القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِيف اليازجي الكل
المجموع : 82
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ / وقُلْ عليك سلامُ اللهِ يا عُمَرُ
إن كنتَ تُنبِتُ زَهراً حولَ مَضجَعِهِ / فليسَ تَكثُرُ فيهِ الأنجُمُ الزُهُرُ
هذا الذي كانَ رُكناً يُستعانُ بهِ / على الخُطوبِ ويُرجى عِندَهُ الظَفَرُ
وكانَ بحراً ولكنْ غيرَ مُضطربٍ / وكانَ فخراً ولكنْ ليسَ يَفتَخِرُ
في شَخصِهِ الدِّينُ والدُّنيا قدِ اجتَمَعا / وذاك يَندُرُ أنْ تحظَى بهِ البَشَرُ
يَرعَى إذا اتَّفقَا هذا وتِلكَ فإنْ / تَخالَفا فَلِهذا عِندَهُ النَّظَرُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أَوَدٌ / مُطهَّرُ القلبِ ما في قلبِهِ وَضَرُ
أرضَى الإلهَ فأرضاهُ بِمِنَّتِهِ / منذُ الحَداثةِ حتى مَسَّهُ الكِبَرُ
كانت مَنِيَّتُهُ للناسِ مَوعِظةً / إذ كانَ طَوْداً عظيماً دَكَّه القَدَرُ
لم يحْمِهِ الشَرَفُ الأعلى بجُرمتِهِ / والآلُ والصَّحْبُ والأملاكُ والبِدَرُ
ساروا بهِ فوقَ نعشٍ بلَّ حامِلَهُ / من ماءِ دَمعٍ عليهِ كانَ يَنحدِرُ
حتى أفاضوا إلى أرضٍ مباركةٍ / تُتْلَى بها فوقَهُ الأورادُ والسُّوَرُ
حديقةٌ طَبَّقَتْها النَّاسُ من بَلَدٍ / خلا فلم يبقَ في أبياتِهِ نَفَرُ
طافوا بتابوتِهِ مثلَ الحجيجِ بها / كأنَّها حَرَمٌ في وَسْطهِ الحَجَرُ
مضى إلى رَبِّهِ الغَفَّارِ مُعتصِماً / بلُطفِهِ تحتَ ذيلِ العَفْوِ يَستترُ
وأقفَرَتْ منهُ دارٌ أظلَمتْ كَمَداً / حتى استَوَى في ذَراها الليلُ والسَحرُ
يا أيُّها النَّاسُ قد طالَ الرُّقادُ على / عينٍ لَقد حانَ أنْ يَنتْابَها السَهَرُ
لا تَغفُلوا طَمَعَاً في العيشِ وانتَبِهوا / إنَّ المنايا على الأبوابِ تنتظِرُ
في كلِّ يومٍ منَ المَوتى لنا عِبَرٌ / تبدو ويا حَبَّذا لو تَنفْعُ العِبَرُ
قُمنا على سَكْرَةِ الدُّنيا الغَرُورِ فما / نُفيقُ إلاّ وداعي الموتِ يَنتهِرُ
كلٌّ منَ النَّاسِ يَهْواها فَتَخْدعُهُ / حتى يَموتَ ولا يُقضَى لهُ وَطَرُ
شابَ الزَّمانُ وشِبنا وَهْيَ يافعةٌ / لم يَبدُ للشَّيبِ في فَرْعٍ لها أثَرُ
يا مُغرَمينَ بها إن لم يكُنْ لكُمُ / خُبْرٌ فهل لم يأتِكم خَبَرُ
كلُّ الغَرامِ مُضِرٌّ قالَ مُزدَوجاً / تأريخُهُ هل غَرامٌ ما لهُ ضَرَرُ
تَذَكَّرتُ صَفوَ زمانٍ عَبَرْ
تَذَكَّرتُ صَفوَ زمانٍ عَبَرْ / فأنكَرتُ تَبديلَهُ بالكَدَرْ
ولكنْ رَضِيتُ بحُكمِ القَضاءِ / وسلمتُ أمري لحُكمِ القَدَرْ
صَبَرتُ على الدَّهرِ مُستصغراً / لما فيهِ واللهُ مع مَنْ صَبَرْ
وماذا تَرَى فيهِ من واقعٍ / وماذا تَرَى فيهِ من مُنتظَرْ
نَهارٌ يَزولُ فيأتي الظَّلامُ / وشمسٌ تَغيبُ فيبدو القَمَرْ
وما بينَ ذلكَ زَيدٌ يقُيمُ / زَماناً وعمروٌ يُريدُ السَّفَرْ
وما بينَ هذا وذاكَ تَرَى العَيْ / نَ تَمضْي ويَمضي وَراها الأثَرْ
وليسَ على الأرضِ باقٍ سِوى / خَبايا التُّقَى في كُنُوزِ البَشَرْ
تَولَّى على النَّاسِ حُكمُ الغُرُورِ / فتاهوا ضَلالاً وغَضُّوا النَّظَرْ
يَهونُ عليهِمْ خِطابُ الخطيبِ / وقد هانَ خَطْبُ اعتِبارِ العِبَرْ
ومَن لا يبالي بوخَزِ الرِّماحِ / فكيفَ يُبالي بغَرْزِ الإبَرْ
نَرَى البعضَ يَهوى جَمالَ البُدو / رِ وَالبعضَ يَهوَى نَوالَ البِدَرْ
وَيندُرُ مَن كانَ يَهوَى العُلومَ / ولا حُكمَ يُبنى على ما نَدَرْ
تَولَّى سُلَيمانَ وَجدٌ بها / ومَدَّ إليها حديدَ البَصَرْ
وقد غاصَ في أبحر الشِّعرِ مُنذُ / صِباهُ يريدُ التِقاطَ الدُرَرْ
طَليقُ الأعِنَّةِ في لَفظِهِ / رقيقُ المعاني شَهيُّ السَّمَرْ
يُشَنِّفُ أسماعَنا بالفُنونِ / إذا جالَ في نَظمِهِ أو نَثَرَ
