القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَني النابُلُسي الكل
المجموع : 58
كيف يا قوم يوصف المخلوقُ
كيف يا قوم يوصف المخلوقُ / بوجود وأصله ممحوقُ
عدم كله وقد قدَّرته / أزلاً قدرةٌ عليه تحوق
فهو شأن مقدر من قديم / لم يكن للوجود فيه طريق
ولقد جاءت النصوص بهذا / في كتاب وسنة ذا مسوق
وإذا كان هكذا الأمر قل لي / كيف وصف الوجود فيه يليق
والذي بالوجود يوصف ماذا / أين يا عقل أنت والتحقيق
فإذا الخلق قيل نفس وجود / لا بوصف الوجود ذا مرموق
قلت إن الوجود في كل شيء / واحد كلهم به مطروق
طبق ما قيل أنه هو جنس / وهو للإشتراك فيه يسوق
وَلْيَكُ الفرق ظاهراً بذوات / وشخوص سوى الوجود تروق
وإذا كانت الذوات وجوداً / وكذاك الشخوص زالت فروق
وغدا الكل واحداً ومحال / ذاك في العقل ليس فيه وثوق
فافهموا يا عقول ذا القول وادروا / وادركوا ما ترونه واستفيقوا
له الغربُ من أوج العلى ولنا الشرقُ
له الغربُ من أوج العلى ولنا الشرقُ / وما بيننا في مقتضى ذاتنا فرقُ
وهل باسم محي الدين يمتاز في الورى / وعبد الغنيْ إلا من الشجر العرق
كلانا وجود واحد وهو ذاتُ من / لها أنني برق كما أنه برق
وما النور إلا النار في نظر السوى / وللنار إطفاء به ولها حرق
هي الشمس من خلف الجدار تطلعت / إذا سد خرق منه أظهرها خرق
طرقت بها ما خصني من شئونها / كما كان من تلك الشئون له طرق
على سره منه الرضى وهو سرنا / فمنا علينا ذاك ما غنت الوُرْق
يا من تجلّى حتى تملا
يا من تجلّى حتى تملا / به الفتى المشتاقْ
ما ثمَّ إلا وجهٌ تجلى / بزائد الإشراقْ
كلي اضمحلا فصرت ظلا / لقدره الخلاقْ
ما ملت كلا والغير ضلا / عن حالة العشاقْ
يا برق وادي ربا جيادِ / هيجت للركبانْ
شجى فؤادي غناء حادي / يسوق بالأظعانْ
بالله نادى والليل هادي / من للشجي الولهانْ
لقا سعادي أجل زادِ / في قسمة الأرزاقْ
أوفى سلامي على التهامي / من خص بالمعراجْ
مع الكرام أهل المقام / وسائل الإنتاجْ
آلُ عظامِ صحبُ مرامي / بهم فلا أحتاجْ
وصرت سامي في القدر شامي / عبد الغني قد فاق
أهملوني من جهلهم بي وهذا
أهملوني من جهلهم بي وهذا / وصف قومي ما بينهم متناسق
وهو إهمال ربهم لهمو فل / يستعيذوا بالله من شرِّ غاسق
وأنا ناظر لهم فكأني / مصحف قد أقيم في بيت فاسق
أيا ساكنين الشرق قد شَرِقَت بكم
أيا ساكنين الشرق قد شَرِقَت بكم / عيوني بدمع حين شامت سنا البرقِ
فقوموا بعذري عندكم إن مبتدا / غرامي بكم قد كان من أقرب الطرق
وما ذاك إلا أنني كنت غافلاً / أظن جداري ليس يؤذن بالخرق
فمدت يد شرقية قادرية / بها نشأتي خضراء طيبة العرق
فقلت لأهل الغرب لا تعتبونني / بكم أنني في الجمع من غير ما فرق
صعدت بكم أوج العلى وترنمت / بألحانكم في القلب ساجعة الورق
ألا فاعذروا طرف المحب فإنه / رأى البرق شرقياً فحن إلى الشرق
أسقي نداماي من كاسي وأشرب ما
أسقي نداماي من كاسي وأشرب ما / أبقوه في الكاس لي من خمري الباقي
فكنت آخرهم شرباً وأولهم / سكراً بما تركوا من بهجة الساقي
بقية الله خير قال خالقنا / فحققوا القول يا قومي وأرفاقي
وهذه يد من أهواه وهي يدي / بلمسها نال كلي عهد خلاقي
قولوا لمن قد أبى عن مجلسي ونبا / من ذا يوقّيك في العقبى من الواقي
هذا المدام وهذا الكاس ممتلئٌ / من المدام إلى أطراف أطواقي
