القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 49
رآها قد أَضرَّ بها الكلال
رآها قد أَضرَّ بها الكلال / وقد ساءَت لها يا سعد حال
فذكّرها شميمَ عَرارِ نجدٍ / ولا سيَّما إذا هبَّتْ شمال
فحرّكها وأَينَ لها بنجد / لهيبُ الشَّوق والدَّمع المذالُ
وقد كانت كأَنَّ بها عقالاً / فأَطْلَقَها وليس بها عقالُ
ولولا النَّازلون هضاب نجدٍ / تحاماها الضَّنى والاختلال
تخال الدَّمع سابقها عَلَيْهم / فكيفَ تسابق المزنَ الرؤال
يحمِّلها الهوى عبئاً ثقيلاً / وللأَشجان أَعباءٌ ثقال
ويقذفها النوى في كلّ فجٍّ / لها فيه انْسياب وانثيال
تمدُّ به فيقصرُ في خطاها / من البَيْداء أبواعٌ طوال
تشيم البرق يومئذٍ سناه / كعَضْب القين أَرْهَقَه الصقال
وما أدري أهاج النّوق منه / غرام حين أَومَضَ أَمْ خيال
شديدُ وَجْدُها والوصلُ دانٍ / فكيف بها وقد مُنِعَ الوصال
ذكرنا عَهْدَ رَبعك يا سُلَيْمى / وعقد الدَّمع يوهيه انحلال
منازل للهوى ما لي أراها / كطرفي لا يلمّ بها خيال
مباديها المسَرَّة والتَّهاني / وغايتها التغابن والوبال
وكانتْ بهجةَ الأَبصار حتَّى / أحالَتْها من الحدثان حال
سألتك أينَ عيشُك بالأَوالي / وما يغني التفحُّص والسُّؤال
غداة الشِّيح نبتُك والخزامى / حَمَتْها البيض والأسل الطوال
وتسنَحُ في عِراصِك قبلَ هذا / من السَّرْبِ الغزالة والغزال
وتَطْلُعُ من خيامك مشرقات / بدورٌ من أسِرَّتها الكمالُ
وكلُّ مهفهفٍ تُثني عليه / معاطفه ويَثْنيه دلال
رماة من حواجبها قِسِيٌّ / تُراشُ لها من الحَدَق النبال
ومن لي أن ترى عيني سناها / فتنعم أعينُ ويُراح بال
تنافَرَتِ المها فوَجَدْتُ قلبي / يجدُّ به وللحيِّ ارتحال
وهاتيك الرَّكايب أَرْقَلَتْها / ظِباءٌ قَدْ أَقلَّتها الجِمال
وكم صانَتْ أَكِلَّتها وُجواً / عَليها مهجتي أبداً تذال
فمالوا بالأَباعر لا إليْنا / ومال بنا الهوى من حيث مالوا
أعيذك من حشاً تذكر لظاها / وهمٍّ داؤه الدَّاء العضال
أحبّتك الذين شَقِيتَ فيهم / أسالوا من دموعك ما أسالوا
لنيران الجوى يا ناقُ عندي / على البُعد اتّقادٌ واشتعال
أُعَلِّلُ بالأَماني والأَماني / أُمورٌ من زخارفها المحال
سرابٌ ولا يُبَلُّ به غليل / ولا فيه لوارده بلال
وحَسبُك إنْ وَرَدْتَ أبا جميل / جميلٌ ما يروقك أو جمال
رِدِي من سَيْبه عَذباً زلالاً / فثَمَّ الموردُ العذب الزُّلال
تُناخ ببابه الآمال طرًّا / وتُملأُ من مواهبه الرِّحال
تعظّمه الخطوب ويزدَريها / وليسَ له بمعظمها احتفال
وينهضُ من أُبوَّته بعبءٍ / قليل ما تنوءُ به الرِّجال
من الشّمِّ الشَّوامخ في المعالي / يطولُ الرَّاسيات ولا يُطال
ويوقره إذا طاشتْ رجالٌ / حلومُ لا تضاهيها الجبال
صقيلُ مضارب العزمات ماضٍ / فلا فُلَّت مضاربُه الصّقال
قوام الدِّين والدُّنيا جميعاً / شفاؤهما إذا كانَ اعتلال
أظلَّتْنا غمامَتُه بظلٍّ / إذا لفح الهجير به ظلال
ويومٍ مشمسٍ فيه مضيءٍ / فشمسٌ لا لمطلعها زوال
وليلٍ فيه أقْمرٌ مستنيراً / على وجنات هذا الدَّهر خال
ينفّس كلَّ كاربة بكَرٍّ / لدى يومٍ يضيقُ به المجال
سماءٌ من سماوات المعالي / كواكبها المناقب والخصال
فعالٌ تسبق الأَقوال منه / وأَقوالٌ تقدّمها الفعال
يريك مِدادَه في يوم جودٍ / لأحداق النَّوال به اكتحال
ومن كلماته ما قيل فيها / هي السّلسال والسِّحر الحلال
لساني في مدائحه صدوق / يصدّق فيه منِّي ما يُقال
إذا أَسدى إليَّ المالَ أَمْسَتْ / تُمالُ لي القلوب وتستمال
فلي من ماله شرف وجاه / ولي من جاهه عِزٌّ ومال
قريبُ النَّيل ممتنع المعالي / ومُدني النَّيْل ما بَعُدَ المنال
تحطّك رأفةٌ شملَتْ ورقَّتْ / وترْفَعُكَ الأُبوَّة والجلال
عزيز النَّفس عزَّ على البرايا / نظيرك في الأَماجد والمثال
كأنَّك بين أقوامٍ سراةٍ / هُدًى ما بعده إلاَّ الضَّلال
وإنِّي قد رأيت علاك منهم / مرامٌ قد يرامُ ولا ينال
وليسَ لهم وإنْ دفعوا إليها / مناقِبُك الشَّريفة والخلال
خليقتك المروءةُ حيثُ كانتْ / وشيمتك السَّماحة والنَّوال
وهل أخشى من الحظِّ انفصالاً / ولي من قرب حضرتك اتّصال
تَلَذُّ لك المكارم والعطايا / وتطربك الشَّجاعة والنزال
ولستَ من الكرام كبعض قوم / يجود بماله حتَّى يقالُ
فيا جبلاً أطَلَّ من المعالي / عَلَيْنا لا تزول ولا تزال
هباتٌ منك للعافين تترى / ولا وعدٌ لديْكَ ولا مطال
لهذي النُّوقِ تنحَطُّ كَلالا
لهذي النُّوقِ تنحَطُّ كَلالا / وتَجوبُ البيد حِلاًّ وارتحالا
نَحِلَتْ حتَّى انبرت أعظُمُها / والهوى يُنْقِبُ أهليه نكالا
كلَّما شامتْ سناً من بارق / قذفت لوعتها دمعاً مذالا
أَصبحَتْ تفري فَيافيها سُرًى / وتحاكي باقتحام الآل رالا
فتَرَفَّقْ أيُّها الحادي بها / فلَقَدْ أوْرَثَها الوجدُ خبالا
لستُ أنسَى وقفةً في رامة / لم يدع منها النوى إلاَّ خيالا
ووَشَتْ عن كلّ صبٍّ عبرةٌ / فكَفَتْ عَبْرَته الواشي المقالا
وأساة لحشًى مكلومةٍ / جَرَحَتْها حَدَقُ الغيد نصالا
يا مهاةَ الجزع أنتنَّ له / سالباتٌ قَلْبَه المضنى جمالا
يا أخلاّئي تناءى زمن / مرَّ لي فيكم وصالاً وانفصالا
وليالٍ ما أُحَيْلى أُنْسِها / أصبَحَتْ في وجنة الأَيَّام خالا
نقلَ الواشي إليكم خبراً / لك يكنْ يقبل ما قالَ احتمالا
يتمنَّى سَلْوَتي لكنَّه / يتمنَّى وأبي أمراً محالا
لا تلمني لائمي في صَبْوَتي / فالهوى ما زال للعقل عقالا
فاتركاني والهوى إنِّي فتًى / غالني دونكمُ الوجد اغتيالا
من ظِباءِ الرَّمل ظبيٌ إنْ رنا / سَلَّ من جَفْنَيْهِ صمصاماً وصالا
ظبيةُ الخِدْر الَّتي لمَّا جفتْ / أَدَلالاً كانَ منها أَمْ ملالا
هلْ وَفَتْ مديونها مستغرماً / يشتكي منها وإنْ أَوْفَتْ مطالا
لو أباحَتْني جنى مرشفها / لَشَفَتْ مِنْ ريقها الدَّاء العضالا
يا رعى الله نُزولاً بالحمى / عَثْرةَ المُغرمِ فيهم لَنْ تُقالا
حلَّلوا ظُلماً حراماً مثلما / حرَّموا في شرعهم شيئاً حلالا
فاصطبر يا قلبُ يوماً ربَّما / أصبَحَ الخُلَّبُ بعد اليأس خالا