يُلبِّيهِ خاطِرُهُ مُسرِعاً / كتَلْبيةِ العُرْبِ أهلِ الوَبَرْ
ويَبغِي لألفاظِهِ رِقّةً / كما تَبتغِي شُعَراءُ الحَضَرْ
كساني رِداءَ الثَّناءِ الذي / غلا في التَّوَسُّعِ فوقَ القَدَر
فجَدَّدَ مِن صَبْوَتي ما مَضَى / وآنَسَ من خاطِري ما نَفَرْ
أثارَ بقلبي القرِيضَ الذي / يُثيرُ السَّحابَ ويَنسَى المَطَرْ
هُوَ العُودُ لا ثَمَرٌ عِندَهُ / ومَا ينفَعُ العُودُ دُونَ الثَمَرْ
ماذا شُعوبُ بني عُثمانَ تَنتَظِرُ
ماذا شُعوبُ بني عُثمانَ تَنتَظِرُ / قد عادَ مُنتَصِباً في مُلكِهِ عُمَرُ
وجَدَّدَ اللهُ في أيَّام دَولتِهِ / عهدَ الصحابةِ حيثُ العَدلُ ينتشِرُ
هذا هُوَ المَلِكُ المُحيي العِبادَ كما / يُحيِي البِلادَ ويُعطِي خِصبَها المَطَرُ
ما قامَ في أرضناِ من قَبلهِ مَلكٌ / يَرْضَى بهِ اللهُ والأملاكُ والبَشَرُ
في الأرضِ عبدُ العزيزِ اليومَ زِينتُها / ومِثلُهُ في السَّماءِ الشَّمسُ والقَمرُ
إن كانَ قد أظْلَمَتْ أيَّامُنا قِدَماً / فَقُلْ لها استَبشري قد أشرَقَ السَّحَرُ
خليفةُ اللهِ ظِلٌّ في خَليقتِهِ / ظَلَّت بهِ تَتَّقِي الدُنيا وتَسْتَترُ
لا تَرتضي غيرَهُ الدُّنيا لها مَلِكاً / لو كانَ جِبريلُ يأتيها أو الخَضِرُ
مُهذَّبُ النَّفسِ صافي القلبِ طاهِرُهُ / مُؤَيَّدُ العزمِ ماضي الأمرِ مُقتدِرُ
يَنالُ بالصُّحْفِ والأقلامِ حاجَتَهُ / منَ الجُيوشِ فتِلكَ البيضُ والسُّمُرُ
لا يَلحقُ الفِعلَ من أفعالِهِ نَدَمٌ / ولا يُلامُ على أمرٍ فيَعتَذِرُ
ولا يُعابُ لهُ سِرٌّ ولا عَلَنٌ / ولا يَزيغُ له سَمْعٌ ولا بَصَرُ
مُقلَّدٌ فوقَ أثوابٍ مُضاعَفَةٍ / من خَشْيةِ اللهِ سيفاً صاغَهُ القدَرُ
مُذَّربُ النَّصْلِ مكتوبٌ بصَفحتِهِ / إذا دَنَا أجَلٌ لا يَنفَعُ الحَذَرُ
كلُّ السَلاطينِ في أجيالِها شَجَرٌ / عبد العزيزِ على أغصانِها ثَمَرُ
ملائكُ العَرشِ تَرعاهُ وتَخدِمُهُ / والسَّعدُ في بابِهِ يُمسي ويَبتكِرُ
تُثني عليهِ بأقلامٍ وألْسِنةٍ / لكنْ مُطَوَّلُها في الحقِّ مُختَصَرُ
إذا طَلَبْنا منَ الباري لنا وَطَراً / فليسَ إلاّ بَقاهُ عِندَنا وَطَرُ
يا أيُّها النَّاسُ هذا مَولِدُ القَمَرِ
يا أيُّها النَّاسُ هذا مَولِدُ القَمَرِ / في نِصفِ شَعبانَ يُهدي البِشْرَ للبَشَرِ
قد أولَدَ اللهُ سَعداً يومَ مَولِدِهِ / لنا كما تَقتَضيهِ حِكمةُ القَدَرِ
يومٌ جَرَى منهُ نحوَ المُلكِ صاحبُهُ / جَرْيَ البُدُورِ إلى نُورٍ منَ الغُرَرِ
قد أوجَدَ اللهُ فيهِ رحمةً ظَهَرَتْ / في كلِّ أرضٍ ففاقَتْ رَحمةَ المَطَرِ
عيدٌ لعبدِ العزيزِ اليومَ قد ضُرِبتْ / فيهِ البشائرُ بينَ السَّمْعِ والبَصَرِ
كَسا الجِبالَ بأثوابِ البَياضِ كما / كَسا السُّهولَ بثَوْبِ الخُضرةِ النَضِرِ
عيدٌ به قامتِ الأنوارُ ساطِعةً / في ليلةِ البَدْرِ حتى مَطلِعِ السَّحَرِ
نابَتْ عنِ الشَّمسِ فاستخَفَى ببَهْجتِها / ما كانَ للبَدْرِ من ضوءٍ عن النَّظَرِ
قد صارَتِ الأرضُ فيها كالسَّماءِ بها / بَرْقٌ ورَعدٌ وشُهبٌ ضَخْمةُ الشَّرَرِ
وسَبَّحَتْ خُطَباءُ الناسِ حاكيةً / مَلائكَ العَرْشِ في الآصالِ والبُكَرِ
للهِ دَرُّ بني عُثمانَ من فئةٍ / جَلَّتْ فما تَرَكَتْ فخراً لمُفتَخِرِ
إذا مَضَى كوكبٌ منها أتى قَمَرٌ / وإن مَضَى قَمَرٌ فالشَّمسُ في الأثَرِ
قد قامَ من أصلِها عبدُ العزيزِ لنا / فَرْعاً كريماً عظيمَ الخُبْرِ والخَبَرِ
إذا ذَكرنا مُلوكَ العَصرِ كانَ لهم / صَدْراً كفاتحةٍ في أوَّلِ السُورِ
يدعو لهُ كلُّ من صَلَّى لخالقِهِ / بالسَّعدِ والعزِّ والإقبالِ والظَفَرِ
فلا يزَالُ بحَولِ اللهِ مُقتدراً / وطالما أرَّخوهُ بالغَ الوَطَرِ
عبدُ العزيزِ رَوَى جاهاً مُؤِرِّخُهُ