ترقى وتسقط من أعلى مقامك في / حضيض جهلك بي يا خيبة الراقي
عطشان يحمل ماء في أداوته / وليس يدري به من سوء أخلاق
إن الكرام بحسن الظن قد شربوا / وسوء ظنك حرمانٌ لرقراق
لا بد أن تغلق الباب الذي فتحت / يد الإله فتبقى خارج الطاق
قطع الجهول زمانه بتغزلِ
قطع الجهول زمانه بتغزلِ /
إن الجهول عن الجمال بمعزل /
أنا لا أميل إلى كلام العذَّل /
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي / من وصل غانية وطيب عناقِ
إن كنت جئت لدى العدى بنقيصةٍ /
فهي الكمال وذاك عن خصِّيصةٍ /
طلبي لغالية ببذل رخيصةٍ /
وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ / في الذهن أبلغ من مدامة ساقي
سم الجهالة زال من ترياقها /
وهو العلوم بمقتضى إشراقها /
حرَّرتها في الطرس باستحقاقها /
وصرير أقلامي على أوراقها / أشهى من الدوكاة والعشاق
فانهض لتحصيل العلوم ووفِّها /
حقاً بأشرف حالة وأعفها /
إني كُفِفْتُ عن السوى بِأَكُفِّها /
وألذ من نقر الفتاة لدفها / نقري لألقي الرملَ عن أوراقي
تعلو على أوج المعالي همتي /
في نيل مقصودي وقرب أحبتي /
وأنا الذي عزمي كسيف مصلت /
يا من يبالغ بالأمالني رتبتي / كم بين منسفل وآخر راقي
أصبحت موصوف العلى منعوتَهُ /
لا أختشي من جانب تفويتَه /
يا قاصراً فينا يحاول صيته /
أأبيت سهرانَ الدجى وتبيتَه / نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
نحن في وادي وغيب الغيب في وادي عميق
نحن في وادي وغيب الغيب في وادي عميق / والذي يدخل وادي الغيب منه لا يفيق
إنه الوادي الذي كلم موسى ربه / فيه والتقديس منه بان في أهل الطريق
وانطواء الكون فيه أنه وادي طوى / كل من يسلك فيه فهو من خير فريق
قف معي يا ابن مقامي ههنا دون الحمى / وتيامن وتياسر واشهد البيت العتيق
إن أنوار سليمى ليس تخفى في الورى / إنما المزكوم لا يعرف ما المسك الفتيق
هذه لا هذه من يفهم المعنى الذي / عندنا ينجو من البحر الذي فيه غريق
لا تلم مثلي على كشف الغطا كشف الغطا / إن مثلي إن مثلي صاحب العهد الوثيق
سرت نسمة أم تلك لمعة بارقِ
سرت نسمة أم تلك لمعة بارقِ / أم الغيب مدت منه أيدي الرقائقِ
بدا فاختفت آثار كل حقيقة / لهذا نكنّي عنه سر الحقائق
هو النور إلا أنه هو ظلمة / وضدان أمر مستحيل لذائق
هو الحرف في غيب الغيوب وإنه / هو الإسم في عين العيان الموافق
ولكنه الفعل القديم حدوثه / مغاربه موصولة بالمشارق
شعورك والإدراك فعل الذي خلقْ
شعورك والإدراك فعل الذي خلقْ / وقد خلق الإنسان أي أنت من علقْ
فكن فعله كن لا تكن شاعراً ولا / بشيء من الأشياء وارفع به القلق
وفق من خمار النفس وابق به له / تَصِر صاحياً صحواً شديداً على طلق
وتنكشف الأشياء عندك كلها / ويشرق سرُّ الله كالصبح والفلق
وتكسف شمس الروح منك فتختفي / ويخسف بدر النفس من غير ما ملق
ويبقى ولا تبقى إلهك وحده / له الخلق والأمر الجميع به انفلق
هنالك للإلهام وحيٌ محقق / فسبحان من للحَبِّ قل والنوى فلق
يا صاحبي في الرخا وفي الضيقِ
يا صاحبي في الرخا وفي الضيقِ / دم حافظاً لي على المواثيقِ
هذي يدي قد مددتها لك خذ / عهدي سريعاً بغير تعويق
وجود مثلي وجود تقدير / وليس هذا وجود تحقيق
وهكذا الحادثات أجمعها / من حين تغريبها لتشريق
تصورت كلها لنا صوراً / في الحس والعقل للتزاويق
