المجموع : 39
إِذا جَدَّفتَ جوزيتَ
إِذا جَدَّفتَ جوزيتَ / عَلى التَجديفِ بِالنارِ
وَإِن أَحبَبتَ عُيِّرتَ / مِنَ الجارَة وَالجارِ
وَإِن قامَرتَ أَو راهَنتَ / في النادي أَوِ الدارِ
فَأَنتَ الرَجُلُ الآثِمُ / عِندَ الناس وَالباري
وَإِن تَسكَر لِكَي تَنسى / هُموماً ذاتِ أَوقارِ
خَسِرتَ الدين وَالدُنيا / وَلَم تَربَح سِوى العارِ
وَإِن قُلتَ إِذَن فَالعَيــ / ــشُ أَوزارٌ بِأَوزارِ
وَإِنَّ المَوتَ أَشهى لي / إِذا لَم أَقضِ أَوطاري
وَأَسرَعتَ إِلى السَيفِ / أَوِ السُمِّ أَوِ النارِ
لِكَي تَخرُجَ مِنَ دُنيا / ذَووها غَيرُ أَحرارِ
فَهَذا المُنكَرُ الأَعظَمُ / في سِر وَإِضمارِ
إِذَن فَاحيَ وَمُت كَالناسِ / عَبداً غَيرَ مُختارِ
يا لَيتَني لِصٌّ لِأَسرُقَ في الضُحى
يا لَيتَني لِصٌّ لِأَسرُقَ في الضُحى / سِرَّ اللَطافَةِ في النَسيمِ الساري
وَأَجُسَّ مُؤتَلَقَ الجَمالِ بِإِصبَعي / في زُرقَةِ الأُفقِ الجَميلِ العاري
وَيَبينَ لي كَنَهُ المَهابَةِ في الرُبى / وَالسِرُّ في جَذَلِ الغَديرِ الجاري
وَالسِحرُ في الأَلوان وَالأَنغام وَال / أَنداء وَالأَشذاء وَالأَذهارِ
وَبَشاشَةُ المَرجِ الخَصيب وَوَحشَةُ / الوادي الكَئيب وَصَولَةُ التَيّارِ
وَإِذا الدُجى أَرخى عَلَيَّ سُدولُهُ / أَدرَكتُ ما في اللَيلِ مِن أَسرارِ
فَلَكَم نَظَرتُ إِلى الجَمالِ فَخِلتُهُ / أَدنى إِلى بَصَري مِنَ الأَشفارِ
فَطَلَبتُهُ فَإِذا المَغالِقُ دونَهُ / وَإِذا هُنالِكَ أَلفُ أَلفِ سِتارِ
وَباد وَيُعجِزُ خاطِري إِدراكَهُ / وَفِتنَتي بِالظاهِرِ المُتَواري
مِن سِحرِ طَرفِكِ مَن مُجيري
مِن سِحرِ طَرفِكِ مَن مُجيري / يا ضَرَّةَ الرَشَأِ الغَريرِ
جِسمٌ كَخَصرِكِ في النُحو / ل وَمِثلُ جَفنِكِ في الفُتورِ
أَصبَحتُ أَضأَلَ مِن هِلا / لِ الشَكِّ في عَينِ البَصيرِ
مَحَقَ الضَنى جَسَدي فَبِتـ / ـتُ مِنَ الهَلاكِ عَلى شَفيرِ
وَمَشى الرَدى في مُهجَتي / اللَهَ مِن جَهلِ الخَبيرِ
جَهِلَ النَطاسِيُّ عِلَّتي / لِلَّهِ مِن جَهلِ الخَبيرِ
كَم سامَني جَرعَ الدَوا / وَكَم جَرَعتُ مِنَ المَريرِ
دَع أَيُّها الآسي يَدي / الحُبُّ يُدرَكُ بِالشُعورِ
يَدري الصَبابَة وَالهَوى / مَن كانَ في البَلوى نَظيري
لَو تَنظُرينَ إِلَيَّ كَالمَي / تِ المُسَجّى في سَريري
يَتَهامَسُ العُوّادُ حَو / لي كُلَّما سَمِعوا زَفيري
وَأَظُنُّهُمُ قَد أَدرَكوا / لا أَدرَكوا ما في ضَميري
فَأَبَيتُ مِن قَلَقي عَلَي / كِ كَأَنَّني فَوقَ السَعيرِ
وَأَدَرتُ طَرفي في الحُضو / رِ لَعَلَّ شَخصَكِ في الحُضورِ
فَاِرتَدَّ يَعثُرُ بِالدُمو / عِ تَعَثُّرَ الشَيخِ الضريرِ
قَد زارَني مَن لا أُحِبُّ / وَأَنتِ أَولى مَن تَزوري
صَدَّقتِ ما قالَ الحَوا / سِدُ فِيَّ مِن هُجر وَزورِ
وَأَطَعتِ بي حَتّى العِدى / وَضَنِنتِ حَتّى بِاليَسيرِ
أَمّا خَيالُكِ يا بَخيلَـ / ـةُ فَهوَ مِثلُكِ في النُفورِ
روحي فِداأُك وَهيَ لَو / تَدرينَ تُفدى بِالكَثيرِ
تيهي عَلى العاني كَما / تاهَ الغَنِيُّ عَلى الفَقيرِ
أَنا لا أُبالي بِالمَصي / ر وَأَنتِ ئدرى بَِلمَصيرِ
أَهواكِ رَغمَ مُعَنِّفي / وَيَلَذُّ نَفسي أَن تَجوري
لَيسَ المُحِبُّ بِصادِقٍ / حَتّى يَكونَ بِلا عَذيرِ
كَم لَيلَةٍ ساهَرَتُ في / ها النَجَمَ أَحسَبُهُ سَميري
وَالشُهبُ أَقعَدَها الوَنى / وَاللَيلُ يَمشي كَالأَسيرِ
أَرعى البُدور وَلَيسَ لي / مِن حاجَةٍ عِندَ البُدورِ
مُتَذَكِّراً زَمَن الصِبى / زَمَن الغِوايَة وَالغُرورِ
أَيّامَ أَخطُرُ في المَجا / مِع وَالمَعاهِدِ كَالأَميرِ
أَيّامَ أَمري في يَدي / أَيّامَ نَجمي في ظُهورِ
لَمَعَ القَتيرُ بِلِمَّتي / وَيلُ الشَبابِ مِنَ القَتيرِ
لا بِالغَوير وَلا النَقا / كَلَفي وَلا أَهلِ الغَويرِ
أَرضَ الجَزيرَةِ كَيفَ حا / لُكِ بَعدَ وَقعِ الزَمهَريرِ
نَزَلَ الشِتاءُ فَأَنتِ مَلعَ / بُ كُلِّ ساقِيَةٍ دَبورِ
وَتَبَدَّلَت تِلكَ العَرا / صُ مِنَ النَضارَةِ بِالدُثورِ
أَمسَيتِ كَالطَلَلِ المَحي / ل وَكُنتِ كَالرَوضِ النَضيرِ
آهاً عَلَيك وَآهِ كَيـ / ـفَ نَأَتكِ رَبّاتُ الخُدورِ
المائِساتُ عَنِ الغُصو / نِ السافِراتُ عَنِ البُدورِ
الذاهِباتُ مَعَ النُهو / دِ الذاهِباتُ مَعَ الصُدورِ
الحاسِراتُ عَنِ السَوا / عِد وَالتَرائِب وَالنبُحورِ
القاسِياتُ عَلى القُلو / بِ الجانِياتُ عَلى الخُصورِ
المالِكاتُ عَلى اللَآ / لِءِ في القَلائِد وَالثُغورِ
الضاحِكاتُ مِنَ الدَلا / لِ اللاعِباتُ مِنَ الحُبورِ
الآخِذاتُ قُلوبَنا / في زَيَّ طاقاتِ الزُهورِ
بيضُ نَواعِمُ كَالدُمى / يَرفُلنَ في حُلَلِ الحَريرِ
مِثلُ الحَمائِمِ في الوَدا / عَة وَالكَواكِبِ في السُفورِ
مِن كُلِّ ضاحِكَةٍ / كَأَنَّ بِوَجهِها وَجهَ البَشيرِ
أَنّى أَدَرتُ الطَرفَ في / ها جالَ في قَمَرٍ مُنيرِ
يا مَسرَحَ العُشّاقِ كَم / لي فيكَ مِن يَومٍ مَطيرِ
تَنسى البَرِيَّةُ عِندَهُ / يَومَ الخَوَرنَق وَالسَديرِ
وَلَكَم هَبَطتُك وَالحَبي / بَةَ فازِعينَ مِنَ الهَجيرِ
في زَورَقٍ بَينَ الزَوا / رِقِ كَالحَمامَةِ في الطُيورِ
مُتَمَهِّلٌ في سَيرِهِ / وَالماءُ يُسرِعُ في المَسيرِ
وَالشَمسُ إِبّانَ الضُحى / وَالجَوُّ صافٍ كَالغَديرِ
وَلَكَم وَثَبنا وَفي التِلا / ل وَكَم رَكَضنا في الوُعورِ
وَلَكَم أَصَحنا لِلحَفي / ف وَكَم شَجَينا بِالخَريرِ
وَلَكَم جَلَسنا في الرِياضِ / وَكَم نَشَقنا مِن عَبيرِ
وَلَكَم تَبَرَّدنا بِما / نُهَيرِكِ الصافي النَميرِ
طَوراً نَنامُ عَلى النَبا / ت وَتارَةً فَوقَ الحَصيرِ
لا نَتَّقي عَينَ الرَقيـ / ـب وَلا نُبالي بِالغَيورِ
فَكَأَنَّها وَكَأَنَّني الأَ / بَوانِ في ماضي العُصورِ
حُسِدَت عَلَيَّ مِنَ الإِنا / ثِ كَما حُسِدتُ مِنَ الذُكورِ
ظَنَّ الأَنامُ بِنا الظُنو / ن وَما اِجتَرَحنا من نَكيرِ
قَد صانَ بُردَتَها الحَيا / ء وَصانَني شَرَفي وَخيري
وَمَطِيَّةٍ رَجراجَةٍ / لا كَالمَطِيَّة وَالبَعيرِ
ما تَأتَلي في سَيرَها / صَخّابَةً لا مِن ثُبورِ
تَجري عَلى أَسلاكِها / جَريَ الأَراقِمِ في الحُدورِ
