المجموع : 38
تمهل يا قطار علام تجري
تمهل يا قطار علام تجري / وأنت مخلف ينبوع شعري
أتحسب في المدينة أيّ سحر / وهذا الريف ينفث كل سحر
وهذا البحر يملؤه هدير / حنون مشبه همسات فجر
وهاتيك السوائم في إخاء / وأمن ها هنا تلهو تجري
وكل الناس في دعة وبشر / وما عرفوا بمقياس وقدر
بيوتهمو تصان بغير قفل / وصفوهمو يشاع بغير أجر
أتسرع هكذا وتفوت دنيا / تفيض بكل ترحاب وبشر
وفيها الطير صاحب فلسفات / وفيها كاد ينشد كل صخر
وفيها الزهر رمز لم يكيف / خلاف الزهر في أكناف مصر
وفيها تعزف الحشرات شتى / أغاريد الصبابة دون سر
وفيها الأرنب اللاهي حكته / صداقة كلبنا اللاهي لهر
وفيها تنبت الخضر ابتهاجا / إذا أثمارها رفت بسكر
وفيها النور تملؤه المعاني / فتغمر كل وجدان وفكر
وفيها الليل تملؤه الأماني / كواكب لم تحد بأي سير
وفيها الحب ينضر في شباب / وإن هو ثم فات ربيع عمر
أتسرع هكذا عن كل هذا / لعلك أنت تجهل حين تدري
الأخطبوط أراه بدل شكله
الأخطبوط أراه بدل شكله / كمحيطه ولقد يظنّ صخورا
ولسوف يمتصّ الدماء مضحيا / بغريمه ويفوته معصورا
يا للزعامة حين تحسب أنها / تلهو به وتظنه مقهورا
وهو الذي تخذت وصولياته / حيلا لتقتل من ينام غرورا
حين الذين ينافحون لصونها / والماهدين لها أذيقوا الزورا
أو أهملوا مثل النفاية ما لهم / أمل يداعب لو غدا منشورا
يا أيها الزعماء ليس بنافع / إخلاصكم إن لم يكن مبرورا
هل تنكرون الظلم ثم بعهدكم / يبقى الذي عانى لكم منكورا
ويسود فيه الألعبان وكل من / نشر الظلام ومن أمات النورا
إن ترتضوا هذا فحسبي أنني / ابقى بمنفاي السحيق شكورا
هيهات أرضى أن أساوم مرة / في الحق أو أرضى به مدحورا
إن الإساءة من زعيم صالح / قتل المواهب جاحدا مغرورا
مجد البلاد على المدى أحرارها / الماهدون الرائدون عصورا
الملهمون بفكرهم تحريرها / والخالقون لها منى وشعورا
فإذا أهينوا أو أذلّ تراثهم / لم يحي مجد بعدهم مذكورا
بل لطخت صحف الفخار برحمة / تبقى ويحسبها الزمان فجورا
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم / حتى الشجاع غدا بالجبن مسحورا
من علم الصفوة الأبطال غفلتهم / كأنهم ما أعزوا الحق والنورا
كأنهم حالفوا الجبار وأئتمروا / بما أراد وما ردوه مدحورا
ليس الرجال سوى معنى عقيدتهم / فعلا وليسوا حديثا كان مذكورا
اتشمخون بماضيكم وحاضركم / يكاد ينصر في ضعف له الزورا
خذلتمو نخبة الأحرار في عمه / فهل غدا الحر عند الحر منكورا
أتصغرون الألى ضحوا لمبدئكم / وتكبرون اثيما كان مأجورا
الحق أبلج لا تحميه ذبذبة / ومن تخافون إلا العميَ والعورا
والمارقين الألى ساد الطغاة بهم / وكان أوقحهم لهفان مذعورا
أتذعنون لهم شكرا وترضية / من بعد ما دمروا الأخلاق والدورا
وهل نسيتم جنايات لهم قصمت / ظهورنا أم حسبتم وهمكم شورى
من ناصر الإثم والأوهام غايته / أن يستباح وإن عدوه منصورا
جل لصائحكم زهو يصاحبه / وأن يظل برغم الجهل مغرورا