وكل هذا له وليس لنا / شيء من الأمر حكم تحليق
أما وجود الإله خالقنا / فهو الحقيقي لأهل توفيق
وجود حق محقَّقٍ أبداً / يعرف لكن بمحض تصديق
عن دركه العقل عاجز وكذا / عن وصفه في مقام تفريق
نراه لكن برؤيةٍ حدثت / لنا غداً لا بوهم تحديق
تغيب عنا وعن سواه إذا / نحن رأيناه حال تشويق
محبة منه والمحب بها / يكاد منها يغص بالريق
هذا اعتقاد الهداة سادتنا / لا عقد غاوٍ غَوَى وزنديق
كم أعرض السامريُّ عنه وكم / أباه في الدين كل بطريق
تعلقوا كلهم بما عبدوا / من خلقه فيه أي تعليق
وأعرضوا عن سنا عبادته / جل فنالوا ظلام تحريق
وأصبحوا مالهم لديه سوى / لعنتهم عنه ضمن تسحيق
شف ثوب الكائنات
شف ثوب الكائنات / عن وجود الحق
فوجود الحق ذات / من وراء الخلق
فانزعوا الثوب الرفات / قبل أن ينشق
واشربوا ماء الحياة / أنه قد رق
حسبت كل العقول / معه ثاني
بتآويل النقول / دون إيمان
وعليها وهم غول / فهم شيطاني
فاثبتوا إن الثبات / كاشفٌ ما دق
كل من رام الشهود / يرفع الإلباس
تاركاً دعوى الوجود / زائل الإحساس
حافظاً شرع الحدود / ما له وسواس
والذي فيه التفات / بالسوى ملحق
وعلى طه السني / صلواتٌ غرّْ
وعلى آل عني / ثم صحب طُرّْ
ماشدا عبد الغني / بنظام الدرّْ
وحباه بالهبات / ربه المطلق
يا من يريد يحب الله بالتحقيق
يا من يريد يحب الله بالتحقيق / عقلك مصور وقانع أنت بالتخليق
والله في الغيب مطلق ما له تضييق / وكل ممنوع نحوه العقل ذو التشويق
كل قول على العقول يشقُّ
كل قول على العقول يشقُّ / ليس جمعاً وإنما هو فرقُ
والذي من ورا العقول فجمعٌ / هو بالقلب ليس يبديه نطق
وحدة أطلقت عليه تعالى / في ثلاث من الكلام تدق
هو حق وباطل ما سواه / من جميع الأكوان غرب وشرق
ووجود وغيره عدم لا / يقتضي غير ذا ولا يستحق
وهو نور بدت به ظلمات / هن سحقٌ جميعهنَّ ومحق
هكذا عنه في الكتاب يكنَّى / وبهذا لعارف الله سبق
إن يشأ عنه قال وحدة حق / أو يشأ وحدة الوجود تحق
أو يشأ قال وحدة النور عنه / كلمات ما هن للدين خرق
وحدة الحق حققت كل شيء / فجميع الأشياء بالحق حَقُّ
وكذا وحدة الوجود بها قد / وُجِدَ الكلُّ فهي للكل حُقُّ
وسعت قال رحمتي كل شيء / فتأمل ماذا يقول المحق
وحدة النور للجميع أنارت / فجميع الأشياء بالنور صدق
هذه هذه الثلاثة أمر / واحد وهو بالتقادير برق
قدراً قل مقدراً أمره كا / ن كما قال والعوالم رق
وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ
وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ / به الكل موجود يلوح فيشرقُ
وهم عدمٌ والإنتساب يريكهم / وجوداً فحقق ما ترى يا محقق
ودع عنك هذا الإلتباس فإنه / على كل عقل حاكم ليس يرفق
فيظهر معدومات كل مقدر / من الغيب موجودات حس فتحرق
وما ذلكم إلا مجرد نسبة / إليه تعالى كل ما الله يخلق
فميز وجود الحق من عدم السوى / تكن رجلاً عند الورى بك يوثق
وسدد وقارب واتكل واصطبر وكن / بغير وجود عند نفسك تصدق
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ / بالروح روح الأمر بي تشرقُ
والروح روح واحد كلنا / أرواحنا منه لنا تسبق
لسانه العقل إذا رام أن / ينطق بي في نفسه ينطق
كلامنا نحن وكل الورى / في نفسه ربي له يخلق
طبيعة بالروح تبدو كما / تخفى فلا غرب ولا مشرق
بحر هو الروح وأمواجه / جميع ما يسكن أو يخفق