عبدُ العزيزِ رَوَى جاهاً مُؤِرِّخُهُ / يُهدِي حِسابَ جَميلِ البِشْرِ للبَشَرِ
فَرْعاً لعُثمانَ مُلكُ الآلِ عزَّ بهِ / لا زالَ بالخيرِ يُهدَى كامِلَ الوَطَرِ
الشمسُ والبدرُ في أُفقِ العُلى افتَرَقا
الشمسُ والبدرُ في أُفقِ العُلى افتَرَقا / وههنا اجتمَعَا للنَّاسِ في دارِ
شمسٌ عَلَتْ عن كُسوفٍ أَنْ يُلِمَّ بها / وبدرُ تِمٍّ علا عن خَسفِ أقمارِ
فَرعٌ على أَصلِهِ دَلَّت شمائِلُهُ / والأَصلُ نَعرِفهُ من طِيبِ أَثمارِ
سِرٌّ سَرَى من أبيهِ فيهِ مُندرِجاً / في نفسِهِ كَدَمٍ في جِسمِهِ سارِ
أعطاهُ مولاهُ من فضلٍ على صِغَرٍ / ما ليسَ تُعطَى شُيوخٌ ذاتُ أدهارِ
مواهبُ النَّاسِ مِثلَ النَّاسِ باطلةٌ / فلا عَطيَّةَ إلاَّ مِنْحةُ الباري
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ / ولكنْ أتاهُ الخَسفُ في غُرَّةِ الشَّهرِ
بَقِيْتَ لنا خَمساً وعشْراً فعندنا / من النَّوحِ كم خمسٍ عليكَ وكم عَشْرِ
جَرَحتَ قلوباً قد طَلَبنا لجُرحِها / دواءً فقالت لا دواءَ سوى الصَّبرِ
ومَن عاش في الدُّنيا الخَوُونِ تقلَّبتْ / عليه فلا يُعطَى الأمانَ من الغدرِ
قَضَى اللهُ بالهِجرانِ في أثَرِ اللِّقا / فيا حبَّذا لو كنتَ قبلاً على الهَجرِ
إذا كانَ ما نِلنا من الخيرِ زائلاً / فأفضَلُ منهُ ما يزولُ من الشَّرِّ
أطَعْنا وسلَّمنا إلى الله أمرَنا / على كُلِّ حالٍ أنَّهُ مالكُ الأمرِ
قد اختارَ مَن يَهوَى فأسرعَ جذبَهُ / إليهِ نقيّاً غيرَ منتقضِ الطُهرِ
فلبَّاه صافي العيشِ لم تدْنُ غُصَّةٌ / إليهِ ولم يُردَدْ إلى أرذَلِ العُمرِ
أيا قبرَ إبراهيمَ قد صرتَ مهدَهُ / وصاحبَهُ الباقي إلى آخرِ الدَّهرِ
ويا قبرَ إبراهيمَ أكرِمْ منعَّماً / عزيزاً على أُمٍّ مُخدَّشةِ الصَّدرِ
ويا وجهَ إبراهيمَ غيَّرَكَ البِلَى / كما غيَّرَتْنا لوعةُ الحُزنِ لو تدري
أتى مَن يُهنِّي أمسِ واليومَ جاءَ من / يُعزي فكادَ الحُلُو يُمزَجُ بالمُرِّ
وذاكَ وهذا حُكمُ مَن جازَ حُكمُهُ / فَمَن حازَ تسليماً لهُ فازَ بالأجرِ
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ
غُرابُ البَينِ أسرَعَ في البُكورِ / فطارَ بمُهجةِ الطِّفلِ الصَّغيرِ
أتى يصطادُ يوماً فاجتَناهُ / كفاكهةٍ من الثَّمَر النَّضِيرِ
أذابَ اللهُ قلبَكَ من غُرابٍ / تَناوَلَ حَبَّةَ القلبِ الكسيرِ
وَرَدْتَ اليْومَ تَشرَبُ ماءَ دمعٍ / بهِ استغنيتَ عن ماءِ الغديرِ
عليكَ العهدُ لا تُبقي صغيراً / ولا تعفو عن الشَّيخِ الكبيرِ
بَسطتَ على بني الدُنيا جَناحاً / وآخرَ في السَّماءِ على النُّسورِ
عليكَ سلامُ ربِّكَ يا صغيراً / رَحَلتَ إلى الضَّريحِ من السَّريرِ
غفلنا عنكَ لم نُصحِبْكَ زاداً / فكانَ القلبُ زادَكَ في المسيرِ
عليكَ الحزنُ ليسَ لهُ نظيرٌ / لأنَّكَ لم يكنْ لكَ مِن نظيرِ
أصَبْتَ بعيَشِكَ العامَينِ رُشداً / كأنَّكَ عائشٌ عَدَدَ الشُّهورِ
حَرَصْنا أن تعيشَ لنا سليماً / فكانَ الحِرْصُ من عَبَثِ الأُمورِ
متى يسلوكَ باكٍ كلَّ يومٍ / تَجِدُّ بقلبهِ نارُ السَّعيرِ
ستسلوكَ القلوبُ نَعَمْ ولكنْ / متى صارَتْ تُرَاباً في القُبورِ
أفادَكَ نورُ قلبِكَ حُسْنَ رأيٍ / فما استمسكتَ بالدُّنيا الغَرُورِ
رأيتَ النَّاسَ في سَفَرٍ طوِيلٍ / فقُلْتَ الرأيُ في السَّفَرِ القصيرِ
تنَّبهوا يا عِبادَ الله واعتبروا
تنَّبهوا يا عِبادَ الله واعتبروا / فالموتُ بالبابِ والأرواحُ تنتظرُ
ما بينَ لحظةِ عَينٍ في تَرَدُّدها / تأتي المَنايا ويَمضي السَمْعُ والبَصَرُ
الرِّيحُ أفضلُ من أرواحنا مَدَداً / نَعَمْ وأفضلُ من أجسادنا الحَجْرُ
هاتيكَ تَرِجعُ إذ هبَّتْ نسائِمِها / وذاكَ يبقَى فلا يُمحى لهُ أثَرُ
