القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ نُباتَة المِصْري الكل
المجموع : 227
تذكرت مصراً والأخلاّء والدهرا
تذكرت مصراً والأخلاّء والدهرا / سقى الله ذاك السفح والناس والعصرا
وقالت ظنوني في الشآم ادعُ لذةً / فقال لها ماضي الزمان اهبطوا مصرا
تقول أناسٌ إن جلق جنةٌ / فما بال أحشاء الغريب بها حرّى
بروحي فتان اللواحظ أغيد / شديد التجني ما أضرّ وما أضرى
من الغيد يحمي لحظُ عينيه ثغرَه / ولم أرَ سيفاً وحده قد حمى ثغرا
تثنى قضيباً فاح مسكاً رنا طلاً / سطا أسداً غنى حماماً بدا بدرا
وصيرني الواشون حتى حذرتهم / فها أنا مقتولٌ على حبه صبرا
أحاكي حبابَ البابليّ وتغرَه / بدمعيَ واللفظ الجماليّ والدرا
رئيس محا وِزْرَ الزمان بجوده / وشدّ لأبناء الرجا مئزراً إزرا
إذا ما رأيت الدهر يلهب تارة / فنل يا لإبراهيم نأمن به الدهرا
ولذ بحماه للمكارم والهدى / تجد علمه يقري وأضيافه تقرى
ومعدن خير بالفضائل والهدى / لطلابه يهدي الجواهر والنثرا
بفضل يديه أو بفضل دعائه / تشيم وتستسقي الغمائم والقطرا
وقال أناس جاوز الشعرُ قدرَه / فقلت نعم والله قد جاوز الشعرى
ألا أيها المجري له اللوم في الندى / لقد جئت شيئاً في مسامعه نكرا
سريّ سما للفضل والناس هجد / فسبحان من بابن السيادة قد أسرى
له قلم قد جاوز الغيث فاغتدى / ينمق في أرجاء مهرقه الزّهرا
ويبعث من دهم السطور إلى العلى / محجلة في طيِّ أدراجه غرَّا
زهى غصنه حتى إذا خيفت الوغى / رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا
بيمن امرئٍ أحيى به ميت الرجا / وبدّل عسر الحادثات لنا يسرا
وما فيه من عيب يعد لعائب / سوى أنه بالجود يستعبد الحرَّا
ولله سرٌ في معاليه مودعٌ / ولا عجبٌ للسرّ يستودع الصدرا
أمولاي لي قصدٌ تخطى لك الورى / كما يتخطى الليلَ من يطلب الفجرا
فدونك آمالاً قديماً رجاؤها / ودونك من نظم الثنا غادة عذرا
تناهى الحيا وقتاً وغالبها الجوى / فجاءت تعد السهل نحوك والوعرا
وتشكو عقوق المعرضين وبخلهم / إليك فتلقى عندك البرّ والبحرا
خدَمتك من فلك الثناء الدائر
خدَمتك من فلك الثناء الدائر / غرَرُ النجوم بكل معنًى باهر
يا شائدَ الحرمين بالهمم التي / ملأ الحديث بها لسان الذاكر
شيدت ما يبقى ويسري ذكره / في الأرض فاعجب للمقيم السائر
وعمرت فيها كلّ بيت عبادة / فأتى المديحُ بكلِّ بيت عامر
قسماً لو أنَّ الفضل مثلك صورةً / لحللتَ منها في مكان الناظر
أنت الذي حفّ المحاسن فضله / فأصاب باطنَ فضله للظاهر
فطَّرت أفواه الصيام تقرباً / ورميت أكباد العداة بفاطر
ورفعت للوفد الدّخان من القرى / ولقيت ذنبَ المخطئين بغافر
فتهنَّ بالعيد السعيد ممتعاً / بذخائر التقوى وأيّ ذخائر
لولاكَ لم يكُ للرَّجا من قوة / يلقى الزمان بها ولا من ناصر
فوحقّ جود يديك لولا أنت ما / سميت نفسي الآن باسم الشاعر
لكن نثرتَ مكارماً نظمتها / مِدَحاً فبلّغ ناظم عن ناثر
