القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : القاضي الفاضِل الكل
المجموع : 110
كَم يَهتِكُ الدَمعُ سِرّاً كُنتُ أَستُرُهُ
كَم يَهتِكُ الدَمعُ سِرّاً كُنتُ أَستُرُهُ / وَيُمحِلُ الجَفنُ خَدّاً باتَ يُمطِرُهُ
يا مَن تَبَسَّمَ عَن دُرٍّ يُنَظِّمُه / ثَغراً عَلى أَنَّهُ بِاللَفظِ يَنثُرُهُ
عُنقودُ صُدغِكَ رَجعُ اللَحظِ يَعصِرُهُ / خَمراً بِريقِكَ شَمسُ الخَدِّ تَهصِرُهُ
ما كانَ أَقرَب قَلبَ الصَبِّ مِن كَلَفٍ / لَو لَم يَكُن طَرفُكَ السَحّارُ يَسحَرُهُ
إِذا تَقاضى ومن يَهوى إِلى حَكَمٍ / فالدَمعُ شاهِدُهُ وَالخَدُّ مَحضَرُه
أَلقى عَلى النَهَرِ الجاري لَهُ شَبَكاً / يُصطادُ فيهِ مِنَ النُوّارِ جَوهَرُهُ
في لَيلِ وَصلٍ كَلَيلِ الهَجرِ لَم يُنِرِ
في لَيلِ وَصلٍ كَلَيلِ الهَجرِ لَم يُنِرِ / وَلا صَفا بَل وَمَلآنٌ مِنَ الكَدَرِ
مِنَ الرَقيبِ مِنَ الغَيرانِ مِن حَدَقٍ / مِنَ النُجومِ وَلا أَنسَى مِنَ القِصَرِ
تَقَدَّمَ الوَقتَ فيهِ الوَقتُ مِن عَتَمٍ / بِلا عِشاءٍ وَمِن صُبحٍ بِلا سَحَرِ
كَخافِقِ الآلِ لَم تَبُرُد بِهِ غُلَلي / وَخاطِفِ البَرقِ لَم يُمتَع بِهِ بَصَري
وَأَنتَ يا ذَيلَ لَيلِ الوَصلِ تَخطُبُ لي / مِنَ العَشاءِ وَلَيلُ الهَجرِ في حَصَرِ
لَيتَ الدَياجي عَلى الآفاقِ مُقفَلَةٌ / فَلا تُفَضُّ عَنِ الأَسحارِ وَالبُكَرِ
وَلَيتَ أَغرِبَةً لِلبَينِ ما وَقَعَت / وَلَيتَ أَغرِبَةً لِلَّيلِ لَم تَصِرِ
وَصَدَّ صَقرُ الدُجى بازِيَّ صُبحَتِها / يَنقَضُّ خَلفَ بُغاثِ الأَنجُمِ الزُهُرِ
نَسَجوا مِنَ اللَيلِ الشُعورا
نَسَجوا مِنَ اللَيلِ الشُعورا / وَجَلَوا مِنَ الصُبحِ البُدورا
وَلَوَوا مِنَ القُضبانِ وَال / كُثبِ الرَوادِفَ وَالخُصورا
إِن قُلتُ يَحكونَ النُجو / مَ صَدَقتُ يَحكُوهُنَّ نورا
وَمَتى سَمِعتَ بِنَجمِ أُف / قٍ لَيسَ يَألَفُ أَن يَغورا
أَو قُلتُ يَحكونَ الظِبا / ءِ فَلَم أُرِد إِلّا النُفورا
وَمَتى رَأَيتَ الظَبيَ إِن / مارَيتَ يَكتَنِسُ الصُدورا
أَو قُلتَ ريقَتُها المُدا / مُ فَلَم تَذُق مِنها الثُغورا
فَإِذا سَأَلتَ عَنِ الهَوى / فَاِسأَل بِهِ مِنهُم خَبيرا
وَمُؤَيَّدِ الفَتَكاتِ لَو / جُمِعَ المِلاحُ غَدا أَميرا
وَكَأَنَّما هُوَ جَنَّةٌ / حَمَلَت مِنَ النارِ السَعيرا
نَجمٌ يُوَزِّعُها شُمو / ساً ثُمَّ يَسقيها بُدورا
لي فيكَ مَسأَلَتانِ وَه / مي ظَلَّ دونَهُما قَصيرا
جَمرٌ بِخَدِّكَ كَيفَ يَب / قى ذا العِذارُ بِهِ نَضيرا
بَرَدٌ بِثَغرِكَ كَيفَ أَر / شُفُهُ فَيورِثُني سَعيرا
أَفيكُم لِهَذا الحُسنِ بالله مِنكِرُ
أَفيكُم لِهَذا الحُسنِ بالله مِنكِرُ / فَإِن كانَ فَالأَعمى الَّذي لَيسَ يُبصِرُ
تُؤَدّي إِلى قَلبِ الفَتى نَغَماتُهُ / هَوىً غَيرَ ما كانَت بِهِ العَينُ تَشعُرُ
هِيَ الكأسُ ما دارَت بِكَفٍّ عَلى فَمٍ / فَبِالسَمعِ نُسقاها وَبِالقَلبِ نَسكَرُ
فَيالَكَ مِن دُرٍّ مِنَ اللَفظِ مُقتَنىً / وَيا لَكَ مِن خَمرِ مِنَ اللَحظِ تُعصَرُ
يُمَجمِجُ أَلفاظاً بِخَمرَةِ ريقِهِ / سُكارى الخُطا في ذَيلِها تَتَعَثَّرُ
