الجحيم ولو في حرّها اغتسلوا
((جاويد)) فوق فراش الذّلّ مضطجع / و((طلعت)) برداء الخوف مشتمل
أتستقر جنوب في مضاجعها / وفي مضاجعها الأرزاء والغيل؟
وتعرف الأمن أرواح تروّعها / ثلاثة : أنت والنّيران والأسل؟
لو لم تقاتلهم بالجيش قاتلهم / جيش بغير سلاح إسمه الوهل
أجريت خوف المنايا في عروقهم / فلن يعيش لهم نسل إذا نسلوا
قد مات كهلهم من قبل ميتته / وشاخ ناشئهم من قبل يكتهل
وقد ظفرت بهم والرّأس مشتعل / كما ظفرت بهم والعمر مقتبل
فتح تهلّت الدّنيا به فرحا / فكلّ ربع خلا ((أستانة)) جذل
الشّعب مبتهج والعرش مغتبط / وروح جدّك في الفردوس تحتفل
إذا سحقت أرضنا القنبلة
إذا سحقت أرضنا القنبلة / كما يسحق الحجر الخردله
وقوّض مفعولها الراسيات / فصارت غبارا له جلجه
ودبّ الفنا في ذوات الجناح / وغلغل في النّبت فاستاصله
وفي الماشيات وفي الزاحفات / عليها إلى آخر السلسه
فلا زهر يأرج في روضة / ولا ديك يصدح في مزبله
وضاع الزمان ومقياسه / وأشبه آخره أوله
ولم يبق حيّ على سطحها / وأصبح عزريل لا شغل له
فذلك خطب يهول النفوس / تصوره قبل أن تحمله
ولكنّ أمرا يعزي الجميع / إذا سحقت أرضنا القنبلة
فلن يدع الموت حيا / يلوم سواه على هذه المقتله!
كان على خوان ربّ المال
كان على خوان ربّ المال / كأسان : من خمر ومن زلال
هاتيك في الحمرة مثل العندم / وتلك في بياضها كالدّرهم
فقالت السّلاقة الثّرثاره / عندي حديث فاسمعي يا جاره
أنا التي تخضع لي الرّؤوس / أنا التي يعبدني المجوس
كم قائد أضحكت منه جنده / وسيّد حكمت فيه عبده!
وملك أسقطت عنه التّاجا / وساكن هيجنه فهاجا
وزوجة علّمتها الخيانه / ووالد أنسيته الأمانه
وحدث خدعته فانخدعا / حتّى إذا شبّ عضّ الإصبعا
إنّ الغنى والصّيت والذّكاء / متى أرد صيّرتها هباء
فسمع الماء فهاج غضبا / وقال: مهلا بلغ السّيل الزّبى
إن تفخري يا جارتي بالشّرّ / فإنّ بالفعل الجميل فخري
أنا الذي تغسل بي الكلوم / ويرتوي الظّامىء والمحموم
يحبّني المالك والمملوك / والسيّد المطاع والصّعلوك
حيث أكون جاريا يكون / الورد والأقاح والنّسرين
إنّ المروج الخضر لا يحييها / غير وجودي حولها وفيها
كم سرت في الوادي وفي الغدير / على شبيه الدّر والكافور
وجلس العشّاق حولي في السّحر / عللى بساط العشب في ضوء القمر
كم اشتهوا إذ سمعوا خريري / لو أنّني أسير في الصّدور
أنا الذي لولاه مات النّاس / والطّير والأسماك والأغراس
يا خمر كم ذا تدّعين الفضلا / وبالمياه تقتلين قتلا
وأمّك الكرمة يا صهباء / ما وجدت في الأرض لولا الماء!
يا نبأ سرّ به مسمعي
يا نبأ سرّ به مسمعي / حتى تمنّى ؟أنّه النّاقل
أنعيش في المنى مثلما / يحيي الجديب الواكف الهاطل
عرفت منه أنّ ذاك الحمى / بالصيّد من فتياننا آهل
عصابة كالعقد في ((أكرن)) / يعتزّ فيها الفضل والفاضل
من كلّ مقدام رجيح النّهى / كالسّيف إذ يصقله الصّاقل
البدر من أزراره طالع / والغيث من راحته هامل
وكلّ طلق الوجه موفوره / في بردتيه سيّد مائل
شبيهة الشّرق انعمي واسلمي / كي تسلم الآمال والآمل
بكم وبالرّاقين أمثالكم / يفتخر العالم والعمل
بعثتم ((هملت)) من رمسه / ((فهملت)) بينكم مائل
تمشي ويمشي الطّيف في إثره / كلاهما مّما به ذاهل
لا يضحك السّامع من هزله / كم عظة جاء بها الهازل
رواية يظهر فيها لكم / كيف يداجي الصّادق الخاتل
وتنكث المرآة ميثاقها / وكيف يجزي المجرم القاتل
وإنّما الانسان أخلاقه / لا يستوي النّاقص والكامل
والنّفس كالمرآة إن أهملت / يعلو عليها الصّدأ الآكل
والنّاس أدوار فذا صاعد / يراود الشّهب وذا نازل
والدّهر حالات فيقوم به / نحس ويوم سعده كامل
فمثلوا الجهل وأضراره / حتّى يعادي جهله الجاهل
ومثّلوا الفضل وآياته / كي يستزيد الرّجل الفاضل
وصوّروا المجد بلألائه / عسى يفيق الهاجع الغافل
ويرجع الشّرق إلى أوجه / كما يعود القمر الآفل
وانبوا إلى الآتين من بعدكم / يبن لمن يخلفه القابل
ما دمتم للحق أنصاره / هيهات أن ينتصر الباطل