المجموع : 120
ولما تلقّى الغيثُ حسن غنائنا
ولما تلقّى الغيثُ حسن غنائنا / تلقتْ نجوم السعدِ أنجمنا كرّا
فيا صاحبي حُثَّ المدامة واسقني / فإني أرى في الدهر بعد الدجى فجرا
ولمَّا رأيت الله حضَّ على الشكر
ولمَّا رأيت الله حضَّ على الشكر / وجازى عليه الجزيل من الأجرِ
وقال اشكروا لي يا عبادي أزِدكمُ / شكرت أمير المؤمنين على بِرّي
إمامَ الهدى كم نعمة لك جَمَّة / لديّ وتقريبٍ رفعتَ بها قدري
وما زلتَ توليني الجميلَ تكرّماً / وتحفظتني من حيث أدري ولا أدري
وتُحسِن إيناسي وترفعُ مجلسي / وتَكْبِت حَسّادي وتُجمل في أمري
بلغتُ بك الآمال والسؤل والمُنَى / ونِلتُ الذي قد كنت أرجو من النصر
ولولاك لم أَلقَ الخطوب خواضعاً / إليّ ولم آخذ أماني من الدهر
ولم تَنْمُ أحوالي ولم تَسْمُ هِمَّتي / ولم تَعْلُ آمالي ولم يتّسع صدري
سأنشر ما أوليتني من تفضُّل / ثناء كما تُثنِي الرياضُ على القَطْر
وإن لم أصل شكري لفضلك دائماً / فلا زلتُ موصول المسامع بالوَقْر
يميناً غدا فيها اعتقادي كظاهري / ولم يختلف فيها مقالي ولا سِرّي
لقد قادني سمعي إليك وناظري / ولم يتخلّف عنك قلبي ولا فكري
ودِدْتُ ودادي منك في عين همّتي / وفي القلب والأحشاء والجِلْد والشَعْر
فهل أنت إلا الغيث جاد بسَيْبه / فَعَمّ به الآفاق في البرّ والبحر
فَضَلتَ الورى حزماً وعزماً وهمّةً / كما فضلت شمسُ النهار على البدر
وقمتَ بثأر الملك من كل غاصب / وأيَّدت أركان الوفاء على الغدر
فأنت المنار المستضاء بضوئه / وأنت الإمام المصطفى من أولى الأمر
أقرّت لك الأيام بالبأس والندى / وزالت لك الأملاك طرّاً عن الفخر
وسلّمت الدنيا إليك أمورها / فلم يَنْبُ فيها حَدُّ عزمك عن أمر
وجَرّب منك الدهرُ يقظان حازماً / إذا شجَّه باليأس داواه بالصبر
ألذَّ من الشهد المصفَّى مذاقُه / وأمضى من الصُمّ المثقَّفة السُمْر
عزيزاً أعزَّ الدينَ والمُلْكَ سيفُه / وأطلق أبناء الرجاء من الأسر
شكرتك في الشهر الذي كلّ صائم / بحبّك فيه يستزيد من الأجر
وصدّقتُ فيك السرَّ بالجهر إنه / أشفّ الهوى سِرّ يصدَّق بالجهر
فلا زلت تلقى الصوم دأباً بمثل ما / حواه من الإخلاص والبِرّ والطُهْر
ولا زال مَن والاك في كلّ نعمة / ولا زال من عاداك ما عاش في خُسْر
عليك سلام الله ما مَتَع الضحى / وما أسفرت عن ضوئها غُرَّة الفجر
مِعْصَمها من سوارها اعتَقرا
مِعْصَمها من سوارها اعتَقرا / وخدُّها من لِحاظها انفطرا
رِقَّة خَصْر ولين مُحتضَن / كرِقَة الماء إذا صفا فجرى
تكاد عند الكلام إن نطقت / تنحَلّ من كل مَفْصِل خَفرا
من لي بتقبيل مَن هوِيت وقد / أذَبتُها قبل لمسها نظرا
كأنما المسك ذاب من فمها / والصبح من صحن خدّها سفرا
وأسودَّ للحسن فَرْقُ لِمَّتها / واحمرَّ مُبيضُّها ليستعرا
فصار لليل فرعُها غَسَقا / وصار للنار لونها شَررَا
لو حملتها العيون ما ألِمتْ / ولو حواها الفؤاد ما شعرا
