المجموع : 58
كيف يا قوم يوصف المخلوقُ
كيف يا قوم يوصف المخلوقُ / بوجود وأصله ممحوقُ
عدم كله وقد قدَّرته / أزلاً قدرةٌ عليه تحوق
فهو شأن مقدر من قديم / لم يكن للوجود فيه طريق
ولقد جاءت النصوص بهذا / في كتاب وسنة ذا مسوق
وإذا كان هكذا الأمر قل لي / كيف وصف الوجود فيه يليق
والذي بالوجود يوصف ماذا / أين يا عقل أنت والتحقيق
فإذا الخلق قيل نفس وجود / لا بوصف الوجود ذا مرموق
قلت إن الوجود في كل شيء / واحد كلهم به مطروق
طبق ما قيل أنه هو جنس / وهو للإشتراك فيه يسوق
وَلْيَكُ الفرق ظاهراً بذوات / وشخوص سوى الوجود تروق
وإذا كانت الذوات وجوداً / وكذاك الشخوص زالت فروق
وغدا الكل واحداً ومحال / ذاك في العقل ليس فيه وثوق
فافهموا يا عقول ذا القول وادروا / وادركوا ما ترونه واستفيقوا
له الغربُ من أوج العلى ولنا الشرقُ
له الغربُ من أوج العلى ولنا الشرقُ / وما بيننا في مقتضى ذاتنا فرقُ
وهل باسم محي الدين يمتاز في الورى / وعبد الغنيْ إلا من الشجر العرق
كلانا وجود واحد وهو ذاتُ من / لها أنني برق كما أنه برق
وما النور إلا النار في نظر السوى / وللنار إطفاء به ولها حرق
هي الشمس من خلف الجدار تطلعت / إذا سد خرق منه أظهرها خرق
طرقت بها ما خصني من شئونها / كما كان من تلك الشئون له طرق
على سره منه الرضى وهو سرنا / فمنا علينا ذاك ما غنت الوُرْق
يا من تجلّى حتى تملا
يا من تجلّى حتى تملا / به الفتى المشتاقْ
ما ثمَّ إلا وجهٌ تجلى / بزائد الإشراقْ
كلي اضمحلا فصرت ظلا / لقدره الخلاقْ
ما ملت كلا والغير ضلا / عن حالة العشاقْ
يا برق وادي ربا جيادِ / هيجت للركبانْ
شجى فؤادي غناء حادي / يسوق بالأظعانْ
بالله نادى والليل هادي / من للشجي الولهانْ
لقا سعادي أجل زادِ / في قسمة الأرزاقْ
أوفى سلامي على التهامي / من خص بالمعراجْ
مع الكرام أهل المقام / وسائل الإنتاجْ
آلُ عظامِ صحبُ مرامي / بهم فلا أحتاجْ
وصرت سامي في القدر شامي / عبد الغني قد فاق
أهملوني من جهلهم بي وهذا
أهملوني من جهلهم بي وهذا / وصف قومي ما بينهم متناسق
وهو إهمال ربهم لهمو فل / يستعيذوا بالله من شرِّ غاسق
وأنا ناظر لهم فكأني / مصحف قد أقيم في بيت فاسق
أيا ساكنين الشرق قد شَرِقَت بكم
أيا ساكنين الشرق قد شَرِقَت بكم / عيوني بدمع حين شامت سنا البرقِ
فقوموا بعذري عندكم إن مبتدا / غرامي بكم قد كان من أقرب الطرق
وما ذاك إلا أنني كنت غافلاً / أظن جداري ليس يؤذن بالخرق
فمدت يد شرقية قادرية / بها نشأتي خضراء طيبة العرق
فقلت لأهل الغرب لا تعتبونني / بكم أنني في الجمع من غير ما فرق
صعدت بكم أوج العلى وترنمت / بألحانكم في القلب ساجعة الورق
ألا فاعذروا طرف المحب فإنه / رأى البرق شرقياً فحن إلى الشرق
أسقي نداماي من كاسي وأشرب ما
أسقي نداماي من كاسي وأشرب ما / أبقوه في الكاس لي من خمري الباقي
فكنت آخرهم شرباً وأولهم / سكراً بما تركوا من بهجة الساقي
بقية الله خير قال خالقنا / فحققوا القول يا قومي وأرفاقي
وهذه يد من أهواه وهي يدي / بلمسها نال كلي عهد خلاقي
قولوا لمن قد أبى عن مجلسي ونبا / من ذا يوقّيك في العقبى من الواقي
هذا المدام وهذا الكاس ممتلئٌ / من المدام إلى أطراف أطواقي
ترقى وتسقط من أعلى مقامك في / حضيض جهلك بي يا خيبة الراقي