كم يُريني الدَّهر جدًّا هازلاً / فأُريه من ظُبا عزمي جدالا
إنْ يكنْ في النَّاس محمودٌ فلا / غير محمود مقالاً وفعالا
فتفاءل باسمه في سَيْبه / فاسْمه كانَ لكن يرجوه فالا
إنْ تحاولْ شَخْصَهُ تَلْقَ علًى / صَحِبَ العِزَّ يميناً وشمالا
لا يُرجَّى غيره في شِدَّةٍ / أوَ ترجو بوجود البحر ألا
ليثُ غابٍ وسحابٌ صيّبٌ / حيثُ تلقاهُ نوالاً ونزالا
كرمٌ يُخْجِلُ هتَّان الحيا / وعُلًى تُورثُ أعداه الوبالا
ويدٌ ما انقبضتْ عن سائلٍ / بلْ كَفَتْ في سَيبها العافي السُّؤالا
صارِمُ الله الَّذي لم يخشَ من / حادث الدَّهر انثلاماً وانفلالا
ولكمْ أجدى فأَسدى كرماً / مِنَناً طوَّق فيهنَّ الرّجالا
صُنعُه المعروف مغروزٌ به / لا يجودُ الجود حتَّى أنْ يقالا
كم وَرَدْنا فَضْلَه من مَوْرِدٍ / فوجَدْناه نميراً وزلالا
منَحَ الله به يا حبَّذا / مِنَحٌ من جانب الله تعالى
قلْ لحُسَّاد معاليه اقصُروا / لم تَزَلْ أَيديه في المجد طوالا
يتمنَّوْن مع العجز العُلى / وإذا قاموا لها قاموا كسالى
ليسَ من يَذْخَرْ جميلاً في الورى / كالَّذي يذخر للأَخطار مالا
لا ولا مَن صَلُبَتْ راحته / كالَّذي يَقْطُرُ جوداً ونوالا
آل بيت الوحي ما زلنا على / فضلكم يا سادة الدُّنيا عيالا
ما برحتُم مُذْ خُلِقتُم سادةً / تكشِفون الغيَّ عنَّا والضَّلالا
لا يغالي فيكم المادحُ إنْ / أطنبَ المادح في المدح وغالى
أيُّها البدرُ الَّذي زادَ سَناً / زادك الله سَناءً وكمالا
هاكَ من عَبدِكَ نَظماً إنَّه / ينظمُ الشّعر بعلياك ارتجالا
كلَّما ضِقْتُ به ذَرعاً أرى / يوسع الفضلَ على الفكر مجالا
واهنأ بالعيد الَّذي عَوَّدْتَنا / لَثْمَ كفَّيْك الَّتي تكفي نوالا
مَلِكٌ أَنْتَ بنا أَمْ مَلَكٌ / ما وَجَدْنا لك في النَّاس مثالا
كيفَ أقضي شكر أيديك الَّتي / حمَّلتني منك أحمالاً ثقالا
ى عَدِمنا فيكَ يا بحر النَّدى / أيدياً تولي وفضلاً يتوالى
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ / وفؤادٍ بجَمرةِ الوجد يَصلى
فأناسٌ بخمرِ عَينيك صَرعى / وأناسٌ بسَيْف جفنيكَ قتلى
قلْ لعينيك إنَّها قَتَلْتنا / أحسِني بالمتيَّم الصبِّ قتلا
ولك الله من حبيبٍ ملولٍ / غير أنَّ الهوى به لن يُملاّ
يا عزيزاً أذلُّ طوعاً لديه / والهوى يترك الأعزَّ الأذلا
إنْ تعجِّلْ بالهجر منك عذابي / أو تُؤاخِذْ متيّميك فمهلا
وإذا ما اسْتَحْليْتَ أَنْتَ تلافي / كانَ عندي وريقِك العذبِ أحلى
لا يملُّ العَذابَ فيك معنّى / نُصحاً وسواك الَّذي يَملُّ ويُقلى
يتراءى لعاذلي أنَّني أسمَعُ / نُصحاً له وأقبلُ عذلا
يأمُرُ القلبَ بالسلوّ ومن لي / بفؤادٍ يُرضيه أن يتسلّى
خَلِّني والهوى بآرامِ سَلْعٍ / يا خَليلي ولا عدمتُك خلاّ
ربَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروقٍ / زارَ وَهناً فقلت أهلاً وسهلا
إنَّ من أرسَلَتْك من بعد منعٍ / قد أساءتْ قطعاً وأحْسَنتْ وصلا
بعثَتْ طيفَها ولم تتناءى / عن مزاري إلاَّ دلالاً وبخلا
فلقد كاد أنْ يَبُلَّ غليلي / ذلك الطيف في الكرى أو بلاّ
نَظَرتْ أعيُني منازلَ في الجزع / فأرْسَلْتُ دمعها المستهلاّ
لم أُكَفْكف دَمعي بفضل ردائي / بادّكار الأحباب حتَّى ابتلاّ
فسُقيت الغمامَ يا دار ظمياءَ / موقراتٌ نسيمُها المعتلاّ
طالما كنتُ فيك والعيش غضٌ / وعروسٌ من المدامة تجلى
أشْرَبُ الرَّاح من مراشف ألمى / جاعلاً لي تُفَّاحَ خَدَّيه نَقلا
فابكِ عَنِّي عَهْدَ الصّبا أو تباكَ / لبكائي والصبُّ بالدمع أولى
أينَ ذاك الهوى وكيف تقضّى / كانَ خمراً فما له صار خلاّ
صاحبي هذه المطيُّ الَّتي سا / رت عِشاءً تجوبُ وَعراً وسهلا
زادَها الوجْدُ غُلَّةً والنوى / وَجْداً وفُرْقَةُ الشَّملِ غِلاّ
تَتَلظَّى كأنَّها في حَشاها / جمراتٌ تذوبُ منها وتَصْلى
وغَدَتْ بعدَ طيِّها الأرض طياً / آكلاتٍ أخفافَها البيدُ أكلا
أتراها تَبغي النَّدى من عليٍّ / فَنَداه لم يُبْقِ في النفس سؤلا
ساد أقرانَه وكان غلاماً / ثم سادَ الجميعَ إذ صار كهلا
وانْتَضَتْه يَدُ العُلى مَشرفيًّا / صَقَلتْه قَينُ السِّيادة صقلا
فأراعَ الزمانَ منه جمالٌ / وجَلا كلَّ غيهبٍ إذ تجلّى
غَمَرَ النَّاس بالجميل فقُلْنا / هكذا هكذا الكرامُ وإلاّ
بأيادٍ تكون في المحْل خِصباً / في زمان يصيّر الخطب محلا
باذلاً كلَّ ما يروق ويحلو / لا مُملاًّ ولا ملولاً بذلا
والفتى الهاشمي إنْ جادَ أغنا / ك وإن أجْزَلَ العطاءَ استَقَلاّ
ربَّما خلْتَه لفرطِ نَداه / مُكثراً وهو عند ذاك مُقِلاّ
وسواءٌ لَدَيه في حالَتَيه / كَثُرَ المالُ عِنده أو قلاّ
آلُ بيت إن كنتَ لم تَدْرِ ما هم / فاسأَلِ البيتَ عنهمُ والمصلّى
بأبي أَنْتَ من سُلالَةِ طه / أشرَفُ الكائنات عقلاً ونقلا
سَيِّدٌ لا يمينه تَقْبَلُ القَبض / ولا طبعُهُ يلائم بُخلا
وبما قد سَبَقْتَ مَن جاءَ بعداً / سيّدي قد أدْرَكْتَ من كانَ قبلا
ما تعالَتْ قَومٌ إلى المجد إلاَّ / كنت أعلى مِنْهم وأَنْتَ الأعلى
طيّب الفرع طيّب الذات تُخشى / سطوات الظبا وترجى نيلا
وإذا كنتَ أطيبَ النَّاس فرعاً / كنتَ لا شك أطيبَ النَّاس أصلا
يا عليَّ الجناب وابنَ عليٍّ / والمعالي لم ترض غيرك بَعلا
قد بَلَوْناك يوم لا الغيثُ ينه / لُّ فَشِمناك عارضاً منهلا
وَوَجَدْناك للجميع مَلاذاً / يَرتجيك الجميعُ جوداً وفضلا
والأماني تُلقي ببابك رحلاً / كلَّ يوم تمضي وتملأُ رحلا
وتلاقي حُلاحِلاً جعل الله / عُلاه على البريّة ظلاّ
ربَّما كانَ في الأوائل مثلاً / لك واليوم لم نجد لك مثلا
أَنْتَ ذاتٌ تُرى لدى كلّ يوم / ترتقي منصباً وتعلو محلاّ
أَنْتَ في كلِّ موضعٍ ومكانٍ / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
فإذا قُلتُ في مديحك شيئاً / قيلَ لي أَنْتَ أصدقُ النَّاس قولا
فتقبَّل مولايَ فيك ثَنائي / وليَ الفخرُ إن تكُنْ ليَ مولى
وتكرَّمْ بأخذِه ولَكَ الفَضلُ / وما زِلتَ للفضائل أهلا