كأنها خَطْرة النسيم إذا / وافى من الروض لِينُه سَحَرا
أو مُنْية نالها مؤمِّلها / من قبل أن يستتمّها فِكرا
تفترُّ عنْ كالجمان منتظِم / يُصافح اللثم بارداً خَصِرا
لو صوّرت خَلْقَها إرادتُها / ما قدَّرته كمثل ما قُدِرا
كالمسك نَشْراً والبرق مبتسَما / والغصن قدّاً والحِقْف مؤتَزرا
سارَقها الصبحُ ضوءَ غُرَّتها / إلى اللَّمَى والشقيقَ والحَوَرا
والتقطت لفظَها مواشِطُها / فنظّمته لِعقدها دُرَرا
ومازج الليل شمس مبسمها / وابتزَّ منها لأُفْقه قمرا
ما سِرُّكم يستسرُّ بِي وَلَهٌ / منكم إذا قلتُ قد خَفَى ظهرا
يستوقِف الصبرَ عن لجاجته / ويستحثُّ الدموع والسهرا
لا نائلاً منكُم ولا بخلا / ولا وروداً بكم ولا صَدَرا
ليتِك لمَّا قدَرتِ سالكةٌ / طُرْق نِزار في الفضل إذ قدرا
بدا بمعروفه ونائلِه / واحتقر السيّئات واغتفرا
سما فطال النجومَ مبتدِئاً / وجاد عفواً فأخجل المطرا
أرقَّ أملاكِ هاشمٍ أدبا / وخيرهم منظَراً ومختبرَا
يبذل قبل السؤال نائِلَهُ / ثم يلاقي العُفَاة معتذرا
تكرُّماً كان قبل مولِده / يَدْرسُه في حياته سُوَرا
أبلج يستعصِم الأنامُ به / ويسمع الدهرُ منه ما أمرا
يُعِدّ للخطب صَوْلة فَرَطا / وعزمة هاشميَّة ذكرَا
حزماَ يَرَى الأمير قبل موقِعه / به وعزماً يسابق القَدَرا
وللمعالي عليه أُبَّهةٌ / تملأ قلبَ الشجاع والبصرا
بَذَّ قريشاً وطال هاشمَها / وفات في كلّ صالح مُضَرا
كأنك الشمس مَن ينافسها / لكي يرى مثلها فقد حَسِرا
يا مَلِيكاً أُمُّ مالِه أبداً / تَفْقِده قبل يبلغُ الكبرا
جوداً يصوب الأنامَ عارضُه / منك وينهّل مُزْنه دِرَرا
يختصر الناسُ بذلَ نائلهم / ولست تأتيه أنت مختَصِرا
يأنس قلبُ العلا إليك إذا / فَرَّ من المدّعين أو نفرا
هَنَاك عِيدٌ زجرتُ أحرفه / فألاً وقِدْماً أصاب من زجرا
فكان معناه أن يعود به / عليك سعدٌ يقرِّب الظفرا
فقُلْ لوفد السعود قَدْك نوىً / وقُلْ لكيد الحسود سوف ترى
لم يخلق الله فيك ساقطة / تُسخن عين العلا ولا كَدرا
يا بن معزّ الهدى وحسبُك أن / تغُدو به سامياً ومفتخرا
يا صفوة الله من بَرِيَّتِهِ / وسِرَّ عليائه الذي ظهرا
إنك من معشر همُ جمعوا / شمل المعالي ودوّخوا البشرا
لم يألف الدينُ غيرهم نفَراً / له ولم يرض غيرهم زُمَرا
فهاكها سِمطَ دُرّ مَعْلُوةٍ / منتظِماً لفظُه ومنتثرِا
وأجعله حَلْيا لجِيد مجدك في الدْ / دهر وسيفاً له ومنتصرا
مِن لوذعيِّ الطباع منتصح / ما خان نُعماك لا ولا غدرا
كم لك عندي من نعمةٍ ويد / مشكورة والوفيّ مَنْ شكرا
زمانٌ كريعان الشبيبة ناضرُ
زمانٌ كريعان الشبيبة ناضرُ / وعيَش كما آب الحبيب المسافر
تقضّي بما فيه وأُعقِب بعده / زمان بأنواع المكاره ماطِر
ومن لؤمه أن فاز فيه أصاغرٌ / بنَيل معاليه ومات الأكابرُ
كأن نصيب الحُرّ منه مغَّيبٌ / وحظَّ الوضيع الساقِط النذل حاضر
شبَّهتُها بالبدر فاستضحكتْ
