القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 43
تبلَج أفق الشرق من بعدما اغبرّا
تبلَج أفق الشرق من بعدما اغبرّا / وكشّر عن صبح الأمانيَ مفتّرا
ولو كان صبحاً ناصع اللون سرّني / وبرّد حرّاً كان في كبِدي الحرّى
ولكنه صبح يلوح لناظري / بحاشية الزرقاء كالدم محمرّا
أراه كوجه الغادة الخَود راقني / بحسن ولكن قد تجهّم وازورّا
لمحت تباشير المنى من خلاله / ضئالاً كمهوك غدا يشتكي الضُرّا
ولم أدرِ لما استبهمت اخرياته / أ أطمع أم أستشعر اليأس مضطرّاً
ولو كنت أدري ما وراء احمراره / لسَرّى عن النفس الكئيبة ما سرّى
ولكنّه ورّى عواقب أمره / فزادت شكوك النفس من أجل ما ورى
يُهامسني بالوعد قولاً مجمجماً / كأن هو يخشى أن أذيع له سرّا
وإني لأخشى أن أكون بوعده / وإن أسفرت أوصاحه الغُرّ مغترّا
وما كل صبح يرتجي الناس خيره / ولا كل ليل مظلم يُضمر الشرّا
فإن كنت يا صبح الأمانيِّ صادقاً / بوعد فحيّا الله طلعتك الغرّا
خليلي هل من عاذرٍ في قصيدة / أقول بها حقاً وإن قلته مُرّا
أرى هَبوة سوداء في الجوّ أسبلت / حجاباً بآفاق العراقَيْن مُمترّا
وأرخت بأرض الشام منها على الرُبا / سدولاً بها جوّ السماء قد اغبرّا
ومدّت على بيروت منها غَيابةً / بها عاد وجه الأفق أسفع مُكدرّا
وما هي إلاّ عارض من تناكر / به مربَع الآمال أقفر واقَورّا
ترى القوم فيه نَوؤهم متخاذل / وآمالهم أمست كتيبتها فُرى
عجبت لقوم أصبحوا يُنكروننا / وقد عرَفونا في الزمان الذي مَرا
همو أسمعونا نعرة عربية / فدوّى صداها في المسامع مُصطرّا
فكم من خطيب قام فيها مثرثراً / فطرّى لنا من يابس القول ما طرّى
وكم شاعر قد أرخص الشعر دونها / وكم قلم فوق الطروس بها صرّا
وكنا أجبناهم إليها إجابةً / بها قد تركنا جانب الدين مزورّا
رجاء اتحاد في طريق سياسة / تعُمّ مراميها بني يعرب طُرّا
فمذ حان أن يخضلّ غصن اعتزازنا / ويرتع بعد اليبس رطباً ويخضرا
نصبنا خياشيم الرجاء لريحهم / فهّبت لنا نكباء عاتية صرّا
لعمري لقد ساء الكرام ابن غانم / بباريس إذ قد قال ما يُخجل الحرا
نفى عن مناميه العروبة وادّعى / جُزافاً وخلّى منهج القوم وابترّا
وهل حسِبوا أن العروبة في الورى / من العَرّ حتى أنكروا ذلك العرّا
كأن لم يقم من بينهم ناعرٌ بها / ولم يك ضرّانا بها أمسَ من ضرّى
فما أحد منهم وفى بعهوده / ولا أحد منهم بما قال قد برّا
وكان غروراً كل ما حالفوا به / وشرّ الحليفَين الذي خان أو غرّا
وعاد الذي كنا نؤمَل مُنهم / إلى غير ما كنّا نؤمل منجرّا
وقد صوَّحت تلك الأمانيّ كلها / فحاكت نبات الأرض إذ هاج مصفرّا
وأصبح فينا شامتاً كل من غدا / لأبناء قنطوراء يغضب ممقرّا
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر / وذكَّرنَا ما نحن منه على ذُكر
ومجَّد ما للعُرب في الغرب من يدٍ / وما لبني العباس في الشرق من فخر
لدى محفِل في القدس بالقوم حافلٍ / تبَّوأه هرير صموئيل في الصدر
دعاهم رئيس القدس ذو الفضل راغب / إليه فلَبَّوْا دعوة من فتىً حرّ
فأمسَوْا وفي ليل المحاق اجتماعهم / يحفّون من هرير صموئيل بالبدر
فياليلة كادت وقد جَلَّ قدرها / تكون على علاّتها ليلة القدر
ولما تناهى من يهودا خطابه / وقد سرّنا من حيث ندري ولا ندري
تصّدى له هرير صموئيل ناطقاً / بسحر مقال جلّ عن وصمة السحر
فصدّق ما للعرب من تالد العلا / وما لهم في العلم من خالد الذكر
وزاد بأن أوما إلى ما لصنعهم / على صخرة البيت المقدس من أثر
وقال وقد أصغى له القوم إننا / سنَرْأب ما أثأتْه منكم يد الدهر
