القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 70
ظَننتم مَحلّ الأمر فيكم وعندكمْ
ظَننتم مَحلّ الأمر فيكم وعندكمْ / ولم تعلموا ماذا تجرّ المقادرُ
وَغَرّ نُفوساً ظاهراتٍ غرورُه / وَمن دون ما يقضي به اللّهُ ساترُ
وَفاتكمُ ما كنتمُ تَحسبونه / وطار به والشّكرُ للّه طائرُ
وَرمتمْ ضِراراً لم يُرِدْهُ مليكُهُ / وليس لمن يُقضى له النفعُ ضائرُ
وَرفّعتُمُ مِنكم رؤُوساً فطُؤطِئَتْ / بأيدٍ عزيزاتٍ وكُبّتْ مناخِرُ
فَلا تولعوا مِن بعدها بطماعةٍ / ففيما مضى عن مثل ذلك زاجرُ
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا / وقَصارُه وقد انتأوْا أن يُقصِرا
أَفَكلّما راعَ الخليطُ تصوّبتْ / عبراتُ عينٍ لم تقلَّ فتكثُرا
قَد أوقدتْ حُرَقُ الفراق صبابةٍ / لَم تَستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى
شَعَفٌ يُكتّمه الحياءُ ولوعةٌ / خفيتْ وحُقّ لمثلها أن يظهرا
وأبي الركائبِ لم يكن ما عُلنه / صبراً ولكن كانَ ذاك تصبّرا
لَبَّيْنَ داعيةَ النّوى فأريننا / بين القِبابِ البيض موتاً أحمرا
وَبعدن بِالبينِ المشتّت ساعةً / فكأنّهنّ بعدن عنّا أشهُرا
عاجوا على ثَمدِ البِطاحِ وحُبّهمْ / أجرى العيونَ غداة بانوا أبحُرا
وَتَنكّبوا وَعْرَ الطّريق وخلّفوا / ما في الجَوانحِ من هَواهمْ أوعرا
أمّا السّلوُّ فإنّه لا يهتدِي / قصد القلوب وقد حُشِينَ تذكّرا
قد رُمتُ ذاك فلم أجده وحقُّ مَنْ / فقدَ السّبيلَ إلى الهُدى أن يُعذَرا
أهلاً بطيفِ خيالِ مانعة الحِبَا / يَقْظى ومُفضلةٍ علينا في الكرَى
ما كان أنعمنا بها من زَورَةٍ / لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدَرا
جزعتْ لوخْطاتِ المشيب وإنّما / بلغَ الشّبابُ مدى الكمال فنوّرا
وَالشيب إِنْ فكّرتَ فيه مَورِدٌ / لا بدّ يوردَهُ الفتى إن عُمِّرا
يَبيضُّ بَعدَ سَواده الشّعرُ الّذي / لو لم يزره الشّيبُ واراه الثّرى
زَمنَ الشبيبةِ لا عدَتْك تحيّةٌ / وسقاك مُنهمِرُ الحَيا ما اِستُغزِرا
فَلَطالَما أَضحى رِدائي ساحباً / في ظلّك الوافي وعودِيَ أخضرا
أَيّامَ يَرمُقنِي الغَزالُ إِذا رنا / شَعَفاً ويطرُقني الخيالُ إذا سرى
وَمرنّحٍ في الكُورِ يُحسَبُ أنّه اِصْ / طبح العُقار وإنّما اِغتبق السُّرى
بَطلٌ صَفاهُ للخداع مَزلّةٌ / فَإِذا مَشى فيه الزّماعُ تَغَشمَرا
إمّا سألتَ به فلا تسألْ بِهِ / ناياً يناغِي في البَطالة مِزْمَرا
وَاِسأَلْ بِهِ الجُرْدَ العِتاقَ مغيرةً / يخبطن هاماً أو يَطأن سَنَوَّرا
يَحمِلنَ كلَّ مُدجَّجٍ يَقرِي الظُّبا / عَلَقاً وأنفاسَ السّوافي عِثيَرا
قَوْمِي الّذين وَقَد دَجَتْ سُبُلُ الهدى / تركوا طريقَ الدّين فينا مُقمِرا
غَلبوا على الشّرَفِ التّليد وجاوزا / ذاك التّليدَ تَطرُّفاً وتخيُّرا
كم فيهمُ من قسْوَرٍ مُتخمّطٍ / يُردِي إذا شاء الهِزَبْرَ القَسْوَرا
متنمّرٍ والحربُ إن هتفت به / أدّته بسّامَ المُحيّا مُسفِرا
وملوَّمٍ في بذلهِ ولطالما / أضحى جديراً في العُلا أن يُشكرا
ومُرَفَّعٍ فوق الرّجال تخالُه / يوم الخطابة قد تسنّم مِنبرا
جَمعوا الجَميلَ إلى الجمالِ وإنّما / خَتَموا إِلى المرأى المُمدَّحِ مَخبَرا
سائلْ بهمْ بَدْراً وأُحداً والّتي / ردّتْ جبينَ بني الضّلال مُعفَّرا
للَّه دَرُّ فَوارسٍ في خيبرٍ / حملوا عن الإسلام يوماً منكرا
عَصَفوا بِسُلطانِ اليهودِ وأَوْلجوا / تلكَ الجَوانح لوعةً وَتحسُّرا
وَاِستَلحموا أَبطالهمْ وَاِستَخرَجوا ال / أَزلامَ من أيديهمُ والمَيسِرا
وَبِمرحبٍ أَلوى فتىً ذو جمرةٍ / لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُعتَرى
إِنْ حزّ حزّ مُطبّقاً أو قال قا / لَ مصدَّقاً أو رام رام مطهَّرا
فَثَناهُ مُصفرَّ البَنان كأنّما / لطخ الحِمامُ عليه صِبْغاً أصفرا
تهفو العُقابُ بشِلوِهِ ولقد هَفَتْ / زمناً به شُمُّ الذّوائبِ والذُّرا
أمّا الرّسولُ فقد أبان ولاءَه / لو كان ينفع جائراً أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً / وأشاد ذكراً لم يشده مُغَرِّرا
وَثَنى إليهِ رِقابهمْ وأقامهُ / عَلَماً على باب النّجاة مشهَّرا
ولَقد شَفى يومُ الغديرِ مَعاشراً / ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأدوى معشرا
قَلِقَتْ بهمْ أحقادهمْ فَمُرجّعٌ / نَفَساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا
يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيَّةٌ / أشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا
عُجْ بالغَرىِّ فإنّ فيه ثاوياً / جبلاً تطأطأ فاِطمأنّ به الثّرى
وَاِقرا السّلامَ عليه من كَلِفٍ به / كُشفتْ له حجبُ الصّباح فأبصرا
فَلو اِستَطعتُ جعلتُ دار إقامتِي / تلكَ القبور الزُّهرَ حتّى أُقبرا
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ / كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا
ذَكرتُ بِها نزواتِ الصّبا / بساحاتها والشّبابَ المُعارا
وَقَوماً يَشنّون لا يفتُرو / ن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا
أَبَوْا كلّما عُذلوا في الجمي / لِ إلّا اِنبِعاقاً وإلّا اِنفِجارا
أَمِنتُ على القلبِ خوّانةً / تطيع جهاراً وتَعصِي سِرارا
أُقادُ إليها على ضَنّها / ولولا الهوى لملكتُ الخيارا
وقالوا وقد بدَّلَتْ حادثاتُ / زمانِيَ ليلَ مشيبي نهارا
أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ / فقلت لهمْ ما أردتُ الوَقارا
فيا ليت دهراً أعار السّوا / دَ إذ كان يَرجِعه ما أعارا
وَلَيتَ بَياضاً أراد الرّحيلَ / عقيب الزّيارة ما كان زارا
وَمفترشٍ صَهَواتِ الجيادِ / إذا ما جرى لا يخاف العِثارا
تَراهُ قَويماً كصدر القنا / ةِ لا يَطعَمُ الغُمضَ إلّا غرارا
سرى في الظّلام إلى أن أعا / دَ مرآةَ تلك اللّيالي سِرَارا
فَلمّا ثناه جنابُ الأجل / لِ نَفّض عن مَنكِبيهِ الغُبارا
وشرَّد عنه زَماعَ الرّحيل / فألقى عصاه وأرخى الإزارا
مَزارٌ إذا أمّه الرائدونَ / أَبَوْا أن يؤمّوا سواه مزارا
وَمَغنىً إذا اِضطربتْ بالرّجالِ / رحالُ الرّكائب كان القرارا
فَللّهِ دَرُّك من آخذٍ / وقد وُتِرَ المجدُ للمجد ثارا
وَمن جبلٍ ما اِستجار المَروعُ / بهِ في البوائقِ إلّا أَجارا
فَتىً لا ينام على رِيبةٍ / ولا يأخذُ الغَمَّ إلّا اِقتِسارا
وَلا يصطفِي غيرَ سيّارةٍ / مِنَ الذّكرِ خاضَ إلَيها الغِمارا
وَقَد جَرّبوك خِلالَ الخطو / ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا
فَما كنتَ للرّمح إلّا السّنانَ / وَلا كنت للسّيف إلّا الغِرارا
وَإِنّك في الرّوع كالمَضْرَحِيِّ / أضاق على الطائرات المطارا
وَكَم لكَ دونَ مليك المُلوك / مقامٌ ركبتَ إليه الخِطارا
وَمُلتبسٍ كَاِلتِباسِ الظّلا / م أضرمتَ فيه من الرّأي نارا
وَكُنتَ اليَمينَ بِتلكَ الشُّغوب / وكان الأنام جميعاً يسارا
وَلَمّا تَبيّن عُقبى الأمورِ / وأسفَر دَيجورُها فَاِستَنارا
دَرى بَعدَ أَن زال ذاكَ المِرا / ءُ مَن بالصّواب عليه أَشارا
وَلَولا دِفاعُك عَمّن تراهُ / رَأَينا أَكفّ رجالٍ قصارا
وَلِي نَفثةٌ بينَ هَذا المديحِ / صبرتُ فلم أُعطَ عنها اِصطِبارا
أَأَدنو إِليك بمحض الوِداد / وتبعُدُ عنّي وداداً وَدارا
وَأُنسى فَلا ذكرَ لِي في المغيبِ / وَما زادَني ذاك إلّا اِدّكارا
وَإنّي لأخشى وَحوشيتَ من / هُ أنْ يحسب النّاسُ هذا اِزوِرارا
وَلَستُ بمتّهِمٍ للضميرِ / وَلَكنّني أَستزيد الجِهارا
وَلَو قَبل النّاسُ عُذر اِمرئٍ / لأوسعتُهم عَن سِواي اِعتِذارا
فَلَيسَ لَهمْ غير ما أبصروهُ / عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا
وَكانَت جَوابات كتبي تجيئ / إليَّ سِراعاً بفخرٍ غِزارا
فَقَد صرنَ إمّا طوين السّنين / وإمّا وردن خفافا قصارا
وَكيفَ تَخيب صِغارُ الأمورِ / لَدَىْ مَن أَنال الأمورَ الكبارا
وَكمْ لِيَ فيك من السّائرا / تِ أنجد سارٍ بها ثمّ غارا
وَمن كَلِمٍ كنبال المصيبِ / وبيتٍ شَرودٍ إذا قيل سارا
يغنّي بهنّ الحداةُ الرِّكابَ / ويُسقى بهن الطَّروبُ العُقارا
وَأَنتَ الّذي لِمَليك المُلو / كِ صيَّرته راعياً لي فصارا
وَلَمّا بَنيتَ بِساحاتِهِ / أَطلتَ الذُّرا وَرَفعتَ المَنارا
فَلا زِلتَ يا فارجَ المشكلاتِ / تنالُ المرادَ وتُكفى الحذارا
وَهُنّئتَ بالمهْرَجانِ الّذي / يعود كما تبتغيه مِرارا
يَعودُ بِما شِئتَ شوقاً إليك / مراراً وإنْ لم تُعِره اِنتظارا
ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ / ك فضلاً لأيّامه وَاِفتِخارا
أَما تَرى الرَّبع الّذي أَقفرا
أَما تَرى الرَّبع الّذي أَقفرا / عراهُ من ريب البِلى ما عَرا
لَو لَم أَكن صبّاً لِسكّانهِ / لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيتُه بعد تمامٍ له / مقلّباً أبطُنَهُ أَظهُرا
كأنّنِي شكّاً وَعِلماً بهِ / أقرأ من أطلالهِ أسطُرا
وقفتُ فيه أينُقاً ضُمَّراً / شذّب من أوصالهنّ السُّرى
لي بِأُناس شُغُلٌ عن هوىً / ومعشري أبكي لهم معشرا
أَجِلْ بأرض الطَفّ عينيك ما / بين أناسٍ سُربلوا العِثيَرا
حكّم فيهم بغيُ أَعدائِهمْ / عليهم الذُّؤبانَ والأنسُرا
تَخال من لألاءِ أَنوارِهمْ / ليلَ الفيافي لهمُ مقمرا
صَرعى وَلَكن بَعد أَن صَرّعوا / وَقطّروا كلَّ فتىً قَطّرا
لَم يَرتَضوا درعاً ولم يلبسوا / بِالطّعن إلّا العَلَقَ الأحمرا
مِن كُلّ طيّانِ الحشا ضامرٍ / يَركَبُ في يومِ الوغى ضُمَّرا
قُل لِبَني حَربٍ وكم قولةٍ / سطّرها في القوم من سطّرا
تِهتُمْ عَنِ الحقِّ كَأنَّ الَّذي / أَنذَركم في اللَّهِ ما أَنذرا
كَأنّهُ لم يَقرِكم ضُلَّلاً / عن الهدى القَصْدَ بأمّ القُرى
وَلا تَدرّعتم بِأَثوابهِ / من بعد أن أصبحتُم حُسّرا
وَلا فَريتم أدَماً مرّةً / ولم تكونوا قطّ ممّن فرى
وَقُلتُمُ عنصرنا واحدٌ / هَيهاتَ لا قربى ولا عنصرا
ما قدّم الأصلُ اِمرءاً في الورى / أخّره في الفرع ما أخَّرا
وَغرّكم بِالجهلِ إمْهالُكم / وَإنّما اِغترّ الّذي غُرِّرا
حَلّأْتُمُ بالطفّ قَوماً عن الْ / ماءِ فحُلّئتُمْ به الكَوثرا
فَإِنْ لقوا ثَمَّ بكم مُنكَراً / فَسوفَ تلقونَ بِهم منكرا
في ساعَة يحكم في أَمرها / جدُّهم العدل كما أُمِّرا
وَكَيفَ بِعتمْ دينَكمْ بالّذي اِس / تنزره الحازمُ واِستحقرا
لَولا الّذي قُدّر مِن أَمركمْ / وَجدتم شأنَكمُ أحقرا
كانَت منَ الدّهر بكم عثرةٌ / لا بدّ للسّابق أن يَعثُرا
لا تَفخروا قطُّ بِشيءٍ فما / تَركتُمُ فينا لَكم مفخرا
وَنِلتموها بَيعةً فلتةً / حَتّى تَرى العين الّذي قُدِّرا
كأنّنِي بالخيلِ مثلُ الدّبى / هَبّتْ بِهِ نَكباؤهُ صَرْصَرا
وَفوقها كلُّ شديدِ القُوى / تَخالُهُ مِن حَنَقٍ قَسْورا
لا يُمطرُ السُّمر غداةَ الوغى / إلّا بِرشِّ الدّمِ إنْ أمطرا
فَيَرجعُ الحقّ إلى أهلهِ / ويُقبِلُ الأمر الّذي أَدبرا
يا حججَ اللَّهِ عَلى خلقهِ / ومَن بهم أبصَرَ من أبصَرا
أَنتُمْ عَلى اللَّه نزولٌ وإن / خالَ أُناسٌ أنّكمْ في الثَّرى
قَد جَعَل اللَّه إِلَيكمْ كما / علمتُمُ المبعثَ والمحشرا
فَإِن يَكُن ذَنبٌ فَقولوا لِمن / شَفَّعكمْ في العَفو أن يَغفِرا
إِذا تَولّيتُكُمُ صادقاً / فليس منِّي مُنكَرٌ مُنكِرا
نَصَرتُكم قَولاً على أنّنِي / لآملٌ بالسّيفِ أن أَنصُرا
وَبَينَ أَضلاعي سرٌّ لَكمْ / حوشِيَ أن يبدو وأن يظهرا
أَنظر وَقتاً قيل لي بُحْ به / وحقّ للموعود أن ينظرا
وَقَد تبصّرتُ وَلكنّني / قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وَأيُّ قَلبٍ حملت حزنكم / جوانحٌ منه وما فُطِّرا
لا عاشَ مِن بعدكُم عائشٌ / فينا ولا عُمِّر من عمَّرا
وَلا اِستقرَّت قَدمٌ بَعدكم / قرارةً مبدى ولا محضَرا
وَلا سقَى اللَّهُ لَنا ظامِئاً / من بعد أن جُنِّبتُمُ الأبحرا
وَلا عَلت رَجلٌ وقد زُحزِحت / أرجُلُكمْ عن متنهِ مِنبرا
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي / شَننتَ بهنّ عليَّ السّرورا
وكنت لدَيجُورِهِنّ الصّباحَ / وفي سَهَكاتٍ لهنّ العبيرا
فضاقتْ عليَّ سُهوبُ الدّيار / وصارتْ سهولتُهنّ الوعورا
وأظلمَ بينِي وبين الأنام / وما كنت من قبل إلّا البَصيرا
وَطالَ عليّ الزّمانُ القصيرُ / وكان الطّويلُ عليَّ القصيرا
فَها أَنا منك خليّ اليَدين / وفيكَ كليلَ الأمانِي حسيرا
فقدتُك فقدَ الزّمان الحبيبِ / إليَّ وفقدي الشّبابَ النّضيرا
وهوّن رُزءَك مَن لم يُحِطْ / بأنّي أعالجُ منه العسيرا
فَظنّوا وَما عَلِموا أنّه / صغيرٌ وما كان إلّا كَبيرا
فَقُل للّذي في طَريق الحِمامِ / يرعى البدور ويُعلي القُصورا
وَيغفل عَن وَثَباتِ المنون / يَدعن الشّوى ويُصبن النّحورا
إلى كم تظلّ وأنت الطّليقُ / بأيدي الطّماعةِ عبداً أسيرا
إذا ما أريثُ أريثُ الرّحالَ / وأمّا قرِبتُ قربتُ الغرورا
وإن نلت كلّ الّذي تَبتغيه / فَما نِلت إلّا الطفيفَ الحقيرا
وما أخذ الدّهرُ إلّا الّذي / أعاد فكيف تلوم المُعيرا
وَكَم في الأسافلِ تَحتَ الحَضيض / أخامص قَومٍ علون السّريرا
وَكَم ذا صحبنا لأكل التّراب / أناساً ثَوَوْا يلبسون الحريرا