أستغفرُ اللهَ من دهرٍ مضى عَبَثاً / في اللَّهوِ والسَّهْوِ نُمسي حيثُ نَبتكرُ
ندري بغُربةِ دارٍ نازلينَ بها / وليسَ يخطُرُ في بالٍ لنا السَّفرُ
دُنياكَ مِثْلُ خَيال الظِلِّ مُنبسِطاً / والنَّاسُ في طيِّهِ الأشباحُ والصُّورُ
نأتي ونذهبُ مِن أُنثَى ومن ذَكَرٍ / كأنمَّا لم يَكُن أُنثَى ولا ذَكَرُ
يمشي الفَتَى مِثْلَ ليثِ الغابِ مفترِساً / وكالفريسةِ يغدو وَهْوَ مُنكَسِرُ
قد باتَ كالبُرجِ عبدُ اللهِ ثمَّ غدا / مثلَ الهَباءِ الذي في الرِّيحِ يَنتثِرُ
لفُّوهُ ويلاهُ بالأكفانِ مندرِجاً / كما يُلّفُّ بغيمٍ في الدُّجَى القَمرُ
وسارَ في نعشِهِ عالي المقامِ كما / بالأمسِ كانتْ تُعلِّي قَدْرَهُ البَشَرُ
قد سابَقَ البينُ فيهِ الشيَّبَ مُختطِفاً / من قبلِ أن يَعتريهِ الشَّيبُ والكِبَرُ
رامَ الطَّريقَ إلى مَوْلاهُ مُختصراً / كسالكِ الطُّرِقِ يَستدني ويَختصِرُ
قد كانَ للنَّاسِ منهُ كلُّ مَنفَعةٍ / ممَّا استطاعَ ولم يُعرَفْ لهُ ضَرَرُ
وكانَ للنَّاسِ حَظٌّ من غِناهُ فقد / كانَ الغِنَى عندَهُ غُصناً لهُ ثَمَرُ
مُهذَّبُ النَّفسِ في قَوْلٍ وفي عَمَلٍ / لهُ على نفسهِ من قلبهِ سَهَرُ
بَني شُقَيرٍ خُذوا بالصَّبرِ واعتصِموا / إنَّ اللَّبيبَ على الأحزانِ يَصطَبِرُ
ربٌّ دعا عبدَهُ يوماً فبادَرَهُ / وكلُّ عبدٍ إلى مَولاهُ يبتَدِرُ
تُصرِّفُ النَّاسُ في الدُّنيا الأمورَ ولا / يَتمُّ فيها سِوَى ما صرَّفَ القَدَرُ
ورُّبما حَذِروا ما لا يُصادِفُهم / فيها وصادَفَهم غيرُ الذي حذِروا
للمرءِ في الدَّهرِ يومٌ لا مَساءَ لهُ / يرجو لِقاهُ وليلٌ ما لهُ سَحَرُ
يُعِدُّ للعَيْشِ من أموالهِ صُرَراً / شتَّى فيضحَكُ منهُ المالُ والصُرَرُ
كم ماتَ من شاربٍ والكأسُ في يدِهِ / فكانَ بينَ حواشي وِردِهِ الصَّدَرُ
ومُخبرٍ قبلَ أن تَمَّتْ عبارَتُهُ / بكلْمةٍ قد جَرَى عن مَوْتِهِ الخَبَرُ
النَّاسُ للموتِ لا للعيشِ قد وُلِدوا / فَهْوَ الحياةُ التي تُرْجَى وتُعْتَبَرُ
يا ويلَ أيَّامِنا الأولى التي رَبِحتْ / في الأرضِ إن خَسِرتْ أيَّامُنا الأُخَرُ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ
إذا ذهبَ الكثيرُ من الكثيرِ / فقد عَزَمَ القليلُ على المَسيرِ
وإن ذهبَ الكبيرُ ولم يُؤَثِرْ / فليسَ نخافُ مِن أثَرِ الصَّغيرِ
إذا سَلِمَتْ من النِّيرانِ نفسٌ / فلا ترتاعُ من حرِّ الهجيرِ
ومَن لم يَفترسِهُ ظُفْرُ لَيْثٍ / فليس يَدُوسهُ خُفُّ البعيرِ
يهونُ على يسيرٍ منكَ صَبْرٌ / لأنَّكَ قد صَبَرتَ على العسيرِ
وهل يرْتاعُ مِن خَوضِ السَّواقي / فتىً قد خاضَ في البحرِ الكبيرِ
عليكَ بطيبِ نَفْسٍ وارتياحٍ / وتسليمٍ إلى المَلِكِ القديرِ
فإنَّ الخوفَ داءٌ فَوْقَ داءٍ / يُذِيبُ إذا تَعلَّقَ بالضميرِ
وفِعْلُ اللهِ يُبطِلُ كُلَّ فِعلٍ / ويَغلِبُ طِبَّ داودَ البصيرِ
حياةُ النَّاسِ في الدُّنيا مَنامٌ / ويَقظتُهم لدَى النَّوْمِ الأخيرِ
وكلُّ العمرِ يومٌ أنتَ فيهِ / فما فَرْقُ الطويلِ عن القصيرِ
وبعضُ الحيِّ فَوْقَ البعضِ حتى / يموتَ فكُلُّ عبدٍ كالأميرِ
وبيتُ العَنْكبوتِ إذا رحلنا / يُعادَلُ بالخَوَرْنَقِ والسَّديرِ
ونفسُ المرءِ في الدُّنيا أسيرٌ / ومَوْتُ الجسمِ إطلاقُ الأسيرِ
فلا أسفٌ على الدُّنيا ولكنْ / على ما بعدَ ذاكَ من المصيرِ
ينامُ المجرِمونَ على قَتَادٍ / ونومُ الصالحينَ على حريرِ
وأندَمُ غافلٍ من صَمَّ سمعاً / قُبيلَ البينِ عن صوتِ النَّذيرِ
وإنَّ النُّصحَ في الحُكَماءِ يجري / كَجْريِ الماءِ في الرَّوضِ النَّضيرِ
وفي أُذُنِ الجَهولِ يضيعُ هَدْراً / كضَوءِ الصُّبحِ في عينِ الضَّريرِ
قَلْبُ الخليفةِ يَقْظانٌ يُجرّدُهُ
