القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الرُّومِي الكل
المجموع : 263
إن تَطُل لحيةٌ عليك وتعرض
إن تَطُل لحيةٌ عليك وتعرض / فالمخالي معروفة للحميرِ
علَّق الله في عِذاريك مِخْلا / ةً ولكنها بغير شعيرِ
لو غدا حكمها إليّ لطارت / في مهبّ الرياح كلَّ مَطيرِ
ألْقِها عنكَ يا طويلةُ أوْلى / فاحتسبْها شرارةً في السعيرِ
أرعِ فيها الموسى فإنك منها / شَهِد الله في أثامٍ كبيرِ
أيُّما كَوْسَج يراها فيلقَى / ربه بعدها صحيحَ الضميرِ
هو أحرى بأن يشكَّ ويُغْرَى / باتهام الحكيم في التقديرِ
ما تلقّاك كوسجٌ قطُّ إلّا / جَوَّر الله أيَّما تجويرِ
لحيةٌ أُهمِلتْ فسالت وفاضتْ / فإليها تُشير كفُّ المشيرِ
ما رأتها عين امرئٍ ما رآها / قطُّ إلا أهلَّ بالتكبيرِ
روعة تستخفُّه لم يُرَعْها / من رأى وجهَ مُنكَر ونَكيرِ
فاتّقِ الله ذا الجلال وغيِّرْ / منكراً فيك ممكنَ التغييرِ
أو فقصِّر منها فحسبُك منها / نصفُ شبرٍ علامةَ التذكيرِ
لو رأى مثلها النبيُّ لأجرى / في لحى الناس سُنَّة التقصيرِ
واستحبَّ الإحفاءَ فيهن والحَلْ / ق مكان الإعفاء والتوفيرِ
يا ضارب المَثَلِ المزخرفِ مُطْرياً
يا ضارب المَثَلِ المزخرفِ مُطْرياً / للحقد لم تَقْدح بزَنْدٍ وارِي
أصبحتَ خصم الحق تهدم ما بنى / والحقُّ محتجٌّ وأنت تُمارِي
أطريت غثَّك لا سمينك ضلَّةً / واخترت من خُلقَيْكَ غيرَ خيارِ
شبَّهتَ نفسك والأُلى يولونها / آلاءهم بالأرض والعُمَّارِ
ورأيتَ حفظك ما أتوا من صالحٍ / أو سيِّئٍ كرماً وعتق نِجارِ
وزعمتَ فيك طبيعةً أرضيةً / يا سابق التقرير بالإقرارِ
ولقد صدقتَ وما كذبتَ فإنهُ / لا يُدفَع المعروف بالإنكارِ
لكن هاتيك الطبيعةَ في الفتى / مما تُلِط عليه بالأستارِ
ولَصمتُهُ عن ذكرها أولى به / من عدِّها في الفخر عند فخارِ
فينا وفيك طبيعةٌ أرضيةٌ / تهوي بنا أبداً لِشرِّ قرارِ
هبطت بآدمَ قبلنا وبزوجهِ / من جنّة الفردوس أفضل دارِ
فتعوَّضا الدنيا الدنيّة كاسمها / من تلكمُ الجنَّاتِ والأنهارِ
بئستْ لَعمرُ الله تلك طبيعةً / حَرمتْ أبانا قرب أكرم جارِ
واستأسرتْ ضعفَى بنيه بعدهُ / فهُمُ لها أسرى بغير إسارِ
لكنها مأسورةٌ مقسورةٌ / مقهورة السلطان في الأحرارِ
فجسومهم من أجلها تهوي بهم / ونفوسهم تسمو سموّ النارِ
لولا منازعةُ الجسوم نفوسَهم / نفذوا بسَوْرتها من الأقطارِ
أو قصّروا فتناولوا بأكفهم / قمرَ السماء وكلّ نجم ساري
عَرفوا لروح الله فيهم فضلَ ما / قد أثَّرتْ من صالح الآثارِ
فتنزَّهوا وتعظّموا وتكرموا / عن لؤم طبع الطين والأحجارِ
نزعوا إلى النَّجد الذي منه أتت / أرواحهم وسموا عن الأغوارِ
هذا عبيد الله منهم واحد / لكنه هو واحد المِضمارِ
ملك له هِممٌ تُنيف على العلا / ويدٌ تطول مواقع الأقدارِ
وإذا عطا للمجدِ نال بكفه / ما لا ينال الناس بالأبصارِ
ولقد رأيت معاشراً جمحتْ بهم / تلك الطبيعة نحو كل تَبارِ
تهوي نفوسُهُم هُوِيَّ جسومهم / سِفلاً لكل دناءةٍ وصَغارِ
تبعوا الهوى فهوى بهم وكذا الهوى / منه الهُوِيُّ بأهله فحَذارِ
لا ترضَ بالمثل الذي مثَّلْتَهُ / مثلاً ففيه مقالةٌ للزاري
