القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 56
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ / مواصلٍ كَرْبَ آصالي بأسْحَاري
كأنّ حَشْوَ جفوني عند سَوْرَتِهِ / جيشٌ منَ النَّملِ في جُنحِ الدُّجى ساري
كأنّه للقَذَى والدمعِ في وَحِلٍ / فَخَلْعُهُ أَرجُلاً مِنهُ بِإِضرارِ
كَأَنَّ أَوجاعَ قَلبي من مُطاعَنَةٍ / بِالشَّوكِ ما بَينَ أَشفاري وأَشفاري
كَأَنَّما لُجَّةٌ في العَينِ زاخِرةٌ / تَرمي سَواحِلَ جَفنَيها بِعُوّارِ
تُفَجِّرُ الماءَ مِنها كُلَّما وَضَعَتْ / لِهَجعَةٍ مِنهُما ناراً على نارِ
كم ليلةٍ بتُّ صفراً من كرايَ بها / ومن مَخيلةِ صُبْحٍ ذاتِ إسفارِ
إذ باتَ جفني رضيعَ ابني يقاسمُهُ / لُبانَ أسحَمَ يَغذوهُ بِمِقدارِ
في حَلْقَةٍ مِن ظَلامٍ لا تَرى طَرَفاً / يَبدو بها من سَنا صُبْحٍ لأَبصارِ
كَأَنَّما الشَّرقُ دِهْقَانٌ يَرى غَبناً / في دَفعِهِ مِنهُما الكافورَ بِالقارِ
كَأَنَّما الشَّمسُ قد رُدَّتْ إلى فَلَكٍ / على الخلائقِ ثَبْتٍ غيرِ دَوّارِ
كَأَنَّما اللَّيلُ ذو جَهلٍ فَلَيسَ يَرَى / في دِرهَمِ البَدْرِ مِنها أَخْذَ دينارِ
يشكو لجفنيَ جفني مثلَ عِلّتِهِ / كَالضَّيمِ يُقْسَمُ بينَ الجارِ والجارِ
فالحَمدُ للَّه مَجرى النورِ من غَسَقٍ / وجاعلِ اللَّيلِ في تَلطيفِ أَحجارِ
كَم أبعدَ النَّاسُ في أَمرٍ ظنونَهُمُ / فكان دائي قريبَ البُرْءِ بالباري
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ / يغوصُ فيه على درِّ النهى النّظَرُ
يكسو السطورَ ضياءً عند ظلمتها / كأنّ ينبوعَ نورٍ منهُ ينفجرُ
يَشِفُّ للعينِ عن خطِّ الكتاب كما / شفّ الهواءُ ولكن جِسمُهُ حَجَرُ
يُبدي الحُروفَ بجُرحٍ نَالَها عَرقٌ / فيهِ وقَرَّ عَلَيها جامداً نَهرُ
كَحَلت عينِيَ إذ كَلَّتْ بِجَوهَره / أَما يُحَدّ بِكُحْلِ الجَوهَرِ البَصرُ
كَأنَّه ذِهنُ ذي حذق يَفُكُّ به / من المُعَمّى عويصاً فكّهُ عَسِرُ
نِعمَ المُعينُ لِشَيخٍ كَلَّ ناظرُهُ / وَصَغَّرَ الخطَّ في ألحاظه الكِبَرُ
يرى به صُوَرَ الأسْطار قد عَظُمَتْ / كعُنْصُلِ الماءِ فيه يَعظُمُ الوبَرُ
زِنْ بديعَ الكلامِ وَزناً مُحَرَّرْ
زِنْ بديعَ الكلامِ وَزناً مُحَرَّرْ / مثل ما يُوزَنُ النضارُ المُشَجَّرْ
وتكَلَّمْ بما يَزينُكَ في الحَف / ل وَتَقْنَى به عَلاءً ومَفخَرْ
إنَّ حُسْنَ الثناءِ بعدك يَبْقَى / لك بالذكرِ منه عيشٌ مُكَرَّرْ
روحُ معناك جسمُهُ منكَ لفظٌ / وعلى كلّ صورة يَتَصَوّرْ
فإذا ما مَقَالُ غَيْرِكَ أضْحَى / عَرَضاً فَلْيَكُنْ مَقالُكَ جَوْهَرْ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ / لولا وصالُ ذواتِ الدلّ والخفَرِ
السافراتُ شموساً كلَّما انتَقَبَتْ / تبرّجَتْ مُشْبِهاتُ الأنجُمِ الزُّهُرِ
مِن كُلِّ حَوراءَ لم تُخذَلْ لَواحِظُها / في الفتكِ مُذ نَصَرَتْها فَتكَةُ النظرِ
أَوْ كُلّ لَمياءَ لو جادَتْ بِريقِ فمٍ / نَقَعتُ حَرّ غليلي منه في الخَصَرِ
محسودةُ الحسن لا تنفكّ في شَغَفٍ / منها بصبحٍ صقيل الليل في الشَّعَرِ
لا تأمننّ الردى من سيف مُقلَتِها / فإنّه عَرَضٌ في جَوهَرِ الحَوَرِ
إِنِّي امرؤ لا أرى خَلْعَ العذارَ على / مَن لا يقُومُ عَلَيهِ في الهوى عُذُري
فما فُتِنتُ بردفٍ غَيرِ مُرْتَدَفٍ / ولا جُنِنْتُ بِخَصرٍ غَيرِ مُخْتَصَرِ
وَشَرْبةٍ من دم العنقودِ لو عُدِمتْ / لم تُلْفِ عيشاً له صفوٌ بلا كدَرِ
إِذا أُديرَ سَناها في الدّجى غَمَسَتْ / دُهْمَ الحنادس في التحجيل والغَررِ
تَزداد ضِعْفاً قُواها كلَّما بَلَغَتْ / بها الليالي حدودَ الضَّعف والكِبَرِ
لا يَسمَعُ الأَنفُ من نَجْوَى تَأَرُّجِها / إِلّا دعاويَ بين الطيبِ والزَّهرِ
إِذا النديمُ حَساها خِلتَ جريَتها / نجماً تَصَوّبَ حتّى غارَ في قَمَرِ
تُصافِحُ الراحَ من كاساتها شُعَلٌ / ترمي مخافة لمسِ الماء بالشَّرَرِ
تعلو كراسيَّ أيدينا عرائِسُهَا / تُجْلى عَلَيهِنَّ بَينَ النايِ والوتَرِ
حَتَّى تَمَزَّقَ سترُ الليلِ عن فَلَقٍ / تَقَلُّصَ العَرْمَضِ الطامي على النَّهَرِ
والصُّبحُ يرفعُ كفّاً منه لاقطةً / ما للدَّراري على الآفاق من دُرَرِ
عَيشٌ خَلَعتُ على عُمري تَنَعُّمَه / ليتَ اللياليَ لم تخلعه عن عُمري
وَلّى وما كنتُ أدري ما حقيقتُه / كأنّما كان ظلَّ الطائر الحَذِرِ
باللَّه يا سَمُراتِ الحيِّ هل هَجَعَتْ / في ظِلِّ أَغصانِكَ الغِزْلانُ عَن سَهَري
وَهَل يُراجِعُ وَكراً فيك مُغْتَرِبٌ / عَزّتْ جناحَيهِ أشراكٌ منَ القَدَرِ
فَفيكَ قَلبي ولَو أَسطيعُ من وَلَهٍ / طارتْ إليك بجسمي لَمحَةُ البَصَرِ
قُولي لِمَنزِلَةِ الشَّوقِ الَّتي نَقَلَتْ / عَنها اللَّيالي إلى دار النَّوى أثَري
نِلْتُ المُنَى بابنِ عبّادٍ فَقَيّدَني / عَنِ البدورِ الَّتي لي فيك بالبِدَرِ
حَطّتْ إليه حُداةُ العيسِ أرْحُلَنا / فَالعَزم صِفْرٌ بِمَثواهُ مِنَ السَّفَرِ
كانَ ابتِدائي إِلَيه عاطِلاً فغدا / منه بِحَلْيِ الأماني حاليَ الخَبَرِ
مُمَلَّكٌ قَصْرُ أعْمارِ العُداةِ به / وَقْعُ السُّيوفِ على الهاماتِ والقَصَرِ
عَدْلُ السياسةِ لا يَرْضى له سِيَراً / إلا بما أنْزَلَ الرّحمنُ في السُّوَرِ
يُسْدي بِيُمْناهُ من معروفه مِنَناً / تَكسو الصَّنائعَ صنعانِيَّةَ الحِبَرِ
لو أَضحَتِ الأرضُ يوماً كفَّ سائِلَهُ / لَم تَفتَقِرْ بَعدَ جَدواه إِلى مَطَرِ
يَأوي إِلى عِزَّةٍ قَعْساءَ مُرْغِمَةً / أَنْفَ الزَّمانِ على ما فيه من أشَرِ
لا يُفْلتُ الجريُ من أيدي عزائمه / أو يجعلَ الهامَ أجفانَ الظبا البُتُرِ
جارٍ له شأوُ آباءٍ غطارِفَةٍ / أُسْدٍ على الخَيلِ أقمارٍ على السُّررِ
لا تَسْتَلِينُ المَنايا عَجْمَ عودِهِمُ / والنَّبعُ لَيسَ بِمَنسوبٍ إلى الخَوَرِ
يُقَطّبُ الموتُ خوفاً من لقائِهِمُ / ويضحكُ الثغرُ منهمْ عن سَنَا ثُغَرِ
يا مُرْويَ الرُّمح والأرماحُ ظامئةٌ / من الأسود الضَّواري بالدَّمِ الهَدَرِ
لولا تَعشّقُكَ الهيجاءَ ما ركبَتْ / بك العزيمةُ فيها صَهْوَةَ الخطَرِ
إِذا التَظَتْ شُعَلُ الأَرماحِ وَانغَمَسَت / مِنَ الدُّروعِ عَلى الأَرواحِ في غدرِ
وفي اصطِبارِكِ فيها والرَّدى جَزِعٌ / ما دلّ أنّك عنها غيرُ مُصْطَبرِ
ومأزقٍ مَزّقَتْ بيضُ السُّيوفِ به / ما لا يُرَقّعُه الآسونَ بالإبَرِ
من جَحْفَلٍ ضَمِنَ الفتحُ المبينُ له / ذُلَّ الأعادي بعزِّ النَّصرِ والظّفَرِ
تَحدو عَذابَكَ فيه للوَغَى عَذَبٌ / تَهفو كَأَيدي الثكالى طِشْنَ من حررِ
جاءَتْ صُدُورُ العوالي فيه حاقِدَةً / يَفتَرُّ منها دخانُ النقعِ عَن شَرَرِ
فَكَمْ قُلوبٍ لها جاشَتْ مراجِلُها / لَمّا تَساقَطَ جَمْرُ الطَّعنِ في النُّقَرِ
كَأَنَّما كُلُّ أَرضٍ من نَجيعِهِمُ / رَخوُ الأَسِنَّةِ منها ميِّتُ الشعرِ
وخائضٍ في عُبابِ الموتِ مُنصلتٍ / مُقارِعِ الأُسد بين البيضِ والسمرِ
خَلَقْتَ بالضربِ منه في القذالِ فماً / أنْطَقْتَ فيه لِسانَ الصَّارِم الذكرِ
يا معلياً بعلاهُ كلّ مُنْخَفِضٍ / ومُغنِياً بِنَداهُ كُلَّ مُفتَقِرِ
هَل كانَ جُودُكَ في الأَموالِ مُقتَفِياً / آثارَ بأسِكَ في أُسدِ الوَغى الهُصُرِ
نادَى نَدَاكَ بَني الآمالِ فَازدَحَموا / بِالوَاخِداتِ على الرّوْحاتِ والبُكَرِ
كَما دَعا الرّوْضُ إذ فاحَتْ نَواسِمُهُ / رُوّادَهُ بِنَسيمِ النّوْرِ في السَّحَرِ
يُهدي لَكَ البحرُ مما فيه مُعْظَمَهُ / والبحرُ لا شكَّ فيهِ مَعدَنُ الدّرَرِ
إِنّا لَنخجل في الإِنشادِ بينَ يَدي / رَبِّ القوافي الَّتي حُلّينَ بالفقرِ
مَن ملَّك اللَّهُ حُسنَ القول مِقولَهُ / فلو رآه ابنُ حُجْرٍ عادَ كالحجَرِ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ / ولقد يكونُ زمانَ هجركِ زائري
أسَدَدْتِ مسراه فلم يُطِقِ السُّرَى / أمْ باتَ عِندَكِ نائِماً عن ساهِرِ
طُمعَتْ مصافحتي له إذ زُرتُهُ / فَقَبضتُ مِن ظلِّ الخيالِ النافِرِ
إِنّي اقتَنَعْت بِزَورَةٍ زُوْرِيَّةٍ / أَلفَيتُ باطِنَها خِلافَ الظاهِرِ
وَإِذا أَرَدتَ بِأَنْ تُصَوِّرَ للمُنى / صُوَراً فَسَلِّمْها لِفِكرَةِ شاعِرِ
يا مَنْ لها بالسِّحرِ طرْفٌ قاتلٌ / أسَمِعْتِ بالفُتْيَا الَّتي في الساحِرِ
