المجموع : 82
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ / وقُلْ عليك سلامُ اللهِ يا عُمَرُ
إن كنتَ تُنبِتُ زَهراً حولَ مَضجَعِهِ / فليسَ تَكثُرُ فيهِ الأنجُمُ الزُهُرُ
هذا الذي كانَ رُكناً يُستعانُ بهِ / على الخُطوبِ ويُرجى عِندَهُ الظَفَرُ
وكانَ بحراً ولكنْ غيرَ مُضطربٍ / وكانَ فخراً ولكنْ ليسَ يَفتَخِرُ
في شَخصِهِ الدِّينُ والدُّنيا قدِ اجتَمَعا / وذاك يَندُرُ أنْ تحظَى بهِ البَشَرُ
يَرعَى إذا اتَّفقَا هذا وتِلكَ فإنْ / تَخالَفا فَلِهذا عِندَهُ النَّظَرُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أَوَدٌ / مُطهَّرُ القلبِ ما في قلبِهِ وَضَرُ
أرضَى الإلهَ فأرضاهُ بِمِنَّتِهِ / منذُ الحَداثةِ حتى مَسَّهُ الكِبَرُ
كانت مَنِيَّتُهُ للناسِ مَوعِظةً / إذ كانَ طَوْداً عظيماً دَكَّه القَدَرُ
لم يحْمِهِ الشَرَفُ الأعلى بجُرمتِهِ / والآلُ والصَّحْبُ والأملاكُ والبِدَرُ
ساروا بهِ فوقَ نعشٍ بلَّ حامِلَهُ / من ماءِ دَمعٍ عليهِ كانَ يَنحدِرُ
حتى أفاضوا إلى أرضٍ مباركةٍ / تُتْلَى بها فوقَهُ الأورادُ والسُّوَرُ
حديقةٌ طَبَّقَتْها النَّاسُ من بَلَدٍ / خلا فلم يبقَ في أبياتِهِ نَفَرُ
طافوا بتابوتِهِ مثلَ الحجيجِ بها / كأنَّها حَرَمٌ في وَسْطهِ الحَجَرُ
مضى إلى رَبِّهِ الغَفَّارِ مُعتصِماً / بلُطفِهِ تحتَ ذيلِ العَفْوِ يَستترُ
وأقفَرَتْ منهُ دارٌ أظلَمتْ كَمَداً / حتى استَوَى في ذَراها الليلُ والسَحرُ
يا أيُّها النَّاسُ قد طالَ الرُّقادُ على / عينٍ لَقد حانَ أنْ يَنتْابَها السَهَرُ
لا تَغفُلوا طَمَعَاً في العيشِ وانتَبِهوا / إنَّ المنايا على الأبوابِ تنتظِرُ
في كلِّ يومٍ منَ المَوتى لنا عِبَرٌ / تبدو ويا حَبَّذا لو تَنفْعُ العِبَرُ
قُمنا على سَكْرَةِ الدُّنيا الغَرُورِ فما / نُفيقُ إلاّ وداعي الموتِ يَنتهِرُ
كلٌّ منَ النَّاسِ يَهْواها فَتَخْدعُهُ / حتى يَموتَ ولا يُقضَى لهُ وَطَرُ
شابَ الزَّمانُ وشِبنا وَهْيَ يافعةٌ / لم يَبدُ للشَّيبِ في فَرْعٍ لها أثَرُ
يا مُغرَمينَ بها إن لم يكُنْ لكُمُ / خُبْرٌ فهل لم يأتِكم خَبَرُ
كلُّ الغَرامِ مُضِرٌّ قالَ مُزدَوجاً / تأريخُهُ هل غَرامٌ ما لهُ ضَرَرُ
تَذَكَّرتُ صَفوَ زمانٍ عَبَرْ
تَذَكَّرتُ صَفوَ زمانٍ عَبَرْ / فأنكَرتُ تَبديلَهُ بالكَدَرْ
ولكنْ رَضِيتُ بحُكمِ القَضاءِ / وسلمتُ أمري لحُكمِ القَدَرْ
صَبَرتُ على الدَّهرِ مُستصغراً / لما فيهِ واللهُ مع مَنْ صَبَرْ
وماذا تَرَى فيهِ من واقعٍ / وماذا تَرَى فيهِ من مُنتظَرْ
نَهارٌ يَزولُ فيأتي الظَّلامُ / وشمسٌ تَغيبُ فيبدو القَمَرْ
وما بينَ ذلكَ زَيدٌ يقُيمُ / زَماناً وعمروٌ يُريدُ السَّفَرْ
وما بينَ هذا وذاكَ تَرَى العَيْ / نَ تَمضْي ويَمضي وَراها الأثَرْ
وليسَ على الأرضِ باقٍ سِوى / خَبايا التُّقَى في كُنُوزِ البَشَرْ
تَولَّى على النَّاسِ حُكمُ الغُرُورِ / فتاهوا ضَلالاً وغَضُّوا النَّظَرْ
يَهونُ عليهِمْ خِطابُ الخطيبِ / وقد هانَ خَطْبُ اعتِبارِ العِبَرْ
ومَن لا يبالي بوخَزِ الرِّماحِ / فكيفَ يُبالي بغَرْزِ الإبَرْ
نَرَى البعضَ يَهوى جَمالَ البُدو / رِ وَالبعضَ يَهوَى نَوالَ البِدَرْ
وَيندُرُ مَن كانَ يَهوَى العُلومَ / ولا حُكمَ يُبنى على ما نَدَرْ
تَولَّى سُلَيمانَ وَجدٌ بها / ومَدَّ إليها حديدَ البَصَرْ
وقد غاصَ في أبحر الشِّعرِ مُنذُ / صِباهُ يريدُ التِقاطَ الدُرَرْ
طَليقُ الأعِنَّةِ في لَفظِهِ / رقيقُ المعاني شَهيُّ السَّمَرْ
يُشَنِّفُ أسماعَنا بالفُنونِ / إذا جالَ في نَظمِهِ أو نَثَرَ
يُلبِّيهِ خاطِرُهُ مُسرِعاً / كتَلْبيةِ العُرْبِ أهلِ الوَبَرْ
