المجموع : 23
فيم الوجومُ وجومُكم لا ينفعُ
فيم الوجومُ وجومُكم لا ينفعُ / نَفَذَ القضاءُ وُحمَّ ما لا يُدفَعُ
فيم الوجومُ؟ أبو عليٍّ قد مضَى / وقد انقضىَ الخيرُ الذي يُتوقَّع
وقد اختفى رمزُ البطولة وانطوتْ / تلكَ المحاسنُ والشمائلُ أجمَع
الشعبُ محتشِدٌ هنا يتسمَّعُ / ماذا يقولُ الشاعرُ المتفجِّع
احذرْ لساني أن تكونَ مقالةً / ليست تَليقُ به فانكَ تُقطَع
يا سادتي أما اللسانُ فواهنٌ / متلجلجٌ فَلْتُلْهِبَنْكُمْ أدمُع
يعتاقُ إبدعي ارتباكُ عواطفي / فاذا مَلكتُ عواطفي فسأُبدِع
وستَحمَدون قصائداً مهما عَلَتْ / قَدْراً فَقدْر أبى عليٍّ أرفَعَ
أُمُّوا ضريحَ أبي عليٍّ واكشِفوا / فيه الرؤوسَ وفي الشدائد فافزَعوا
وإذا ألمَّتْ بالبلاد مُصيبةٌ / فتوَّسلوا بزعيمها وتضرعَّوا
قولوا له يا مَن لأجل بلادِه / هَدْراً مضى : ان البلادَ تُروَّع
هذا الضريحُ ضريحُ أمةِ يَعرُبٍ / فيه خِيار خِصالِها مُتجَمِّع
أن كنتُ لم أسْجُدْ ولم أركَع فما / قَدْري ركعتُ عليكَ أولا أركَع
فسَيركعُ التاريخُ فوقَك كلُّه / وسيركَعُ الوَطنُ الذي بك يُمنَع
وسَيركعُ الجيلُ الذي شرَّفتَه / وتمرُّ أجيالٌ عليكَ وتَركَع
ولسوف تركَع نخوةٌ ورويَّةٌ / وشهامةٌ وصراحةٌ وتَمنُّع
للموتِ فلسفةٌ وَقفتُ ازاءَها / مُتخشِّعا وبرغم أنفي أخشَع
أيموتُ شَهْمٌ تستظل بخيره / دنيا ويبقى خاملٌ لا ينفع
ناشدتُهُمْ وقد اعْتْلَيتُ حَفيره / أأبو علي وَسْطَ هذا مُودَع
أو تهزأون بقدرِه ما هذه الاحجارُ / ما هذي الصخورُ الاربَع؟
أهُنا ينامُ فتىً يُهابُ ويرتَجَى / أهُنا يعاف فَتىً يَضرُّ وينفَع
إنهضْ فُدِيتَ " أبا عليٍّ " وارتجلْ / بين الجمُوعِ قد استَتَمَّ المَجْمَع
واسمعْ تُشَرِّفْ باستماعِكَ قِيلَتيِ / أسفاً وأنكَ مَيِّتٌ لا تَسَمع
ماذا فَعَلتَ لقد أتَيتَ عظيمةً / ينبو الأريبُ بها ويَعيَا المِصقَع
وافتْ مروِّعةٌ فهوَّنَ خطبَها / وأتت أناساً هادئينَ فرُوِّعوا
أعلِمتَ إذ اطلقتَها نارّيةً / ما أنتَ بالوطن المفدَّى تصنَع
وإذ انتزَعْتَ زنادَهُ مُستَوريا / عن أيِ ثُكلٍ للمُواطِنِ تُنزَع
با مِدفعَ الأبطالِ أنَّك حاملٌ / من كانَ ينهضُ حينَ يعجَزُ مِدفَع
من خاصَ أمواجَ السياسةِ رافعاً / رأساً ورُبَّ مخاضةٍ لا تُرفَع
يمشي إليها بالرؤيةِ مدركاً / بالشِبرِ ما لا تَستطيعُ الأذرُع