لا تزال الأيام في كلِّ حَوْلٍ / لكَ عيداً ودُمْتَ حَوْلاً فحَولا
تَبَيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ
تَبَيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ / ونِلْتَ بحمد الله ما أَنْتَ نائلُ
وما حاق مكر السَّوء إلا بأهله / وبعد فما يدريك ما الله فاعل
لقد نقلوا عنك الَّذي هو لم يكن / فأدحِضَ منقولٌ وكُذِّب ناقل
وجاؤوا بما لم يَقْبَلِ العقلُ مثلَه / ولا يرتضيه في الحقيقة عاقل
شهودٌ كأسنان الحمار فبعضهم / لبعض وإن يأبَ الغبيُّ أماثل
أراذلُ قومٍ ساءَ ما شهدوا به / وما ضَرَّتِ الأشرافَ تلك الأراذل
أتَوكَ بتزوير على حين غفلة / وأَنْتََ عن التزوير إذ ذاك غافل
وقُلتَ وقال الخصم ما قال وادَّعى / وهل يستوي يا قوم قسُّ وباقل
أقام على بطلانه بدليله / دليلاً وللحقّ الصريح دلائل
ولو كانَ يستجديك فوق ادّعائه / لَجُدْت به فضلاً وما أَنْتَ باخل
ولو أنَّه يبغي إليك وسيلةً / لما خيَّبَتْه في الرِّجال الوسائل
ولكن بسوء الحظْ يثني عنانه / إلى حيث يشقى عنده من يحاول
وإلاّ لما أمسى يعضّ بنانه / يعنّفه لاحٍ ويخزيه عاذل
ولا لاح محروماً مناهل فضلكم / وكيف وأنتم في النوال مناهل
لقد نزع الأشهاد من كل فرقة / ولا بأس فالقرن المنازع باسل
وقد زَيَّنَ الشيطانُ أعمالَه له / على أنهه لم يَدْرِ ما الله عامل
وأعْمَلَتِ الأهواء فيه كما اشتَهَتْ / فلا دَخَلَتْه بعد هذا العوامل
ومن جهله ألقى إلى الزور نفسه / وجاء بما لم يأته اليوم جاهل
وأنَّى له بالشاهد العدل يُرتضى / ويقدم في إشهاده ويجادل
أيَشْهَدُ ديُّوثٌ ويُقبلُ قَوْلُه / وهل قال في هذا من النَّاس قائل
وإقرارُ حربيٍّ على غير نفسه / فلا هو مقبول ولا أَنْتَ قابل
لدى حَكَمِ عدلٍ بدين محمد / وإنْ لم يكنْ عدلٌ فربُّك عادل
ومن ذا قضى بالظنّ يوماً على امرئٍ / وحسبُك حكمُ الله قاضٍ وفاصل
وعارٍ من التدبير والعقل والحجى / وإن كانَ قد زُرَّت عليه الغلائل
رأى الرأيَ بعد المال قتلاُ لنفسه / على المال حرصاً فهو لا شك قاتل
كما كانَ ما قد كانَ منه وغَرَّهُ / نصيحُ مداجٍ أو عدوٌّ مناضل
ووافق رأياً فاسداً فأماله / وكلٌّ عن الإقبال بالصلْح مائل
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى / فكلُّ معينٍ ما عدا الله خاذل
ضلالاً لقوم يكنِزون كنوزَهم / لأبنائهم والله بالرّزق كافل
لقد شَقِيَتْ منهم على سوءِ ظنِهم / أواخرهم فيما جَنَتْه الأوائل
ولم يَدْر مالٌ أودعَ الأرض طالعٌ / لعمرك أمْ حتفٌ من الله نازل
ستهلِكُ قومٌ حسرةً وتأسُّفاً / عليه وأطماع النفوس قواتل
تعجّل في الدنيا عقوبة طامع / ومن نكبات المرء ما هو آجل
إذا شام برقاً خلباً ظنَّ أنَّه / مخايل لا بل كذّبته المخايل
وما كلُّ برقٍ لاح في الجو ممطرٌ / ولا كلُّ قَطْرٍ لو تأمَّلت وابل
وكم غرَّ ظمآناً سرابٌ بقيعَةٍ / وأغناه طيفٌ في الكرى وهو زائل
تَناوَلَ بالآمال منك مرامَه / وأنّى له منك المُنى والتناوُل
وقد شَنَّ غارات الدَّعاوى جميعها / إليكَ ولم تُشْغِله عنك الشواغل
ولو حكموا من قبلها في جنونه / وعاقَتْه عما كانَ منه السلاسل
لما ذهبت أمْوالُه وتَقَلّبَتْ / به الحال فيما يبتغي ويحاول
ولا دَنَّسَ العرضَ النقيَّ بشاهدٍ / من العار لم يغسله من بعد غاسل
لقد خاب مسعاه وطال وقوفه / على مطلب ما تحته اليوم طائل
وما حصل المعتوهُ ظنًّا يظنُّه / ومن فعله فيها وما هو فاعل
وتكذيب دعواه وتخجيله بها / ألا ثكلت أُمَّ الكذوب الثواكل
تحمَّلْتَ أعباءَ المشقّة للسُّرى / وكلُّ نجيب للمشقّة حامل
وأقْبَلْتَ إقبالَ السَّعادة كلَّها / عَلَينا كما وافى من الغيث هاطل
يشيرون بالأيدي إليك وإنما / تشير إلى هذا الجناب الأنامل
ليهنك حكم الله يمضي غراره / مضاء حسام أرْهَفَتْه الصياقل
تبرّأتَ مما قيل فيك براءةً / من الله إشهادٌ عليه الأفاضل
تبرّأتَ من تلك الرذائل نائياً / وحاشاك أن يدنو إليك الرذائل
وما تسلُك الأوهام فيها حقيقة / ولا حملت يوماً عليها المحامل
نعمنا بك الأيام وهي قليلة / لديك وأيام السرور قلائل
وأمْسَتْ دمشق الشام تشتاق طلعةً / لوجهك مثل البدر والبدر كامل
وإنَّك منها بالسرور لقادم / وإنك عنَّا بالفخار لراحل
لأمر يريد الله كشف عَمائه / تُجابُ له بيدٌ وتُطوى مراحل
فمن مبلغٌ عنِّي دمشقَ وأهْلَها / بشارة ما قد ضَمَّنتها الرسائل
عَدَتْ منكم فينا عوادٍ عوادلٌ / وسارت لنا فيكم قوافٍ قوافل
وأصبحَ من ناواكُمُ بعدَ صيته / كئيباً وأمَّا ذكرُه فهو خامل
تناهى إلى عَيٍّ فقصّر دونه / وعند التناهي يقصر المتطاول
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى
ما ودَّع الصبُّ المشوقُ وما قلى / رشأً أغنَّ من السوانح أكحلا
يرنو فيُرْسِلُ من سهامِ لِحاظِه / سَهماً يصادف من مَشوقٍ مقتلا
خُذ ما تراه هم المتيَّمِ في الهوى / خَبَرُ الصبابة مجملاً ومفصّلا
ما آمن الواشي بآيةِ صَبْوَتي / حتَّى رأى دمعي بحبّك مرسلا
لا زال يكثر بالملامة عاذلي / إنَّ المتيَّمَ بالمرمَة مُبتلى
يا ليلةً في اللَّيالي
يا ليلةً في اللَّيالي / حميدةً بالوصال
مرَّتْ بمن أَنا أَهوى / مرورَ طيف الخيال
لمَّا رأى سُوء حالي / وَرَقَّ لي ورَثى لي
بَكَيْتُ منهُ عَلَيْه / يا سَعْدُ حتَّى بكَى لي
لِمَنْ الرَّكبُ وحَيفاً وذميلا
لِمَنْ الرَّكبُ وحَيفاً وذميلا / يَقْطَعُ البيدَ حُزوناً وسُهولا
يتَساقَون أَفاويق الكَرى / ويعَانون السُّرى ميلاً فميلا
فوق أَنضاءٍ فَرَتْ أخفافها / شقق البيد صعوداً ونزولا
كلَّما مرَّت برَسْمٍ دارسٍ / هَمَلَتْ أدْمعُ عينيها همولا
وإذا ما انتَشَقَتْها شمألاً / فكما قد شَرِبَتْ راحاً شمولا
أتراها ذكرتْ في ذا الغضا / زمناً مرَّ بمن تهوى عجولا
بدَّلت بالوصل هجراً وبما / نَعِمَتْ بؤساً وبالرّيّ غليلا
قَصُرَتْ أيَّامنا في رامة / ورباها فذكرناها طويلا
قد رَعَيْناها رياضاً أَزهَرَتْ / وبكيناها رسوماً وطلولا
أينَ يا سَعْدُ ديارٌ دَرَسَتْ / وأحبَّاءٌ بها كانوا نزولا
