القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 38
تمهل يا قطار علام تجري
تمهل يا قطار علام تجري / وأنت مخلف ينبوع شعري
أتحسب في المدينة أيّ سحر / وهذا الريف ينفث كل سحر
وهذا البحر يملؤه هدير / حنون مشبه همسات فجر
وهاتيك السوائم في إخاء / وأمن ها هنا تلهو تجري
وكل الناس في دعة وبشر / وما عرفوا بمقياس وقدر
بيوتهمو تصان بغير قفل / وصفوهمو يشاع بغير أجر
أتسرع هكذا وتفوت دنيا / تفيض بكل ترحاب وبشر
وفيها الطير صاحب فلسفات / وفيها كاد ينشد كل صخر
وفيها الزهر رمز لم يكيف / خلاف الزهر في أكناف مصر
وفيها تعزف الحشرات شتى / أغاريد الصبابة دون سر
وفيها الأرنب اللاهي حكته / صداقة كلبنا اللاهي لهر
وفيها تنبت الخضر ابتهاجا / إذا أثمارها رفت بسكر
وفيها النور تملؤه المعاني / فتغمر كل وجدان وفكر
وفيها الليل تملؤه الأماني / كواكب لم تحد بأي سير
وفيها الحب ينضر في شباب / وإن هو ثم فات ربيع عمر
أتسرع هكذا عن كل هذا / لعلك أنت تجهل حين تدري
الأخطبوط أراه بدل شكله
الأخطبوط أراه بدل شكله / كمحيطه ولقد يظنّ صخورا
ولسوف يمتصّ الدماء مضحيا / بغريمه ويفوته معصورا
يا للزعامة حين تحسب أنها / تلهو به وتظنه مقهورا
وهو الذي تخذت وصولياته / حيلا لتقتل من ينام غرورا
حين الذين ينافحون لصونها / والماهدين لها أذيقوا الزورا
أو أهملوا مثل النفاية ما لهم / أمل يداعب لو غدا منشورا
يا أيها الزعماء ليس بنافع / إخلاصكم إن لم يكن مبرورا
هل تنكرون الظلم ثم بعهدكم / يبقى الذي عانى لكم منكورا
ويسود فيه الألعبان وكل من / نشر الظلام ومن أمات النورا
إن ترتضوا هذا فحسبي أنني / ابقى بمنفاي السحيق شكورا
هيهات أرضى أن أساوم مرة / في الحق أو أرضى به مدحورا
إن الإساءة من زعيم صالح / قتل المواهب جاحدا مغرورا
مجد البلاد على المدى أحرارها / الماهدون الرائدون عصورا
الملهمون بفكرهم تحريرها / والخالقون لها منى وشعورا
فإذا أهينوا أو أذلّ تراثهم / لم يحي مجد بعدهم مذكورا
بل لطخت صحف الفخار برحمة / تبقى ويحسبها الزمان فجورا
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم
خبرتكم فوجدت الجبن آيتكم / حتى الشجاع غدا بالجبن مسحورا
من علم الصفوة الأبطال غفلتهم / كأنهم ما أعزوا الحق والنورا
كأنهم حالفوا الجبار وأئتمروا / بما أراد وما ردوه مدحورا
ليس الرجال سوى معنى عقيدتهم / فعلا وليسوا حديثا كان مذكورا
اتشمخون بماضيكم وحاضركم / يكاد ينصر في ضعف له الزورا
خذلتمو نخبة الأحرار في عمه / فهل غدا الحر عند الحر منكورا
أتصغرون الألى ضحوا لمبدئكم / وتكبرون اثيما كان مأجورا
الحق أبلج لا تحميه ذبذبة / ومن تخافون إلا العميَ والعورا
والمارقين الألى ساد الطغاة بهم / وكان أوقحهم لهفان مذعورا
أتذعنون لهم شكرا وترضية / من بعد ما دمروا الأخلاق والدورا
وهل نسيتم جنايات لهم قصمت / ظهورنا أم حسبتم وهمكم شورى
من ناصر الإثم والأوهام غايته / أن يستباح وإن عدوه منصورا
جل لصائحكم زهو يصاحبه / وأن يظل برغم الجهل مغرورا