فالشعب ما زال ذاك الشعب في سفه / قد ارتضى أن يظلّ الدهر مأسورا
وأن يصفق للحكام أجمعهم / خيرا وشرا فيبقى الفضل مقبورا
علام تحزن يا قلبي وما فتئت / دنيا الجحود ترد الحر مقهورا
ملء العصور المآسي وهي شاهدة / أن النبوغ ذبيح كان مأسورا
رمضان يا حلو الشمائل
رمضان يا حلو الشمائل / يا سمير الشاعر
يا من تزين بالنجوم / فواتنا كجواهر
يا من تفنّن في ترنّمه / تفنّن ساحر
يا من يعاف الشمس / إيثاراً لنجوى الساهر
يا من تلألأت الموائد فيه / مثل منائر
يا من تبسّط في / ملاهيه تبسّط قاهر
يا من تدفّق بالمواعظ / كالإله الغافر
يا من تعلق بالطهارة / مثل فجر طاهر
يا من أتى كالفصح / بين مدامع وبشائر
يا من يعدّ أخا / الفقير أمام دهر كافر
يا من شأى حلم الصغار / بكل حلم طائر
ماذا ادخرت وما أتيت / به لحظ العاثر
من كل فرد مقعد أو / كل شعب قاصر
صاموا وخير الصوم عن / عبث لهم وصغائر
إن الشعوب كبيرة / ليست عبيد كبائر
لا صام من جعل الصيام / ذريعة للفاجر
لا صام كالتمساح أفطر / في شهية غادر
لا صام من لم يدر / فلسفة الصيام الثائر
المستهين بكل وضع / جائر أو ماكر
الخالق العدل المؤيد / من عديد مآثر
بوركت شهر النور / تغزو الليل دون عساكر
ما بين أعراس / وألعاب ولهو دائر
ومسبحين مرتلين / إلى نهى ومنابر
ونوافح علوية / سارت كشعر سائر
بوركت ولتهنأ بك / الدنيا هناءة شاكر
حتى إذا ما عدت جئت / مع الخميس الظافر
بالحب لا بالسيف فوق / سرائر وبصائر
وفتحت للإسلام كنز مآثر / ومفاخر
واشعت افراحاً مكان / مآتم ومقابر
وفائي للصديق أبي علي
وفائي للصديق أبي علي / وفاء العشب للطل السري
شممت عبير وردك حين سقمي / فأنعشني كوحي من نبي
وما زال الأريج خدين أنفي / وإلف دمي كمعنى عبقري
يواقيت بحمرتها أضاءت / فمن مثلي بميراثي الغنيّ
كأن ضياءها وشذى حلاها / وقد مزجا تفنن جوهري
ولكن تلك أفئدة صغار / كبار في الرموز وفي الرويّ
ترفّ بشعرها فيرف قلبي / مناجاة لها وإلى نجيي
صديقي من خبرت هواه صدقا / كنحلي والرحيق السكري
ومن كانت زيارته شفاء / تناثر في الحديث اللؤلئي
ومن كمّيه في عطف رشيق / وفي أنس عجيب مستحي
يفر العام بعد العام مني / ويزداد اقتراب أبي عليّ
كأن حنانه عوض لعمري / أجل وجزاء تسبيحي التقي
وجافى من محضت له ودادي / كأن الهجر من حظ الوفيّ
وأنت بقيت لي الذخر المرجى / تجمل لي بحبك كل شيء
ولو أني صلبت جزاء صدقي / وددت نهايتي مثل الولي
لكما شكرت تحيّة الزهر
لكما شكرت تحيّة الزهر / في باقة الألوان والعطر
قد حبّبت لي غائبا سقمي / مذ خفّفت من نفحها ألمي
وتحدثت بحنان إنسان / إن غبت لا ييسلو وينساني
قربتها مني فنادتني / ولو أنها قطفت وناجتني
وهي الجريحة بعد ما قصت / ولو أنها في زخرف رصت
لكننا بتجاوب صرنا / صنوين نعرف عمرنا الفنا
شكرتكما شكري وقد فرحت / بلقائنا وشدت بما نفحت
وأنا المترجم عن معانيها / يا ليتني أحكي أغانيها
صرنا كأنا خالدان معا / والكون ينفحنا بما جمعا
ولو أنه خلد لأحلام / كخلود أطياف وأنغام