يكفيك من أبناء شعبِك غَيرَةٌ / حمراءُ ان صنَعوا الذي لم يصنَعوا
نِصفانِ بَغدادٌ فنِصفٌ مَحشَرٌ / ساحاتهُ اكتضَّتْ ونصفٌ بَلقع
متماوجُ الأشباحِ حزناً ما به / الا حشاً دامٍ ووجهٌ أسفَع
مَرصودةٌ ستُّ الجهات لساعةٍ / نكراءَ محسودٌ بها المتطلِّع
وتوجَّعَ الملكُ الهمامُ ولم يكُنْ / إلا لأعظمِ حادثٍ يَتَوَجَّع
وانقضَّ فوقَك كالعُقابِ وأنَّه / لسواكَ عن المامةٍ يترَففَّع
وهفا فؤادٌ كالحديدِ على وأسبَلَت / عينٌ تُفاخر أنها لا تدمَع
ولقد يَعِزُّ على المليك وشعبِهِ / والمشرقينِ نجيعُك المتدَفِّع
لا يرتضي الوطنَ الذي فَدَّيتهَ / بالنفس أن تَدمَى لكفك اِصبَع
هِبَه العروبة للبلادِ أهكذا / مُستدمياً متظلِّماً تُستَرجع
تأريخُ شَعبٍ سُوِّدَت صفحاتُهُ / فاتى فبيَّضَهنَّ هذا المَصرعَ
هذي الرجولةُ ضُيِّعَتْ ممنوحةً / واليوم يُعرَفُ قدرُها إذ تُرفَع
حصَدَت خصومُك حسرةً وخجالةً / حتى لودّوا أَنهم لم يزْرَعوا
كانت حياتُك للبلاد منافعاً / جُلََّّى وأنك في مماتك أنفَع
غيرتَّ راهنةَ الأمور بطلقةٍ / مستقبلُ الأوطان منها يَلمَع
يُنسى دويُّ مدافعٍ وعواصفٍ / وأزيزُها حتى القيامةِ يُسمَع
ووقَفتَ أقطابَ السياسة موقفاً / يرتدُّ حيراناً به المتضلِّع
يتساءلون بأي عُذرٍ نختفي؟ / عن شعبنا وبأيِ وجهٍ نَطلُع
واسترجعوا أحكامَهم مرفوضَةً / ناسٌ بحكمهمُ عليكَ تسرَّعوا
غَطَّى على المتبرعينَ مُبجِّل / بحياتِه لبلادِه يتبَّرع
قولوا لأشباه الرجالِ تصنعاً / إلّا تكونوا مثلهُ فتقنَّعوا
لا تُزعجونا بالتشدُّقِ اننا / بسوى التخلص منكمُ لا نقنع
قد يدفع الدمُ ما يحيق بأهله / فاذا صدقتُم بادعاءٍ فادفَعوا
أما كتابُك فهو أفَضلُ ما وَعى / واعٍ وخزيُ معاشرٍ إن لم يَعُوا
طِرْسٌ على التاريخ يَفخَر أنه / من كلّ ما يَحوي أجلُّ وأرفَع
دستورُ شَعبٍ لا يُمَسُّ وشِرعةٌ / هي فوقَ ما سنَّ الرجال وشرَّعوا
هذي الوصيةُ ذخرُهُ ان أعوزَتْ / طيارةٌ وبنادقٌ ومُدرَّع
مَشَتِ الأناملُ هادئاتٍ فوقَها / والموتُ يمشي بينَهنَّ ويُسْرِع
قرَّعت شعبَك ان يَعُقَّك مرحباً / بأبي البلاد على العُقوق يُقرِّع
وشكوتَه أن ليسَ يسمعَ ناصحاً / نمْ هادئاً ان البلادَ ستسمَع
هتفوا فأسنَدَتِ اليدانِ ضلوعي
هتفوا فأسنَدَتِ اليدانِ ضلوعي / وشَرِقتُ بالحسراتِ قبلَ دُموعي