إِنِّي نَظَرتُ فَلَم أجِدْ لك فتكَةً / إلّا بِحَدِّ حسامِ لَحظٍ فاتِرِ
أثْبَتِّ حُبّكِ في فؤادٍ خافقٍ / أوَ ما عجبت لواقعٍ في طائِرِ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ / يُنْمَى إِلى شُمِّ الأُنوفِ أَكابِرِ
يُرْدي المدجَّجَ وهوَ غَيرُ مدجَّجٍ / كم دارِعٍ أرداه رمحُ الحاسِرِ
ويشِبُّ نيرانَ الحُروب بمرهفٍ / كصبيب ماءٍ في الجماجِم غائِرِ
في جَحْفَلٍ يَغْشَى الوقائعَ زاحفاً / بسماءِ أجنحة وأرضِ حوافِرِ
وَعَجاجَةٍ كَسحابَةٍ مُلْتَفّةٍ / فوْقَ الرُؤوسِ على بُروقِ بَواتِرِ
ضحكتْ تُقهقِه والكماةُ عوابسٌ / بالضربِ فوق قوانسٍ ومغافِرِ
وكأنّ جُرْدَ الخيل تحت حُماتها / عُقبانُ جوٍّ جُنّحٍ بِقساوِرِ
والسابِغاتُ على الكماة حبائكٌ / كَحُبابِ ماءٍ أَو نَثيرِ غَدائِرِ
وكأنّ أطرافَ السيوف نواجذٌ / يحرِقْنَ في شِدْقِ الحِمام الكاشِرِ
ما قستُ نجدتَهُ بحدّةِ مِحْرَبٍ / إلا قضيتُ له بفضلٍ قاهِرِ
إنّ الشجاعةَ في الحُماة وإنها / لأشدّ منها في الأبيِّ الصابِرِ
فتخافُ أذمارُ الكريهةِ فتكَهُ / خَوْفَ البُغاثِ من العُقابِ الكاسِرِ
بسنانِ أسْمَرَ للحيازم ناظمٍ / وغرارِ أبيضَ للجماجمِ ناثرِ
تَبدو مِنَ المَنصورِ فيهِ شَمائِلٌ / تِلكَ السجايا مِن سجايا الناصِرِ
إِنّ الفروعَ على الأصول شواهدٌ / تَقْضي بطيبِ مناقبٍ وعناصرِ
مِن كُلّ أَروعَ من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / ناهٍ بألْسِنَةِ القواضبِ آمِرِ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ / إذ أوْحَشَتْهُ مَعالِيهِ منَ النُّظَرا
مُؤيَّدٌ بمضاءِ الرأيِ يَحْمَدُهُ / لا يُحمَدُ السيفُ إلا ماضياً ذكرا
يُمْضي الأمورَ بآراءٍ مُسَدَّدَةٍ / كَأَنَّهُنَّ سِهامٌ تقصد الثُّغَرا
مِنَ العوارِفِ آلافٌ مُجَدِّدَةٌ / للنَّاسِ في كلِّ عامٍ معْلَماً دَثَرا
لو كانَ يُنْظَمُ حُبّاً في مَدائِحِه / حَبُّ القلوبِ نَظمناها له فِقَرا
رَدّتْ زمانَ الجهل هِمّتُهُ / وَغَيّرَتْ فيه من عاداتها الغِيَرا
يا مَن أَياديهِ في الأَنعامِ لَا عُقِلَتْ / أطْلَقْنَ بالمدح فيه ألْسُنَ الشُّعَرا
دُمْ في جلالةِ قدرٍ بالعُلى قُرِنَتْ / وَحَالَفَ السّعْدُ فيما تأمُلُ القَدَرا
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ / ويا تألُّفَ نظم الشمل مَنْ نَثَرَك
ويا شؤوني وشأني كُلّهُ حَزَنٌ / فُضّي يَواقِيتَ دَمعي واحبِسي دُرَرك
ما خِلتُ قَلبي وَتَبريحي يُقَلِّبُهُ / إلا جناحَ قطاةٍ في اعتقال شَرَك
لا صبرَ عنكِ وكيف الصبر عنكِ وقد / طواكِ عن عينيَ الموجُ الذي نَشَرك
هلّا وروضةُ ذاك الحسنِ ناضرةٌ / لا تلحظُ العينُ فيها ذابلاً زَهَرك
أماتكِ البحرُ ذو التيَّار من حَسَدٍ / لمّا دَرَى الدرُّ منه حاسداً ثَغرك
وَقَعتُ في الدَّمعِ إِذ أُغْرِقتِ في لُجَجٍ / قَد كادَ يَغمِرُني مِنهُ الَّذي غَمَرَك
أَيَّ الثَّلاثَةِ أَبكي فَقْدَهُ بِدَمٍ / عميمَ خُلقِكِ أم مَعناكِ أم صِغَرَكْ
من أين يَقْبَحُ أن أفنى عليكِ أسى / والحسنُ في كُلِّ فَنُّ يَقتَفي أثَرَكْ
كُنتِ الشَّبيبةَ إذْ وَلَّتْ ولا عِوَضٌ / منها ولو رَبحَ الدُّنيا الَّذي خَسِرَك
ما كنتُ عنكِ مطيلاً بالهوى سَفَري / وقد أطَلْتِ لِحَيْني في البلى سَفَرك
هل واصلي منكِ إلا طيفُ ميّتَةً / تُهْدي لعينيَ من ذاك السكونِ حَرَك
أُعانقُ القبر شوقاً وهو مشتَمِلٌ / عليكِ لو كنتُ فيه عالماً خَبَرَك
وددتُ يا نورَ عيني لو وَقَى بَصَري / جَنادِلاً وتُراباً لاصِقا بشَرَك
أقولُ للبحر إذ أغشيتُهُ نظري / ما كَدّرَ العيشَ إلا شُرْبُها كَدَرك
هلا كففتَ أُجاجاً منك عن أُشَرٍ / من ثَغْرِ لمياءَ لولا ضعفها أسرك
هلا نظرتَ إلى تفتير مُقْلَتِها / إني لأعجبُ منه كيف ما سَحَرَك
يا وَجْهَ جوهرةَ المحجوبَ عن بَصَري / من ذا يقيكَ كسوفاً قد علا قَمَرَك
يا جِسمَها كَيفَ أَخلو من جوى حَزَني / وأَنتَ خالٍ مِنَ الرّوح الَّذي عَمَرك
ليلي أطالَكَ بالأحزانِ مُعْقَبَةً / عليّ مَنْ كانَ بالأفراح قد قَصَرَك
ما أغْفَلَ النائمَ المرموسَ في جدثٍ / عمّا يُلاقي من التَّبريح مَنْ سَهِرك
يا دُولةَ الوصلِ إن ولّيتِ عن بصري / فالقلبُ يقرأ في صُحْفِ الأسى سمَرك
لَئِن وجدتُكِ عَنّي غيرَ نابيَةٍ / فإنّ نفسيَ منها ربُّها فطرك
إِن كانَ أَسلَمكِ المضطَرُّ عن قَدَرٍ / فلم يخنْكِ على حالٍ ولا غَدَرَك
هل كان إلا غريقاً رافعاً يَدَهُ / نهاهُ عن شُرْبِ كاسٍ مَن بِها أَمَرَك
أَما عَدَاكِ حِمامٌ عَن زيارتِهِ / فكيفَ أطْمَعَ فيك النفسَ وانتظَرَك
إِن كانَ للدَّمع في أرجاءِ وَجنَتِهِ / تبرّجٌ فهو يبكي بالأسى خَفَرك
وما نَجوتُ بِنَفسي عَنكِ راغِبَةً / وإنّما مَدّ عُمْري قاصرٌ عُمُرَك
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ / ففجِّرْ ينابيعَ المدام مع الفَجْرِ
وخُذْ من فتاة الغيد راحاً سَبِيئةً / لها قدمٌ في السبق من قِدَم العُمرِ
ولا تشربنْ في كبوةِ الكُوبِ بالفَتى / كَذلِكَ يَجري في مَدى السُّكرِ من يجري
وَإنَّ النَّدى ما زال يَدعو رياضَهُ / إِلَيها النَّدامى وهيَ في حُلَلِ الزَّهرِ
فتجلوهمُ أيدي السقاة عرائساً / ترى الدّرّ أزراراً لأثوابها الحُمرِ
وتحسب إبريق الزجاجة مُغْزِلاً / يُشَوَّفُ في الإِرضاع منه إلى غِفْرِ
ومَشمولَةٍ في كَأسِها اشتَمَلَت على / نُجومِ سُرورٍ بَينَ شُرّابها تسري
تريكَ إذا ما الماءُ لاوَذ صِرفها / تَوَاثُبَ نمْلٍ في زجاجاتها شُقرِ
يفرّ الأسى عن كلّ عضو تحلّهُ / فِرارَ الجبانِ القلبِ عَن مَركَزِ الذمرِ
وأشمطَ خُضْنا نَحوَهُ اللَّيل بِالسُّرى / وقد خاطَ منه النومُ شفراً على شَفرِ
له بيعةٌ ما زال فيها مُحَلِّلاً / حرامَ الرِّبا في بيعهِ التِّبرِ بالتِّبرِ
بَسَطنا لَهُ الآمالَ عِندَ انقِباضِهِ / لأَخذِ عَجوزٍ من بَنيّاتِهِ بِكرِ
مُعَتَّقَةٍ حمراءَ تنْشُرُ فضْلَها / لِخُطّابها في اللَّونِ والطَّعمِ وَالنَّشرِ
إذا شمّها أعطاكَ جُمْلَةَ وصفها / ففي أنفْهِ عِلمُ الفَراسَةِ بالخمرِ
لها قَسْوَةٌ من قلبه مُسْتَمِلّةٌ / لعُنْفِ ندامَاها كذا قَسوةُ الكفرِ
وللَّه ما ينساغُ منها لِشُربها / بِتَسهيل خُلْقِ الماءِ مِن خُلقِها الوعرِ
وقد عَقَدَتْ أيمانُهُ العُذْرَ دونها / فَحَلَّ نَدى أيمانِنا عُقد العذرِ
وأَبرَزَ مِنها في الزُّجاجَةِ جَوهَراً / نُسائِلُهُ بِالشَّمِّ عن عَرَضِ السُّكرِ
تَمَيّعَ منها كالنّضَارِ مُشَجَّراً / وإن كان في ريّاهُ كالعنبر الشَّحري
أدرنا شُعاعَ الشمس منها بأنجُمٍ / نُبَادرُها مملوءةً من يدِ البَدرِ
على حينَ شابتْ لمَّةُ اللَّيل بالسنا / ونَفّرَ عنَّا نَوْمَنَا العودُ بالنقرِ
كَأَنَّ الثرَيَّا في انقضاضِ أُفولِها / وِشاحٌ منَ الظَّلماءِ حلّ عنِ الخصرِ
كَأَنَّ انهِزامَ اللَّيل بعدَ اقتِحامِهِ / تَمَوُّجُ بحرٍ ناقضَ المدَّ بالجزرِ
كَأنَّ عَصَا موسى النبِيَّ بِضَربها / تريكَ من الأظْلام مُنْفَلِقَ البحرِ
كأنّ عَمُودَ الصُّبحِ يُبْدي ضياؤه / لِعَينَيكَ ما في وَجهِ يَحيى منَ البشرِ
رَحيبُ ذُرَى المعروفِ مُستهدَفُ الندى / تَنَدّى الأماني في حدائِقِهِ الخضرِ
تَحَلَّبُ من يُمنَاهُ ثَجاجَةُ النَّدى / وتَنبتُ من ذِكراه رَيحانَةُ الفخرِ
لَهُ سِيرَةٌ في مُلكِهِ عُمَرِيَّةٌ / وكَفٌّ مِنَ الإِعدامِ جابِرَةُ الكَسرِ
بَعيدٌ كَذاتِ الشَّمسِ دانٍ كَنورها / وإن لم تَنل ما نال من شرفِ القدرِ
تُكَفكِفُ عَنهُ سورةَ اللَّحظِ هَيبَةٌ / فَللَّهِ منها ما تَصَوَّرَ في الفِكرِ
كَأَنَّ الزّمانَ الرحبَ من ذكره فَمٌ / ونحنُ لسانٌ فيه ينطقُ بالشكرِ
تَعَوّد منه المالُ بالجود بذْلَةً / لإيسارِ ذي عُسرٍ وإغناءِ ذي فَقرِ
فَإِن أَنت لم تُنفِقْهُ أنفقَ نفسه / وصارَ إِلى ما كانَ تَدري ولَم تدرِ
كَأَنَّ عَطاياهُ وَهُنَّ بدايةٌ / بحورٌ وإن كانت مكاثرةَ القطرِ
هُمامٌ إذا ما همّ أمضى عزائماً / بواترَ للأعْمار بالقُضُبِ البُتْرِ
وصَيّرَ في إقحامهِ مهجَ العدى / تسيلُ على مذلوقةِِ الأسَل السُّمرِ
ينوبُ منابَ السيف في الروع ذكرُهُ / فما ذَكَرٌ ماضٍ يسيلُ منَ الذكرِ