جوزيت عني بالثناء كما جزى / نفس الرياض ندى الغمام الباكر
إنْ حدّثت بك حالتي عن واصلٍ / فلقد تحدّث مهجتي عن جابر
يا من حمدت إلى حماه محاجراً / سُلكت ولو أني سلكت محاجري
خذها إليك بديهةً نزهتها / عن قامةِ سمرا ولحظٍ فاتر
ظهرت مناقبك الحسان فجئتها / من وصف سؤدد بلفظٍ ظاهر
ودنا بها سهلُ المديح فلم أقلْ / كم بين أكنافِ العذيب وحاجر
الله جارك إنَّ دمعيَ جاري
الله جارك إنَّ دمعيَ جاري / يا موحشَ الأوطان والأوطار
لما سكنت من التراب حديقة / فاضت عليك العينُ بالأنهار
شتان ما حالي وحالك أنت في / غرفِ الجنان ومهجتي في النار
خفّ النجا بك يا بنيّ إلى السرى / فسبقتني وثقلتُ بالأوزار
ليت الرّدى إذ لم يدعك أهاب بي / حتى ندوم معاً على مضمار
ليت القضا الجاري تمهل وِرده / حتى حسبت عواقب الإصدار
ما كنت إلا مثل لمحة بارق / ولى وأغرى الجفن بالإمطار
أبكيك ما بكت الحمامُ هديلها / وأحنّ ما حنت إلى الأوكار
أبكي بمحمرِّ الدّموع وإنما / تبكي العيون نظيرها بنضار
قالوا صغيراً قلت إنَّ وربما / كانت به الحسرات غير صغار
وأحقّ بالأحزان ماض لم يسيء / بيدٍ ولا لسنٍ ول إضمار
نائي اللقا وحماه أقرب مطرحاً / يا بعد مجتمع وقرب مزار
لهفي لغصن راقني بنباته / لو أمهلته التربُ للإثمار
لهفي لجوهرةٍ خفت فكأنني / حجبتها من أدمعي ببحار
لهفي لسار حار فيه تجلدي / وا حيرتي بالكوكب السيَّار
سكن الثرى فكأنه سكن الحشا / من فرط ما شغلت به أفكاري
أعزِز عليّ بأن ضيف مسامعي / لم يحظَ من ذاك اللسان بقاري
أعزز عليّ بأن رحلت ولم تخض / أقدام فكرك أبحر الأشعار
أعزز عليّ بأن رفقت على الردى / وعليك من دمعي كدّر نثار
أبنيّ إن تكسَ التراب فإنه / غايات أجمعنا وليس بعار
ما في زمانك ما يسّر مؤملاً / فاذهب كما ذهب الخيال الساري
لو أن أخباري إليك توصلت / لبكيتَ في الجنات من أخباري
أحزان مدّكرٍ ووحشةُ مفردٍ / ومقام مضيعة وذلّ جوار
أبنيّ إني قد كنزتك في الثرى / فانفع أباك بساعة الإقتار
أبنيّ قد وقفت عليّ حوادثٌ / فوقفنَ من طلل على آثار
ومضى البياض من الحياة وطيبها / لكنها أبقته فوق عذاري
نمْ وادعاً فلقد تقرح ناظري / سهراً ونامت أعينُ السمار
أرعى الدّجى وكأنَّ ذيل ظلامه / متشبثٌ بالنجم في مسمار
خلع الصباح على المجرة سجفه / أم قسمت شمس النهار دراري
أم غاب مع طفل أخيرُ دجنتي / لا كوكبي فيها ولا أسحاري
تبًّا لعاديةِ الزمان على الفتى / فلقد حذرت وما أفاد حذاري
وحويت ديناراً لوجهك فانتحى / صرف الزمان فراح بالدينار
أبنيّ إن تبعد فإنَّ مدى اللقا / بيني وبينك مسرِعُ التيار
إن تسقني في الحشر شربة كوثرٍ / فلقد سقتك مدامعي بغزار
كيف الحياة وقد دفنت جوانحي / ما بين أنجادٍ إلى أغوار
وحوى نبيّ تراب مصر وجلق / كالغيم مرتكناً على أقمار
طرقت على تلك النفوس طوارق / وطرت على تلك الجسوم طواري