وكم أغمد التّربُ في لحْدِهِ / حُساماً قطوعاً وليثاً هصورا
أُخَيَّ حسينُ ومَن لي بأن / تجيب النّداء وتبدي الضّميرا
عَهدتك تَطرد عنّي الهموم / وتُذكرني بالأمورِ الأمورا
أُخانُ فآخذُ منك الوفاءَ / وأظما فأكرع منك النّميرا
وكم ليلةٍ كنتَ لِي ثانياً / بِظلمائِها مؤنساً أَو سميرا
سَقى اللَّه قبرَك بين القبورِ / سحاباً وَكِيفَ النّواحي مطيرا
تَخال تَراكمه في السّما / ءِ عِيراً بطاءً يزاحمنَ عِيرا
كأنّ زَماجرَه المصعِقاتِ / ضَجيجُ الفحولِ عَزمن الهديرا
تُعَصفرهُ وَمضاتُ البروقِ / فَتحسبه مِن نجيعٍ عصيرا
مجاورَ قومٍ بأيدي البِلى / تمزّقهمْ يرقُبون النّشورا
ولا زال قبرُك من نوره / بجُنحِ الظّلام يضيء القبورا
ولا زلتَ ممتلئ الرّاحتين / نعيماً ولاقيتَ ربّاً غفورا
خَلِّ مَن كانَ لِلجنادلِ جارا
خَلِّ مَن كانَ لِلجنادلِ جارا / لا تُعِرهُ تلهّفاً واِدّكارا
فَغبين الرّجال مَن سلَبَتْهُ / نُوَبُ الدّهرِ في المصابِ اِصطبارا
وَاِعتَبر بِالّذين حلّوا من العل / ياءِ وَالكِبرياء داراً فدارا
مَلَكوا الأرضَ كلّها ثمّ مَن كا / نَ عَلى الأرضِ في الزمانِ مرارا
فترى دورهمْ وكنّ مِلاءً / بالمسرّات بعدهنّ قفارا
مُظلماتٍ مِن بعدِ أَن أوقدت في / ها اللّيالي نوراً يلوح ونارا
وأكفَّا يوابساً طالمَا فِضْ / ن على الخلق عَسْجَداً أو نُضارا
أين قومٌ كنّا نراهمْ على الأط / واد حلّوا ثرى الصّعيد اِنتِشارا
وَحَموا الأنجمَ العُلا غير راضي / نَ لَهم ذلك الجوارَ جِوارا
كلُّ قَرْمٍ قد طاب أصلاً وفرعاً / وقديماً وحادثاً ونِجارا
ضمَّ ملكاً وبسطةً بيديهِ / طيّعاتٍ إلى البراري البحارا
وتراه يجرّ في كلِّ فجٍّ / طَلبَ العزِّ جيشَه الجرّارا
لَم يَزل آنس المفارقِ حتّى / خَلعَ الموتُ تاجَه والسِّوارا
ثُمّ وَلّى ممكِّناً مِن رَداه / فيه تلك الأنيابَ والأظفارا
إِنّ هَذا الزّمان يأخذ منّا / كلَّ يومٍ خِيارنا والخِيارا
وَأعزّاؤنا إِذا لَم يَفوتو / نا صغاراً فاتوا وماتوا كبارا
وكأنّ الّذي تهالك في الفَج / عاتِ حُزناً تظلَّمَ الأقدارا
حاشَ للَّه أَن تَكونوا وقد سِي / طَتْ بنا القارعاتُ فينا جُبارا
وَإِذا لَم تُطقْ ثقيلَ الرّزايا / فعلى ما نعجّزُ الأغمارا
عَزّ مَن بزّ مَن أراد وأفنى / حِمْيَراً تارةً وأخرى نِزارا
فَتَراهمْ مِن بعدِ عزٍّ عزيزٍ / في بطون الهُوى غُباراً مُطارا
وإذا ما أجَلْتَ بين ديارٍ / لَهُمُ اللّحظ لَم تَجِدها دِيارا
لم تَدعْ حادثاتُ هذي الليالي / منهُمُ أعيُناً ولا آثارا
وطَوَتْ عنهُمُ ومنهمْ إلى الأح / ياءِ منّا الأنباء والأخبارا
ورأينا من واعظاتِ المواضِي / لِلبواقي ما يَملأ الأبصارا
غَير أَنّا نَزدادُ في كلّ يومٍ / خُدَعاً مِن زَماننا وَاِغتِرارا
فَإِلى كَم نصدّق المَيْنَ منه / كلَّ يومٍ ونأمنُ الغَرّارا
وَنَسومُ الأرباحَ والرّبح يا صا / حِ إذا ما مضيت كان خسارا
يا اِبنَ عبد العزيز ليتك ما بِنتَ / ولا سار سائرٌ بك سارا
كان حِذري عَليك يستلب الغُمْ / ضَ سُهاداً فقد كفيتُ الحِذارا
إِنّما المَرءُ طائرٌ سكن الوَكْ / رَ قليلاً مهجّراً ثمَّ طارا
وَطِوال السّنين بعدَ تقضٍّ / وَنفادٍ ما كنّ إلّا اِستدارا
وَظلامٍ ما جاء غِبَّ صباحٍ / ملأ الأرضَ كلَّها وَاِستنارا
لَيسَ عاراً هَذا المصابُ وكان ال / ضَعفُ عنه بين الأجالدِ عارا
إِنّما العَيشُ لو تأمَّلتَ ثوبٌ / خِيل مُلكاً لنا وكان مُعارا
أيّها الثّاكل المحبّةَ لا تث / كلْ جزاءً عنها طويلاً كُثارا
وَاِصطَبر مؤثراً تفُز بِثَوابٍ / لا تُضِعْهُ بِأَن صَبرتَ اِضطِرارا
فَدَع الشَّكوَ مِن جروحِ اللّيالي / فجروح الأيَّام كنّ جُبارا
لا تشكّنَّ بالّذي قَسَمَ الأع / مارَ فاللَّهُ قسّمَ الأعمارا
وَبلغتَ الأوطارَ قِدْماً فما را / بَكَ يوماً أن تحرم الأوطارا
قَد مَضى رائداً أَمامك بِشْرِي / لك في عرْصةِ الجنانِ قرارا
أَيُّ نَفعٍ في أَن تُقيم وتمضِي / حَيَداً عن ثَوابِهِ وَاِزوِرارا
وَإِذا ما وزنتَ ذاكَ بِهذا / كنتَ معطىً فيما عراك الخِيارا
وَلَو اِنّي اِستَطعتُ دفعاً لدافع / ت ولكن جاراك مَنْ لا يُجارى
كنْ وَقوراً على مضاضةِ خطبٍ / حطّ عن مَنْكِبَيْ سواك الوَقارا
وَاِصحُ كي تُدرك الثّوابَ فكلّ ال / ناسِ في هذه الخطوبِ سُكارى
وَاِستَمعْ ما أَقوله ودعِ الأَقْ / والَ فالقولُ ما صفا وأنارا
وَإِذا ما سواك كان دِثاراً / كنتَ لِي بالوِدادِ منك شِعارا
وَسَقى اللَّه قَبره كلّما اِرفض / ضَ قُطارٌ ثنى إليه قُطارا
وَتَولّى به الغمامُ يُسقّي / هِ متى شاء ظُلمةً ونهارا
وَتَرى بَرقَه ضَحوكاً وإِن كا / نَ عَبوساً ورعده النقّارا
وعَدَته الجدوبُ في كلِّ مَحْلٍ / وكَسَتْهُ أنوارهُ الأنوارا
خيالُك يا أُميمَةُ كيف زارا
خيالُك يا أُميمَةُ كيف زارا / على عَجَلٍ وما أمِنَ الحِذارا
سرى يطأ الحتوفَ إليَّ وهْناً / ومن تبع الهوى ركب الخِطارا
أتى ومضى ولم يَنقَعْ غليلاً / سوى أن هاج للقلبِ اِدّكارا
وكم من ليلةٍ نادمتُ فيها / سَنا قمرٍ كُفيتُ به السِّرارا
جلوتُ بصبح طلعته الدّياجي / فعاد اللّيلُ من وَضَحٍ نهارا
ولمّا أن رجوتُ له اِنعطافاً / وَلم أَخَفِ اِنحرافاً وَاِزوِرارا
نَظرتُ إِليه نَظرةَ مُستميحٍ / أحالتْ وردَ وجْنَتِه بَهارا
دعِ الدِّرّاتِ يحلبُها اِحتكاراً / رجالٌ لا يرون الذُّلَّ عارا
وعدِّ عن المطامع في حقيرٍ / يَزيدك عندَ واهبهِ اِحتِقارا
وَإِن كانَ اليَسارُ يجرّ مَنّاً / عليك به فلا تُرِدِ اليَسارا
وَلا تَخشَ اِلتواءَ الدّهر يوماً / فإنّ الدّهرَ يَرجعُ ما أعارا
عَلى ملكِ الملوك سلامُ مولىً / يَخوضُ إِلى وِلايتهِ الغِمارا
تقلقلَ دهره في النّاس حتّى / علقتَ به فكنتَ له القَرارا
حلفتُ بمعشرٍ شُعثِ النّواصي / غداةَ النّحرِ يرمون الجِمارا
ومضطجعِ النّحائر عند وادٍ / أُمِيرَ نجيعِهنّ به فمارا
ومن رَفعتْ لزائره قريشٌ / سراعاً عن بنيّتهِ السِّتارا
ومَن لبّى على عرفات حتّى / توارى من ذُكاءٍ ما توارى
لقد فُقتَ الأُلى سلفوا ملوكاً / كما فاقتْ يمينُهُمُ اليَسارا
وجُزتَهُمُ وما كانوا بِطاءً / وطُلتَهُمُ وما كانوا قِصارا
وَكانَ الملكُ قَبلك في أناسٍ / وَما بَلَغوا الّذي لِيديك صارا
وَلو أَنّ الأُلى مِن آلِ كسرى / رَأوك تَسوس بالدّنيا اِقتِدارا
لما عَقدوا على فَوْدَيهِ تاجاً / ولا جعلوا بمِعصَمِه السِّوارا
وأنتَ أشفُّهُمْ خَلْقاً وخُلقاً / وأكرمُهمْ وأزكاهمْ نِجارا
وأظهرهم وقد ظفروا اِمتناناً / وأطهرهم وقد قدروا إزارا