وبدورٌ أشْرَقَتْ أرجاؤها / لَقِيَتْ بعد تلاقينا أُفولا
أُرْسِلُ الطَّرفَ فما لي لا أرى / ناظراً أحوى ولا خدًّا أسيلا
قد ذكرنا عهدَكم من بعدكم / فتحرَّقْنا بكاءً وعويلا
شدَّ ما لاقيتُ من هِجرانكم / يومَ أَزْمَعْتُم عن الحيِّ رحيلا
واعْتَقَلْتُم من قدود سُمُراً / واتَّخذْتُم حَدَقَ الغيد نصولا
أَيُّ ذكرى قد ذكرناكم بها / وكذا فليذْكرِ الخِلُّ الخليلا
تُورِثُ القلبَ التهاباً والحشا / حُرَقاً والدَّمع مجرًى ومسيلا
فسقى أَطلالَكُم من عَبْرَةٍ / لم نكنْ نبعَثُها إلاَّ سيولا
مُغْرَمٌ في قبضةِ الوَجْد شجٍ / لا يرى يوماً إلى الصَّبر سبيلا
وثَنَتْه عَن مَلامٍ فيكم / طاعةُ الحُبِّ الَّتي تعصي العذولا
قد ترَكْتُم في عذابٍ جَسَداً / فأَخَذْتُم قلبه أخذاً وبيلا
عَلِّلونا بنسيمٌ منكم / عَلَّ يشفينا وإنْ كانَ عليلا
وانصفونا من خيالٍ طارقٍ / زارنا ليلاً فما أَغنى فتيلا
فأَعيدوهُ لنا ثانيةً / وليكنْ منكم وما كانَ رسولا
إيْ ودينِ الحبِّ لولا سربكم / ما استباحت أعْيُن الغيد قتيلا
ما أَخو الحزم سوى من يتَّقي ال / شادنَ الألْعَسَ والطَّرف الكحيلا
ذلَّ عبدُ الحبّ من مُسْتَعبدٍ / كم عزيزٍ ترك الحبُّ ذليلا
لا رعى الله زماناً أَمَلي / فيه يحكيني سقاماً ونحولا
إنْ يَسُؤْني الدَّهر في أحداثه / سرَّني عبد الغنيّ الدَّهر طولا
عارضٌ ممطرُنا من سَيْبِه / كلّ يومٍ وابل المُزن هطولا
فتأَمَّل في البرايا هل تَجِدْ / من يضاهيه جمالاً وجميلا
عارفٌ بالفضل معطٍ حقَّه / بين قومٍ تحسب الفضل فضولا
طالما اسْتَسْقَيتُه من ظمأٍ / فسَقاني من نَداه سلسبيلا
أَلَيْسَ الدَّهرَ بأفعالٍ له / غُرَراً أَشْرَقَ فيها وحجولا
خير ما يطرب فيه موقف / يَملأُ الأرض صهيلاً وصليلا
يوم لا تُشْرِقُ إلاَّ بدمٍ / مرهفاتٌ تَتَشكَّاه فلولا
وبحرِّ الطَّعن أطراف القنا / والمواضي البيض كادت أن تسيلا
يا إماماً في العُلى فليقتدِ / بكَ مَن قَدْ يبتغي المجد الأَثيلا
لا مثيل لك في النَّاس وإنْ / كنتَ للبدر نظيراً ومثيلا
ما سواك اليوم في ساداتها / من يجير الجار أو يحمي النَّزيلا
ولئنْ كانَ قؤولٌ فيهُمُ / لم تكنْ بينَهم إلاَّ فعولا
وإذا ما زُكِّيَتْ أنسابُها / كنتَ أزكاها فروعاً وأُصولا
لم تكنْ بالغةً منك عُلًى / طاوَلَتْ أعلى الجبال الشُّمّ طولا
ولقد أُنْزِلَتْ أعلى منزلٍ / في مقامٍ يُرْجِعُ الطَّرفَ كليلا
وأبى مجدُك إلاَّ أن تُرى / أيُّها القرمُ مُغيثاً ومُنيلا
أَفأَنْتَ الغيثُ يَنْهَلُّ فما / تركت أنواؤه رَوْضاً مُحيلا
إنَّ للإِحسان والحسنى معاً / فيك يا مولاي حالاً لن تحولا
ينقضي جيلٌ ويستودِعُها / بعد ذاك الجبل في الآتين جيلا
أَيّ نعمائك أقضي حقَّها / فلَقَدْ حمَّلَتْني حملاً ثقيلا
نبَّهتْ حظِّي من رقدَتِهِ / بعد أنْ أرقدَه الدَّهر خمولا
كلّ يوم بالغٌ منك منًى / وعطاءً من عطاياك جزيلا
وإذا ما هجرت هاجرة / كنت ظلاًّ يُتَّقى فيه ظليلا
ولَقَدْ مَلَّتْ يدي من أَخْذِها / منك ما تولي وما كنتَ ملولا
فكأنِّي روضةٌ باكرها / صيّبٌ أو صادَفتْ منك قبولا
وحَرِيٌّ بعدَها أنْ أنْثني / ساحباً فيك من الفجر ذيولا
فابقَ للأَعياد عيداً والنَّدى / منهلاً عذباً وللوفد مقيلا
مَنْ معيدٌ لي مِنْ عَهد الأُلى
مَنْ معيدٌ لي مِنْ عَهد الأُلى / زَمَناً فيه حَلا ثم خَلا
ولياليَّ بجَمعٍ ومُنى / هطلَ الغَيثُ لها وانهملا
علّلاني يا خليليَّ بما / مرَّ من أيام جَمْعٍ عَلّلا
وبما كانَ بأيام الصِّبا / أينَ أيامك يا سعد الألى
خَفّفا عن دَنِفٍ حمْل الأسى / فلقد أثْقله ما حملا
كانَ لي صَبراً فلمَّا رحل ال / ركبُ بالأحباب عني رحلا
نزلوا بالشِّعب واختاروا على / بُعْدِهم مني فؤادي منزلا
وبنفسي من رَماني عامداً / ما رَمَتْ عيناه إلاَّ قَتَلا
وتظَلَّمْتُ من الحبِّ إلى / جائرٍ في حكمه ما عدلا
رميةٌ منك أصابت مقتلي / هي من عينيك يا ريم الفلا
فاتَّقِ الله بأحشاءِ شجٍ / ما اتَّقى منك العيون النجلا
خضب العينين منه بدمٍ / في خضاب اللَّيل حتَّى نصلا
ساهر لو عرض الغمض على / جفنه طيب الكرى ما قَبلا
خلِّياني بعدَ سكَّان الغَضا / أنْدُبُ الرّبع وأبكي الطللا
يا لها من وقفة في أربُع / أرخَصَتْ من أدمعي ما قد غلا
حدَّثَ الواشين جَفني في الهوى / عن دمِ الدمعِ حديثاً مرسلا
سِرُّ وجدانٍ بدا لي صَوْنُه / باحَتِ العينَ به فابتُذِلا
ولحاني صاحبٌ يحسَبُني / أسمع النُّصحَ وأرضى العذّلا
جادَل العاذلُ حتَّى إنَّه / كانَ لي أكثر شيء جَدَلا
لو رأى الحبَّ عَذولٌ لامني / عَرَفَ العاذلُ ما قد جَهِلا
يا خليليَّ إذا لم تَعْلَما / ما أُقاسي من غرامٍ فاسألا
إنَّما أحْبابُنا يوم النَّوى / قطعوا في هجرهم ما وصلا
نقل الواشي إليهم سَلْوَتي / كَذِب الناقلُ فيما نقلا
هل سألتم عن فؤادي إنَّه / ما سلاكم في الهوى حتَّى انسلى
لستُ أنساكم بذكرى غيركم / كيف أبغي بسواكم بدلا
إنْ علا جَدُّ امرئٍ في جِدِّه / فعليُّ الجَدّ بالجِدِّ علا
تَسبقُ الأقوالَ أفعالٌ له / وإذا قال بشيء فعلا
سيّد لو أمرَ الدهر بما / شاءَ من أمر المعالي امتثلا
وجد الدهر مزاياه حلىً / فتحلّى منه في تلك الحلى
قرأ المجدُ على أخلاقه / سورةَ الحمد قديماً وتلا
وصعابٌ للمعالي لم تُقَدْ / قادها من غير كرهٍ ذُلُلا
طيّب الذات رفيعٌ قدرُه / ما يريك النجم إلاَّ أسفلا
سيّدٌ أشرَفُ من في هاشم / شبَّ في حجر العلى واكتهلا
من أناسٍ بلغوا غاياتهم / من نوالٍ ونزالٍ وعُلى
سادةٍ قد أوْضحَ الله بهم / لجميع العالمين السُبُلا
أنْزَل الله على جَدّهُمُ / سيّدِ الرسل الكتابَ المنزَّلا
سادة لولا هداهم بَقيت / هذه النَّاس جميعاً هملا
ما رأينا أحَداً من قبله / لاح كالبدر هزبراً رجلا
لاح للأبصار يبدو واضحاً / وتجلّى وبه الكرب انجلى
وَضَحَ الصُّبح إذا الصُّبح أضا / أو حسامٌ مشرفيّ صقلا
أو يَخفى عن عيونٍ أبْصَرَتْ / بوجود ابن ذكاء ابن جلا
أنا من آلائه في نِعمةٍ / بالغٌ في كلٍّ يوم أملا