ويَختَطُّ بالخطِّيِّ أرضَ كريهةٍ / يجرّرُ فيها ذيلَ جحْفَله المَجْرِ
ومُقْتَحَمُ الأبطالِ يبرُقُ بالرّدى / وتخفقُ في آفاقه عَذَبُ النصرِ
مُحلّقَةٌ في الجوّ منه قشاعمٌ / كأنَّ شراراً حشْوَ أعيُنِها الخزرِ
تروحُ بِطاناً من لحومِ عداتهِ / فما لقتيلٍ خَرّ في الأرضِ مِن قَبرِ
ويثنى عنِ الضّرْبِ الوجيعِ سُيوفَهُ / منَ الدّمِ حُمْراً في عجاجاته الكُدْرِ
وكم ردّها مَفْلُولَةً حدُّ صبرِهِ / إذا جَزعُ الهيجاءِ فلّ شَبَا الصَّبرِ
فلا تأمَنِ الأعداءُ إملاءَ حِلْمِهِ / بتأخيرِ نزْعِ السَّهم يصدَعُ في الصَّخرِ
إذا لبدَ اللَّيثُ الغضَنفَرُ فارتَقِبْ / له وثبةً فرَّاسةَ النابِ والظُّفرِ
وَرُبَّ شرارٍ لِلعيونِ مَواقعٍ / تحرّكَ للإحراق عن ساكنِ الجمرِ
فيا ابنَ تميمٍ والعُلى مُستَجيبَةٌ / لِكُلِّ امرِئٍ ناداكَ يا مَلكَ العصرِ
ومنْ مالُهُ بالجود يَسرحُ في الورى / طَليقاً وكَم مالٍ مِنَ البخلِ في أسرِ
حَلَلنا بِمَغناكَ الَّذي يُنْبِتُ الغنى / ويُجْري حياةَ اليسرِ في مَيِّتِ العسرِ
وكم عزْمةٍ خضنا بها هَوْلَ لُجّةٍ / كَصارِمِكَ الماضي ونائِلِكَ الغمرِ
وَجَدنا المنى والأمنَ بعد شدائِدٍ / تُقَلِّبُ أفلاذَ القُلُوبِ منَ الذُّعرِ
فَمدحُكَ في الإِحسانِ أطلقَ مِقوَلي / وعندكَ أُفْني ما تبقّى مِنَ العُمرِ
وجدنا المُنى والأمنَ بعدَ شدائدٍ / بِأَكبَرَ لم تَعْلَق بِهِ شِيمَةُ الكبرِ
وفَوزَ أُناسٍ والمَواهبُ قِسمةٌ / بِلَثمِ سَحابٍ من أنامِلِكَ العشرِ
ورفعَ عقيراتِ المدائحِ والعُلى / تَصيخُ إلى شعرٍ تَكلَّمَ بالسِّحرِ
بِمُختَلِفِ الألفاظِ والقصدُ واحِدٌ / كَمُختَلِفِ الأَنفاسِ مِن أرَجِ الزَّهرِ
فَمِن تاركٍ وَكراً إليكَ مُهاجرٍ / وَمِن مُستَقِرٍّ من جنابِكَ في وَكرِ
وَإِن كُنتُ عن مُجْرى السّوابقِ غائباً / فحاضرُ سبقي فيه مع قُرّحِ الخطرِ
وَيُهدي إليكَ البحرُ درَّ مغاصِهِ / وإن لم تقفْ على طَرَفِ العبرِ
حَمَيتَ حِمى العلياءِ في المَلكِ ما سَرى / إلى الحجرِ السّاري وخَيَّمَ بالحِجْرِ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ / لم يُرْدِهِ جنٌّ ولا بَشَرُ
وثَنى الرَّدى عنهُ الرَّدى جَزَعاً / وسَعَتْ على غيراتهِ غِيَرُ
وَرَمَى عِداهُ بكلِّ داهيَةٍ / دهياءَ لا تُبقي ولا تذَرُ
لا عيبَ فيما كانَ من جَلَلٍ / يَجري بِكُلِّ مُقَدَّرٍ قَدَرُ
إنَّ الملوكَ وإنْ هُمُ عَظُموا / تُغْرَى العُداةُ بِهِم وَإِن حَقَروا
والغَدْرُ قد مُلِئَ الزَّمانُ به / قِدماً وكم نَطَقَتْ بهِ السيَرُ
وأولو المكايدِ إنْ رأوا فُرصاً / ركبوا لها العزَماتِ وابتدروا
والمُصطَفَى سَمّتْهُ كافِرَةٌ / لِتُضيرَهُ أو مسّهُ الضّررَ
وعَلا مُعاويةً بِذي شُطَبٍ / عند الصّباحِ لِشَجّهِ غُدَرُ
وعصابَةٍ لِلْحَينِ قادَ بها / ظُلْمُ النّفوسِ وساقَها الأشَرُ
حَتَّى إِذا ظَنُّوا بأنَّهُمُ / رَبِحوا وأنْجَحَ سَعْيُهُمْ خَسِروا
وَرَدوا الحتُوفَ وبئسَ ما وَرَدوا / لَكِنَّهمْ ورَدوا وما صَدروا
مثلَ الفراشِ تَقَحّمَتْ سُعُراً / فانظرْ إلى ما تَصنَعُ السُّعرُ
خُذلِوا وما نُصروا على مَلِكٍ / ما زالَ بالرّحمنِ يَنتَصِرُ
ردّوا المكايدَ في نُحورِهِمُ / عن عادِلٍ بسيوفِهِ نُحروا
كانَ ابتداءُ فسادِهِمْ لهُمُ / وَعَلَيهِمُ بِصَلاحِهِ الخبَرُ
رفعوا عيُونَهُمُ إلى قَمَرٍ / فَرَماهُمُ برُجُومِهِ القَمَرُ
صَبَّ الحديدَ عليهِمُ ذَرِباً / فكأنّهُمْ من حولهِ جَزَرُ
عَجباً لهم بُطِنُوا بعَيشهِمُ / وَبِقَتلِهمْ إذْ صُلِّبوا ظَهروا
يَبِسَتْ جُذوعُهُمُ وهُم ثَمَرٌ / للضُّبْعِ أينعَ ذلك الثّمَرُ
مِن كُلِّ رابٍ سَلهَبٍ رَسخَتْ / منهُ القوائمُ ما له حُضُرُ
وَكَأَنَّما الحرباءُ مِنهُ علا / عوداً ونارُ الشمسِ تَستَعِرُ
أوَ ما رَأَوْا يحيَى سعادَتُهُ / وقفٌ عليها النّصْرُ والظّفَرُ
إِنَّ الزّمانَ خَديمُ دَولَتِهِ / يُفني أعاديها وإنْ كَثُروا
مَلِكٌ على الإسلامِ ذِمّتُهُ / سِتْرٌ مَديدٌ ظِلّهُ خَصِرُ
سَمْحٌ تَبَرّجَ جودُ راحتهِ / لعفُاته ولعِرضه خفَرُ
ذو هيبَةٍ كالشّمْسِ مُنْقَبِضٌ / عنها إِذا انبَسَطَتْ له النّظرُ
والعَدلُ فيها والتّقى جُمِعَا / فَكأَنَّ ذا سَمعٌ وذا بَصَرُ
خَفَضَ الجناحَ وخَفْضُهُ شَرَفُ / وعلى السِّماكِ علا له قَدرُ
مُتَيَقّظُ العَزَمات تحسبُها / ينتابُها من خَوْفِهِ السّهَرُ
كَالسَّيفِ هُزَّ غِرارُهُ بِيَدٍ / لِلضَّربِ وهوَ مُصَمِّمٌ ذكَرُ
وكأنّ طيبَ ثنائِهِ أرجٌ / عن روَضِهِ يَتَنَفّسُ السّحَرُ
تَنْمي على الأعداءِ عَزْمَتُهُ / والزّندُ أوَّلُ نارِهِ شرَرُ
وكأنّ ركنَ أناتِهِ سَبَلٌ / بموارِدِ المَعروفِ يَنفَجِرُ
يا فاتِكاً بِعُداتِهِ أبداً / إنّ الذِّئابَ تُبيدُها الهُصُرُ
شُكراً فَإِنَّ السَّعْدَ مُتَّصِلٌ / وُصِلَتْ بهِ أيّامُكَ الغُرَرُ
واسْلَمْ فَإِنَّكَ في الندى مَطَرٌ / يَمحُو المحولَ ولِلهدى وَزَرُ
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ / ولا اختفَى قَمَرٌ حتى بدا قَمَرُ
قد ماتَ يحيَى فماتَ الناسُ كُلّهُمُ / حتى إذا ما عليٌّ جاءهم نُشِروا
إنْ يُبْعَثُوا بسُرورٍ مِنْ تملُّكهِ / فَمنْ مَنيّة يحيَى بالأسَى قُبِروا
أَوفى عليٌّ فَسِنُّ المَلكِ ضاحِكَةٌ / وعينُهُ من أبيه دَمْعُها هَمِرُ
يا يَومَ وَلَّى عنِ الدُّنيا بِهِ طُمِسَتْ / بِظُلمَةِ الرزءِ مِن أَنواركَ الغُررَ
ومادَتِ الأَرضُ من فُقدانِها جَبلاً / ينابِعُ الجودِ من سفحَيهِ تَنفَجِرُ
لَم تُغْنِ عَنهُ غِياضٌ مِن قَناً وظُبىً / حمرُ الحماليق فيها أُسْدُها الهُصُرُ
يَرَونَ زُرْقَ ذِئابٍ ما ثَعالِبها / إلَّا عَوامِلُ في أيمانها سُمُرُ
ويَترُكونَ إِذا جَيشَا الوَغى انتَظَما / سَلخاً كَساه حديداً حَيّةٌ ذَكرُ
وديعةُ السّيلِ في البطحاءِ غَادرها / تقري الرِّماحِ بها الآصالُ والبكرُ
لَم يُغْنِيَا عَنهُ لا عِزٌّ يُدِلُّ بِهِ / مَن كانَ بِالكِبرِ في عِرنِينِهِ أَشَرُ
ولا مهابَةُ محجوبٍ تَبَرَّجَها / كَأنّهُ عِندَ أبصارِ الورى خَفَرُ
شُقَّت جُيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ / في الخافقَينِ عليه الأنجمُ الزُّهرُ
إِذِ السَّماءُ بِصَوتِ الرَّعدِ صَرْختُها / يكادُ منها فؤادُ الأرضِ يَنفَطِرُ
والجَوُّ مُتَّقِدُ الأحشاءِ مُكتَئِبٌ / كَأَنَّما البرقُ فيها لِلأَسى سُعُرُ
وقَلَّ لابنِ تَميمٍ حُزْنُ مَأتَمِها / فَكلّ حُزنٍ عظيمٍ فيه مُحتَقَرُ
قامَ الدّليلُ ويَحيَى لا حياةَ لهُ / إِنَّ المنِيَّةَ لا تُبقي ولا تَذرُ
أمسى دفيناً ولم تُدْفَنْ مفاخرُهُ / كالمِسْكِ يُطوى ونشْرٌ مِنهُ يَنتَشرُ
قد كنتُ أحسبُ أن أُعطَى مُنايَ به / وأن يطولَ على عمري لهُ عمرُ
وها أنا اليومَ أرثيهِ وكنتُ لهُ / أُنَقّحُ المدحَ والدنيا لها غِيَرُ
يا وَيْحَ طارِقِ لَيلٍ يَستَقِلُّ بِهِ / سامي التليلِ براهُ الأيْنُ والضُّمُرُ
في سرجه من طُيورِ الخيلِ مُبتْدِرٌ / وما جناحاهُ إلّا العُنقُ والخَصِرُ
يطوي الضَّميرَ على سِرٍّ يُكِنُّ به / بُشْرَى ونَعْيٍ حَيارَى منهما البَشَرُ
لَولا حَديثُ عَلِيٍّ قلتُ من أسَفٍ / بِفيكَ يا مَن نَعى يَحيَى لَنا العَفَرُ
إِن هُدَّ طَوْدٌ فذا طَوْدٌ يُعَادِلُهُ / ظِلٌّ تُؤَمَّنُ في أفيائِهِ الجدُرُ
أَو غيضَ بَحرٌ فَذا بَحرٌ بِمَوضِعِهِ / لِوارِديهِ نَميرٌ ماؤُهُ خَصِرُ
يا واحِداً جُمِعَتْ فيهِ الكرامُ ومَنْ / بِسَيفه مِلَّةٌ التَّوحيدِ تَنتَصِرُ
أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإِيجافُ عادتُهُ / والصُّبحُ مُحتَجِبٌ واللَّيلُ مُعتَكِرُ
لَمّا سَرَيتَ بِجَيشٍ كُنتَ جُملَتَهُ / وما رَفيقاكَ إلّا النَّصرُ والظَّفَرُ
طوى له اللَّه سَهباً بِتَّ قاطِعَهُ / كأنّما بُعْدُهُ بالقُرْبِ يُخْتَصِرُ
وَقَصَّرَ السَّعدُ لَيلاً فالتَقى عَجلاً / مِنهُ العِشاءُ على كَفَّيكَ والسَّحَرُ
وفي ضُلوعِكَ قَلبٌ حَشوُهُ هِمَمٌ / وبَينَ عَينَيكَ عَزمٌ نَوْمُهُ سَهَرُ
حَتّى كَسَوْتَ حياةً جِسْمَ مَملكةٍ / بِرَدّ روحٍ إليهِ منكَ يَنْتَظرُ
هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ في ملكٍ / لِمَوْتهِ كانَ منكَ العيش يذَّخِرُ