وَأطلقهمْ يداً بندىً وبؤسٍ / وأمنعهمْ وأحماهمْ ذِمارا
وأَطعَنهمْ بذي خَطَلٍ وريداً / وأضربُهمْ بذي فِقَرٍ فِقارا
فَللّهِ اِنصلاتك نحو خَطبٍ / خلعتَ إلى تداركه العِذارا
وحولك كلُّ أبّاءٍ حَرونٍ / يُحرّم في معاركه الفِرارا
إذا ما هجتَه هيّجتَ منه / وقد حَدَق العُداة به قِطارا
وَإِنْ أَيقظتَه في ليل شَغْبٍ / فقد أوقدتَ منه فيه نارا
عِمادَ الدّين خلِّ عنِ الهوينى / فإنّ لكلّ جاثمةٍ مَطارا
وَداوِ الدّاءَ قبل تقول فيه / طبيبُ الدّاءِ أعيا فَاِستَطارا
فَإنّ الحربَ منشؤُها حديثٌ / وكان الشرُّ مبدؤه ضِمارا
وربَّ ضغائنٍ حَقُرتْ لقومٍ / رَأينا مِن نَتائِجها الكبارا
فَماذا غرّهم وَسِواك ممَّنْ / يَزيد به مجرِّبه اِغتِرارا
وَقَد شَهِدوا بفارسَ منك يوماً / ومِرجَلُ قومها بالبغيِ فارا
جَنوا حَرباً وَظنَّوا الرِّبح فيها / وكم ربحٍ جَررتَ به الخسارا
شَكا الظّمأَ الحديدُ ضحىً فرَوَّتْ / بسالتُك الأسنَّةَ والشِّفارا
وصُلتَ على جموعِهُمُ بجُرْدٍ / أطارتهم سَنابِكُها غُبارا
قتيلهُمُ رأى الموتَ اِغتِناماً / وأمُّ قتيلهمْ تهوى الإسارا
أزَرْتُك يا مليكَ الأرض منِّي / ثناءً ما اِستلبتُ به الفَخارا
فَمدحُك قد كَساني الفخرَ بُرداً / وأسكنني من العَلْياءِ دارا
يخال النَّاظرون إليَّ أنّي / كَرَعْتُ وقد سمعت به عُقارا
فدونك كلَّ سيَّارٍ شرودٍ / يزيد على مدى الدهرِ اِنتِشارا
تُطيف به الرُّواةُ فكلُّ يومٍ / يَرون له خَبيئاً مُستثارا
إِذا شَربوه كانَ لَهمْ زلالاً / وإن نَقَدوه كان لهمْ نُضارا
وإنْ قرنوه يوماً بالقوافي / مضى سَبْقاً وولّاها العِثارا
أَدام اللَّهُ ما أَعطاك فينا / وخوَّلك المحبّةَ والخيارا
ولا زالت نواريزُ اللّيالي / تعود لما تُرجّيه مزارا
وأسعدك الإلهُ بكلِّ يومٍ / سعوداً لا تُحطّ له مَنارا
وَلا أَعرى لكم أبداً شعاراً / ولا أقوى ولا أخلى ديارا
ولا أمضى بغير رضاك حُكماً / ولا أجري به فَلَكاً مُدارا
يا دِيارَ الأحبابِ كيفَ تحوَّل
يا دِيارَ الأحبابِ كيفَ تحوَّل / تِ قفاراً وَلَم تَكوني قِفارا
ومحتْ منك حادثاتُ اللّيالي / رغم أنفي الشّموسَ والأقمارا
وَاِستَردّ الزمانُ منك وَما سا / ور في ذاك كلّه ما أعارا
وَرَأتكِ العيونُ لَيلاً بهيماً / بَعدَ أَن كنتِ للعيون نهارا
كَم لياليَّ فيك همّاً طوالٌ / وَلَقد كُنّ قَبل ذاك قصارا
لِمَ أصبحتِ لي ثماداً وقد كن / تِ لمن يبتغي نَداكِ بحارا
ولقد كنتِ برهةً لِي يميناً / ما توقّعتُ أن تكوني يَسارا
إِنّ قوماً حلّوكِ دهراً وولَّوْا / أَوحشوا بالنّوى علينا الدّيارا
زوَّدونا ما يمنع الغُمْضَ للعي / ن ويُنبي عن الجُنوبِ القرارا
يا خليلي كن طائعاً لِيَ ما دُم / تَ خليلاً وإن ركبتَ الخِطارا
ما أُبالي فيك الحِذارَ فلا تخ / شَ إِذا ما رضيتُ عنك حِذارا
عُج بأرضِ الطّفوفِ عيسك واِعْقِلْ / هُنَّ فيها ولا تجزهنَّ دارا
وَاِبكِ لِي مُسعِداً لحزنِيَ وَاِمنح / ني دموعاً إن كنّ فيك غِزارا
فَلنا بالطّفوف قتلى وَلا ذَنْ / بَ سوى البغيِ من عدىً وأُسارى
لَم يَذوقوا الرّدى جُزافاً ولكنْ / بَعدَ أَن أكرهوا القنا والشِّفارا
وأطاروا فَراشَ كلِّ رؤوسٍ / وأماروا ذاك النجيعَ المُمارا
إنّ يوم الطّفوف رنّحني حُزْ / ناً عليكم وما شربتُ عُقارا
وإذا ما ذكرتُ منه الّذي ما / كنتُ أنساه ضيّق الأقطارا
وَرَمى بي عَلى الهمومِ وَأَلقى / حَيَداً عَن تنعّمي وَاِزوِرارا
كِدتُ لمّا رَأيتُ إقدامهمْ في / هِ عليكم أن أهتِك الأستارا
وأقول الذي كتمتُ زماناً / وتوارى عن الحشا ما توارى
قُل لِقومٍ بنوا بغيرِ أَساسٍ / في ديارٍ ما يملكون مَنارا
وَاِستَعاروا مِنَ الزّمان وَما زا / لَتْ لَياليهِ تَستَرِدُّ المُعارا
ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً / لا ولا منزلٌ سكنتمْ قرارا
أيُّ شيءٍ نَفعاً وضرّاً على ما / عوّد الدّهرُ لم يكن أطوارا
قَد غَدَرتمْ كَما عَلِمتم بِقومٍ / لم يكن فيهم فتىً غدّارا
وَدَعوتمْ مِنهمْ إِلَيكم مُجيباً / كرماً منهُمُ وعُوداً نِضارا
أمِنوكمْ فما وفيتمْ وكم ذا / آمنٌ من وفائنا الغدّارا
ولكُمْ عنهُمُ نجاءٌ بعيدٌ / لو رضُوا بالنّجاء منكم فرارا
وَأَتوكمْ كَما أَرَدتمْ فلمّا / عاينوا عسكراً لكمْ جرّارا
وَسُيوفاً طوَوْا عَليها أكفّاً / وقناً في أيمانكمْ خطّارا
عَلِموا أنّكم خَدعتمْ وقد يخ / دَعُ مكراً من لم يكن مكّارا
كانَ من قبل ذاكَ سترٌ رقيقٌ / بَيننا فَاِستَلبتُمُ الأستارا
وَتَناسيتُمُ وما قَدُمَ العه / دُ عهوداً معقودةً وذمارا
وَمَقالاً ما قيل رَجماً مُحالاً / وكلاماً ما قيل فينا سِرارا
قَد سَبرناكُمُ فكنتم سَراباً / وخبرناكُمُ فكنتمْ خَبارا
وهديناكُمُ إلى طُرُقِ الحق / قِ فكنتمْ عنّا غفولاً حَيارى
وَأَردتمْ عزّاً عَزيزاً فما اِزددْ / تمْ بِذاك الصّنيع إلّا صَغارا
وَطَلبتم رِبحاً وَكَم عادتِ الأر / باح ما بيننا فعدن خسارا
كانَ ما تضمرون فينا من الشر / رِ ضِماراً فالآن عاد جهارا
في غدٍ تبصر العيونُ إذا ما / حُلنَ فيكمْ إقبالَكمْ إدبارا
وتودّون لو يفيد تمنٍّ / أنّكم ما ملكتُمُ دينارا
لا ولا حُزتُمُ بأيديكُمُ في ال / ناس ذاك الإيراد والإصدارا
عدِّ عن معشرٍ تناءوا عنِ الحَق / قِ وعن شَعبه العزيز مَزارا
لَم يَكونوا زيناً لِقومهمُ الغر / رِ ولكن شيناً طويلاً وعارا
وَكأنّي أثنيكمُ عن قبيحٍ / بمقالي أزيدكم إصرارا
قَد سَمِعتمْ ما قالَ فينا رسول ال / له يَتلوهُ مَرّةً وَمِرارا
وَهوَ الجاعل الّذين تَراخوا / عن هوانا من قومه كفّارا
وإذا ما عصيتُمُ في ذويه / حال منكمْ إقرارُكمْ إنكارا
ليس عذرٌ لكم فيقبله اللّ / ه غداً يوم يقبل الأعذارا
وغُرِرتمْ بالحلمِ عنكم وما زِي / دَ جهولٌ بالحلم إلّا اِغتِرارا
وَأَخَذتم عَمّا جرى يومَ بدرٍ / وَحُنينٍ فيما تخالونَ ثارا
حاشَ للَّه ما قَطعتم فَتيلاً / لا ولا صرتُمُ بذاك مصارا
إِنّ نورَ الإِسلامِ ثاوٍ وَما اِسطا / عَ رِجالٌ أَن يَكسِفوا الأَنوارا
قَد ثَلَلْنا عروشَكمْ وَطَمَسنا / بِيَدِ الحقّ تلكُمُ الآثارا
وَطَردناكُمُ عنِ الكفرِ باللّ / ه مُقاماً ومنطقاً وديارا
ثمّ قُدناكُمُ إِلَينا كَما قا / دتْ رُعاةُ الأنعام فينا العِشارا
كَم أَطَعتمْ أَمراً لَنا وَاِطّرَحنا / ما تَقولون ذِلَّةً وَاِحتِقارا
وَفَضَلْناكُمُ وما كنتُمُ قط / ط عنِ الطّائلين إلّا قِصارا
كَم لَنا منكمُ جروحٌ رِغابٌ / وجروحٌ لمّا يكنّ جِبارا
وضِرارٌ لولا الوصيّة بالسِّلْ / مِ وبالحلم خاب ذاك ضِرارا