طَوراً تُرى فَوقَ الجُسو / ر وَتارَةً تَحتَ الجُسورِ
أَناً عَلى قِمَم وَآ / ناً في كُهوفٍ كَالقُبورِ
تَرقى كَما تَرقى المَصا / عِدُ ثُمَّ تَهبِطُ كَالصُخورِ
فَإِذا عَلَت حَسِبَ الوَرى / أَنّا نُصَعِّدُ في الأَثيرِ
وَإِذا هَوَت مِن حالِقٍ / هَوَتِ القُلوبُ مِنَ الصُدورِ
وَالرَكبُ بَينَ مُصَفِّقٍ / وَمُهَلِّلٍ جَذلِ قَريرِ
أَو خائِفٍ مُتَطَيِّرٍ / أَو صارِخٍ أَو مُستَجيرِ
هِيَ في التَقَلُّبِ كَالزَما / ن وَإِنَّما هِيَ لِلسُرورِ
وَمُدارَةٍ في الجَوِّ / يَحسَبُها الجَهولُ بِلا مُديرِ
لَو شِئتَ نَيلَ النَجمِ مِن / ها ما صَبَوتَ إِلى عَسيرِ
مَشدودَةٍ لَكِنَّها / أَجرى مِنَ الفَرَسِ المُغيرِ
زَفّافَةٍ زَفَّ الرِنا / لِ تَسفُ إِسفافَ النُسورِ
وَلَها حَفيفٌ كَالرِيا / ح وَهَدرَةٌ لا كَالهَديرِ
كَالأَرضِ في دَوَرانِها / وَلَكَالمِظَلَّةِ في النُشورِ
القَومُ فيها جالِسونَ / نَ عَلى مَقاعِدَ مِن وَثيرِ
وَالريحُ تَخفُقُ حَولَهُم / وَكَأَنَّما هُم في قُصورِ
وَالجَمعُ يَهتُفُ كُلَّما / مَرَّت عَلى الحَشدِ الغَفيرِ
وَلَكَم تَأَمَّلنا الجُمو / عَ تَموجُ كَالبَحرِ الزَخورِ
يَمشي الخَطيرُ مَعَ الحَقيـ / ـرِ كَأَنَّما هُوَ مَع خَطيرِ
وَتَرى المَهاةَ كَأَنَّها / لَيثٌ مَعَ اللَيثُ الهَصورِ
مُتَوافِقونَ عَلى التَبا / يُنِ كَالقَبيلِ أَوِ العَشيرِ
لا يَرهَبونَ يَدَ الخُطو / بِ كَأَنَّما هُم خَلفَ سورِ
يَمضي النَهار وَنَحنُ نَحـ / ـسَبُ ما بَرِحنا في البُكورِ
أَبقَيتَ يا زَمَن الحَرو / رِ بِمُهجَتي مِثلَ الحَرورِ
وَلَّت شُهورٌ كُنتُ أَر / جو أَن تُخَلَّدَ الدُهورِ
وَأَتَت شُهورٌ بَعدَها / ساعاتُها مِثلُ الشُهورِ
لَيسَت حَياةُ المَرءِ في الدُن / يا سِوى حُلمٍ قَصيرِ
وَأَرى الشَبابَ مِنَ الحَيا / ةِ لَكَاللُبابِ مِنَ القُشورِ
ذَهَبَ الرَبيعُ ذَهابَهُ / وَأَتى الشِتاءُ بِلا نَذيرِ
وَتَبَدَّدَ العُشّاقُ مِثلَ / تَبَدُّدِ الوَرَقِ النَثيرِ
رَضِيَ المُهَيمِنُ عَنهُمُ / وَاللَهُ يَعفو عَن كَثيرِ
هاتَ اِسقِني بِالقَدَحِ الكَبيرِ
هاتَ اِسقِني بِالقَدَحِ الكَبيرِ / صَفراءَ لَونَ الذَهَبِ المَصهورِ
كَأَنَّها في أَكأُسِ البَلّورِ / شُعلَةُ نارٍ في بَقايا نورِ
عَجِبتُ لِلكَأسِ الَّتي تَحويها / كَيفَ اِستَقَرَّت وَالحَياةُ فيها
لَو لَم يُدِرها بَينّا ساقيها / دارَت عَلى القَومِ بِلا مُديرِ
هاتَ اِسقِنيها مِثلَ عَينِ الديكِ / صافِيَةً تَنهَضُ بِالصُعلوكِ
حَتّى يَرى التيهَ عَلى المُلوكِ / وَلا يُبالي سَطَوَةَ الأَميرِ
بِنتُ لدَوالي ضَرَّةَ الرُضابِ / أُختَ التَصافي زَوجَةَ السَحابِ
أَنت وَإِن لامَ الوَرى شَرابي / في الخالِدينَ القَر وَالهَجيرِ
أَشرَبُها بَل أَشرَبُ الإِكسيرا / تَخلُقُ في شارِبِها السُرورا
فَقُل لِمَن يَحسَبُها غُرورا / ما العَيشُ إِلّا ساعَة الغُرورِ
تَأَمَّلَ في أَمسِهِ الدابِرِ
تَأَمَّلَ في أَمسِهِ الدابِرِ / فَكادَ يُجَنُّ مِنَ الحاضِرِ
أَهاجَ التَذَكُّرُ أَشجانَهُ / وَكَم لِلسَعادَةِ مِن ذاكِرِ
فَتىً كانَ أَنعَمَ مِن جاهِلٍ / فَأَصبَحَ أَتعَسَ مِن شاعِرِ
أَضاعَ الغِنى وَأَضاعَ الصِحابَ / وَرُبَّ مَريضٍ بِلا زائِرِ
وَيا طالَما أَحدَقوهُ بِالفَتى / كَما تُحدِقُ الجُندُ بِالظافِرِ
فَلَمّا اِنقَضى مَجدُهُ أَعرَدوا / وَما الناسُ إِلّا مَعَ القادِرِ
وَما الناسُ إِلّا عَبيدُ القَوي / فَكُن ذاكَ أَو كُن بِلا شاكِرِ
أَشَدُّ مِنَ الدَهرِ مكراً بَنوهُ / فَوَيلٌ لِمَن لَيسَ بِالماكِرِ
فَكُن بَينَهُم خاتِلاً غادِراً / وَلا تَشتَكِ الغَدرَ مِن غادِرِ
تَعيسٌ تُعانِقُهُ النائِباتُ / عِناقَ الحَبائِلِ لِلطائِرِ
كَثيرُ الهُمومِ بِلا ناصِرٍ / كَسيرُ الفُؤادِ بِلا جابِرِ
قَضى لَيلَهُ ساهِياً ساهِراً / إِلى كَوكَبٍ مِثلَهُ ساهِرِ
يُفَتِّشُ عَن آفِلٍ في الثَرى / وَما كانَ في الأُفقِ بِالسافِرِ
وَتَاللَهِ يُجدي فَتىً بائِساً / كَلامُ المُنَجِّم وَالساحِرِ
وَلَمّا تَوَلَّت دَراري السَماءُ / وَغابَ الهِلالُ عَنِ الناظِرِ
بَكىثُمَّ صاحَ أَحَتّى النُجومُ / تَصُدُّ عَنِ الرَجُلِ العاثِرِ
إِلى ما أُعانِدُ هَذا الزَمانَ / عِنادَ السَفينَةِ لِلزاخِرِ
وَأَدعو وَما ثَمَّ سامِعٍ / وَأَشكو وَلَكِن إِلى ساخِرِ
وَأَرجو الوَفاء وَتَأبى النُفوسُ / وَأَنّى الوُلاةُ لِلعاقِرِ
سَإِمتُ الحَياةَ فَلَيتَ الحِمامَ / يُعيدُ إِلى أَصلِهِ سائِري
فَتَنطَلِقُ النَفسُ مِن سِجنِها / وَيُسجَنُ تَحتَ الثَرى ظاهِري
وَزادَ سَوادَ الدُجى يَأسَهُ / وَقَد كادَ يُسفِرُ عَن باهِرِ
فَشاءَ التَخَلُّصَ مِن دَهرِهِ / الخَأون وَمِن عَيشِهِ الحاذِرِ
فَأَغمَدَ في صَدرِهِ مُديَةً / أَشَدُّ مَضاءً مِنَ الباتِرِ
وَكَم مِثلَهُ قَد قَضى نَحبَهُ / شَهيدَ التَأَمُّلِ في الغابِرِ
أَيّارُ يا شاعِرَ الشُهورِ
أَيّارُ يا شاعِرَ الشُهورِ / وَبَسمَةَ الحُبِّ في الدُهورِ
وَخالِقَ الزَهرِ في الرَوابي / وَخالِقَ العِطرِ في الزُهورِ
وَباعِثَ الماءِ ذا خَريرٍ / وَموجِدَ السِحرِ في الخَريرِ
وَغاسِلَ الأُفق وَالدَراري / وَالأَرضِ بَِلنور وَالعَبيرِ
لَقَد كَسَوتَ الثَرى لِباساً / أَجمَلَ عِندي مِنَ الحَريرِ
ما فيكَ قَر وَلا هَجيرٌ / ذَهَبتَ بِالقَر وَالهَجيرِ
فَلا ثُلوجٌ عَلى الرَوابي / وَلا غَمامٌ عَلى البُدورِ
أَتَيتَ فَالكَونُ مِهرَجانٌ / مِنَ اللَذاذات وَالحُبورِ
أَيقَظتَ في الأَنفُسِ الأَماني / وَالاِبتِساماتِ في الثُغورِ
وَكُدتَ تُحيِ المَوتى البَوالي / وَتُنبِتُ العُشبَ في الصُخورِ
وَتَجعَلُ الشَوكَ ذا أَريجٍ / وَتَجعَلُ الصَخرَ ذا شُعورِ
فَأَينَما سِرتُ صَوتُ بُشرى / وَكَيفَما مِلُ طَيفُ نورِ
تَشكو إِلَيكَ الشِتاءَ نَفسي / وَما جَناهُ مِنَ الشُرورِ
كَم لَذَّعَ الزَمهَريرُ جِلدي / وَدَبَّ حَتّى إِلى ضَميري
فَلُذتُ بِالصوفِ أَتَّقيهِ / فَاِختَرَقَ الصوفُ كَالحَريزِ
وَكَم لَيالٍ جَلَستُ وَحدي / مِنقَبِضَ الصَدرِ كَالأَسيرِ
يَهتَزُّ مَعَ أَنمُلي كِتابي / وَيَرجُفُ الحِبرُ في السُطورِ