فالشعب ما زال ذاك الشعب في سفه / قد ارتضى أن يظلّ الدهر مأسورا
وأن يصفق للحكام أجمعهم / خيرا وشرا فيبقى الفضل مقبورا
علام تحزن يا قلبي وما فتئت / دنيا الجحود ترد الحر مقهورا
ملء العصور المآسي وهي شاهدة / أن النبوغ ذبيح كان مأسورا
رمضان يا حلو الشمائل
رمضان يا حلو الشمائل / يا سمير الشاعر
يا من تزين بالنجوم / فواتنا كجواهر
يا من تفنّن في ترنّمه / تفنّن ساحر
يا من يعاف الشمس / إيثاراً لنجوى الساهر
يا من تلألأت الموائد فيه / مثل منائر
يا من تبسّط في / ملاهيه تبسّط قاهر
يا من تدفّق بالمواعظ / كالإله الغافر
يا من تعلق بالطهارة / مثل فجر طاهر
يا من أتى كالفصح / بين مدامع وبشائر
يا من يعدّ أخا / الفقير أمام دهر كافر
يا من شأى حلم الصغار / بكل حلم طائر
ماذا ادخرت وما أتيت / به لحظ العاثر
من كل فرد مقعد أو / كل شعب قاصر
صاموا وخير الصوم عن / عبث لهم وصغائر
إن الشعوب كبيرة / ليست عبيد كبائر
لا صام من جعل الصيام / ذريعة للفاجر
لا صام كالتمساح أفطر / في شهية غادر
لا صام من لم يدر / فلسفة الصيام الثائر
المستهين بكل وضع / جائر أو ماكر
الخالق العدل المؤيد / من عديد مآثر
بوركت شهر النور / تغزو الليل دون عساكر
ما بين أعراس / وألعاب ولهو دائر
ومسبحين مرتلين / إلى نهى ومنابر
ونوافح علوية / سارت كشعر سائر
بوركت ولتهنأ بك / الدنيا هناءة شاكر
حتى إذا ما عدت جئت / مع الخميس الظافر
بالحب لا بالسيف فوق / سرائر وبصائر
وفتحت للإسلام كنز مآثر / ومفاخر
واشعت افراحاً مكان / مآتم ومقابر
وفائي للصديق أبي علي
وفائي للصديق أبي علي / وفاء العشب للطل السري
شممت عبير وردك حين سقمي / فأنعشني كوحي من نبي
وما زال الأريج خدين أنفي / وإلف دمي كمعنى عبقري
يواقيت بحمرتها أضاءت / فمن مثلي بميراثي الغنيّ
كأن ضياءها وشذى حلاها / وقد مزجا تفنن جوهري
ولكن تلك أفئدة صغار / كبار في الرموز وفي الرويّ
ترفّ بشعرها فيرف قلبي / مناجاة لها وإلى نجيي
صديقي من خبرت هواه صدقا / كنحلي والرحيق السكري
ومن كانت زيارته شفاء / تناثر في الحديث اللؤلئي
ومن كمّيه في عطف رشيق / وفي أنس عجيب مستحي
يفر العام بعد العام مني / ويزداد اقتراب أبي عليّ
كأن حنانه عوض لعمري / أجل وجزاء تسبيحي التقي
وجافى من محضت له ودادي / كأن الهجر من حظ الوفيّ
وأنت بقيت لي الذخر المرجى / تجمل لي بحبك كل شيء
ولو أني صلبت جزاء صدقي / وددت نهايتي مثل الولي
لكما شكرت تحيّة الزهر
لكما شكرت تحيّة الزهر / في باقة الألوان والعطر
قد حبّبت لي غائبا سقمي / مذ خفّفت من نفحها ألمي
وتحدثت بحنان إنسان / إن غبت لا ييسلو وينساني
قربتها مني فنادتني / ولو أنها قطفت وناجتني
وهي الجريحة بعد ما قصت / ولو أنها في زخرف رصت
لكننا بتجاوب صرنا / صنوين نعرف عمرنا الفنا
شكرتكما شكري وقد فرحت / بلقائنا وشدت بما نفحت
وأنا المترجم عن معانيها / يا ليتني أحكي أغانيها
صرنا كأنا خالدان معا / والكون ينفحنا بما جمعا