عطشان يحمل ماء في أداوته / وليس يدري به من سوء أخلاق
إن الكرام بحسن الظن قد شربوا / وسوء ظنك حرمانٌ لرقراق
لا بد أن تغلق الباب الذي فتحت / يد الإله فتبقى خارج الطاق
قطع الجهول زمانه بتغزلِ
قطع الجهول زمانه بتغزلِ /
إن الجهول عن الجمال بمعزل /
أنا لا أميل إلى كلام العذَّل /
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي / من وصل غانية وطيب عناقِ
إن كنت جئت لدى العدى بنقيصةٍ /
فهي الكمال وذاك عن خصِّيصةٍ /
طلبي لغالية ببذل رخيصةٍ /
وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ / في الذهن أبلغ من مدامة ساقي
سم الجهالة زال من ترياقها /
وهو العلوم بمقتضى إشراقها /
حرَّرتها في الطرس باستحقاقها /
وصرير أقلامي على أوراقها / أشهى من الدوكاة والعشاق
فانهض لتحصيل العلوم ووفِّها /
حقاً بأشرف حالة وأعفها /
إني كُفِفْتُ عن السوى بِأَكُفِّها /
وألذ من نقر الفتاة لدفها / نقري لألقي الرملَ عن أوراقي
تعلو على أوج المعالي همتي /
في نيل مقصودي وقرب أحبتي /
وأنا الذي عزمي كسيف مصلت /
يا من يبالغ بالأمالني رتبتي / كم بين منسفل وآخر راقي
أصبحت موصوف العلى منعوتَهُ /
لا أختشي من جانب تفويتَه /
يا قاصراً فينا يحاول صيته /
أأبيت سهرانَ الدجى وتبيتَه / نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
نحن في وادي وغيب الغيب في وادي عميق
نحن في وادي وغيب الغيب في وادي عميق / والذي يدخل وادي الغيب منه لا يفيق
إنه الوادي الذي كلم موسى ربه / فيه والتقديس منه بان في أهل الطريق
وانطواء الكون فيه أنه وادي طوى / كل من يسلك فيه فهو من خير فريق
قف معي يا ابن مقامي ههنا دون الحمى / وتيامن وتياسر واشهد البيت العتيق
إن أنوار سليمى ليس تخفى في الورى / إنما المزكوم لا يعرف ما المسك الفتيق
هذه لا هذه من يفهم المعنى الذي / عندنا ينجو من البحر الذي فيه غريق
لا تلم مثلي على كشف الغطا كشف الغطا / إن مثلي إن مثلي صاحب العهد الوثيق
سرت نسمة أم تلك لمعة بارقِ
سرت نسمة أم تلك لمعة بارقِ / أم الغيب مدت منه أيدي الرقائقِ
بدا فاختفت آثار كل حقيقة / لهذا نكنّي عنه سر الحقائق
هو النور إلا أنه هو ظلمة / وضدان أمر مستحيل لذائق
هو الحرف في غيب الغيوب وإنه / هو الإسم في عين العيان الموافق
ولكنه الفعل القديم حدوثه / مغاربه موصولة بالمشارق
شعورك والإدراك فعل الذي خلقْ
شعورك والإدراك فعل الذي خلقْ / وقد خلق الإنسان أي أنت من علقْ
فكن فعله كن لا تكن شاعراً ولا / بشيء من الأشياء وارفع به القلق
وفق من خمار النفس وابق به له / تَصِر صاحياً صحواً شديداً على طلق
وتنكشف الأشياء عندك كلها / ويشرق سرُّ الله كالصبح والفلق
وتكسف شمس الروح منك فتختفي / ويخسف بدر النفس من غير ما ملق
ويبقى ولا تبقى إلهك وحده / له الخلق والأمر الجميع به انفلق
هنالك للإلهام وحيٌ محقق / فسبحان من للحَبِّ قل والنوى فلق
يا صاحبي في الرخا وفي الضيقِ
يا صاحبي في الرخا وفي الضيقِ / دم حافظاً لي على المواثيقِ
هذي يدي قد مددتها لك خذ / عهدي سريعاً بغير تعويق
وجود مثلي وجود تقدير / وليس هذا وجود تحقيق
وهكذا الحادثات أجمعها / من حين تغريبها لتشريق
تصورت كلها لنا صوراً / في الحس والعقل للتزاويق
وكل هذا له وليس لنا / شيء من الأمر حكم تحليق