وأصَخْتُ سَمعاً للنُعاة وليتنَني / من أجل يومِكَ كنتُ غيرَ سميع
قالوا تماثلَ للشِفاء بِشارةً / سَكَنت لها روحي وأُفرِخَ رُوعي
وحَمِدْتُ أن المجدَ غيرَ مبُاحةٍ / ساحاتُه والبيتُ غيرَ صَديع
حتى إذا طارَتْ بأجنحة الهنَا / والبشرِ نفسُ مُغرَّرٍ مخدوع
أبَتِ القوارِعُ أن تُميلَ طريقَها / عني فعدت لسِنِّيَ المقروع
خلعَ الرجاءَ وحل يأسٌ عابسٌ / جهمٌ مَحِلَّ مُنافسٍ مَخلوع
وتقهقرَتْ زُمَرُ الأماني وانجَلَتْ / عَرَصاتُها عن مُثخَنٍ وصَريع
فإذا بآمالي وما خادعنَنَي / كمؤمِّلٍ سَفَهاً سرابَ بَقيع
وإذا بقلبي يستفيضُ نجيعُه / وإذا بعيني تَستَقي بنجيع
كنا نشكِّكُ في البُكاء وصدِقِه / إذ كانَ أكثرهُ بغيرِ شَفيع
ونَرىَ الصيانَةَ للدمُوع رجُولةً / حتى يُرَ ى سببٌ إلى التضييع
فالآنّ تصدُق دمعةُ الباكي إذا / نَزَلتْ عليك وأنَّةُ الموجوع
والآنَ ينزِل كلُّ طالبِ حاجةٍ / في قفرةٍ ليست بذاتِ زُروع
والآنَ تفتَقِدُ البلادُ مُحنَّكاً / يُحتاجُ في التنفيذِ والتشريع
والآن تَلتَمسُ العيونُ فلا ترى / أثراً لوجهٍ رائعٍ ومُريع
يا قبرُ من لم يَمتَهِنْ بضَراعةٍ / باد عليك تضرُّعي وخُشُوعي
يا بدرَ داجيةِ الخطوبِ ونورِها / أعزِزْ بانَّكَ غبتَ لا لِطلوع
خلّفتَ بغداداً عليك حزينةً / تستقبِلُ الدنيا بوجهِ هَلوع
تتجاوبُ الأسلاكُ في جَنبَاتها / بوميضِ بَرقٍ للنَعِيِّ سَريع
ضَغَطَت هُنا كفٌّ على أزراره / تُنبي بخطبٍ في العراقِ فَظيع
شَكَتِ السياسةُ فقدَ مُضطلِعٍ بها / فذٍّ بحلِّ المُشكلات ضَليع
والساسةُ الاقطابُ بعدَك أعوَلَت / عن فقدِ فوّام بهم وقَريع
مارستُ أصنافَ الرجال درايةً / من تابعٍ منهم ومن مَتبوع
ونفَدتُ للأعماقِ من أطباعهم / إذ كنتُ بالأشكال غير قَنوع
فاخترتُ لي من بينهم مجموعةً / ووجدتُك المختارَ في المَجموع
لله درُّك من بِناء طبيعةٍ / من كلِّ أجزاءِ العُلا مصنوع
مستشرفٍ يُعشِي العيونَ شُعاعُه / مُوفٍ على من رامَه مَرفوع
كنتَ الشُّجاعَ طبيعةً وسجيةً / إذ ينهضُ الجبناءُ بالتشجيع
كنتَ المقيمَ على التجارِبِ رأيَه / ويقيمهُ غِرٌ على المَسموع
كنتَ الرزين إذا الحلُوم تطايَرتْ / وأُعيرَ أهل الصبرِ ثوبَ جَزوع
واذا الخطوبُ استحكَمَتْ حلقاتُها / شنعاءُ تحصِب من تَرى بشنَيع َ