ولو أنه خلد لأحلام / كخلود أطياف وأنغام
أغلى الهدايا لحظة الأنس / لطفت كذوب النفس في النفس
حتى الفناء بها له معنى / مستعذب يرضاه من يفنى
فلمن أفاضا الأنس ألوانا / شكرا وشكرا من حنايانا
عصابة من لصوص أمنها خطر
عصابة من لصوص أمنها خطر / قد ضجّ منها وريع الجن والبشر
ما للعروبة لا تمضي وتسحقها / هل نالها الياس أم هل نالها الضجر
أم استنامت إلى وعد تزوّقه / مثل الفقاقيع لا يبقى لها أثر
لا نفع منها وإن غنت بما وعدت / فكل نفع لها في طيه الضرر
صنعاء أو جدة المنهوب جدتها / أو كرخ بغداد أشباه بمن غدروا
معاقل المجد في الماضي قد احتضرت / كأنها لعبة قد ساقها القدر
صم الجلاميد أحنى في مقابرها / ممن أضاعوا حقوق الشعب أو قبروا
والأجنبي على علاته رحم / متى يقاس بهم في شر ما أمروا
ما بين عات وصعلوك بفطرته / ومجرم لم يعد حق ولا وطر
فوضى بها اندثرت أخلاق من غبنوا / ومثلها صارت الثروات تندثر
الفقر والجهل والأمراض قاطبة / باتت كنوزا لهم من بعد ما افتقروا
أبعد هذا نصوغ الشعر في طرب / لمدح حكامهم لو أنهم شعروا
أليس في ضرب أعناق لهم أمل / للمصلحين وفي تدويخهم عبر
أليس في تركهم كالعث مرزئة / عمّت فكم دولة تغنو وتحتضر
لقد نصحت فعدوا النصح لي سفها / وكدت أبكي فعدت اليوم أعتذر
وما انادي سوى الشبان في أمم / لم يبق فيها سواهم بعد مدخر
لعلهم يشعلون النار صاخبة / يوم الحساب فلا تبقي ولا تذر
وعلهم بالدم الغالي لأمتهم / يروون قدوة من ثاروا ومن ثأروا
منبري عالمي وليس بأرض
منبري عالمي وليس بأرض / يستحلّ الطاغوت فيها الدمار
إيه نفسي اليوم ذكرى نزوحي / عن رباها وعن بوار وعار
خنقتني أو حاولت ثم باهت / بأذاتي تلك النفوس الصغار
ما أبالي إلا بإسداء رأيي / وانتشار له واي انتشار
قيدوني وحاصروني وآذو / ني فأقسمت أن أفك الحصار
مثل صقر مكبل هشم القي / د ودوى بصيحة ثم طار
لم يفرق ما بينه وديار / أرهقته إن باعدته الديار
بل أثار الصيحات في كل أرض / فاستقلت بكل أرض شعار
إنني شاعر الكنانة في البع / د وفي القرب كيف كان الجوار
ما ثماني السنين إلا ثوان / من حياتي ومن وجودي المعار
إن عمري جهدي وفكري وإيما / ني وحبي فإن عمري منار
لا زمان ولا مكان يحدان وجو / دي ولا دجى أو نهار
أينما كنت صيحتي صيحة الن / نسر وزأري زئيرة المستثار
وقصيدي الينبوع يرشفه الأح / رار ويروون وهونور ونار
لا تسلني عن مسكني أي دنيا / هي أرضي إذا عداها الصغار
لم أزل بالوفاء والعمل الحي / كأني في مصر أحمي الذمار
بينما الجاحدون فيها سكارى / أو حيارى وينشدون الفخار
مبدئي لن يحول ما بقي الحب / وحبي لمصر حي يثار
وحياتي جميعها في كفاح / ىية لا ينال منها الغبار
أيها الناعقون حولي استريحوا / هزم الليل إذ أطل النهار
أين الربيع سألت عنه فلم أجد
أين الربيع سألت عنه فلم أجد / من رد غير تدفق الأمطار
ولي ولم يحضر فغاب كأنه / قد عاش في الأوهام والأفكار
قالوا هي الذرات حين تفجرت / نثرت نظام الجو أي نثار