تُعوِلُ فيها الرِياحُ حَولي / كَنائِحاتٍ عَلى أَميرِ
وَالغَيثُ يَهمي بِلا اِنقِطعٍ / وَالرَعدُ مُستَتبِعُ الزَئيرِ
وَاللَيلُ مُحلَولِكُ الحَواشي / وَصامِتُ البَدء وَالأَخيرِ
وَالشُهبُ مُرتاعَةٌ كَطَيرٍ / مُختَبِئاتٍ مِنَ الصُقورِ
في غُرفَتي مَوقِدٌ صَغيرٌ / لِلَّهِ مِن مَوقِدي الصَغيرِ
يَكادُ يَنقَدُّ جانِباهُ / مِن شِدَّةِ الغَيظِ لا السَعيرِ
لَولا لَظاهُ رَقَصتُ فيها / بِغَيرِ دُفٍّ عَلى سَريرِ
وَساعَةٍ وَجهُها صَفيقو / كَأَنَّهُ وَجهُ مُستَعيرِ
أَبطَأَ في السَيرِ عَقرَباها / فَأَبطَأَ الوَقتُ في المَسيرِ
حَتّى كَأَنَّ الزَمانَ أَعمى / يَمشي عَلى الشَوكِ في الوُعورِ
كُنّا طَوَينا المُنى وَقُلنا / ما لِلأَماني مِنها عَلى قُبورِ
فَلَو يَزورُ الصُدورَ حُلمٌ / عَرَّجَ مِنها عَلى قُبورِ
لَقَد تَوَلّى الشِتاءُ عَنّا / فَصَفِّقي يا مُنى وَطيري
عِندي لَكُم نَبَأٌ عَجيبٌ شَيِّقٌ
عِندي لَكُم نَبَأٌ عَجيبٌ شَيِّقٌ / سَأَقُصُّه وَعَلَيكُمُ تَفسيرُهُ
إِنّي رَأَيتُ البَحرَ أَخرَسَ ساهِياً / كَالشَيخِ طالَ بِما مَضى تَفكيرُهُ
فَسَأَلتُ نَفسي حائِراً مُتَلَجلِجاً / يا لَيتَ شِعري أَينَ ضاعَ هَديرُهُ
بَِلأَمسِ قالَت مَوجَةٌ ثَرثارَةٌ / وَمَضَت فَأَكمَلَتِ الحَديثَ صُخورُهُ
بِالأَمسِ مَرَّ بِنا فَتىً مِن قَومِكُم / رَقَّت شَمائِلُه وَدَقَّ شُعورُهُ
مُتَرَنِّحٌ مِن خَمرَةٍ قُدسِيَّةٍ / فيها الهَوى وَفُتونِه وَفُتورُهُ
مُتَرَفِّقٌ في مَشيِهِ يَطَءُ الثَرى / وَكَأَنَّما بَينَ النُجومِ مَسيرُهُ
يَلهو بِأَوتارِ الكَمَنجَة وَالدُجى / مَرخِيَّةٌ فَوقَ العُبابِ سُتورُهُ
يَهدي إِلى الوَطَنِ القَديمِ سَلامَهُ / وَيُناشِدُ الوَطَنَ الَّذي سَيَزورُهُ
فَشَجا الخِضَمَّ نَشيدُه وَهُتافُهُ / فَسَها فَضاعَ هَديرُه وَزَئيرُهُ
أَعَرفتُموهُ إِنَّهُ هَذا الفَتى / هَذا الَّذي سَحَرَ الخِضَمَّ مُرورُهُ
داوُد وَالمِزمارُ في نَغَماتِهِ / وَالموصِلِي وَمَعبَد وَسَريرُهُ
يا ضَيفَنا وَالأُنسُ أَنتَ رَسولُهُ / وَبَشيرُه وَالفَنُّ أَنتَ أَميرُهُ
لَو شاعَ في الفِردَوسِ أَنَّكَ بَينَنا / لَمَشَت إِلَينا سافِراتٍ حَورُهُ
ذَهَبَ الرَبيع وَجِئتَنا فَكَأَنَّما / جاءَ الرَبيعُ زُهورُه وَطُيورُهُ
الفَنُّ هَشَّ إِلَيكَ في أُمَرائِهِ / وَتَفَتَّحَت لَكَ دورُه وَقُصورُهُ
إِنَّ الجَواهِرَ بِالجَواهِرِ أُنسُها / أَمّا التُرابُ فَبِالتُرابِ حُبورُهُ
يا شاعِرَ الأَلحانِ إِنّي شاعِرٌ / أَمسى ضَئيلاً عِندَ نورِكِ نورُهُ
أَسمى الكَلامِ الشِعرُ إِلّا أَنَّهُ / أَسماهُ ما أَعيا الفَتى تَصويرُهُ
وَأُحِبُّ أَزهارِ الحَدائِقِ وَردَها / وَأُحِبُّ مِن وَردِ الرِياضِ عَبيرُهُ
أَنتَ الفَتى لَكَ في النَسيمِ حَفيفُهُ / وَلَكَ الغَديرُ صَفائُه وَخَريرُهُ
القَومُ صاغِيَةٌ إِلَيكَ قُلُبَهُم / وَاللَيلُ مُنصِتَةٌ إِلَيكَ بُدورُهُ
وَبِهَذِهِ الأَوتارِ سِحرٌ جائِلٌ / مُتَمَلمِلٌ كَالوَحيِ حانَ ظُهورُهُ
إِن كُنتَ لا تَهتاجَه وَتُثيرُهُ / فَمَنِ الَّذي يَهتاجَه وَيُثيرُهُ
دَغدِغ بِريشَتِكَ الكَمَنجَةَ يَنطَلِق / وَيَدُبُّ في أَرواحِنا تَأثيرُهُ
وَاِمشِ بِنا في كُلِّ لَحنٍ فاتِنٍ / كَالماءِ يَجري في الغُصونِ طُهورُهُ
وَأَدرِ عَلى الجَلّاسِ أَكوابَ الهَوى / في راحَتَيكَ سُلافُه وَعَصيرُهُ
فَيَخُفُّ في الرَجُلِ الحَليمِ وَقارُهُ / وَيُراجِعُ الشَيخَ المُسِنَّ غُرورُهُ
وَتَنامُ في صَدرِ الشَجِيِّ هُمومُهُ / وَيُفيقُ في قَلبِ الحَزينِ سُرورُهُ
هَذي الجُموعُ الآنَ شَخصٌ واحِدٌ / لَكَ حُكمُه وَكَما تَشاءُ مَصيرُهُ
إِن شِئتَ طالَ هُتافُه وَنَشيدُهُ / أَو شِئتَ دامَ نُواحُه وَزَفيرُهُ
إِنّا وَهَبناكَ القُلوب وَلَم نَهَب / إِلّا الَّذي لَكَ قَبلَنا تَدبيرُهُ
سَمِعَت عَويلَ النائِحاتِ عَشِيَّةً
سَمِعَت عَويلَ النائِحاتِ عَشِيَّةً / في الحَيِّ يَبتَعِثُ الأَسى وَيُثيرُ
يَبكَينَ في جُنحِ الظَلامِ صَبِيَّةً / إِنَّ البُكاءَ عَلى الشَبابِ مَريرُ
فَتَجَهَّمَت وَتَلَفَّتَت مُرتاعَةً / كَالظَبيِ أَيقَنَ أَنَّهُ مَأسورُ
وَتَحَيَّرَت في مُقلَتَيها دَمعَةٌ / خَرساءُ لا تَهمي وَلَيسَ تَغورُ
فَكَأَنَّها بَطَلٌ تَكَنَّفَهُ العِدى / بِسُيوفِهِم وَحُسامُهُ مَكسورُ
وَجَمَت فَأَمسى كُلُّ شَيءٍ واجِماً / النور وَالأَظلال وَالدَيجورُ
الكَونُ أَجمَعُ ذاهِلٌ لِذُهولِها / حَتّى كَأَنَّ الأَرضَ لَيسَ تَدورُ
لا شَيءَ مِمّا حَولَنا وَأَمامَنا / حَسَنٌ لَدَيها وَالجَمالُ كَثيرُ
سَكَتَ الغَديرُ كَأَنَّما اِلتَحَفَ الثَرى / وَسَها النَسيمُ كَأَنَّهُ مَذعورُ
وَكَأَنَّما الفَلَكُ المُنَوَّرُ بَلقَعٌ / وَالأَنجُمُ الزَهراءُ فيهِ قُبورُ
كانَت تُمازِحُني وَتَضحَكَُ فَاِنتَهى / دَورُ المِزاحِ فَضِحكَها تَفكيرُ
قالَت وَقَد سَلَخَ اِبتِسامَتَها الأَسى / صَدَقَ الَّذي قالَ الحَياةُ غُرورُ
أَكَذا نَموت وَتَنقَضي أَحلامُنا / في لَحظَة وَإِلى التُرابِ نَصيرُ
وَتَموجُ ديدانُ الثَرى في أَكبُدٍ / كانَت تَموجُ بِها المُنى وَتَمورُ
خَيرٌ إِذَن مِنّا الأُلى لَم يولَدوا / وَمِنَ الأَنامِ جَلامِد وَصُخورُ
وَمِنَ العُيونِ مَكاحِل وَمَراوِدٌ / وَمِنَ الشِفاهِ مَساحِق وَذُرورُ
وَمِنَ القُلوبِ الخافِقاتِ صَبابَةً / قَصَبٌ لِوَقعِ الريحِ فيهِ صَفيرُ
وَتَوَقَّفَت فَشَعَرتُ بَعدَ حَديثِها / أَنَّ الوُجودَ مُشَوَّشٌ مَبتورُ
الصَيفُ يَنفُثُ حَرَّهُ مِن حَولِنا / وَأَنا أُحِسُّ كَأَنَّني مَقرورُ
ساقَت إِلى قَلبي الشُكوكَ فَنَغَّصَت / لَيلي وَلَيسَ مَعَ الشُكوكِ سُرورُ
وَخَشيتُ أَن يَغدو مَعَ الرَيبِ الهَوى / كَالرَسمِ لا عِطر وَفيهِ زُهورُ
وَكَدُميَةِ المَثّالِ حُسنٌ رائِعٌ / مِلءُ العُيون وَلَيسَ ثَمَّ شُعورُ
فَأَجَبتُها لِتَكُن لِديدانِ الثَرى / أَجسامُنا إِنَّ الجُسومَ قُشورُ
لا تَجزَعي فَالمَوتُ لَيسَ يَضيرُنا / فَلَنا إِيابٌ بَعدَه وَنُشورُ
إِنّا سَنَبقى بَعدَ أَن يَمضي الوَرى / وَيَزولُ هَذا العالَمُ المَنظورُ
فَالحُبُّ نورٌ خالِدٌ مُتَجَدِّدٌ / لا يَنطَوي إِلّا لِيَسطَعُ نورُ