شبَّهتُها بالبدر فاستضحكتْ / وقابلت قوليّ بالنُكْرِ
وسفَّهتْ قولي وقالت متى / سَمُجْتُ حتى صرتُ كالبدر
البدر لا يرنو بعين كما / أَرنو ولا يبسِم عن ثغر
ولا يُميط المِرط عن ناهد / ولا يشُدّ العِقْد في نحر
من قاس بالبدر صِفاتي فلا / زال أسيراً في يَدَيْ هجري
دعا باسمك الداعي بمكَّة معلناً
دعا باسمك الداعي بمكَّة معلناً / فطاب لأهل الموسم الحجُّ والنَفْرُ
وحنَّت إليك المَرْوتان وزمزم / وثوْبَ تصريحاً بك الركنُ والحِجْرُ
مسارح آياتِ القُرَآن وَأَرْبُعٌ / بها ظَهرَ الإيمان واندمَغَ الكفر
وأرضٌ غد للوحي بين عِراصها / مجالٌ وللإسلام في أهلها نصر
وأنت بها يا بن النبي محمد / أحَقّ إذا ما بانت الحُجَجُ الزُهْر
لك الشرف الأعلى القديم الذي بَنَت / قريشٌ وأولىَ هاشم ولك الفخر
فأنت العزيز المستضاء به الذي / أنارت له الدنيا وتاه به الدهرُ
فحسْبُ العلا والمجد أنك رَبّها / وأنك في ظلماء كلِّ دُجىً فجر
وأنك مَنْهَلُ الندى بيِّن الهدى / كريم الثنا ما فيك بخل ولا كِبْر
وأنك للإسلام حْرز وللهدى / عماد وللعافين يومَ الندى بحر
فِداؤك منّي مُقلة أنت نورها / ونفس بك أستعلت وطاب له العمر
وصلّى عليك الله يا خير خلقِه / وأبقاك ما لاح الضحى وهَمَى القَطر
حبّذا طِيبُ يومنا الممطورِ
حبّذا طِيبُ يومنا الممطورِ / بِفناء المختار ماءَ السرورِ
حين نجني اللذات سِراً وجهراً / بشقيق الندى أبي المنصور
أشرق الأُفْقُ بالجزيرة لمّا / زارها فهي بين عِزّ ونور
ملِك آمر ولكنَّه من / فضله في خلائق المأمور
ما ترى الروض كيف أبدى نسيماً / زاد في طيبه على الكافور
وطيورَ الأشجار كيف تغنَّت / بين تغريدها وبين الصَّفير
يترنّمن عن نفوسٍ ثَكَالَى / ويجاوِبن صوتَ مَثْنىً وزِير
من قِيانٍ كأنّهن غصون / ناعماتٌ يمِسْن تحت بدور
كل مخطوفة الحَشَا تُضرم الشو / ق بلفظٍ عذبٍ وطَرْف سَحُورِ
فدعِ الفكر والبس اللهو وانعَمْ / طرباً تحت بَنْدِه المشهور
وأدِرْها مدامةً خَنْدريساً / مُعمِلاً للكبير بعد الصغير
لا أرتْك الأيامُ بؤساً ولا زِل / ت عزيز الجناب صافي الضمير
أقرّ لوجهكِ القمر المنيرُ
أقرّ لوجهكِ القمر المنيرُ / وذلَّ لقدّك الغصن النضيرُ
وما يحكيك في عينيك حسناً / ولا في جيدك الظبي الغرِير
تبارك مَن براكِ بلا شبيهٍ / فتاةً جسمها ماء ونور
قد اجتمع البستان والروض والخمرُ
قد اجتمع البستان والروض والخمرُ / وحُرِّكِت الأوتارُ وارتفع الزَّمْرُ
فما لك لا تغدو إلى الراح غَدْوة / يبيحك فيها كلَّ ما تشتهي السكر
هل العيش إلا قينةً ومدامة / وساقٍ مليح ليس يُعصَى له أمر
فبادِر بقايا العمر ما دمت قادِراً / وما جرّ أرسانَ الحياة لك العمر
بفتيان صِدق من نداماك سادةٍ / إذا ما انتشَوا لم يجر بينهمُ هُجْر
كرامٍ ظِرافٍ لا يُمَلّ حديثهمْ / ولا يعتريهمْ في مجالسهم كِبر
وكأسٍ تُعيد العسر يسرا وتجتني
وكأسٍ تُعيد العسر يسرا وتجتني / ثمارَ الغِنى للشَرْب من شجر الفقرِ