أغلى الهدايا لحظة الأنس / لطفت كذوب النفس في النفس
حتى الفناء بها له معنى / مستعذب يرضاه من يفنى
فلمن أفاضا الأنس ألوانا / شكرا وشكرا من حنايانا
عصابة من لصوص أمنها خطر
عصابة من لصوص أمنها خطر / قد ضجّ منها وريع الجن والبشر
ما للعروبة لا تمضي وتسحقها / هل نالها الياس أم هل نالها الضجر
أم استنامت إلى وعد تزوّقه / مثل الفقاقيع لا يبقى لها أثر
لا نفع منها وإن غنت بما وعدت / فكل نفع لها في طيه الضرر
صنعاء أو جدة المنهوب جدتها / أو كرخ بغداد أشباه بمن غدروا
معاقل المجد في الماضي قد احتضرت / كأنها لعبة قد ساقها القدر
صم الجلاميد أحنى في مقابرها / ممن أضاعوا حقوق الشعب أو قبروا
والأجنبي على علاته رحم / متى يقاس بهم في شر ما أمروا
ما بين عات وصعلوك بفطرته / ومجرم لم يعد حق ولا وطر
فوضى بها اندثرت أخلاق من غبنوا / ومثلها صارت الثروات تندثر
الفقر والجهل والأمراض قاطبة / باتت كنوزا لهم من بعد ما افتقروا
أبعد هذا نصوغ الشعر في طرب / لمدح حكامهم لو أنهم شعروا
أليس في ضرب أعناق لهم أمل / للمصلحين وفي تدويخهم عبر
أليس في تركهم كالعث مرزئة / عمّت فكم دولة تغنو وتحتضر
لقد نصحت فعدوا النصح لي سفها / وكدت أبكي فعدت اليوم أعتذر
وما انادي سوى الشبان في أمم / لم يبق فيها سواهم بعد مدخر
لعلهم يشعلون النار صاخبة / يوم الحساب فلا تبقي ولا تذر
وعلهم بالدم الغالي لأمتهم / يروون قدوة من ثاروا ومن ثأروا
منبري عالمي وليس بأرض
منبري عالمي وليس بأرض / يستحلّ الطاغوت فيها الدمار
إيه نفسي اليوم ذكرى نزوحي / عن رباها وعن بوار وعار
خنقتني أو حاولت ثم باهت / بأذاتي تلك النفوس الصغار
ما أبالي إلا بإسداء رأيي / وانتشار له واي انتشار
قيدوني وحاصروني وآذو / ني فأقسمت أن أفك الحصار
مثل صقر مكبل هشم القي / د ودوى بصيحة ثم طار
لم يفرق ما بينه وديار / أرهقته إن باعدته الديار
بل أثار الصيحات في كل أرض / فاستقلت بكل أرض شعار
إنني شاعر الكنانة في البع / د وفي القرب كيف كان الجوار
ما ثماني السنين إلا ثوان / من حياتي ومن وجودي المعار
إن عمري جهدي وفكري وإيما / ني وحبي فإن عمري منار
لا زمان ولا مكان يحدان وجو / دي ولا دجى أو نهار
أينما كنت صيحتي صيحة الن / نسر وزأري زئيرة المستثار
وقصيدي الينبوع يرشفه الأح / رار ويروون وهونور ونار
لا تسلني عن مسكني أي دنيا / هي أرضي إذا عداها الصغار
لم أزل بالوفاء والعمل الحي / كأني في مصر أحمي الذمار
بينما الجاحدون فيها سكارى / أو حيارى وينشدون الفخار
مبدئي لن يحول ما بقي الحب / وحبي لمصر حي يثار
وحياتي جميعها في كفاح / ىية لا ينال منها الغبار
أيها الناعقون حولي استريحوا / هزم الليل إذ أطل النهار
أين الربيع سألت عنه فلم أجد
أين الربيع سألت عنه فلم أجد / من رد غير تدفق الأمطار
ولي ولم يحضر فغاب كأنه / قد عاش في الأوهام والأفكار
قالوا هي الذرات حين تفجرت / نثرت نظام الجو أي نثار