أما وجود الإله خالقنا / فهو الحقيقي لأهل توفيق
وجود حق محقَّقٍ أبداً / يعرف لكن بمحض تصديق
عن دركه العقل عاجز وكذا / عن وصفه في مقام تفريق
نراه لكن برؤيةٍ حدثت / لنا غداً لا بوهم تحديق
تغيب عنا وعن سواه إذا / نحن رأيناه حال تشويق
محبة منه والمحب بها / يكاد منها يغص بالريق
هذا اعتقاد الهداة سادتنا / لا عقد غاوٍ غَوَى وزنديق
كم أعرض السامريُّ عنه وكم / أباه في الدين كل بطريق
تعلقوا كلهم بما عبدوا / من خلقه فيه أي تعليق
وأعرضوا عن سنا عبادته / جل فنالوا ظلام تحريق
وأصبحوا مالهم لديه سوى / لعنتهم عنه ضمن تسحيق
شف ثوب الكائنات
شف ثوب الكائنات / عن وجود الحق
فوجود الحق ذات / من وراء الخلق
فانزعوا الثوب الرفات / قبل أن ينشق
واشربوا ماء الحياة / أنه قد رق
حسبت كل العقول / معه ثاني
بتآويل النقول / دون إيمان
وعليها وهم غول / فهم شيطاني
فاثبتوا إن الثبات / كاشفٌ ما دق
كل من رام الشهود / يرفع الإلباس
تاركاً دعوى الوجود / زائل الإحساس
حافظاً شرع الحدود / ما له وسواس
والذي فيه التفات / بالسوى ملحق
وعلى طه السني / صلواتٌ غرّْ
وعلى آل عني / ثم صحب طُرّْ
ماشدا عبد الغني / بنظام الدرّْ
وحباه بالهبات / ربه المطلق
يا من يريد يحب الله بالتحقيق
يا من يريد يحب الله بالتحقيق / عقلك مصور وقانع أنت بالتخليق
والله في الغيب مطلق ما له تضييق / وكل ممنوع نحوه العقل ذو التشويق
كل قول على العقول يشقُّ
كل قول على العقول يشقُّ / ليس جمعاً وإنما هو فرقُ
والذي من ورا العقول فجمعٌ / هو بالقلب ليس يبديه نطق
وحدة أطلقت عليه تعالى / في ثلاث من الكلام تدق
هو حق وباطل ما سواه / من جميع الأكوان غرب وشرق
ووجود وغيره عدم لا / يقتضي غير ذا ولا يستحق
وهو نور بدت به ظلمات / هن سحقٌ جميعهنَّ ومحق
هكذا عنه في الكتاب يكنَّى / وبهذا لعارف الله سبق
إن يشأ عنه قال وحدة حق / أو يشأ وحدة الوجود تحق
أو يشأ قال وحدة النور عنه / كلمات ما هن للدين خرق
وحدة الحق حققت كل شيء / فجميع الأشياء بالحق حَقُّ
وكذا وحدة الوجود بها قد / وُجِدَ الكلُّ فهي للكل حُقُّ
وسعت قال رحمتي كل شيء / فتأمل ماذا يقول المحق
وحدة النور للجميع أنارت / فجميع الأشياء بالنور صدق
هذه هذه الثلاثة أمر / واحد وهو بالتقادير برق
قدراً قل مقدراً أمره كا / ن كما قال والعوالم رق
وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ
وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ / به الكل موجود يلوح فيشرقُ
وهم عدمٌ والإنتساب يريكهم / وجوداً فحقق ما ترى يا محقق
ودع عنك هذا الإلتباس فإنه / على كل عقل حاكم ليس يرفق
فيظهر معدومات كل مقدر / من الغيب موجودات حس فتحرق
وما ذلكم إلا مجرد نسبة / إليه تعالى كل ما الله يخلق
فميز وجود الحق من عدم السوى / تكن رجلاً عند الورى بك يوثق
وسدد وقارب واتكل واصطبر وكن / بغير وجود عند نفسك تصدق
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ / بالروح روح الأمر بي تشرقُ
والروح روح واحد كلنا / أرواحنا منه لنا تسبق
لسانه العقل إذا رام أن / ينطق بي في نفسه ينطق
كلامنا نحن وكل الورى / في نفسه ربي له يخلق
طبيعة بالروح تبدو كما / تخفى فلا غرب ولا مشرق
بحر هو الروح وأمواجه / جميع ما يسكن أو يخفق