ونوالٍ من يدٍ مبسوطة / للعطايا أرْسَلَتْها مثلا
إنَّما أيديه أيدي ديمَةٍ / روَّضَتْ روضي إذا ما أمحلا
وصِلاتٍ من نَداه اتَّصَلَتْ / لا عَدِمْنا منه ذاك المنهلا
لا أبالي إن يكن لي مورداً / مرَّ يا سعدُ زماني أم حلا
فجزاه الله عنَّا خير ما / جوزيَ المنعمُ فيما نوّلا
إنْ يَرُمْ فيه مقالاً شاعرٌ / قال فيه شعره مرتجلا
دامت الأيامُ أعياداً له / وعليه السَّنْد وافى مقبلا
بحُكْمِكَ زالَ الظلمُ وابتَسَم العَدلُ
بحُكْمِكَ زالَ الظلمُ وابتَسَم العَدلُ / وفي سَيْفكَ الماضي وفي قولك الفِعْلُ
وما زِلتَ ترقى رتبةً بعد رتبةٍ / ومثلُك من يسمو ومثلك من يعلو
وقُلِّدتَ أمراً أَنْتَ في النَّاس أهلُه / ولا منصب في الحكم إلاَّ له أهل
وقُدِّمْتَ في أمر الوزير وإنَّما / علينا له في مثل تقديمك الفضل
وقُمْتَ بتدبير العراق مقامَه / فما ضعضع الأَقطارَ نصبٌ ولا عزل
وكادت تمور الأرض جهلاً فعندما / استقرَّ عليها أَمرُكَ ارتفع الجهل
يزينك عقلٌ راجحٌ ورزانة / ألا إنَّما الإِنسان زينته العقل
وفيك اجتماع الفضل والحسن كلِّهِ / وأَحسَنُ ما فيك الشَّجاعة والبذل
أَطاعَتْكَ هذي النَّاس خوفاً ورغبةً / فللطائع الجدوى وللمفسد القتل
وما زِلتَ مُذْ وُلِّيتَ أمراً نظمته / حُسامُك مُستلٌّ وسيبك منهل
وما أنا بالدَّاري إذا كنت في الوغى / أعزمك أم ما استُلَّ في كفِّك النصل
بنفسك باشرتَ الأُمور جميعها / فلا وَكِلٌ عند المرام ولا كلُّ
إذا أطعمتك النَّفس بالشَّيء نلته / وإنْ وعدتك النَّفس شيئاً فلا مطل
ولست كمن يبغي الأَماني بعدما / تصرَّمَتِ الآمال وانقطع الحبل
أحالوا على الرَّمل الأَماني ضلَّة / وأكذب شيءٍ ما يقول به الرَّمل
ولكنَّما أَنْتَ الَّذي نال حزمه / مُناه ولم يبعد عليه بها نَيْلُ
وفَتَّحتَ أبواب المكارم بالنَّدى / وكانَ عليها قيل تفتيحها قفل
ليهن العراقين الهناء فقد سرى / إليها المحض والنائل الجزل
عَقَدْتَ أُموراً قد تمادى انحلالها / ومثلُكَ من في أمره العقد والحلُّ
وكم لك يوم الضَّرب والطَّعن موقف / هو الهَوْلُ بل من دون موقفه الهول
أَقولُ لها يَومَ جَدَّتْ بنا
أَقولُ لها يَومَ جَدَّتْ بنا / وقَد أَوْجَبَ المجدُ ترحالَها
إلى حيث تهوى نفوس الكرام / وتبلُغٍ بالعِزّ تسآلَها
لئنْ جُزتِ بي أَثلاثِ الغُوَير / وجُبْتِ الديارَ وأطلالَها
سَقَيْتُك يا ناقُ من مائها / وقلتُ اشربي اليوم جريالَها
ونشَّقْتُك الرِّيح من حاجر / تجرُّ على الرَّند أذيالَها
رآها هذيم كأَنَّ الغرام / يقطّع بالوجد أوصالَها
متى ذكرت عهدها باللّوى / أهاج التذكُّر بلبالَها
تُؤَمِّل في ذي الغضا وقفةً / ويحرمها البين آمالَها
فقال بها والهوى جنَّة / وكم أَتْلَفَ الشَّوقُ أمثالَها
فلو صَبَرتْ عن ربوع الحمى / لكان التصبُّر أولى لها
وهل تقبل النَّفس مشغوفة / بمن هي تهواه عذَّالَها
عَرَفْتُ بآي الهوى ما بها / وأَنْتَ تقول لنا ما لَها
وقالت ومن حالها يا هُذيم / لسان يترجم أقوالَها
نعمتُ زماناً بتلك الوجوه / وقاسيتُ من بعدها أهوالَها
حَبَسْتِ بعينيك هذي الدُّموع / تريدين يا ناقُ إرسالَها
هَلُمِّي بنا نستجدّ البكاءَ / فَقَدْ حَمَّلَ العينَ أثقالَها
جَسَدٌ أشْبَهُ شيءٍ بالخيال
جَسَدٌ أشْبَهُ شيءٍ بالخيال / وفؤادي عن هَواكُم غيرُ سالِ
وعيونٌ نَثَرَتْ أدمُعَها / لثغورٍ نُظِمَتْ نَظْمَ اللآلي
دَنِفٌ لولا هواكم ما اغتدى / مَعَ حسن الصَّبر في أسوَأ حال
قد براه الشَّوق فيكم فانبرى / وهو لا يُمتاز من عُود الخلال
مُعرِضاً عن عاذلٍ في حبِّكم / لم يَكَدْ يُصغي إلى قيلٍ وقال
يا خليليَّ وهَلْ من مسعدٍ / لشجٍ أصْبَحَ مشغوفاً بخالي
هل تريحون محبًّا من جوًى / أو تبِلُّونَ غليلاً ببلال
وخيالٍ زارني منكم فما / زادَني إذ زارني غيرَ خيال
هيَّجَ النَّارَ الَّتي أعهدها / ذات إيقاد بقلبي واشتعال
ضاربٌ لي مثلاً منكم وما / لوجوهٍ أجْتَلِيها من مثال
وبذكراكم على شحط النوى / كيف لا أَشرقُ بالماء الزُّلال
إنَّ بالشِّعب سقى الشّعبَ الحيا / زمناً مرَّ بوصل الغيد حالي
نَظَمَتْنا الرَّاحُ في أسلاكه / في ليالٍ مثل أيَّام الوصال
كانَ للَّهو به لي منزلٌ / غرَّة في الأَعصُرِ الدهم الأَوالي
سَنَحَتْ فيه الظِّبا واقْتَنَصَتْ / مهجَة الضيغم أحداقُ الغزال
سَحَرَتني يا ترى من ذا الَّذي / علَّم الأَحداق بالسّحر الحلال
وَرَمَتْني فأَصابت مقْلَتي / يا سُليمى ما لعينيكِ وما لي
كم أرَتْني لا أرَتْها راحةً / غيرَ ما يخطُرُ منهنَّ ببالي
نظراتٌ كنتُ قد أرْسَلْتها / وبها يا سعد قد كانَ وبالي
ليتَ شعري يومَ صَدَّتْ زَيْنَبٌ / لمِلالٍ كانَ منها أَمْ دلال
موقف التوديع كم أجْرَيْتَ لي / عبراتٍ رخصت وهي غوالي
لم أجد فيك التفاتات إلى / كبدٍ حرَّى ولا دمعٍ مذال
أينَ لا أينَ لنوقٍ أصْبَحَتْ / تتراءى بين حلٍّ وارتحال
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم / فتعلَّلْنا بأَنفاس الشّمال
انْقضى العَهْدُ جميلاً وانْقَضَتْ / دولةٌ كانتْ لربات الرِّجال
كنتُ مشغوفاً فلمَّا أنْ بدا / وَضَحُ الشَّيب بفوديَّ بدا لي
وأَراني في خطوبٍ طبَّقتْ / أنا والأَيَّام في حربٍ سجال
من رآني قالَ لي ممَّا رأى / هكذا تصنعُ بالحرّ اللَّيالي
لَسْتُ مُنحطًّا بها عن رتبة / ومقامي من عليّ القدر العالي
من مُثيبي سَعَة العيش وإنْ / كنتُ منها اليوم في ضيق حال
مَوْرِدٌ أَصْدُرُ عنه بالَّذي / أَبْتَغيه منه في جاهٍ ومال
إنْ تَقَدَّمْتُ إليه فالمنى / من نداه والعطاء المتوالي
وإذا أَبصرتُ منه طلعةً / راعني بين جمالٍ وجلال
لم تَطِشْ دهياءُ ما وقَّرها / من حُلومٍ راسياتٍ كالجبال
ومزيلٍ كلَّ خطبٍ فادحٍ / للرزايا غير مرجوّ الزَّوال
لم تكد تُحصى سجاياه الَّتي / رَفَعَ الله بها بيتَ المعالي
وخلالٍ يُشْرِفُ المجدُ بها / يُعْرَفُ المعروف من تلك الخلال
مُتْبِعُ الحُسنى بحسنى مثلها / يَصِلُ الدهر بها والدَّهر قال