وانظر بعين العقل لا عينِ الهوى / فالحق للعين الجليَّة عاري
الأرضُ في أفعالها مضطرةٌ / والحيُّ فيه تصرّفُ المختارِ
فمتى جريتَ على طباعك مثلَها / فكأن طِرْفك بعدُ من فخّارِ
أخرجت من باب المشيئة مثل ما / خرجتْ فأنت على الطبيعة جاري
أنَّى تكون كذا وأنت مُخَيَّرٌ / مُتَصرف في النقض والإمرارِ
أين اصطراف الحيّ في أنحائه / وحَويلُهُ فيما سوى المقدارِ
أين اختيار مخيَّرٍ حسناته / إن كنت لست تقول بالإجبارِ
شهد اتفاقُ الناس طرّاً في الهوى / وتفاوتُ الأبرار والفجارِ
أن الجميع على طباعٍ واحد / وبما يرونَ تفاضلُ الأطوارِ
فمتى رأيت حميدهم وذميمهم / فبفضل إيثار على إيثارِ
قاد الهوى الفجارَ فانقادوا له / وأبتْ عليه مقادةُ الأبرارِ
لولا صروف الاختيار لأعْنَقوا / لهوىً كما اتسقت جمال قِطارِ
ورأيتَهم مثل النجوم فإنها / متتابعاتٌ كلها لمدارِ
مُتيمِّمات سَمْتَ وجهٍ واحد / ولها مطالع جمَّةٌ ومَجاري
فانسَ الحُقود فإنها منسيةٌ / إلا لدى اللؤماء والأشرارِ
واعصِ الطباع إذا اطَّباك لحفظها / واختر عليه تَكُنْ من الأخيارِ
ما زال طبع الأرض يقهر لؤمَهُ / مَنْ فيه رُوح الواحد القهارِ
لا تنسَ روحَ الله فيك وأنها / جُعِلت لتصلِح منك كلَّ عُوارِ
إن الحُقُود إذا تذكرها الفتى / تحيا حياة الجمر بالمِسعارِ
ولعلها إن لا تضرَّ عدوهُ / وهو المسلِّف عاجل الإضرارِ
تَصْلَى جوانحُ صدره من حقده / بلهيب جمرٍ ثاقبٍ وأُوارِ
فلصدرِهِ من ذاك شرُّ بِطانة / ولقلبه من ذاك شر سُعارِ
ذاك الذي نقد المكيدة نفسه / نقداً وكاد عدوه بِضمارِ
ما نال منه منالَه من نفسه / وِترُ الأُلى وَتَروه بالأوتارِ
ردّت يداه كَيْدَه في نحرهِ / وكذا تكون مَكايد الأغمارِ
وكفى الحقود مهانةً وغضاضةً / أن لست تلقاه عدوّ جهارِ
لكنه يمشي الضَّراء بحقده / ليلاً ويَلبد تحت كل نهارِ
يلقى أعاديه بصفحة ذلةٍ / سِلمَ اللسان مُحارب الإضمارِ
لكن أهل الطّوْل من متجاوِزٍ / ومُعاقبٍ جهراً بغير تواري
طرحوا الضغائن إذ رأوا لنفوسهم / خطراً ينيف بها على الأخطارِ
فانظر بعين الرأي لا عينِ الهوى / فالحق للعين الجليّة عاري
النفسُ خيرك إنها علوية / والجسم شرُّك ليس فيه تماري
فانقدْ لخيرك لا لشرك واتبِعْ / أولاهما بالقادرِ الغفّارِ
كن مثل نفسك في السموّ إلى العلى / لا مثل طينة جسمِك الغدّارِ
فالنفس تسمو نحو علو مليكها / والجسم نحو السفلِ هاوٍ هاري
فأعِنْ أحقَّهما بعونك واقتسِر / طبع السِّفال بطبعك السَّوَّارِ
إياك واستضعافَ حقٍّ إنه / في كل حينٍ حاضرُ الأنصارِ
والحق والشُّبَهُ التي بإزائه / كالشمس جاوَرها هلالُ سِرارِ
تُنافسني في مُؤخِر البِكْر سادراً
تُنافسني في مُؤخِر البِكْر سادراً / وأنت على القَيْدوم من ذِروة البكْرِ
ألا ليت شعري لمْ مطلتَ مثوبتي / ولم تُؤتَ من بخلٍ ولم تؤت من عسر
إخالك إذ جوَّدتُ فيكَ مَدائحي / منعت ثوابي حاسداً لي على شعري
أتحسُدني تجويد رَيْطٍ نسجتُهُ / لتلبسه يا للعجيب من الأمرِ
تذكرْ هداك الله أني مادح / وأنك ممدوح فلا تعدُ بي قدري