فَمَحبوبُ هَذا اليَومِ بِالأَمسِ مُجتَوىً / وَمَعروفُهُ قَد كانَ مِن قَبلُ يُنكَرُ
فَأَنجَزَ هَذا الدَهرُ ما كُنتُ أَرتَجي / وَأَنجَزَ هَذا الدَهرُ ما كُنتُ أَحذَرُ
فَأُدرِكُ في هَذاكَ ما لا غَرَستُهُ / وَأَغرِسُ في ذا غَيرَ ما هُوَ مُثمِرُ
فَيا وَيلَتي مِن بُعدِ ما لا أَذُمُّهُ / وَيا ضَيعَتي في قُربِ ما لَيسَ يُشكَرُ
وَما في يَدي مِنهُ سِوى أَنَّ خاطِري / بِعابِرَةِ الأَخبارِ عَنهُ يُخَبَّرُ
عَلى أَنَّ لَيلاً لِلصِبا لا يَسُرُّني / إِذا كانَ عَن صُبحِ الشَبيبَةِ يُسفِرُ
إِنّي فَقَدتُ أَحِبَّتي نَظَرا
إِنّي فَقَدتُ أَحِبَّتي نَظَرا / وَوَجدتُ بَعدَهُم التَوى أَثَرا
تَرَكوا عَلى عَيني دِيارَهُمُ / وَعَلى فُؤادي الشَوقَ وَالفِكَرا
ظَعَنوا بِنورٍ لَستُ أَسأَلُهُ / لا الشَمسَ بَعدَهُم وَلا القَمَرا
مَن ذا أُعاتِبُ في صُدودِكُمُ / حَظّي أَمِ الواشي أَمِ القَدَرا
يَتَمادى بِهِ لَجاجُ النُفورِ
يَتَمادى بِهِ لَجاجُ النُفورِ / وَيُنافي الهَوى لَجاجُ الغُرورِ
لا تَقُل لي أَقوالُهُ طَيِّباتٌ / إِنَّ أَقوالَهُ شُهودُ الزورِ
فَعَلى الفِعلِ مِسحَةٌ مِن ظَلامٍ / وَعَلى القَولِ مِسحَةٌ مِن نورِ
مَلامُكُمُ وَالحُبُّ ضِعفانِ مِن نارِ
مَلامُكُمُ وَالحُبُّ ضِعفانِ مِن نارِ / وَفي واحِدٍ ما زادَ عَن كُلِّ مِقدارِ
وَلِم لُمتُمُ الأَبصارَ فيما أَتَت بِهِ / فَإِنّا دَفَعنا عَن قُلوبٍ بِأَبصارِ
فَلَم تَبتَدِع فيما سَهِرنا لِأَجلِهِ / فَقَد سَهِرَ الناسُ اللَيالي لِأَقمارِ
وَأَقسَمَ طَرفي وَهوَ لَيسَ بِحانِثٍ / بِأَن لا رَأَيتُ الرَوضَ إِلّا بِأَنهارِ
بِقَلبي وُجوهٌ إِن رَأَيتَ رِياضَها / فَلا تَنسَ مِن أَلفاظِها مِثلَ أَزهارِ
مَحاسِنُ قَد سَبَّحتُ مِنها بِسُبحَةٍ / فَمَن يُنكِرُ التَسبيحَ لِلخالِقِ الباري
وَفَرَّطتَ في قَلبي وَلَم تَحتَفِل بِهِ / فَصِرتُ بِلا قَلبٍ وَصِرتَ بِلا دارِ
أَفي الحَقِّ أَم في العَدلِ مَطلُ مَواعِدي / فَقَضَّيتُ أَيّامي وَلَم تُقضَ أَوطاري
فَصِلني إِذا اِستَكتَمتَني السِرَّ في الهَوى / وَإِلّا فَإِنَّ الهَجرَ يَكشِفُ أَسراري
أَما لِعَذلِ العَذولِ مِن آخِرْ
أَما لِعَذلِ العَذولِ مِن آخِرْ / وَلا عَلَيهِ إِن لَجَّ مِن حاجِرْ
يا ساحِراً لا يَنالُ بِغيَتَهُ / مِنّي وَهَيهاتَ يُفلِحُ الساحِرْ
أَبلَغُ أَهلِ الغَرامِ فيهِ أَنا / القَلبُ وَالجَفنُ ناظِمٌ ناثِرْ
مُقتَسَمٌ بَينَ لَوعَةٍ تَرَكَت / سِرّي وَدَمعي كَما تَرى سائِرْ
وَلَمّا بَدا خَطٌّ بِخَدِّ مُعَذِّبي
وَلَمّا بَدا خَطٌّ بِخَدِّ مُعَذِّبي / كَظُلمَةِ لَيلٍ في ضِياءِ نَهارِ
خَلَعتُ عِذاري في هَواهُ وَلَم أَزَل / خَليعَ عِذارٍ في جَديدِ عِذارِ
تَوَهَّمَهُ قَلبي فَأَصبَحَ خَدُّهُ
تَوَهَّمَهُ قَلبي فَأَصبَحَ خَدُّهُ / وَفيهِ مَكانَ الوَهمِ مِن نَظَري أُثْرُ
وَمَرَّ بِقَلبي خاطِراً فَجَرَحتُهُ / وَلَم أَرَ جِسماً قَطُّ يَجرِحُهُ الفِكرُ
دَعَوتُ بِماءٍ في إِناءٍ فَجاءَني
دَعَوتُ بِماءٍ في إِناءٍ فَجاءَني / غُلامٌ بِهِ خَمراً فَأَوسَعتُهُ زَجرا