وَبَنو الهَوى أَحلامُهُم وَرُؤاهُمُ / لا أَعيُن وَمَراشِف وَنُحورُ
فَإِذا طَوَتنا الأَرضُ عَن أَزهارِها / وَخَلا الدُجى مِنّا وَفيهِ بُدورُ
فَسَتَرجُعينَ خَميلَةً مِعطارَةً / أَنا في ذُراها بُلبُلٌ مَسحورُ
يَشدو لَها وَيَطيرُ في جَنَباتِها / فَتَهِشُّ إِذ يَشدو وَحينَ يَطيرُ
أَو جَدوَلاً مُتَرَقرِقاً مُتَرَنِّماً / أَنا فيهِ مَوجٌ ضاحِك وَخَريرُ
أَو تَرجِعينَ فَراشَةً خَطّارَةً / أَنا في جَناحَيها الضُحى المَوشورُ
أَو نَسمَةً أَنا هَمسُها وَحَفيفُها / أَبَداً تُطَوِّفُ في الرُبى وَتَدورُ
تَغشى الخَمائِلَ في الصَباحِ بَليلَةً / وَتَأوبُ حينَ تَأوب وَهيَ عَبيرُ
أَو تَلتَقي عِندَ الكَئيبِ عَلى رِضىً / وَقَناعَةٍ صَفصافَة وَغَديرُ
تَمتَدُّ فيه وَفي ثَراهُ عُروقُها / وَيَسيلُ تَحتَ فُروعِها وَيَسيرُ
وَيَغوصُ فيهِ خَيالُها فَيَلفُّهُ / وَيَشِفُّ فَهوَ المُنطَوي المَنثورُ
يَأوي إِذا اِشتَدَّ الهَجيرُ إِلَيهِما / الناسِكانِ الظَبي وَالعُصفورُ
لَهُما سَكينَتُها وَوارِفُ ظِلِّها / وَالماءُ إِن عَطِشا لَدَيهِ وَفيرُ
أُعجوبَتانِ زَبَرجَدٌ مُتَهَدِّلٌ / نامٍ تَدَفَّقَ تَحتَهُ البَلّورُ
لا الصُبحُ بَينَهُما يَحول وَلا الدُجى / فَكِلاهُما بِكِلَيهِما مَغمورُ
تَتَعاقَبُ الأَيّام وَهيَ نَضيرَةٌ / مُخضَرَّةُ الأَوراق وَهوَ نُمَيرُ
فَالدَهرُ أَجمَعَهُ لَدَيها غِبطَةٌ / وَالدَهرُ أَجمَعَهُ لَدَيهِ حُبورُ
فَتَبَسَّمَت وَبَدا الرِضى في وَجهِها / إِذ راقَها التَمثيل وَالصَويرُ
عالَجتُها بِالوَهمِ فَهيَ قَريرَةٌ / وَلَكَم أَفادَ الموجَعَ التَخديرُ
ثُمَّ اِفتَرَقنا ضاحِكَينِ إِلى غَدٍ / وَالشُهبُ تَهمِسُ فَوقَنا وَتُشيرُ
هِيَ كَالمُسافِرِ آبَ بَعدَ مَشَقَّةٍ / وَأَنا كَأَنّي قائِدٌ مَنصورُ
لَكِنَّني لَمّا أَوَيتُ لِمَضجَعي / خَشُنَ الفِراشُ عَلَي وَهوَ وَثيرُ
وَإِذا سِراجي قَد وَهَت وَتَلَجلَجَت / أَنفاسُهُ فَكَأَنَّهُ المَصدورُ
وَأَجَلتُ طَرفي في الكِتابِ فَلاحَ لي / كَالرَسمِ مَطموسا وَفيهِ سُطورُ
وَشَرِبتُ بِنتَ الكَرمِ أَحسَبُ راحَتي / فيها فَطاشَ الظَن وَالتَقديرُ
فَكَأَنَّني فُلكٌ وَهَتَ أَمراسُها / وَالبَحرُ يَطغى حَولَها وَيَثورُ
سَلَبَ الفُؤادَ رَواه وَالجَفنَ الكَرى / هَمٌّ عَرا فَكِلاهُما مَوتورُ
حامَت عَلى روحي الشُكوكُ كَأَنَّها / وَكَأَنَّهُنَّ فَريسَة وَصُقورُ
وَلَقَد لَجَأتُ إِلى الرَجاءِ فَعَقَّني / أَمّا الخَيالُ فَخائِبٌ مَدحورُ
يا لَيلُ أَينَ النورُ إِنّي تائِهٌ / مُر يَنبَثِق أَم لَيسَ عِندَكَ نورُ
أَكَذا نَموت وَتَنقَضي أَحلامُنا / في لَحظَة وَإِلى التُرابِ نَصيرُ
خَيرٌ إِذَن مِنّا الأُلى لَم يولَدوا / وَمِنَ الأَنامِ جَنادِل وَصُخورُ
قالَ الغَديرُ لِنَفسِهِ
قالَ الغَديرُ لِنَفسِهِ / يا لَيتَني نَهرٌ كَبير
مِثلُ الفُراتِ العَذبِ أَو / كَالنيلِ ذي الفَيضِ الغَزير
تَجري السَفائِنُ موقِراتٌ / فيهِ بِالرِزقِ الوَفير
هَيهاتِ يَرضى بِالحَقيرِ / مِنَ المُنى إِلّا الحَقير
وَاِنسابَ نَحوَ النَهرِ لا / يَلوي عَلى المَرجِ النَضير
حَتّى إِذا ما جائَهُ / غَلَبَ الهَديرُ عَلى الخَرير
سَلامٌ عَلَيها طِفلَة وَفَتِيَّةً
سَلامٌ عَلَيها طِفلَة وَفَتِيَّةً / كَزَهرِ الرُبى البَسّامِ باكَرَهُ القَطرُ
كَعابٌ تَلاقى الحُسن وَالفَضلُ عِندَها / كَما يَلتَقي في الصَفحَةِ السَطر وَالسَطرُ
لَها صَولَةُ الأَبطالِ إِن حَمَسَ الوَغى / وَفيها حَياءُ البِكرِ عَمّا بِهِ وَزَرُ
وَفيها مِنَ الشَيخِ الحَكيمِ وَقارُهُ / وَفيها مِنَ الخودِ المَلاحَة وَالطُهرُ
أَلا إِنَّ حُسناً لا يُرافِقُهُ النُهى / وَإِن دامَ يَوماً لا يَدومُ لَهُ قَدَرُ
هِيَ الرَوضُ فيهِ النَبت وَالنَد وَالنَدى / وَفيهِ الشَوادي المُطرِباتُك وَالزَهرُ
هِيَ الشَمسُ تَبدو كُلُّ يَومٍ جَديدَةٍ / يَروحُ بِها لَيل وَيَأتي بِها فَجرٌ
لِكُلِّ فَتاةٍ خِدرُها وَسِوارُها / وَلَكِنَّ هَذي كُلُّ قَلبٍ لَها خِدرُ
يُريدُ سَناها الطَي وَالنَشرَ رَونَقاً / وَيُخلِقُ المُصحَفَ الطَي وَالنَشرُ
أَنيسُ الفَتى إِن غابَ عَنهُ أَنيسُهُ / وَأَنجُمُهُ إِن غابَتِ الأَنجُمُ الزُهرُ
وَسِفرٌ تَلَذُّ المَرءَ مُحتَوَياتُهُ / إِذا لَم يَكُن في البَيتِ ناس وَلا سَفَرُ
إِذا رَضِيَت فَالنورُ في كَلِماتِها / وَإِن غَضِبَت فَهيَ الأَسِنَّة وَالجَمرُ
وَفي كُلِّ حَربٍ يَعقِدُ الحَقُّ فَوقَها / أَكاليلَ نَصرٍ يَشتَهي مِثلَها البَدرُ
وَلا غَرَوَ إِن عَزَّت وَهانَ خُصومُها / فَلِلحَقِّ مَهما جَعجَعَ الباطِلُ النَصرُ
فَكَم مُرجِفٍ أَغراهُ فيها سُكوتُها / فَلَمّا أَهابَت كادَ يَقتُلُهُ الذُعرُ
وَكَم كاشِحٍ غاوٍ أَرادَ بِها الأَذى / ثَنى طَرفَهُ عَنها وَفي نَفسِهِ الضُرُّ
لَها في رُبوعِ الشَرقِ جَيشٌ عَرَمرَمٌ / وَأَعوانُها في الغَربِ لَيسَ لَهُم حَصرُ
وَلَو كانَ في المَرِّخِ أَرض وَأُمَّةٌ / لَكانَ لَها في أَرضِهِ عَسكَرٌ مَجرُ
لِتَسحَبَ ذُيولَ الفَخرِ تيهاً فَوَحدَها / يَحُقُّ لَها مِن بَينِ أَترابِها الفَخرُ
وَلا غَرَوَ إِن أَهدى لَها الشِعرُ وَحيَهُ / فَيا طالَما سارَت وَسارَ بِها الشِعرُ
وَلا غَرَوَ إِن صُغنا لَها النَثرَ حِلَيَةً / فَفي عُنُقُ الحَسناءِ يُستَحسَنُ الدُرُّ
وَإِن يَكُنِ الأَحرارِ مِن نُصَرائِها / فَكَم نَصَرَ الأَحرارَ صاحِبُها الحُرُّ
أَديبٌ عَفيفٌ قَلبُه وَيَراعُهُ / بَغيضٌ إِلَيهِ الطَيش وَالفيش وَالهَجرُ
ثَمان وَعَشر وَهُوَ يَخدُمُ قَومَهُ / أَلا حَبَّذا تِلكَ الثَمانِي وَالعَشرُ
فَفي العُسرِ لَم يَجهَر بِشَكوى لِسانُهُ / وَفي اليُسرِ لَم يَلعَب بِأَعطافِهِ الكِبَرُ
وَشَرُّ المَزايا أَن يُصيبَكَ حادِثٌ / وَتَجهَرَ بِالشَكوى وَفي وُسعِكَ الصَبرُ
أَهَذا كَمَن يُمسي وَيُضحي مُعَربِداً / وَقُدّامُهُ طَبل وَمِن خَلفِهِ زَمرُ
أَهَذا كَمُغتابٍ يَروح وَيَغتَدي / وَفي نُطقِهِ شَر وَفي صَمتِهِ شَرُّ
أَهَذا كَمَفطورٍ عَلى الشَر وَالأَذى / أَحاديثُهُ نُكر وَأَعمالُهُ نُكرُ