ويَبغِي لألفاظِهِ رِقّةً / كما تَبتغِي شُعَراءُ الحَضَرْ
كساني رِداءَ الثَّناءِ الذي / غلا في التَّوَسُّعِ فوقَ القَدَر
فجَدَّدَ مِن صَبْوَتي ما مَضَى / وآنَسَ من خاطِري ما نَفَرْ
أثارَ بقلبي القرِيضَ الذي / يُثيرُ السَّحابَ ويَنسَى المَطَرْ
هُوَ العُودُ لا ثَمَرٌ عِندَهُ / ومَا ينفَعُ العُودُ دُونَ الثَمَرْ
ماذا شُعوبُ بني عُثمانَ تَنتَظِرُ
ماذا شُعوبُ بني عُثمانَ تَنتَظِرُ / قد عادَ مُنتَصِباً في مُلكِهِ عُمَرُ
وجَدَّدَ اللهُ في أيَّام دَولتِهِ / عهدَ الصحابةِ حيثُ العَدلُ ينتشِرُ
هذا هُوَ المَلِكُ المُحيي العِبادَ كما / يُحيِي البِلادَ ويُعطِي خِصبَها المَطَرُ
ما قامَ في أرضناِ من قَبلهِ مَلكٌ / يَرْضَى بهِ اللهُ والأملاكُ والبَشَرُ
في الأرضِ عبدُ العزيزِ اليومَ زِينتُها / ومِثلُهُ في السَّماءِ الشَّمسُ والقَمرُ
إن كانَ قد أظْلَمَتْ أيَّامُنا قِدَماً / فَقُلْ لها استَبشري قد أشرَقَ السَّحَرُ
خليفةُ اللهِ ظِلٌّ في خَليقتِهِ / ظَلَّت بهِ تَتَّقِي الدُنيا وتَسْتَترُ
لا تَرتضي غيرَهُ الدُّنيا لها مَلِكاً / لو كانَ جِبريلُ يأتيها أو الخَضِرُ
مُهذَّبُ النَّفسِ صافي القلبِ طاهِرُهُ / مُؤَيَّدُ العزمِ ماضي الأمرِ مُقتدِرُ
يَنالُ بالصُّحْفِ والأقلامِ حاجَتَهُ / منَ الجُيوشِ فتِلكَ البيضُ والسُّمُرُ
لا يَلحقُ الفِعلَ من أفعالِهِ نَدَمٌ / ولا يُلامُ على أمرٍ فيَعتَذِرُ
ولا يُعابُ لهُ سِرٌّ ولا عَلَنٌ / ولا يَزيغُ له سَمْعٌ ولا بَصَرُ
مُقلَّدٌ فوقَ أثوابٍ مُضاعَفَةٍ / من خَشْيةِ اللهِ سيفاً صاغَهُ القدَرُ
مُذَّربُ النَّصْلِ مكتوبٌ بصَفحتِهِ / إذا دَنَا أجَلٌ لا يَنفَعُ الحَذَرُ
كلُّ السَلاطينِ في أجيالِها شَجَرٌ / عبد العزيزِ على أغصانِها ثَمَرُ
ملائكُ العَرشِ تَرعاهُ وتَخدِمُهُ / والسَّعدُ في بابِهِ يُمسي ويَبتكِرُ
تُثني عليهِ بأقلامٍ وألْسِنةٍ / لكنْ مُطَوَّلُها في الحقِّ مُختَصَرُ
إذا طَلَبْنا منَ الباري لنا وَطَراً / فليسَ إلاّ بَقاهُ عِندَنا وَطَرُ
يا أيُّها النَّاسُ هذا مَولِدُ القَمَرِ
يا أيُّها النَّاسُ هذا مَولِدُ القَمَرِ / في نِصفِ شَعبانَ يُهدي البِشْرَ للبَشَرِ
قد أولَدَ اللهُ سَعداً يومَ مَولِدِهِ / لنا كما تَقتَضيهِ حِكمةُ القَدَرِ
يومٌ جَرَى منهُ نحوَ المُلكِ صاحبُهُ / جَرْيَ البُدُورِ إلى نُورٍ منَ الغُرَرِ
قد أوجَدَ اللهُ فيهِ رحمةً ظَهَرَتْ / في كلِّ أرضٍ ففاقَتْ رَحمةَ المَطَرِ
عيدٌ لعبدِ العزيزِ اليومَ قد ضُرِبتْ / فيهِ البشائرُ بينَ السَّمْعِ والبَصَرِ
كَسا الجِبالَ بأثوابِ البَياضِ كما / كَسا السُّهولَ بثَوْبِ الخُضرةِ النَضِرِ
عيدٌ به قامتِ الأنوارُ ساطِعةً / في ليلةِ البَدْرِ حتى مَطلِعِ السَّحَرِ
نابَتْ عنِ الشَّمسِ فاستخَفَى ببَهْجتِها / ما كانَ للبَدْرِ من ضوءٍ عن النَّظَرِ
قد صارَتِ الأرضُ فيها كالسَّماءِ بها / بَرْقٌ ورَعدٌ وشُهبٌ ضَخْمةُ الشَّرَرِ
وسَبَّحَتْ خُطَباءُ الناسِ حاكيةً / مَلائكَ العَرْشِ في الآصالِ والبُكَرِ
للهِ دَرُّ بني عُثمانَ من فئةٍ / جَلَّتْ فما تَرَكَتْ فخراً لمُفتَخِرِ
إذا مَضَى كوكبٌ منها أتى قَمَرٌ / وإن مَضَى قَمَرٌ فالشَّمسُ في الأثَرِ
قد قامَ من أصلِها عبدُ العزيزِ لنا / فَرْعاً كريماً عظيمَ الخُبْرِ والخَبَرِ
إذا ذَكرنا مُلوكَ العَصرِ كانَ لهم / صَدْراً كفاتحةٍ في أوَّلِ السُورِ
يدعو لهُ كلُّ من صَلَّى لخالقِهِ / بالسَّعدِ والعزِّ والإقبالِ والظَفَرِ
فلا يزَالُ بحَولِ اللهِ مُقتدراً / وطالما أرَّخوهُ بالغَ الوَطَرِ
عبدُ العزيزِ رَوَى جاهاً مُؤِرِّخُهُ