كأنّ بياض الكأس فوق احمرارها / سماءٌ من الكافور ذُرَّت على جمر
إذا احتثَّها الساقي الأغنّ حسبتها / نجوم الثريّا لُحْنَ في راحة البدر
يولِّد فيها المزجُ دُرّاً منضّدا / كما كُتبت فوق الثرى نُقَطُ القَطْر
صِغارا وكبرى في الكؤوس كأنها / على الراح واوات تجمّعن في سطر
صبحتُ بها صحبي وقد رُنْدِج الدُجَى / بفضَة لألاء الصباح من الفجر
وقد زهرتْ بِيض النجوم كأنّها / على الأفُق الأعلى قلائد من درّ
بذلّةِ اللين من ألفاظكِ الخفِرة
بذلّةِ اللين من ألفاظكِ الخفِرة / وما تعَقْرَب من أصداغك العَطِرَهْ
إلاّ رحمتِ قتيلاً من هواك ولم / يبق التواصل فيما بيننا نكِره
لا تخبري كيف صبري في نواك فقد / أمسيت بي وبه دون الورى خبره
حاشاكِ من هجر من أضحت محاجِرُه / مما يكفكِف فيِك الدمعَ منفطِره
ولم يجِد ناصراً يقوى عليك به / لمّا غَدَوْتِ بسحر الطرِف منتصِره
يا صُلْبة العينِ مثلي يستهان به / ظلماً ويُقتَل مهجوراً بغير تِره
أمَا ووجنتِك الحمراءِ سافِرةً / وغُنْجِ مقلتك الحوراءِ يا مكِره
لولا هوىً فيك لا يودي الزمانُ به / ولوعةٌ في سواد القلب مستعِره
ما رحتِ مختارةً ظلمِي بلا سببٍ / ولا غدوتِ على قتلِي بمقتدِره
وساقيةٍ تَرتمِي بالحَبَابِ
وساقيةٍ تَرتمِي بالحَبَابِ / وتبكي لحبّ أزاهِيرِها
جرى دمعها جرىَ دمعِ المحبّ / وناحت بصوت نواعِيرِها
فأدمُعها مَزْج أقداحِنا / وريحاننا نَشْرُ كافورِها
لدى روضةٍ حَلْيُها نوْرها / حمتها عيونُ نواطيرِها
إذا شاقنا رَقْم أعلامِها / سبتْنا عيونُ يعافِيرِها
تعيد أديم الضحى مُذْهبا / إذا لاح فوق دنانِيرها
وأحسنُ من عَبَرات الغيومِ / إذا قذفت بقواريرِها
وقوفُ الندى فوق محمرّها / ونفخ الصبَا في مزاميرها
أطعنا الصبا في مواخِيرِها / ونِلنا المنى في مقاصِيرها
وشاطِرةِ الزِيّ مخطوفةٍ / إذا برزت في زنانِيرها
أدارت علينا كؤوس المدامِ / وتأثيرُها فوق تأثِيرِها
كأن لُبَانه ألحاظِها / تحاوِل بسطَ معاذِيرِها
ولا خير في الراح إن لم تُعَنْ / بسُقْم العيون وتفتِيرها
ومودَعةٍ بطنَ مغبّرة / تحدِّث عن عهد سابورِها
حججنا إلى بيت خَمَّارِها / لنشربها في معاصِيرِها
سُلاَف تسلَّف منها الزمان / قذاها وأبقى على خِيرها
يقبِّل منها النديمُ الصباح / ويصبِغُ كُمَّيه من نورها
فلا تعذِر النفس في تركها / فلست عليه بمعذورها
وطاوٍ على حسدٍ كشحَه / قديم العداوة مشهورها
يُساء بكسبي العلا كلّما / أغرْتُ بجُودي على عِيرِها
ويأمل شأوي وهل يغتدِي / أميرُ المعالي كمأمورِها
فإن تك هاشمُ قد عدِّلت / منابتنا في عناصِرها
فما نستوي في الحِجا والندى / وطيّ الأمور ومنشورِها
دعُوا لِي العلا دون ساداتِكم / فإنيّ سُورٌ على سُورها
وإني نهضت بمكسورِها / وآنست وحشة مهجورها
وأنتم تطُون ذُنابَي العلا / وتزدحمون على زورها
ملأت عيونكُم بالغُبار / فحسبكُم مسحُ تغبِيرها