وبدت لدى البيدا مطي قبورهم / علماً بأنهمُ على أسفار
قسماً بمن جعل الفناء مسافة / إنا على خطرٍ من الأخطار
قل للذين تقدمت أمثالهم / أين الفرار ولات حين فرار
ما بين أشهبَ للظلام معاود / ركضاً وأدهم للدجى كرار
يطأ الصغير ومن يعمر يلتحق / وعليه من شيبٍ كنقع غبار
مالي وعتب الشهب في تقديرها / ولقد تصاب الشهب بالأقدار
لا عقرب الفلك اللسوب من الردى / ينجو ولا أسد البروج الضاري
يرمي الهلال بقوسه أرواحنا / ولقد يصاب القوس بالأوتار
كتب الفناء على الشواهد حجة / غنيت عن الإقرار والإنكار
فلتظهر الفطن الثواقب عجزها / فظهوره سر من الأسرار
وليصطبر متفجع فلربما / فقد المنى ومثوبة الصبَّار
أين الملوك الرافلون إلى العلى / عثروا إلى الأجداث أيّ عثار
كانوا جبالاً لا ترام فأصبحوا / بيد الردى حفنات تربٍ هار
أينَ الكماةُ إذ العجاجة أظلمت / قدَحوا القسيّ وناضلوا بشرار
سلموا على عطب الوغى ودجى بهم / داجي المنون إلى محل بوار
أين الأصاغر في المهود كأنما / ضمت كمائمها على أزهار
خلط الحمام عظامهم ولحومهم / حتى تساوى الدّرّ بالأحجار
فلئن صبرت ففي الأولى متصبرٌ / ولئن بدا جزعي فعن أعذار
درّت عليك من الغمام مراضعٌ / وتكنفتك من النجوم جوار
تسقي ثراك وليس ذاك بنافعي / لكن أغالط مهجتي وأداري
على مثلها فلتهمِ أعيننا العبرى
على مثلها فلتهمِ أعيننا العبرى / وتطلق في ميدانها الشهب والحمرا
فقدنا بني الدنيا فلما تلفتَّت / وجوهُ أمانينا فقدنا بني الأخرى
لفقدك إبراهيم أمست قلوبنا / مؤجَّجةً لا برد في نارها الحرى
وأنت بجنَّات النعيم مهنأ / بما كنت تبلى في تطلبه العمرا
عريت وجوّعت الفؤاد فحبَّذا / مساكن فيها لا تجوعُ ولا تعرى
بكى الجامع المعمورُ فقدَك بعد ما / لبثت على رغم الدِّيار به دهرا
وفارقته بعد التوطن سارياً / إلى جنةِ المأوى فسبحان من أسرى
كأنَّ مصابيحَ الظلام بأفقهِ / لفقدك نيرانُ الصبابة والذكرى
كأنَّ المحاريبَ القيام بصدرهِ / لفرقةِ ذاك الصدر قد قوّست ظهرا
مضيت وخلَّفت الديار وأهلها / بمضيعةٍ تشكو الشدائدَ والوزرا
فمن لسهام الليل بعدك إنَّها / معطلةٌ ليست تراشُ ولا تبرى
ومن لعفافٍ عن ثراً وبني الورى / عبيِد الأماني وانْثنيت به حرَّا
سيعلم كلّ من ذوي المال في غدٍ / إذا نصب الميزان من يشتكي الفقرا
عليك سلام الله من متيقظٍ / صبورٍ إذا لمْ يستطعْ بشرٌ صبرا
ومن ضامر الكشحين يسبق في غدٍ / إلى غايةٍ من أجلها تحمد الضّمرا
أيعلم ذو التسليك أن جفوننا / على شخصه النائي قد انْتثرت دُرَّا
وأن الأسى كالحزن قد جالَ جولة / فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى
ألا رُبَّ ليلٍ قد حمى فيه من وغى / حمى الشام والأجفان غافلة تكرى
إذا ضحك السمار حجب ثغره / كذلك يحمي العابد الثغر والثغرا
إلى الله قلباً بعده في تغابنٍ / إلى أن رأى صف القيامة والحشرا
لقد كنت ألقاهُ وصدريَ محرج / فيفتح لي يسراً ويشرحُ لي صدرا