جَلَستَ في الدستِ بالتَّوفيقِ وابتَهَجَتْ / بِكَ المَنابِرُ وَالتِّيجانُ والسُّرُرُ
أَضحَتْ عُلاكَ على التَّمكينِ ثابِتَةً / فَطيبُ ذِكرِكَ في الدُّنيا له سَفَرُ
تناوَلَ القَوْسَ باريها فأسْهُمُهُ / نَوافِذٌ في العدى أَغراضُها الثُّغَرُ
وقامَ بالأمرِ سهْمٌ منكَ مُعْتَزِمٌ / يجري منَ اللَّه في إِسعادِهِ القَدَرُ
وأصبَحَتْ هِمَمُ الآمالِ سانِيةً / عَنِ العَطايا الَّتي عُنوانُها البِدَرُ
وَأَنتَ سَمحٌ بِطَبعٍ غَيرِ مُنتَقِلٍ / سِيّانِ في المحلِ مِنكَ الجَوْدُ وَالمَطَرُ
واسلَمْ لِعِزِّ بني الإِسلامِ ما سَجَعَتْ / سَوامِرُ الطَّيرِ وانآدت بِها السَّمُرُ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ / وَصُلْتَ على العادينَ بالعزِّ والنصرِ
وأصبَحَ قولُ المبطلين مُكذَّباً / ومَدَّ لَكَ الرّحمَنُ في أمَدِ العُمْرِ
وأَينَ الَّذي حَدَّ المُنَجِّمُ كَوْنَهُ / إذا مَرّ لِلصُّوَّامِ عَشْرٌ مِنَ الشَّهرِ
وما قَرَعَ الأسماعَ بالخبرِ الَّذي / أبَى اللَّهُ إلّا أنْ يُكَذَّبَ بالخُبرِ
غَدا الزّيجُ ريحاً في تَناقُضِ عِلمِهِ / وتعديلُهُ عُرفاً أحالَ على نُكْرِ
فهلّا رأى قَطْعاً عليهِ بِسَجْنِهِ / ومَشْياً بدُهْمٍ كانَ بالكَبْوِ والعَثرِ
وإِنَّ عَليّاً يَنْتَضي القُضُبَ الَّتي / يَرُدّ بها مَدّ العُداةِ إلى قَصْرِ
لَقَد ضَلَّ عُبّادُ النُّجومِ وما اهتَدوا / بِبَعثِ رَسولٍ للأَنامِ ولا ذِكرِ
وَكَم مَرَّ في الدُّنيا لَهم مِنْ مُمَخْرِقٍ / مِنَ النَّاسِ مَطوِيِّ الضّلوع على غَمرِ
إذا جالَ في عِلمِ الغيوبِ حَسبْتَهُ / مُسَيلِمَةَ الكذّابَ قامَ منَ القبرِ
أباطيلُ تجري بالحقائقِ بينهم / من الكِذْبِ منهم لا عنِ السبعةِ الزُّهرِ
وميلٌ إليها بالظنونِ وإنّما / يُنَكِّبُ عنها كلُّ يَقظانَ ذو حِجْرِ
وما الشُّهْبُ إلّا كَالمصابيحِ تلتَظي / مَعَ اللّيلِ للساري وتخمدُ في الفجرِ
فَيا أَيُّها المغتَرُّ بالنَّجمِ قُلْ لَنا / أتعلمُ سرّاً فيه من ربّه يَسْري
وبَينَكُما بَوْنٌ بَعيدٌ فما الَّذي / تَقَوّلَهُ الغفرُ اختِلافاً عَنِ الغفرِ
فيا أحْلَمَ الأمْلاكِ عن ذي حِبالَةٍ / وإنْ جاءَ في الأمرِ الَّذي جَدّ بالإمْرِ
تدارك جهولاً ضلّ أو زلّ أوْ به / جُنونٌ فما يَرتابُ للسَّيفِ في النَّحرِ
فَصَيِّرْ جميلَ الصَّفحِ عنهُ عِقابَهُ / فقد جَلّ منكَ القدرُ عن ضَعَةِ القدرِ
سُعودُكَ في نيلِ المُنى لا تَوَقّفَتْ / منَ اللَّهِ تجري لا منَ الشَّمسِ وَالبدرِ
ملكتَ فمهّدتَ الأمورَ مُجَرِّداً / لتمهيدها رأيَ المجرِّبِ لا الغُمْرِ
وَنَظَّمتَ حبّاتِ القُلوبِ مَحَبَّةً / عَلَيكَ وقَد كانَت مباينةَ النَثرِ
لأمرٍ أدَمتَ الحَصرَ في حرْبِ جَرْبةٍ / وما حَرْبُها إلا مُداوَمَةُ الحصرِ
وتَرْكُكَ بالزّرقِ اللّهاذِمِ أهْلَها / وبالبيضِ صَرْعى في الجزيرَة كالجَزْرِ
وما ضُويِقُوا مَن قبلِ هذا وإنّما / بقَدرِ التهابِ النّارِ تَغْليَةُ القِدرِ
بِسَير جُيُوشٍ في البحُورِ إليهِمُ / تُحيطُ بهم زَحْفاً مع المَدّ والجَزْرِ
إِذا انتَقَلتْ بالصَّيدِ قُلتُ تَعَجُّباً / متى انتقل الآجام بالأُسُدِ الهُصْرِ
مجرِّدَةً بيضَ الحتوفِ خوافقاً / بها العَذَباتُ الحمرُ في اللُّجَجِ الخضرِ
وكلّ مُديرٍ يتّقي بمَجاذِفٍ / مُشاكَلَة التَّشبيهِ في الأنمُلِ العشرِ
ترى الشحمَ فوق القارِ منه مُمَيَّعاً / فيا من رأى ليلاً تَسَرْوَلَ بالفجرِ
سَوادُ غُرابٍ في بَياضِ حَمامَةٍ / تَطيرُ بِهِ سَبحاً على الماءِ أو تَجري
قَطَعتَ بِهِم في العيشِ من كلِّ جانِبٍ / فَقَد أَقصروا فيها عنِ النظمِ بالنثرِ
وكم طائرٍ منهم قصصتَ جناحَهُ / فأصبحَ مسجوناً عنِ النَهضِ في الوكرِ
لمّا رأوا أنَّ المخنَّق منهمُ / سَدَدْتَ به مجرى التنفُّسِ في الصدرِ
أنابوا وتابوا عن ذنوبٍ تَقَدّمَتْ / بزعمهمُ من قطعهم سُبُلَ البحرِ
فَإِن نَشَرُوا ما بَينَهمْ لَكَ طاعَةً / وقد طُوِيَت مِنهُم صُدورٌ على غَمرِ
فَعِندَكَ نارٌ تَركَبُ الماءَ نَحوَهمْ / لَها زُنُدٌ يَقدَحنَ مِن زُنُدٍ بُتْرِ
ونبلٌ كنبل الأعْيُنِ النُّجْلِ أُرْسِلَتْ / تطيرُ بريشٍ مُستعار مِنَ النَّسرِ
تُنَصَّلُ للأعْداءِ في الحرب بالرّدى / إذا نُصِّلَتْ هاتيكَ في السلمِ بالسِّحرِ
وَلَن يخدعوا في الحربِ وهوَ مُبيدُهُم / فتىً كان مولوداً مِنَ الحربِ في حِجْرِ
وأَنتَ مِنَ الأَعداءِ أَدهى خديعةً / إذا ما صَدَمْتَ الجَّيشَ في الجَّيشِ بالمَكرِ
وكُنتَ عنِ التَّحريضِ بِالحَزمِ غانِياً / وهل يَعْدَمُ الإحراقَ مُتَّقِدُ الجمرِ
خُلِقْتَ لنا من جَوهَرِ الفضلِ سَيِّداً / وَيُمناكَ من يُمْنٍ وَيُسْراكَ من يُسْرِ
وَعَوّلَ في العسرِ الفَقيرُ على نَدى / يَدَيكَ وَهَل يَغْنى الكسيرُ عَنِ الجبرِ
زَمانُكَ لا يَنفَكُّ يَفتَرِسُ العدى / كذي لِبْدَةٍ مُسْتَعْظَمِ النابِ وَالظفرِ
وطَعْماكَ من شَهدٍ وطابَ لأَهلِهِ / وخُلقاكَ من سَهلٍ عَلَيهِم وَمِن وَعرِ
حَياةَ ابنَ يَحيى للأَعادي مَنِيَّةٌ / وأَعمارُهمْ مَبتُورةٌ مِنهُ بِالعمرِ
لَقَد فَخَرت مِنهُ العلى بِسَمَيْذَعٍ / لإحسانه وَجْهٌ تَبَرْقَعَ بالبِشرِ
بأكبرَ يستخذي له كلّ أكبرٍ / فيُطرِقُ إطراقَ البُغاثَةِ للصَّقرِ
إذا مُدِحَ الأملاك قام بمدحِهِ / لهُ قَدَمُ الدنيا على قَدَمِ الفخرِ
إِلَيكَ امتَطَينا كُلَّ راغٍ بِمَوجِهِ / كَما جَرجَرَ القَرْمُ الحقودُ على المكري
إذا ما طما وامتدّ بالرّيح مدُّهُ / ذَكرنا به فيَّاضَ نائِلك الغمرِ
ولولاك لم نركب غواربَ زاخرٍ / مسنَّمَةً في اللَّحمِ مِنهُ إلى العمرِ
وَإِن فاتَني إِعذارُ شِبليكَ بِالغنى / فإنَّ بترك العزم مُتّضِحَ العُذرِ
ضَعُفتُ عن النّهْضِ القوي زَمَانَةً / وَنُقّلَ بعد الباع خَطوي إِلى شِبرِ
وَإِنّي لأهدي في سُلوكِ غَرائِبي / ومُعجِزِ نَظمي كُلَّ جَوهَرَة بِكرِ
إِذا ما بَنى بَيتاً مِنَ الشِّعرِ مِقوَلي / ثنى نابياً عن هَدْمِهِ معولَ الدَّهرِ
وَما الشِّعرُ ما يخلو من الكَسْرِ وَزْنُهُ / ولكنَّهُ سحرٌ وبابِلُهُ فكري
وَإِنِّي بما فَوقَ المُنى مُوقِنٌ / وكم شَرَقٍ لِلَّيثٍ مِن وابِل القطرِ
عَجَبي من سكينتي وَوَقَاري
عَجَبي من سكينتي وَوَقَاري / بعد صَيْدِ المها وَخَلْعِ العِذارِ
واجتلائي منَ الشموشِ عروساً / نَقّطَتْ خَدّها بزُهْرِ الدراري
بنتُ ما شئتَ من زمانٍ قديمٍ / يَنْطوِي عُمْرُها على الأعصارِ
في صَمُوتٍ أقرّ بالنشر منها / وهوَ تَحتَ الصَّعيدِ نائي القرارِ
فإذا فُضَ خاتَمٌ عنه أهْدَت / أرَجَ المِسكِ وهيَ في ثَوبِ نارِ
قهوةٌ مَزّقَتْ بكفِّ سناها / بُرْقُعَ اللَّيلِ عَن مُحَيّا النَّهارِ
عَدَلَتْ بَعدَ سِيرَةِ الجورِ لمّا / نَرْجَسَ المزجُ لونَها الجُلّناري
وحكى نَشْرَها النسيمُ ولكن / بعدما نامَ في حُجورِ البهارِ
وهي ياقوتةٌ تُبَرْقعُ خدّاً / من جُمانٍ منظَّم بِعِجارِ
كُلَّما صافحتْ يداً من لجينٍ / مَنَحتها أناملاً مِن نضارِ
جوهرٌ يَبْعَثُ المسرَّة منه / عَرَضٌ في لطائِفِ الجِّسمِ سارِ
وكأنّ العيونَ تلحظُ منه / صورةً روحها مِنَ الجِسمِ عارِ
أنكِحوا عِندَ مَزجِها الماءَ ناراً / فَارتَمَت عِندَ لَمسِهِ بِالشرارِ
وانبرَتْ منهما ولائدُ دُرٍّ / طائرِ الوَثبِ عَنهُما بالنّفارِ
في قَميصِ الشَّرابِ مِنهُما شعاعٌ / يُبْرِدُ الهَمَّ وهوَ عَيْنُ الأوارِ
في رياضٍ تَنَوَّعَ النَّوْرُ فيها / كاليواقيتِ في حِقاقِ التِّجارِ
فكأنّ البنفسجَ الغضّ منه / زرقةُ العَضّ في نهودِ الجَواري
وَكَأنَّ الشقيقَ حُمْرُ خدودٍ / نقّطَ المسكُ فوقها بانتِثارِ
مُطْرِبٌ عندها غناءُ الغواني / في سَنا الصُّبحِ أَو غِناءُ القَماري
كانَ ذا كلّه زمانَ شبابٍ / كنتُ فيه على الدُّمَى بالخيارِ
هل تَردُّ الأيّامُ حُسني ومَنْ لي / بكمالِ الهلال بعد السّرارِ
نَحنَ قَومٌ ما بَينَنا نتَناجى / بِالأَحاديثِ في الملوكِ الكبارِ
مَلِكٌ في حمايَةِ المُلْكِ منهُ / دَخَلَ النَّاسِ في حَديثِ البحارِ
وَوَجدنا فَخرَ ابنِ يَحيى عَريضاً / ظُنّ ما شئت غيرَ ضيقِ الفخارِ
مَلكٌ في حِمايَة المَلكِ مِنهُ / قَسْوَرٌ شائكُ البراثِنِ ضارِ
عادلٌ يتَّقي الإِلهَ ويَعفو / عن ذوي السيِّئاتِ عَفْوَ اقتِدارِ