وَاِدَّعَيتمْ إلى نِزارٍ وأنّى / صدقكمْ بعد أن فضحتمْ نِزارا
وإذا ما الفروع حِدنَ عن الأص / ل بعيداً فما قَرُبن نِجارا
إِنّ قَوماً دَنوا إِلَينا وشبّوا / ضَرَماً بيننا لهمْ وأُوارا
ما أَرادوا إلّا البَوارَ وَلَكنْ / كَم حَمى اللَّهُ مَن أَرادَ البَوارا
فَإِلى كَم والتجرِباتُ شعاري / ودثاري ألابس الأغمارا
وَبَطيئينَ عَن جَميلٍ فإن عَن / نَ قَبيحٌ سَعوْا لَه إِحضارا
قسماً بالّذي تُساقُ له البُدْ / نُ ويُكسى فوق السّتار ستارا
وَبِقومٍ أتوا مِنىً لا لشيءٍ / غير أن يقذفوا بها الأحجارا
وبأيدٍ يُرفَعْنَ في عَرَفاتٍ / داعياتٍ مخوِّلاً غفّارا
كم أتاها مخيَّبٌ ما يُرجّى / فَاِنثَنى بالغاً بها الأوطارا
والمصلّين عند جَمْعٍ يرجّو / ن الّذي ما اِستجيرَ إلّا أَجارا
فَوقَ خُوصٍ كللن مِن بعدِ أَن بل / لَغنَ تلك الآمادَ والأسفارا
وَأَعاد الهجيرُ والقُرُّ والرَّوحا / تُ منها تحت الهِجار هِجارا
يا بَني الوحي والرّسالة والتَّط / هير من ربّهمْ لهمْ إكبارا
إنّكم خيرُ من تكون له الخَض / راءُ سقفاً والعاصفاتُ إزارا
وَخيار الأنيسِ لَولاكُمُ في / ها تُحِلُّون من يكونوا خِيارا
وَإِذا ما شفعتُمُ مِن ذنوب ال / خلق طرّاً كانت هباءً مُطارا
وَلَقد كُنتُمُ لِدين رَسولِ ال / له فينا الأسماعَ والأبصارا
كُم أُداري العِدا فَهل في غيوب ال / لَه يومٌ أخشى بِه وأدارى
وأُصادِي اللّئامَ دَهري فهل يق / ضى بأن بتّ للأكارم جارا
وأقاسي الشّدّاتِ بُعداً وقرباً / وأخوض الغمار ثمّ الغمارا
وَأُموراً يعيينَ لِلخَلقِ لَولا / أنّني كنت في الأذى صبّارا
أَنا ظامٍ وليس أَنقع أَن أُب / صِرَ عَيني في الخلقِ إلّا الشّرارا
لَيتَ أنّي طِوالَ هَذي اللّيالي / نلتُ فيهنّ ساعةً إيثارا
وَإِذا لَم أَذق منَ الدّهر إحلا / ءً مدى العمر لم أذق إمرارا
مَيُّ أنَّى لِي أن أقصُر اليومَ عن كل / لِ الأماني إن أملك الإقصارا
سالياً عن غروس أيدي اللّيالي / كيف شاءت وقد رأيت الثّمارا
أَيُّ نَفعٍ في أَن أراها دياراً / خالياتٍ ولا أرى دَيّارا
وسُكارى الزّمان بالطّمع الكا / ذب فيه أعيوا عليَّ السّكارى
فَسَقى اللَّه ما نَزلتُم من الأر / ض عليه الأنواءَ والأمطارا
وَإِذا ما اِغتَدى إِليها قِطارٌ / فَثَنى اللَّه لِلرّواح قُطارا
ما حَدا راكبٌ بركْبٍ وما دب / بَ مَطيُّ الفلاة فيها وسارا
لَستُ أَرضى في نَصركمْ وَقد اِحتج / تمْ إلى النّصر مِنِّيَ الأشعارا
غَيرَ أنّي مَتى نُصرتمْ بطعنٍ / أو بضربٍ أسابق النّصّارا
وإلى أن يزول عن كفَّيَ المن / عُ خذوا اليوم من لساني اِنتِصارا
وَاِسمَعوا ناظرينَ نَصر يميني / بشبا البِيض فَحْلِيَ الهدّارا
فلساني يحكي حسامي طويلاً / بطويلٍ وما الغِرار غِرارا
وَأُمرنا بِالصّبر كي يأتِيَ الأم / رُ وما كلّنا يطيق اِصطِبارا
وَإِذا لَم نَكُن صَبرنا اِختياراً / عَن مرادٍ فقد صبرنا اِضطِرارا
أَنا مَهما جريت في مَدحكمْ شأ / واً بعيداً فلن أخافَ العثارا
وَإِذا ما رَثيتكمْ بقوافي / يَ سراعاً فمُرْجَلُ الحيِّ سارا
عاضَني اللَّه في فَضائِلكم عل / ماً بِشكٍّ وَزادني اِستِبصارا
وأراني منكم وفيكم سريعاً / كلَّ يومٍ ما يُعجب الأبصارا
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ / وأدركتُ من طلب الثّأر ثارا
قوافي ما كنّ إلّا الغمام / سقى بعد غُلّتهنّ الدّيارا
إذا ما نُقِدن وُجدن النُّضارَ / وإِمّا كُرعن حُسبن العُقارا
وهنّأنني بأيادي الإمام / كسون الجمال وحُزن الفخارا
لبستُ بهنَّ على مَفْرقي / يَ تاجاً وفي معصميَّ سِوارا
ولو شئت لمّا تيسّرْن لِي / لنالتْ يداي المحيط المُدارا
وما كُنَّ إلّا لِشكٍّ يقيناً / ولُبْسٍ جلاْءً وليلٍ نهارا
وَلِمْ لا أَصول وقد صار لي / شعار إمام البرايا شعارا
ولمّا تعلّق زين القضا / ة قلبيَ صار لمثواي جارا
غفرتُ له هفواتِ الزّمان / وكنّ الكبار فصرن الصِّغارا
ولبّاه منّي الإخاءُ الصّري / حُ حين دعا أو إليه أشارا
فإن تفتخر بأبيك الرّشيد / ملأتَ لنا الخافقين اِفتخارا
وأنّك من معشرٍ خُوّلوا / من المَأثُرات الضّخام الكبارا
يسود وليدهُمُ الأشيبين / ويعطون في المعضلات الخِيارا
تمازج ما بيننا بالودادِ / وعانق منّا النِّجارُ النِّجارا
ونحن جميعاً على الكاشحين / فكنتَ السّنانَ وكنّا الغِرارا
فخذها تطول قِنانَ الجبال / وإن كنّ للشّغل عنها قصارا
ولا زلتُ فيك طوال الزّما / ن أُعطي المرادَ وأُكفى الحِذارا
تزوريننا وهناً ولو زرتِ في الضّحى
تزوريننا وهناً ولو زرتِ في الضّحى / لأطلقتِ من ضيق الوِثاق أسيرا
وما كانَ ما أَشعَرتنيهِ زِيارةً / ولكنّها كانت لقلبِيَ زُورا
فإنْ لم تكن حقّاً فإنّي جنيتُها / إلى أنْ بدا ضوء الصّباح سرورا
فجاءَتْ إلى ليلِي الطّويل فخيّلتْ / لعينِيَ أو قلبي فعاد قصيرا
لقاءٌ شفى بعض الغليل ولم أكنْ / عليه وإن كنتُ القديرَ قديرا
وَما كانَ إلّا فكرةً لمفكّرٍ / وذكراً جنى منه الظّلام ذَكورا
وَلَمّا اِنقَضى ما صرتُ إلّا كَأنّني / محوتُ بضوء الصّبح منه سطورا
إذا ما حذرتَ الأمر فَاِجعَل إزاءَه
إذا ما حذرتَ الأمر فَاِجعَل إزاءَه / رجوعاً إلى ربٍّ يقيك المحاذرا
وَلا تَخشَ أَمراً أَنتَ فيهِ مفوِّضٌ / إِلى اللَّه غاياتٍ له ومصادرا
وَلا تُنهِضَنْ في الأمرِ قَوماً أذلّةً / إِذا قعدوا جنباً أقاموا المعاذرا
وَكنْ للّذي يَقضي بِهِ اللَّه وَحدَه / وإنْ لم توافقه الأمانيُّ شاكرا
وَلا تَفخَرنْ إلّا بِثوبِ صيانةٍ / إذا كنت يوماً بالفضيلة فاخرا
وَإنّي كَفيلٌ بِالنّجاء منَ الأذى / لِمن لَم يَبتْ يدعو سوى اللَّه ناصرا
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ / وإِذ أنَا في الورق النّاضرِ
أُجرّر ذيل الصّبا جامحاً / بلا آمرٍ وبلا زاجرِ
إلى أنْ بدا الشّيبُ في مَفرقي / فكانت أوائله آخري
وزَوْرٍ تخطّى جَنوبَ المَلا / فناديت أهلاً بذا الزّائرِ
أتاني هدوّاً وَعينُ الرّقي / ب مطروفةٌ بالكرى الغامرِ
فأعجب بهِ يُسعف الهاجعينَ / وتُحرمه مُقلةُ السّاهرِ
وعهدي بتمويه عين المحبّ / تنُمُّ على قلبه الطّائرِ
فَلَمّا اِلتَقينا برغم الرّقا / دِ مَوّه قلبي على ناظري
وبيضُ العوارضِ لمّا برز / ن برّحن بالقمر الباهرِ
يُعِرْن الحليمَ خُفوفَ السّفيهِ / ويحلُلْن عَقْدَ الفتى الماهرِ
وفيهنّ آنسةٌ بالحديثِ / وفي البذل كالرَّشأِ النّافرِ
بطَرْفٍ فَتورٍ ويا حَرَّما / بقلبيَ من ذلك الفاترِ
ويا عاذلي لو تذوق الهوى / لكنتَ على حبّها عاذري
تلوم وقلبُك غيرُ الشجيِّ / ألا ضلّ أمرُك من آمرِ