عبدُ العزيزِ رَوَى جاهاً مُؤِرِّخُهُ / يُهدِي حِسابَ جَميلِ البِشْرِ للبَشَرِ
فَرْعاً لعُثمانَ مُلكُ الآلِ عزَّ بهِ / لا زالَ بالخيرِ يُهدَى كامِلَ الوَطَرِ
الشمسُ والبدرُ في أُفقِ العُلى افتَرَقا
الشمسُ والبدرُ في أُفقِ العُلى افتَرَقا / وههنا اجتمَعَا للنَّاسِ في دارِ
شمسٌ عَلَتْ عن كُسوفٍ أَنْ يُلِمَّ بها / وبدرُ تِمٍّ علا عن خَسفِ أقمارِ
فَرعٌ على أَصلِهِ دَلَّت شمائِلُهُ / والأَصلُ نَعرِفهُ من طِيبِ أَثمارِ
سِرٌّ سَرَى من أبيهِ فيهِ مُندرِجاً / في نفسِهِ كَدَمٍ في جِسمِهِ سارِ
أعطاهُ مولاهُ من فضلٍ على صِغَرٍ / ما ليسَ تُعطَى شُيوخٌ ذاتُ أدهارِ
مواهبُ النَّاسِ مِثلَ النَّاسِ باطلةٌ / فلا عَطيَّةَ إلاَّ مِنْحةُ الباري
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ / ولكنْ أتاهُ الخَسفُ في غُرَّةِ الشَّهرِ
بَقِيْتَ لنا خَمساً وعشْراً فعندنا / من النَّوحِ كم خمسٍ عليكَ وكم عَشْرِ
جَرَحتَ قلوباً قد طَلَبنا لجُرحِها / دواءً فقالت لا دواءَ سوى الصَّبرِ
ومَن عاش في الدُّنيا الخَوُونِ تقلَّبتْ / عليه فلا يُعطَى الأمانَ من الغدرِ
قَضَى اللهُ بالهِجرانِ في أثَرِ اللِّقا / فيا حبَّذا لو كنتَ قبلاً على الهَجرِ
إذا كانَ ما نِلنا من الخيرِ زائلاً / فأفضَلُ منهُ ما يزولُ من الشَّرِّ
أطَعْنا وسلَّمنا إلى الله أمرَنا / على كُلِّ حالٍ أنَّهُ مالكُ الأمرِ
قد اختارَ مَن يَهوَى فأسرعَ جذبَهُ / إليهِ نقيّاً غيرَ منتقضِ الطُهرِ
فلبَّاه صافي العيشِ لم تدْنُ غُصَّةٌ / إليهِ ولم يُردَدْ إلى أرذَلِ العُمرِ
أيا قبرَ إبراهيمَ قد صرتَ مهدَهُ / وصاحبَهُ الباقي إلى آخرِ الدَّهرِ
ويا قبرَ إبراهيمَ أكرِمْ منعَّماً / عزيزاً على أُمٍّ مُخدَّشةِ الصَّدرِ
ويا وجهَ إبراهيمَ غيَّرَكَ البِلَى / كما غيَّرَتْنا لوعةُ الحُزنِ لو تدري
أتى مَن يُهنِّي أمسِ واليومَ جاءَ من / يُعزي فكادَ الحُلُو يُمزَجُ بالمُرِّ
وذاكَ وهذا حُكمُ مَن جازَ حُكمُهُ / فَمَن حازَ تسليماً لهُ فازَ بالأجرِ
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ / فطارَ بمُهجةِ الطِّفلِ الصَّغيرِ
أتى يصطادُ يوماً فاجتَناهُ / كفاكهةٍ من الثَّمَر النَّضِيرِ
أذابَ اللهُ قلبَكَ من غُرابٍ / تَناوَلَ حَبَّةَ القلبِ الكسيرِ
وَرَدْتَ اليْومَ تَشرَبُ ماءَ دمعٍ / بهِ استغنيتَ عن ماءِ الغديرِ
عليكَ العهدُ لا تُبقي صغيراً / ولا تعفو عن الشَّيخِ الكبيرِ
بَسطتَ على بني الدُنيا جَناحاً / وآخرَ في السَّماءِ على النُّسورِ
عليكَ سلامُ ربِّكَ يا صغيراً / رَحَلتَ إلى الضَّريحِ من السَّريرِ
غفلنا عنكَ لم نُصحِبْكَ زاداً / فكانَ القلبُ زادَكَ في المسيرِ
عليكَ الحزنُ ليسَ لهُ نظيرٌ / لأنَّكَ لم يكنْ لكَ مِن نظيرِ
أصَبْتَ بعيَشِكَ العامَينِ رُشداً / كأنَّكَ عائشٌ عَدَدَ الشُّهورِ
حَرَصْنا أن تعيشَ لنا سليماً / فكانَ الحِرْصُ من عَبَثِ الأُمورِ
متى يسلوكَ باكٍ كلَّ يومٍ / تَجِدُّ بقلبهِ نارُ السَّعيرِ
ستسلوكَ القلوبُ نَعَمْ ولكنْ / متى صارَتْ تُرَاباً في القُبورِ
أفادَكَ نورُ قلبِكَ حُسْنَ رأيٍ / فما استمسكتَ بالدُّنيا الغَرُورِ
رأيتَ النَّاسَ في سَفَرٍ طوِيلٍ / فقُلْتَ الرأيُ في السَّفَرِ القصيرِ
تنَّبهوا يا عِبادَ الله واعتبروا
تنَّبهوا يا عِبادَ الله واعتبروا / فالموتُ بالبابِ والأرواحُ تنتظرُ
ما بينَ لحظةِ عَينٍ في تَرَدُّدها / تأتي المَنايا ويَمضي السَمْعُ والبَصَرُ
الرِّيحُ أفضلُ من أرواحنا مَدَداً / نَعَمْ وأفضلُ من أجسادنا الحَجْرُ
هاتيكَ تَرِجعُ إذ هبَّتْ نسائِمِها / وذاكَ يبقَى فلا يُمحى لهُ أثَرُ
أستغفرُ اللهَ من دهرٍ مضى عَبَثاً / في اللَّهوِ والسَّهْوِ نُمسي حيثُ نَبتكرُ