وألثم يمناه وفكريَ ظامئٌ / كأنيَ منها ألثم الوابل الغمرا
أمولاي إني كنت أرجوكَ للدعا / فلا تنسني بالخلدِ في الدعوة الكبرى
سقى القطر أرضاً قد حللت بتربِها / وإن كنت أستسقي برؤيتك القطرا
ومن كانَ يرجى منه في المدحِ أجرة / فإني أرجو في مدائحِكَ الأجرا
أطلق دموعك إن القلب معذور
أطلق دموعك إن القلب معذور / وإنه بيد الأحزان مأسور
وخلّ عينيك يهمي من مدامِعها / دُرٌّ على كاتب الإنشاء منثور
يسوءني ويسوء الناس أجمع يا / بيت البلاغة إن البيت مكسور
فيكلِّ يوم برغمي عن منازلكم / ينأى ويذهب محمود ومشكور
خبا الشهاب فقلنا الشمس فاعْترضت / أيدي الردَى فزمان الأنس ديجور
آهاً لمنظر شمس لا يدوم له / بالسعي في فلك العلياء تيسير
كانت تفتح نورَ اللفظ فكرته / حتَّى استجنَّ فلا نورٌ ولا نور
مطهّر الذات مطويًّا على كرمٍ / ينسي عهودَ الغوادِي وهو مذكور
لهفي عليهِ لودٍّ لا يغيره / رفعُ المحلّ وللسادات تغيير
لهفي عليه لجودٍ لا تكدّره / قضيةٌ ولبعض الجود تكدير
لهفي عليه لأخلاقٍ مهذَّبةٍ / سعي الثناءُ بها والأجر مبرور
لهفي عليه لأقلامٍ ثوتْ ولها / يمنٌ على صفحاتِ الملك مشهور
تواضعٌ لاسْمهِ منه ازدياد علىً / وفي التكبُّر للأسماءِ تصغير
وهمَّةٌ بين خدَّام العلى نشأت / فاللفظ والعرض ريحان وكافور
لا عيبَ فيه سوى فكرٍ عوائده / للحمدِ رقٌّ وللألفاظ تحرير
حتَّى إذا لاح مرفوعاً مدائده / وراحَ ذيل علاهُ وهو مجرور
تخيَّرته أكفّ الموت عارفةٌ / بنقدِه وتنقته المقادير
ما أعجب الدهر في حالي تقلّبه / وصلٌ وصدٌّ وتعريفٌ وتنكير
كأنما نحنُ والأوقات في حلمٍ / مخيل وكأن الموت تعبير
بين الفتى راتعٌ في الأمنِ إذ برزتْ / من المنون له غلبٌ مغاوير
والمرء في الأصلِ فخارٌ ولا عجب / إن راحَ وهو بكفِّ الدهر مكسور
جادتْ ضريحك شمس الدِّين سحب ندى / يمسي صداك لديها وهو مسرور
إن يمس شخصك مطوياً بملحدِه / فإن ذكرك بالإحسانِ منشور
أو يغد بيتك يشكو للزمان وغىً / فإنه ببقاء السيف منصور
لو لم تفه برثاءٍ فيك أشعارِي
لو لم تفه برثاءٍ فيك أشعارِي / رثاك بالدّرّ عني دمعيَ الجاري
يا ساكنَ الخلد أورثت الورى حرَقاً / فأنتَ في جنَّةٍ والقوم في نار
جاورتَ ربَّك في الجنَّاتِ مقترباً / لقد عوَّضت عن جارٍ وعن دار
أرقد هنيئاً فلا سهد بممتنعٍ / منَّا عليك ولا قلبٌ بصبَّار
ما أنسَ برك للقصَّاد متَّصلاً / أيامَ لا قاصدٌ يحظى بأنصار
ما أنسَ رفدَك للزوَّار محتفلاً / حيثُ الغريب على أيامه زاري
ما أنسَ شخصك في الحفل العليّ كما / أرْبت ذُكاءٌ على شهبٍ وأقمار
ما أنسَ يمناك تسدِي الفضل كاتمة / للفضلِ حتَّى كأنَّ الفضل كالعار
ما أنسَ أقلامك اللاتي بها ابتدرت / على الحقيقة تهوى طاعة الباري
لهفي عليك لملهوفٍ ومغترب / سلاَّه قربك عن قومٍ وعن دار
لهفي عليك لألفاظٍ موشعةٍ / يشدو بها الحيّ أو يحدو بها الساري