أقول لركبٍ أرادوا المسير / وقد أخذوا أُهْبَةَ السّائرِ
وَقَد وَقَفوا مِن لَهيبِ الوَداعِ / على حرِّ مستعرٍ فائرِ
فَمِن مَدمعٍ جامدٍ للفِراق / وآخرَ واهي الكُلى قاطرِ
إِذا ما مَرَرتمْ عَلى واسِطٍ / فَعوجوا عَلى الجانِبِ العامرِ
وَأَهدوا سَلامي إلى غائبٍ / بها وهْوَ في خاطري حاضري
إلى كم أسوّف منه اللقاءَ / وكم أرتدي بُردةَ الصّابرِ
وقد ضاق بي مُذ نأيتَ العراقُ / كما ضاق عِقْدٌ على شابرِ
كأنِّيَ لمّا حماك البِعا / دُ عَن ناظرَيَّ بلا ناظرِ
وَإِنّيَ مِن فَرْطِ شَوقي إليك / ووجدي كسيرٌ بلا جابرِ
كئيب الضّمير وإن كنت بالت / تجلّد مبتسمَ الظّاهرِ
ويُحسَبُ بين الضّلوع الفؤاد / وقد طار في مِخْلَبَيْ طائرِ
فيا لك من مُجرِمٍ مُسْلمٍ / تغيّب عنه شبا النّاصرِ
ومن واترٍ ظَفِرَتْ عنوةً / بأثوابه قبضةُ الثّائرِ
ولولا الوزيرُ ابنُ حَمْدٍ لَما / سألتُ وصالَ امرئٍ هاجرِ
وَما كنتُ إلّا قَليلَ الصّدي / قِ في النّاس كالضّيغمِ الخادرِ
أيا من تملّك منّي الفؤا / دَ حوشيتَ من سُنّةِ الجائرِ
وَيا نافِعي بِزمانِ الوِصا / لِ لِمْ عاد نفعُك لي ضائري
تفرّدتَ بي دون هذا الأنام / وشورِكتُ في قَسْمِكَ الوافرِ
ومن عجبٍ أن يرومَ البطيءُ / عَن الودّ منزلةَ الباكرِ
وقد علم القومُ إذْ وازنو / ك أين الجَهامُ من الماطرِ
وأين الحضيضُ من الفرقدين / وأين الخبيث من الطّاهرِ
وإنّك وحدَك في ذا الزّما / ن تستنتج الفضلَ من عاقرِ
وتصبو على نفحاتِ الخطو / ب سمعاً إلى منطق الشّاكرِ
أهزّك بالشّعر هزَّ الشّجا / عِ يومَ الوغى ظُبَتَيْ باترِ
وأمري وصالَكَ بالنَّاظماتِ / سموطاً على مَفرَقِ الفاخرِ
وأعلمُ إنْ كان غيري لدي / ك كالجَفْن إنِّي كالنَّاظرِ
ولستُ إذا فُتَّنِي ثمّ نلتُ / جميع المنى لستُ بالظّافرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ / وإليك مرجع كلّ مدحٍ سائرِ
وَأراكَ أَفضل مَن تَعاور فضلَه / إخفاءُ مخفٍ أو إشادةُ ذاكرِ
هَذي الخِلافةُ مُذْ مَلأت سَريرها / في بُردة الزَّمن الأنيق النَّاضرِ
سكنتْ إليك وأكثبَتْ لكفيئها / وهي القصيَّة عن رجاء الخاطرِ
غادرتمُ مُستامَها في غيركمْ / نَهْباً حصيدَ أسنّةٍ وبواترِ
وَإِذا اِنتَمى شَرفٌ إلى أعقابهِ / أغناك أوّل سُودَدٍ عن آخرِ
ضَمِنتْ همومُك كلَّ خطبٍ موئدٍ / وأقام عدلُك كلَّ رأيٍ جائرِ
وَنَأى بِمَجدكَ عَن تقبُّلِ ماجدٍ / كرمٌ يبرّح بالغمام الماطرِ
وَمواطنٌ لكَ لا تَقلّ مُزَنِّداً / صَهَواتِ جُرْدٍ أو ظهور منابرِ
خَبُثَ الزّمانُ فَمُذ غَمرتَ فِناءَه / أضحى سلوكَ مناقبٍ ومآثرِ
فَاِفخرْ أَمير المُؤمنين فما أرى / بعديل عزّك في الورى من فاخرِ
وتهنَّ بالشّهر الجديد فقد أتى / في خير آونةٍ بأسعد طائرِ
تنتابك الأيّامُ غيرَ مُذمّمٍ / يَلقى اِمتنانَك واردٌ عن صادرِ
وَأَنا الّذي يرضيكَ باطنُ غَيبهِ / وكفاك في الأقوامِ حسنُ الظاهرِ
أَفضى إلى خَلَدِي وِدادُك مِثلما / أفضى الرّقادُ إلى جفون السّاهرِ
ما لي يُتيّمني لقاؤك وهْو لِي / شَطَطٌ وغيري فيه كلُّ القادرِ
وَلَربّما أَلغى حقوقك واصلٌ / وأتاك يشرح في رعاية هاجرِ
وَأَحقّ ما أَرجوه منك زيارةٌ / أُدعى لها في النّاس أيمنَ زائرِ
أَرَبٌ متى قضَّيبَه ببلوغه / كثّرتَ شَجْوَ مُكاثري ومفاخري
هَل لي عَلى تلكَ المَمالكِ وقفةٌ / في ذلك الشّرف المنيف الباهرِ
أم هل لساني يوم ذاك مترجمٌ / عَن بَعضِ ما اِشتَمَلَتْ عليهِ ضَمائري
وَتيقُّني أنْ ليس جِدّي نافعي / إنْ لم يكن جَدّي هنالك ناصري
وَإِذا التحيّة لِلخَليفة أعرضتْ / فهناك أُمُّ القول أبخلُ عاقرِ
فَاِمنُنْ بِإذنٍ في الوصول فإنّني / أُلفى بفَرْطِ الشّوق أوّلَ حاضرِ
صَبرتُ ولولا أن يقولوا سَفاهةً
صَبرتُ ولولا أن يقولوا سَفاهةً / لآيستُ عذّالاً على الصّبر من صبري
وقالوا لَهَا عنها فقلتُ لأنّكم / جهلتمْ حَزازاتٍ لها سكنتْ صدري
يقلّبنَ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ / على جمراتٍ ليتهنّ من الجمرِ
بنفسِيَ مَن لا وصلَ مِن بعد هجرهِ / وَلا أَوْبَةٌ منه ترجَّى مع السَّفرِ
ومن لا سبيلٌ لِي إلى أنْ أزورَه / بِطرفي وإِنْ لَم يُخلِهِ اللَّهُ من ذكري
فَإِنْ لَم تَكُن أَفنت جميعي فلم تَرِمْ / مُودّعةً إلّا وَقد سكبتْ شطري
وولّتْ بعمري إذ تولّتْ بطيبه / فها أنا ذا حيٌّ أعيش بلا عمرِ
سألتُك ربّةَ الوجه النّضيرِ
سألتُك ربّةَ الوجه النّضيرِ / وذاتَ الدَّلِّ والطَّرْفِ السَّحورِ
صِلِي دَنِفاً ببذلِكُمُ مُعنّىً / وَيُقنِعهُ القَليلُ منَ الكثيرِ
أَيحسُنُ صدُّكمْ وبكمْ حياتي / وأنْ أظما وعندكُمُ غديري
وَإِنّي أَستطيل إِذا هَجرتمْ / وسادي مدّةً اللّيلِ القصيرِ
وجأشُكمُ كما تهوون منِّي / وجأشي منكُم قلقُ الضّميرِ
إذا لَم أَستَجِرْ بكُمُ فمن ذا / يَكون عَلى صَبابتكمْ مُجيري
أمِنكِ سرى طيفٌ وقد كان لا يسري
أمِنكِ سرى طيفٌ وقد كان لا يسري / ونحن جميعاً هاجعون على الغَمْرِ
تعجّبتُ منه كيف أمَّ رِكابنا / وأرحُلَنا بين الرِّحال وما يدري
وَكيف اِهتدى والقاعُ بيني وبينه / ولمَّاعةُ القُطرين منَّاعةُ القَطْرِ
وأفضى إلى شُعثِ الحقائب عرّسوا / على منزلٍ وَعْرٍ ودَوِّيّةٍ قَفْرِ
وقومٍ لَقُوا أعضاد كلِّ طَليحةٍ / بهامٍ مَلاهنَّ النُّعاس من السُّكْرِ
سَرَوْا وسِماكُ الرُّمح فوق رؤوسِهمْ / فَما هَوّموا إلّا عَلى وَقعة النّسرِ
وَباتَ ضَجيعاً لي ونحن منَ الكرى / كأنّا تُروّينا العتيقُ من الخمرِ
أضمّ عليه ساعديَّ إلى الحشا / وأُفرشُهُ ما بين سَحْرِي إلى نحري
تمنّيتُهُ والليلُ سارٍ بشخصِهِ / إِلى مَضجعي حتّى اِلتَقينا على قَدْرِ
وَبيضٍ لَواهنَّ المشيبُ عنِ الهوى / فأَنْزَرن مِن وصْلي وَأَوسعنَ مِن هَجري
وَأَلْزَمنَني ذنبَ المَشيب كَأنّني / جَنَتْهُ يدايَ عانداً لا يدُ الدَّهرِ
أَمِن شَعراتٍ حُلنَ بيضاً بمَفْرقي / ظَننتنَّ ضَعْفي أو أَيِسْتُنَّ من عمري
مَحاكنَّ ربّي إنّما الشّيبُ قسمةٌ / لما فات من شرخِ الشّبيبة من أمري
سَقى اللّهُ أَيَّامَ الشّبيبةِ رَيِّعاً / ورَعْياً لعصرٍ بان عنِّيَ من عصرِ
لياليَ لا تَعدو جماليَ مُنيتي / ولا تَرْدُدُ الحسناءُ نهيي ولا أمري
وليلُ شبابي غاربُ النَّجم فاحمٌ / ترى العينَ تسري فيه دهراً بلا فجرِ
وإذ أنا في حُبّ القلوب محكَّمٌ / وأفئدة البيض الكواعب في أسري
ألا يا بني فِهْرٍ شَكيَّةَ مُثقَلٍ / من الغيظ ملآنِ الضّلوع من الوِتْرِ
تسقّونه في كلّ يومٍ وليلةٍ / بلا ظمأٍ كأس العداوة والغدرِ