ينافس في الشعر النظيرُ نظيره / وجلّ ملوك الناس عن ذلك النّجر
وما يتجارَى الشاعران لغايةٍ / وراء اعتفاءِ الفضلِ من سيدٍ غَمر
وأنت الذي تعفو العُفاة فُضوله / ويُجري إلى معروفه الشعرَ من يجري
فمالك يا هذا نفستَ خَسيستي / وأنت مع الشمس المنيرة والبدر
عليك بإغناء الفقير وجَبْره / وفكِّ الأسير المستكين من الأسر
عليك بفتق الحادثاتِ ورَتقها / وتضريمِ نارِ الحرب بالبيضِ والسُّمر
عليك بأفعال الملوك وخلِّني / وتقريظ ما تأتي من العُرف والنكر
فحسبُ المساعي كلها بك ساعياً / وحسبك وصفي ما تَريش وما تبري
أقول وتعطي نائلاً بعد نائلٍ / فتغرِف من بحر وأقلع من صخر
إذا الشاعر الرومي أطرى أميره / فناهيك من مُطرَىً وناهيك من مطري
وما لمديحي في ثناك زيادةٌ / سوى أنني نظّام لؤلؤكِ النّثرِ
أيا من ليس يُرضيه مديحٌ
أيا من ليس يُرضيه مديحٌ / وعفوُ الشتم عنه له كثيرُ
أجِدَّك لا ترى في الشعر كُفؤاً / لمجدك أين جار بك المسيرُ
كأنك قد حللت من المعالي / بحيث الشمس والقمر المنيرُ
فإن الله أعلى منك جِدّاً / ويرضِيه من الحمد اليسيرُ
يا غيوراً أن يُهْتكَ المستورُ
يا غيوراً أن يُهْتكَ المستورُ / وشفيقاً أن يهلِك المضرورُ
أنا في حالة رجائيَ فيها / من سوى الله أو سواك غُرورُ
ومعي سالفُ الموالاة والمد / ح وشكرٌ مستأنفٌ موفورُ
يا لها حرمةً أبحت حِماها / وعلى مثلها يَغار الغيورُ
فأغثني أغاثك الله إني / في يد الدهر مطلقٌ مأسورُ
لا تدعني فأنت آثرُ بالحم / دِ قديماً وفضلك المأثورُ
يا أخا العدل والذي فضلُهُ المب / سوط فينا وبِشره المنشورُ
هل ترى أنّ مانعاً من مُحِقٍّ / حقّهُ بعد قدرةٍ معذورُ
حُقَّ عند الرجاء فيك المرجّى / أن يحق المرجوُّ لا المحذورُ
لك جودٌ ورأفةٌ وحِفاظٌ / وإليك الميسور لا المعسورُ
لست تعتلّ بالزمان ولا المق / دورِ أنت الزمان والمقدورُ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ
راجَعَ من بعد سلوةٍ ذِكَرَهْ / وواصَلَ الظبي بعدما هَجَرَهْ
ظبيٌ دعا قلبَ هائمٍ كلفٍ / مؤتمِرٍ قلبُهُ بما أمره
يؤنِسُهُ حُسنهُ ويوحشهُ / قبحُ أفاعيله إذا ذكره
مازال يدعوه من محاسنهِ / داعٍ إذا سوءُ فِعلِهِ زَجره
لا الوصلُ يصفو له وإن عزم ال / هِجرانَ غال النزاعُ مصطبره
يدنو فيُقصَى فإن نَأى أنفاً / بات يباري بكاؤهُ سهرَهْ
ألقاه في حيرةٍ محيِّرةٍ / فما يرى وِردَهُ ولا صَدَرَهْ
ظبيٌ وما الظبي بالشبيه به / في الحسن إلا استراقَه حَوره
وحسنَ أجياده وغُنَّتِهِ / ونفرةً فيه مِن رُقَى الفَجَره
محاسنٌ كلهن مسترقٌ / منه وكلٌّ رآه فاغتفره
سخّاه عن رُزءِ ذاك أنَّ له / حُسناً إذا قاسه به غمره
وكلُّ رزء فإنَّه جَلَلٌ / إذا المبقَّى لأهله كثَرهْ
يا ليت مِن عفوه لعاشقهِ / بل ذاك شيء عليه قد حظرهْ
يصفح عن لصّهِ جريمَته / وهْو لنعماه أكفرُ الكَفره
ولستُ أنفكُّ من معاتبةٍ / بغير ذنب موازِنٍ وبَره
يا عجباً من مُعذِّبي عجباً / عُجبي به ضِعفُهُ فقد هَدَره
سوَّغ ما نِيل من حُلاه ولو / يسأله الصبُّ قُبلةً نَهره
كما أجاع الوشاحَ حين تَردْ / دَاهُ وقد كظَّ مِئزراً وَزره