مثل معانيك التي أنت في / نفسك تعنيها إذا تحدق
والكل خلق الله لاحت لهم / في كل شيء آية تبرق
يا مالكي روحك روحي كما / قلت نفخت الروح إذ حققوا
بيني وما بينك هذا فإن / خفيت فيه فأنا الأسبق
والغيب أنت الغيب حق ولا / نقدر أن ندنو ولا نلحق
وإنما تعرفه بالذي / صوّره الروح لنا المطلق
معرفة من روحنا مثلنا / مخلوقة دون الذي يخلق
والروح هذا ملك واحد / بملئ ملك الله يستوثق
أحب مولاه ولا يستطع / إدراكه وهو له يعشق
حيران فيه فتراه لنا / مصوراً فهو بنا يرمق
هذا طريق واسع والسوى / ذاك طريق أعوج ضيق
ساقي يا ساقي
ساقي يا ساقي / اسقيني من خمرُهْ الباقي
واكشف لي عن قيد إطلاقي / يا ساقي آه يا ساقي
محبوبي ظاهر / يِتْجلى بالوجه الباهر
للعشاق في حكمُهْ قاهر / يا ساقي آه يا ساقي
أستارُهْ راحت / عن عيني والزهرَهْ فاحت
والسَكْرَهْ بالأسرار باحت / يا ساقي آه يا ساقي
اكشف لي عنَّكْ / في ذاتي وافتح لي دِنَّكْ
واجعلني يا حبي منَّكْ / يا ساقي آه يا ساقي
افتح باب الحان / واسْمِعْني من طيب الألحان
وارشفني من كاسي الملئان / يا ساقي آه يا ساقي
في دور الكاسات / قد غابت إخواني السادات
والخمارْ محمودْ العادات / يا ساقي آه يا ساقي
من يشرب يسكر / من خمري لما يتفكر
والمغرور في علمُهْ أنكر / يا ساقي آه يا ساقي
العالم فاني / والموجود ما لُهْ من ثاني
لا يدري غير الرباني / يا ساقي آه يا ساقي
يا دائم يا هُوْ / إن الكل في أمرك تاهو
والمضني حبكْ أفناهُ / يا ساقي آه يا ساقي
لا يعرفْ أمري / إلا من يشربْ من خمري
أحشاؤُهْ تصلى في جمري / يا ساقي آه يا ساقي
كفوا يا عذال / صبري في حبِّيهِ قد زالْ
يغزوني بالجفن الغزّال / يا ساقي آه يا ساقي
معروف الأوصاف / يعمل لي أنواع الألطاف
قلبي في كعبةْ ذاتُهْ طافْ / يا ساقي آه يا ساقي
ذا قولٌ قدسي / من عبد الغنيْ النابلسي
للسالكْ في هذا الجنسِ / يا ساقي آه يا ساقي
يا ربي صلِّي / عَلْىْ الْهادي نور المُتْجَلِّي
مع آلٍ والصحبِ الكلِّ / يا ساقي آه يا ساقي
ما غنَّى الحادي / للركبِ المكيِّ الغادي
أو لاحت أنور الوادي / يا ساقي آه يا ساقي
في الكون للحق أمثالٌ بها نطقا
في الكون للحق أمثالٌ بها نطقا / مضروبة منه للعبد الذي صدقا
فقال تلك هي الأمثال نضربها / للناس يعقلها من في الكمال رقى
وأغفل الله عنها من يشاهدهم / أهل السعادة في الدنيا وأهل شقا
فمؤمن هو ناج دون معرفة / إيمانه النور كالبرق الذي برقا
وجاهل ليس يدري ما يقال له / تكذيبه رزقه ذاك الذي رزقا
كن مسلماً مؤمناً بالحق تعرفه / أو لست تعرفه واتبع لأهل تقى
وإن ترد تعرف الله الذي ظهرت / آياته فاتبع الأصحاب والرُفقا
وهم أولوا العلم علم الله سادتنا / وكن بهم مؤمناً تلحق بمن سبقا
وانظر إلى الوقت وقت الفجر ليس له / علامة غير نور يملأ الأفقا
ونوره غيره والوقت يحضر إن / أبدى له الله ذاك النور والشفقا
والوقت طلق بلا قيد يقيده / في نفسه فاعتبره واشهد الفلقا
واشهد علامته تشهده حيث بدا / والله غيب ومشهود بمن خلقا
والوقت في كل أرض حاضر فخذوا / منه اعتبار الوجود الحق منطلقا
ونزهوه وقولوا عنه خالقنا / ما إن له غيبة فاليوم يوم لقا
والله عنه جميع الكون منتشر / كالضوء يبدو عن الضوء الذي انفتقا
تبارك الله لا شيء يشابهه / فالحس والعقل في تنزيهه اتفقا