ونُنْهضكم في منهج العلم نهضةً / مقَوّمةً مَا اعْوَجّ فيكم من الأمر
فكانت لهذا القول في القوم هِزّةٌ / سروريّة من دونها هزّة السكر
حنانَيْك يا هربر صموئيل كم لنا / على الدهر من حق مضاع ومن وِتْر
لنا قلَب الخَؤون مِجَنّه / وكرّ علينا لابساً جلدة النمر
وأغرى بنا الأحداث مُبْتكِراً لها / فلم يأتنا إلا بحادثة بِكر
وقد أفنَت الأيام كل عَتادنا / سوى ما ورثنا من إباءٍ ومن صبر
فلسنا وإن عضّت بنا اليوم نابُها / نقرّ على ذلّ وننقاد عن ذُعر
فَمن سامَنا قسراً على الضيم يلقَنا / مصاعيب لا تُعطي المقادة بالقسر
لنا أنفس تحيا بثروة عزّها / وإن نشأت بين الخَصاصة والفقر
إذا نحن عاهدنا وفَيْنا ولم نكن / إذا ما ائتُمنّا جانحين إلى الخَتْر
فإن شئت يا هربر صموئيل فاختبر / خلائق منا لا تميل إلى الغَدْر
وعَدَت فأمسى القوم بين مشّكِك / ومنتظر الإنجاز منشرح الصدر
فكذّب وأنت الحرّ مَن ساء ظنّه / فقد قيل إن الوعد دّين على الحرّ
ولسنا كما قال الألى يُتهِموننا / نُعادي بني اسرال في السرّ والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم / يمت بإسماعيل قِدماً بنو فهر
وإني أرى العُربيَّ للعرب ينتمي / قريباً من العِبريّ يُنمى إلى العِبر
هما من ذوي القُربى وفي لغتَيْهما / دليل على صدق القرابة في النَجْر
ولكننا نخشى الجلاء ونتّقي / سياسة حُكم يأخذ القوم بالقهر
وهل تثبت الأيام أركان دولة / إذا لم تكن بالعدل مشدودة الأزر
وها أنا قبل القوم جئتك معلناً / لك الشكر حتى أملأ الأرض بالشكر
دار ذا الدهرُ مداره
دار ذا الدهرُ مداره / فرأى الناس ازوِراره
كل فعل الدهر فعل / فيه للحرّ إِساره
أهل بغداد أفيقوا / من كَرى هذي الغرارة
إن ديك الدهر قد با / ض ببغداد وزاره
شأنها شأن عجيب / قصرت عنه العباره
هي للجاهل عزّ / ولذي العلم حقاره
ملّك البدو بها الأم / رَ على أهل الحضارة
كم لها من هفَوات / تسلُب الطَود وقاره
حَّببت للوطنيّ الحرّ / أن يهجُر داره
بِيع للأطماع فيها / حقكم بيع الخَساره
فكأنّ الحكم والعَد / لَ بها قِطّ وفاره
كم وزير هو كالوِزْ / رِ على ظهر الوزاره
مقحَمٌ لو كان لفظاً / شخصه كان استعاره
ووزيرٍ ملحق كالذَي / لِ في عجز الحماره
ذَنَب أصبح للحك / م به أقبح شاره
ذنب يستوجب الإخ / لاص والصدق انبتاره
قل لأرباب الوزاره / عَذَلاً أضرمت ناره
أنتم الأصنام لولا / نزَقات مُستطاره
أحُلوم كفرَاش / وقلوب كحجاره
أم جُيوب زَرّها الده / ر على كل دَعاره
أم وجوه لو بدت للشم / س لم تنشُر حراره
أمع الذِلّة كِبر / أم مع الجبن جساره
كيف لا تخشَوْن للأح / رار في البطش مهاره
يا بني الأوطان هُبُّوا / وانفضُوا هذي الغراره
إن وجه الحق بادٍ / كسراج في مناره
إدرِكُوا الحق فقد شُنّ / تْ على الحق الإغاره
لا تسل عنه وزير ال / قَوم واسأل مستشاره
فوزير القوم لا يعْ / مل من غير اشاره
وهو لا يملك أمراً / غير كرسيّ الوزاره
يأخذ الراتب إمّاً / بلغ الشهر سراره
ثم لا يعرف من بَعْ / دُ خراب أم عماره
حَدِّثِ الناس حديث ال / لُؤم عن هذي الخشارة
فلعلَّ الدهر منهم / بدم يغسل عاره
لا تأمَنن دنياك في حالة
لا تأمَنن دنياك في حالة / مهما تكن زاهية زاهرة
وانظر لعُقبى وزراء مضَوْا / كيف عليهم دارت الدائرة
باتُوا على النَعماء في ليلة / شبَت لهم في صبحها نائرة
إذا قذفتهم عن كراسّيها / وزارة كانت بهم وازره
كانوا كعِقد رائق نظمه / فبَددتهم ضربة ناثره
ضربة جيش لم يكن ناطقاً / إلاّ بنيرانٍ له زافره