بالله يا إخوتي سألتُكُمُ / أليس مولاي أجْوَرُ الجَوَره
أضحى وسيف العداء في يدهِ / عليَّ دون الأنام قد شَهره
إن عض خلخالهُ مُخلْخَلَهُ / أو شفّ عقدُ الإزار مؤتَزره
أقبل ظُلماً عليّ يشتمني / كأنني كلُّ واترٍ وَتَره
وقد رأى شيبةً فأنكرها / وتلك من فعله لو اعتبره
شَيّبَني من هواهُ ما نَهك ال / جسمَ فماذا ترونَهُ نَكِره
ألم ترعهُ محاسنٌ نَحلتْ / وراعه أن تنكَّرتْ شَعَره
أبصر بيضاء في القَذالِ فلا / نَفْرٌ كنفرٍ رأيتُهُ نَفَره
أعجِبْ بمن يقتل الرجال وإن / لاحَ له شخص شيبةٍ ذَعره
لا يظلمنِّي ولا سِنى ولا / يظلم خلاخيله ولا أُزرَه
فربَّ شيبٍ بعاشقٍ وبِلىً / قد برَّأ الله منهما كِبرَهْ
ما شَيَّبت رأسهُ السنون ولا / أبلتهُ بل حَرُّ وجدِهِ صَهره
ورب ضيقٍ بملبسٍ وهو ال / سَابغ لكنَّ قِرنَه قَهَره
قد أوسع الحِجْلُ والإزار لهُ / فزاد ما ضُمِّنا على الحَزَره
ومِن تَعدّيه أنه أبداً / يعتدُّ نفعاً لعبده ضرره
يعتدُّ ما يعمِد الشقي بهِ / نيلاً ولم يَعْدُ نفعُهُ بصره
فإن رأى في المنام هفوتهُ / غضّ من الطرف عنه أو شَزره
يعتدُّ إبداءهُ محاسنَهُ / نَيْلاً لحرَّانَ هَيَّجت حَسَره
إذا نهتْ عن هواه غلظتُهُ / دعا إليه برقةِ البشره
ولحْظِ عينين لو أدارهما / لفارسٍ في سلاحِهِ أسره
نِضْوَى سَقامٍ يقود ضعفُهما / له شدادَ القلوب مُقتَسره
من خُنْثِ جفْنيهما وغُنْجهما / تعلَّم السحرَ ماهرُ السَّحره
ومُضْحكٍ واضحٍ به شَنبٌ / يعرف من شام برقَهُ مطره
يضمن للعين طيب ريقتهِ / ثغرٌ يباري نقاؤهُ أَشَرَه
ينعت لألاؤُهُ عذوبتَهُ / وليس يُخفى نسيمُه خَصره
لو ضاحك المَزنَ عنه ضاحَكَهُ / عن برقه مُسبلاً له دِرره
وصحنُ خدٍّ حريقُهُ ضَرِمٌ / يقذف في القلب دائماً شرره
لا ماءَ إلا رضابُ صاحبِهِ / يطفىء عن قلب ناظِرٍ سُعرَه
أعاره الوردُ حسن صِبغته / بل صِبغةُ الورد منه معتصره
وفاحمٍ واردٍ يقبِّل مَم / شاه إذا اختالَ مُسبِلاً عُذرَهْ
أقبل كالليل من مفارقِهِ / مُنحدِراً لا تَذمُّ منحدره
حتى تناهَى إلى مَواطئهِ / يلثِم من كل موْطئٍ عَفَره
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً / حتى قضى من حبيبه وَطره
تغشَى غواشي قرونه قدماً / بيضاءَ للناظرين مقتدره
مثلَ الثريا إذا بدت سَحراً / بعد غمامٍ وحاسرٍ حَسره
وجيدِ إبريقِ فضةٍ دأبَ ال / صوَّاغُ حتى اصطفى له نُقَره
يتخذ الحَلْيَ كالتميمة لا ال / زينة من حسنه الذي جَهره
وحسنِ قدٍّ أجاد قادرُهُ / قدْراً فما مَدَّه ولا قَصَره
عُدِّل حتى كأنه غُصنٌ / من خير ما أنجبتْ به شَجرهْ
يحمل ثديين خَفَّ ثِقلُهما / جداً فلا آده ولا اهْتَصره
محاسنُ الناس من محاسنه / منسوخةٌ في الحسان مختصره
كأنما الله حين صَوّرهُ / خَيَّرَه دونَ خلقهِ صُوَره
أغيدُ لم يرتعِ الخَلاء ولا / خالط غِزلانَه ولا بقره
يكفيه رعي الخلاء أنَّ له / من كل قلبٍ مُمنَّعٍ ثَمَره
كم من شفيقٍ عليّ ظَلَّمَهُ / ولو رأى حسنَ وجهه عذره
وناصرٍ لي عليه لو هَتفتْ / به دواعيه مرّةً نصره
دعْ ذكره إنّ ذكره شعفٌ / وامنحْ من المدح سالماً غُررَه