وَأَغضبكم ما طوّل اللّهُ في يدي / وأعلاه من مجدي وأسناه من فخري
وَإنّيَ مِمَّنْ لا تُحَطُّ رِكابهُ / على البلد النابِي المُجَلَّهِ بالحسْرِ
وإنَّ لساني عازبٌ قد علمتُمُ / عن العُورِ أن أُجريهِ والمنطق الهُجْرِ
وكم ساءَكمْ نفعي ولم يك منكُمُ / وسرَّكُمُ ما قيَّض الدّهرُ من ضَرِّي
وأرضاكُمُ عسري وإن كان عُسركمْ / وأسخطكمْ يُسري وإن لم يكن يسري
وَقَد كُنتُ أَرجوكمْ لِجَبري فَها أَنا / أخافكُمُ طولَ الحياةِ على كسري
وَكانَ لَكم منّي جَميعي فَلَم يَزلْ / قبيحكُمُ حتَّى زوى عنكُمُ شطري
وَغرّكُمُ أنِّي غَمَرتُ عُقوقكمْ / وَأَخفيته عن أعين النَّاس بالبِرِّ
أُزَمِّلُهُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ / كما زَمَّلَ المقرورُ كشحَيْهِ في قُرِّ
وأكظِمُهُ كَظْمَ الغريبة داءَها / وَلَولا اِتّساعي ضاقَ عن كَظْمِه صدري
وكيف أُرامي من ورائي عدوَّكمْ / وفيكم ورائي مَن أخاف على ظهري
وأنَّى أرجِّيكمْ لبُرْءِ جُراحتي / وَما كانَ إلّا عَن سهامكُم عَقْرِي
وَإنّي لأَرضى منكُمُ إنْ رضِيتمُ / بأن تبخلوا بالحلو عنّي وبالمُرِّ
وَأَن لا تَكونوا لِلعَدوِّ مخالباً / إذا لم تكونوا يوم فَرْيي بكم ظُفْرِي
وَهَل فيكُمُ إلّا اِمرؤٌ شاع ذكرهُ / لما شاع ما بين الخلائق من ذكري
وَمن هو غُفْلٌ قبل وَسْمِي وعاطلُ ال / تَرائب لولا دُرُّ نَظْميَ أو نثري
وَشَنعاءَ جاءَت مِن لسانِ سَفيهكمْ / تَصاممتُها عمداً وما بِيَ من وَقْرِ
وَأَعرضتُ عَنها طاوِيَ الكَشح دونها / وَطيُّ اليماني البُرد أبقى على النَّشرِ
رَعى اللَّهُ قَوماً خلّفوني عليكُمُ / شددتُ بهمْ في كلّ مُعضلةٍ أزري
بَطيئينَ عَن سِلْمي فَإِن عَزم العدا / مُحارَبتي كانوا سِراعاً إلى نصري
وَلِي دونَهمْ حقّي وَفوقَ ظُهورهمْ / إذا عضّني المكروه ثِقْلِيَ أَو وِقْري
صحبتُهُمُ أستنجد الشّكر فيهمُ / وقد كنتُ في الأقوام مستنجداً صبري
هُمُ أخصبوا مرعايَ فيهمْ ومسرحي / وهمْ آمنوا ما بين أظهرهمْ وَكْري
وهم بَرَدوا في النّائبات جوانحي / وهمْ تركوا ذنبي غنيّاً عن العُذرِ
وَقَد كنتُ أَلقى فيهمُ كلَّ مُتْرَعٍ / مِنَ الحُسنِ مَعقولِ الأسرّةِ كالبدرِ
أَمين الخُطا لم يسرِ إلّا إِلى تُقىً / وَلا دَبّ يَوماً لِلأخلّاءِ بِالمَكرِ
تَراه مليّاً وَالعوالِي تنوشُه / بأنْ يولج المَجْرَ العظيمَ على المجْرِ
وَيُمسِي حَديثُ القَومِ عنهُ وَيغتدي / ذَكيّاً شَذاهُ بَينهمْ أرِجَ النَّشرِ
كَأنّهُمُ شنّتْ ثَناهُ شِفاههمْ / يشنّون في النّادي سحيقاً من العِطْرِ
مَضَوا بَدَداً عنّي وَحلّق بَعدهمْ / بما سرّني في العيش قادمتا نَسْرِ
فَلا أغمضُ العينين إلّا عَلى قذَىً / وَلا أَقلب الجَنبين إلّا عَلى جَمْرِ
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري
لِنشرِ فَضلك آثاري وأخباري / وفي ولائك إعلاني وإسراري
وأنت مِنْ بين مَن بتنا نسوّدُهُ / صِفْرٌ من العابِ عُريانٌ من العارِ
أَوْليتَ ما لم يكن أرجوه مبتدئاً / وحُزْتَ غايةَ تأميلي وإيثاري
وَكيفَ يَبلغ شكرِي مَن أَطالَ يَدي / مدّاً وَأَعلق بالعلياءِ أَظفاري
إِنّ الأجلَّ أَبا الخطّابِ أَسكَنَني / في عَرْصَةِ العزِّ داراً أيَّما دارِ
أَعلى بِحَضرَةِ مَلْكِ الأرضِ مَنزِلَتي / عَفواً وَرَفَّع في مَثواهُ مِقداري
وَقامَ لا حَصَرٌ منه ولا عَجَلٌ / يجلو على سمعه أبكارَ أشعاري
فالآن قِدْحِي المعلّى في مجالِسهِ / إذا ذُكِرتُ وزندي عنده الواري
فقُدْ جزاءً لِما أَوليتَ من مِنَنِي / زمامَ كلِّ شَرودِ الذّكر سيّارِ
ما كانَ قَبلك مِطواعاً إلى أحدٍ / وَلا لِغَيرك في الدّنيا بزوّارِ
فَخُذْ إليكَ مَقاليدي مُسلَّمَةً / فلَستُ أُرخصُ إلّا فيك أَشعاري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري / أو أنت في نَصَب الكآبة عاذري
هيهات ما رأف الصّحيحُ بمُبْتَلٍ / يوماً ولا وقف الحثيثُ لعاثرِ
يا قاتل اللَّهُ الغَواني في الهَوى / باعَدْنَنِي لمّا سكنّ ضمائري
ما زِلن بي حتّى اِلتفتّ إلى الصِّبا / مِن بعدِ إِعراض العَزوف النّافرِ
فَعَرفتُ حينَ صَبوتُ كيف مواردي / لَكِنَّني لم أَدرِ كَيفَ مَصادري
ما لِي وَلِلبيضِ الكَواعبِ هِجْنَ لِي / بِلوى الثّوِيّة ذُكرةً من ذاكرِ
شيّبنَنِي وَذَمَمن شَيبَ مَفارقي / خُذها إليكَ قضيّةً من جائرِ
لا مَرحباً بِالشّيب أَظلم باطني / لَمّا تجلّلنِي وأشرق ظاهري
شَعَرٌ أَبى لِي في الحسان إصاخةً / يوم العتاب إلى قبول معاذري
مثلُ الشَّجاةِ مُلِظَّةً في مَبْلَعٍ / أو كالقَذاة مقيمةً في النّاظرِ
لا ذنبَ لي قبل المشيب وإنّني / لمؤاخذٌ من بعده بجرائرِ
يا سائق الأظعانِ يومَ سُوَيقَةٍ / رفقاً بقلبٍ في الظّعائن سائرِ
جسدٌ أقام على اللّوى ففؤادُهُ / بعد التفرّق في مخالب طائرِ
ما كان ضرّك لو وقفتَ على الأُلى / في الحبّ بين مجاهرٍ ومساترِ
وَمتيّمٍ جَحد الهَوى فَوَشى بهِ / يومَ الوداع لسانُ دمعٍ قاطرِ
وعلى الرّكائب يومَ وَجْرَةَ غائبٌ / لا نفعَ لي من بعده بالحاضرِ
أشهى إليَّ من المنى غِبَّ المُنى / وأعزّ من سمعي عليَّ وناظري
عاصي الوشاة وَزارَني متستِّراً / باللّيل بعد هجوع طرف السّاهرِ
عَجلانَ يَستلبُ الحَديثَ كأنّه / جانٍ يخالس غفلةً من ثائرِ
يا راكباً ظهر المطيّةِ مُوجِفاً / في الصّبحِ بين هواجرٍ وظهائرِ
أبلغْ بني خَلَفٍ بأنّ مودّتي / أُنُفٌ لهمْ وذرائعي وأواصري
أَنتُمْ وَإن لم تُدننا رَحِمٌ بما / أَخلَصتُموه أَقاربي وَمَعاشري
وَأَصاحبي دونَ الرّجالِ إِذا اِلتَوى / خطبٌ يُبرّئُ غائباً من حاضرِ
لا تَحسبوا منّي التغيّرَ بعدكمْ / فأوائلي في حبّكمْ كأواخري
هَل تَذكُرونَ فَإنّني لم أنسَه / ذاك التّداني في الزّمان العابرِ
إذ نحن في أرض التّصابي جيرةٌ / في ظلّ أيامٍ هناك نضائرِ
كم فيكُمُ من طالعٍ شَرَفَ العُلا / أو قامعٍ شَرَفَ العدا أو قاهرِ
ومُرَفّعون تخالهمْ لجميلهمْ / بين الرّجال على ظهور منابرِ
طالوا إلى نيل العُلا وثيابهمْ / تُلوى بمثل متالعِ وقَراقِرِ
يا أيّها الأستاذ طُلتَ تفضّلاً / قولاً فخذ عنه جواب الشاكرِ
قولاً كما رقّ النسيم على ثرىً / عَطرِ النبات عقيب غيثٍ ماطرِ
وافى كما طرق الرّقادُ تعلّقَتْ / بعد الكلال به جفون السّاهرِ
ما خِلتُهُ إلّا عَطيّةَ مانعٍ / نَقَعَ الجوانحَ أو زيارةَ هاجِرِ
وكأنّه بعد المشيب مبشّرِي / بإيابِ آونةِ الشّبابِ الناضِرِ
وظللتَ تنعتُ لي جميلَ مآثرٍ / لولا ثناؤك لم يكنّ مآثري
فمدائحي مشفوعةٌ بمدائحي / ومفاخري مجموعة بمفاخري