فغدا الربيع هو الخريف كأنما / قد جن من مطر ومن غعصار
ومن الرعود تكلمت كمدافع / ذرية وتراشقت بالنار
فتحجبت أطياره وتبرقعت / أزهاره وبكى الغدير الجاري
وبكيت في نفسي كأني فاقد / أهلي وكل مجالس السمار
وغذا أناخ بنا السكون حسبته / ضوضاء من قلق ومن إنذار
أين السماحة والهدوء تآلفا / والأمن فاحتكمت على الأبصار
أين الجمال برقصه وبلهوه / في النور أبدع فاتن الأنوار
أين الصبايا النحل تجمع شهدها / كالصيرفي ونده العطار
أين الأزاهير التي كم سابقت / شغفي فما احتجبت عن الأنظار
أين المروج الحاليات عرائسا / كعرائس الأحلام في آذار
أين العصافير التي لم تكتمل / أعشاشها بالحب والأسرار
ضاعت جميعها كالطيوف إذا هوت / واللحن فوق مقطع الأوتار
إحلم بها يا قلب أو لا فأنسها / فجميع ما وهب الربيع عواري
والعام ما عرف الحياة كأنها / معنى حواه الموت بالإضمار
الجود ترقب من سماحة ميت / ما كان غير تعثر الأقدار
أخرى من السنوات أبدؤها غدا / متهللا كالورد في أيار
إن عقّني وطني القديم فما هوى / حبي لدى الوطن المعز شعاري
أو كان جافاني الربيع فعله / مرآة ما عانيت من تذكار
سأظل عاما ناظرا لوداده / حتى يعود لنا من الأسفار
ولربما يأتي رسول محبة / من مصر بعد تمتع وتواري
فأرى الجنان به نوافح بالهوى / وتفيض عن أشعارها أشعاري
ولي منزل لقّنته سر عزلتي
ولي منزل لقّنته سر عزلتي / فباركها ثم استحال شعارا
ومدّ لفيف الكرم حتى رأيته / ستائر غنّتها الظلال مرارا
وحفت به الأشجار ملء حنوها / تخبئه مهما أطل جهارا
كأن لها فيه كنوزا ثمينة / وليست سوى حبي لهن توارى
فيا مستحم الطير إن تفش سرنا / عذرتك كم طير لديك تبارى
وأيّ خفاء نستطيع وهذه / حليك تعلو في الهواء نثارا
وحان كسوف الشمس لكنما أبى / لها الطير عذرا حين حط وطارا
وراح يعبّ الماء سكران بالهوى / كما عبّ في عيد الربيع سكارى
تنوعت الأحجام من كل صبغة / جواهر أو كالنور رف وثارا
وبعثرت الماء الضحوك للهوها / فردته مجنونا فطار شرارا
فيا شمس غيبي أو أطلي فإننا / نرى ضوءك الوهاج كان معارا
وقد وحدتنا في تصوفنا منى / تفيض ضياء في القلوب ونارا
الجلاء الجلاء رددت الأصداء
الجلاء الجلاء رددت الأصداء / بشرى ويا لها اليوم بشرى
لم يقلها فرد ولا الجيش والشعب / ولكن كل الذي عد مصرا
من ثراها ومن سماها ومن / كل الذي أنبتته فنا وفكرا
في نشيد مثل المزامير / حلو رنح الأنبياء من قبل دهرا
سمعته الآثار فاهتاج فيها / عزة والنخيل فاهتز فخرا
وتهادى النيل الذي كان / من قبل أسيرا إذ أصبح اليوم حرا
والحماة الأبطال من طردوا الهكسوس / أضحى لهم فتوحا ونصرا
وجيوش الكماة من عهد رمسيس / أطلوا مهللين وسكرى
ما رأتهم عين ولكن رأتهم / مهج بالوفاء للأمس حرى
ورأتهم أحلام جيل وجي / رقصت كالضياء لحنا وشرا
والخزامى الحيية التي مثلت / مصر جمالا وعبرت عنه عطرا
أنت بعض منها نزيلة بستاني / فهيا نعيد اليوم جهرا
ذاك دمعي من فرحتي نثرته / مهجتي فارشفيه حبا وشكرا