الواحد الماجد الذي عدم ال / مِثْل فلم يلق ماجداً عشره
الوارث المجد كلّ أصيدَ لا / يدفع تيجانه ولا سُرُرَه
القائل الفاعل الموارعَ لا / يشكو العلى بخله ولا حَصره
ذا المستقى الطيب القريب وذا ال / غور الذي لا تناله المَكَره
المانح السائل الرغائبَ وال / غائل مِسبارَ كلِّ من سَبره
ذا المِرة الشَّزْرِ والمتانة وال / عقدةِ تحت السجية اليَسره
ذا اللين سائل به المَلاين وال / شِدّة سائل به من اعْتَسره
الآخذ الخطة الرضيّة وال / تارك ما الحظ فيه أن يذره
ذا الكرم العذب والمُناكرة ال / مرّة إن هاج هائجٌ وغَرهْ
ما ذاق شهداً أجل ولا صَبِراً / من لم يذق شهده ولا صبرَه
الأسدَ المستعدَّ منذ دَرَى / أن الزُّبَى للأسود محتَفره
العارض المستهلّ منذ رأى / أنّ العلى في الكرام مبتَدره
الراجح العفّ في كتابته / إذ في سواه نقيصةٌ وشَرَهْ
يرى مكان البعيد من دغلِ ال / مُدغِل والمستسِرِّ في الجحرَهْ
أحاط علماً بكل خافيةٍ / كأنما الأرض في يديه كُرَهْ
مَهْ لا تَعُدَّن من ينابذهُ / له عُداةً وعُدَّهمِ جَزره
كلا ولا طالبي فواضلهِ / له عُفاةً وعُدّهم نَفره
ورائمٍ رامه فقلت له / حاولت من لا تنال مفتخَره
طاولتَ من لا أراك مُنْتصفاً / باعُك من شبره إذا شَبره
أصْوَر نحو العلى ترى أبداً / إلى نواحي وجوهِها صَوَره
أزْورَ عن وجه كل فاحشةٍ / لا يعدِم الفحشُ كله زَوَره
لو أعرض البحر دون مكرمةٍ / وليس للبحر مَعْبر ضَبرَه
مظفَّرٌ بالتي يحاولها / لا يُعدِم الله سالماً ظَفره
فيه وقارٌ يكفُّ سَوْرته / وفيه حدٌّ يَعز منتصِره
شاورْه في الرأي إن أُثِرتَ ولا / يَرِمْك بالرأي إنّه فَطَره
ذاك الذي قال فيه مادحهُ / مهما انتحى من رميَّةٍ فقَره
سِرْ بهُدَى كوكبٍ هَداك به / ولا تَعرَّضْ لكوكبٍ كَدرَه
قد آمَنَ الله من يخاف من ال / فقر إذا جودُ سالمٍ خَفَره
يا رُبّ شاكٍ إليه خَلَّتَهُ / راح بجدواه يشتكي بطره
يسبق معروفُهُ العِدات وإن / قدّم وعداً حسبتَه نذره
لا يُعرض القوم عن ثناه ولا / يَملّ سُمَّارُ ذكره سمره
مَن مُبْلغٌ صفوةَ الأمير أبي ال / عباس عن كل حامدٍ أثره
أن قد تولَّى الزمامَ صاحبُهُ / بحكمةٍ أحكمت له مِرَره
فقاد مستصعَبَ الأمور بهِ / لا خائفاً ضَعفَهُ ولا قِصَرَهْ
ولَّيتَ لا مائلاً إلى دنسٍ / عمداً ولا عاثراً مع العَثره
هو القويُّ الأمينُ فارْمِ بهِ / ما شئتَ من معضلٍ يكُن حجره
لا يشتكي الناسُ عنفهُ وكذا / لا تشتكي ضعفهُ ولا خوره
أجريتَهُ والكُفاةَ في طَلَقٍ / فجاء لم تغشَ وجهه قَتره
تلوح فوق الجبين غرّتُهُ / كأنها المشتري أو الزُهَرَهْ
وجاء أصحابُهُ وكلُّهُمُ / قد كظَّهُ جَهدُهُ وقد بَهره
لم يلحقوا شأوهُ ولو فعلوا / أمكن أن يسبِق امرؤٌ قدَره
ولم يزل يسبق الرجالَ ولا / يشقُّ ذو جُهدهم له غَبَره
حتى أقرُّوا وقال قائلُهُمْ / محرَّمُ الحول سابقٌ صَفرَهْ
واتخذوا الصدق زينةً لهُمُ / كَرهاً على رغمهم وهمْ صَغره
وكان زْيناً لكل من نفر ال / سؤددَ إقراره لمن نَفره
ومن أبى الصدق بعد ما قُمر ال / فضل فمن كل جانبٍ قُمِرَه
أسخطَ حسادَهُ وأرغمهمْ / أنْ سار في الناس فارتضوْا سِيَره