أَهَذا كَأَفعى هَمُّها نَفثُ سُمِّها / وَنَهشُ الَّذي تَلقى وَلَو أَنَّهُ صَخرُ
كَمَن يَمشي إِلى الوِزرِ عامِداً / وَيَضحَكُ مُختالاً إِذا مَسَّهُ الوِزرُ
أَهَذا الَّذي قَد حارَبَ المَكرَ جَهدَهُ / كَمَن شابَ فَوداه وَدَيدَنَهُ المَكرُ
إِذا الدَهرُ لَم يَعرِف لِكُلِّ مَكانَهُ / إِذَن قُل لِأَهلِ الدَهرِ قَد فَسَدَ الدَهرُ
آهٍ مِنَ الحُبِّ كُلُّهُ عِبَرُ
آهٍ مِنَ الحُبِّ كُلُّهُ عِبَرُ / عِندِيَ مِنهُ الدُموع وَالسَهَرُ
وَوَيحَ صَرعى الغَرامِ إِنَّهُمُ / مَوتى وَما كُفِّنوا وَلا قُبِروا
يَمشونَ في الأَرضِ لَيسَ يَأخُذُهُم / زَهو وَلا في خُدودِهِم صَعَرُ
لَو وَلَجَ الناسُ في سَرائِرِهِم / هانَت وَرَبّي عَلَيهِم سَقَرُ
ما خَفَروا ذِمَّة وَلا نَكَثوا / عَهدا وَلا مَلَأو وَلا غَدَروا
قَد حَمَلوا الهونَ غَيرَ ما سَأَمٍ / لَولا الهَوى لِلهَوانِ ما صَبَروا
لَم يُبقِ مِنّي الضَنى سِوى شَبَحٍ / يَكادُ لَولا الرَجاءُ يَندَثِرُ
أُمسي وِسادي مُشابِهاً كَبِدي / كِلاهُما النارُ فيهِ تَستَعِرُ
أَكُلُّ صَبٍّ يا لَيلُ مَضجَعُهُ / مِثلِيَ فيهِ القَتاد وَالإِبَرُ
لَعَلَّ طَيفاً مِن هِندَ يَطرُقُني / فَعِندَ هِندٍ عَن شِقوَتي خَبَرُ
ما بالُ هِندٍ عَلَيَّ غاضِبَةً / ما شابَ فودي وَلَيسَ بي كِبَرُ
ما زِلتُ غَضَّ الشَبابِ لا وَهَنٌ / يا هِندُ في عَزمَتي وَلا خُوَرُ
لا دَرَّ دَرُّ الوُشاةِ قَد حَلَفوا / أَن يُفسِدوا بَينَنا وَقَد قَدَروا
واهاً لِأَيّامِنا أَراجِعَةٌ / فَاِنَّهُنَّ الحُجول وَالغُرَرُ
أَيّامَ لا الدَهرُ قابِضٌ يَدَهُ / عَنّي وَلا هِندُ قَلبُها حَجَرُ
لَم أَنسَ لَيلاً سَهرَتَهُ مَعَها / تَحنو عَلَينا الأَفنان وَالشَجَرُ
غَفَرتُ ذَنبَ النَوى بِزَورَتِها / ذَنبُ النَوى بَِلِّقاءِ يُغتَفَرُ
بِتنا عَنِ الراصِدينَ يَكتُمُنا / الأَسوَدانِ الظَلم وَالشَعَرُ
ثَلاثَةٌ لِلسُرورِ ما رَقَدوا / أَنا وَأُختُ المَهاة وَالقَمَرُ
فَما لِهَذي النُجومِ ساهِيَةً / تَرنو إِلَينا كَأَنَّها نُذُرُ
إِن كانَ صُبحُ الجَبينِ رَوَّعَها / فَإِنَّ لَيلَ الشُعورِ مُعتَكِرُ
أَوِ اِنتِظامُ العُقودِ أَغضَبَها / فَإِنَّ دُرَّ الكَلامِ مُنتَثِرُ
وَما لِتِلكَ الغُصونِ مُطرِقَةً / كَأَنَّها لِلسَلمِ تَختَصِرُ
تَبكي كَأَنَّ الزَمانَ أَرهَقَها / عُسرا وَلَكِن دُموعُها الثَمَرُ
طَوراً عَلى الأَرضِ تَنثَني مَرَحاً / وَتارَةً في الفَضاءِ تَشتَجِرُ
فَأَجفَلَت هِندُ عِندَ رُؤيَتِها / وَقَد تَروعُ الجَآذِرَ الصُوَرُ
هَيفاءُ لَو لَم تَلِن مَعاطِفُها / عِندَ التَثَنّي خَشّيتُ تَنكَسِرُ
مِنَ اللَواتي وَلا شَبيهَ لَها / يَزينُهُنَّ الدَلال وَالخَفَرُ
في كُلِّ عُضو وَكُلِّ جارِحَةٍ / مَعنىً جَديدٌ لِلحُسنِ مُبتَكَرُ
تَبيتُ زُهرُ النُجومِ تامِعَةً / لَو أَنَّها فَوقَ نَحرِها دُرَرُ
رَخيمَةُ الصَوتِ إِن شَدَت لَفَتَت / لَها الدَراري وَأَنصَتَ السَحَرُ
أَبُثُّها الوَجد وَهيَ لاهِيَةٌ / أَذهَلَها الحُبُّ فَهيَ تَفتَكِرُ
يا هِندُ كَم ذا الأَنامُ تَعذُلُنا / وَما أَثِمنا وَلا بِنا وَزَرُ
فَاِبتَدَرَت هِند وَهيَ ضاحِكَةٌ / ماذا عَلَينا وَإِن هُمُ كَثُروا
فَدَتكَ نَفسي لَو أَنَّهُمُ عَقَلَوا / وَاِستَشعَروا الحُبَّ مِثلَنا عَذَروا
ما جَحِدَ الحُبَّ غَيرَ جاهِلِهِ / أَيَجحَدُ الشَمسَ مَن لَهُ بَصَرُ
ذَرهُم وَإِن أَجلَبوا وَإِن صَخَبوا / وَلا تَلُمهُم فَما هُمُ بَشَرُ
سِرنا الهُوَيناءَ ما بِنا تَعَبٌ / وَقَد سَكَتنا وَما بِنا حَصَرُ
لَكِنَّ فَرطَ الهِيامِ أَسكَرَنا / وَقَبلَنا العاشِقونَ كَم سَكَروا
فَقُل لِمَن يُكثِرُ الظُنونَ بِنا / ما كانَ إِلّا الحَديث وَالنَظَرُ
حَتّى رَأَيتُ النُجومَ آفِلَةً / وَكادَ قَلبُ الظَلامِ يَنفَطِرُ
وَدَّعتُها وَالفُؤادُ مُضطَرِبٌ / أُكَفكِفُ الدمَع وَهوَ يَنهَمِرُ
وَوَدَّعَتني وَمِن مَحاجِرِها / فَوقَ العَقيقِ الجُمانُ يَنحَدِرُ
قَد أَضحَكَ الدَهرَ ما بَكيتُ لَهُ / كَأَنَّما البَينُ عِندَهُ وَطَرُ
كانَت لَيالِيَّ ما بِها كَدَرٌ / وَالآنَ أَمسَت وَكُلُّها كَدَرُ
إِن نَفِدَ الدَمعُ مِن تَذَكُّرِها / فَجادَها بَعدَ أَدمُعي المَطَرُ
عَسى اللَيالِيَ تَدري جِنايَتَها / عَلى قَتيلِ الهَوى فَتَعتَذِرُ
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ / سَكَتَ الشادي وَبُحَّ الوَتَرُ
فَجأَة وَاِنقَلَبَ العُرسُ إِلى / مَأتَمٍ ماذا جَرى ما الخَبَرُ
ماجَتِ الدارُ بِمَن فيها كَما / ماجَ نَهرٌ ثائِرٌ مُنكَدِرُ
كُلُّهُم نُستَفسِرٌ صاحِبَهُ / كُلُّهُم يُؤذيهِ مَن يَستَفسِرُ
هَمَسَ المَوتُ بِهِم هَمسَتَهُ / إِنَّ هَمسَ المَوتِ ريحٌ صَرصَرُ
فَإِذا الحَيرَةُ في أَحداقِهِم / كَيفَما مالوا وَأَنّى نَظَروا
عَلِموا يا لَيتَهُم ما عَلِموا / أَنَّ دُنيا مِن رُأىً تُحتَضَرُ
وَالَّذي أَطرَبَهُم عَن قُدرَةٍ / باتَ لا يَقوى وَلا يَقتَدِرُ
يَبِسَ الضِحكُ عَلى أَفواهِهِم / فَهوَ كَالسُخر وَإِن لَم يَسخَروا
وَإِذا الآسي يَدٌ مَذولَةٌ / وَمُحَيّا اليَأسُ فيهِ أَصفَرُ
شاعَ في الدارِ الأَسى حَتّى شَكَت / أَرضَها وَطَأَته وَالجَدرُ
فَعَلى الأَضواءِ مِنهُ فَترَةٌ / وَعَلى الأَلوانِ مِنهُ أَثَرُ
وَالقَناني صُوَرٌ باهِتَةٌ / وَالأَغاني عالَمٌ مُندَثِرُ
الهَنا أُفلِتَ مِن أَيديهِم / وَالأَماني إِنَّها تَنتَحِرُ
ذَبَحَت أَفراحَهُم في لَمحَةٍ / قُوَّةٌ تَجني وَلا تَعتَذِرُ
تَقلَعُ النَبتَ الَّذي تَغرُسُهُ / وَالشَذا فيه وَفيهِ الثَمَرُ
إِعبَثِ ما شِئتِ يا دُنيا بِنا / وَتَحَكَّم ما تَشاءُ يا قَدَرُ
إِن تَكُن زَهراً فَما أَمجَدَنا / أَو نَكُن شَوكاً فَهَذا الخَطَرُ
فَلنَعِش في الأَرضِ زَهراً وَليَطُل / أَجَلُ الشَوكِ الَّذي لا يُزهِرُ
رَحَلَ الشاعِرُ عَن دارِ الأَذى / وَاِنقَضَت مَعَهُ اللَيالي الغُرَرُ
كَم حَوَته وَحَواها مَلِكاً / دَولَةُ الروحِ الَّتي لا تُقهَرُ
عاشَ لا يُنكِرُ إِلّا ذاتَهُ / إِنَّ حُبَّ الذاتِ شَيءٌ مُنكَرُ
شاعِرٌ أَعجَبُ مَعنىً صاغَهُ / لِلبَرايا مَوتُهُ المُبتَكَرُ