أسكَنَ اللَّهُ رأفةً مِنهُ قلباً / وَرَسَا طودُ حِلمِهِ في الوقارِ
لا تزالُ الأبرارُ تأمَنُ منه / سَطْوَةً تُتّقَى على الفُجّارِ
أَريَحِيٌّ حُلْوُ الشَّمائِلِ تَجري / بَينَ أَخلاقِهِ شَمُول العقارِ
لا يُجَارَى لِسَبقِهِ فَلِهذا / لم يَجِدْ في مَدَى العُلى من يُجاري
كُلُّ فَضلٍ مُقسَّمٍ في البَرايا / منه والشمسُ عُنْصُرُ الأَنوارِ
فالقٌ هامةَ الشُّجاعِ بعَضْبٍ / مطفئٌ روحَهُ بإيقادِ نارِ
وإِذا الحربُ أَقبَلَت بالمَنايا / كَرَّ والذِّمرُ لائِذٌ بالفرارِ
لم تَنَمْ عِندَهُ الظُبا في جُفُونٍ / فَالهُدى بانتِباهِها ذو انتِصارِ
وهوَ في حميَرَ الملوكِ عريقٌ / في صَميمِ العلى ومحْضِ النّجارِ
سادةٌ يُطْلعُ الدراريَّ منهم / فلَكٌ في العلى قَديمُ المدارِ
هم أقاموا زَيْغَ العدى بذكورٍ / تَكتَسي بِالدِّماءِ وهيَ عَوَارِ
حيث يَلْقَوْنَهُمْ بوضعِ خدودٍ / لَهم في الثَّرى ورفع عَمَارِ
عدِّ عن غيرهم وعَوِّلْ عَلَيهمْ / فهمُ في الوَغى حُمَاةُ الذِّمارِ
وإذا ما قَدَحْتَ نارك فاخْتَرْ / زَنْدَ مَرْخٍ لقَدْحِها أو عَفارِ
مُعْلَمٌ في الوغى إذا خاف غفلٌ / شُهرَةً مِنهُ للإِلالِ الحرارِ
واليعابِيبُ حَولَهُ تَتَعادى / كَالسراحينَ بِالأُسودِ الضَّواري
كُلُّ بَحرٍ يَسطو بِجَدولِ غَمرٍ / جامد فيه وهوَ بالسَّيلِ جَاري
والأساطيلُ في الزواخر يرمي / بلدَ الروم غَزْوُها بالدَّمارِ
يابساتُ العيدانِ تُثْمِرُ بالغي / دِ إذا أوْرَقَتْ بِبِيضِ الشفارِ
راعِفاتُ القنا تَلَوّنُ فيها / عَذَبَاتٌ كَمِثلِ مُصْحَفِ قاري
مِحْرَبٌ يَقهَرُ العداةَ ويُلْقي / كَلْكَلَ الحَربِ منهمُ في الدِّيارِ
والمنايا كالمُشْفِقاتِ تُنادي / بِبَنيها حَذارِ منه حذارِ
في خَميسٍ تُغَمِّضُ الشمسُ عيناً / فوقه من مَهيلِ نَقْعٍ مُثارِ
تَحسِبُ الطَّيرَ وهيَ وَقفٌ عَلَيهِ / رُقِمَتْ منه في مُلاء الغبارِ
عَمَّنَا في جواره خفضُ عيشٍ / فَذَكرنا بِذاكَ حُسنَ الجِوارِ
نَنتَقي لَفظَ وَصفِهِ ونُرَوِّي / مُدَداً في خواطِرِ الأَفكارِ
وَنَداهُ كَما تَراهُ ارتِجالٌ / جابِرٌ في الفَقيرِ كَسْرَ الفَقارِ
يا ابن يَحيى الَّذي ينيل الغِنى بَي / نَ حياءٍ من رِفْده واعتِذارِ
لَكَ يَدعو بِمَكَّةَ كُلُّ بَرٍّ / حَولَ بيتِ الإِلهِ ذي الأَستارِ
ومُطلٌّ على مِنَى بَعد حَجٍّ / لِبُلوغِ المُنى ورميِ الجمارِ
والَّذي زارَ أرضَ طِيبَةَ يَغْشى / خدُّهُ قَبْرَ أحمدَ المُختارِ
فهنيئاً للعيد عزَّةُ ملكٍ / باتَ يرمي العدى بِذُلِّ الصَّغارِ
وابقَ في المُلْكِ لابتِناءِ المَعالي / وَلِصَوْنِ الهدى وبَذْلِ النّضَارِ
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا / صَبٌّ يُكابِدُ دَمعَهُ المُتَحَدِّرا
باتَت لَهُ عَينُ تَفيضُ بِلُجّةٍ / قَذَفَ السّهادُ على سَواحِلِها الكرى
ما بالُ سالي القلبِ عَنَّفَ مَن لَهُ / قَلبٌ بِتَفتيرِ اللِّحاظِ تَفَطَّرا
وَرَمى نَصيحَتهُ إلى قَنصِ الهَوى / فإذا رَعَى حَوْلَ الحبائلِ نُفّرا
إِنَّ الغرامَ غرامُهُ ذو سَوْرَةٍ / وَمِنَ العيونِ على القلوبِ تَسَوّرا
وإذا تَعَلّقَ بالعَلاقةِ مُهْتَدٍ / ورنا إلى حَوَرِ الظباءِ تحيّرا
وَمِن الفواتِكِ بِالوَرى لكَ غادَةٌ / كَحَلَتْ بمثلِ السحرِ طرفاً أحوَرا
ملآنُ منها حِقْفُها وَوِشاحُها / صِفْرٌ تخالُ الخَصْرَ فيه خِنْصَرا
عادَت سَقيماً مِن سَقامِ جُفونِها / خَطَرَت عَلَيهِ كَرُؤيَة فَتَخَطَّرا
شَرِقَ الظلامُ تألّقاً بضيائها / فكأنّما شَرِبَ الصَّباحُ المُسفرا
سَحَبَتْ ذوائبَها فَيا لأَساودٍ / نَفَثَتْ على القدمينِ مِسْكاً أَذفَرا
وَمَشَت تَرَنّحُ كَالنَّزيفِ وَمَشيها / فَضَحَ القطاةَ بِحُسنِهِ والجُؤذَرَا
فَعَجِبتُ من غُصْنٍ تُدَافِعُهُ الصَّبا / بِالنهدِ أَثمَر وَالثنايا نَوّرَا
معشوقةٌ حَيّتْ بوردةِ وجنةٍ / وَسقَتْ بكاسِ فمٍ سلافاً مُسْكرا
لا تَعجَبَنْ مما أقولُ فَمِقوَلي / عن حُكْمِ عَيْني بالبخيلة أخْبَرا
إنِّي امرؤ كلّ الفكاهة حازها / والصّيْدُ كلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفِرا
يا ربَّ ذي مَدٍّ وجزرٍ ماؤهُ / للفلك هُلْكٌ قَطْعُهُ فَتَيَسّرا
نَفَخ الدُّجى لما رآه ميِّتاً / فيه مكان الروح ريحاً صرصرا
يُفضي إلى حيِّ العبابِ تَخاله / لولا رُبى الآذيِّ قيعاً مقفرا
يخشى لوحشَتِه السُّلَيْكُ سلوكَهُ / ويلوكُ فيه الرعبُ قلبَ الشنفرى
خُضنا حشاه في حَشَى زِنجيَّةٍ / كَمُسِفّةٍ شَقَّتْ سُكاكاً أغبرا
تنجو أمَامَ القدح وَخْدَ نجيبةَ / فكأنّه فحلٌ عليها جرجرا
بحرٌ حكى جودَ ابن يحيى فيضُهُ / وطما بسيفِ القصر منه فَقَصّرا
أقرَى الملوك يداً وأرفع ذِمَّةً / وأجلّ منقبةً وأكرمُ عُنْصُرا
لا تحسبِ الهمّاتِ شيئاً واحداً / شتّانَ ما بين الثُّريَّا والثَّرى
بدرُ المهابة يحتبي في دَسْتِهِ / مَلِكٌ إذا مَلكٌ رآه كبّرا
نجْلُ الأعاظم من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / صقَلَ الزمانُ به مفاخرَ حميَرا
يزدانُ في العلياءِ منه سريرهُ / بِمُمَلَّكٍ في المهدِ كانَ مؤمَّرا
لبِسَ التَّذلُّلَ والخشوعَ لعزّهِ / كلّ امرئٍ لبس الخنى وتحيَرا
وكأنّما في كل مِقوَلِ ناطقٍ / من ذكره خَوْفٌ يُسَلّ مُذَكَّرا
وكأنّهُ في الدَّهرِ خُيِّرَ فانتقى / أيّامَهُ من حُسْنِها وتَخَيّرا
طَلْقُ المُحَيَّا لا بُسُورَ له إذا / بَسَرَ الحِمامُ بِمأزِقٍ وتَمَعَّرا
أخدودهُ في الرأسِ ضَرْبَةُ أبيضٍ / وقليبُه في القلب طعنةُ أَسمَرا
وإذا تَعَرّى للشجاع حُسَامُهُ / بكريهةٍ قَتلَ الشجاعةَ بالعَرا
كم منْ صريعٍ عاطلٍ من رأسه / بالضرب طَوّقَهُ حساماً مبترا
مُتَيَقِّظٌ ملأ الزمانَ لأهله / أمنْاً أنامَ به وخوفاً أسهَرا
عَصَفتْ لِتُدرِكَهُ الصَّبا فكأنَّما / جَمدَتْ وَقرَّت خلفه لمَّا جَرى
أَحْبِبْ بِذاكَ السبقِ إذ هوَ في مَدى / شَرَفٍ يثيرُ به العلى لا العِثيَرا
يُسْدي المكارم من أناملِ مُفْضِلٍ / أغْنى الزمانُ بنَيلها مَن أَفقَرا
أحيا بِهِ المعروفَ بينَ عِبادِهِ / ربٌّ بسيرته أماتَ المُنكَرا
وكتيبةٍ كَتَبَتْ صدورُ رماحها / للموتِ في صُحُفِ الحيازم أسْطُرا
مُلِئَتْ بها الحربُ العَوَانُ ضراغماً / وصلادماً وقشاعماً وَسَنَوّرا
جاءت لفيفاً في رواق عجاجةٍ / سوداءَ دَرْهَمَها اللميعُ ودنّرا
وبدا عليٌّ في سماءِ قتامها / قمراً وصالَ على الفوارس قَسْوَرا
بخطيبِ موتٍ في الوقائع جاعلٍ / لغراره رأسَ المدجَّج مِنْبَرا
بحرٌ إذا ما القرنُ رام عبورَهُ / لم يَلْقَ فيه إلى السَّلامَةِ مَعبرا
عَطِبَتْ به مُهَجُ الجبابِرَةِ الأُلى / بَصُرُوا بِكِسرى في الزَّمانِ وقَيصَرا
رسبت بلَجَّتِهِ النُّفوسُ ولو طَفَتْ / لحسبتَهُ قَبْلَ القيامةِ محشرا
وَرَدَ النجيعَ وَسَوْسَنٌ جنباته / ثُمَّ استَقَلَّ بِهِنَّ وَرداً أَحمرا
وكأنّما نارٌ تُشَبُّ بمتنه / أبداً تُحَرّقُ فيه روضاً أخضرا
فَتَقَ الرياح بفخره فكأنّما / خُضْنا إليه بالمعاطسِ عنبرا
رَفَعَ القريضُ به عقَائِرَ مَدحِهِ / فَاهتَزَّ في يَدِهِ النّدى وتَفَجَّرا
وأَتى العَطاءُ مُفَضضاً ومُذهباً / وأتى الثناءُ مسهّماً ومحبَّرا
فكأنّما زخرتْ غواربُ دجلةٍ / وكأنّما نُشِرَتْ وشائعُ عبقرا
يا مَنْ إذا بَصَرٌ رآه فقد رأى / في بردَتَيهِ الأَكرَمينَ مِنَ الوَرى
وَبَدا لَهُ أَنَّا بِأَلْسِنَةِ العلى / في جَوهَرِ الأَملاكِ نَنظِمُ جَوهَرا
من نُور بِشرِكَ أشرقَ النور الَّذي / بِتَكاثُرِ الأعيادِ عِندَكَ بَشّرا
وَاسلَمْ لِملكِكَ في تَقَاعُسِ عِزَّةٍ / وَأَبِدْ بِسَيفِكَ مَن عَدا واستَكبَرا
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ / عروساً في خلائقها نِفَارُ
فإن مُزِجت وجدتَ لها انقياداً / كما تنقادُ بالخُدَعِ النّوَارُ
رأيتُ الراحَ للأفراح قطباً / عليه من الصَّبُوح لها مَدَارُ
إذا ضَحِكَتْ لُمْبِصِرِها رياضٌ / بواكٍ فَوْقَها سُحُبٌ غِزارُ
كَأَنَّ فروعها أيدٍ أَشارتْ / بأطرافٍ خواتِمُها قِصارُ
ولم أرَ قبل رؤيتها سيوفاً / لِجَوهَرِهِنَّ بِالهَزِّ انتِثارُ
ولا زنداً له في الجوِّ قَدْحٌ / مكانَ شرارها هَمَتِ القِطارُ