قَلْبُ الخليفةِ يَقْظانٌ يُجرّدُهُ / ممَّا يَعافُ الرِّضَى من واجبِ النَّظَرِ
مُظَفَّرٌ نائبٌ في أرضِ واقِفِهِ / مُبارِزٌ غالِبٌ دُنياهُ بالظَّفَرِ
تَقارَنَ اليومَ طيبُ السَّمْعِ والبَصَرِ
تَقارَنَ اليومَ طيبُ السَّمْعِ والبَصَرِ / من دولةٍ نَظَرَتْ في مَوْضِعِ النَّظَرِ
فاضتْ كراماتُها في الشَّرقِ واردةً / منها إلى البَدرِ تُهدي نَجْمةَ السَّحَرِ
يا حبذا شَرَفٌ وافَى على شَرَفٍ / كأنَّهُ مَطَرٌ وافى على مَطَرِ
أهدَى بهِ المَلِكُ المأمولُ نائلُهُ / إلى الحبيبِ حبيبِ اللهِ والبَشَرِ
عطيَّةُ الفخرِ فوقَ المالِ مَرتَبةً / كرُتبةِ الشَّمسِ تعلو رُتبةَ القَمَرِ
وإنْ يكُنْ ذاكَ من جنسِ الحِلَى نَسَباً / فهكذا الماسُ معدودٌ من الحجرِ
سَحابةٌ أنبَتَت شُكراً لمُقتدرٍ / في روضةٍ ثمرَت جاهاً لمُفتخِرِ
وأفضلُ الأرضِ ما يزكو النَّباتُ بها / وأفضلُ النَّبْتِ ما يأتيكَ بالثَّمرِ
كلُّ الأمورِ إذا ضاقتْ لها فَرَجٌ / مُقيَّدٌ بقَضاءِ اللهِ والقدَرِ
لا يثبتُ الدَّهرُ في حالٍ فإن كَدِرَتْ / مياهُهُ فانتَظِروا صَفواً من الكَدَرِ
ورُبَّما كان فيهِ المرءُ مُنتظِراً / عُسْراً فجاءَ بيُسرٍ غيرِ مُنتظَرِ
لكِ البشارةُ يا عيناً قد انطرفَتْ / فطَرْفة العينِ لا تُفضي إلى الخَطَرِ
قدْ كانَ ما كانَ ممَّا حامَ طائِرُهُ / كأنَّهُ لم يَحُمْ يوماً ولم يَطِرِ
ما دامَ يخلُفُ يوماً جنحُ ليلتِهِ / يُقلِّبُ الدَّهرُ بينَ النَّومِ والسَّهرِ
والمرءُ في الدَّهرِ مثلُ الدَّهرِ في سَفَرٍ / لكنَّهُ ليسَ يدري منزِلَ السَّفَرِ
إنَّ التجارِبَ تُؤْذي عند نَوْبَتِها / لكنْ عواقِبُها محمودةُ الأثَرِ
وعِشرةُ النَّاسِ في دُنياكَ مدرسةٌ / تُعطي من الخُبْرِ ما يُغني عن الخَبَرِ
مَن عاشَ في الأرض لا تُرجى سلامَتُهُ / من الخُطوبِ ولو بالغتَ في الحَذَرِ
وأهوَنُ الضَرِّ ما جرَّتْ عواقِبُهُ / نفعاً فنَسلو بهِ عن ذلكَ الضَّررِ
نَفَذَ القَضا من أوج ذلكَ المِنبَرِ
نَفَذَ القَضا من أوج ذلكَ المِنبَرِ / فاصبِرْ على بَلواكَ أولا تصبِرِ
ولقد أَتَى ما لَسْتَ تملِكُ بعدهُ / غيرَ البُكاءِ ولوعةِ المتحسِّرِ
يا أيُّها العَينُ التِّي تَبكي عّلى / فقْد الحبيبِ بدَمعِها المتّحدِّرِ
تبكينَ هذا اليومَ لكن في غدٍ / يُبكَى عليكِ وهكذا لم تخسَري
نَنهَى عن الحُزنِ المُذيبِ قلوبَنا / مثلَ النَّديمِ يَعيبُ شُربَ المُسكِرِ
إنَّ اللِّسان يُطيعُ أمرَ نصيحهِ / والقلب يَنبذهُ كمَن لم يُؤْمَرِ
يا راحلاً كَسَرَ الخواطرَ قائلاً / إنِّي حَلَفتُ عليكِ أن لا تُجبَرِي
تَسقِي مدامُعنا ثراكَ فإنَّها / أصفَى وأفضلُ مِن مياهِ العُنصُرِ
لو تُشتَرَى يا أيُّها القمرُ الذي / ذاقَ الخُسوفَ لتَمَّ سعدُ المُشتَري
هيهاتِ قد عزَّ الفِداءُ فخابَ مَن / يَفدي ولو أعطَى مَمَالِكَ قيصَرِ
داءٌ قديمٌ كم لهُ من حسرةٍ / في كلِّ قلبٍ من خَوالي الأدهُرِ
قد حيَّرَ الألبابَ في أحكامهِ / وأضاعَ رُشدَالفيلسوفِ الأكبرِ
يعفو عن الشَّيخِ المكبِّ على العَصا / عجزاً ويفتُكُ بالغُلامِ الأصغرِ
يا يُوسُفَ الحُسنِ البديعَ جَمالُهُ / ماذا أصابَ جَمالَ ذاكَ المنظرِ
في السِّتِّ عَشْرَةَ من حياتِك عِفتَهَا / كالبدرِ يَخسِفُ في انتصافِ الأشْهُرِ
ولقد رحلتَ بلا وَداعٍ ضارباً / ميعادَ تسليمٍ ليومِ المحَشرِ
فارقتَ دُنياكَ بلا وَداعٍ طالباً / دارَ النَّعيمِ فكانَ أربَحَ مَتْجرِ
وعلمتَ أنَّكَ لا مَحالَ مسافرٌ / فقصدتَ تسلُكُ في الطَّريقِ الأقصرِ
هذا الذي خُلِقَ العبادُ لأجلهِ / فالحيُّ يُحسبُ ميِّتاً لم يُقبَرِ
أعددْ لطفلِكَ نعشَهُ مَعَ مَهدِهِ / فَلقد يُضَمُّ كلاهما في المَحضَرِ
يا أيُّها الباكي على مَن باتَ في / دارِ السَّعادةِ كُفَّ دمعكَ واقصِرِ