فغدا الربيع هو الخريف كأنما / قد جن من مطر ومن غعصار
ومن الرعود تكلمت كمدافع / ذرية وتراشقت بالنار
فتحجبت أطياره وتبرقعت / أزهاره وبكى الغدير الجاري
وبكيت في نفسي كأني فاقد / أهلي وكل مجالس السمار
وغذا أناخ بنا السكون حسبته / ضوضاء من قلق ومن إنذار
أين السماحة والهدوء تآلفا / والأمن فاحتكمت على الأبصار
أين الجمال برقصه وبلهوه / في النور أبدع فاتن الأنوار
أين الصبايا النحل تجمع شهدها / كالصيرفي ونده العطار
أين الأزاهير التي كم سابقت / شغفي فما احتجبت عن الأنظار
أين المروج الحاليات عرائسا / كعرائس الأحلام في آذار
أين العصافير التي لم تكتمل / أعشاشها بالحب والأسرار
ضاعت جميعها كالطيوف إذا هوت / واللحن فوق مقطع الأوتار
إحلم بها يا قلب أو لا فأنسها / فجميع ما وهب الربيع عواري
والعام ما عرف الحياة كأنها / معنى حواه الموت بالإضمار
الجود ترقب من سماحة ميت / ما كان غير تعثر الأقدار
أخرى من السنوات أبدؤها غدا / متهللا كالورد في أيار
إن عقّني وطني القديم فما هوى / حبي لدى الوطن المعز شعاري
أو كان جافاني الربيع فعله / مرآة ما عانيت من تذكار
سأظل عاما ناظرا لوداده / حتى يعود لنا من الأسفار
ولربما يأتي رسول محبة / من مصر بعد تمتع وتواري
فأرى الجنان به نوافح بالهوى / وتفيض عن أشعارها أشعاري
ولي منزل لقّنته سر عزلتي
ولي منزل لقّنته سر عزلتي / فباركها ثم استحال شعارا
ومدّ لفيف الكرم حتى رأيته / ستائر غنّتها الظلال مرارا
وحفت به الأشجار ملء حنوها / تخبئه مهما أطل جهارا
كأن لها فيه كنوزا ثمينة / وليست سوى حبي لهن توارى
فيا مستحم الطير إن تفش سرنا / عذرتك كم طير لديك تبارى
وأيّ خفاء نستطيع وهذه / حليك تعلو في الهواء نثارا
وحان كسوف الشمس لكنما أبى / لها الطير عذرا حين حط وطارا
وراح يعبّ الماء سكران بالهوى / كما عبّ في عيد الربيع سكارى
تنوعت الأحجام من كل صبغة / جواهر أو كالنور رف وثارا
وبعثرت الماء الضحوك للهوها / فردته مجنونا فطار شرارا
فيا شمس غيبي أو أطلي فإننا / نرى ضوءك الوهاج كان معارا
وقد وحدتنا في تصوفنا منى / تفيض ضياء في القلوب ونارا
الجلاء الجلاء رددت الأصداء
الجلاء الجلاء رددت الأصداء / بشرى ويا لها اليوم بشرى
لم يقلها فرد ولا الجيش والشعب / ولكن كل الذي عد مصرا
من ثراها ومن سماها ومن / كل الذي أنبتته فنا وفكرا
في نشيد مثل المزامير / حلو رنح الأنبياء من قبل دهرا
سمعته الآثار فاهتاج فيها / عزة والنخيل فاهتز فخرا
وتهادى النيل الذي كان / من قبل أسيرا إذ أصبح اليوم حرا
والحماة الأبطال من طردوا الهكسوس / أضحى لهم فتوحا ونصرا
وجيوش الكماة من عهد رمسيس / أطلوا مهللين وسكرى
ما رأتهم عين ولكن رأتهم / مهج بالوفاء للأمس حرى
ورأتهم أحلام جيل وجي / رقصت كالضياء لحنا وشرا
والخزامى الحيية التي مثلت / مصر جمالا وعبرت عنه عطرا
أنت بعض منها نزيلة بستاني / فهيا نعيد اليوم جهرا
ذاك دمعي من فرحتي نثرته / مهجتي فارشفيه حبا وشكرا
إن نكن نحن كالغربيين لم / نبرح بإيمانها المخلد أدرى