والله قد ضرب الأكوان أمثلة / بالفعل لا نحن فاترك عنك ذا السلقا
ونحن نعقلها لا نحن نضربها / فنودع الطرس ما ندريه والورقا
وإن ترد أوضح الأمثال أجمعها / فانظر إلى صفحة المرآة مستبقا
من الزجاج أو الفولاذ ليس بها / شيء وفيها يلوح الشيء متسقا
ولا ترى جرم مرآة بك استترت / وبالجميع فلا تتعب به الحدقا
كما تلوح لك الأكوان تظهر في / مرآة عين الوجود المنتمي لبقا
وليس فيه سواه دائماً أبداً / والكل فانٍ به فيه قد انسحقا
وهو القريب ولكن لست تدركه / لأنه بك مستور وأنت وِقا
بحر الوجود الحقيقيْ لا تزال به / ترى الظهور هنا الأكوان والفرقا
والكل فانٍ وهذا واحد أحد / لا غيره معه للغير قد محقا
فاسلك على أثري وانظر إلى نظري / وثق بما قلته يا فوز من وثقا
واشتم رائحتي من مسك نافجتي / فإنني لك عطر في الورى عبقا
رعى الله بستاناً بفيجةِ جلقِ
رعى الله بستاناً بفيجةِ جلقِ / على عذب ماء بارد متدفقِ
به العين جادت كل حين بفيضها / فأرخص فينا سعر كاس مروَّق
رياض أريضات تظل غصونها / تميل دلالاً بالصبا المترقرق
وللظل منها الميل يرسم شكلها / على الأرض مثل الكاتب المتأنق
أتينا إليها من جبال مهولةٍ / يكاد بها الماشي يخر بمزلق
وكيف إذا كان الذي جاء راكباً / ففي خطرٍ لا شك فيه محقق
وتختر وان نحن سرنا به على / بغال متى سارت بقلبك يخفق
وكان إله الخلق يحفظنا بها / فلم نر من خوف هنالك ملحق
وسرنا على حكم الشهود بأمر من / حبانا بإكرام وعز ورونق
لا تظلم الله بما لا يليقْ
لا تظلم الله بما لا يليقْ / به ولا تدخل له في مضيقْ
فإن أهل الجهل قد بالغوا / في حقه بالنقص وهو الشفيقْ
يرحمهم دوماً وهم في عمى / عنه حمير بالغت في النهيق
ظنونهم فيها احتقار لهم / من غير علم عندهم في الطريق
كل امرئ منهم يظن الردى / هو الهدى والظن بئس الرفيق
سكران من خمر جهالاته / يا ليته لو كان يوماً يفيق
يا ويح قوم شبَّهوا ربهم / وقيدوه وهو وهو الطليق
يؤذونه سبحانه بالذي / قد نسبوه وهو ما لا يليق
وكم شريك أثبتوه له / به فخرّوا من مكان سحيق
كذا له صاحبةً أثبتوا / وولداً قل ذاك عبد رقيق
وعبدوا الأصنام جهلاً وقد / خروا إليها سُجَّداً بالحقيق
وعلقوا بالبيت أصنامهم / ودنسوا البيت الحرام العتيق
والنار أيضا عبدوها كما / هم يعبدون الشمس ذات الشريق
ويعبدون العجل من جهلهم / وكفرهم بالله وهو المحيق
وهكذا يؤذونه دائماً / وهو صبور ماءهم لا يريق
كما حكى القرآن هذا لنا / وكان ما قد كان من كل ضيق
حتى أتى الله بنور الهدى / وزال عن إشراقه ما يعيق
وأسفر الفجر وفاحت به / حدائق الورد وروض الشقيق
وقد تجلى لقلوب الورى / رب لهم قد كان نعم الصديق
وإنه غيب عن العقل بل / عن الحواس الخمس قول حقيق
وما له ماهية تقتضي / ظهوره فيها لمن يستفيق
وإنما الخلق ظهوراته / بهم تجلى مثل برق بريق
لم يتغير جل وهو الذي / يغير الغير ويهدي الفريق
خذ علمه عني فإني به / بحرٌ مداه للأعادي عميق
واحذر من الجبار يلقيك في / بحري فكم من جاهلٍ بي غريق
واشرب معي كأس الوجود الذي / عن غيره يغنيك فهو الرحيق
وقل لمن لا يعرفون الذي / هم فيه من خبث لديهم معيق
يا عصبة الطغيان والإفترا / إلى متى كفوا الحريق الحريق
ما أنتمو مثلي لكي تعرفوا / ما حجر الكدّان مثل العقيق