كنت السَميذَعَ تنجلي بشُداته / ظلُماتُ مُسودِّ الرُواق هزيع
صَقْرٌ يضيق مَطارُه بجناحه / حتى يخالُ الجوَّ غيرَ وسيع
متفرِّدٌ يربو على أقرانه / باعزِّ سَمتٍ في السماءِ رَفيع
ردَّتْ مخالبَها إليه فردَّها / حُمْراً مُقلَّمةً من التقريع
نصَبَ القضاءُ لصيده أشراكَه / فهَوَى وكلُّ محلِّقٍ لوُقوع
البيت بيتي أُسرِجتْ ساحاتُه / بشموعِ ممتدِحيه لا بشموعي
فإذا أسِيت فحرقةٌ لقبيلةٍ / نكِبَت بأسيافٍ لها ودُروع
أين المصبيحُ الذين كأنهم / زُهْرُ النجوم بغَيبة وطُلوع
من كل رَكّاضٍ إلى غاياتِه / رَسْلاً بسرّ حدوده مدفوع
ومُفوَّهٍ كالفحل عند هديره / فَذِّ البيان يفيضُ من يُنبوع
هذي القُبور قصيدةٌ مفجوعةٌ / غنيِت قوافيها عن التقطيع
لم ترمِ بي قَدَمي هنا إلاّ جَرَت / من ذِكرياتِ السالفينَ دموعي
وكأنني بشخوصهم في مَحضرٍ / دانٍ بعيدٍ سائغٍ ممنوع
شيئانِ تفتقرُ البلادُ إليهما / خِصبُ الرجال بها وخِصْبُ ربيع
ملك الجميع حياة فذٍّ واحِدٍ / كان المصابُ به مُصابَ جميع
حَمَلَتْ إليك رسالةَ المفجوعِ
حَمَلَتْ إليك رسالةَ المفجوعِ / عينٌ مرقرقةٌ بفيضِ دموعي
لاتبخَسوا قَدْرَ الدموع فانها / دفعُ الهموم تَفيضُ من يَنْبوع
للنفس حالاتٌ يَلَذُّ لها الأسى / وترى البكاءَ كواجبٍ مشروع
وأمضَّها فقدُ الشبابِ مضرَّجاً / بدمائه من كفِ غير قريع
أأبا فلاحٍ هل سمعتَ مَنَاحَةً / وَصَلَتْ إلى أسماعِ كلِّ سميع
قد كنتَ في مندوحةٍ عن مثلِها / لولا قضاءٌ ليس بالمدفوع
أبكيكَ للطبعِ الرقيقِ وللحِجىَ / أبكي لحبلِ شبابِكَ المقطوع
أبكيك لستُ أخْصُّ خلقاً واحداً / لكنما أبكي على المجموع
جَزَعاً شقيقيه فهذا موقفٌ / يَشْقَى به من لم يكنْ بجَزوع
أن التجلُّدَ في المصاب تطبُّعٌ / والحزنُ شيءٌ في النفوس طبيعي
وإذا صدقتُ فانَّ عينَ أبيكما / قد خَبَّرَتْ عن قلبِه الصدوع
شيخوخةٌ ما كان أحوجَها إلى / شملٍ تُسَرُّ بقربِهِ مجموع
وبحَسْبِ " أحمدَ " لوعة "أنَّ ابنهُ / لبس الغروبَ ولم يَعُدْ لطلوع"
لو تأذنون سألتُهُ عن خاطرٍ / مُبْكٍ يَهُزُّ فؤادَ كلِّ مَروع
أعرفْتَ في ساعاتِ عُمْركَ موقِفاً / بَعَثَ الشُّجونَ كساعةِ التوديع؟
إني رأيت القولَ غيرَ مرَّفهٍ / لكن رأيتُ الصمتَ غيرَ بديع
فأتتك تُعْرِبُ عن كوامنِ لوعتي / مقطوعةٌ هي آهةُ الموجوع