غمرتنا منها الحياة على / البعد كأن الأثير قد حال غمرا
فانتشينا وكل عيد / سينسى غير عيد لفك أشرى واسرى
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا
قالوا لنا فرحات سوف يتركنا / فقلت يا قوم جاء الهم والكدر
من ذا سواه خليق أن يؤدبنا / وأن يعلمنا ما الخبر والخبر
وما الجرامر ألغازا وأحجية / والفرق ما بين عمرو قال أو عمر
هيهات هيهات لم يبلغ مكانته / إلا حبيب فكم عزت له سور
ويا له سيدا للخلق نعبده / كأنه الصنم العزى أو الحجر
ولست أنكر أن الدسك زينه / الشمس والرائع والمريخ والقمر
ثلاثة فرحات راح يخلقهم / من بعد ما فرحوا بالموت أوقبروا
يا راحلا وله في ذكرنا أثر / بوركت كم حاضر لم يبقه أثر
إلى مباءة درس أنت تعشقه / ونحن ندرس في قيظ ونحتضر
علم وعلم وأنجب كل نافعة / فليس يخلد إلا العلم والفكر
واسعد بدنياك في بحث وفي كتب / إن كان يسعد من لم ترضه الهذر
ولولي ولولي وصيحي وطيري
ولولي ولولي وصيحي وطيري / وأقرعي وامنعي بعصف مسيري
واكسري الباسقات أو فاخلعيها / كل هذا يرى بقلبي الكسير
أنا مذ جئت هذه الجنة السم / حة ما زلت في عذاب السعير
أمطري يا رياح أو فاسكبي النا / ر فإني ما عدت أخشى مصيري
ليس شكوى الزمان طبعي ولكن / هو سخري من فعل دهر حقير
ما نثير الأوراق يحرمها الدو / ح وقصف الأغصان إلا نظيري
ما سقوط المصباح يتبعه المص / باح إلا كثورتي في ضميري
ما زئير الهبوب حولي سوى وج / دي فأعول يا وجد بين الزئير
ما أبالي من بعد معترك الأح / داث في خاطري جنون المغير
ليلة تنقضي وعاصفة النف / س تناهت بظلمة للأسير
وتراميت فوق سلّم داري / لا أبالي بصرخة للنذير
ومثار الحصى تدفق حولي / كرصاص يئز بين الصفير
ثم لما ولجت داري أبى أه / لي عزاء سوى أمر النكير
إلى الصديق خفاجفي عوالمه
إلى الصديق خفاجفي عوالمه / ما بين شاهق أبحاث وأسفار
أبثّ من لوعتي ما فاض عن كلمي / وإن تحجب في مكنوز إضماري
تجمّعت غصص الدنيا وما فتئت / حربا عليّ وعادتني لإيثاري
فإن أعش في جنان كلها عجب / فإن قلبي بالتعذيب في النار
قد ضيّعت عصبة للنقل مكتبتي / يا عصبة النقل قد خلدت في العار
وضيع النقل رزقا كان لي سندا / كأنما الدهر مشغول بإفقاري
وضيع الهم نزرا كان عافيتي / فما انتفعت بسكان ولا جار
وصار ديني رفيقا لا يفارقني / وكان ودّعه أو كاد إنذاري
وإذ عرضت لبيع كل ما ملكت / يدي خذلت كما قد ضيعوا داري
أنا المعاقب لا ذنب جنيت سوى / بري كأن عظيم الذنب آثاري
ومن عجيب إذا ما الحزن يغمرني / لطمته مثل سباح بتيار
لم أدر هل جن قلبي فثي تفاؤله / أم ما درى خطبه أم أنه الداري
لقد تمرست عمري بالأسى فغدا / مني ومد الأسى عمري لأعمار
لمن أعذب ما جدواي من زمني / وما حياتي ومن يعنيه إكباري
لج المراقب في شطب لأفكاري / ما كان أولاه تثقيفا بأفكاري
إن الخيانة للأوطان أخطرها / حجر على الحق أو إرهاق أحرار
وترك مثلي يعاني في تحرقه / عار على الجيل لا ذنبي ولا عاري