بانوا كآساد الشرى رُبَّضاً / فأصبحوا كالنَّعَم النافره
فواحد طار إلى ربّه / ولاذ من دنياه بالآخره
وواحد يصحبه أهله / طارت إلى مصر بهم طائره
لم يَصفُ بالسراء عُرس ابنه / ولم تَرُق ليلته الساهره
واثنان سارا في طريق معاً / إلى حمى سورية العامره
سارا وكل منهما قائل / قول امريء أشجانه فائره
بغداد يا خاذلتي إنني / أسكن بعد اليوم في الناصره
ولست بعد المنُتبأى قاطعاً / ما ربطتني بك من آصره
وكانت الأفواه مكمومةً / فأصبحت من بعدهم فاغره
تلهج بالشتم لهم لاذعاً / وتُكثِر الضحك بهم ساخره
وهي التي كانت لهم قبل ذا / مادحةً حامدة شاكره
هذي هي الدنيا وأبناؤها / في يومنا والحِقب الغابره
لا تنفع الناس مساعيهم / إذا الجُدود انقلبت عاثره
لو قيل لي في الجيش مَن ذا الذي / كان بما أوقعه آمره
قلت سلوا الكرخ فذو أمره / في تلكم الدائرة الماكره
ففي فلسطين وثُوّارها / لهم يدٌ تعرفها القاهرة
قد دبَرت منهم لهم كيدها / حتى غدت منهم بهم واتره
أهل العراقين متى تأبهوا / للغِيَر الهاجمة الدامره
في كل يوم لكم هَيْعة / مضحكة كالنكتة النادره
قل لسلمان بعدما كان حراً
قل لسلمان بعدما كان حراً / كيف قد جاز رقه والأسار
إن ما قلتَه من القول هُجر / مُنكَر لا تقوله الأحرار
وطن المرء عِرضه وهَواه / وعلى العرض كل حرّ يَغار
كل شيء يعار في الناس إِلا ال / عرض منهم فإنه لا يعار
أرذل الناس مَن يقوم عليهم / أجنبيّ في أمرهم يستشار
هو يُدعى بالمستشار ولكن / هو في الحكم آمرٌ قهّار
كيف نسعى إلى العلا في أمور / ليس فيها رَأيٌ لنا واختيار
فبذا ركن عزّنا يتداعي / وبذا صرح مجدنا ينهار
إن للأجنبيّ فينا لحكماً / أسدلت دون جَوره الأستار
فهو يقضي بحكمه عير مسؤو / لٍ قضاءً به الأمور تُدار
إن أدمون في الوزارة باق / يُترجّى في بهوِها ويزار
يملك البت في الأمور ولكن / لا يقولون إنه مستشار
فاعتبرنا الألفاظ دون المعاني / إذ بها خُصّ عندنا الأنكار
وكذاك استقلالنا غِيل معنا / هُ فأضحى للفظه الاعتبار
ولأدمون من ذويه رجال / كلهم في ظهورنا أوزار
قد تَولَّوْا تمويننا عن خِداع / فارتقت في غلائها الأسعار
واستمرّت أقواتنا في انتقاص / وتفشّى في سوقها الاحتكار
ولهم في مدى العراق جيوش / كجرادٍ علينا انتشار
وَلكَمْ شِيد في العراقين حِصن / ومطار لجيشهم فمطار
هم بذا هَيَّئُوا البلاد لحرب / لم تَقِدْ عندنا لها اليوم نار
كيف نُصلى الحرب التي نحن فيها / لاذُ حُول لنا ولا أوتار
كيف نُصلى الحرب التي فصلتنا / عن ذويها مَهامِهٌ وبحار
إن هذا في الحكم منهم لظلم / وهو عار عليهم وشنار
وهو نقض لما جرى من عهود / حكمها من خِداعهم مستعار
فلماذا نراك تدعو إليهم / وهم اليوم ذُلّنا والصَغار
أيّ شيءٍ تريده بعد هذا / أخُنوع أم خَيْبة أم دَمار
فإذا كنت تبتغي المسخ فينا / كي يعيش الإنسان وهو حمار
فسل الله أن نكون حميراً / قد عراها من الهوان نِفار
خرج الناس يهرعون احتفاءً
خرج الناس يهرعون احتفاءً / بقدوم الأمير غير الأمير
ولقد هوَّن الحفاوة منهم / أنهم يحتفون لا عن شعور
ملؤوا الشارع الكبير لأمر / في كبير العقول غير كبير
ليس هذا الضجيج في الطُرق إلاّ / قهقهات التقدير للتدبير
ليس هذا السواد إلاّ سواداً / في رجاء اللبيب ذي التفكير
وسواءٌ أزمرة من رَعاع / لك تبدو أم عانة من حمير
كيف جاء الأمير قبل ائتمار ال / قوم فيما يختصّ بالتأمير
تخذوا منه آلة لأمور / لم تكن من أمورنا بأمور
ثم سمَّوه بالأمير وهذا / من ضروب الخِداع في التعبير
أ أميراً والآمرون سواه / لم يكن عندهم سوى مأمور