رَجلٌ أُوتيَ من خالقه / صَولةً تُرْغِمُ آناف الرِّجال
يتوالى مُنْعِماً إحْسانَه / وأَجلُّ الغيث ما جاءَك تالي
ولَهُ الله فغايات العُلى / نال أَقصاها على بُعْدِ المنال
آل بيتٍ كلّ خير فيهمُ / آل بيت المصطفى من خير آل
سادةِ الدُّنيا وأعلام الهُدى / منقذي العالم من هلك الضَّلال
بأبي من سادةٍ أذخرهم / لمعاشي ومعادي وآمالي
قوَّموا الدينَ وشادوا مجده / ثَقَّفوا السّؤدد تثقيف العوالي
دوحةٌ شامخةٌ منها الذرا / أنا منها أَبداً تحت ظلال
كَمُلَ الفضل بهم بهجته / أَين بدر التّمّ من هذا الكمال
شغل الشكر لساني ويدي / بعليٍّ بعد محمود الفعال
رُحْتُ أَسْتَحلي قوافيَّ به / وهيَ فيه أبدَ الدَّهر حوالي
لعطاءٍ غير ممنونٍ ولا / يُحْوج العافي إليه بالسُّؤال
إنَّ لي فيه وربّي أَمَلاً / منجز الميعاد من غير مطال
فكأنِّي رَوضةٌ باكرها / صيّبُ المزن وحلاً بعد حال
لا أرى منفصلاً عن ثروة / وبعليائك مولاي اتّصالي
نِلتُ فيك الخير حتَّى إنَّني / صِرْتُ لا أَطمع إلاَّ بالمحال
منعمٌ في كلّ يومٍ نعمةً / وكذاك المفضل العذب النوال
لا براحٌ عن مغاني سيّد / ولدى عليائه حطَّت رحالي
حُزْتَ أَجرَ الصَّوم فاهنأ بعده / سيِّد السَّادات في هذا الهلال
خَليليَّ هلْ لي بَعْدَ أَسْنِمَة النَّقا
خَليليَّ هلْ لي بَعْدَ أَسْنِمَة النَّقا / بسَلْع إلى مَن هَوَيْتُ وُصولُ
فقد حال لا حال اشتياق لهم / مراحلُ فيما بيننا ورحيل
حَمَلْتُ هواهم يا هذيم على النوى / وما كلُّ صبٍّ يا هذيم حَمُول
فَصِرتُ إذا لاحت لعينيَّ أرسمٌ / بدارٍ خَلَتْ من أهلها وطلولُ
أُكفكِفُ من عَينيَّ خشية / من الواشي أَنْ يدري بها فتسيل
أَفي كلّ رسمٍ دارسٍ لي وقفة / تطول عليه أنَّةٌ وعويل
وأَرعى نجوم اللَّيل وهي طوالع / إلى حين تلقى الغرب وهي أفول
لعلَّ خيالاً طارقاً منك في الكرى / فيُشفى عَليلٌ أَو يُبَلَّ غَليل
وأُرسلُ في طيّ النَّسيم تحيَّةً / إليكَ وما غير النسيم رسول
نظيرك مكحول النواظر خلقةً / غرير غضيض الناظرين كحيل
فإن نظرتْ عيناك عيني تارةً / رأيتَ سيوف الحتف كيف تصول
وما فتنة العشَّاق إلاَّ نواظر / تصابُ قلوب عندها وعقول
عصيتُ بك العُذَّال في طاعة الهوى / إذا لام جهلاً لائمٌ وعذول
وما أَثقلَ القولَ الَّذي لامني به / وإنْ كنتُ مشتدّ القوى لضئيل
وليسَ يعينُ المستهام على الأَسى / من الوجد إلاَّ صاحبٌ وخليل
بَكَيْتُ الدِّيارَ وأطلالَها
بَكَيْتُ الدِّيارَ وأطلالَها / وقد بَدَّلَ البينُ تِمثالَها
وأخنى عليها خطوبُ الزمان / فما خالَها تلم من خالِها
وفي مهجتي للجوى لوعةٌ / تُقَطِّع بالوَجْد أوصالها
لقد سوَّلَتْ ليَ سَيْلَ الدموع / فما قلتُ يومئذٍ ما لَها
تذكَّرتُ عصرَ الصبا والهوى / يُهَيّجُ للنفس بلبابها
وما اختلس الدهر من لَذَّةٍ / لعهدَ الصبابة واغتالها
زمانٌ أُعاقرُ فيه العقار / وأعصي بِلَهْويَ عذّالها
وأمشي بها مَرَحاً تستميل / من السكر بالراح ميَّالَها
وكم غادةٍ في ليالي الوصال / جَمَعْتُ مع القُرط خِلخالها
وما زلتُ أرشف من ريقها / لُماها وأشْرَبُ جريالها
لئِنْ كانَ ريقك يحيي النفوس / فقد كانَ لحظُك قتّالها
وساقيةٍ عمَّها حُسْنُها / بجنحِ دُجًى قد حكى خالها
تديرُ النضار بكأس اللجين / فتحكي المصابيحَ سيّالها
كُمَيْتاً تجولُ بمضمارها / جآذرُ تَصْرَعُ أبطالها
فيا طيب معسول ذاك اللمى / إذا هَصَرَ الصَبُّ عسَّالها
ولستُ بناسٍ لها ما مضى / وإنْ كنتُ أعْمَلْتُ إهمالها
ولياليَ لم أبد تفصيلها / إذا أنا أبديتُ إجمالها
وأُبْتُ لمشبهة في المسير / زفيفَ النَّعامة أو رالها
كأنِّي تَكلَّفْتُ مَسحاً بها / عروضَ البلاد وأطوالها
طويتُ القفار وخُضْتُ البحار / ورُضْتُ الخطوبَ وأهوالها
وجرَّبْتُ أبناءَ هذا الزمان / وعَرَّفني الدهرُ أحوالها
وإنِّي لَذاكَ الَّذي تَعْرِفونَ / حَمَلْتُ المروءة أثقالها
وإنْ قلَّ ما في يدي لم أكنْ / لأشكو من العصر إقلالها
وإن أنا أتربتُ فالمكرمات / تُحدِّثُ بأنِّيَ فَعَّالَها
وحَسْبك من ذي يدٍ أصبَحْت / تطولُ ولا ذو يدٍ طالها
وإنْ أعْضَلَتْ مشكلاتُ الأمور / أزال وفسَّر إشكالها
وقافية من شرود الكلام / بأخبار سلمان قد قالها
وأرْسَلَها مثلاً في الثناء / وخَصَّ بمن شاءَ إرسالها
فتًى يقتفي إثرَ آبائه / وحاكَتْ مزاياه أفعالها
تنال من الله نعمَ الثوابُ / وتُنْفِقُ لله أموالَها
تَفَجَّر من راحتيه النَّدى / وأوْرَدَ من شاءَ سلسالها
من السَّادة النُجُبِ الطاهرين / تَزينُ العصورَ وأجيالها
لقد طهَّر الله تلك الذوات / وأجرى على الخير أعمالها
بني الغَوثِ غوث فحول الرجا / ل إذا اشتدَّ بالناس ما هالها
وأفعالُها في جميع الصَّنيع / من البِرِّ تَسْبِقُ أقوالها
فما زلتُ أذكر تفضيلها / وما زلت أشكر إفضالها
بكم يُستغاث إذا ما الخطوب / أهالت على الخلق أهوالها
فكنتُم من النَّاس أقطابها / وكنْتُم من النَّاس أبدالها
فَلَو خَلَتِ الأرض من مثلكم / لزُلْزِلَتْ الأرض زلزالها
أبا مصطفى أَنْتَ صوبُ الغمام / ويا ربَّما فُقْتَ هطالها
وقد نَفَقَتْ فيك سوق القريض / وكان نوالُك دَلاّلها
ولما بَلَغْتُ المنى في العُلى / وبَلَّغْتُ نفسي آمالها
أتَتْك النقابة تسعى إليك / تجرُّ من التيه أذيالَها
وألْقَتْ إليكَ مقاليدها / وأبْدَتْ لعزّك إذلالها
وراثة آبائك الطاهرين / فما أحَدٌ غيرهم نالها
عليكم وفيكم ومنكم نرى / وجوهَ السَّعادة إقبالها
إذا لم تكنْ أَنْتَ أهلاً لها / من الأنجبين فمن ذا لها
فقد نلتَ ما لم ينله سواك / فضائل نشكر أفضالها
كلامك يشفي صدور الرِّجال / ويرضي الملوكَ وعمّالها
وحيثُ أخلَّت بها خُلَّةٌ / سَدَدْتَ برأيك إخلالها
وكم يدٍ لك في الصالحات / سَبَقْتَ من البرّ أمثالها
وإنْ أغْلَقَتْ بابها المكرمات / فإنَّك تَفْتَحُ أقفالها
لأسماءَ دارٌ حيثُ منْقَطع الرَّملِ
لأسماءَ دارٌ حيثُ منْقَطع الرَّملِ / سقاها برِجافِ العشيَّة منهَلِّ
وجَرَّتْ عليها الذَّيلَ وطفاءُ أبرَقَتْ / وراحتْ ومن جلجالها زجَلُ الفَحلِ