إن نكن نحن كالغربيين لم / نبرح بإيمانها المخلد أدرى
غمرتنا منها الحياة على / البعد كأن الأثير قد حال غمرا
فانتشينا وكل عيد / سينسى غير عيد لفك أشرى واسرى
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا / فقلت يا قوم جاء الهم والكدر
من ذا سواه خليق أن يؤدبنا / وأن يعلمنا ما الخبر والخبر
وما الجرامر ألغازا وأحجية / والفرق ما بين عمرو قال أو عمر
هيهات هيهات لم يبلغ مكانته / إلا حبيب فكم عزت له سور
ويا له سيدا للخلق نعبده / كأنه الصنم العزى أو الحجر
ولست أنكر أن الدسك زينه / الشمس والرائع والمريخ والقمر
ثلاثة فرحات راح يخلقهم / من بعد ما فرحوا بالموت أوقبروا
يا راحلا وله في ذكرنا أثر / بوركت كم حاضر لم يبقه أثر
إلى مباءة درس أنت تعشقه / ونحن ندرس في قيظ ونحتضر
علم وعلم وأنجب كل نافعة / فليس يخلد إلا العلم والفكر
واسعد بدنياك في بحث وفي كتب / إن كان يسعد من لم ترضه الهذر
ولولي ولولي وصيحي وطيري
ولولي ولولي وصيحي وطيري / وأقرعي وامنعي بعصف مسيري
واكسري الباسقات أو فاخلعيها / كل هذا يرى بقلبي الكسير
أنا مذ جئت هذه الجنة السم / حة ما زلت في عذاب السعير
أمطري يا رياح أو فاسكبي النا / ر فإني ما عدت أخشى مصيري
ليس شكوى الزمان طبعي ولكن / هو سخري من فعل دهر حقير
ما نثير الأوراق يحرمها الدو / ح وقصف الأغصان إلا نظيري
ما سقوط المصباح يتبعه المص / باح إلا كثورتي في ضميري
ما زئير الهبوب حولي سوى وج / دي فأعول يا وجد بين الزئير
ما أبالي من بعد معترك الأح / داث في خاطري جنون المغير
ليلة تنقضي وعاصفة النف / س تناهت بظلمة للأسير
وتراميت فوق سلّم داري / لا أبالي بصرخة للنذير
ومثار الحصى تدفق حولي / كرصاص يئز بين الصفير
ثم لما ولجت داري أبى أه / لي عزاء سوى أمر النكير
إلى الصديق خفاجفي عوالمه
إلى الصديق خفاجفي عوالمه / ما بين شاهق أبحاث وأسفار
أبثّ من لوعتي ما فاض عن كلمي / وإن تحجب في مكنوز إضماري
تجمّعت غصص الدنيا وما فتئت / حربا عليّ وعادتني لإيثاري
فإن أعش في جنان كلها عجب / فإن قلبي بالتعذيب في النار
قد ضيّعت عصبة للنقل مكتبتي / يا عصبة النقل قد خلدت في العار
وضيع النقل رزقا كان لي سندا / كأنما الدهر مشغول بإفقاري
وضيع الهم نزرا كان عافيتي / فما انتفعت بسكان ولا جار
وصار ديني رفيقا لا يفارقني / وكان ودّعه أو كاد إنذاري
وإذ عرضت لبيع كل ما ملكت / يدي خذلت كما قد ضيعوا داري
أنا المعاقب لا ذنب جنيت سوى / بري كأن عظيم الذنب آثاري
ومن عجيب إذا ما الحزن يغمرني / لطمته مثل سباح بتيار
لم أدر هل جن قلبي فثي تفاؤله / أم ما درى خطبه أم أنه الداري
لقد تمرست عمري بالأسى فغدا / مني ومد الأسى عمري لأعمار
لمن أعذب ما جدواي من زمني / وما حياتي ومن يعنيه إكباري
لج المراقب في شطب لأفكاري / ما كان أولاه تثقيفا بأفكاري
إن الخيانة للأوطان أخطرها / حجر على الحق أو إرهاق أحرار
وترك مثلي يعاني في تحرقه / عار على الجيل لا ذنبي ولا عاري