أمّا وقد طلع الرجا
أمّا وقد طلع الرجا / ءُ يشع أنوار السرور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
فاذهب لشأنك أيها / اليأس المخيِّم في الصدور
ماذا يريد المرجفو / ن بكلّ بهتان وزور
من بعد ما بدت المنى / للقوم باسمة الثغور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
ماذا يخاف القوم من / ميل الزعانف للنفور
بعد اقتران النَيِّريْن / الساطعين بكل نور
من وجه مولانا النقيب / ووجه مولانا الأمير
مدّ النقيب إلى الأمي / ر يد المعاون والنصير
فليخز كل مشاغب / في القوم ينزغ بالشرور
وليحى مولانا النقيب / حياة مولانا الأمير
هو النصر معقود برايتنا الحمرا
هو النصر معقود برايتنا الحمرا / على أنه في الحرب آيتنا الكبرى
حليفان من نصر مبين وراية / به وبها نعلو على غيرنا قدرا
لئن أدبر الطليان عند كفاحنا / فإن لهم في بطش شُجعاننا عذرا
فإنا لقوم إن نهضنا لحادث / من الدهر أفزعنا بنهضتنا الدهرا
ندُك هضاب الأرض حتى نثيرها / غُباراً على أعدائنا يكثح الذعرا
ونأكل مُرّ الموت حتى كأننا / نَلوك به ما بين أضراسنا تمرا
فسل جيش كانيفا بنا كيف قَوَّمت / شِفار مواضينا خدودهم الصُعرا
وكيف هزمناهم فَولَّوْا كأننا / وإياهم أسد الشَرى تَطرد الحُمرا
وكم قد نثرنا بالسيوف جماجماً / نظمنا بها فوق الثرى للعدى شعرا
وما جزعي للحرب يَحمَى وطيسها / ولكن لأرواح بها أزهقت صبرا
لك الله يا قتلى طرابلس التي / بها حكَّم الطليان أسيافهم غدرا
أداموا بها قتل النفوس نكايةً / إلى أن اصاروا كل بيت بها قبرا
ولما أحاط المسلمون بجيشهم / فعاد الفضاء الرحب في عينه شِبرا
تقهقر يبغي في الديار تحصُّناً / فقرَّبها من خشية الموت واستذرى
وأصبح ينكي أهلها من تغيُّظ / فيقتلهم صبراً ويُرهقهم عسرا
فأوسعهم بالسيف ضرباً رقابَهم / وآنافَهم جَدعاً وأجوافهم بَقرا
وما ضرّ كانيفا اللعين لو أنه / تقحمّ في الهيجاء عسكرنا المجرا
أيُحجم عنا هارباً بعُلوجه / ويبغي بقتل الأبرياء له فخرا
وهل حسِبوا قتل النساء شجاعة / وقد تركوا عند الرجال لهم ثأرا
لقد شجُعوا والموت ليس له يد / ولم يَشجُعوا والموت يطعنهم شزرا
يعِزّ على أسيافنا اليوم أنها / تقارع قوماً قرعهم بالعصا أحرى
ولم تك لولا الحرب تعلو سيوفنا / رءوسا نرى ملء القحوف بها عهرا
ومن مبكيات الدهر أو مضحكَاته / لدى الناس حرٌّ لم يكن خصمه حرا
لئن أيها القتلى أريقت دماؤكم / فما ذهبت عند العدى بعدكم هدرا
سنثأر حتى تسأم الحرب ثأرنا / ونقتل عن كل امرئ أنفساً عشرا
وإني لتغشاني إذا ما ذكرتكم / لواعج حزن ترتمي في الحشا جمرا
على أن قرص الشمس عند غروبها / يذكرني تلك الدماء إذا احمرّا
فأبكي تجاه الغرب والبدر لائح / من الشرق حتى أُبكي الشمس والبدرا
ويا أهل هاتيك الديار تحيّةً / توفّيكم الشكر الذي يرأس الشكرا
فقد قمتم للحرب دون بلادكم / تذودون عن أحواضها البغي والنُكرا
وثرتم أسوداً في الوغى يعرُبيّةً / غدا كل سيف في براثنها ظُفرا
تراها لدى الحرب العوان مُشيحةً / تُهَمهم حتى تُنطق الفتكة البكرا
ولو أن كَفّي تستطيع تناوُشاً / فتبلغُ في أبعادها الأنجم الزُهرا
لرتّبت منها في السماء قصيدة / لكم واتخذت البدر في رأسها طُغرى
وخلّدتها آياً لكم سَرمديّةً / مدائحها تستوعب الكون والدهرا
يقولون إن العصر عصر تمّدن / فما باله أمسى عن الحق مُزورا
إلى الله أشكو في الورى جاهليّة / يَعدّون فيها من تمدّنهم عصرا
أتتنا بثوب العلم تمشي تبختُراً / إلى الخير لكن قد تأبّطت الشرا