فَقالَ هُوَ الماءُ القَراحُ وَإِنَّما / تَجَلّى لَهُ خَدّي فَأَوهَمَكَ الخَمرا
وَقَد كُنتَ تَستَغني بِلَحظِكَ وَحدَهُ
وَقَد كُنتَ تَستَغني بِلَحظِكَ وَحدَهُ / فَكَيفَ وَفيهِ سَبعَةٌ خَيرُها شَرُّ
سَقامٌ وَأُسدٌ ضارِياتٌ وَأَسهُمٌ / وَسُمرُ القَنا وَالنَبلُ وَالسَيفُ وَالخَمرُ
فَماذا نَرى فيمَن حَوى فيكَ أَربَعاً / بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ يَنفَطِرُ الصَخرُ
فَأَيّامُهُ سودٌ وَبيضٌ لِحاظُهُ / وَأَضلُعُهُ صُفرٌ وَأَدمُعُهُ حُمرُ
تَزهو بِدَولَتِكَ الدُنيا وَتَفتَخِرُ
تَزهو بِدَولَتِكَ الدُنيا وَتَفتَخِرُ / وَتَقتَضي سَيفَكَ العَليا وَتَنتَظِرُ
وَإِن أَساءَت بِنا الدُنيا وَما اِعتَذَرَت / مِنّا فَإِنَّكَ تُعطينا وَنعَتَذِرُ
أَمّا الكَواكِبُ وَالأَنوارُ شارِقَةٌ / فَتَستَعيرُ سَناهُ حينَ تَستَعِرُ
وَجهٌ نَدى بِشرِهِ مِفتاحُ كُلِّ مُنى / مَرامُها وَعِرٌ أَو قُفلُها عَسِرُ
لِكُلِّ ظامِئَةٍ مِن مائِهِ رَمَقٌ / في كُلِّ داجِيَةٍ مِن وَجهِهِ قَمَرُ
مُستَعظَمُ الخَبَرِ المَسموعِ إِذ ظَفِرَت / عَيني بِطَلعَتِهِ فَاِستُصغِرَ الخَبَرُ
قَد كانَ يَبلُغُ سَمعي مِن مَكارِمِهِ / ما قُلتُ هَيهاتَ أَن يَحظى بِذا بَشَرُ
فَالحَمدُ لِلَهِ حَمداً غَيرَ مُقتَصِرٍ / إِن قَصَّرَ السَمعُ عَمّا نالَهُ النَظَرُ
في كُلِّ سَمعٍ لَهُ مِن شاكِرٍ خَبَرٌ / في كُلِّ كَفٍّ لَهُ مِن آمِلٍ أَثَرُ
وَكُنتُ أَحتالُ أَن أَحظى بِزَورَتِهِ / فَاليَومَ قَد جُمِعَت لي عِندَهُ الخِيَرُ
مَكارِمٌ لا يَنالُ الحَصرُ غايَتَها / فَلا عَجيبٌ إِذا ما نالَني الحَصَرُ
هَذي المَوارِدُ وَالآمالُ وارِدَةٌ / فَليُنسِكَ الصَفوُ مِنها ما جَنى الكَدَرُ
مَوارِدٌ بِبُروقِ البِشرِ قَد مُزِجَت / كَذَلِكَ السُحبُ فيها البَرقُ وَالمَطَرُ
أَبقَت عَلى مائِها أَنوارُ غُرَّتِهِ / يا حُسنَ ما خَفَرَ الإِحسانَ ذا الخَفَرُ
صَحا الدَهرُ لَكِن بَعدَ ما طالَ سُكرُهُ
صَحا الدَهرُ لَكِن بَعدَ ما طالَ سُكرُهُ / وَما كانَ إِلّا مِنَ دَمِ البَغيِ خَمرُهُ
أَقَمتَ عَلَيهِ الحَدَّ بِالحَدِّ ضارِباً / بِسَيفٍ إِذا ما اِهتَزَّ قَد بانَ سُكرُهُ
عُلاكُم عُلىً أَسكَرتَهُ بِمُدامِها / فَلَم يَجنِ إِلّا قامَ بِالسُكرِ عُذرُهُ
فَمَن كانَ ذا هَمٍّ فَقَد زالَ هَمُّهُ / وَمَن كانَ ذا نَذرٍ فَقَد حَلَّ نَذرُهُ
فَيا مَلِكاً لا يَملِكُ الخَطبُ صَبرَهُ / كَما أَنَّهُ لا يُجهَلُ الدَهرَ شُكرُهُ
يَجوزُ عَلى الهاماتِ عادِلُ سَيفِهِ / وَيَجري عَلى أَهلِ الأَوامِرِ أَمرُهُ
لَقَد قُمتَ في نَصرِ النَبِيِّ وَآلِهِ / مَقاماً عَلى الرَحمَنِ قَد حَقَّ أَجرُهُ
سَرى مَلِكُ الإِفرَنجِ يَنصُرُ جَمعَهُم / فَما ضَرَّهُم في نُصرَةِ الحَقِّ كُفرُهُ
وَما هِيَ إِلّا آيَةٌ نَبَوِيَّةٌ / أَقامَت لَهُم بِالنَفعِ مَنْ خيفَ ضُرُّهُ
وَعادَتُهُم من قَبلُ آيَةُ جَدِّهِم / فَينصُرُهُم مَن لا يُؤَمَّلُ نَصرُهُ
قَدَّمتَها نِيَّةً تَأَخُّرُها
قَدَّمتَها نِيَّةً تَأَخُّرُها / أَقوى دَليلٍ عَلى تَعَذُّرِها
يا ناهِضاً نَحوَ حاجَةٍ عَثَرَت / يا لَهفَ حُزني عَلى تَعَثُّرِها