الجَمالُ الحَقُّ ما يَعبُدُهُ / وَالجَمالُ الزورُ ما لا يُبصِرُ
وَالحَديثُ الصَفوُ ما يَنشُرُهُ / وَالحَديثُ السوءُ ما يَختَصِرُ
إِنَّهُ كانَ مَلاكاً بَشَراً / فَمَضى عَنّا المَلاكُ البَشَرُ
وَنُفوسُ الخَلقِ إِمّا طينَةٌ / لا سَنا فيها وَإِمّا جَوهَرُ
يا رَفيقي ما بَلَغتَ المُنتَهى / لَيسَتِ الحَدَّ الأَخيرَ الحُفَرُ
فَاِعبُرِ النَهرَ إِلى ذاكَ الحِمى / حَيثُ جُبرانُ العَميدُ الأَكبَرُ
وَرَشيدٌ نَغمَةٌ شادِيَةٌ / وَنَسيبٌ نَغَمٌ مُستَبشِرُ
وَجَميلٌ فِكرَةٌ هائِمَةٌ / وَأَمينٌ أَمَلٌ مُخضَوضِرُ
قُل لَهُم إِنّا غَدَونا بَعدَهُم / لا حَديثٌ طَيِّبٌ لا سَمَرُ
كَسَماءٍ لَيسَ فيها أَنجُمٌ / أَو كَرَوضٍ لَيسَ فيهِ زَهرُ
كُلُّنا مُنتَظِرٌ ساعَتَهُ / وَالمَصيرُ الحَقُّ ما نَنتَظِرُ
قالوا قَضى موسى فَقُلتُ قَدِ اِنطَوى
قالوا قَضى موسى فَقُلتُ قَدِ اِنطَوى / عَلَم وَأُغمِدَ صارِمٌ بَتّارُ
فَتَشَوَّشَت صُوَرُ المُنى وَتَناثَرَت / كَالزَهرِ بَدَّدَ شَملَها الإِعصارُ
وَكَأَنَّما وَتَرَ الرَدى كُلَّ اِمرِئٍ / لَمّا تَوَلّى ذَلِكَ الجَبّارُ
جَزِعَت لِمَصرَعِهِ البِلادُ كَأَنَّما / قَد غابَ عَنها جَحفَلٌ جَرّارُ
وَبَكَت فِلسطينُ بِهِ قَيدومَها / إِنَّ الرَزايا بِالكِبارِ كِبارُ
لَمّا نَعوهُ نَعَوا إِلَينا سَيِّداً / شَرُفَت خَلائِقُه وَطابَ نِجارُ
لَبِسَ الصِبا وَنَضاهُ غَيرَ مُدَنَّسٍ / كَالنَجمِ لَم تَعلَق بِهِ الأَوضارُ
وَمَشى المَشيبُ بِرَأسِهِ فَإِذا بِهِ / كَالحَقلِ فيهِ الزَهر وَالأَثمارُ
وَتَطاوَلَت أَعوامُهُ فَإِذا بِهِ / كَالطَودِ فيهِ صَلابَة وَوَقارُ
تَرتَدُّ عَنهُ العاصِفاتُ كَليلَةً / وَيَزُلُّ عَنهُ العارِضُ المِدرارُ
أوذي فَلَم يَجزَع وَضيمَ فَلَم يَهِن / إِنَّ الكَريمَ عَلى الأَذى صَبّارُ
صَقَلَت مُكافَحَةُ الشَدائِدِ نَفسُهُ / وَالرَوضُ تَجلو حُسنُهُ الأَمطارُ
فَلَهُ مِنَ الشَيخِ الأَصالَة وَالفَتى / إِقدامُهُ إِذ لِلفَتى أَوطارُ
يَتَهَيَّبُ الفُجّارُ صِدقَ يَقينِهِ / وَبِرَأيِهِ يَستَرشِدُ الأَحرارُ
ما زالَ يَزأَرُ دونَ ذَيّاكَ الحِمى / كَاللَيثِ ريعَ فَما لَهُ اِستِقرارُ
وَيُجَشِّمُ النَفسَ المَخاطِرَ هادِئً / كَيلا تُلِمَّ بِقَومِهِ الأَخطارُ
حَتّى اِستَقَرَّ بِهِ الرَدى في حُفرَةٍ / وَخَلا لِغَيرِ جَوادِهِ المِضمارُ
فَاِعجَب لِمَن مَلَأَ المَسامِعَ ذِكرُهُ / تَطويهِ في عَرضِ الثَرى أَشبارُ
أَيّارُ مَذكورٌ بِحُسنِ صَنيعِهِ / وَلَئِن تَوَلّى وَاِنقَضى أَيّارُ
فَاِخدِم بِلادَكَ مِثلُ موسى كاظِمٍ / تُسبِغ عَلَيكَ ثَنائَها الأَمصارُ
إِنَّ السِنينَ كَثيرُها كَقَليلِها / إِن لَم تَزِن صَفَحاتِها الآثارُ
فَاِصرِف عَنانَكَ في الشَباِ إِلى العُلى / بُردُ الشَبيبَةِ كَالجَمالِ مُعارُ
لا تَقعِدَنَّ عَنِ الجِهادِ إِلى غَدٍ / فَلَقَد يَجيءُ غَد وَأَنتَ غُبارُ
ماذا يُفيدُكَ أَن يَكونَ لَكَ الثَرى / وَلِغَيرِكَ الآصال وَالأَسحارُ
مَن لَيسَ يَفتَحُ لِلنَهارِ جُفونَهُ / هَيهاتِ يُكَحِّلُ مُقلَتَيهِ نَهارُ
وَاِحبِب بِلادَكَ مِثلُ موسى كاظِمٍ / حُبّاً بِهِ الإِخلاص وَالإيثارُ
تَضفَر لِرَأسِكَ مِن أَزاهِرِها الرُبى / تاجا وَتَهتُفُ بِاِسمِكَ الأَغوارُ
إِيّاكَ تَرمَقُها بِمُقلَةِ تاجِرٍ / إِن اِتِّجارَكَ بِالمَواطِنُ عارُ
وَدَعِ المُنافِقَ لا تَثِق بِعُهودِهِ / وَطَنُ المُنافِقِ فَضَّة وَنُضارُ
مُتَرَجرِجُ الأَخلاقِ أَصدَقُ وَعدِهِ / آل وَخَيرُ هِباتِهِ الأَعذارُ
يَدنو إِلَيكَ بِوَجهِهِ مُتَوَدِّداً / وَفُؤادُهُ بِكَ هازِئٌ سَخّارُ
هُوَ حينَ يَجري مَع هَواهُ خائِنٌ / وَإِذا سَمَت أَخلاقُهُ سِمسارُ
كَم مَعشَرٍ خِلناهُمُ أَنصارَنا / فَإِذا هُمُ لِعُداتِنا أَنصارُ
رَقَدَ العِدى فَتَحَمَّسوا حَتّى إِذا / جَدَّ الوَغى رَكِبوا العُقاب وَطاروا
شَرٌّ مِنَ الخَصمِ اللَدودِ عَلى الفَتى / الصاحِبُ المُتَذَبذِبُ الخُوّارُ
وَحَذارِ أَشراكَ السِياسَةِ إِنَّها / بِنتٌ أَبوها الزِئبَقُ الفَرّارُ
فيها مِنَ الرَقطاءِ ناقِعُ سُمِّها / وَلَها نُيوبُ الذِئب وَالأَظفارُ
تَرِدُ المَناهِل وَهيَ ماءٌ سائِغٌ / وَتَعودُ عَنها وَالمَناهِلُ نارُ
الكَذِب وَالتَمويهُ خَيرُ صِفاتِها / وَشِعارُها أَن لا يَدومَ شِعارُ
لا تَطلُبَنَّ مِنَ السِياسَةِ رَحمَةً / هِيَ حَيثُ طُلَّ دَم وَحَلَّ دَمارُ
الصَيدُ غَيرَكَ إِن سَهِرَت دَإِن تَنَم / فَالصَيدُ أَنت وَلَحمُكَ المُختارُ
يا قَومَنا إِنَّ العَدُوَّ بِبابِكُم / بِئسَ المُغيرِ عَلى البِلادِ الجارُ
وَلَهُ بِأَرضِكُم طَماعَة أَشعَبٍ / وَرَواغَه وَلِكَيدِهِ اِستِمرارُ
لا تَرقُدوا عَنهُ فَلَيسَ بِراقِدٍ / أَفَتَهجَعون وَقَد طَمى التَيّارُ
إِنَّ الطُيورَ تَذودُ عَن أَوكارِها / أَتَكونُ أَعقَلَ مِنكُمُ الأَتيارُ
سيروا عَلى آثارِ موسى وَاِعمَلوا / إِن شِئتُمُ أَن لا تَضيعَ دِيارُ
زوروا ثَراه وَاِستَمِدّوا قُوَّةً / مِنهُ فَكَم أَحيا الهَوى التَذكارُ
قَبرٌ يَفوحُ الطيبُ مِن جَنَباتِهِ / قَبرُ الكَريمِ خَميلَةٌ مِعطارُ
فَإِذا تَمُرُّ عَلَيهِ يَوماً نَسمَةٌ / أَرَجَت كَأَنَّ حِجارَهُ أَزهارُ
وَقَفتُ ضُحىً في شاطِئِ النيلِ وَقفَةً
وَقَفتُ ضُحىً في شاطِئِ النيلِ وَقفَةً / يَضُنُّ بِها إِلّا عَلى النيلِ شاعِرُه
تَهَلَّلَ حَتّى كادَ يَبدو ضَميرُهُ / وَعَبَّسَ حَتّى كادَ يُشَكِّلُ ظاهِرُه
فَثَمَّ جَلالٌ يَملَءُ النَفسَ هَيبَةً / وَثَمَّ جَلالٌ يَملَءُ العَينَ باهِرُه
فَطَوراً أُجيلُ الطَرفَ في صَفَحاتِهِ / وَطَوراً أُجيلُ الطَرفَ فيما يُجاوِرُه
وَأَلحَظُ شَمسَ الأُفق وَهيَ مُطِلَّةٌ / تُسايِرُ فيها ظِلَّها إِذ تُسايِرُه
فَأَحسَبُها فيهِ تُساهِمُني الهَوى / وَتَحسَبُني فيها الغَرامُ أُشاطِرُه
إِذا هِيَ أَلقَت في حَواشيهِ نورَها / رَأى التِبرَ يَجري في حَواشيهِ ناظِرُه
أَطالَت بِهِ التَحديق حَتّى كَأَنَّما / تُحاوِلُ مِنهُ أَن تَبينَ سَرائِرُه
فَيا لَهُما إِلفَينِ باتا بِمَعزِلٍ / يُخامِرُها مِن حُبِّهِ ما يُخامِرُه