فلا تلتَمِظ في مدحها متمطِّقاً / فإن أظهرت حلواً فقد أبطنت مرا
لقد ملك الإفرنج أرض مراكش / وقد ملكوا من قبلها تونس الخضرا
ففاجأنا الطليان من بَعد مُلكهم / لكي يسلبونا في طرابلس الأمرا
وقالوا ألم تأت الفرنجة تونسا / وهذي جيوش الإنكَليز أتت مصرا
فخلُّوا لنا ما بين هذي وهذه / وإلاّ قسرناكم على تركها قسرا
فقلنا لهم إنا أحقّ بمُلكها / فقالوا ولكن زند قُوّتنا أورى
أهذا هو العصر الذي يدّعونه / فسحقاً له سحقاً ودفراً له دفرا
رأيت إبليس عدوّ البشر
رأيت إبليس عدوّ البشر / يخطُب في جمع له قد حضر
قد لبِس الوشي على قبحه / وخضّب الشيب وقصّ الشعر
وهو يهنّي حزبه قائلاً / يا من عصى الله ومن قد كفر
اليوم قد طابت لنا لعنةٌ / جاءت من الله بحكم القدر
واليوم قد هان الخلود الذي / قدّره الله لنا في سقر
إذ أمة الطليان قد أصبحت / أكبر من خان ومن قد غدر
زلَت إلى العار بهازلّةٌ / شنعاء لا تمحَى ولا تغتفر
فهي التي هان بكفرانها / كفران من زاغ وأبدى البطر
لو ألقي الصخر بمخزاتها / لانفتّ من فرط الحيا وانفطر
ولو أصاب البحر من عارها / لغار منه ماؤه وانحسر
نحن الشياطين على أننا / جئنا من اللؤم بإحدى الكبر
صرنا إلى جنب بني رومة / ننفر من نافرنا وافتخر
فلا نبالي اليوم من لامنا / في رفضنا آدم أو من عذر
إذ في بني رومة عذر لنا / يستسلم السمع له والبصر
فهم على الله لنا حجّةٌ / في أننا أفضل من ذا البشر
وإن يوماً نقضوا عهدهم / فيه ليوم خزيه مبتكر
فلتتّخذه خير عيد لنا / نذكر فيه فوزنا والظفر
ولنجعلنْه يوم أفراحنا / نجني به الأنس ونقضي الوطر
ثم انثنى الشيخ أبو مرّة / يرقص فيما بين تلك الزمر
حتى إذا أكمل أشواطه / رنا إليهم وأحدّ النظر
ثم دعا من بينهم واحداً / مشوّه الوجه كثير القذر
وقال يا خُنزُب بادر إلى / رومة وأدخلها قبيل السَحَر
واذهب إلى عمانويل الذي / دبّ البلى في مجده فاندثر
وقل له إن أبا مرّة / أخاك يدعوك إلى المستقر
فإن يقل أين فقل إنه / في دركة سافلة من سقر
مقعد خزيٍ كتبوا حوله / بأحرف النيران أين المفر
ناح الحمام وغرّد الشحرور
ناح الحمام وغرّد الشحرور / هذا به شجن وذا مسرور
في روضة يشجي المشوق ترقرق / للماء في جنباتها وخرير
ماء قد انعكس الضياء بوجهه / وصفا فلاح كأنه بلّور
قد كاد يمكن عند ظنّي أنه / بالماس يوشر منه لي موشور
وتسلسلت في الروض منه جداول / بين الزهور كأنهنّ سطور
حيث الغصون مع النسيم موائل / فكأنهنّ معاطف وخصور
ماذا أقول بروضة عن وصفها / يعيا البيان ويعجز التعبير
عني الربيع بوشيها فتنوّعت / للعين أنوار بها وزهور
مثلت بها الأغصان وهي منابر / وتلت بها الخطباء وهي طيور
متعطّر فيها النسيم كأنّما / جيب النسيم على الشذا مزرور
للنرجس المطلول ترنو أعين / فيها وتبسم للأقاح ثغور
تخذت خزاماها البنفسج خدنها / وغدا يشير لوردها المنثور
وكأن محمرّ الشقيق وحوله / في الروض زهر الياسمين يمور
شمع توقّد في زجاج أحمر / فغدا حواليه الفراش يدور
وتروق من بعدٍ بها فوّارة
وتروق من بعدٍ بها فوّارة / في الجو يدفق ماؤها ويفور
يحكي عمود الماء فيها آخذاً / صعداً عمود الصبح حين ينير
ناديت لما أن رأيت صفاءه / والنور فيه مفلفل مكسور
هل ذاك الماس يجمد صاعداً / أم قد تجسّم في الهواء النور
تناثرت القطرات في أطرافها / فكأنما هي لؤلؤ منثور
ينحلّ فيها النور حتى قد ترى / قوس السحاب لها بها تصوير
كم قد لبست بها الضحا من روضة
كم قد لبست بها الضحا من روضة / فيها علتني نضرة وسرور
فأجلت في الأزهار لحظ تعجّبي / ولفكرتي بصفاتهنّ مرور