بكى لفقدك محرابٌ كأنَّ سنا / مصباحه في حشاه نارُ تذكار
ومصحف باتَ يشكو قلبه أسفاً / مقسَّماً بين أجزاءٍ وأعشار
ومدْرجٌ كانَ فيه الدّرّ منتظماً / على ترائب أسماعٍ وأبصار
وقصة كان فيها غوثُ مرتقبٍ / على يديك ويسر بعد إعسار
ومجمعٌ كنت فيه من ندًى وتقى / أحقُّ أن تتسمَّى بابن دينار
لا تبعدَنَّ فكم أبقيت منقبةً / كالغيث ولَّى وأبقى فضل آثار
إن ارْتحلت فبرٌّ جدّ مقترب / وإن ثويت فذكرٌ جدّ سيَّار
ما أغفل الناس عن هذا وأذهلهم / عن موردٍ ما له عهدٌ بإصدار
قبرٌ يُشاد وآجالٌ محكمةٌ / وا قلةَ الحول في حجرٍ وأحجار
وطالبٌ من غريم الموت يرصدنا / ونحنُ في همِّ إقلالٍ وإكثار
بين الفتى راتعٌ بالأمن إذ برزت / أهلةٌ بالمنايا ذات أظفار
كأنَّ كلّ هلال في مطالعه / قوسٌ يطالب أرواحاً بأوتار
أينَ الأولى أدركوا ما أدركوا وثوَوْا / رهائناً بين أجداثٍ وأطمار
أينَ العلاء الذي كانتْ مآثرهُ / بين الملائك تستملى بأسمار
أينَ الذي كنت آوي من عواطفه / إلى ظلالٍ من النعمى وأثمار
أصبحت أرتع من آثار نعمته / وأدمعي بين جنَّاتٍ وأنهار
يا ابن النبيّ عزاءً إن بدا كدرٌ / فإنها عادةٌ من هذه الدَّار
للماء والطِّين أصلُ المرء منتسبٌ / فكيف ننكر أن يرثى بأكدار
أقول هذا كأني عنه مصطبرٌ / والله يعلم ما في طيّ إضماري
برغم العلى تاجٌ تحلى به الثرى
برغم العلى تاجٌ تحلى به الثرى / وكانت ثراهُ هامةَ السحب في الذرا
وكان عليه جوهر الذكر أبيضاً / فزاوجت فيه جوهر الدمع أحمرا
وكنت أرى عيشي مناماً بقربه / فيا أسفي بالبعد كيف تفسرا
وأجريت دمعاً كان يحسب فقده / زماناً لسوء الحظ لي وكذا جرى
بروحي الأولى أفناهمُ الدهر مبقياً / ببعدهُم هماً من الخطب أكبرا
سقانا بكأس قد سقاهم بمثلها / ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
ألا في سبيل الله سارٍ للحده / وفي كل أفق ذكر علياهُ قد سرى
حميد المساعي كيفما حل بلدة / غدت بلدة فوق السماء وأزهرا
مضى طاهر الآثار في كل منزل / ألذّ من الماء الزلال وأطهرا
عفيف السجايا باسط اليد بالندى / وإن كان إلا من غنى النفس مقترا
يطوف بعلياه الثناء محلقاً / وإن كان عن أدنى مداه مقصرا
ويهتز للذكر الجميل كأنه / وحاشا بقاه قد تناول مسكرا
ويظهر مجداً والتعبد قبله / وإنَّا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أتى الشام من مصرٍ ولم نر مثله / غماماً أتى من مصر للشام ممطرا
فنور مرعى القاصدين وسبلهم / فيا لك في الحالين روضاً منوَّرا
ومد يد النعمى إلى كل فضة / دنا وَرَقٌ منها إليه فأثمرا
وقابل أسرار الملوك بصدره / وأورد عنهم باليراع وأصدرا
وأخدمهم من رأيه ومداده / صواباً كما ترضى الملوك وعنبرا
وصان حمى الإسلام بالقلم الذي / إذا مد حبراً خلت درًّا محبرا
ونظم أسلاك السطور فحليت / من التاج أجياد الممالك جوهرا
وصادفني في معشرٍ بديارهم / بعيداً من الحيَّين داراً ومعشرا