كَلِفتَ بِتَعنيفي بِلا طَلَبٍ عُذري
كَلِفتَ بِتَعنيفي بِلا طَلَبٍ عُذري / وَأَفرَطتَ في عَذلي وَفَرَّطتَ في عُذري
إِذا ما جَرى دَمعي جَواباً لِعاذِلٍ / فَإِنَّ انتِظامَ الوَجدِ في ذَلِكَ النَثرِ
وَحارَبتَني فَأْذَن بِحَربِ لَواحِظٍ / أُجَرِّدُها نَصلي فَتَضمَنُ لي نَصري
وَإِنّي لَأَهوى العَذلَ في حُبِّ قاتِلي / وَلَم أَرَهُ يُغني وَلَكِنَّهُ يُغري
وَإِنّي إِذا أَجرَيتُ ذِكرَكَ خالِياً / لَأَلتَذُّ فيكُم بِالدُموعِ الَّتي تَجري
عَلى أَنَّها جَمرٌ وَإِن غَرَّ ماؤُها / فَلي راحَةٌ في أَن أُجَفِّفَ مِن جَمري
يَقولونَ إِنَّ الصَبرَ يُعقِبُ راحَةً / وَما ضَمِنوا تَبليغَ عاقِبَةِ الصَبرِ
وَفي الصَبرِ رِبحٌ أَو طَريقٌ مُبَلِّغٌ / إِلى الرِبحِ لَكِنَّ الخَسارَةَ في عُمري
وَقَد هَدَّدوني بِالرَحيلِ وَما دَرَوا / بِأَنَّهُمُ قَد سافَروا قَبلُ بِالهَجرِ
وَلَو أَنَّ قَلبي بَينَ جَنبَيَّ حاضِرٌ / شَكَوتُ بِهِ ما قَد لَقيتُ مِنَ الضُرِّ
أَغَرَّ عُيونَ القَومِ أَنِّيَ مُطلَقٌ / وَما عَلِموا أَنّي مِنَ الوَجدِ في أَسرِ
وَإِنّي لَأَجرا الناسِ قَلباً عَلى أَسىً / وَدَمعاً عَلى رَبعٍ وَقلَباً عَلى فِكرِ
وَأَجبَنُهُم في الحُبِّ جَفناً عَنِ الكَرى / وَنُطقاً عَنِ السَلوى وَعَزماً عَنِ الصَبرِ
فَلا تَحسَبَنّي ضاحِكاً عَن مَسَرَّةٍ / فَكَم ضاحِكٍ باكي العُيونِ مِنَ الفِكرِ
وَغَيداءَ مِثلِ الخَمرِ يُعقِبُ وَصلُها / خُماراً وَلَكِنَّ الخَديعَةَ بِالسُكرِ
عَلى أَنَّني أَستَوقِفُ الخَمرَ إِن سَرَت / وَتَبلغُ ما لا يَبلُغُ الخَمرُ مِن سِرّي
مُحَلِّيَةٌ لِلحَلي عاطِلَةٌ بِهِ / وَحَسبُكَ ما في الغيدِ من حِليَةِ السِحرِ
عَلامَ جَحَدتِ البَدرَ مِنكِ مَكانَهُ / أَما تَكتُميهِ بِالقُطوبِ لَدى الثَغرِ
وَلَم يُخرِجِ الدُرَّ الَّذي البَحرُ دارُهُ / سِوى غُلَّةٍ مِنهُ إِلى ذَلِكَ البَحرِ
وَما سَمِعَت أُذنايَ قَبلَ لِقائِها / بِحَلْي عَلى حَلْيٍ وَدُرٍّ عَلى دُرِّ
بَدَت فَأَرَتني غُرَّةَ الدَهرِ طَلعَةٌ / فَمَن لي بِها وَالعَيشُ في غُرَّةِ الدَهرِ
وَلَمّا رَأَت عَيني شُجاعَ بنَ شاوِرٍ / عَجِبتُ لِأَخبارِ تَقِلُّ عَنِ الخُبرِ
بدت صورةٌ بل سورةٌ قد تنزَّلَت / محيَّاهُ منها موجبٌ سجدةَ الشكرِ
وَسَبَّحتُ رَبَّ العالَمينَ لِأَنَّني / رَأَيتُهُم مُستَجمِعينَ بِلا حَشرِ
وَقَد سُيِّبَت أَرزاقُهُم مِن يَمينِهِ / وَهَل يَستَجيرُ القُطرُ يَوماً سِوى القَطرِ
وَأُقسِمُ لَولا أَنَّهُ طَودُ عِزَّةٍ / وَمِن مَوعِدِ الأَطوادِ في الحَشرِ أَن تَسري
ذُهِلتُ لِأَسرارِ القِيامَةِ إِذ بَدَت / لِأَنّي رَأَيتُ الجودَ مُنفَجِرَ البَحرِ
وَدارُكَ بِالدُنيا وَكَفُّكَ بِالحَيا / وَظِلُّكَ بِالمَحيا وَيَومُكَ بِالدَهرِ
وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ مُرخِصَ مَهرِها / فَإِنَّكَ أَنصَفتَ المَكارِمَ في المَهرِ
بِحِلمٍ بِلا ضَعفٍ وَحُكمٍ بِلا هَوىً / وَفَتكٍ بِلا ذُعرٍ وَجودٍ بِلا عُذرِ
وَسُحبِ يَدٍ لَم تَهمِ إِلّا بِأَحمَرٍ / فَفي الحَربِ أَو في السِلمِ بِالدَمِ وَالتِبرِ