وإنِّي لأستسقي لها وابلَ الحيا / وإنْ كانَ دمعي ما ينوب عن الوبلِ
عَهِدْتُ الهوى فيها وكانت كأنَّما / مواقيتها الأولى مواسم للوصل
حَلَفْتُ بأحشاءٍ يُحَرِّقها الجوى / وكلّ قريحِ الجفن بالدَّمع مبتلّ
وما رُمِيَتْ من مهجةٍ صادها الهوى / بمكحولة العينين من غير ما كحل
لقد فَتَكَتْ بي أعينٌ بابليَّةٌ / فويحك يا قلبي من الأَعين النجل
وقد فعلَ الشَّوق المبرّح في الحشا / كما تفعلُ النِّيران بالحطب الجزل
وإنْ فاضَ دمعي لا أزال أُريقه / فمن كبدٍ تصلى ومن لوعةٍ تصلي
وجور زمان لو أَرى فيه منصفاً / لحاكَمْتُهُ فيه إلى حكم عدل
أَمثلي يطوفُ الأرض شرقاً ومغرباً / على أرب يرضى من الكثر بالقلّ
وتقْذِفُني الأَسفار في كلّ وجهةٍ / فمن مهمهٍ وعرٍ إلى مهمهٍ سهل
وتَحْرِمُني الأَيَّام ما أَسْتَحِقّه / فلا كانت الأَيَّام إذ ذاك في حلّ
وأرجع أختار الإِقامة خاملاً / حليف الجهول الوغد والحاسد النذل
وقد عكفت قومٌ على كلّ جاهلٍ / كما عكفت أقوامُ موسى على العجل
يطاولني من لَسْتُ أرضاه موطئاً / وأُكْرِمُ نعلي أنْ أقيسَ به نعلي
وفاخَرَني من يحسب الجهل فخره / وناظرني من لم يكنْ شكله شكلي
فتبًّا لدهرٍ تُسْتَذَلُّ قرومُه / وتستكبِرُ الأَنذال فيه وتستعلي
أقاموا مقامي من جهلت بزعمهم / فما قام في عقدٍ هناك ولا حلِّ
ولو طلبوا مثلي لَعَزَّ وجوده / وما وَجَدوا مثلي وأنَّى لهم مثلي
إلامَ أُمَنِّي نفسَ حُرٍّ أَبيَّةٍ / شديدٍ عليها في الدّنا موقفُ الذّلِّ
أُواعدها والدَّهر يأبى بساعةٍ / تَبُلُّ غليلي حين تنزعُني غلِّي
ويعذُلني من ليسَ يدري ولو درى / لما عجَّ في لومي ولا لجَّ في عذلي
على أنَّني ما بين شرّ عصابةٍ / حريصين لا كانوا على الخلق الرذل
لقد أنكروا أشياءَ أفضُلُهم بها / وما عَرَفوا في الدَّهر شيئاً سوى البخل
وما أشْفَقوا من وخز دهياء طخيةٍ / كما أشفقوا يوم النَّوال من البذل
مدحتُ شهاب الدِّين بالعلم والحجى / ومدح شهاب الدِّين فرضٌ على مثلي
وما يَمَّمَتْ بي ناقةٌ غير بابه / ولا وَقَّرتْ إلاَّ بإحسانه رحلي
هو الشَّرف الأَعلى هو العلم والتّقى / توَرَّثه عن جدِّه سيِّد الرّسل
متى حاولته اليعملات حَثَثْتُها / إلى السَّيِّد المحمود بالقول والفعل
إلى دوحة من هاشم نبويَّةٍ / نعم إنَّ هذا الفرع من ذلك الأَصل
وإلاّ تُحِطْ علماً بأَعلم من بها / فَسَلْ من شجاع القوم عن جوهر النَصل
وإنِّيَ إذ أُصغي لمعنى حديثه / ثَمِلْتُ وتردادي بأمداحه نقلي
كلامك لا ما راعَ من كلّ باهرٍ / ولفظك لا ما اشتير من كورة النَّحل
وكتْبك أمثال الشُّموس طوالع / فلا اللَّيل يغشاها إذ الشّكّ كاللَّيل
هَدَيْتَ بها مَن كانَ منها بحَيرةٍ / وأَوْضَحتَ في تبيانها غامض السّبل
وأمْلَيْتَ ما حارتْ عقولُ الورى به / وأصْبَحتِ الأَقلام تكتبُ ما تُملي
وما تنكرُ الدُّنيا بأنَّك عالمٌ / وإنْ كانَ هذا الدَّهر أمْيَل للجهل
وإنْ عُدَّت الأَشياخ بالعلم والحجى / فإنَّك شيخ الكلّ مولاي في الكلِّ
وأَنْتَ إمام المسلمين بأسرهم / عليك اعتماد القول بالنَّقل والعقل
فلا أخْذَ إلاَّ عنك في الدِّين كلّه / ألا إنَّ حقّ الأَخذ من قولك الفصل
وإنْ قالَ قومٌ قد عُزِلْتَ فإنَّما / عُزِلْتَ ولم تُعزَل عن العلم والفضل
يَحُطُّ سواك العَزْلُ عن شَرَف العُلى / ومثلُك لا يَنْحَطُّ ما عاشَ بالعَزْل
وهل للمعالي لا أباً لأبيهمُ / سواك وإنْ يأبى المعاند من بعل
وهَبْها لدى أسرٍ لدى غير كفوها / فلو خُلِّيَتْ جاءَتك تمشي على رجل
تَحِنُّ إلى محيَّاك وهي مشوقة / إليك حنين المستهام إلى الوصل
وكم منصب قد قالَ يوماً لأهلِهِ / إليكَ إذاً عنِّي فما أَنْتَ من أهلي
أَغَظْتُ بك الحُسَّاد في كلِّ مدحةٍ / أشدّ على الأَعداء من موقع النّبل
وقُلْتُ ولم أرجع إلى غير مثله / ويا كُثْرَ ما أخّرتُ أشياء من قولي
يغيظ كلامي فيك كلّ مناضلٍ / يرى من كلامي فيك نضنضة الصّلّ
وفيك أَقولُ الحقّ حتَّى لَوَ انَّني / أذوقُ الرَّدى فيه مريراً وأستحلي
بُشْراكَ في نَجْلٍ نجيبٍ بدا
بُشْراكَ في نَجْلٍ نجيبٍ بدا / والبِشْرُ لما حَلَّ لا شكَّ حَلْ
مناقبُ الآباء تحيى به / والسَّادة الغرُّ الكرام الأُوَلْ
نورٌ يريد الله إظهاره / وشمسُ فضلٍ في العُلى لم تَزَلْ
قد وُلِدَ الزَّاكي فأرَّخْتُه / الخيرُ في مولدِهِ قد حَصَلْ
كفاني المهماتِ عبدُ الغنيّ
كفاني المهماتِ عبدُ الغنيّ / وذلك مِنْ بَعض أَفضالِهِ
فإنْ نِلْتُ مالاً فمن جاهِهِ / وإنْ نِلْتُ جاهاً فمن مالِهِ
أَراني والخطوبُ إذا أَلَمَّتْ
أَراني والخطوبُ إذا أَلَمَّتْ / رَحبْتُ إلى جميلِ أبي جميلِ
كأَنَّ الله وَكَّلَهُ برزقي / وحوَّلَني على نِعْمَ الوكيلِ
وإنِّي لشيعيٌّ لآل محمَّد
وإنِّي لشيعيٌّ لآل محمَّد / وإنْ رَغِمَتْ آنافُ قومي وعُذَّلي
وأَشْهَدُ أنَّ الله لا ربَّ غيره / وأنَّ وليّ الله بين الملا علي
عَفَتْ أَرْسُمٌ من دارِ ميٍّ وأطلالُ
عَفَتْ أَرْسُمٌ من دارِ ميٍّ وأطلالُ / وحَالَتْ بنا إذ خَفَّ قاطِنُها الحالُ
فكمْ أَسأَلُ الدَّار البوالي رسومُها / وهل نافعي من أرسم الدَّار تسآل
وَقَفْتُ بها أَقضي لها الدَّين بالأَسى / وما ينقضي وَجْدٌ عليها وبلبال
وفي النَّفس من تلك المنازل لوعة / تُهَيِّجها منِّي غدوٌّ وآصال
وكم هَيَّجَتْ بي زفرةً بعد زفرةٍ / لنيرانها في مضمر القلب إشعال
وعهدي بذات الضال عذر على الهوى / أَلا للهوى العذْريّ ما جمع الضال
بروحي من كانت حَياتي بقربه / ويَقتُلني بالهجر والهجر قتال
أُلاحِظُ منه البدر في غسق الدُّجى / يَميسُ به قدٌّ من البان ميَّال
أَحِبَّتنا قد حالَ بيني وبينكم / خطوبٌ لأحداث الزَّمان وأهوال
لئنْ غِبتُم عن ناظري وحُجبتم / فما غابَ منكم عن فؤادي تمثال
وما سرَّني أنِّي مقيمٌ ببلدةٍ / وهمِّي عليكم في المهامِهِ جَوَّال
ألامُ عليكم في الهوى وهوانه / وللصّبّ لوَّامٌ وللحبِّ عذّال
سقى الله هاتيكَ الديارَ وأهْلَها / وجُرَّت عليها للغمائم أذيال