ندري بغُربةِ دارٍ نازلينَ بها / وليسَ يخطُرُ في بالٍ لنا السَّفرُ
دُنياكَ مِثْلُ خَيال الظِلِّ مُنبسِطاً / والنَّاسُ في طيِّهِ الأشباحُ والصُّورُ
نأتي ونذهبُ مِن أُنثَى ومن ذَكَرٍ / كأنمَّا لم يَكُن أُنثَى ولا ذَكَرُ
يمشي الفَتَى مِثْلَ ليثِ الغابِ مفترِساً / وكالفريسةِ يغدو وَهْوَ مُنكَسِرُ
قد باتَ كالبُرجِ عبدُ اللهِ ثمَّ غدا / مثلَ الهَباءِ الذي في الرِّيحِ يَنتثِرُ
لفُّوهُ ويلاهُ بالأكفانِ مندرِجاً / كما يُلّفُّ بغيمٍ في الدُّجَى القَمرُ
وسارَ في نعشِهِ عالي المقامِ كما / بالأمسِ كانتْ تُعلِّي قَدْرَهُ البَشَرُ
قد سابَقَ البينُ فيهِ الشيَّبَ مُختطِفاً / من قبلِ أن يَعتريهِ الشَّيبُ والكِبَرُ
رامَ الطَّريقَ إلى مَوْلاهُ مُختصراً / كسالكِ الطُّرِقِ يَستدني ويَختصِرُ
قد كانَ للنَّاسِ منهُ كلُّ مَنفَعةٍ / ممَّا استطاعَ ولم يُعرَفْ لهُ ضَرَرُ
وكانَ للنَّاسِ حَظٌّ من غِناهُ فقد / كانَ الغِنَى عندَهُ غُصناً لهُ ثَمَرُ
مُهذَّبُ النَّفسِ في قَوْلٍ وفي عَمَلٍ / لهُ على نفسهِ من قلبهِ سَهَرُ
بَني شُقَيرٍ خُذوا بالصَّبرِ واعتصِموا / إنَّ اللَّبيبَ على الأحزانِ يَصطَبِرُ
ربٌّ دعا عبدَهُ يوماً فبادَرَهُ / وكلُّ عبدٍ إلى مَولاهُ يبتَدِرُ
تُصرِّفُ النَّاسُ في الدُّنيا الأمورَ ولا / يَتمُّ فيها سِوَى ما صرَّفَ القَدَرُ
ورُّبما حَذِروا ما لا يُصادِفُهم / فيها وصادَفَهم غيرُ الذي حذِروا
للمرءِ في الدَّهرِ يومٌ لا مَساءَ لهُ / يرجو لِقاهُ وليلٌ ما لهُ سَحَرُ
يُعِدُّ للعَيْشِ من أموالهِ صُرَراً / شتَّى فيضحَكُ منهُ المالُ والصُرَرُ
كم ماتَ من شاربٍ والكأسُ في يدِهِ / فكانَ بينَ حواشي وِردِهِ الصَّدَرُ
ومُخبرٍ قبلَ أن تَمَّتْ عبارَتُهُ / بكلْمةٍ قد جَرَى عن مَوْتِهِ الخَبَرُ
النَّاسُ للموتِ لا للعيشِ قد وُلِدوا / فَهْوَ الحياةُ التي تُرْجَى وتُعْتَبَرُ
يا ويلَ أيَّامِنا الأولى التي رَبِحتْ / في الأرضِ إن خَسِرتْ أيَّامُنا الأُخَرُ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ / فقد عَزَمَ القليلُ على المَسيرِ
وإن ذهبَ الكبيرُ ولم يُؤَثِرْ / فليسَ نخافُ مِن أثَرِ الصَّغيرِ
إذا سَلِمَتْ من النِّيرانِ نفسٌ / فلا ترتاعُ من حرِّ الهجيرِ
ومَن لم يَفترسِهُ ظُفْرُ لَيْثٍ / فليس يَدُوسهُ خُفُّ البعيرِ
يهونُ على يسيرٍ منكَ صَبْرٌ / لأنَّكَ قد صَبَرتَ على العسيرِ
وهل يرْتاعُ مِن خَوضِ السَّواقي / فتىً قد خاضَ في البحرِ الكبيرِ
عليكَ بطيبِ نَفْسٍ وارتياحٍ / وتسليمٍ إلى المَلِكِ القديرِ
فإنَّ الخوفَ داءٌ فَوْقَ داءٍ / يُذِيبُ إذا تَعلَّقَ بالضميرِ
وفِعْلُ اللهِ يُبطِلُ كُلَّ فِعلٍ / ويَغلِبُ طِبَّ داودَ البصيرِ
حياةُ النَّاسِ في الدُّنيا مَنامٌ / ويَقظتُهم لدَى النَّوْمِ الأخيرِ
وكلُّ العمرِ يومٌ أنتَ فيهِ / فما فَرْقُ الطويلِ عن القصيرِ
وبعضُ الحيِّ فَوْقَ البعضِ حتى / يموتَ فكُلُّ عبدٍ كالأميرِ
وبيتُ العَنْكبوتِ إذا رحلنا / يُعادَلُ بالخَوَرْنَقِ والسَّديرِ
ونفسُ المرءِ في الدُّنيا أسيرٌ / ومَوْتُ الجسمِ إطلاقُ الأسيرِ
فلا أسفٌ على الدُّنيا ولكنْ / على ما بعدَ ذاكَ من المصيرِ
ينامُ المجرِمونَ على قَتَادٍ / ونومُ الصالحينَ على حريرِ
وأندَمُ غافلٍ من صَمَّ سمعاً / قُبيلَ البينِ عن صوتِ النَّذيرِ
وإنَّ النُّصحَ في الحُكَماءِ يجري / كَجْريِ الماءِ في الرَّوضِ النَّضيرِ
وفي أُذُنِ الجَهولِ يضيعُ هَدْراً / كضَوءِ الصُّبحِ في عينِ الضَّريرِ
قَلْبُ الخليفةِ يَقْظانٌ يُجرّدُهُ
قَلْبُ الخليفةِ يَقْظانٌ يُجرّدُهُ / ممَّا يَعافُ الرِّضَى من واجبِ النَّظَرِ