وَطَهَّرتَ أَرضاً قَد وَطِئتَ تُرابَها / فَلَسنا نَرى فيها لِصَدِّكَ مِن فِترِ
فَأَلوِيَةٌ حُمرٌ مِنَ الطَعنِ في العِدى / وَفي اللَيلِ مِن نارٍ بِأَلوِيَةٍ حُمرِ
تُعيدُهُمُ تِلكَ العَزائِمُ إِن سَطَت / حَواصِلَ مِصرٍ في حَواصِلَ مِن نَصرِ
وَتَكسو الظُبا مِنهُم دِماءٌ بَدَت بِها / لَنا النارُ لا تُطفى وَتَطفو عَلى النَهرِ
كَأَنَّ عِداكُم مُغضَبونَ عَلى القَنا / وَإِن يَلقَها مِنهُم جَريءٌ فَبِالظَهرِ
أَلا شَدَّ ما أَسقَت يَداكَ فَأَنبَتَت / غُصونَ قَناً وَالهامُ فيهِنَّ كَالثَمْرِ
إِذا شَرِبَت خَمرَ الدِما وَتَرَنَّحَت / أَقَمتَ بِأَن حَطَّمتَها الحَدَّ في السُكرِ
إِلى القَومِ جادوا قَبلَ أَن يَسأَلوا النَدى / وَما اِفتَقَرَت قُلبُ الغَمامِ إِلى حَفرِ
حُماةٌ كَأَنَّ الشَمسَ بَعضُ نِسائِهِم / فَقَد كَتَموها لِلغِنى في خِبا خِدرِ
هُمُ خَطَبوا بِكرَ العُلا وَعَوانَها / بِجُردٍ عَوانِ البِكرِ
وَأَندِيَةٍ خُضرِ مِنَ الخِصبِ دونَها / سُيوفٌ رَمَينَ الجَدبَ في اللُجَجِ الخُضرِ
وَرَأيٍ بِتَقديرٍ وَعَفوٍ بِقُدرَةٍ / وَجودٍ عَلى قَدرِ وَقيلٍ عَلى قَدرِ
وَقَد حَفِظَ الرَحمَنُ بِاللَوحِ ذِكرَهُ / فَيَهنيكُمُ أَن كُنتُمُ سِرَّ ذا الذَكرِ
وَأَخذِهِمُ أَلواحَ مُعجِزِ آيِهِ / كَما أَخَذَ الأَلواحَ موسى عَلى قَدرِ
كَما كانَ نوحٌ إِذ طَغى الماءُ راكِباً / عَلى ذاتِ أَلواحٍ بِتَدبيرِهِ تَجري
ثَبَتُّم بِأَلواحٍ ثَباتَ عَزيمَةٍ / بِها السُمرُ قَد نُظِّمنَ لِلصَفِّ في سَطرِ
وَحَذَّرَهُم مَن كانَ يُعنى بِأَمرِهِم / وَما يَنفَعُ التَحذيرُ عِندَ اِنقِضا الأَمرِ
وَقالَ لَهُم نِمتُم فَلا تُنبِهوا القَطا / وَلَو لَم تُنَبَّه باتَتِ الطَيرُ لا تَسري
وَلَمّا اِستَغاثوا ما أُغيثوا وَكَيفَ أَن / يُغاثَ بُغاثٌ وَهوَ في مِخلَبِ الصَقرِ
تَوَقَّ اِبتِداءَ الأَمرِ قَبلَ اِنتِشارِهِ / وَحاذِر شَرارَ النارِ مِن قَبلِ أَن تَسري
وَأَكثَرُ ضُرِّ المَرءِ مِن أَهلِ وُدِّهِ / أَلَم تَرَ أَنَّ الخَمرَ مُظهِرَةُ السِرِّ
قَدِمتَ عَلَينا بِالبَشاشَةِ وَالنَدى / فَفَجرٌ إِلى لَيلٍ وَمُزنٌ إِلى قَفرِ
وَوافَيتَ مِن لينِ الخَلائِقِ وَالظُبا / بِأَسهَلَ مِن مُزنِ وَأَخشَنَ مِن صَخرِ
بِجَيشٍ إِذا ما النَقعُ أَبدى حَديدَهُ / حَسِبتَهُمُ قَد نَصَّلوا السُمرَ بِالزُهرِ
تَرى مِنهُ سَدّاً مِن حَديدٍ كَأَنَّما / رَأَيتَ بِهِ في اليَومِ لَيلاً إِذا يَسري
إِذا اِشتَجَرَت راياتُهُم وَتَأَلَّفَت / طُيورٌ إِلَيهِم قُلتَ حَنَّت إِلى وَكرِ
تَجَلّى فَأَجلى وَجهُكَ النَقعَ إِذ بَدا / وَأَحسَنُ نورِ الوَصلِ في ظُلمَةِ الهَجرِ
بِأَضوَأَ مِن بَرقٍ وَأَزيَدَ في السَنا / وَأَهيَبَ مِن سَيفٍ وَأَملَأَ لِلصَدرِ
فَيا حُسنَ سَيفِ الهِندِ في عاتِقِ الهُدى / وَيا حُسنَ تاجِ العَدلِ في مَفرِقِ الأَمرِ
وَحَدَّث بِها بيضَ اللَيالي وَسودَها / بِأَنَّ الوَغى اِنجابَت بِلا البيضِ وَالسُمرِ
وَأَنَّ صُروفَ الدَهرِ أَغرَبَ حُكمُها / فَلا الرَفعُ في زَيدٍ وَلا النَصبُ في عَمرو