ولا تطلبوا رتبتي إنني / ملأت السماء بتكثيرها
ولا تفعلوا فعل آبائكم / فتَخْطُونَ خطوي بتطهيرها
ورِثت سياسة مَهْدِيّها / وحُزت شجاعة منصورِها
ولم أنحرف عن سجايا المعِزّ / وقائمة يوم تقريرها
ولم أُلقِ من ناظري نظرة / إلى منظَر غيرِ منظورها
ولم ترِثوا غيرَ أنسابكم / ولكن وَلِعتم بتكديرها
أيُّها المُزْجِي مِطيَّتَه
أيُّها المُزْجِي مِطيَّتَه / إذ حداه الشوق والذِكَرُ
نحو بغداد يؤرِّقه / دُلَجُ التَّرْحال والبُكَر
عُجْ على ماء الفُرَات وقِف / كوقوف الصبّ يعتِذر
عن مَشُوق نحوَه قِلقٍ / ماله عن ذكره صَدَر
فهُنَاك الدهر مقتبِلٌ / والصِبا ريَّانُ ينعصِر
يا رُبا القاطول لا بعُدتْ / عنكِ بي الأيامُ والقَدَر
كلُّ ما في النفس من أمل / لكِ أطويه وأدَّخِر
وقريباً قد يزورُكِ بي / ظفرٌ ما مثلُه ظفر
ثم يصفو في ذرَاكِ لنا / طِيبُ عيشٍ ما به كَدَر
وراحٍ تخضِب الراحاتِ وَرْساً
وراحٍ تخضِب الراحاتِ وَرْساً / وتفتِق طَيْلَسان الليل نُورا
كأن الماء يُطربها فتُبدِي / إذا مُزِجت به دُرًّا نثيرا
تغيظُ الغانيات إذا تبدّت / وتُحدِث في قُوَاهنّ الفتورا
تُشَبَّه بالخدود الحُمْر لوناً / وأشبه فوقها الحَبَبُ الثغورا
وكانت قهوة صِرْفاً فلمّا / أداروها سقوناها سرورا
عُقاراً حِلْمُها سفهاً علينا / يعود وعَدْلُها في أن تجورا
ولولا أُنس نَدْماني عليها / وإسكاري بها الرَّشَأَ الغَرِيرا
إذاً لتركتُها لِسواي كُرْهاً / لها ومَنعت كأسي أن تدورا
ولم أر مثلها أنْفَى لهمّ / إذا شُربت ولا أحلى شذورا
تعيد الصعب بالنَشوات سهلاً / وتُغني بالمُنَى الرجل الفقيرا
وتُكْبر نفس شارِبها ارتياحا / فيحسب أنه أضحى أميرا
أَديراها عليّ ولا تخافا / إلهاً في إداراتها غَفُورا
فقد حَسَر الصِبَا عن ساعديه / وناغي بَمُّنَا مَثْنىً وزِيرا
وعاد الدّهر بالإحسان لمّا / رمى فأصاب حادثُه الوزيرا
فما آسَى من الحَدَثان إلاّ / على عُمْر مُنِحناه قصيرا
السُّكْرُ في أَسْكَرَ عندي وقارْ
السُّكْرُ في أَسْكَرَ عندي وقارْ / فاخلع بِها لِلَّهْو عنك العِذارْ
ولا تطِع في نَشْوةٍ لائماً / إنّ قبول الّلوم في السُّكر عار
وهاكَها تسلُب لُبَّ الفتى / وحلمَه في لَطَفٍ واختصار
حمراء في الكأس فإن شُعْشعت / ولَّد قَرْعُ الماء فيها اصفرار
في قَدَحٍ لي له مُشْبِه / إلاَّ صفاءَ الماء وضوء النهار
كأنما الساقي إذا مجَّها / في صفوه يجمع ثلجاً ونار
فَرُحْ صريعَ الراح إن كنتَ من / أُلاَّفها واغْدُ خليع العذار
أمَا ترى النيل وريح الصبا / تنظم فيه زَرَدات صغار
لا سيَّما إن غرَّد النايُ أو / ناولك الكأسَ صموتُ السِوار
وبتَّ تجني لَعَساً أَشْنباً / مستعذَبَ الظَّلْم بَرُودَ القطار
ومقلةً مثمرة فتكة / ووجنة منبِتة جُلنّار
كأنّ لامَ الصُّدْغ في عاجِها / ليل تبدّى جُنْحه في نهار
من كان لا يُسْلِيه هذا وذا / فهو وحقّ اللهِ عينُ الحمار
جلَّت مساعيّ عن الفخرِ