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا / ومن عيشه ذكرى وومن موته ذكرى
صديق الصبا ماذا غنمنا من الصبا / وما غمرنا إلا مغارمنا تترى
ولم يبق فينا منصفا غير ميتة / أتالتك مجدا لا يباع ولا يشرى
سقطت كجنديّ شهيد مماته / حياة لعمري حرة تخلد الفكرا
ومت عزيزا في الدفاع لأمّة / أنابتك عنها في ملماتها الكبرى
إذا سقط الجندي في ساحة الوغى / فأيّ قصيد بعد هذا به يطرى
كأن مماتا ذقت أبلغ حجّة / وأوقع في تفنيد متهم مصرا
ولو أن نارا من بيانك أشعلت / ركاما من الإسعاف خصّ به الأسرى
فيا مدرة الأحرار عمرك كله / خطاب مدو بالحقيقة لا يغرى
فلم تدر معنى الجبن يوما ولا الهوى / ولم ترض يوما في اتباعهما عذرا
ولم تهو للطاغوت يوما مصليا / وكنت لي الخل المدافع والبرا
وأنحى عليّ الصاغرون فزدتني / ولاء وقد كفرت من خص بي الكفرا
وبجّلتني حتى كأنّك تابعي / ولست الذي صالت مواهبه دهرا
سجية نفس حرة ليس تمتري / كذاك النبيل الحر من يكرم الحرا
ومهما اختلفنا كنت ترفع قدرتي / إلى قدرك العالي فتخلق لي قدرا
وما كنت من بالي الخفافيش مرّة / ولا الصقر مجتاحا ولا الجارح النسرا
ولكنما باليت بالحق وحده / ولم تخش دون الحق في شدة أمرا
وأشغلت بالإنسان فردا وأمة / ويا لجهود منك لم تعرف الحصرا
وأشغلت بالفكر النزيه محررا / وكل الذي جافاه صورته نكرا
كأن خراب الكون رهن بذلة / يصاب بها العقل الذي عز واستذرى
حرام على عيني الدموع فإنها / شفاء وحزني قد يموت ولا يبرا
حرام على شعري رثاؤك قادرا / فإن الرثاء الفخم قد يلد الصبرا
حرام على نثري البيان وهذه / صحائفك الشماء آيتك الأخرى
لقد كنت من شخصت داءك أولا / فكنت كأني لاحد يفتح القبرا
ومرت سنون لالتياعي عديدة / وفي كل عام كنت أستبق العمرا
إلى أن أتى العام الذي ران نصره / ولكن حكم الموت قد صحب النصرا
أبطال غزة بعد قبية هللوا
أبطال غزة بعد قبية هللوا / إن المخازي الموبقات فخاركم
لا تنكروها ما الذي يبقى إذا / أنكرتموها وهي بعد شعاركم
ذهب السموأل والمروءة والندى / وعبدتمو صهيون وهو نضاركم
وعققتمو موسىكسابق عهدكم / فإذا الدنايا دينكم وعقاركم
عار على وطني الشكاة وحقه / تأديبكم إذ تسباح دياركم
يا غاصبين تمرغوا في رجسهم / أكذا يتيه برجسكم أطهاركم
أنا لا ألومكمو كلومي أمتي / بل كل يعرب حين جن حماركم
رفض المدافع والذخائر فانبرت / نيرانها ومضى بها إعصاركم
وبنو العروبة بين لهو صارخ / أو جعجعات كلها أنصاركم
ولهم من الدخلاء ألف مهرج / يتنافسون وبينهم أصهاركم
زعموا العروبة دينهم واستمروا / طعن الحماة لكي تعز شفاركم
مسكينة هذي العروبة ما درت / ما عارها الباقي وما هو عاركم
حمدت ربي على ذمي فأكثره
حمدت ربي على ذمي فأكثره / ممّن وهبت له حبي وإيثاري
فراح يخترع الأوهام يلفحني / بها ويحسب أني بت في النار
أبا العقوق رويدا لم تنل وطرا / سوى اتسامك بالتهريج والعار
ما شك يوما بإيماني ولا عملي / حر نبيل فعيشي عيش أحرار
وهبت عمري لخير الناس قاطبة / فصار عمري المرجى بين أعمار