يَروحُ النَسيمُ الرَطبُ في جَنَباتِهِ / يُداعِبُهُ طَورا وَطَوراً يُحاوِرُه
وَتَقبُضُ مِن مَبسوطِهِ نَفَحاتُهُ / كَما قَبَضَ الثَوبَ المُطَرَّزَ ناشِرُه
فَيَصدُفُ عَنه وَهوَ داجٍ مُقَطَّبٌ / كَأَنَّ عَدُوّاً بِالنَسيمِ يُحاذِرُه
كَأَنّي بِهِ سِفرٌ تَدانَت سُطورُهُ / أَوائِلُهُ قَد شُكِّلَت وَأَواخِرُه
إِذا ما جَلا لِلناظِرينَ رُموزَهُ / تَجَلّى لَهُم ماضي الزَمان وَحاضِرُه
أَيا نيلُ نَبِّئني أَحاديثَ مَن مَضَوا / لَعَلَّ شِفاءَ النَفسِ ما أَنتَ ذاكِرُه
حَيالَكَ صَبٌّ بِالخُطوبِ مُهَدَّدٌ / جَوانِحُهُ رَهنُ الهُموم وَخاطِرُه
أَطاعَ شُجوناً لَو أَطاعَ فُؤادَهُ / عَلَيها لَفاضَت بِالنَجيعِ مَحاجِرُه
يَحُثُّ إِلَيَّ الدَهرُ كُلَّ رَزيأَةٍ / عَلى عَجَلٍ حَتّى كَأَنِّيَ واتِرُه
وَما أَنا بِالعَبدِ الَّذي يَرهَبُ العَصا / وَلَكِنَّني حُرٌّ تَروعُ بَوادِرُه
أَيا نيلُ فَاِمنَحني عَلى الحَقِّ قُوَّةً / فَما سَوَّدَ الضِرغامُ إِلّا أَظافِرُه
وَهَبنِيَ بَأساً يَسكُنُ الدَهرُ عِندَهُ / فَقَد طالَما جاشَت عَلَيَّ مَناخِرُه
إِذا لَم تَكُن عَونَ الشَجِيِّ عَلى الأَسى / فَخاذِلُهُ فيهِ سَواء وَناصِرُه
قِني البَأس وَاِمنَع شَعبَكَ الضَعفَ يَتَّقي / وَيُنصِفُهُ مِن حُسّادِهِ مَن يُناكِرُه
هُوَ الدَهرُ مِن ضِدَّينِ ذَل وَعِزَّةً / فَمَن ذَلَّ شاكيه وَمَن عَزَّ شاكِرُه
وَلِلقادِرِ الماضي العَزيمَةِ حُلوُهُ / وَلِلعاجِزِ الواهي الشَكيمَةِ حازِرُه
وَما الناسُ إِلّا القادِرونَ عَلى العُلى / وَلَيسَت صُنوفُ الطَيرِ إِلّا كَواسِرُه
أَلَ تَرَ مُنذُ اِستُلينَت قَناتُهُ / تَمَشَّت إِلَيهِ الحادِثاتُ تُساوِرُه
فَأُرهِقَ حَتّى ما يَبينُ كَلامُهُ / وَقُيِّدَ حَتّى لَيسَ تَسري خَواطِرُه
وَلَو مَلَكوا الأَقدارَ اِستَغفَرَ الَّذي / لَهُ المُلكُ يُؤتيهِ الَّذي هُوَ آثِرُه
لَما تَرَكوا شَمسَ النَهارِ يَزورُهُ / سَناها وَلا زَهرُ النُجومِ تُسامِرُه
يُريدونَ أَن يَبقى وَيَذهَبُ مَجدُهُ / وَكَيفَ بَقاءُ الشَعبِ بادَت مَآثِرُهُ
فَغورِسَت في مِصرَ يُسَدِّدُ سَهمَهُ / إِلَيه وَقَنّاصُ الوُحوشِ يُضافِرُه
يَلِجّونَ في إِعناتِهِ فَإِذا شَكا / يَصيحونَ أَنَّ الشَعبَ قَد ثارَ ثائِرُه
لَقَد هَزَأوا لَمّا تَنَبَّهَ بَعضُهُ / فَلِم ذُعِروا لَمّا تَنَبَّهَ سائِرُه
يَقولونَ جانٍ لا يَحُلُّ فِكاكَهُ / وَلَو أَنصَفوهُ حَمَلَ الإِثمَ أَسرُه
عَجِبتُ لِقَومٍ يُنكِرونَ شُعورَهُ / وَهاتا مَجاليه وَتِلكَ مَظاهِرُه
أَلَم يَكُ في يَومِ القَناةِ ثَباتُهُ / دَليلاً عَلى أَن لَيسَ توهى مَرائِرُه
يَعُزُّ عَلى المَصرِيِّ أَن يَحمِلَ الأَذى / وَحاضِرُهُ يَأبى الهَوان وَغابِرُه
لَئِن تَكُ لِلتاريخ وَاللَهِ زينَةٌ / فَما زينَةُ التاريخِ إِلّا مَفاخِرُه
رَعى اللَهُ مِن أَبنائِهِ مَن يَذودُ عَن / حِماه وَمِن أَضيافِهِ مَن يُظاهِرُه
هُم بَعَثوا فِيَّ الحَياةَ جَديدَةً / فَشُدتُ أَواخيه وَعَزَّت أَواصِرُه
وَهُم أَسمَعوا الأَيّامَ صَوتاً كَأَنَّما / هُوَ الرَعدُ تَدوي في السَماءِ زَماجِرُه
وَهُم أَطلَقوا أَقلامَهُم حينَ أَصبَحَت / مُكَبَّلَةً أَقلامُه وَمَحابِرُه
كَذَلِكَ إِن يَعدَم أَخو الظُلمِ ناصِراً / فَلَن يَعدُمَ المَظلومُ حُراً يُناصِرُه
وَتينَةٍ غَضَّةِ الأَفنانِ باسِقَةٍ
وَتينَةٍ غَضَّةِ الأَفنانِ باسِقَةٍ / قالَت لِأَترابِها وَالصَيفُ يَحتَضِرُ
بِئسَ القَضاءُ الَّذي في الأَرضِ أَوجَدَني / عِندي الجَمال وَغَيري عِندَهُ النَظَرُ
لَأَحبِسَنَّ عَلى نَفسي عَوارِفَها / فَلا يَبينُ لَها في غَيرِها أَثَرُ
كَم ذا أُكَلِّفُ نَفسي فَوقَ طاقَتِها / وَلَيسَ لي بَل لِغَيري الفَيء وَالثَمَرُ
لِذي الجَناح وَذي الأَظفارِ بي وَطَرٌ / وَلَيسَ في العَيشِ لي فيما أَرى وَطَرُ
إِنّي مُفَصِلَةٌ ظِلّي عَلى جَسَدي / فَلا يَكونُ بِهِ طول وَلا قِصَرُ
وَلَستُ مُثمِرَةً إِلّا عَلى ثِقَةٍ / أَن لَيسَ يَطرُقُني طَيرٌ وَلا بَشَرُ
عادَ الرَبيعُ إِلى الدُنيا بِمَوكِبِهِ / فَاِزَّينَت وَاِكتَسَت بِالسُندُس وَالشَجَرُ
وَظَلَّتِ التينَةُ الحَمقاءُ عارِيَةً / كَأَنَّها وَتَدٌ في الأَرضِ أَو حَجَرُ
وَلَم يُطِق صاحِبُ البُستانِ رُؤيَتَها / فَاِجتَثَّها فَهَوَت في النارِ تَستَعِرُ
مَن لَيسَ يَسخو بِما تَسخو الحَياةُ بِهِ / فَإِنَّهُ أَحمَقٌ بِالحِرصِ يَنتَحِرُ
إِن كانَ ذَنبي دِفاعي عَن حُقوقِكُم
إِن كانَ ذَنبي دِفاعي عَن حُقوقِكُم / فَلَستُ أَدري وَرَبّي كَيفَ أَعتَذِرُ
أُعيذُكُم أَن يَقولَ الناسُ قَد مَدَحوا / فَما أَثابوا عَلى قَول وَلا شَكَروا
هَيهاتَ بَعدَكَ ما يُفيدُ تَصَبُّرُ
هَيهاتَ بَعدَكَ ما يُفيدُ تَصَبُّرُ / وَلَئِن أَفادَ فَأَيُّ قَلبٍ يَصبِرُ
إِنَّ البُكاءَ مِنَ الرِجالِ مُذَمَّمٌ / إِلّا عَلَيكَ فَتَركُهُ لا يُشكَرُ
لَو كانَ لي قَلبٌ لَقُلتُ لَهُ اِرعَوي / إِنّي بِلا قَلبٍ فَإِنّي أَزجُرُ
لازَمتُ قَبرَك وَالبُكاءُ مُلازِمي / وَاللَيلُ داج وَالكَواكِبُ سُهَّرُ
أَبكي عَلَيكَ بِأَدمُعٍ هَطّالَةٍ / وَلَقَد يَقلُ لَكَ النَجيعُ الأَحمَرُ
وَوَدِدتُ مِن شَجوي عَلَيك وَحَسرَتي / لَو اِنَّ لَحدَكَ في فُؤادي يُحفَرُ
إِنّي لَأَعجَبُ كَيفَ يَعلوكَ الثَرى / أَنّى ثَوى تَحتَ الرُغامِ النَيِّرُ
أَمسَيتُ مُستَتِراً بِهِ لَكِنَّما / آثارُ جودِكَ فَوقَهُ لا تُستَرُ
مَرِضَ النَدى لَمّا مَرِضت وَكادَ أَن / يَقضي مِنَ اليَأسِ المُلِمُّ المُعسِرُ
يَرجوكَ أَنَّكَ جابِرٌ كَسرَهُ / فَإِذا فُقِدتَ فَكَسرُهُ لا يُجبَرُ
وَعَلَت عَلى تِلكَ الوُجوهِ سَحابَةٌ / كَدراءُ لا تَصفو وَلا تُستَمطَرُ
كَم حاوَلوا كَتمَ الأَسى لَكِنَّهُ / قَد كانَ يَختَرِقُ الجُسومَ فَيَظهَرُ
حامَت حَوالَيكَ الجُموعُ كَأَنَّما / تَبغي وَقاءَ الشَرقِ مِمّا يُحذَرُ
وَالكُلُّ يَسأَلُ كَيفَ حالُ إِمامِنا / ماذا رَأى حُكَماأُنا ما أَخبَروا
وَالداءُ يَقوى ثُمَّ يَضعُفُ تارَةً / فَكَأَنَّهُ يَبلو القُلوب وَيَسبِرُ
أَورَدَتهُ عَذباً فَأَورَدَكَ الرَدى / تَبَّت يَداهُ فَذَنبُهُ لا يُغفَرُ