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا / ومن عيشه ذكرى وومن موته ذكرى
صديق الصبا ماذا غنمنا من الصبا / وما غمرنا إلا مغارمنا تترى
ولم يبق فينا منصفا غير ميتة / أتالتك مجدا لا يباع ولا يشرى
سقطت كجنديّ شهيد مماته / حياة لعمري حرة تخلد الفكرا
ومت عزيزا في الدفاع لأمّة / أنابتك عنها في ملماتها الكبرى
إذا سقط الجندي في ساحة الوغى / فأيّ قصيد بعد هذا به يطرى
كأن مماتا ذقت أبلغ حجّة / وأوقع في تفنيد متهم مصرا
ولو أن نارا من بيانك أشعلت / ركاما من الإسعاف خصّ به الأسرى
فيا مدرة الأحرار عمرك كله / خطاب مدو بالحقيقة لا يغرى
فلم تدر معنى الجبن يوما ولا الهوى / ولم ترض يوما في اتباعهما عذرا
ولم تهو للطاغوت يوما مصليا / وكنت لي الخل المدافع والبرا
وأنحى عليّ الصاغرون فزدتني / ولاء وقد كفرت من خص بي الكفرا
وبجّلتني حتى كأنّك تابعي / ولست الذي صالت مواهبه دهرا
سجية نفس حرة ليس تمتري / كذاك النبيل الحر من يكرم الحرا
ومهما اختلفنا كنت ترفع قدرتي / إلى قدرك العالي فتخلق لي قدرا
وما كنت من بالي الخفافيش مرّة / ولا الصقر مجتاحا ولا الجارح النسرا
ولكنما باليت بالحق وحده / ولم تخش دون الحق في شدة أمرا
وأشغلت بالإنسان فردا وأمة / ويا لجهود منك لم تعرف الحصرا
وأشغلت بالفكر النزيه محررا / وكل الذي جافاه صورته نكرا
كأن خراب الكون رهن بذلة / يصاب بها العقل الذي عز واستذرى
حرام على عيني الدموع فإنها / شفاء وحزني قد يموت ولا يبرا
حرام على شعري رثاؤك قادرا / فإن الرثاء الفخم قد يلد الصبرا
حرام على نثري البيان وهذه / صحائفك الشماء آيتك الأخرى
لقد كنت من شخصت داءك أولا / فكنت كأني لاحد يفتح القبرا
ومرت سنون لالتياعي عديدة / وفي كل عام كنت أستبق العمرا
إلى أن أتى العام الذي ران نصره / ولكن حكم الموت قد صحب النصرا
أبطال غزة بعد قبية هللوا
أبطال غزة بعد قبية هللوا / إن المخازي الموبقات فخاركم
لا تنكروها ما الذي يبقى إذا / أنكرتموها وهي بعد شعاركم
ذهب السموأل والمروءة والندى / وعبدتمو صهيون وهو نضاركم
وعققتمو موسىكسابق عهدكم / فإذا الدنايا دينكم وعقاركم
عار على وطني الشكاة وحقه / تأديبكم إذ تسباح دياركم
يا غاصبين تمرغوا في رجسهم / أكذا يتيه برجسكم أطهاركم
أنا لا ألومكمو كلومي أمتي / بل كل يعرب حين جن حماركم
رفض المدافع والذخائر فانبرت / نيرانها ومضى بها إعصاركم
وبنو العروبة بين لهو صارخ / أو جعجعات كلها أنصاركم
ولهم من الدخلاء ألف مهرج / يتنافسون وبينهم أصهاركم
زعموا العروبة دينهم واستمروا / طعن الحماة لكي تعز شفاركم
مسكينة هذي العروبة ما درت / ما عارها الباقي وما هو عاركم
حمدت ربي على ذمي فأكثره
حمدت ربي على ذمي فأكثره / ممّن وهبت له حبي وإيثاري
فراح يخترع الأوهام يلفحني / بها ويحسب أني بت في النار
أبا العقوق رويدا لم تنل وطرا / سوى اتسامك بالتهريج والعار
ما شك يوما بإيماني ولا عملي / حر نبيل فعيشي عيش أحرار