فنظرتهنّ تحيّراً ونظرنني / حتى كلانا ناظر منظور
فكأنّ طرف الزهر ثمّة ساحر / لمّا رنا وكأنني مسحور
أن الزهور تكنّهنّ براعم / مثل العلوم تجنهن صدور
وتضّوع النفحات منها مثله / تبينها للناس والتقرير
وبتلك قلب الجهل مصدوع كما / ثوب الهموم بهذه مطرور
والزهر ينبته السحاب بمائه / كالعلم ينبت غرسه التفكير
أن كان هذا في الحدائق بهجةً / يزهو فذلك في النهي تنوير
أو كان هذا لا يدوم فإن ذا / ليدوم ما دامت تكرّ عصور
من كان يأرق بالهمو
من كان يأرق بالهمو / م فقد أرقت من السرور
وطربت من صوت يجى / ءُ إلىَّ من غرف القصور
صوت كأن الغانيا / ت أعرنه هيف الخصور
ونضحن من ماء الحيا / ة عليه في شنب الثغور
سرّى الهموم ن الفؤا / د بجوف حالكة الستور
والعود ينطق باللحو / ن بلهجتي بمّ وزير
يرمي به الصوت الرخي / م على الدجى لمعات نور
ملأ الظلام توقّداً / كالكهرباءة في الأثير
يحكي الزلال لدى العطا / ش أو الثراء لدى الفقير
أصغيت منقطعاً إلي / ه عن المواطن والعشير
فحسبت نفسي في الجنا / ن بغير ولدان وحور
وطفقت أدّكر العرا / ق فعاد صفوي ذا كدور
فرجَعت عن ذاك السما / ع وغِبت عن ذاك الشعور
وذكرت من تبكي هنا / ك عليّ بالدمع الغزير
تستوقف العجلان ثَمّ / ةَ بالرنين عن المسير
وتقول من مضض الفرا / ق مقال ذي قلب كسير
أبنيّ سر سير الأما / ن من الطوارق في خفير
يا أمّ لا تخشى فإنّ / اللّه يا أمي مجيري
ودعي البكاء فإنّ قل / بي من بكائك في سعير
أعلمت أني في دمش / ق أجرّ أذيال السرور
بين الغطارفة الذي / ن تخافهم غير الدهور
من كل وضّاح الجبي / ن أغرّ كالبدر المنير
حرّ الشمائل والفعا / ئل والظواهر والضمير
حيّ هل يا أخا مصر
حيّ هل يا أخا مصر / ندّكر خير مدّكر
ندّكر شاعر البشر / خير من قال وافتكر
حيّ هل أيها الملا / نحي ذكرى أبي العلا
شاعر شعره اجتلى / صوراً كلها غرر
شاعر يملأ الفضا / نفسه صعبة الرضى
دونه كلّ من مضى / دونه كل من غبر
هو بالفكر مذ سما / كان من نوره العمى
شاعر الأرض والسما / شارف الشمس والقمر
حلّ في ذروة الأدب / آتياً منه بالعجب
لا تقل شاعر العرب / أنه شاعر البشر
جعل الصدق ديدنا / تاركاً هذه الدنى
أن تناءى أو ادّنى / فهو للحق ينتصر
عبقريّ بشعره / عالميّ بفكره
يعربيّ بنجره / تشرف العرب أن ذكر
جعل الشعر وحيه / موقظاً فيه وعيه
ما ورى فيه وريه / قبله كلّ من شعر
خطّ سفراً به ابتغى / غنية الروح بالرغى
جامعاً أفصح اللغى / حاوياً أكبر العبر
حكّم العقل واجتهد / وتعالى عن الفند
هو في القول ما اعتمد / غير ما ذاق واختبر
شعره شفّ عن دها / ما له فيه منتهى
بنظام هو النهى / وحروف هي الدرر
شعره شعر متقن / فيه شك لموقن
فيه كفر لمؤمن / فيه إيمان من كفر
نفسه وهي ثائره / تركت غير خاسره
كل دنياً وآخره / ونفت كل ما استقر
جعل الحق ذوقه / باذلاً فيه طوقه
شاعر ليس فوقه / شاعر من بني البشر
شاعر الأرض والسما / هو بالفكر مذ سما
أبصر الحق بالعمى / لم يضره عمى البصر
هو بالشعر أن شدا / يتجلّى لك الهدى
مدركاً أبعد المدى / بالمعاني التي ابتكر
جانب الناس واعتزل / قائلاً أنهم همل
شرّهم غير محتمل / خيرهم غير منتظر
دينهم من ريائهم / وهو في أغبيائهم
ليس في أذكيائهم / غير من مان أو مكر
ما بهم غير حاسد / دائب في المكايد
مبتغى كل واحد / منهم الجور أن قدر
كوكب قد توقّدا / في سماء من الهدى
عند ما غمّه الردى / أظلم الجوّ واعتكر
ليس للموت عنده / من تقاريع بعده
أن عرا الحيّ ردّه / فاقد الحسّ كالحجر