وَأَنَّ سِياساتِ العُقولِ عَجيبَةٌ / يَضيقُ بِها المَجرى عَلى العَسكَرِ المَجرِ
وَتُصمي بِلا سَهمٍ وَتَفري بِلا ظُباً / وَتَسري إِلى بَعضِ الرِجالِ وَلا يَدري
إِذا ما خُيولُ النائِباتِ تَراكَضَت / فَهَيهاتَ أَن يُغنى الفَتى الفَوتُ بِالفَرِّ
تَصَرَّفَ صَرفُ الدَهرِ في كُلِّ ما تَرى / سِوى ما بِذاكَ الوَجهِ مِن حِليَةٍ البِشرِ
وَلَم يَستَطِع نَقصاً لَهُ وَزِيادَةً / عَلَيهِ إِذا ما مَنَّ بِالحُلوِ وَالمُرِّ
أَسَيِّدَنا إِن جِئتَ في الدَهرِ آخِراً / فَقَد جاءَ عيدُ الفِطرِ في آخِرِ الشَهرِ
وَتَمَّ لي التَمثيلُ فيما ذَكَرتُهُ / فَقَد جاءَ عيدُ النَحرِ في آخِرِ العَشرِ
وَرَتَّبَتِ الأَقدارُ قَدرَكَ أَوَّلاً / كَما جاءَنا التَرتيبُ في لَيلَةِ القَدرِ
أَتى الفِطرُ فَاِستَقبَلتَهُ مِنكَ بِالنَدى / مَضى الصومُ فَاِستَودَعتَهُ تُحَفَ الأَجرِ
وَمَسَّكتَ فيهِ الصُبحَ بِالعَدلِ وَالتُقى / وَخَلَّقتَ فيهِ اللَيلَ بِالشَفعِ وَالوَترِ
سَتُفني يَدُ الأَيّامِ كُلَّ ذَخيرَةٍ / سِوى ما لَكُم في ذِمَّةِ اللَهِ مِن ذُخرِ
وَإِنّي لَأَعتَدُّ الأَهِلَّةَ إِذ نَمَت / ضُيوفاً لِهَذا البِشرِ عِندَكَ تَستَقري
وَقَلَّمتَ صَرفَ الدَهرِ عَنّا وَقَد رَأَوا / هِلالَهُمُ مِثلَ القُلامَةِ في الظُفرِ
وَكَم جيدِ لَيلِ سِمطُهُ مِن سِماطِهِ / عَلى أَنَّهُ سِمطٌ تَنَظَّمَ لِلنَثرِ
تُضاهونَ بِالأَرضِ السَماءَ لِأَنَّكُم / تُرَونَ بِها أَشباهَ أَنجُمِها الزُهرِ
فَيا عَجَباً رَوضٌ إِلى النارِ يَعتَزي / إِذا ما اِعتَزَت كُلُّ الرِياضِ إِلى القَطرِ
مَوائِدُ مِنهُنَّ البِلادُ مَوائِدٌ / تَضَمَّنَّ ما يعلو عَنِ الحَصرِ وَالحَصرِ
وَلا عَيبَ فيها غَيرَ أَنَّ بَني الدُنيا / قَد اِفتَقَروا لَمّا رَأَوها مِنَ القَفرِ
يَحُجُّ إِلَيها مَن يُجيبُ نِدا النَدى / وَلَكِنَّهُ حَجٌّ يَدومُ بِلا نَفرِ
مَكارِمُ حَدَّثتُ الصَباحَ حَديثَها / وَإِن لَم يَكُن مِن ظُلمَةِ اللَيلِ في سِترِ
وَأَخبارُكُم في طَيِّها وَمَسيرِها / وَتَخليدِها بَينَ البَرِيَّةِ كَالخِضرِ
وَفي كُلِّ أَرضٍ مِن نَداكُم شَواهِدٌ / فَما اِنتَقَلَت عَنهُ الأَحاديثُ بِالشُفرِ
وَلَمّا رَكِبتُم لِلخَليجِ وَكَسرِهِ / عَجِبتُ لِأَن سارَت بُحورٌ إِلى نَهرِ
كَما أَنَّني أَيضاً عَجِبتُ لِأَنَّكُم / بِكَسرٍ جَبَرتُم كُلَّ أَرضٍ مِنَ الكَسرِ
وَجُدتُم فَأَورَدتُم وَجادَ فَلَم نَرِد / لِأَنّا ضِيافٌ لِلسَماحَةِ في قُطرِ
وَقَد جاءَ قَبلَ النَيلِ نَيلُكَ سابِقاً / إِذا النيلُ في شُغلٍ مِنَ المَدِّ وَالجَزرِ
وَكَم لَكَ عِندي مِن أَيادٍ جَميلَةٍ / وَلا عَيبَ فيها غَيرُ عَجزي عَنِ الشُكرِ
فَإِن خَفَّفت قَيدي فَقَد أَثقَلَت ظَهري / وَإِن رَوَّحَت سِرّي فَقَد أَتعَبَت فِكري
تَخَيَّرتِ أَرضي يا سَماءُ فَأَنجَبَت / فَدونَكِ رَبعَ الشُكرِ عَن ذَلِكَ البَذرِ
أَتَحسَبُ أَنّي لِلمَواهِبِ كاتِمٌ / أَما قيلَ إِنَّ الأَرضَ مُخرِجَةُ السِرِّ
وَلَو جَحَدَ الرَوضُ السَحائِبَ قَطرَها / لَأَخجَلَهُ ما فاحَ عَنهُ مِنَ النَشرِ