وقائدةٍ إلَيكَ مِنَ القناني / كَميتاً جُلّها في الدَّنِّ قارُ
تَروحُ لِسُكرِها بِكَ في عِثَارٍ / فَتَحمَدُهُ إِذا ذُمَّ العثارُ
إذا مُزِجتْ لِتَعْدلَ في الندامى / تَطَايَرَ عن جوانِبِها الشرارُ
وقلتُ وقد نظرتُ إلى عُجابٍ / أثغرُ الماء تَضحَكُ عنه نارُ
نَلقَ مَهَاة عيشك من مَهَاةٍ / وزينتها القلادةُ والسّوارُ
تُمَرّضُ مُقْلَةً ليصحَّ وَجْدٌ / تَوَارَى في الضُّلوعِ له أُوَارُ
ويَفتَنُ شَخْصَكَ المرمِيَّ منها / فتورٌ بالملاحةِ واحْوِرارُ
وخُذ ماءً منَ الياقوتِ يَطفو / له دُرَرٌ مُجَوَّفَةٌ صغارُ
يريك حديقةً من ياسَمينٍ / تَفَتّحَ وَسْطَها لَهُ جُلّنارُ
إذا فتحَ المزاجُ اللَّونَ منها / مضى وردٌ لها وأتى بَهَارُ
فَقَد طَردَ الكرى عنّا خطيبٌ / رفيعُ الصَّوتِ مِنْبَرُهُ الجدارُ
ورقّ ذماءُ نَفْسِ الليل لمَّا / تَنَفَّسَ في جوانبهِ النهارُ
أدِرْ ذَهَبَ العقار لِنَفْيِ هَمٍّ / ولا تحزنْ إذا ذهبَ العَقَارُ
فَلِلمَعروف فِي يُمْنى عَليٍّ / غِنىً لا يُتَّقى معَهُ افتِقارُ
هو المَلِكُ الَّذي اضطَرَبَتْ إِلَيهِ / بِقُصّدهِ الخضارمُ والقفارِ
تَرَفّعَ من معاليه مَحَلّا / له في سَمْكِهِ الدريُّ جارُ
وأعْرَقَ في نجارٍ حِميَرِيٍّ / فطابَ الفرعُ مِنهُ والنجارُ
وَما زَالوا بِأَنواعِ العَطايا / لَهُ يُمنى تُجاوِدها يَسارُ
تعمّ الوفدَ من يده أيادٍ / كَأَنَّ البحرَ من يَدِهِ اختِصارُ
ويسمحُ زنده بِجُذىً تَلَظّى / إذا زندٌ خبا وَوَهَى العفارُ
وإن وهبَ الألوفَ وهنَّ كُثْرٌ / تقدَّمَ قبلهنَّ الإعتذارُ
عَظيمُ الجدّ يُضربُ مِن ظُباهُ / وَيُطعَنُ مِن أَسِنَّتِهِ البوارُ
يسيرُ وخلفه أبطالُ حربٍ / على حَوضِ المنونِ لهم تَبَارُ
إذا أضحى شعارُ الأُسدِ شَعْراً / فمن زَرَدِ الدروع لهم شِعارُ
وقد وَسِعَتْهُمُ الحلقاتُ منها / وَأَحمَتهُنَّ للهَيجاءِ نارُ
يَخوضُ حَشى الكريهَةِ مِنهُ جَيشٌ / نُجومُ سَمائِهِ الأسَلُ الحرارُ
بِحَيثُ تَغورُ من قِمَمِ الأَعادي / جَداوِلُ بالأَكُفِّ لَها انفِجارُ
إِذا لَبِسَت سَماءٌ مِنهُ أَرضاً / دَجاها فَوقَهُ نَقعٌ مثارُ
تُريكَ قَشاعِماً في الجوِّ منها / حوائمَ كلَّما ارتَكَمَ الغبارُ
حُسامُكَ نُورُ ذِهنِكَ فيه صَقْلٌ / وَعَزْمُكَ في المضاءِ له غرارُ
لَقَد أَضحى على دينِ النَّصارى / لِدينِ المسلِمينَ بِكَ انتِصارُ
حَمَيتَ ذِمارَهُ بَرَّاً وبَحراً / بمرْهَفَهٍ بها يُحمى الذِّمارُ
أراك اللّهُ في الأعلاج رأياً / لَهُم مِنهُ المَذَلَّةُ والصَّغَارُ
رَأَوا حَربِيَةً تَرمي بِنِفطٍ / لإخمادِ النفوسِ له استعارُ
كأنّ المُهْلَ في الأنبوب منه / إلى شَيِّ الوجوه له ابتِدارُ
إذا ما شكّ نحرُ العلجِ منه / تعالى بالحِمام له خُوَارُ
كأنَّ مَنافسَ البُركانِ فيها / لأهوالِ الجحيمِ بها اعتبارُ
نحاسٌ ينبري منه شُواظٌ / لأرواحِ العلوجِ بِه بَوَارُ
وما لِلماءِ بالإطفاءِ حُكْمٌ / عَلَيهِ لَدى الوقودِ ولا اقتِدارُ
فَرَدَّ اللَّه بأسَهُمُ عَلَيهمْ / فَرِبحُهُمُ بِصَفقَتِهم خَسارُ
وخافوا من مناياهُمْ وفرّوا / فدافعَ عن نُفوسِهِمُ الفِرارُ
وقد جعلوا لهم شُرُعَ الشواني / مَعَ الأَرواحِ أَجنِحَةً وطاروا
وهل يَلقى مُصادَمَةً حَصاهم / جِبالاً سَحقُها لَهُمُ دَمارُ
لِيَهنَكَ أنَّ مُمتَنِعَ الأماني / لِكَفِّكَ في تَناوُلِها اختِيارُ
لَكَ الفُلْكُ الَّتي تَجري بِسَعْدٍ / يدورُ به لك الفَلَكُ المُدَارُ
تَهبُّ له الرياح مُسَخَّراتٍ / وتَسكنُ في تَحركها البحارُ
وما حَمَلتْهُ من أنواع طيبٍ / فَمَدْحٌ عَرْفُهُ لَكَ وافتِخارُ
أَمَولانا الَّذي ما زال سَمحاً / إِلَيهِ بِكُلِّ مَكرُمَةٍ يُشارُ
أرى رسمي غداً بيدي كرسمٍ / عَفَا وَعَفَتْ له بالمحلِ دارُ
وكانَتْ لى شُموسٌ ثم أَضحَت / بدوراً والبدورُ لها سرارُ
وبين سناهُما بَوْنٌ بعيدٌ / وذا ما لا يُرَادُ به اختبارُ
وَجَدتُ جَناحَ عُصفورٍ جناحي / فَأَصبَح لِلعقابِ به احتِقارُ
فلي نَهْضٌ يجاذبُني ضَعيفٌ / أَتَنهَضُ بي قَوادِمُهُ القصارُ
فَرُدَّ عَلَيَّ موفوراً جناحي / وإلّا لا جَنَاح ولا مَطَارُ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ / فعينيَ ملأى بالهوى ويدي صِفْرُ
سَرى والدُّجى الغِربيبُ يُخْفي مكانهُ / فنمّ عليه من تضَوّعها نَشْرُ
وَقَد صَوَّبَ النَّسرُ المُحَلِّقُ تالِياً / أخاه ومات الليل إذْ وُلِدَ الفجرُ
أَلَمَّ بِصَبٍّ لَيسَ يَدري أمِرجَلٌ / يفور بنيرانِ الأسى مِنهُ أو صَدرُ
غَريبٌ جَنى أرْيَ الحياةِ وشَرْيَها / وَيَجني الفَتى بِالعَيشِ ما يَغرِسُ الدَّهرُ
أنازحةَ الدَّارِ الَّتي لا أزورها / إذا لم يُشقَّ البحرُ أو يُقْطَعِ القفرُ
إذا بَعُدَتْ دار الأحبَّةِ بالنوى / فذاك لهمْ هجرٌ وإنْ لم يَكُن هَجرُ
رَحَلتُ ولَم يَرْحَلْ عَشِيَّةَ بيننا / معي برحيل الجِسمِ قَلبٌ ولا صَبرُ
وداءُ خُمار الشّرْبِ سَوفَ يُذيبني / فَقَد نَزَحت في فيكِ غَزرٌ بِهِ الخمرُ
وما زال ماءُ العين في الخدِّ مُعْطِشي / إلى ماءِ وجهٍ في لقائي له بِشْرُ
عَسى البعدُ يَنفي موجِبُ القربِ حكمَه / فعند انقباضِ العُسرِ ينبسطُ اليسرُ
عَسى بينُنا يُبْقي المَوَدَّة بَينَنا / ولا ينتهي منّا إلى أجلٍ عمرُ
فَقُلْ لأناسٍ عرَّسوا بِسَفاقِسٍ / لِطائرِ قَلبي في مُعَرَّسِكم وَكْرُ
وفرخٍ صغيرٍ لا نهوضَ لمثله / يُراطنُ أشكالاً ملاقِطُها صُفْرُ
إذا ما رأَى في الجوِّ ظِلَّ مُحَلِّقٍ / تَرَنَّمَ واهتزَّت قَوادِمُهُ العشرُ
يظنّ أباه واقعاً فإذا أبي / وقوعاً عليه شُبَّ في قلبِهِ الجمرُ
يلذُّ بعيني أن ترى عَينَهُ وأن / يُلَفّ بنحري في التلاقي له نَحْرُ
أَحِنُّ إلى أوطانِكُم وَكَأنَّما / ألاقي بها عَصْرَ الصّبا سُقيَ العصرُ
ولم أرَ أرضاً مثل أرضكمُ التي / يُقبِّلُ ذيلَ القصرِ في شطِّها البحرُ
يمدّ كجيشٍ زاحفٍ فإذا رأى / عَطاءَ عَلِيٍّ كان من مَدّهِ جزرُ
أَما يَخجَلُ البحرُ الأُجاجُ حُلولَه / ببحرٍ فراتٍ ما للجَّتِهِ عَبرُ
جَوادٌ إِذا أَسدى الغنى مِن يَمينِهِ / تَحَوَّلَ عن أَيمانِ قُصّادِهِ الفقرُ
حَمى ثغرَه بالسيف والرمح مُقْدِماً / ويحمي عرينَ القَسْوَرِ النابُ والظفرُ
إذا ما كَسونا المدحَ أوصافَهُ ازدَهى / فَطيّبَ أفواه القوافي له ذكرُ
يَصولُ بِعَضبٍ في الكفاحِ كأنَّه / لِسانُ شواظٍ مِنهُ يَضطَرِمُ الذعرُ
وَتَحسَبُ مِنهُ الريحَ تَغدو بِضَيغَمٍ / على جِسمِهِ نهيٌ وفي يده نَهْرُ
ومُعتَذِرٌ عمّا تنيلُ يمينه / وكلّ المنى في البعض منه فما العذرُ
بصيرٌ بمردي الطعن يُغْري سنانه / بجارحةٍ في طيّها الوِرْدُ والغَمْرُ
يجول فيلقي طعنةً فوق طعنةٍ / فأولاهما كَلْمٌ وأخراهما سَبْرُ
إذا رفعَ المغرورُ للحَيْنِ رأسهُ / يُعَجِّلُهُ من مَدّ عامله قَصْرُ
وهَيجاءُ لا يُفْشي بها الموتُ سرّهُ / إِذا لَم يَكُن بِالضَّرب من بيضها جَهْرُ
تهادى بها جُرْدٌ كأنَّ قتامها / ظلامٌ وأطرافَ القنا أنجمٌ زهرُ
إذا قَدّتِ البيضُ الدروعَ حسِبتها / جداول في الأيمان شُقّتْ بها غُدرُ
فَكَم صافَحَتْ مِنها الحروبَ صفائحٌ / وَفَتْ بحصادِ الهام أوراقها الخضرُ
لِيَهْنِ الرعايا منك عَدلُ سياسَةٍ / ودفعُ خطوبٍ لليالي بها غدرُ
ويسرٌ حَسَمْتَ العُسْرَ عنهم بصنعه / كما حَسَمَ الإسلامُ ما صَنَعَ الكفرُ
فلا زلت تجني بالظبا قِممَ العِدى / وتُثمِرُ في الأيدي بها الأسَل السمرُ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ / تدور إذا حرّكتها في حشَا كُرَه
فلا فَلَكٌ إلّا يُخَصُّ بدورةً / موافقةٍ منها الخلافَ مُقَرَّره
وللفلك النّارِيِّ مِنهُنَّ كَفَّةٌ / ترى النّارَ فيها للبخور مُسَعّره
تَمُرُّ على فُرُشِ الحريرِ وغَيرها / وراءَ حجابٍ وهيَ غَيرُ مُؤثِّره
وتبدي دخاناً صاعداً من منَافِسٍ / مُصَنْدَلَةٍ أنْفاسُهُ ومُعنبَرَه
ولم أرَ ناراً تطعم الندّ قبلها / لها فَلَكٌ في الأرض في جَوفِ مجمَرَه
تُلطِّفُ أجْساماً كثافاً بلذعها / فتصعدُ أرواحاً لطافاً مُعَطَّرَه
وتَغشى علِيّاً نَفحةٌ كَثَنائِهِ / مُرَدّدَةٌ في مَدحه ومُكَرَّرَه
هُمامٌ إذا سَلَّ المُهَنَّدَ في الوَغى / وَأَغمَدَهُ في الهامِ بِالضربِ حَمَّرَه