يا حاسدي سالم أبي حسن / مجداً كساه فَعالُهُ حِبرَه
إن يرتدِ الحمدَ سالمٌ رجلاً / فإنه قبل حُلمه ائْتزَره
ما زال يُكساه قبل بُغيتهِ / إياه بل قبل خلقه بَدَره
مدَّخَراً في أبٍ له فأبٍ / كانت له الصالحات مدَّخره
ثم سعى بعد ذاك مكتسباً / للمجد حتى ارتداهُ واعْتَجره
يا رُبّ عُرفٍ أتاه ما طلب ال / حمدَ بإتيانه ولا خَسِره
نوى بإسدائه رضا ملك / نفَّله الحمد بعد ما أجَره
وتاجرُ البر لا يزال له / ربحان في كل مَتْجَرٍ تَجَره
أجر وحمد وإنما قصد ال / أجَر ولكن كلاهما اعْتَوره
كصاحب البذر لا يريد به / شيئاً سوى رَيْعه إذا بَذَره
وهْو إذا لُقِّي السلامة لا / يعدَم لا رَيعه ولا خَضِره
كم سرَّني حين ساءني زمنٌ / كم برّني حين عَقَّني البرره
يا سالم الخير يا أبا حسنٍ / يا من وجدنا كوجهه خَبره
يا حسن الوجه والشمائل إن / ردَّد فيه مردِّدٌ نظره
يا حسن الهدْي والخلائق إن / كرَّر فيه مُكرّرٌ فِكرَه
ماذا على من يراك في بلدٍ / أنْ لا يرى شمسه ولا قمره
وما على من يراك في زمنٍ / أن لا يرى نوْره ولا زَهره
أنت السراج المنير والكلأ ال / مُمرِع حَفّت رياضُه غُدَره
لكل قومٍ يُعدُّ مجدُهُمُ / آصال مجدٍ سَهمتهم بُكره
لا تحمدنّي فما جرى قلمي / إلّا بأشياءَ منك مختَبره
ما زدتُ فيما وصفتُ منك على / ما حصَّلتْهُ صحائفُ البرره
لم أبتدع في ثنائك الحسن ال / منشَر بل كنتُ بعض من نَشره
لكنني أنظم الثناء إذا / مُثني ثناءٍ على امرئٍ نثره
وما لمُثنٍ على أخي كرمٍ / حمدٌ ولكنه لمن فَطره
كم فيك من مِدحةٍ تظل على / ألسنة المنشدين مُعتَوره
واسعدْ ببيت بنيتَهُ أفِدٍ / أُسِّس بنيانُهُ على الخِيَره
أُيِّد بالساج والحديد ولم / يوهَن بآجُرّةٍ ولا مَدَره
بناءُ حزمٍ أبَى لصاحبه / في كل أمرٍ ركوبَهُ غَرَره
لا يعرف الوهيَ والسقوط ولا / يخذُل ألواحُ ساجه دُسُره
وخيرُ بيت بنيتَ مشتبِهٌ / وَفْقٌ ترى مثل سقفه جُدُرَهْ
أسمرُ ما شاب لونَه برص ال / جَصِّ ولامس جلدُهُ وضَرَه
هَندسَه رأيك المبرِّز في ال / فضل وأعطته حقَّه النَّجَره
وعُلَّ من بعد ذاك بالذهب ال / أحمر فاختال لابساً شُهَره
أهدى لك الدهرُ فيه حبْرته / ولا أرى ناظراً به عِبره
تَعمرُهُ بالنعيم والنِّعم ال / سُبَّغ ملبوسةً ومنتظره
قريرَ عينٍ قرين مَغْبطةٍ / تفتضُّ من كل مَنعمٍ عُذَره
يُسمعك الشدوَ في جوانبهِ / مُناغياتُ البُمُوم والزِّيَرَهْ
في كل يومٍ تراه بُكرتَهُ / وكل ليلٍ تخالهُ سَحَره
كلاهما لا يزال قاطعُهُ / يدعو بسقياه كلَّ ما ادَّكره
زلّال بَرٍّ يظلّ يسكنه / بحر بحورٍ يُهلُّ من عَبره
بل بيت بِرٍّ تظل كعبتهُ / محجوجةً للنوال معتَمرَه
تغشاك فيه عُفاة نائلك ال / غَمر فيمتار مُنفِضٌ مِيَرَه
لا الجار يستبطِئُ الجوار ولا / يلعن من جاء نازعاً سَفرَه
كعادةٍ لم تزل لكل أب / يَنميكَ تغشى عُفاتُه حُجَره
لا يشتري المال بالثناء ولا / تظل تُفدي صِرارُه بِدَره
يجوز معروفه الغِنى ومُنَى ال / نفس ويلقاك مُلقياً عُذرَهْ
أهدى لك المدح فيه خادمك ال / سابق من أهل بَيْعةِ السَّمُرَهْ
أولُ كُتّابك افتتحتَ به / أمرك ثم ارتضيت مختبرَه