أيا سامِعاً وَحيَ المُنى مِن عَبيدِهِ / إِذا كانَ داءُ البُخلِ في السَمعِ كَالوَقرِ
تَكَبَّرَ عَن كِبرٍ وَلَكِنَّ عَبدَهُ / بِأَن عَدَّهُ عَبداً تَحَقَّقَ بِالكِبرِ
فَقُل لِلَّيالي قَد وَصَلتُ بِلا سُرىً / وَقُل لِلأَماني قَد وَصَلتُ بِلا صَبرِ
وَحَسبُ الأَماني أَن سُقيتُ بِلا حَياً / وَحَسبُ السُرى أَنّي هُديتُ بِلا فَجرِ
وَبَيَّنَ هَذا الفَضلُ فَضلَكَ لِلوَرى / أَلَم تَرَ أَنَّ الدُرَّ يوجَدُ في الغَمرِ
وَما زِلتَ تَستَعفي العُفاةَ مِنَ الثَنا / فَقَد شُغِلوا بِالشُكرِ عَن طَلَبِ الوَفرِ
كَفَتكَ اللَيالي ما تَخافُ فَإِنَّها / عَلى خَوفِها مِنكُم تَخافُ عَلى الحُرِّ
فَواعَجَباً مِنها وَمِنّا فَإِنَّنا / وَفَينا لَها حيناً عَلى العِلمِ بِالغَدرِ
تُقَلِّدُ أَعناقُ اللَيالي جَواهِرا
تُقَلِّدُ أَعناقُ اللَيالي جَواهِرا / أَظَلُّ لَها مِن بَحرِ جودِكَ جاهِرا
فَلا زِلتَ ذا رَبعٍ مِنَ المَجدِ عامِرٍ / وَإِن لَم تَدَع بَيتاً مِنَ المالِ عامِرا
تَقولُ اللَيالي فيكَ بِالمَدحِ قَولَها / فَلم يَنفَرِد بِالفَضلِ مَن كانَ شاعِرا
وَما قُلتُ إِنَّ النَجمَ باتَ مُسَمَّراً / بَلى باتَ مِن تِلكَ المَعالي مُسامِرا
نَصَبتَ لَهُ سوقاً مِنَ المَجدِ نافِقاً / وَيَجبي إِلَيهِ الحَمدَ مَن كانَ تاجِرا
وَأَحيَيتَ حَمداً كانَ بِالأَمسِ بائِداً / وَأَغلَيتَ شِعراً كانَ قَبلَكَ بائِرا
وَما كُنتَ إِلّا لِلمَكارِمِ رابِحاً / وَإِن كُنتَ فيهِ لِلذَخائِرِ خاسِرا
وَقَوافٍ سَقَيتُ مِنها وَلِيّاً
وَقَوافٍ سَقَيتُ مِنها وَلِيّاً / حُلوَها وَالعَدُوُّ يُسقى المَريرَا
وَكَأَنَّ السُطورَ كانَت زُنوداً / قَدَحَت أَن قَرَأتَها لَكَ نورا
إِنَّ يَوماً أَراكَ فيهِ لَيَومٌ / يَلبِسُ الأُفقَ مُشمِساً وَمَطيرا
لا وَمَن شَقَّ في يَدَيكَ بُحوراً / فَتَسَمّى الحَيا إِلَيكَ قَطيرا
إِنَّ لِلَهِ فيكَ سِرّاً جَلِيّا / يُظهِرُ اللَهُ مِنهُ أَمراً كَبيرا
ذاكَ أَن تَنظِمَ الكَواكِبَ تاجاً / ثُمَّ تَعلو عَلى السَماءِ السَريرا
فَتَحتَ هَذا البابَ لِلبِرِّ
فَتَحتَ هَذا البابَ لِلبِرِّ / فَاِزدَحَمَ الوَفدُ مِنَ الشُّكرِ
سُمِّيَ بابَ السِرِّ وَالبِرِّ ما / جاءَ إِلى المَبرورِ في السِرِّ
إِذا ما الغَزالُ سَرى زائِرا
إِذا ما الغَزالُ سَرى زائِرا / فَلا تَأمَنِ الأَسَدَ الزائِرا
وَلَكِن سَلِ اللَيلَ سَتراً عَلَيكَ / وَإِن كُنتَ تَأمَنُهُ كافِرا
عَسى الفَجرُ يَغفو وَلَو ساعَةً / يَنامُ بِها نَجمُهُ سائِرا
فَيا لَيلُ إِن تولِنيها يداً / تجدني لها ذاكراً شاكرا
وإن قيل نعرفُهُ كافِراً / أَقُل لا وَلَكِن نَعَم فاجِرا
فَيا لَيلُ ما اِفتَرَقَ العاشِقانِ / إِذا كُنتَ بَينَهُما حاضِرا
فَقَد جاءَني هاجِري واصِلاً / فَلا يَرجِعَن واصِلي هاجِرا
رَوَيتَ بِهِ غُلَّتي وارِداً / فَلا تَفجَعَنّي بِهِ صادِرا
وَدَعني أُطارِحهُ شَكوى الفِراقِ / وَأَحفَظ حَديثَ الهَوى طاهِرا
لَعَلَّكَ تَعرِفُ سِرَّ الغَرامِ / فَتُصبِحَ لِلمُبتَلى عاذِرا
وَتَعشَقَ بَدرَكَ عِشقي البُدورَ / وَتَرجِعَ مِثلي بِهِم حائِرا