مُظَفَّرٌ نائبٌ في أرضِ واقِفِهِ / مُبارِزٌ غالِبٌ دُنياهُ بالظَّفَرِ
تَقارَنَ اليومَ طيبُ السَّمْعِ والبَصَرِ
تَقارَنَ اليومَ طيبُ السَّمْعِ والبَصَرِ / من دولةٍ نَظَرَتْ في مَوْضِعِ النَّظَرِ
فاضتْ كراماتُها في الشَّرقِ واردةً / منها إلى البَدرِ تُهدي نَجْمةَ السَّحَرِ
يا حبذا شَرَفٌ وافَى على شَرَفٍ / كأنَّهُ مَطَرٌ وافى على مَطَرِ
أهدَى بهِ المَلِكُ المأمولُ نائلُهُ / إلى الحبيبِ حبيبِ اللهِ والبَشَرِ
عطيَّةُ الفخرِ فوقَ المالِ مَرتَبةً / كرُتبةِ الشَّمسِ تعلو رُتبةَ القَمَرِ
وإنْ يكُنْ ذاكَ من جنسِ الحِلَى نَسَباً / فهكذا الماسُ معدودٌ من الحجرِ
سَحابةٌ أنبَتَت شُكراً لمُقتدرٍ / في روضةٍ ثمرَت جاهاً لمُفتخِرِ
وأفضلُ الأرضِ ما يزكو النَّباتُ بها / وأفضلُ النَّبْتِ ما يأتيكَ بالثَّمرِ
كلُّ الأمورِ إذا ضاقتْ لها فَرَجٌ / مُقيَّدٌ بقَضاءِ اللهِ والقدَرِ
لا يثبتُ الدَّهرُ في حالٍ فإن كَدِرَتْ / مياهُهُ فانتَظِروا صَفواً من الكَدَرِ
ورُبَّما كان فيهِ المرءُ مُنتظِراً / عُسْراً فجاءَ بيُسرٍ غيرِ مُنتظَرِ
لكِ البشارةُ يا عيناً قد انطرفَتْ / فطَرْفة العينِ لا تُفضي إلى الخَطَرِ
قدْ كانَ ما كانَ ممَّا حامَ طائِرُهُ / كأنَّهُ لم يَحُمْ يوماً ولم يَطِرِ
ما دامَ يخلُفُ يوماً جنحُ ليلتِهِ / يُقلِّبُ الدَّهرُ بينَ النَّومِ والسَّهرِ
والمرءُ في الدَّهرِ مثلُ الدَّهرِ في سَفَرٍ / لكنَّهُ ليسَ يدري منزِلَ السَّفَرِ
إنَّ التجارِبَ تُؤْذي عند نَوْبَتِها / لكنْ عواقِبُها محمودةُ الأثَرِ
وعِشرةُ النَّاسِ في دُنياكَ مدرسةٌ / تُعطي من الخُبْرِ ما يُغني عن الخَبَرِ
مَن عاشَ في الأرض لا تُرجى سلامَتُهُ / من الخُطوبِ ولو بالغتَ في الحَذَرِ
وأهوَنُ الضَرِّ ما جرَّتْ عواقِبُهُ / نفعاً فنَسلو بهِ عن ذلكَ الضَّررِ
نَفَذَ القَضا من أوج ذلكَ المِنبَرِ
نَفَذَ القَضا من أوج ذلكَ المِنبَرِ / فاصبِرْ على بَلواكَ أولا تصبِرِ
ولقد أَتَى ما لَسْتَ تملِكُ بعدهُ / غيرَ البُكاءِ ولوعةِ المتحسِّرِ
يا أيُّها العَينُ التِّي تَبكي عّلى / فقْد الحبيبِ بدَمعِها المتّحدِّرِ
تبكينَ هذا اليومَ لكن في غدٍ / يُبكَى عليكِ وهكذا لم تخسَري
نَنهَى عن الحُزنِ المُذيبِ قلوبَنا / مثلَ النَّديمِ يَعيبُ شُربَ المُسكِرِ
إنَّ اللِّسان يُطيعُ أمرَ نصيحهِ / والقلب يَنبذهُ كمَن لم يُؤْمَرِ
يا راحلاً كَسَرَ الخواطرَ قائلاً / إنِّي حَلَفتُ عليكِ أن لا تُجبَرِي
تَسقِي مدامُعنا ثراكَ فإنَّها / أصفَى وأفضلُ مِن مياهِ العُنصُرِ
لو تُشتَرَى يا أيُّها القمرُ الذي / ذاقَ الخُسوفَ لتَمَّ سعدُ المُشتَري
هيهاتِ قد عزَّ الفِداءُ فخابَ مَن / يَفدي ولو أعطَى مَمَالِكَ قيصَرِ
داءٌ قديمٌ كم لهُ من حسرةٍ / في كلِّ قلبٍ من خَوالي الأدهُرِ
قد حيَّرَ الألبابَ في أحكامهِ / وأضاعَ رُشدَالفيلسوفِ الأكبرِ
يعفو عن الشَّيخِ المكبِّ على العَصا / عجزاً ويفتُكُ بالغُلامِ الأصغرِ
يا يُوسُفَ الحُسنِ البديعَ جَمالُهُ / ماذا أصابَ جَمالَ ذاكَ المنظرِ
في السِّتِّ عَشْرَةَ من حياتِك عِفتَهَا / كالبدرِ يَخسِفُ في انتصافِ الأشْهُرِ
ولقد رحلتَ بلا وَداعٍ ضارباً / ميعادَ تسليمٍ ليومِ المحَشرِ
فارقتَ دُنياكَ بلا وَداعٍ طالباً / دارَ النَّعيمِ فكانَ أربَحَ مَتْجرِ
وعلمتَ أنَّكَ لا مَحالَ مسافرٌ / فقصدتَ تسلُكُ في الطَّريقِ الأقصرِ
هذا الذي خُلِقَ العبادُ لأجلهِ / فالحيُّ يُحسبُ ميِّتاً لم يُقبَرِ
أعددْ لطفلِكَ نعشَهُ مَعَ مَهدِهِ / فَلقد يُضَمُّ كلاهما في المَحضَرِ
يا أيُّها الباكي على مَن باتَ في / دارِ السَّعادةِ كُفَّ دمعكَ واقصِرِ