أهدى بُنيَّاتِ نفسه ولو اس / طاع لأهدى مكانها عُمُرَه
لا أوحش المجدُ يا بني عمر / منكم فأنتمُ أجَلُّ من عَمَرَهْ
وعشتم في لَبوسِ عافيةٍ / يقاتل الدهرُ عنكُمُ غِيَرَهْ
دونَكها حُلّةً محبرةً / تَطرِف من كل حاسد بصره
زينةُ فخرٍ إذا تَلَبَّسها / سيدُ قوم لفاخرٍ فخَره
جُنّة حِرْزٍ إذا تدرَّعها / لقائلِ الهُجْر نَهْنَهَتْ ظُفُرَه
قصيرةُ البيتِ وهي سابغةٌ / على هوى السامعين مُقتَدِره
كَيَوْمِك الأرْيَحيِّ قصّره / ربك في عمرك الذي وَفَره
طالت فألوى بطولها كرمٌ / فيك جسيم فقيل مُختَصره
ولو علت لابساً سوالك من ال / نَاس لطالت وبينت قِصَرَه
دارُ أمنٍ وقرارِ
دارُ أمنٍ وقرارِ / واعتلاءٍ واقتدارِ
ومعافاة وشكرٍ / لا ابتلاء واصطبارِ
أُسِّست والطير باليم / نِ وبالسعد جواري
حلَّها بحر وأوفت / فوق بحر ذي غِمار
وعليٌّ أشبه البح / رين حقاً بالبحار
مَنْزل يشهد بالنْب / لِ كُبارٌ لِكُبار
لم يزل يبنَى بناء ال / مجد مرفوعَ المنار
سبقَ السُّبّاق عفواً / غير مشقوق الغبار
سَبْقَ وثاب الجراثي / م سبوحٍ في الخَبار
سيد الكُتّاب طُرّاً / ليس في ذاك تماري
خيرُ دارٍ حلَّ فيها / خيرُ أرباب الديار
وقديماً وفّق اللَّ / هُ خِياراً لخيار
بُنِيَتْ بالمرمر المس / نون والتبر النُّضار
ولُبابِ الساج لا بل / بِيَلَنْجوج القَماري
واكتست ثوبَ بياضٍ / ليلُهُ مثلُ النهار
فأتت زهراءَ تُعشى / بائتلاقٍ واستعار
ذات لمعٍ واتضاحٍ / فهْي من نور ونار
قُسِم الإشراقُ منها / بين سقف وجدار
ألبِسَ الزّرّين والجِب / سين من بعد اختيار
حين لم يرض شعاراً / لهما دون دثار
عُلِّيَا الزَّينَ مرارً / كُرِّرتْ بعد مرار
جنةٌ تُذْكِرُ بالجنْ / نَة قلباً ذا اعتبار
ذاتُ بُستانين قد زِي / نا بنَوْر وثمار
في غصونٍ ناعماتٍ / مثل أوصال العَذارِي
تتقي من يجتني من / ها بلين واهتصار
في بقاعٍ دَمثاتٍ / عطراتِ المستثار
تتداعى الغُنُّ فيها / من قيان وقَمَار
وتَراعَى الوحش فيها / من ألوف ونَوار
جمعتْ وحش المقاصي / رَ إلى وحش القفار
كم بها سرباً من الوح / شِ كحيلاً باحورار
ذا رقابٍ كالمضاحي / وقرون كالمَداري
كم بها سرباً من الإن / س له فيها تباري
ذا وجوهٍ كالمرايا / وقدودٍ كالسواري
تصرع الفارس منه / نّ عن الطِّرف المُطار
أعينٌ فيهنَّ سكرٌ / دونه سكر العُقار
وقديماً عجز الأس / وار عن ذات السوارِ
يا لهاتيك وجوهاً / في ثياب الكَيْمُخار
والحريرِ الحرّ والعُصْ / فر مرفضِّ الشرار
منظرٌ لا يسأل النْا / ظر جوداً باغتفار
من جميع الزَّين كاسٍ / من جميع الشَّين عاري
كم بها من صُدُغ أسْ / وَدَ معشوقِ المَدار
حول خدٍّ فيه ماءٌ / واقفٌ للعين جاري
فيه لوعاتٌ وفيه / رِيُّ أكبادٍ حِرار
ذي عِذار يترك النْا / سك مخلوعَ العذار
كم بها من شاربٍ أخ / ضرَ حلو المُسْتدار
كسَرار الشهر بل أخ / فى مَخَطَّاً من سرار
تحته ثغرٌ يباهي / ه لدَى كلِّ افترار
في فمٍ يَنْفح مسكاً / حين يدنو للسِّرار
ملك عَفٌّ تلقّى / كل فحش بازورا
ما اكتسى مَلْبس شينٍ / لا ولا ملبس عار
أنشأ الدار التي أن / شا لإفراط اغترار