فيه يأمن الفتى / كل ما راع أو عتا
لا مصيف ولا شتا / لا نعيم ولا سقر
تجن أسرى ذواتنا / خشية من مماتنا
كم وكم في حساتنا / مبتدأ ماله خبر
كيف قد حاولوا اغتيالك غدرا
كيف قد حاولوا اغتيالك غدرا / خاب من دسّهم إليك وأغرى
يوم جاءوك في المطاف ببيت الل / ه تسعى وتذكر اللّه جهرا
حرم اللّه وهو ساحة أمن / ضجّ منهم إذ أحدثوا فيه ذعرا
أن هذا في الجاهليّة والإس / لام فعل يعدّ نكراً وكفرا
أيّ أشدّ من كفر قوم / جعلوا الحجّ للجنايات سترا
يا إمام الهدى وربّ المعالي
يا إمام الهدى وربّ المعالي / ومليكاً تطيعه العرب طرّا
لست ممن بالقتل يردى ويفنى / لك خلد الحياة دنياً وأخرى
لو أطاقوا أن يقتلوا منك جسماً / ما أطاقوا أن يقتلوا منك ذكرا
فإذا عشت عشت ملكاً مطاعاً / مالكاً في البلاد نهياً وأمرا
وإذا متّ لا رأيناك ميتاً / عاش بعد الممات ذكرك دهرا
أنت الجيش مذ زحفت إليهم / علناً جئتهم وجاءوك خترا
مثلهم تفعل اللئام ويأبى / مثلك الغدر كل من كان حرّا
عجزوا عن لقاك بالجيش حرباً / فاستجاشوا العدوان كيداً ومكرا
أنهم أقصر الورى عنك باعاً / وأقلّ الأنام عقلاً وفكرا
أين هم منك قدروة وفعالاً / حين جاءوا وأين هم منك قدرا
إنهم حين هاجموك لقتل / كذباب غدا يهاجم نسرا
ليس هذا الزيديّ إلا ابن آوى / جاء يغتال منك ليثاً هزبرا
ليس بِدعا تجاة ليث هصور / من كليب عدا عليه وهّرا
لافتضاح العدوّ لا لنجاة / سجد الناس عنك للّه شكرا
دمت عبد العزيز للعرب ذخراً / ولأهل الإسلام عزاً وفخرا
حارساً أربع العروبة بالسي / ف معيداً لها الزمان الأغرّا
وإماماً تبلّج الحق فيه / بعد أن كان كالحاً مكفهرّا
فبك اليوم بعد طول اضطراب / أصبح الأمر ثابتاً مستقرّا
كلما زدت أنت نصراً لدين الل / ه بالحق زادك اللّه نصرا
كم رأيناك جاهداً تتسامى / بفعال غدت له الناس أسرى
فبيوم الوغى تأجّجت ناراً / وبيوم الندى تدفقت بحرا
فتقبّل مني تهانئ حرّ / لا يداجي الورى إذا قال شعرا
نكّب الشارع الكبير ببغدا
نكّب الشارع الكبير ببغدا / د ولا تمش فيه إلا اضطرارا
شارع إن ركبت متنيه يوماً / تلق فيه السهول والأوعارا
تترامى سنابك الخيل فيه / أن تقحّمن وعثه والخبارا
فهي تحثو التراب فيه على الأو / جه حثواً وتقذف الأحجارا
لو ركبت البراق فيه أو البر / ق نهاراً لما أمنت العثارا
تحسب العسابرين فيه سكارى / من هواء تنسّسموه غبارا
ساطعاً يملأ الفضا مستطيراً / حاملاً في ذرّاته الأقذرارا
مستجيشاً من الجراثيم جيشاً / مسبطرّاً عرمرهاً جرّارا
هو أن رشّ جاش وحلاً وإلاّ / جاش نقعاً على الوجوه مثارا
تصهر الشمس فيه أدمغة القو / م إذا هم تخبّطوه نهارا
وإذا ما مشيت في جانبيه / فتجنّب رصيفه المنهارا
وإذا ما أرسلت فيه إلى الأط / راف لحظاً أنكرته انكارا
لا ترى فيه ما يسرّك بالصن / عة حسناً ويبهج الأبصارا
بل ترى العين فيه كل جدار / تكره العين أن تراه جدارا
فجدار عال وفي الجنب منه / متدانٍ تقيسه أشبارا
ودكاكين كالأفاحيص تمتدّ / يميناً بطوله ويسارا
أين هذا من الشوارع في الأم / صار زانت بحسنها الأمصارا
عبّدوها ومهّدوها فجاءت / لا اعوجاجاً بها ولا ازويرارا
وأعدّوا بهنّ كل رصيف / يحمد السير فوقه من سارا
وأقاموا لهم لها كلّ صرح / مشمخرّ بناؤه اشمخرارا
فعلى الجانبين كل بناء / خيل في الحسن كوكباً قد أنارا
ثم لم يكتفوا بذلك حتى / غرسوا في ضفافها الأشجارا
فوقتهم طلالها وهج الشم / س وسرّ اخضرارها الأنظارا
هكذا فلتكن شوارعنا اليو / م وإلاّ فما عمرنا الديارا
خليليّ قوما بي لنشهد للربا