فكمل منقوصاً من اسمي لديهم / وعرفني فيهم وكنت منكرا
ويسر من رزقي بيمن بنانه / فيمَّن ما شاءت يداه ويسرا
وحاول جبري رأفة وتعطفاً / وقد كان جمع الحال جمعاً مكسرا
وأثنى على جهدي بما هو أهله / وأظهر أفعال الجميل وأضمرا
فما ليَ لا أثني علي جود كفه / لديَّ كما أثنى على المطر الثرى
وأبكي بلفظ من رثاء وأدمع / منظمَ درٍّ تارةً ومنثرا
على ذاهب قد كان للقصد ملجأً / وللظن مرتاداً وللعين منظرا
وعاد إلى جنات عدن تزينت / ونحن إلى نيران حزن تسعرا
فلهفي على دنيا العفاة تنكرت / ولهفي على ربع السماحة أقفرا
ولهفي على بيت السيادة والتقى / ولهفي على حي القراءة والقرى
ولهفي على حكم تحف بلينه / بوادر تحمي صفوه إن يكدرا
ولهفي على رأي يضيء به الهدى / إذا النجم في أفق السماء تحيرا
ولم أنس مسرى نعشه يوم جمعة / تجمع هماً كالخميس إذا سرى
ولهفي على جار من الجود طالما / جرى معه صوب الحيا فتعطرا
وقد وعظتنا الحال منه كأنه / خطيب رقى من صهوة النعش منبرا
مواعظ من حيث السكوت وإنها / لأبلغ من نطق الفصيح إذا انبرى
كأن لم يسر والكاتبون أمامه / يجهز وفداً أو يجهز عسكرا
كأن لم يجل يومي وغى وسماحة / يراعاً كما سُل القضيب وأزهرا
كأَنْ لم يهزّ القصد منه شمائلاً / ولا قلماً يعزى إلى الخضر أخضرا
على مثل هذا شارطَ الدّهر أهله / إذا سرّ أبكى أو إذا ودّ غيرا
فمن سبر الأحوالَ لم يتعجب لها / ومن عرف الأيامَ لم يرَ منكرا
ومن ناله صبحُ المشيبِ ولم يفقْ / إلى طلب الأخرى فما وهب من كرى
كما طلب ابن الخضر دارَ مُقامه / فغلَّس في بغيا النعيم وبكَّرا
وما تركَ ابن الخضر ميراثَ واجدٍ / سوى الذكر فيَّاحاً أو الأجر نيرا
وأعناق أحرارٍ تملك رقّها / وأحوال قوم قبل ما مات دبرا
عليك سلام الله من مترّحلٍ / تخيرت قدماً ودّه وتخيَّرا
فألبسني ثوبَ الولاءَ معتَّقاً / وألبسته ثوبَ الثناءِ محرَّرا
يا سيدي جاءتك في صدرها
يا سيدي جاءتك في صدرها / كأنَّها روحيَ في صدري
كنافةً بالحلو موعودة / كما تقول العسل المصري
قد خنقتني عبرتي كاسمها / وبادرت من خلفها تجرِي
ما خرج الفستق من قشرهِ / فيها وقد أخرجت من قشري
ونشرها من طيبها لم يفح / فاعْجب لسوءِ الطي والنشر
فهاك حلواً قد تكفَّلته / ولا تسل عني وعن صبري
كأنَّها الدُّمية لكنها / لا نفحة العرف ولا القطر
لا زالت في الدهرِ كما تبتغي / وفوق ما تبغي من الدَّهر
لا تخش من غمِّ كغيم عارض
لا تخش من غمِّ كغيم عارض / فلسوفَ يسفر عن إضاءة بدرِه
إن تمس عن عبَّاس حالكَ راوياً / فكأنني بك راوياً عن بشره
ولقد تمرّ الحادِثات على الفتى / وتزول حتى ما تمر بفكرِه
وهو الزمان إذا جنى لم يعتذر / ويقوم من خلف الأذان بعذره
هوِّن عليك فربَّ خطبٍ هائل / دُفِعت قواه بدافعٍ لم تدرِه
ولرُبَّ ليلٍ في الهمومِ كدمل / صابرته حتَّى ظفرت بفجرِه
ولربَّما يجني الزمان على امرئٍ / مجنى ويا عجباً حلاوة صبرِه