قد فاز بالمُلكِ المُعَدِّ لمِثلِهِ / والمُلْكُ عادةُ يوسفٍ فاستبشِرِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ / فنورٌ على نورٍ وبِشْرٍ على بِشْرِ
وزيرٌ على الحقِّ المُبينِ مُؤازِرٌ / لمُرسِلهِ وَهْوَ البرئُ من الوِزْرِ
لقد سارَ نحو الغرب كالقمر الذي / يغيب فيبدو منهُ في غُرَّة الشهرِ
حكى ليلةَ الإسراءِ يومُ رحيلهِ / ويومُ لقاهُ قد حكى ليلةِ القَدْرِ
على وجههِ من سُورةِ النُّور آيةٌ / وفي سيفهِ من سورةِ الفَتْحِ والنَّصْرِ
فيتلو على أصحابهِ آيةَ الضُّحَى / ويتلو على أعدائِهِ آيةَ النَّحرِ
على قلبِهِ قد خطَّ من خوفِ ربِّهِ / أساطيرَ ذي النورَينِ في ذلكَ السِّفْرِ
وقامَ بحقِّ الفَرضِ والنَّفلِ ناهِضاً / من الصَّلواتِ الخمسِ بالشَّفعِ والوَتْرِ
على الرَّاشِدِ الهادي التحيَّةُ والرِّضَى / من الله تَقرَّاها الملائكُ في الفَجْرِ
هو الرَّحمَةُ العُظمَى التي أحيَتِ الرُّبَى / إلى أن كسَتْها حُلَةَ السُّندسُ الخُضْرِ
بنى عدلُهُ سوراً لسُوريَّةَ التِّي / أتاها بخِصْبِ الأرضِ كالنِّيل في مصرِ
أحاطَ بها كالبحرِ فَهْيَ جزيرةٌ / لبحرٍ كثيرِ المَدِّ مُمتنِعِ الجَزْرِ
بصيرٌ بأمرِ الدَّهرِ يَهشِمُ رأسَهُ / بأُنمُلةٍ صَمَّاءَ تَلعَبُ بالدَّهرِ
إذا اسودَّ خطبٌ يحجِبُ العينَ كالدُّجَى / أتاهُ برأيٍ يَخرُقُ الحُجْبَ كالبدرِ
مدحتُ الوزيرَ الرَّاشدَ اليومَ بالَّذي / دَرَيتُ وأهملتُ الَّذي لم أكُنْ أَدرِي
فكانَ الذي أدريهِ بعضاً من الذي / جَهِلتُ كإعطاءِ الخَراجِ مِن العُشْرِ
عليَّ ديونٌ رُتِّبَتْ لجَلالِهِ / فأصبحتُ مديوناً أخافُ مِن الكَسْرِ
ولكنْ غريمي يَقبلُ العُذرَ راثياً / لضُعفي فيأبى أن يُعامِلَ بالعُسْرِ
ما زِلتُ أسمَعُ ذكرَ عبد القادرِ
ما زِلتُ أسمَعُ ذكرَ عبد القادرِ / حتَّى تمنَّتْ أن تراهُ نَواظِري
واليومَ قد سَمَحَ الزَّمانُ بزَورةٍ / شَكَرَت بها بيروتُ فضلَ الزائرِ
هذا هو المولى الشَّهير بلُطفِهِ / في كلِّ قُطرٍ كالصَّباحِ الزَّاهِرِ
قد قامَ في مجدِ الملوكِ فزادَهُ / أُنساً يَعافُ بهِ اختيالَ الفاخِرِ
مُستعصِمٌ بالله في قولٍ وفِي / عملٍ لهُ من باطنٍ أو ظاهِرِ
بَعَثَ الإلهُ من المغَارِبِ رحمةً / لدِمَشقَ أحيتها بلُطفٍ باهرِ
النَّاسُ تَصطَنِعُ الجميلَ لواحدٍ / يا من جميلُكَ مع أُلوفِ عشائرِ
ضاهتْ ديارُكَ فُلكَ نوحٍ إذ حَمَى / ما فيهِ من فيضِ المياهِ الغامِرِ
طالت مكَارِمُكَ الجِسامُ فقَصَّرت / عن مدحِ جُودتِها لسانَ الشَّاعرِ
وبها الملوكُ تَحمَّلت لكَ مِنَّةً / بَعَثَتْ إليكَ بها هدايا الشَّاكرِ
تمَّمْتَ سَعيكَ في تِجارةِ قانِتٍ / بالحجِّ توسيعاً لرِبْحِ التَّاجِرَ
ما حجَّ بيتَ اللهِ قبلَكَ زائرٌ / أوَلى وأجدَرُ بالقَبولِ الوافِرَ
يا سيِّداً أبصرتُ منهُ فوقَ ما / قد كنتُ أسمَعُ في الحديثِ السَّائرَ
ما زالَ يحَسُدُ ناظري بكَ مِسمَعي / واليومَ يَحسُدُ مِسمَعي بكَ ناظري
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ / ولكنَّهُ لم يعرِف التِّيهَ في القَفْرِ
ولو كانَ شَقُّ البحرِ مِن حاجةٍ لهُ / لَشَقَّ لَديهِ رَبُّهُ لُجَّةَ البحرِ
أتانا بوجهٍ كالصَّباحِ فلم يكنْ / إذا سار تحتَ اللَّيلِ يحتاجُ للبدرِ
وفي يدهِ البيضاءِ تلكَ العصا التي / إذا ضَرَبَت صخراً تُؤَثِّرُ في الصَّخرِ
لهُ مَنصِبٌ في البَرِّ والبَحرِ أُخلِصَتْ / لهُ طاعةُ الجُمهور في السِّرِّ والجَهْرِ
وتاجٌ كتاجِ المُلكِ فوقَ جبينهِ / تَقلَّدَ مَعْهُ خاتَمَ النَّهْيِ والأمرِ
طبيبٌ يداوي عِلَّةَ النَّفسِ شافياً / كبُقراطَ للأبدانِ في سالفِ الدَّهرِ