رَزينُ حَصاةِ الحِلمِ شَهمٌ مُهَذَّبٌ / تَرى مِنهُ بَدراً في السريرِ وَقَسوَرَه
بَنى سَعدُه قَصراً على البحرِ سامِياً / فتحسبُهُ من جوهر الحسن صَوّرَه
يُنيرُ على البعدِ ائتِلاقاً كَأَنَّما / على الشطِّ لقى لجُّهُ منه جَوهَرَه
أبَرّ على إيوان كسرى فلو رأى / مراتِبَهُ في الملك منه لأكبَرَه
للأقاحي بفيكِ نَوْرٌ ونورُ
للأقاحي بفيكِ نَوْرٌ ونورُ / ما كذا تَسْنَحُ المهاةُ النّفُورُ
من لها أنْ تعيرها منكِ مشياً / قَدَمٌ رَخْصَةٌ وخطوٌ قصيرُ
أَنتِ تَسبينَ ذا العَفافِ بِدَلٍّ / يَستَخِفُّ الحليمَ وهو وقورُ
وهيَ لا تَستَبي بِلَفظٍ رَخيمٍ / يُنزِلُ العُصْمَ وهيَ في الطود فُورُ
وَحَديثٍ كَأَنَّهُ قِطَعُ الرّو / ضِ إذا اخضَلَّ مِن نَداهُ البكورُ
فَثَناني مِن رَوضِ حُسنِك عَنها / نَرجِسٌ ذابِلٌ وَوردٌ نَضيرُ
وشقيقٌ يُشَقّ عن أُقحُوانٍ / لِنقابِ النّقا عَلَيهِ خَفيرُ
وأريجٌ على النَّوى مِنكَ يَسري / وَيُجيب النسيمَ منه عَبيرُ
وثنايا يضاحكُ الشمسَ منها / في مُحَيّاكِ كوكبٌ يستنيرُ
ريقها في بقيّةِ الليل مسكٌ / شِيبَ بالرّاحِ منه شهدٌ مَشورُ
لِسُكونِ الغرامِ مِنهُ حَرَاكٌ / وَلِمَيْتِ السّقامِ فيهِ نُشورُ
أَلبَسَ اللَّهُ صورةً منكِ حسناً / وَعُيونُ الحسانِ نَحوَكِ صورُ
لَكِ عَينٌ إِن يَنبعِ السحرُ منها / فهو بالخَبْلِ في العقول يغورُ
وجفونٌ تشيرُ بالحبِّ منها / عن فؤادٍ إلى فؤادٍ سفيرُ
وَقَعتْ لَحظَةٌ على القَلبِ منها / أَفلا يَترُك الحَشا ويَطيرُ
يَطْبَعُ الوَشيُ فَوقَ حُسنِكَ لَمساً / مِنهُ أَمثالُ ما له تَصويرُ
فَإِذا ما نَمى الحديثُ إِلَيها / قيلَ هَل يَنقُشُ الحريرَ حريرُ
أَنتِ لا تُرحمين منك فيفدَى / مِعْصَماً في السوار منه أَسيرُ
فمتى يَرْحَمُ الصِّبا منك صَبّاً / فاضَ مُستَولِياً عَلَيه القتيرُ
ودعيني فقد تَعَرّضَ بَيْنٌ / بوشيكِ النوى إليَّ يُشيرُ
وَغَلى بالفراقِ مِرْجَلُ حُزْني / فهو بالدّمع من جْفُوني يفُورُ
قالت اللثمُ لا أراهُ حَلالاً / بيننا والعناقُ حظٌّ كبيرُ
قلت هذا علمتُهُ غيرَ أنّي / أسألُ اليومَ منك ما لا يضيرُ
فاجعلي اللَّحظَ زادَ جسمٍ سيبقى / روحُهُ في يديكِ ثُمَّ يَسيرُ
فَلِيَ الشوقُ خاذلٌ عن سُلُوّي / وَلِدينِ الهدى علَيَّ نَصيرُ
مَلِكٌ تَتّقي الملوكُ سَنَاهُ / أوَ مَا يَفْرِسُ الذئابَ الهَصُورُ
وهو ضارٍ آجامُهُ ذُبّل الخطّ / على مُقْتَضَى العلى وقصورُ
حازمٌ للطِّعان أشرَعَ سمراً / حُطِمَتْ في الصدورِ مِنها صُدورُ
وَحَمَى سَيْفُهُ الثّغورَ فما تَق / رَبُ رَشْفَ العُدَاةِ منها ثغورُ
ذو عَطاءٍ لَوَ انّهُ كان غيثاً / أورَقَتْ في المحولِ مِنهُ الصخورُ
تَحسِبُ البحرَ بَعضَ جَدواهُ لَولا / أَنَّهُ في الورودِ عَذبٌ نَميرُ
مَن تَراهُ يَحِدُّ فَضْلَ عَلِيٍّ / وهو مُسْتَصْعَبُ المرَام عسيرُ
فَبِمَعروفِهِ الخِضَمِّ غَنِيٌّ / وإلى بأسه الحديدُ فقيرُ
كَم لَهُ مِن خَميسِ حَربٍ رَحاها / بِسيولٍ منَ الغُمودِ تَدورُ
أَرضُهُ مِن سَنابِكٍ قادِحاتٍ / شَرَرَ النّقْعِ والسماءُ نسورُ
واجِداتُ القِرى بِقَتلى الأَعادي / مِن حَشاها لَدى النشورِ نُشورُ
جَحفَلٌ صُبْحُهُ منَ النقعِ لَيْلٌ / يضْحَكُ الموتُ فيه وهو بَسُورُ
تَضَعُ البيضُ مِنهُ سودَ المَنايا / بِنِكاحِ الحروبِ وهيَ ذكورُ
وَكَأنَّ القتامَ فيها غَمامٌ / بِنَجيعٍ مِنَ البروقِ مَطيرُ
وكأنَّ الجوادَ والسيفَ واللأ / مَةَ بحرٌ وجدولٌ وغديرُ
وإذا ما استطالَ جبّارُ حربٍ / يَجزِعُ الموتُ منهُ وهوَ صَبورُ
والتَظى في اليَمينِ منه يَمانٍ / كاد للأثر منه نَمْلٌ يَثورُ
ودعا وهو كالعُقاب كماةً / لهمُ كالبُغاثِ عنه قصورُ
جَدَلتهُ يَدا عَلِيٍّ بعَضْبٍ / لِرُبوعِ الحياةِ منه دُثُورُ
فَغَدا عاطِلاً مِنَ الرأسِ لَمّا / كَانَ طَوْقاً له الحسامُ البتورُ
لَحظَ الرومَ منهُ ناظرُ جَفْنٍ / للرّدى فيه ظُلْمَهٌ وهوَ نورُ
رَمِدَتْ للمَنونِ فيهِ عُيونٌ / فَكأَنَّ الفِرِنْدَ فيه ذَرَورُ
يا ابن يحيى الَّذي بِكُلِّ مَكانٍ / بالمعالي له لسانٌ شَكُورُ
لكَ من هَيبةِ العُلى في الأعادي / خيلُ رُعبٍ على القُلوبِ تُغيرُ
وَسُيوفٌ مَقيلُها في الهَوادي / كُلَّما شَبَّ للقراع هَجيرُ
وَدُروعٌ قد ضوعِفَ النسيجُ منها / وَتَناهَى في سَردِها التقديرُ
كَصغارِ الهاءاتِ شُقّتْ فأَبدتْ / شكلها من صُفوفِ جيشٍ سطورُ
أنتَ شَجّعْتَ نفسَ كلّ جبانٍ / فاقترَابُ الأسودِ منه غرورُ
فهو كالماءِ أحرقَ الجسمَ لمّا / أحدث اللّذْعَ في قُواهُ السعيرُ
خيرُ عامٍ أتاكَ في خيرِ وقتٍ / لِوُجوهِ الرّبيعِ فيهِ سُفورُ
زارَ مَثواكَ وهوَ صَبٌّ مَشوقٌ / بِمَعاليكَ والمَشوقُ يَزورُ
فَبَدا مِنكَ في الجلالِ إِلَيهِ / مَلِكٌ كابرٌ ومُلْكٌ كبيرُ
ورأى في فِناءِ قصرك حَفْلاً / ما له في فِناءِ قَصْرٍ نظيرُ
تَشتَري فيه بالمَكَارِمِ حَمداً / لَكَ مِنهُ تِجارَةٌ لا تَبورُ
فَكَأَنَّ المُدّاحَ فيهِ قُرُومٌ / مَلأ الخافقَينِ مِنهُ الهَديرُ
بِقَوافٍ هُدوا إِلَيهِنَّ سُبْلاً / ضَلَّ عَنهُنَّ جَرْوَلٌ وَجريرُ
إنّ أيّامَكَ الحسانَ لَغُرٌّ / فَكَأَنَّ الوجوهَ منها بُدورُ
واصَلَ العزَّ في مغانيك عِزٌّ / دائمُ المُلكِ وَالسرورَ سُرورُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ / يُحْكَى فيُصْغي إليْه الشُّهْبُ والبشَرُ
كأنّه وهو من مَتْنِ الصّبا مَثَلٌ / من كلّ قُطْرٍ منَ الدنْيا له خَبَرُ
ما اسْتُحْسنَ الدَّهرُ حَتَّى زانه حَسَنُ / وأشرقت في الورى أيامُهُ الغررُ
شهمٌ له حينَ يَرمي في مناضلةٍ / سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغرُ
لو خُصَّ عَصْرُ شبابٍ مِنْ سعادته / بلحظةٍ لم يَنَلْهُ الشيبُ والكبرُ
مُلْكٌ جديدُ المعالي في حمى ملك / ماضٍ كما طُبِعَ الصمصامة الذكرُ
لَقَد نَهَضتَ بِعِبءِ الملكِ مُضطلعاً / به ظهيراكَ فيه السّعْدُ والقدرُ
فإن نُصِرْتَ على طاغٍ ظفرتَ به / فما حليفاك إلا النصر والظفرُ
وإن خَفَضْتَ عُداةَ اللّه أو خُذلوا / فأنْتَ باللّهِ تستعلي وتنتصرُ
أصبحتَ أكبرَ تُعْطي كلّ مرتبةٍ / حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغرُ
يُخْشَى حُسَامُكَ مغموداً فكيف إذا / ما سُلّ للضرب وانهدّتْ به القَصَرُ
وليس يعجبُ من بأس مخايله / من مقلتيكَ عليها يشهد النظرُ
والشبلُ فيه طباعُ الليثِ كامنةٌ / وإنّما ينتضيها النّاب والظفرُ
إنّ البِلادَ إذا ما الخوْفُ أمْرَضَها / ففي أمانك من أمراضها نُشرُ
وما سفاقسُ إلا بَلْدَةٌ بعثَتْ / إليك عنها لسانَ الصدق تعتذرُ
وأهلها أهلُ طَوْعٍ لا ذنوبَ لهم / إنِّي لأُقسم ما خانوا وما غَدروا
وإنّما دافعوا عن حتف أنفسهم / إذ خَذّمَتْهُمْ به الهنديّةُ البترُ
ضرورةٌ كان منهم ما به قُرفوا / وبالضرورةَ عنهم نَكّبَ الضررُ
وَقَد جَرى في الَّذي جاؤوا به قَدَرٌ / ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَرُ
وما على النَّاسِ في إِحسانِ مملكةٍ / إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَرُ
كُلٌّ لِعَلياكَ قد كانَت حَمِيَّتُهُ / مؤكِّداً كلّ ما يأتي وما يَذرُ
وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهمُ / فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفَرُ
بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤَرَّقة / أمْوَاهُهُنّ مِنَ النيرانِ تَنفجرُ
وَرَحمَةُ اللَّه تَترى منهُمُ أَبداً / عَلَيهِ ما كَرّتِ الآصالُ والبُكَرُ
حَتَّى إِذا قيلَ قد حازَ العُلى حَسَنٌ / مَدّوا إلى أحمَدَ الألحاظَ وانتظروا
وقَبّلوا من مذاكي خيله فَرحاً / حوافراً قد علا أرساغَها العفرُ
مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ / فكم بها من كسيرٍ لَيسَ يَنجَبِرُ
شوقاً إليهم ومحضاً من وفائهمُ / لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدرُ
أَبوكَ مَدَّتْ عليهم كفُّ رأفتِهِ / منها جناحاً مديداً ظلّه خَصِرُ
حَدَّتْ لَهُم في قَوامِ الأَمرِ طاعتُهُ / حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صَدَروا
وألَّفَ اللَّهُ في الأوطانِ شَملهُمُ / فنُظّموا في المغاني بعدما نُثروا