قد فاز بالمُلكِ المُعَدِّ لمِثلِهِ / والمُلْكُ عادةُ يوسفٍ فاستبشِرِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ / فنورٌ على نورٍ وبِشْرٍ على بِشْرِ
وزيرٌ على الحقِّ المُبينِ مُؤازِرٌ / لمُرسِلهِ وَهْوَ البرئُ من الوِزْرِ
لقد سارَ نحو الغرب كالقمر الذي / يغيب فيبدو منهُ في غُرَّة الشهرِ
حكى ليلةَ الإسراءِ يومُ رحيلهِ / ويومُ لقاهُ قد حكى ليلةِ القَدْرِ
على وجههِ من سُورةِ النُّور آيةٌ / وفي سيفهِ من سورةِ الفَتْحِ والنَّصْرِ
فيتلو على أصحابهِ آيةَ الضُّحَى / ويتلو على أعدائِهِ آيةَ النَّحرِ
على قلبِهِ قد خطَّ من خوفِ ربِّهِ / أساطيرَ ذي النورَينِ في ذلكَ السِّفْرِ
وقامَ بحقِّ الفَرضِ والنَّفلِ ناهِضاً / من الصَّلواتِ الخمسِ بالشَّفعِ والوَتْرِ
على الرَّاشِدِ الهادي التحيَّةُ والرِّضَى / من الله تَقرَّاها الملائكُ في الفَجْرِ
هو الرَّحمَةُ العُظمَى التي أحيَتِ الرُّبَى / إلى أن كسَتْها حُلَةَ السُّندسُ الخُضْرِ
بنى عدلُهُ سوراً لسُوريَّةَ التِّي / أتاها بخِصْبِ الأرضِ كالنِّيل في مصرِ
أحاطَ بها كالبحرِ فَهْيَ جزيرةٌ / لبحرٍ كثيرِ المَدِّ مُمتنِعِ الجَزْرِ
بصيرٌ بأمرِ الدَّهرِ يَهشِمُ رأسَهُ / بأُنمُلةٍ صَمَّاءَ تَلعَبُ بالدَّهرِ
إذا اسودَّ خطبٌ يحجِبُ العينَ كالدُّجَى / أتاهُ برأيٍ يَخرُقُ الحُجْبَ كالبدرِ
مدحتُ الوزيرَ الرَّاشدَ اليومَ بالَّذي / دَرَيتُ وأهملتُ الَّذي لم أكُنْ أَدرِي
فكانَ الذي أدريهِ بعضاً من الذي / جَهِلتُ كإعطاءِ الخَراجِ مِن العُشْرِ
عليَّ ديونٌ رُتِّبَتْ لجَلالِهِ / فأصبحتُ مديوناً أخافُ مِن الكَسْرِ
ولكنْ غريمي يَقبلُ العُذرَ راثياً / لضُعفي فيأبى أن يُعامِلَ بالعُسْرِ
ما زِلتُ أسمَعُ ذكرَ عبد القادرِ
ما زِلتُ أسمَعُ ذكرَ عبد القادرِ / حتَّى تمنَّتْ أن تراهُ نَواظِري
واليومَ قد سَمَحَ الزَّمانُ بزَورةٍ / شَكَرَت بها بيروتُ فضلَ الزائرِ
هذا هو المولى الشَّهير بلُطفِهِ / في كلِّ قُطرٍ كالصَّباحِ الزَّاهِرِ
قد قامَ في مجدِ الملوكِ فزادَهُ / أُنساً يَعافُ بهِ اختيالَ الفاخِرِ
مُستعصِمٌ بالله في قولٍ وفِي / عملٍ لهُ من باطنٍ أو ظاهِرِ
بَعَثَ الإلهُ من المغَارِبِ رحمةً / لدِمَشقَ أحيتها بلُطفٍ باهرِ
النَّاسُ تَصطَنِعُ الجميلَ لواحدٍ / يا من جميلُكَ مع أُلوفِ عشائرِ
ضاهتْ ديارُكَ فُلكَ نوحٍ إذ حَمَى / ما فيهِ من فيضِ المياهِ الغامِرِ
طالت مكَارِمُكَ الجِسامُ فقَصَّرت / عن مدحِ جُودتِها لسانَ الشَّاعرِ
وبها الملوكُ تَحمَّلت لكَ مِنَّةً / بَعَثَتْ إليكَ بها هدايا الشَّاكرِ
تمَّمْتَ سَعيكَ في تِجارةِ قانِتٍ / بالحجِّ توسيعاً لرِبْحِ التَّاجِرَ
ما حجَّ بيتَ اللهِ قبلَكَ زائرٌ / أوَلى وأجدَرُ بالقَبولِ الوافِرَ
يا سيِّداً أبصرتُ منهُ فوقَ ما / قد كنتُ أسمَعُ في الحديثِ السَّائرَ
ما زالَ يحَسُدُ ناظري بكَ مِسمَعي / واليومَ يَحسُدُ مِسمَعي بكَ ناظري
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ / ولكنَّهُ لم يعرِف التِّيهَ في القَفْرِ
ولو كانَ شَقُّ البحرِ مِن حاجةٍ لهُ / لَشَقَّ لَديهِ رَبُّهُ لُجَّةَ البحرِ
أتانا بوجهٍ كالصَّباحِ فلم يكنْ / إذا سار تحتَ اللَّيلِ يحتاجُ للبدرِ
وفي يدهِ البيضاءِ تلكَ العصا التي / إذا ضَرَبَت صخراً تُؤَثِّرُ في الصَّخرِ
لهُ مَنصِبٌ في البَرِّ والبَحرِ أُخلِصَتْ / لهُ طاعةُ الجُمهور في السِّرِّ والجَهْرِ
وتاجٌ كتاجِ المُلكِ فوقَ جبينهِ / تَقلَّدَ مَعْهُ خاتَمَ النَّهْيِ والأمرِ
طبيبٌ يداوي عِلَّةَ النَّفسِ شافياً / كبُقراطَ للأبدانِ في سالفِ الدَّهرِ