ولربَّما أصبحت قاضي معشرٍ / فاصْبر على حلو الزمان ومرِّه
وغيداء يعزى طرفها لكنانةٍ
وغيداء يعزى طرفها لكنانةٍ / ومعطفها الميَّاد يعزى إلى النضر
حمتْ ثغرها عن راشفٍ بلحاظِها / كذاك سيوف الهند تحمي حمى الثغر
كأن جفوني حين تسفح بالبكى / على حبِّها كفُّ المؤيد بالتبر
رعى الله أيام المؤيد إنَّها / ولا برحتْ فينا مواسم للدهر
مليك تساوى علمه ونواله / كأنَّهما بحران جاءا على بحر
مليكَ العلى بشراك بالعيد مقبلاً / وبشرى الورى من سحب كفَّيك بالعشر
وهنئت بالفطر الذي قام ناحراً / عداتك حتَّى أشكل الفطر بالنحر
يا سيدي لكَ نظمٌ في محاسنه
يا سيدي لكَ نظمٌ في محاسنه / لمحٌ من الزُّهر أو نفحٌ من الزَّهر
وصحبةٌ ما تأملنا فضائلها / إلاَّ روينا حديثَ الفضل عن عمر
من كلِّ بحرٍ قريضٍ أنت وارده / تجلو على الناس أنواعاً من الدُّرر
وكلُّ أفقٍ ودار أنتَ طالعه / تضيء ما شئت من شمسٍ ومن قمر
لكنَّني أشتكي حالاً يبيت بها / فكرِي على الهمِّ أو جفني على السهر
أخجلتني بقريضٍ كان غايته / إن أخبر الناس عن فقري وعن حصري
لا ثروة المال في كفّي قاضيةٌ / حقًّا ولا ثروة الأشعار في فكري
فاصْرفه عني على الأكفَّاء وابْق على / ما بيننا من صفاء الودّ واقْتصر
لقد نفَّر الحسناء شيبي فأصبحت
لقد نفَّر الحسناء شيبي فأصبحت / على كبري بعد الوداد تكبر
وقد كنت بالغيدِ الحسان مشبباً / فها أنا للغيدِ الحسان منفّر
وقد نفرت حتى عن الشعر صبوتي / ولولا الثنا التَّاجيّ ما كنت أشعر
أيا من ذكرنا الشافعيّ وحاتماً / بآلائه والشيء بالشيء يذكر
وتاجاً على رأس السيادة يجتلى / فينظم درّ المدح فيه وينثر
مزجنا بحور الفضل والشعر بيننا / فها نحنُ في هذا وذا نتبختر
لعمري لقد قلت الرَّقيق لمدحه / وإن رقيقاً قلتهُ لمحرَّر
أوَّاه من جائرةٍ جاره
أوَّاه من جائرةٍ جاره / فتَّانة الألحاظ سحَّاره
أن أصبحت للعهدِ نبَّاذة / فعينها للعقل خمَّاره
كأنَّها في السحر باللحظ من / لفظ شهاب الدِّين ممتاره
والفضل واللفظ الرفيع الذي / من دارة البدر انْثنى داره
منظرة ما بين زهر الدّجى / أخبارها في الفضلِ طيَّاره
يا نائياً أسطره قد نأت / فوحشة المشتاق كرَّاره
باب البريد أفْتح بكتب فلي / عين بدمع الشوق فوَّاره
على حركات اليمن والأمن والهنا
على حركات اليمن والأمن والهنا / سكنتَ بدارِ العلم والحلم والقرى
وعمَّرتها يا عمرك الله للعلى / فعشْ مثلها عالي المنار معمّرا
تبادرها الطلاّب علماً وأنعماً / فتحمد عند الصبح من بشرك السرى
وتزداد بالتَّرخيم حيناً خلاف ما / يقاس وترضي الوفد ورداً ومصدرا
وتذكرك الجنَّات بالنسك والتقى / بشيران بالإحسان والعدل في الورى
لقد زادها في الحمد يوسف فاغْتدت / تباع بمرآها القلوب وتشترى
وما هي إلاَّ جنَّةٌ بدليلِ ما / وصفت وقلبي عاشق قبل أن يرى
يا طرسُ قبّل ثرى الباب العليّ وقل