ويصبو إلى بِيضِ الطُّروسِ وسُودِها / من الحِبرِ لا بِيضَ الدَّراهمِ والصُّفرِ
لقد حلَّ روحُ اللهِ في طيِّ قلبهِ / كما حلَّ قِدْماً في حَشا مريمَ البِكْرِ
فألَّفَ ما بين القلوبِ بلطفهِ / كما امتَزَجَ الماءُ الزُلالُ مع الخَمرِ
وأنشا لدَرْس العلم مدرسةً لنا / بَنَى فوقها بُرجاً عظيماً من الأَجرِ
أقامت رميماً ماتَ من علمِ قومهِ / فكانت كصوتِ البوقِ في مَوقِفِ الحَشْرِ
نَرى كلَّ يومٍ يومَ عيدٍ بوَجههِ / وكلَّ الليالي عندنا ليلةَ القَدْرِ
وكلَّ مَقامٍ حلَّهُ بيتَ مَقدِسٍ / يُزارُ كما يُسعى إلى ذلك القبرِ
نظمتُ له هذا المديحَ تيمُّناً / بذِكراهُ لا أبغي له رِفعةَ القدرِ
وليسَ لهُ بالمدحِ فخرٌ يَنالُهُ / ولكن بهِ للمدحِ عائِدةُ الفخرِ
يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري
يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري / فدِرهَمُ الصَّبرِ يَسوَى ألفَ دينارِ
لا شيءَ كالصَّبرِ يَشفي جُرحَ صاحِبهِ / ولا حَوَى مثلَهُ حانوتُ عَطَّارِ
هذا الذي تُخمِدُ الأحزانَ جُرعتُهُ / كبارِدِ الماءِ يُطفي حِدَّةَ النَّارِ
ويَحفظُ القلبَ باقٍ في سلامتهِ / حتى يُبَدَّلَ إعسارٌ بإيسارِ
إن السَّلامةَ كَنزٌ كلُّ خردلةٍ / منهُ تقُوَّمُ مِن مالٍ بقنطارِ
والمالُ يُدعى صديقاً عند حاجتهِ / وقد يكونُ عدُواً داخِلَ الدَّارِ
يا مَن حَزِنتَ لفَقْدِ المالِ إنَّكَ قد / خُلِقتَ عارٍ وما في ذاكَ من عارِ
كما أتى أمسِ ذاكَ المالُ مُكتَسَباً / يأتي غداً من بديعِ اللُّطفِ جَبَّارِ
حوادثُ الدَّهرِ تجري في البلادِ على / مَراتبِ النَّاسِ مقداراً بمقدارِ
إن الرِّياحَ تُصيبُ النَّخلَ تَقصِفُهُ / وليسَ تقصِفُ غُصنَ الشِّيحِ والغارِ
إذا بقي منكَ أدنَى فضلةٍ صَغُرَت / فإنَّها قِطعةٌ من طُورِ أطوارِ
هَبْ أنكَ الشَّمسُ في الأفلاكِ طالعةً / هل تسلمُ الشَّمسُ من كَسفٍ وأكدارِ
والشَّمسُ في برجِها شمسٌ ولو كَسَفَت / فلا يَحُطُّ عُلاها كسفُ أنوارِ
للدَّهرِ يومٌ علينا لا يدومُ كما / يومٌ لنا لم يَدُمْ في حكمهِ الجاري
لا يلبَثُ الغصنُ عُرياناً بلا ثَمرٍ / حتَّى تراهُ بأوراقٍ وأثمارِ
سَيفتَحُ اللهُ باباً ليسَ تعرِفُهُ / ومنهَجاً غيرَ ملحوظٍ بأبصارِ
إذا قطعنا رجاءَ النَّفسِ مِن فَرَجٍ / فإننا قد قطعنا رحمةَ الباري
سلامٌ على وادي الأراكِ وحاجِرِ
سلامٌ على وادي الأراكِ وحاجِرِ / وما ثَمَّ من ظبيٍ أنيسٍ ونافرِ
ديارٌ لنا فيها مِن العُرْبِ جِيرةٌ / كِرامُ جِوارٍ من كرامِ العَشائرِ
لقد حالَ عهدُ الوصلِ منَّا ومنهمُ / وما حالَ عهدُ الحبِّ بينَ الضَّمائرِ
يُذكِّرُنيهمِ كلَّما لاحَ بارقٌ / من الحيِّ يَستسقي سَحابَ المَحاجرِ
وبي ظَبَيَاتٌ في الكثيبِ تَمايَلتْ / تَصولُ بأهدابِ العُيونِ السَّواحرِ
فَواتِرُ أجفانٍ فَتَكنَ بمُهجتي / فَوَيلاهُ من فَتْك الجفونِ الفواترِ
عليهنَّ وشْيٌ للمَطارِفِ مُذهَبٌ / يلوحُ على وشيٍ من الحُسنِ باهِرِ
فأُعجِبتُ بالوَشيَين حتى تبلَّجَتْ / خَرِيدةُ حسنٍ نُزِّهَتْ عن نَظائرِ
نِزاريَّةٌ نجديَّةٌ رَبَعيَّةٌ / عليها رِداءٌ من طِراز المَحابرِ
أتتني مِن نحوِ الحُسينِ فأبرَزَتْ / مَحاسنَ لُطفٍ شَوَّقَت كلَّ ناظرِ
أبانت صفاءَ السِّرِّ منهُ وأكدَّت / صحيحَ وِدادٍ باطنٍ فيهِ ظاهرِ
سَقَى اللهُ نجداً والسَّلامُ مكرَّراً / على أولٍ من أرضِ نجدٍ وآخرِ
ألا إنَّ نجداً للذَّخائرِ مَعدَنٌ / نَعَمْ إنَّ نجداً مَعدِنٌ للذَّخائِرِ
إلى الدَّهرِ مِن آثارِ بَكرٍ وتَغلِبٍ / إفاضةُ ذكرٍ في المَحافلِ دائرِ
ألا حَبَّذا مِن أرضِ نجدٍ نُسَيمةٌ / وجُرعةُ ماءٍ من شُبيَثِ الجآذِرِ
ويا حَبَّذا ماءُ الجِفارِ وحَبَّذا / رُبوعُ تميمٍ والعراقِ المُجاورِ