ويصبو إلى بِيضِ الطُّروسِ وسُودِها / من الحِبرِ لا بِيضَ الدَّراهمِ والصُّفرِ
لقد حلَّ روحُ اللهِ في طيِّ قلبهِ / كما حلَّ قِدْماً في حَشا مريمَ البِكْرِ
فألَّفَ ما بين القلوبِ بلطفهِ / كما امتَزَجَ الماءُ الزُلالُ مع الخَمرِ
وأنشا لدَرْس العلم مدرسةً لنا / بَنَى فوقها بُرجاً عظيماً من الأَجرِ
أقامت رميماً ماتَ من علمِ قومهِ / فكانت كصوتِ البوقِ في مَوقِفِ الحَشْرِ
نَرى كلَّ يومٍ يومَ عيدٍ بوَجههِ / وكلَّ الليالي عندنا ليلةَ القَدْرِ
وكلَّ مَقامٍ حلَّهُ بيتَ مَقدِسٍ / يُزارُ كما يُسعى إلى ذلك القبرِ
نظمتُ له هذا المديحَ تيمُّناً / بذِكراهُ لا أبغي له رِفعةَ القدرِ
وليسَ لهُ بالمدحِ فخرٌ يَنالُهُ / ولكن بهِ للمدحِ عائِدةُ الفخرِ
يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري
يا بائعَ الصَّبرِ لا تُشفِقْ على الشَّاري / فدِرهَمُ الصَّبرِ يَسوَى ألفَ دينارِ
لا شيءَ كالصَّبرِ يَشفي جُرحَ صاحِبهِ / ولا حَوَى مثلَهُ حانوتُ عَطَّارِ
هذا الذي تُخمِدُ الأحزانَ جُرعتُهُ / كبارِدِ الماءِ يُطفي حِدَّةَ النَّارِ
ويَحفظُ القلبَ باقٍ في سلامتهِ / حتى يُبَدَّلَ إعسارٌ بإيسارِ
إن السَّلامةَ كَنزٌ كلُّ خردلةٍ / منهُ تقُوَّمُ مِن مالٍ بقنطارِ
والمالُ يُدعى صديقاً عند حاجتهِ / وقد يكونُ عدُواً داخِلَ الدَّارِ
يا مَن حَزِنتَ لفَقْدِ المالِ إنَّكَ قد / خُلِقتَ عارٍ وما في ذاكَ من عارِ
كما أتى أمسِ ذاكَ المالُ مُكتَسَباً / يأتي غداً من بديعِ اللُّطفِ جَبَّارِ
حوادثُ الدَّهرِ تجري في البلادِ على / مَراتبِ النَّاسِ مقداراً بمقدارِ
إن الرِّياحَ تُصيبُ النَّخلَ تَقصِفُهُ / وليسَ تقصِفُ غُصنَ الشِّيحِ والغارِ
إذا بقي منكَ أدنَى فضلةٍ صَغُرَت / فإنَّها قِطعةٌ من طُورِ أطوارِ
هَبْ أنكَ الشَّمسُ في الأفلاكِ طالعةً / هل تسلمُ الشَّمسُ من كَسفٍ وأكدارِ
والشَّمسُ في برجِها شمسٌ ولو كَسَفَت / فلا يَحُطُّ عُلاها كسفُ أنوارِ
للدَّهرِ يومٌ علينا لا يدومُ كما / يومٌ لنا لم يَدُمْ في حكمهِ الجاري
لا يلبَثُ الغصنُ عُرياناً بلا ثَمرٍ / حتَّى تراهُ بأوراقٍ وأثمارِ
سَيفتَحُ اللهُ باباً ليسَ تعرِفُهُ / ومنهَجاً غيرَ ملحوظٍ بأبصارِ
إذا قطعنا رجاءَ النَّفسِ مِن فَرَجٍ / فإننا قد قطعنا رحمةَ الباري
سلامٌ على وادي الأراكِ وحاجِرِ
سلامٌ على وادي الأراكِ وحاجِرِ / وما ثَمَّ من ظبيٍ أنيسٍ ونافرِ
ديارٌ لنا فيها مِن العُرْبِ جِيرةٌ / كِرامُ جِوارٍ من كرامِ العَشائرِ
لقد حالَ عهدُ الوصلِ منَّا ومنهمُ / وما حالَ عهدُ الحبِّ بينَ الضَّمائرِ
يُذكِّرُنيهمِ كلَّما لاحَ بارقٌ / من الحيِّ يَستسقي سَحابَ المَحاجرِ
وبي ظَبَيَاتٌ في الكثيبِ تَمايَلتْ / تَصولُ بأهدابِ العُيونِ السَّواحرِ
فَواتِرُ أجفانٍ فَتَكنَ بمُهجتي / فَوَيلاهُ من فَتْك الجفونِ الفواترِ
عليهنَّ وشْيٌ للمَطارِفِ مُذهَبٌ / يلوحُ على وشيٍ من الحُسنِ باهِرِ
فأُعجِبتُ بالوَشيَين حتى تبلَّجَتْ / خَرِيدةُ حسنٍ نُزِّهَتْ عن نَظائرِ
نِزاريَّةٌ نجديَّةٌ رَبَعيَّةٌ / عليها رِداءٌ من طِراز المَحابرِ
أتتني مِن نحوِ الحُسينِ فأبرَزَتْ / مَحاسنَ لُطفٍ شَوَّقَت كلَّ ناظرِ
أبانت صفاءَ السِّرِّ منهُ وأكدَّت / صحيحَ وِدادٍ باطنٍ فيهِ ظاهرِ
سَقَى اللهُ نجداً والسَّلامُ مكرَّراً / على أولٍ من أرضِ نجدٍ وآخرِ
ألا إنَّ نجداً للذَّخائرِ مَعدَنٌ / نَعَمْ إنَّ نجداً مَعدِنٌ للذَّخائِرِ
إلى الدَّهرِ مِن آثارِ بَكرٍ وتَغلِبٍ / إفاضةُ ذكرٍ في المَحافلِ دائرِ
ألا حَبَّذا مِن أرضِ نجدٍ نُسَيمةٌ / وجُرعةُ ماءٍ من شُبيَثِ الجآذِرِ
ويا حَبَّذا ماءُ الجِفارِ وحَبَّذا / رُبوعُ تميمٍ والعراقِ المُجاورِ