مثل معانيك التي أنت في / نفسك تعنيها إذا تحدق
والكل خلق الله لاحت لهم / في كل شيء آية تبرق
يا مالكي روحك روحي كما / قلت نفخت الروح إذ حققوا
بيني وما بينك هذا فإن / خفيت فيه فأنا الأسبق
والغيب أنت الغيب حق ولا / نقدر أن ندنو ولا نلحق
وإنما تعرفه بالذي / صوّره الروح لنا المطلق
معرفة من روحنا مثلنا / مخلوقة دون الذي يخلق
والروح هذا ملك واحد / بملئ ملك الله يستوثق
أحب مولاه ولا يستطع / إدراكه وهو له يعشق
حيران فيه فتراه لنا / مصوراً فهو بنا يرمق
هذا طريق واسع والسوى / ذاك طريق أعوج ضيق
ساقي يا ساقي
ساقي يا ساقي / اسقيني من خمرُهْ الباقي
واكشف لي عن قيد إطلاقي / يا ساقي آه يا ساقي
محبوبي ظاهر / يِتْجلى بالوجه الباهر
للعشاق في حكمُهْ قاهر / يا ساقي آه يا ساقي
أستارُهْ راحت / عن عيني والزهرَهْ فاحت
والسَكْرَهْ بالأسرار باحت / يا ساقي آه يا ساقي
اكشف لي عنَّكْ / في ذاتي وافتح لي دِنَّكْ
واجعلني يا حبي منَّكْ / يا ساقي آه يا ساقي
افتح باب الحان / واسْمِعْني من طيب الألحان
وارشفني من كاسي الملئان / يا ساقي آه يا ساقي
في دور الكاسات / قد غابت إخواني السادات
والخمارْ محمودْ العادات / يا ساقي آه يا ساقي
من يشرب يسكر / من خمري لما يتفكر
والمغرور في علمُهْ أنكر / يا ساقي آه يا ساقي
العالم فاني / والموجود ما لُهْ من ثاني
لا يدري غير الرباني / يا ساقي آه يا ساقي
يا دائم يا هُوْ / إن الكل في أمرك تاهو
والمضني حبكْ أفناهُ / يا ساقي آه يا ساقي
لا يعرفْ أمري / إلا من يشربْ من خمري
أحشاؤُهْ تصلى في جمري / يا ساقي آه يا ساقي
كفوا يا عذال / صبري في حبِّيهِ قد زالْ
يغزوني بالجفن الغزّال / يا ساقي آه يا ساقي
معروف الأوصاف / يعمل لي أنواع الألطاف
قلبي في كعبةْ ذاتُهْ طافْ / يا ساقي آه يا ساقي
ذا قولٌ قدسي / من عبد الغنيْ النابلسي
للسالكْ في هذا الجنسِ / يا ساقي آه يا ساقي
يا ربي صلِّي / عَلْىْ الْهادي نور المُتْجَلِّي
مع آلٍ والصحبِ الكلِّ / يا ساقي آه يا ساقي
ما غنَّى الحادي / للركبِ المكيِّ الغادي
أو لاحت أنور الوادي / يا ساقي آه يا ساقي
في الكون للحق أمثالٌ بها نطقا
في الكون للحق أمثالٌ بها نطقا / مضروبة منه للعبد الذي صدقا
فقال تلك هي الأمثال نضربها / للناس يعقلها من في الكمال رقى
وأغفل الله عنها من يشاهدهم / أهل السعادة في الدنيا وأهل شقا
فمؤمن هو ناج دون معرفة / إيمانه النور كالبرق الذي برقا
وجاهل ليس يدري ما يقال له / تكذيبه رزقه ذاك الذي رزقا
كن مسلماً مؤمناً بالحق تعرفه / أو لست تعرفه واتبع لأهل تقى
وإن ترد تعرف الله الذي ظهرت / آياته فاتبع الأصحاب والرُفقا
وهم أولوا العلم علم الله سادتنا / وكن بهم مؤمناً تلحق بمن سبقا
وانظر إلى الوقت وقت الفجر ليس له / علامة غير نور يملأ الأفقا
ونوره غيره والوقت يحضر إن / أبدى له الله ذاك النور والشفقا
والوقت طلق بلا قيد يقيده / في نفسه فاعتبره واشهد الفلقا
واشهد علامته تشهده حيث بدا / والله غيب ومشهود بمن خلقا
والوقت في كل أرض حاضر فخذوا / منه اعتبار الوجود الحق منطلقا
ونزهوه وقولوا عنه خالقنا / ما إن له غيبة فاليوم يوم لقا
والله عنه جميع الكون منتشر / كالضوء يبدو عن الضوء الذي انفتقا
تبارك الله لا شيء يشابهه / فالحس والعقل في تنزيهه اتفقا