فَلا تَبعَث الفَجرَ قَبلَ العِشاءِ / وَلا تُتبِع الأَوَّلَ الآخِرا
فَكَم في حَواشيكَ مِن طائِرٍ / تُمِضُّ بِهِ قَلبِيَ الطائِرا
وَيَكسِرُ صُبحُكَ لي عَينَهُ / فَيا لَيلُ دُمتَ لَهُ كاسِرا
وَكَم لَكَ عِندَ اِمرِئٍ مِن يَدٍ / كَلَونِكَ يَغشى الأَسى الخاطِرا
نُصَدِّقُ في ذَمِّكَ المانَوِيَّ / وَإِن كانَ في قَولِهِ كافِرا
أَسِرّاً بِأَمرٍ بِهِ موبِقاً / يُقيمُ الصَباحُ بِهِ سافِرا
وَما بَتَّ إِلّا عَلى رِيبَةٍ / نَغُضُّ حَياءً لَها الناظِرا
فَلَو لَم يُغَسِّلكَ مِنّا الصَباحُ / لَما كُنتَ مِن نَجَسٍ طاهِرا
وَلَولا جِلاءُ مُحَيّا الأَجَلِّ / مُحَيّاكَ دامَ كَذا باسِرا
أَعادَكَ يَومَ يُثيرُ العَجاجَ / بِرَكضٍ بِهِ سَكَّنَ الثائِرا
وَرَدَّ إِلَيكَ بِرَغمِ الصَبا / حِ أُفقَكَ مِن سُمرِهِ ظاهِرا
وَضَربٍ لَهُ ناجِرٍ قَد أَعادَ / بِشَهرَي قُماحٍ لَنا ناجِرا
فَجِسمٌ تَراهُ بِهِ واقِعاً / وَهامٌ تَراهُ بِهِ طائِراً
وَيَجنُبُ ريحُ العِنانِ الدُبورَ / فَيُحدِثُ ما يَقطَعُ الدابِرا
وَكَم حَرَّكَت ساكِناً لِلغُبارِ / فَسَكَّن مِن تَحتِهِ غابِرا
وَيَجبُرُ ناهِضُ هِمّاتِهِ / لَكَ المَجدُ ذا الزَمَنَ الفاتِرا
فَدُمتَ عَلى خَيرِهِ آمِراً / وَدُمتَ عَلى شَرِّهِ آمِرا
لَقَد نَصَرَ اللَهُ دينَ الهُدى / بِأَن نَصَرَ المَلِكَ الناصِرا
فَلَسنا نَخافُ عَلى غابِهِ / إِذا كنَ في غابِهِ خادِرا
وَمَن عَدَّ مِنهُ الحَيا ثانِياً / فَلَستُ أَراهُ لَهُ عاشِرا
فَلا تَتَجَشَّم سُؤالاً لَهُ / سَيَكفيكَهُ بادِئاً بادِرا
أَيَحتاجُ عُشبُ الدُجى زارِعاً / لَهُ وَقَليبُ السَما حافِرا
فَلا تَستَمِر غَيرَ إِحسانِهِ / وَإِلّا فَمُت ظامِئاً ضامِرا
فَمَن يَستَمِر مِن أَكُفِّ اللِئامِ / يَعِش دَهرَهُ ما يرى مَائِرا
وَمَن حَطَّ أَقدارَ سُؤَّالِهِ / فَما زِلتُ سائِلَهُ الفاخِرا
إِذا سَأَلوا مانِعاً عاجِزاً / سَأَلتُ بِهِ باذِلاً قادِرا
فَأَوفى عَلى قَولِهِم أَوَّلاً / وَأَوفى عَلى قَولِهِ آخِرا
رَأى الناسُ هِجرَةَ مَملوكِهِ / فَلا يَنظُروهُ لَهُ هاجِرا
وَجودُكَ أَشعَرُ مِن شِعرِهِ / فَلا عَدِمَ الشاعِرُ الشاعِرا
وَهَذي المَآثِرُ لَولا القَريضُ / لَما كُنتَ تَلقى لَها آثَرا
وَلَمّا جَلا البِشرُ مِن وَجهِهِ / لَنا القَمَرَ المُصبِحَ الزاهِرا
رَأَيتُ زَماني مَضى كُلُّهُ / سُرىً جاءَ بي هَكَذا ضامِرا
وَلَو لَم أَرِد وَجهَهُ ما ظَفِرتُ / بِصُبحٍ أُطالِعُهُ نائِرا
وَلي حاسِدٌ أَنتَ أَربَحتَهُ / وَأَنتَ تُصَيِّرُهُ خاسِرا
وَقَد ساءَ في الجِدِّ تَوسيعُهُ / يُكَرِّرُ أَقوالَهُ ماكِرا
وَكَم قَد خَلا بِشَياطينِهِ / فَأَجرى الحَديثَ بِنا فاجِرا
وَذَكَّرَ بي فَمَ صَرفِ الزَمانِ / فَأَغرى بِلَحمي فَماً فاغِرا
وَقَد نَظَرَ اللَهُ لِلمُسلِمينَ / بِأَن كُنتَ في أَمرِهِم ناظِرا
وَلَم أَلحَهُم أَن يَجوروا عَلَيَّ / وَلَو ذاكَ كُنتُ لَهُم عاذِرا
فَما جارَ مَن جارَ في حُكمِهِ / وَلَكِنَّ مَن أَلجَأَ الجائِرا
وَما أَتَّقي أَن زيفاً يَمُرُّ / بِنَقدِكَ إِلّا بَدا ظاهِرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025