أشوقُ إلى تلك الدِّيار وذكرِها / على بُعدها شوقَ الغريبِ المسافرِ
وإني لذو مَشطورِ جسمٍ من الضَّنَى / وقلبٍ صحيحٍ كاملِ الرأيِ وافرِ
كثيرُ المُنَى لكنْ قليلُ بُلوغِها / وإنَّ الأماني مِنْ تَعلَّةِ قاصِرِ
جَليدٌ على البلوَى صَبورٌ وإنَّنِي / على غيرِ جَهْدِ الصَّبرِ لستُ بقادرِ
ولا ريبَ أنَّ الصَّبرَ في الذَّوقِ مُرَّةٌ / موارِدُهُ في النَّفسِ حُلوُ المَصادرِ
شابَ شِعري نظيرَ ما شابَ شَعري
شابَ شِعري نظيرَ ما شابَ شَعري / فبياضُ العِذار بيَّضَ عُذري
كان لي في الشبابِ ليلٌ ولكن / أيُّ ليلٍ يكون من غير فجرِ
ولقد قصَّرَت طِوالُ الليالي / هِمَّتي فانتشا من الطُّول قِصرِي
كنتُ صخراً لَدى الشَّباب ولكنْ / صِرتُ لمَّا فَقَدتُهُ أُختَ صخرِ
طالَ صبري على الحوادثِ حتَّى / صارَ جاري دمي عُصارةَ صبرِ
ضَرَبتني فألَّمتْ لا كضربٍ / دارَ في النَّحوِ بينَ زيدٍ وعمرِو
ضاقَ صدري وما شكوتُ لأنِّي / لم أنَلْ بالشَّكوى سِوَى ضيقِ صَدْريِ
وتمنيَّتُ طيبَ نفسٍ فقالوا / عند شيخِ الإسلامِ ذلك فادْرِ
لُذْ بأنفاسهِ الشَّريفةِ واغنَمْ / بَرَكاتٍ لهُ من العرشِ تَجري
واستَلِمْ رُكنهُ الذي لكَ منهُ / يومُ عيدٍ تليهِ ليلةُ قَدْرِ
طورُ علمٍ لربِّه يَتَجلَّى / كلَّ يومٍ عليه من دون سِترِ
أطعَمَ المَنَّ لفظُهُ كلَّ سَمْعٍ / وعَصاهُ تلقَّفتْ كلَّ سِحْرِ
قطرةٌ مِن نَداهُ بحرٌ ويومٌ / مَن رِضاهُ أجلُّ مِن ألفِ شهرِ
ولنا منهُ نظرةٌ هيَ تِبْرٌ / تِبرُنا عندهُ قُلامَةُ ظُفَرِ
بحرُ علمٍ يَسقي شراباً طهوراً / عندهُ صارَ جَدولاً كلُّ بحرِ
يَغمُرُ اليُمْنُ منهُ مُلكاً كبيراً / لكبيرٍ في الأرضِ مالكِ أمرِ
مَلِكٌُ عندهُ لذي العلمِ جاهٌ / كصنيعِ الرَّسولِ مع آلِ بدرِ
عبدُ عبدِ العزيز عبدٌ عزيزٌ / يزدهي عِزَّةً على كلِّ حُرِّ
كلُّ قلبٍ لم ينصرفْ عن وَلاهُ / باتَ وَهْوَ الأمينُ مِن كلِّ كسرِ
هذهِ الدولةُ التِّي يشتهيها / كلُّ أهلِ الزَّمانِ مِن كلِّ عصرِ
إن تكنْ كلُّ دولةٍ بيتَ شعرٍ / فهْيَ حرفُ الرَّوِيِّ مِن كلِّ شعرِ
ليسَ نفسٌ لا تعرِفُ البُخلَ إلاّ / نفسُ عبد العزيزِ كَنزي وذُخري
ذاكَ لولاهُ ما نطقتُ بحمدٍ / لكريمٍ ولا دريتُ بشُكرِ
قضى في خَلقهِ ذو العَرشِ أمرا
قضى في خَلقهِ ذو العَرشِ أمرا / فصبراً أيُّها المحزونُ صَبْرا
لعَمرُ اللهِ إنَّ الصَّبرَ مُرٌُّ / وأكثَرُ ما أفادَ يكونُ مُرَّا
وكلُّ حَلاوةٍ طَعْمٌ شَهيٌّ / وأكثَرُها وَجَدناهُ مُضِرَّا
رماكمْ يا كِرامَ النَّاسِ سهمٌ / أصابَ فتىً سليمَ القلبِ حُرَّا
مَضَى عَجَلاً وخلَّفَ طُولَ حُزنٍ / يدومُ عليهِ في الأحياءِ دَهرا
هو الغصنُ الذي جَنَتِ المنايا / عليهِ بقصفهِ ظُلماً وغَدرا
أبَرُّ مُهذَّبٍ قولاً وفِعلاً / وأفضلُ مُخلِصٍ سرّاً وجهرا
علكيمْ بالتَّأسِّي فهو طِبٌّ / بهِ داءُ الأسَى في القلبِ يَبْرا
أقامَ الدُّودُ ينهشُ قلبَ صخرٍ / وقامت تندُبُ الخنساءُ صَخرا
فأفنَى الدَّهرُ صخراً في بِلاهُ / وراحت أدمُعُ الخنساءِ هَدْرا
لكلِّ هياكلِ الأرواحِ هَدْمٌ / ولو فَسَحتْ لها الأيَّامُ عُمرا
وعَيشُ المرءِ حُلمٌ قد تَقَضَّى / فأعقَبَ حَسْرَةً وأطالَ ذِكرا
وذاكَ طريقُنا نمشي عليهِ / إلى دارٍ وراءَ القبر أُخرَى
لعَمرُكَ إنَّهُ سفَرٌ طويلٌ / تَفانَى قيصرٌ فيهِ وكِسرَى
فطُوبَى للذي يَعتَدُّ زاداً / لهُ حتى يُصيبَ لهُ مَقرَّا
سلامُ اللهِ مِن أعلَى سَماهُ / على صَفحاتِ ذاكَ الرَّمسِ يُقرا
حَوَى بدرَ التَّمامِ وهل سمِعتُمْ / ببدرٍ أنزَلَتْهُ النَّاسُ قَبرا
سَقتْهُ مَراحِمُ الرَّحمن سُحباً / مُؤرَّخةً وغيثُ الجُود قَطْرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025