والله قد ضرب الأكوان أمثلة / بالفعل لا نحن فاترك عنك ذا السلقا
ونحن نعقلها لا نحن نضربها / فنودع الطرس ما ندريه والورقا
وإن ترد أوضح الأمثال أجمعها / فانظر إلى صفحة المرآة مستبقا
من الزجاج أو الفولاذ ليس بها / شيء وفيها يلوح الشيء متسقا
ولا ترى جرم مرآة بك استترت / وبالجميع فلا تتعب به الحدقا
كما تلوح لك الأكوان تظهر في / مرآة عين الوجود المنتمي لبقا
وليس فيه سواه دائماً أبداً / والكل فانٍ به فيه قد انسحقا
وهو القريب ولكن لست تدركه / لأنه بك مستور وأنت وِقا
بحر الوجود الحقيقيْ لا تزال به / ترى الظهور هنا الأكوان والفرقا
والكل فانٍ وهذا واحد أحد / لا غيره معه للغير قد محقا
فاسلك على أثري وانظر إلى نظري / وثق بما قلته يا فوز من وثقا
واشتم رائحتي من مسك نافجتي / فإنني لك عطر في الورى عبقا
رعى الله بستاناً بفيجةِ جلقِ
رعى الله بستاناً بفيجةِ جلقِ / على عذب ماء بارد متدفقِ
به العين جادت كل حين بفيضها / فأرخص فينا سعر كاس مروَّق
رياض أريضات تظل غصونها / تميل دلالاً بالصبا المترقرق
وللظل منها الميل يرسم شكلها / على الأرض مثل الكاتب المتأنق
أتينا إليها من جبال مهولةٍ / يكاد بها الماشي يخر بمزلق
وكيف إذا كان الذي جاء راكباً / ففي خطرٍ لا شك فيه محقق
وتختر وان نحن سرنا به على / بغال متى سارت بقلبك يخفق
وكان إله الخلق يحفظنا بها / فلم نر من خوف هنالك ملحق
وسرنا على حكم الشهود بأمر من / حبانا بإكرام وعز ورونق
لا تظلم الله بما لا يليقْ
لا تظلم الله بما لا يليقْ / به ولا تدخل له في مضيقْ
فإن أهل الجهل قد بالغوا / في حقه بالنقص وهو الشفيقْ
يرحمهم دوماً وهم في عمى / عنه حمير بالغت في النهيق
ظنونهم فيها احتقار لهم / من غير علم عندهم في الطريق
كل امرئ منهم يظن الردى / هو الهدى والظن بئس الرفيق
سكران من خمر جهالاته / يا ليته لو كان يوماً يفيق
يا ويح قوم شبَّهوا ربهم / وقيدوه وهو وهو الطليق
يؤذونه سبحانه بالذي / قد نسبوه وهو ما لا يليق
وكم شريك أثبتوه له / به فخرّوا من مكان سحيق
كذا له صاحبةً أثبتوا / وولداً قل ذاك عبد رقيق
وعبدوا الأصنام جهلاً وقد / خروا إليها سُجَّداً بالحقيق
وعلقوا بالبيت أصنامهم / ودنسوا البيت الحرام العتيق
والنار أيضا عبدوها كما / هم يعبدون الشمس ذات الشريق
ويعبدون العجل من جهلهم / وكفرهم بالله وهو المحيق
وهكذا يؤذونه دائماً / وهو صبور ماءهم لا يريق
كما حكى القرآن هذا لنا / وكان ما قد كان من كل ضيق
حتى أتى الله بنور الهدى / وزال عن إشراقه ما يعيق
وأسفر الفجر وفاحت به / حدائق الورد وروض الشقيق
وقد تجلى لقلوب الورى / رب لهم قد كان نعم الصديق
وإنه غيب عن العقل بل / عن الحواس الخمس قول حقيق
وما له ماهية تقتضي / ظهوره فيها لمن يستفيق
وإنما الخلق ظهوراته / بهم تجلى مثل برق بريق
لم يتغير جل وهو الذي / يغير الغير ويهدي الفريق
خذ علمه عني فإني به / بحرٌ مداه للأعادي عميق
واحذر من الجبار يلقيك في / بحري فكم من جاهلٍ بي غريق
واشرب معي كأس الوجود الذي / عن غيره يغنيك فهو الرحيق
وقل لمن لا يعرفون الذي / هم فيه من خبث لديهم معيق
يا عصبة الطغيان والإفترا / إلى متى كفوا الحريق الحريق
ما أنتمو مثلي لكي تعرفوا / ما حجر الكدّان مثل العقيق

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025