يا طرسُ قبّل ثرى الباب العليّ وقل / مولايَ لا زلت تولي الخيرَ مستورا
جاهاً ومالاً كما عوّدتَ من قدمٍ / إنسانَ من لم يكن من قبلُ مذكورا
جاءَ العيال وذات البين قالبة / بالبعد تجعل بيت القلب مكسورا
وكل من شئت أو من لم أشأ بعثت / لهم صِلاتكَ مخفياً ومشهورا
حتى الأجانب زادوا ضعف عائلتي / وربة البيت أضحت بينهم بورى
وكنت أرجو صواب القصد يحضرها / لا هم فباليَ قلب ليس مسرورا
وأخر البعد إنهاء الشكاة حياَ / وربما زاد سوءُ الحظّ تأخيرا
خليلي عن حال المحبّين سلْ فما
خليلي عن حال المحبّين سلْ فما / ينبيك بالأحوال مثلُ خبير
فريقان هذا في الوصال بجنةٍ / وهذا كمثلي في الجفا بسعير
وسلْ في التقى عن مثل كافور مصره / يبشركَ ذكرى وقتنا لبشير
أمير على السادات أيّ مقدمٍ / وفي واجب المدَّاح أيّ كبير
لو أنَّك قابلت النجوم بقدرهِ / لألفيته قد جازها بكثير
إذا بشر الإنسان في الحين مرة / على وجه وضَّاح الهلال منير
فيا رب خلد ملك من لحظُ طرفه / يرى كل يومٍ منه وجه بشير
قدم الحبيب من السَّفر
قدم الحبيب من السَّفر / أرأيت بدراً قد سفر
بدر يقر العين ل / كن ما على وجهٍ أثر
كسناء نور الدين ذي ال / أفضال والفضل الأغرّ
دمتم بني حجر الكرا / م لكم فخارٌ معتبر
أهل المعالي والعلو / م لمن وعى ولمن نظر
والنسبة العلياء قد / شيدت بأبناءٍ أخر
شيمٌ زكت من أولٍ / وسعادة لحظت حجر
تهنّ به عيداً أجلّ كبيرا
تهنّ به عيداً أجلّ كبيرا / غدوت به للسائدين أميرا
وعش بين عيدٍ بالحجاز مهنئاً / وعيدٍ على أوطانِ مصر قريرا
لقد عشت نور الدين في أفق العلى / وفي العلم والفضل البهي شهيرا
ووفيتني حقّ الجوار يكاد أن / يكون من الحظّ الحرون مجيرا
لغلمانِ مولانا عليّ مودَّةٌ / ينقصها بعض الأمور يسيرا
لئن خدموني خدمةً مستجادةً / لقد بخلت بخلاً عليَّ كثيرا
ينفرّ من قد عطَّفته كأنما / تصحف لي معنى السرور شرورا
في دَعة الله سرْ وعدْ في
في دَعة الله سرْ وعدْ في / بشارة تجتلي بشاره
واحْيى كما شئت يا ابن يحيى / في رُتبِ البرّ والإشاره
مكان عبد الرَّحيم قدماً / لا ترتضي النعت بالوزاره
لي قصة والسؤال سكني / بيتٍ ويحتاج للعبارَه
سكنتُ داراً لصاحبٍ لي / وقصده يستعير داره
ذو حجرٍ نسبةً وغيظاً / أنا وقومي نخاف ناره
فيا لها في الصفات ناراً / وقودها الناس والحجارة
عود ببيتٍ على الأفلاك معمور
عود ببيتٍ على الأفلاك معمور / ملوك بيتٍ بنصرِ الله مغمور
ما بين منصور ملكٍ ثمَّ ناصره / وبين ناصر ملكٍ ثمَّ منصور
يسري من السعد حتَّى حلَّ أشرفه / وزالَ ما كانَ لا حلَّ ولا سير
تغنى عساكر مصر الشام طالعة / طلاَّبها بوجوهٍ كالدنانير
في ظلِّ ملكٍ تسرّ السيف نضرته / فهو الرشيد لديه سيف مسرور
بالرعب ينصر قبل السيف مطلعاً / فاعجب لذلك أيضاً سيف مقدور
لا زال ملك صلاح الدين مصرٌّ على / إرث من العمر ماشي العدل بالنور

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025