وعهداً مضى فيه الشباب وطيبُه / وقد غالَه من طارق الشيب مغتال
سأركبُها في المهمَهِ القفر مركباً / سَفائنَ بَرٍّ لُجُّ أبْحرها الآل
ولستُ مقيماً ما أقَمتُ بمنزلٍ / وعيشي أنكادٌ تسوء وأنكال
وتَصحَبُني في كلِّ فجٍّ عزيمتي / وأبيضُ هنديٌّ وأسمرُ عسّال
وما ملكَتْ منِّي المطامع مِقْوَداً / لصاحبها في موقف الضيم إذلال
وما ساءني فَقَرٌ ولا سرّني غنًى / بحيثُ استوى عندي ثراءٌ وإقلال
ولم أدْنُ من أشياء ممَّا تَشينُني / ولو قُطِّعَتْ منِّي لذلك أوصال
وما كانَ بي والحمد لله خُلَّةٌ / لها بالشريف الباذخ المجد إخلال
ولستُ أبالي والأبوّة مَذهبي / إذا أعْرَضتْ عنّي مع العلم جهّال
همُ سابَقوني بالفخار فقصّروا / وهم طالبوني بالإباء فما طالوا
ولي بعليّ القَدْر عن غيره غنًى / إذا عُدَّ قول للكرام وأفعال
من القوم أبناء النُّبوَّةِ والعلى / يُشام لهم في كلِّ بارقةٍ خال
سَلِ المجدَ عنهم مُجْمَلاً ومُفصَّلاً / ويغني عن التفصيل إذ ذاك إجمال
إذا وُصِفوا بالعلم والحلم والتقى / فبالعلم أعلام وبالحلم أجبال
قواضٍ على أموالهم بنوالهم / وما نيلَ هذا الفضل إلاَّ بما نالوا
عزائِمُهُم شرقاً وغرباً وبأسُهُم / قيودٌ بأعناق الرِّجال وأغلال
إليك أبا سلمان تسعى ركابنا / وفيها إلى مغناك حلٌّ وترحال
وتصدر عنك الواردون ظِماؤها / عليها من الإنعام والشكر أثقال
إذا نحن أثنَيْنا عليك فإنَّما / لكلِّ نسيجٍ من ثنائك منوال
يَصِحُّ رجائي في علاك مريضه / ومن اسمك العالي لقد صدق الفال
تُبشّرُ بالنَّعْماء منك بشاشَةٌ / وعطفٌ على من يرتجيك وإقبال
تُغيثُ بغَوْثٍ من دَعاك لكربه / وللغيث من جدوى يمينك إخجال
وما زال بي من جود فضلك نعمةٌ / تُسَرُّ بها نفسي ويَنْعَمُ لي بال
إذا ما استقى العافون من يدك النوى / سقاها الأيادي عارضٌ منك هطال
وفيك أبا سلمان بالناس رأفةٌ / يُنالُ بها قصدٌ وتُدْرَكُ آمال
يخبِّرُ عنك الفضل أنَّك أهلُهُ / ويَشهدُ فيك البأس أنَّك رئبال
تبلَّجَ صُبحُ الحقّ بالصِّدق ظاهراً / فلا احتال بعد اليوم بالزُّورِ مُحتال
أما وجميلٍ من صنيعك سالفٍ / عليَّ به مَنٌّ وفضلٌ وإفضال
وآباؤك الغُرُّ الميامين إنَّهم / غيوثٌ إذا جادوا ليوث إذا صالوا
لقد كَذَب الحُسَّاد فيما تَقَوَّلوا / عَليَّ وأيم الله ما قلتُ ما قالوا
أعيذُك أن تُصغي إلى قولِ كاذبٍ / ويَثْنيك عنِّي ذلك القيل والقال
ألمْ أقضِ عمري في ثنائك كلِّه / ولي فيك من غُرِّ المدائح أقوال
خدمتُك في مدحي ثلاثين حِجَّةً / وصَوْبُك مُنهلٌ وجودك سيّال
أباهي بك السادات شرقاً ومغرباً / وأرْفُلُ في بُرد النعيم وأختال
أنالُ بك الآمال وهي بعيدة / وأفتَحُ أبواباً عَليهنَّ أقفال
وإنِّي لأرعى النَّاس بالشكر ذِمّةً / وما في خلوصي بالمودّة إشكال
وأَنْتَ الَّذي ترجى في النَّاس كلّها / وتُضْرَبُ في نعماك للناس أمثال
إذا ما القوافي أقْبَلَتْ بثنائها / عليك فمأمولٌ بها الجاه والمال
وقافيةٍ تتلى ويحلو نشيدها / وكم تتحلّى في ثنائك معطال
راقَ للأبصارِ حُسناً وجمالا
راقَ للأبصارِ حُسناً وجمالا / بَدرُ تِمٍّ لاحَ فاستوفى الكمالا
قَرَّت العينُ به من أبلجٍ / فَرَأَتْ أعينُه السِّحْرَ حلالا
كلَّما زادَ وميضاً برقه / زادني من لوعة الوجد اشتعالا
ظامئُ الأَحشاء في الحبِّ إلى / مانعي من ثغره العذب الزّلالا
لا أُبالي في صبابات الهوى / أَقْصَرَ العاذلُ لومي أمْ أطالا
كم طعينٍ بقوامِ أهْيَفٍ / هو لم يشهد طعاناً ونزالا
إنَّ للصَّبِّ لعمري كبِداً / زادَ في القلب من الوجد ذبالا
صانَ في أحشائه الحبّ وقد / أَهْرَقَتْ أَجفانه الدَّمع المذالا
يا مُحِلاًّ في الهوى منِّي دماً / سيف عينيه وما كانَ حلالا
وكمالات وعلم ونهًى / هبة من جانب الله تعالى
دَبَّرَ الملك برأي ثاقبٍ / وأحالَ الجَوْرَ عدلاً فاستحالا
وكسى بغداد في أيَّامه / حُلَّةَ الفخر جمالاً وجلالا
كلَّما جالتْ به أفكارنا / من ثناءٍ وَجَدَتْ فيه مجالا
فرأيناها لعَمري بلدةً / نِعَمُ الله عليها تتوالى
قد زَهَتْ فيه وقد عمَّرَها / واحدُ الدُّنيا مقالاً وفعالا
والعراق اليوم لولا عدلُهُ / ما رأى من بعد ما اعْوجَّ اعتدالا
لو دعا الشُّمَّ الرَّواسي أَمْرُه / لم تُجِبْ دَعوتَه إلاَّ امتثالا
أخَذَتْ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ / فهي للجنَّةِ قد أمْسَتْ مثالا
حِكَمٌ تهدي إلى الرّشد ومن / زاغ عنها فلَقَدْ ضلَّ ضلالا
وسجاياه الَّتي في ذاته / بَزَغَتْ في أُفقِ المجد خلالا
في مزاياه لعمري كرمٌ / وَسِعَ النَّاس به جاهاً ومالا
لو تَطَلَّبتَ سواها مثلها / كنتَ ممَّن يطلب الشَّيء المحالا
دولةٌ أيَّدها الله فما / ترهب الدُّنيا ولا تخشى زوالا
من رجالٍ نظم الملك بهم / وإذا كانَ الوغى كانوا جبالا
قوَّةٌ في ذاتهم لو حاولوا / أَنْ يزيلوا جبلاً فيها لزالا
زارَ بغدادَ فزارتنا به / أَيْمُنُ الخير يميناً وشمالا
يا لها من زورةٍ مقبولةٍ / أَطْلَعَتْ منكَ على النَّاس هلالا
فلَقَدْ ولاّك سلطانُ الورى / لا أراني الله فيك الانفصالا
يومَ أقْبَلْتَ على بغداد في / أيّ يوم كانَ للعيد مثالا
هو ظلُّ الله في الأرض وقد / مَدَّ بالأَمن على النَّاس ظلالا
جئتَ بالخير علينا مقبلاً / وتنَقَّلْتَ مع السَّعد انتقالا
فرأينا منك ما لم نَرَهُ / قَبْلَ أنْ جئتَ كمالاً وجمالا
وإذا ما مدَّ يوماً باعه / طال فيما يبتغيه واستطالا
يقصر المادح عنها مطنباً / كلَّما بالغ بالمدح وغالى
باسطٌ بالخير والحسنى يداً / نَوَّلَتْ من كلّ ما نهوى نوالا
وإذا جَرَّدَهم يومَ وغًى / مثلما جَرَّدَ أَسيافاً صقالا
أَشرفُ النَّاس وأَعلاهم سنًى / أَشْرَفَ النَّاس مزاياً وخصالا
رحم الله تعالى روحهم / إنَّهم كانوا إلى الخير عُجالى
لا أراني عَنْ غنًى منفصلاً / إنْ يكنْ لي بمعاليه اتّصالا
يا ملاذي ومآلي لم تَزَلْ / أَنْتَ لي فيها ملاذاً ومآلا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025