هَيهاتِ ما يَثني المَنِيَّةَ جَحفَلٌ / عَمَّن تَأُم وَلا يُفيدُ العَسكَرُ
رَصَدَ الرَدى أَرواحَنا حَتّى لَقَد / كِدنا نُعَزّي المَرءَ قَبلُ يُصَوِّرُ
نَهوى الحَياةَ كَأَنَّما هِيَ نِعمَةٌ / وَسِوى افَواجِعِ حُبُّها لا يُثمِرُ
وَنَظَنُّ ضِحكَ الدَهرِ فاتِحَةَ الرِضى / وَالدَهرُ يَهزَءُ بِالأَنام وَيَسخَرُ
أَفَقيدَ أَرضِ النيلِ أُقسِمُ لَو دَرى / بِالخَطبِ أَوشَكَ مائُهُ يَتَعَسَرُ
وَضَعوكَ في بَطنِ التُراب وَما عَهِد / تُ البَحرَ قَلبَكَ في الصَفائِحِ يَذخَرُ
وَرَأَوا جَلالَكَ في الضَريحِ فَكُلُّهُم / يَهوى وَيَرجو لَو مَكانَكَ يُقبَرُ
لَم تَخلُ مِن أَسَفٍ عَلَيكَ حَشاشَةٌ / أَبَداً فَيَخلو مِن دُموعٍ مِحجَرُ
آبو وَما آبَ العَزاءُ إِلَيهِمُ / وَالحُزنُ يُنظَم وَالمَدامِعُ يَنشُرُ
وَالكُلُّ كَيفَ يَكونُ حالُ بِلادِهِم / مِن بَعدِ ما ماتَ الإِمامُ يُفَكِّرُ
لَم يَبلِنا هَذا الزَمانُ بِفَقدِهِ / لَو كانَ مِمَن بِالرَزِيَّةِ يَشعُرُ
لِمَن يَضوعُ العَبيرُ
لِمَن يَضوعُ العَبيرُ / لِمَن تُغَنّي الطُيورُ
لِمَن تُصَفُّ القَناني / لِمَن تُصَبُّ الخُمورُ
وَلا جَمالٌ أَنيقٌ / وَلا شَبابٌ نَضيرُ
بَل مومِياتٌ عَلَيها / أَطالِس وَحَريرُ
راحَت تُقَعقِعُ حَولي / فَكادَ عَقلي يَطيرُ
وَلاذَ قَلبي بِصَدري / كَأَنَهُ عُصفورُ
لاحَت لَهُ في الأَعالي / بَواشِق وَصُقورُ
وَقالَ ضويِقتَ فَاِهرِب / قُلتُ الفَرارُ عَسيرُ
ما لي جَناح وَلا لي / سَيّارَةٌ أَو بَعيرُ
صَبراً فَهَذا بَلاءٌ / مُقَدَّرٌ مَسطورُ
وَرُحتُ أَسأَلُ رَبّي / وَهُوَ اللَطيفُ الخَبيرُ
أَينَ الحِسانُ الصَبايا / إِن كانَ هَذا النُشورُ
لَيتَ الحُضورَ غِيابٌ / وَالغائِبينَ حُضورُ
بَل لَيتَ كُلَّ نَسيجٍ / بَراقِع وَسُتورُ
فَقَد أَضَر وَآذى / عَينَيَّ هَذا السُفورُ
هَذي العُصورُ الخَوالي / تَطوفُ بي وَتَدورُ
مِن كُلِّ شَمطاءَ وَلّى / شَبابُها وَالغُرورُ
كَأَنَّما الفَمُ مِنها / مُقَطَّبٌ مَزرورُ
كيسٌ عَلى غَيرِ شَيءٍ / مِنَ الحِلى مَصرورُ
كَأَنَّما هُوَ جُرحٌ / مَرَّت عَلَيهِ شُهورُ
يا طالِبَ الشَهدِ أَقصِر / لَم يَبقَ إِلّا القَفيرُ
كَأَنَّما الوَجهُ مِنها / قَد عَضَّهُ الزَمهَريرُ
كَالبَدرِ حينَ تَراهُ / يُعينَكَ الناذورُ
تَبدو لِعَينَيكَ فيهِ / بَرازِخ وَبُحورُ
وَأَنجُد وَوِهادٌ / لَكِنَّهُ مَهجورُ
مِثلُ المِسَن وَلَكِن / لا ماءَ فيهِ يَمورُ
ما لِلبَعوضَةِ فيهِ / قوتٌ بَلِ التَضوِرُ
وَلا يُؤَثِّرُ فيهِ / ناب وَلا أُظفورُ
وَلِليَدَينِ اِرتِعاشٌ / وَلِلعِظامِ صَريرُ
أَما العُيونُ فَغارَت / وَلا تَزالُ تَغورُ
مَغاوِرٌ بَل صَحارى / بَل أَكهُفٌ بَل قُبورُ
وَالخَصرُ عَفواً وَ / صَفحاً لَهُنَّ خُصورُ
هُنَّ السَعالى وَلَكِن / سُعالُهُنَّ كَثيرُ
حَديثُهُنَّ اِنتِفاضٌ / وَضِحكُهُنَّ حَريرُ
وَمَشيُهُنَّ اِرتِباكٌ / وَتارَةً تَقديرُ
يَغضَبنَ إِن مالَ ظِلٌّ / وَإِن شَدا شُحرورُ
وَإِن تَهادَت غُصونٌ / وَإِن تَسارى عَبيرُ
وَإِن تَمايَلَ عُشبٌ / وَإِن تَماوَجَ نورُ
فَكُلُّ شَيءٍ قَبيحٌ / وَكُلُّ شَيءٍ حَقيرُ
وَكَيفَ يَفرَحُ قَلبٌ / رَجائُهُ مَدحورُ
ما لِلرَمادِ لَهيبٌ / ما لِلجَليدِ خَريرُ
مِن حَولِهِنَّ الأَقاحي / وَالوَرد وَالمَنثورُ
وَهُنَّ مُكتَإِباتٌ / كَأَنَّهُنَّ صُخورُ
لا يَبتَسِمنَ لِشَيءٍ / أَما لَهُنَّ ثُغورُ
بَلى لَهُنَّ ثُغورٌ / وَإِنَّما لا شُعورُ
كَأَنَّما الحُسنُ في الأَر / ضِ كُلُّهُ تَزويرُ
في فُندُقٍ أَنا فيهِ ضَيفٌ / جَهَنَّمٍ مَحشورُ
وَهَل أَنا فيهِ ضَيفٌ / لِساعَةٍ أَم أَسيرُ
يا لَيتَني لَم أَزُرهُ / وَلَيتَهُ مَهجورُ
فَلَيسَ يَهنَءُ فيهِ / إِلّا الأَصَمُّ الَريرُ
عندي لكم نبأ عجيب شيّق
عندي لكم نبأ عجيب شيّق / سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا / كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا / يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة / و مضت فأكملت الحديث صخوره :
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم / رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة / فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى / و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى / مرخيّة فوق العباب ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامه / و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه / فسها فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى / هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته / و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله / و بشيره و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا / لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما / جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه / و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها / أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر / أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه / أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها / و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه / و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم / و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل / متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره / فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق / و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن / كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى / في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره / و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه / و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد / لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده / أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب / إلّا الذي لك قبلنا تدبيره !