وهبت عمري لخير الناس قاطبة / فصار عمري المرجى بين أعمار
وما عرفت الدنايا كيفما اتسمت / يا من عرفت الدنايا بين فجار
ولا وصفت بغير العقل أبذله / وعظا وفلسفة في جم أشعاري
فكيف تعرض عني ثم تشتمني / يا أيها الغر يا منبوذ أغرار
سقراط ما عابه من راح يشتمه / ومن حباه بتلفيق وأوضار
ومن تفنن في تجريح ذمته / أو نعته بسخافات وأضرار
حتى تولى شهيدا صار يخسده / من رافقوه بأدهار وأدهار
لئن تذوقت سما أنت واضعه / فيما طهوت فهذا السم أزهاري
نفسي تحيل الأذى نعمى ويخطئها / ألكائدون ولو لاذوا بأسوار
إني الكفيل بإشهار الذي صنعت / يداك يا صاغرا يعنى بإصغاري
فذاك شر عقاب للذي حقرت / جهوده وتهادى بين أشرار
ثم ادعى الطهر في ستر لعورته / بئس الطهارة في مجموع أوزار
لا عشت إن كان نبرسي سوى أدبي / ومهجتي وضميري الناصع الواري
أنا المعلم أجيالا مفاخرها / والرائد الحر في سعيي وآثاري
هل جنت الأرض حتى صرت تحرثها / وكنت ملقى عليها بين أحجار
ألأم هل جننت بإحساني بلا سبب / حتى لدغت بمكار وغدار
أصار مثلك حقا من يحاسبني / يا خيبة الدهر في إعزاز ثرثار
وضيعة الحق بين العابثين به / كأنه زهرة في رغو تيار
تحيا العروبة في قولي وفي عملي / وفي مثاليتي العليا لأبرار
ولا تعيش بأفاك ومرتزق / وعاجز همة ألوان إتجار
لمست من حشراتي كل مرحمة / وما أنست بها من صاحبي الضاري
يا شعر من ترجو تحسب أنه
يا شعر من ترجو تحسب أنه / أولى بحبك أو بعيد باهر
ولدت أزاهير الربيع بعيده / فتضمّخت منه بنفح عاطر
ومشى الجمال مواكبا بحقوله / علويّة مثل المسيح الطاهر
جاءت عقود سنينه بتراثها / للعارفين به عقود جواهر
أنسيته يا شعر حاشا أن ترى / في الجاحدين لماهد ولماهر
ضحى وضحى باسما أو صابرا / حتى مشى للصلب أكرم صابر
هيهات تنسى كيف تنسى مبدعا / نجواه كالإيمان ملء خواطر
من ساح في دنيا الفنون ولم يزل / السائح القهار غير مفاخر
من أبدع القصص العجيبة مثلما / خلقت بإبداع الإله القادر
من سلسل الأنشاء سمفونية / أخاذة وملاحما للساحر
من أرجع التاريخ بين دروسه / عبرا وأوقفه مكان الحاضر
من علم الآداب إنسانية / شعت بإشراق الصباح لثائر
من لقّن الإيثار دينا للورى / كأخيه واستبقا استباق الغافر
من فلسف الشعر الذي غنى به / فشدت جداوله كبحر زاخر
من ظل يحسب جده ومزاحه / كالآيتين لمؤمن ولكافر
عبد المسيح العبقريّ وحسبه / في العبقرية خلق شهم نادر
أنا التففنا حول أمجاد له / مثل التفاف السفن حول منائر
أو كالتفاف النحل لما أولعت / بالشهد حول معاسل لأزاهر
جئنا نعيّد شاكرين وربما / يدري جلال العيد غير الشاكر
والشمس قد يشكو نفوذ شعاعها / عان ويصغرها حليف صغائر
الأربعون ونيف من عمره / مثلت بهذا العيد مثل بشائر
توحي الجديد لنا وقبلا طالما / أوحت ولم تبرح كفلك دائر
من فاته إبداعها قد فاته / إشعاعها النفاذ خلف ستائر
أرثي له أضعاف ما يرثي لنا / ولئن تمادى في رقاعة ساخر
فالحق لا تخفيه ضلة ساخر / كالله لا تنفيه غضبة فاجر