لا ترهبَنْ منّي الملالَةَ في الهوى / وَاِرهَبْ مَلالَةَ من لقيتَ وحاذرِ
وَاِعلَمْ بأنّي لا أحول عن الّذي / لكَ في الجوانح من محلٍّ عامرِ
وَبَلوتُ بعدك للرّجال خلائقاً / عُوجاً تُبرِّح بالبصير الخابرِ
لا مرتَعٌ فيها ولا مستمتَعٌ / كسراب قاعٍ أو زجاجة كاسرِ
يَتكالَبونَ عَلى القَبائح بَينهمْ / كَلَبَ الذّئابِ رأين عَقْرَ العاقِرِ
لَم يَبتنوا شَرَقاً ولا بَحثوا على / كَسبِ المَحامِد منهمُ بأظافرِ
وَكأنّ جارَهُمُ مقيمٌ بينهمْ / في منزلٍ قَفْرٍ ورسمٍ داثرِ
فَدعِ التشكّي للفراقِ فَقَد مَضى / وَخذِ الوِصال مجاهراً لمجاهرِ
إِنّي أَغارُ عَلى زَمانٍ بيننا / يمضي بغير تجاورٍ وتحاورِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ / وأحقَّ مُولٍ في الزّمان لشاكرِ
وأشقَّ من وطأ الكواكب مُرتقىً / وأعزَّ من ليث العرينِ الخادرِ
قد جاءني التّشريفُ منك كأنّه / قِطعُ الرّياض عقيبَ غيثٍ ماطرِ
وكأنّه بُرْدُ الشّبابِ نضارةً / أو بِشْرُ آونةِ الرّبيع الزّاهرِ
أثوابُ عزٍّ لم يكنّ للابسٍ / إلّا رِياشَ مفاخرٍ ومآثرِ
يُجرَرْنَ فوق ذُرا المجرّةِ عزّةً / ويُطَرْنَ فوق النَّسْرِ ذاك الطّائرِ
وَلَقد سننتَ شَريعةً لِلجودِ في / غير الهديّةِ أنّه للحاضرِ
لَم تَرض ما شَرع الكِرامُ وكم لنا / من ناقصٍ عن غايةٍ أو قاصرِ
حتّى جعلتَ لحاضرٍ أو ناظرٍ / كلَّ الّذي رَمَقَتْه عينُ النّاظرِ
شاطَرتَنِي تلك النّفائسَ قاسماً / بيني وبينك كلَّ عِلْقِ فاخرِ
فَكأنّنا مُتساهمان بضاعةً / حُطّتْ إلينا من ظهور أباعرِ
أرسلتَها مثلاً شروداً في النّدى / يسري بها لك كلُّ بيتٍ سائرِ
جاءَتْ كَما اِقتَرح التكرّمُ ما مشى / فيها اللّسان ولا سَرَتْ في خاطرِ
هَيهات مِنكَ الأوّلون وإنْ هُمُ / صاروا من المعروف خيرَ مصايرِ
سبقوا وجُزتَ مداهُمُ متمهّلاً / سَبْقَ الكريمة للهجين العاثرِ
فمتى أضفناهمْ إليك فإنّما / قسنا الثّماد إلى الخِضَمّ الزَّاخرِ
فَاِفخَرْ وتِهْ فخرَ الملوك على الورى / وعلى الطّوالع في المحيط الدَّائرِ
فلقد فَضَلْتَ جميعهمْ بفضائلٍ / وفواضلٍ ومكارمٍ ومكائرِ
ومحاسنٍ نَظَمَ الزّمانُ لمَفرقَي / ملكِ الملوك بها سُموطَ جواهرِ
وَاِسلَمْ وَإِن لفّتْ صروفُ زَمانِنا / هذا الأنامَ معاشراً بمعاشرِ
في ظلِّ مَلْكٍ ضلَّ عن أيدي الرّدى / وَاِزورَّ عَن سَنَنِ الحمامِ الزَّائرِ
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري
ما لي تُطيحُ الدّهر أخياري / والمرءُ من كلّ شيءٍ حازه عارِ
يزهى بجارٍ ودارٍ وهي آهلةٌ / حتّى يصير بلا جارٍ ولا دارِ
وسيق سوقاً عنيفاً غير مُتّئِدٍ / إلى الّتي نَبَشَتْها كفُّ حَفّارِ
في قَعرِ شاحطةِ الأعماقِ حالكةٍ / سُدَّتْ مطالعُها منها بأحجارِ
هَوى إِلَيها بلا زادٍ سوى أَرَجٍ / مِن مَنْدَلٍ عَبِقٍ أَو سُحْقِ أطمارِ
ذاقَ الرّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ به / وناعمٌ بين جنّاتٍ وأنهارِ
لم يُغنِ عنه وقد همّ الحمامُ به / أن بات من دون أردامٍ وأستارِ
أمّا الزَّمان فغدّارٌ بصاحبهِ / وما الشّقاوةُ إلّا حبُّ غدَّارِ
فَبينما هوَ يعطيني ويُوسِعُ لي / حتّى يكون به فقري وإعساري
فَليسَ ينصفُني مَن عادَ يَظلمني / وليس ينفعني من كان ضرّاري
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ / ما كانَ إلّا بِه حِرمانُ أوطاري
نَدورُ في كلّ مَخشاةٍ ومَرْغَبَةٍ / مِن تَحتِ مُستعجل الوثباتِ دوّارِ
كَأنّنا تَتَرامانا نوائبُهُ / عَصْفٌ ترامى به سَوْراتُ تيَّارِ
ظِلٌّ وشيكٌ تلاشِيهِ وأفنِيَةٌ / موضوعةٌ نَصْبَ إخرابٍ وإفقارِ
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مُغمِضَةً / إغماضَ ليثٍ من الأرواح مُمتارِ
الدَّهرُ سالبُ ما أعطى ومانِعُهُ / فما الصّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ
نُقيمُ منهُ عَلى عَوجاءَ زائلةٍ / ومائلٍ مُزلقِ الأرجاء مُنهارِ
وَالمرءُ ما دام مأسوراً بشهوتِهِ / معذّبٌ بين إحلاءٍ وإمرارِ
طوراً جديباً وطوراً ذا بُلَهْنِيةٍ / فمن عذيريَ من تاراتِ أطواري
من عائدي من جوى همٍّ يؤرّقني / نفى رُقادي وجافى بين أشفاري
أرعى نجومَ الدّجى أنّى مسالكُها / ولا نديمَ سوى بثّي وأفكاري
لحادثٍ في أخٍ ما كنت أحذره / وأين من حادثاتِ الدهر إحذاري
لَمّا دَعا بِاِسمهِ النّاعي فَأَسمَعني / ضاقَتْ عليَّ هُموماً كلُّ أوطاري
وَلُذْتُ عنهُ بِإِنكاري منيّتَهُ / حتّى تحقّق شرّادٌ بإنكاري
فَالآنَ بَينَ ضُلوعي كلُّ لاذعةٍ / تُدمي وحشو جفوني كلُّ عُوَّارِ
رُزِئتُهُ حاملاً ثِقْلي ومضطلعاً / شُحّاً عليها من الأقوام أسراري
فَيا دُموعيَ كوني فيه واكِفةً / وَيا فؤادي اِحتَرقْ جرّاه بالنّارِ
عَرّجْ على الدّار مُغبرّاً جوانبُها / فَاِسأل بها عَجِلاً عن ساكِني الدّارِ
كانَتْ تَلألأُ كالمصباح وهي بما / جنى عليها الرّدى ظلماءُ كالقارِ
وقل لها أين ما كنّا نراهُ عَلى / مَرِّ النّدى بكِ من نقضٍ وإمرارِ
وَأَينَ أَوعيةُ الآدابِ فاهقةً / تَجري خِلالك جَرْيَ الجدول الجاري
وَأَين أبكارُ فضلٍ جِئن فيك وقد / جاء الرّجال بعُونٍ غيرِ أبكارِ
وَأَين طيبُ ليالٍ فيك ناعمةٍ / كأنّهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ
يا أَحمد بن عليٍّ والرّدى عرَضٌ / يزور بالرّغم منّا كلَّ زوّارِ
نأى يشقُّ مداهُ أن تُقرّبهُ / قلائصٌ طالما قرّبن أسفاري
علقتُ منك بحبلٍ غيرِ مُنتَكِثٍ / عند الحفاظِ وعُودٍ غيرِ خوّارِ
وَقَد بلوتُك في سُخْطٍ وَعند رضىً / وبين طيٍّ لأنباءٍ وإظهارِ
فَلم تُفِدْنيَ إلّا ما أضنُّ بهِ / وَلَم تَزدنيَ إلّا طيبَ أخبارِ
لا عارَ فيما شربتَ اليومَ غُصّتَهُ / من المنونِ وهل بالموتِ من عارِ
ولم يَنَلْكَ سوى ما نال كلّ فتىً / عالي المكان ولاقى كلّ جبّارِ
فلو وَقَتْكَ من الأقدار واقيةٌ / حماك كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ
إذا دَعَتْهُ من الهيجاء داعيةٌ / سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكب السّاري
ما كان ثاري بِناءٍ عَن مَنالِ يدي / لو كان في غير أثناء الرّدى ثاري
فَاِذهَبْ كما ذهبتْ سرّاءُ أفئدةٍ / أو أمنُ خائفةٍ أو نيلُ أوطارِ
عُريانَ من كلّ ما عِيبَ الرّجالُ به / صِفْرَ الحقيبةِ من شيءٍ من العارِ
ولا يزلْ خَضِل الهُدّابِ يقطره / على ترابك سحّاً ذاتُ إعصارِ
حتّى يُرى بين أجداثٍ يجاورها / رِيّانَ ملآنَ من زهرٍ ونُوّارِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025