خليليّ قوما بي لنشهد للربا / بجانبَي البسفور مشهد اسرار
أجيلاً معي الأفكار فيها فإنها / مجال عقول للأنام وأفكار
خليليّ أن العيش في ماء شرشر / إذا الشمس تستعلي وفي ماء خنكار
سفوح جبال بعضها فوق بعضها / مكلّلة حافاتهنّ باشجار
يروق بجنبيها خرير مياهها / ويشجى بقطريَها ترنّم أطيار
ويجري النسيم الرطب فيها كأنه / تبختر بيضاء الترائب معطار
معاهد زرها قي الهواجر تلقها / موشحة فيها برقة أسحار
نزلنا بها والشمس من فوق أرسلت / على منحنى الوادي ذوائب أنوار
وقد ظلّ من بين الغصون شعاعها / يوقّع دينارً لنا جنب دينار
كأنّ التفاف الدوح بينها / جيوب من الأنوار زرًت بأزرار
تميل إذا هبّ النسيم غصونها / فتأتي بظلّ في الجوانب موّار
ترانا إذا ما الطير في الودح غرّدت / نميل بأسماع إليها وأبصار
رياض تنسّمنا بها الريح ضحوةً / فنمّت لنا من طيبهنّ بأسرار
يلوح بها ثغر الطبيعة باسماً / فيفترّ منها عن منابت أزهار
مشاهد في تلك الربا ومناظر / تجلت على أطرافها قدرة البارى
يا شهر أيار ما أن أنت أيار
يا شهر أيار ما أن أنت أيار / وإنما أنت في وقتَيك عيّار
قالوا بك الورد والأيام شاهدة / بأنّ غيرك فيه الورد معطار
تهبّ ريحك هيفاً وهي عارمة / كأنها لصدور القوم ايغار
فتارة في ركود وهي واغِرةٌ / وتارة في عصوف وهي أعصار
وتارة نتغاضى تحت غبرتها / كأنما هي في الأبصار عوّار
في الجوّ منك طخارير مبدّدة / كأنما هي أسمال وأطمار
وفي غيومك عقم أِو بها صلف / ومالها عند مَريِ الريح ادرار
ومن غموس الثريّا فيك منحسة / دامت بها فيك عاهات وأوضار
في كل عام توافينا بجائحة / تحلّ منها بأهل الريف أضرار
في الرافدين على أيار مَوجدة / تذكو بعَبريهما من حرّها النار
فكم جرى السيل في أيار مندفقاً / به السدود على الشطَين تنهار
وأصبحت منه في الأرياف مغرقةً / به زروع وأملاك وأدوار
وأصبح الناس في بأساء تزعجهم / مستنقعات وأوساخ وأقذار
والأرض للحشرات الهائجات بها / على المساكن أقبال وأدبار
وللبعوض انتشار لا انتهاء له / كأنه في وجوه القوم تيّار
وللذباب طنين عند سامعه / يحكيه في فنزج العربان مزمار
فتنت الملائك قبل البشر
فتنت الملائك قبل البشر / وهامت بك الشمس قبل القمر
وسرّ بك السمع قبل البصر / وغنىّ بك الشعر قبل الوتر
فأنت بحسنك بنت العبر /
ترفّ لمرآك روح الغرام / ويهوى طلوعك بدر التمام
ليطلع مثلك بالأحتشام / ويرقب خطرة هذا القوام
لكيما يهبّ نسيم السحر /
تميل بقدّك خمر الدلال / فيضحك في ميله الأعتدال
وفيه ارتقى الحسن عرش الجلال / ومنه العقول غدت في عقال
وكم قد نهاها وكم قد أمر /
إذا الوجه منك بدا للعيان / له سجد العشق يرجو الأمان
ويخجل من نوره النيّران / ويعنو له جبروت الزمان
ويخضع حتى القضا والقدر /
بك الحسن أُلبس ثوب الكمال / فأنت الحقيقة وهو الخيال
وأنت مليكة ملك الجمال / ولو صوّروك بلوح المثال
لكنت مليكة كل الصور /
يروح الشتاء وتصحو السما / ويأتي الربيع بما نمنما
فيطلع فوق الثرى أنجما / ويبتسم الزهر بعد النما
فأنت ابتسامة ذاك الزّهر /
فطرفك بالفَتركم قد روى / نشيد غرام يهدّ القوى
وما أنت شاعرة في الهوى / ولكنما الشعر فيك انطوى
فآية حسنك أحدى الكبر /
لسانك يسحر في ظرفه / وجفنك يفتن في ضعفه
وقدّك يخطر في لطفه / فيطنب ردفك في وصفه
ويوجزه خصرك المختصر /
سقتك الكعابة صفو الشباب / وغطّى محيّاك منها نقاب
فأنت إذا قمت للأنسياب / تبخترت في خفر والكعاب
تضيء كعابتها بالخفر /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025