أشوقُ إلى تلك الدِّيار وذكرِها / على بُعدها شوقَ الغريبِ المسافرِ
وإني لذو مَشطورِ جسمٍ من الضَّنَى / وقلبٍ صحيحٍ كاملِ الرأيِ وافرِ
كثيرُ المُنَى لكنْ قليلُ بُلوغِها / وإنَّ الأماني مِنْ تَعلَّةِ قاصِرِ
جَليدٌ على البلوَى صَبورٌ وإنَّنِي / على غيرِ جَهْدِ الصَّبرِ لستُ بقادرِ
ولا ريبَ أنَّ الصَّبرَ في الذَّوقِ مُرَّةٌ / موارِدُهُ في النَّفسِ حُلوُ المَصادرِ
شابَ شِعري نظيرَ ما شابَ شَعري
شابَ شِعري نظيرَ ما شابَ شَعري / فبياضُ العِذار بيَّضَ عُذري
كان لي في الشبابِ ليلٌ ولكن / أيُّ ليلٍ يكون من غير فجرِ
ولقد قصَّرَت طِوالُ الليالي / هِمَّتي فانتشا من الطُّول قِصرِي
كنتُ صخراً لَدى الشَّباب ولكنْ / صِرتُ لمَّا فَقَدتُهُ أُختَ صخرِ
طالَ صبري على الحوادثِ حتَّى / صارَ جاري دمي عُصارةَ صبرِ
ضَرَبتني فألَّمتْ لا كضربٍ / دارَ في النَّحوِ بينَ زيدٍ وعمرِو
ضاقَ صدري وما شكوتُ لأنِّي / لم أنَلْ بالشَّكوى سِوَى ضيقِ صَدْريِ
وتمنيَّتُ طيبَ نفسٍ فقالوا / عند شيخِ الإسلامِ ذلك فادْرِ
لُذْ بأنفاسهِ الشَّريفةِ واغنَمْ / بَرَكاتٍ لهُ من العرشِ تَجري
واستَلِمْ رُكنهُ الذي لكَ منهُ / يومُ عيدٍ تليهِ ليلةُ قَدْرِ
طورُ علمٍ لربِّه يَتَجلَّى / كلَّ يومٍ عليه من دون سِترِ
أطعَمَ المَنَّ لفظُهُ كلَّ سَمْعٍ / وعَصاهُ تلقَّفتْ كلَّ سِحْرِ
قطرةٌ مِن نَداهُ بحرٌ ويومٌ / مَن رِضاهُ أجلُّ مِن ألفِ شهرِ
ولنا منهُ نظرةٌ هيَ تِبْرٌ / تِبرُنا عندهُ قُلامَةُ ظُفَرِ
بحرُ علمٍ يَسقي شراباً طهوراً / عندهُ صارَ جَدولاً كلُّ بحرِ
يَغمُرُ اليُمْنُ منهُ مُلكاً كبيراً / لكبيرٍ في الأرضِ مالكِ أمرِ
مَلِكٌُ عندهُ لذي العلمِ جاهٌ / كصنيعِ الرَّسولِ مع آلِ بدرِ
عبدُ عبدِ العزيز عبدٌ عزيزٌ / يزدهي عِزَّةً على كلِّ حُرِّ
كلُّ قلبٍ لم ينصرفْ عن وَلاهُ / باتَ وَهْوَ الأمينُ مِن كلِّ كسرِ
هذهِ الدولةُ التِّي يشتهيها / كلُّ أهلِ الزَّمانِ مِن كلِّ عصرِ
إن تكنْ كلُّ دولةٍ بيتَ شعرٍ / فهْيَ حرفُ الرَّوِيِّ مِن كلِّ شعرِ
ليسَ نفسٌ لا تعرِفُ البُخلَ إلاّ / نفسُ عبد العزيزِ كَنزي وذُخري
ذاكَ لولاهُ ما نطقتُ بحمدٍ / لكريمٍ ولا دريتُ بشُكرِ
قضى في خَلقهِ ذو العَرشِ أمرا
قضى في خَلقهِ ذو العَرشِ أمرا / فصبراً أيُّها المحزونُ صَبْرا
لعَمرُ اللهِ إنَّ الصَّبرَ مُرٌُّ / وأكثَرُ ما أفادَ يكونُ مُرَّا
وكلُّ حَلاوةٍ طَعْمٌ شَهيٌّ / وأكثَرُها وَجَدناهُ مُضِرَّا
رماكمْ يا كِرامَ النَّاسِ سهمٌ / أصابَ فتىً سليمَ القلبِ حُرَّا
مَضَى عَجَلاً وخلَّفَ طُولَ حُزنٍ / يدومُ عليهِ في الأحياءِ دَهرا
هو الغصنُ الذي جَنَتِ المنايا / عليهِ بقصفهِ ظُلماً وغَدرا
أبَرُّ مُهذَّبٍ قولاً وفِعلاً / وأفضلُ مُخلِصٍ سرّاً وجهرا
علكيمْ بالتَّأسِّي فهو طِبٌّ / بهِ داءُ الأسَى في القلبِ يَبْرا
أقامَ الدُّودُ ينهشُ قلبَ صخرٍ / وقامت تندُبُ الخنساءُ صَخرا
فأفنَى الدَّهرُ صخراً في بِلاهُ / وراحت أدمُعُ الخنساءِ هَدْرا
لكلِّ هياكلِ الأرواحِ هَدْمٌ / ولو فَسَحتْ لها الأيَّامُ عُمرا
وعَيشُ المرءِ حُلمٌ قد تَقَضَّى / فأعقَبَ حَسْرَةً وأطالَ ذِكرا
وذاكَ طريقُنا نمشي عليهِ / إلى دارٍ وراءَ القبر أُخرَى
لعَمرُكَ إنَّهُ سفَرٌ طويلٌ / تَفانَى قيصرٌ فيهِ وكِسرَى
فطُوبَى للذي يَعتَدُّ زاداً / لهُ حتى يُصيبَ لهُ مَقرَّا
سلامُ اللهِ مِن أعلَى سَماهُ / على صَفحاتِ ذاكَ الرَّمسِ يُقرا
حَوَى بدرَ التَّمامِ وهل سمِعتُمْ / ببدرٍ أنزَلَتْهُ النَّاسُ قَبرا
سَقتْهُ مَراحِمُ الرَّحمن سُحباً / مُؤرَّخةً وغيثُ الجُود قَطْرا