وأَنت عَدْلٌ فسِرْ فيهم بسيرَتِهِ / فالعَدْلُ في المُلكِ عنه تُحْمد السيرُ
أنتمْ مُلوكُ بني الدُّنْيا الَّذين بهمْ / تَرْضَى المنابِرُ والتيجانُ والسررُ
أعاظمٌ من قديم الدَّهر مُلْكُهُمُ / تَرَى المَفاخِرَ تَسْتَخْذي إذا افتخروا
من كلّ مقتحمٍ في الحرب مُعْتَزِم / فمن فرائسه آسادُها الهُصُرُ
ذِمْرٌ له في ضمير الغِمْد ذو شطبٍ / كأنّه بارقٌ يسطو به قمرُ
شُمْسُ العداوَةِ حَتّى يُستقادَ لهم / وأعظمُ النّاسِ أحلاماً إذا قَدَروا
إِلَيكَ طَيِّبَ روض المدح نَفْحَتهُ / لمّا تَفتّحَ فيه بالنّدى زَهَرُ
يَجوبُ مِنهُ ذَكِيُّ المِسكِ كُلَّ فلاً / طيباً ويعبرُ منه العنبر الذفرُ
كأنّ زُهْرَ الدراري فيه قد نُظِمَتْ / كما تنظّمُ في أسلاكِها الدررُ
يا من تضاعفَ فيضُ الجود من يدِهِ / كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مُختَصَرُ
إنّي نَأيتُ وحظِّي حُطَّ منزلةً / كأنّما طول باعي عاقَهُ قِصَرُ
وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به / والمِسكُ يُطْوَى ونشرٌ منه ينتشرُ
وقَد بَعَثتُ رِثاءً في أَبيكَ ولي / حُزْنٌ عَلَيهِ فُؤادي مِنهُ يَنفَطِرُ
وما بدا ليَ جُودٍ أمَرْتَ به / عينٌ تفوز به عيني ولا أَثَرُ
وكفّكَ المزنُ تسْقي من دَنَا ونأى / وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطرُ
بَقيتَ للدينِ والدّنيا وأهلَهُما / وَمُدّ في رتب العليا لك العمرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ / وأن يَهْدِمَ الإيمانُ ما شاده الكفرُ
وأَن يُرجعَ الأَعلاجَ بَعدَ عِلاجها / خَزايا على آثارِها الذُّلُّ والقهرُ
لِيَهنَكَ فتحٌ أولغ السيف فيهمُ / ولاح بِوَجه الدين من ذِكره بِشرُ
بِسَعْدٍ كساكَ اللّهُ منه مهابةً / وإشراقَ نور منه تَقْتَبِسُ الزُّهرُ
ودون مَرَامِ الرّوم فيما سَمَوا له / قلائدُ أعناقٍ هي القُضُبُ البترُ
وخطِّيَّة تختَطُّ مِنهُم حيازِماً / وأحداقها زرقٌ وأجسادها حُمرُ
إذا أُشْرِعَتْ للطّعْنِ سَرتْ كأنَّما / يُشَكُّ بها في كلّ سابقةٍ نَحْرُ
أُشَبِّهُها بالقَطرِ يُبْدي تَألُّقاً / بِأَطرافِ أَغصانٍ يُحاصِرها غُدْرُ
وَسُحْبٌ بأجوافِ الكنائن أُودعت / شآبيبها نبلٌ من الزنج لا قطرُ
وخيلٌ ترى خيلَ العلوجِ مُضافةٌ / إِلَيها حميراً لا الَّتي نتج القَفْرُ
كَأنَّ على العقبانِ مِنها ضَراغماً / فأنيابها عُصْلٌ وأبصارها جَمرُ
وحمرُ دماءٍ كَالخُمورِ الَّتي سقوا / تَحَمّرَ منها في الظبا وَرَقٌ خُضرُ
بَنو الأَصفَرِ اصْفَرَّتْ حَذاراً وُجوههم / فَأَيديهِمُ مِن كُلِّ ما طَلَبوا صِفْرُ
تَنادَوا كَأَسرابِ القَطا في بِلادِهمْ / وكان لهم في كل قاصيةٍ نَفْرُ
ولمّا تناهى جمعُهُمْ ركبوا به / قَرَا زاخِرِ الآذيِّ آفاقُهُ غُبرُ
تَوَلَّتْ جنودُ اللَّهِ بِالرّيحِ حَرْبَهُمْ / وَلَيسَ لِمَخلوقٍ عَلى حَربِها صَبرُ
فَكَم مِن فَريقٍ مِنهُمُ إذ تَفرَّقوا / له غَرَقٌ في زخرةِ الموج أو أسرُ
وظَلَّت سِباعُ الماءِ وهيَ تنوشُهُمْ / فلا شلو منهم في صريحٍ ولا قبرُ
فإن سَلِمَ الشطرُ الَّذي لا سلامةٌ / له من ظُبا الهيجا فقد عطِبَ الشطرُ
أَتَوا بِأَساطيلٍ تَمُرُّ كَأَنَّها / جَرادٌ مُظِلٌّ ضاق عن عرضه البَحرُ
وخيلٍ حَشَوْا منها السفينَ ولم يكنْ / لها في مجالِ الحرب كرٌّ ولا فَرُّ
وَقَد رَكِبتْ فرسانها صَهَوَاتها / فأرْجَلَهُمْ عنها التذلّلُ والذعرُ
سلاهبُ أهدَوْها إليك ولم يكنْ / جزاءٌ لذاكَ من علاك ولا شكرُ
فَسلْ عنهمُ الديماسَ تسمعْ حديثَهمْ / فَهُم بالمواضي في جزيرَتِهِ جَزْرُ
وما غنِموا إلّا مُنىً كَذبتْ لهم / وكان لهم بالقَصْرِ عن نَيلها قصرُ
شَرَوْهُ فباعوا بالرّدى فيه أنفساً / أرِبحٌ لهم في ذلك البيع أم خُسْرُ
وقَد طَمِعوا في الزَّعمِ أن يُثبتوا له / جناحَين يُضْحي مِنهُما وهوَ النّسْرُ
ورامُوا بِهِ صَيْدَ البلادِ وغنمها / فَأَضحى وَقَد قُصَّت خوافِقهُ العشرُ
أُذيقوا به حصراً أذلّ عرامهم / كما ضاق عِندَ المَوتِ عن نَفَسٍ صدرُ
وَجَرَّ إِلَيهم في جِبالٍ مِنَ القَنا / مَناياهُمُ بِالقتلِ جَحفَلُكَ المَجْرُ
وَقائِدُكَ الشَّهمُ الَّذي كان بينَهمْ / صَبيحَةَ لاقاهُم على يده النصرُ
رأوا بأبي إسحقَ سَحْقاً لجمعهم / فإبْرَامُهُمْ نَقْضٌ ونظمهم نَثرُ
ولو لبثوا في ضيقِ حصرهمُ ولمْ / يَطِرْ مِنهُمُ شَوقاً إلى أَجلٍ عُمْرُ
لَقامَ عَلَيهِم مِنجَنيقٌ يُظِلّهُمْ / بِصمّ مرادٍ ما لِما كَسَرَتْ جَبرُ
إذا وُزِنَ الموتُ الزّؤامُ عليهمُ / بكفّة وَزّانٍ مَثاقيلُهُ الصخرُ
فَكَم جَهدُوا أَن يَفتَدوا مِن حِمامِهم / بِأَوزانِهم تِبراً فما قُبِلَ التبرُ
هناك شَفى الإسلامُ منهم غليلَهُ / بِطَعنٍ له بَتْرٌ وضَربٍ له هَبْرُ
وكانوا رأوا مَهْدِيَّتَيْكَ وفيهما / لِعِزِّ العدى أمْرٌ فهالَهُمُ الأمرُ
كَأَنّ بُرُوجَ الجوِّ مِنكَ رَمَتهُمُ / بشُهْبٍ لها نارٌ ولَيسَ لَها جَمرُ
فَما للعلوجِ امتَدَّ في الغيِّ جَهلُهم / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
فَكَم قَسَموا في الظنِّ أَميالَ أَرضِنا / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
ولا وَرَدوا من مائها حَسْوَ طائرٍ / يُبَلّ بهِ منهُ إِذا يَبِس السَّحْرُ
أما فتحتْ منهم بلاداً بلادُنا / بِزَعمهِمُ كُفراً على إِثرِهِ كُفرُ
وكانَت مفاتيحَ البلادِ سُيوفُنا / وأَقفْالها إذ فتحهُنَّ له عُسْرُ
وآذى زجارَ فَتْح رَيّو وقُطْرُها / يَهُدّ قُوَاهُ من صقليّةٍ قطرُ
ألم يسبِ جيشُ الغزو منهم نواعِماً / فَمن ثيِّبٍ تُقْتادُ في إثرها بِكرُ
وَقَوْصَرّةٍ فيها رؤوسُ جدودهم / إلى اليوم ملآن بأفلاقِها العفرُ
فلو تسألُ الريحُ المعاطسَ منهمُ / لأخبرها عَن كُلِّ شلوٍ بها دِفرُ
وَما قَتلوا مِن شِدَّةِ البأسِ أَهلها / ولكنّهم قُلٌّ أحاطَ بهم كثرُ
أَتُعجِمُ نبعَ العربِ عجمٌ ولا يُرَى / لما اشتدّ منها في نَواجِذِها كَسرُ
توالتْ عليها منهمُ كلُّ صيحةٍ / كما رَوَّع الأعيارَ من أسَدٍ زأرُ
فجاءَت رياحٌ والرِّياحُ جيادُها / فَشُدّ منَ الدينِ القويمِ بِها أزرُ
فَأَوَّلُ إِنصافٍ تَولوه كفُّهُمْ / أذى كلّ فظٍّ في سَجِيَّتِه غدرُ
وبادرتِ الإقدام منهم بمقدم / فكم خَبَرٍ عنها يصدِّقه الخبرُ
وَدُهم بني دهمانَ فاض على الوغى / بِكُلِّ فتىً أحلى بسالتِهِ مُرُّ
وشاهَت مِنَ الضُّلّالِ بالعزِّ أَوجُهٌ / عليها بُسُورٌ إِذ تَصَدَّى لَها بترُ
وكرَّت بنو زيدٍ على كلِّ شَيظَمٍ / وَسِرّ المواضي في أكفِّهمُ جهرُ
وجاء ابنُ زيّادٍ بصخر فكافحت / عَنِ الثغر أنيْابٌ فلم يُلْثَم الثغرُ
هِزَبرٌ على بحرٍ منَ الحربِ مُفْعَمٍ / على جِسمه نَهيٌ وفي يده نهرُ
وَقَد حالَ بَينَ الرّومِ والبحرِ فالتَجوْا / إلى القصرِ حتّى جاءَهُم بالرّدى القصرُ
أَعارِبُ جدّوا في جهِادِ أعاجِمٍ / خنازير شَبّتْ حَرْبَها أُسُدٌ هُصرُ
إِذا قيلَ يا أهلَ الحفائظِ أقْبَلَتْ / مُلَبّيَةً فيها غطارِفةٌ غُرُّ
عَلَيهم مِنَ الماذِيِّ كلُّ مُفاضَةٍ / مُكَحّلَةٍ بالنّقع أعيْنُهُا الخزرُ
كتائِبُ من كلّ القبائلِ أقبَلَتْ / لِفَرْضِ جهادٍ ما لِتارِكِهِ عذرُ
أعزّ بهم ذو العرشِ دينَ مُحَمَّدٍ / وَضُمّ عليه من كفالَتِه حجرُ
وفي كلِّ سَيفٍ سايرت منهمُ العِدى / قبائلُ منها أُشْبِعَ السهلَ والوعرُ
إذا ماج بحرٌ في شوانيهمُ بهم / أتى مَدَدٌ منّا فماجَ به البَرُّ
حَمى ابنُ عليٍّ حَوْزَةَ الدين فاحتمى / كمُفْترِسِ الكفّينِ يَدْمى له ظفرُ
مليكٌ له في الملك سيرةُ أكبرٍ / أبى اللَّه أنْ يَختالَ في عِطفِهِ الكبرُ
أبيٌّ كحَدِّ السيفِ من غيرِ نَبْوَةٍ / إذا ما مضَاءُ الذمر قلَّ بِهِ الذَّمرُ
هُوَ النّجْدُ يقري الرمحَ والسيفَ كَفُّهُ / بِعُضوَين يُلْفَى فيهما العمرُ والذكرُ
وما حسَنٌ إلّا مليكٌ مُتَوَّجٌ / أفاضَ الغنى من راحتيه فلا فقرُ
كَأَنَّ حَبِيّاً ساكباً فيضَ ودقهِ / وقَد يَحْتبي منه لقُصّادِهِ البدرُ
إذا ما جَرَى في محفلٍ حُسْنُ ذكره / تَعَلّقَ تشريفاً بأذْيالِهِ الفخرُ
فلا زال والتوحيدُ مُعْتَصِمٌ به / تُزَانُ به الدنْيا ويخدمه الدهرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025