جلَّت مساعيّ عن الفخرِ / فهي نجوم الأَنجم الزُهْرِ
وكيف يحصي الفخرُ تعديد ما / أَحْوِي وقد زاد على القَطْر
من فضل نوري نورُ شمس الضحى / ومن سَنَا عِرضي سنا البدر
أيُّ كريمٍ لم يشِمْ شِميتي / وأيُّ عافٍ لم يَرِد بَحري
وأيُّ مجد لم أَلِجْ بابَه / وأيُ علمٍ لم يلِجْ صدري
يفتخر الفضلُ بكَسْبي له / وتسمع الأيّام من أمري
كم أنزل المقدارُ عن قدره / من جهِلتْ فطنتُه قدري
فحسب مَن قاطعني أنه / بات عدوّاً فيّ للدهر
كم مظهِرٍ لي في الورى غدره / رماه عني الدهر بالغدر
وظالمٍ لم يألُ في ظلمه / عوقِب بي من حيث لا يدري
فمنهمُ مَن ذاق كأس الردى / مختَرَماً قبل مدى العمر
ومنهمُ من شَتَّتَتْ شملَه ال / أَيامُ بعد الجَمْع والوَفْر
ومنهمُ من حُطَّ عن عِزّه / فعاش في ذلّ وفي ذُعْر
قل لبني اللَّخناء ذي آيةٌ / واضحةُ الإسرار والجهر
وهكذا يُخْذَل في دهره / كلُّ دعِيٍّ صَدّ عن نصري
أقسِم بالبيت ومَنْ حجَّه / والركنِ والمشعَرِ والحِجْر
لو أَضْمرتْ لي الشمسُ في جوّها / سُوءاً لراحت وهْيَ لا تجري
وكلُّ مَنْ أبغضني إنّه / يموت أو يحيا على صُغْر
إن يحسُد الصبحُ إشراقي فمعذور
إن يحسُد الصبحُ إشراقي فمعذور / بي تُشِرق الشمسُ والأفلاك والنورُ
أطاعني الحسنُ وانحطَّ الجمال على / سَمْكي وأسعد بنياني المقادير
فساحتي بابن هادِي الخلق مشِرقةٌ / ومنزلي بالعُلا والمجدِ معمور
كأنني بُرْجُ سعدٍ ما يفارِقه / خَفْضٌ وطِيب وتقدِيس وتطهير
يضاحك النيلُ أركاني مغازَلةً / إذا بدت للصَبَا فيه قوارير
ولا تزال تلاقيني بنفحتها / من كلّ وجه رياضٌ أو أزاهِير
ولستُ بالقَفْر والبيداءُ محدِقة / ولا عليَّ غبارُ التُرْب منثور
مَنْ حَلَّني فَهْو صافي العيشِ مُبْتهِج / ومن رآني قريرُ العين مسرور
فضْلُ الصَبُوح على الغَبُوق مُبَيِّنٌ
فضْلُ الصَبُوح على الغَبُوق مُبَيِّنٌ / يقضي بذاك شواهد اللينُوفَرِ
يبدو إذا انبسط النهارُ بأعين / زُرق وحُمْرٍ كاختلافِ الجوهر
ويغوص تحت الماء إن هَمَّ الدّجى / بورود خوفٍ للرقيب المبصر
الصدُّ أشبه بالظلام وسيفه / والوصلُ أشبهُ بالنهار الأنورِ
فاشرب على صبحين صبحِ مدامةٍ / وضحىً وإصباحِ الخدود الأزهر
أنت أهدَى إلى المكارم والفض
أنت أهدَى إلى المكارم والفض / لِ وأندَى من الغمام المَطِيرِ
وابنُ من بان فَضْلُه يوم بدر / واصطفاه النبيّ يوم الغدِير
ولك الهِمَّة التي عَلَت النج / مَ وزادت عليه في التنوير
صانك الله للمكارم والمج / د وأبقاك للعُلاَ والحُبُور
ثلاثة أعيادٍ تلاقين جمعةٌ
ثلاثة أعيادٍ تلاقين جمعةٌ / وفِطْرٌ وعِيدٌ بالإمام نِزارِ
كذا قرَّر الله المحاسن كلَّها / عليك أبا المنصور خير قرارِ
برزتَ بروز البدر ليلة تِمَّه / وسِرْت برهبانةٍ ووَقار
وقمتَ خطيباً تورِد الحقَّ وِرْدَه / وتنصر دينَ الله غير مُدَار
كأن ملوك الأرض في الأرض ظلمةٌ / وأنت على الآفاق ضوءُ نهارِ