وما عرفت الدنايا كيفما اتسمت / يا من عرفت الدنايا بين فجار
ولا وصفت بغير العقل أبذله / وعظا وفلسفة في جم أشعاري
فكيف تعرض عني ثم تشتمني / يا أيها الغر يا منبوذ أغرار
سقراط ما عابه من راح يشتمه / ومن حباه بتلفيق وأوضار
ومن تفنن في تجريح ذمته / أو نعته بسخافات وأضرار
حتى تولى شهيدا صار يخسده / من رافقوه بأدهار وأدهار
لئن تذوقت سما أنت واضعه / فيما طهوت فهذا السم أزهاري
نفسي تحيل الأذى نعمى ويخطئها / ألكائدون ولو لاذوا بأسوار
إني الكفيل بإشهار الذي صنعت / يداك يا صاغرا يعنى بإصغاري
فذاك شر عقاب للذي حقرت / جهوده وتهادى بين أشرار
ثم ادعى الطهر في ستر لعورته / بئس الطهارة في مجموع أوزار
لا عشت إن كان نبرسي سوى أدبي / ومهجتي وضميري الناصع الواري
أنا المعلم أجيالا مفاخرها / والرائد الحر في سعيي وآثاري
هل جنت الأرض حتى صرت تحرثها / وكنت ملقى عليها بين أحجار
ألأم هل جننت بإحساني بلا سبب / حتى لدغت بمكار وغدار
أصار مثلك حقا من يحاسبني / يا خيبة الدهر في إعزاز ثرثار
وضيعة الحق بين العابثين به / كأنه زهرة في رغو تيار
تحيا العروبة في قولي وفي عملي / وفي مثاليتي العليا لأبرار
ولا تعيش بأفاك ومرتزق / وعاجز همة ألوان إتجار
لمست من حشراتي كل مرحمة / وما أنست بها من صاحبي الضاري
يا شعر من ترجو تحسب أنه
يا شعر من ترجو تحسب أنه / أولى بحبك أو بعيد باهر
ولدت أزاهير الربيع بعيده / فتضمّخت منه بنفح عاطر
ومشى الجمال مواكبا بحقوله / علويّة مثل المسيح الطاهر
جاءت عقود سنينه بتراثها / للعارفين به عقود جواهر
أنسيته يا شعر حاشا أن ترى / في الجاحدين لماهد ولماهر
ضحى وضحى باسما أو صابرا / حتى مشى للصلب أكرم صابر
هيهات تنسى كيف تنسى مبدعا / نجواه كالإيمان ملء خواطر
من ساح في دنيا الفنون ولم يزل / السائح القهار غير مفاخر
من أبدع القصص العجيبة مثلما / خلقت بإبداع الإله القادر
من سلسل الأنشاء سمفونية / أخاذة وملاحما للساحر
من أرجع التاريخ بين دروسه / عبرا وأوقفه مكان الحاضر
من علم الآداب إنسانية / شعت بإشراق الصباح لثائر
من لقّن الإيثار دينا للورى / كأخيه واستبقا استباق الغافر
من فلسف الشعر الذي غنى به / فشدت جداوله كبحر زاخر
من ظل يحسب جده ومزاحه / كالآيتين لمؤمن ولكافر
عبد المسيح العبقريّ وحسبه / في العبقرية خلق شهم نادر
أنا التففنا حول أمجاد له / مثل التفاف السفن حول منائر
أو كالتفاف النحل لما أولعت / بالشهد حول معاسل لأزاهر
جئنا نعيّد شاكرين وربما / يدري جلال العيد غير الشاكر
والشمس قد يشكو نفوذ شعاعها / عان ويصغرها حليف صغائر
الأربعون ونيف من عمره / مثلت بهذا العيد مثل بشائر
توحي الجديد لنا وقبلا طالما / أوحت ولم تبرح كفلك دائر
من فاته إبداعها قد فاته / إشعاعها النفاذ خلف ستائر
أرثي له أضعاف ما يرثي لنا / ولئن تمادى في رقاعة ساخر
فالحق لا تخفيه ضلة ساخر / كالله لا تنفيه غضبة فاجر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025