بل بِنىً تُذْكِرهُ الجن / نة في خير عَقَار
مَثَّل الفردوس في الدنْ / يا بليغاً ذا اختصار
بمبان كالرَّواسي / وصِحانٍ كالصَّحاري
وحَكاها في سناءٍ / ما اكتستْه من شَوارِ
نُجِّدَتْ من خير نجدٍ / ملكتْ أيدي التِّجار
ذا تماثيلٍ حسان / من صغار وكبار
نشرتْ أسرةَ كسرى / دَسْتبْدا في دَوار
أو رماة في طِرادٍ / خلف سربٍ أو صُوار
أو رعيلٍ من حمير ال / وحش مشبوبِ الحِضار
خلفَه كل حثيث ال / رَكض في نقعٍ مُثار
كلهم مُشلي كلابٍ / مُسْلَهمّاتٍ ضَواري
قد نحا سهماً لظبيٍ / أو لثورٍ أو حمار
مُتِّعتْ بالسيد المذ / كور في يوم الفخار
وَلْينَم فيها خَليّاً / من همومِ وحِذار
إنها من شكل دار ال / فوز لا دار البوارِ
كعبة يعمُرها النا / س بحج واعتمار
طالبي فضل عليٍّ / وعطاياه الغِزار
فهمُ بين أيادي / مُستماحٍ مُستجار
مستماحِ المال في المع / روف محميِّ الذِّمار
مستشارٍ حين تُخشَى / عَثراتُ المستشار
أيها الجار الذي أص / بح مأمولَ الجوارِ
والذي لا يصرف الآ / مِلُ عنه باعتذار
أنزل الدار المُبَنّا / ةَ على سُقْيا القطار
وعلى استقبال وجهٍ / من ربيع ذي اخضرار
مُتوشٍّ باصفرار / وبياض واحمرار
ذي نجوم من خُزامَى / وشموس من بَهار
وتَسربل ثوب عيشٍ / ليس بالثوب المُعار
أخْلِق الدار التي أن / شأتَ إخلاق الإزار
أبْلِها في طاعة اللَّ / ه وجدِّد ألف دار
ولْيطُل عمرك مسرو / راً بأيامٍ قصار
يصِل الله بها خل / دك في دار القرار
حيث لا تعدم في الدا / رين منه خير جار
ليت شعري عنك هل أهْ / هَلت أمري لادّكار
نظراً يُحسن أني / لم أدعْ حُسن انتظاري
يضِنُّ أبو عيسى علينا بقطنةٍ
يضِنُّ أبو عيسى علينا بقطنةٍ / كأن أبا إسحاقَ ليس بحاضرِ
وفي جودِ إبراهيم طال بقاؤه / لنا عِوض مُعتاضُهُ غير خاسِر
إليك أبا عيسى بقطنك إننا / لنا سيدٌ مستأثِر بالمآثر
أبت لابن حماد مساعيه أن يُرى / إذا ابتدر الساعون غيرَ مبادر
كريم يرى الأموال شرّ ذخيرةٍ / بعينٍ ترى المعروف خير الذخائر
تناولني منه ببرٍّ شكرتُهُ / عليه ولم يطلب به شكر شاكر
رأى نِيقا يستقرق النعتَ كله / جميلاً محيّاه حميد المخابرِ
تضن به الأم الرؤوم على ابنها / وإن كان مأمولاً لسدّ المفاقرِ
له نَفَسٌ قبلَ المذاقِ كأنما / بديهته أنفاسُ غيداءَ عاطرِ
تحيةُ مُشتمٍّ مَلذَّةُ طاعمٍ / إذا ملكتهُ الكفُّ نزهة ناظر
فأهداه لي أهدى له الله نعمةً / محصَّنةً من سوء دَوْر الدوائر
وكنت أخا ضَعفٍ فأنهض مُنَّتي / وما زال معروفاً بأيمن طائر
وإني لأرجو منه قطناً لكسوتي / وأي كريمٍ مُطعِمٍ غيرُ ساتر
وما لأبي عيسى هنالك مِنَّةٌ / ولكنْ لإبراهيم تاجُ المفاخر
فتىً حل من بيت الحُلُومة والتقى / وبذل العطايا منزلاً غير داثر
محلاً إذا وافاه للرِّفد وفده / رأى خير معمورٍ وأفضل عامر
فتى لا تراه فاخراً بمكانه / على أنه فوق النجوم الزواهر
وما وضعْته همةٌ دون مَفْخرٍ / ولكنها أعلتْه فوق المفاخرِ
إذا شِيمُ الأحرار حالت فأصبحت / إماءً أبى منهن غيرَ الحرائرِ
سوءةً للدهر إذ يخْ
سوءةً للدهر إذ يخْ / لط إخلاصي بغيرِهْ
ما عليه لو كفاني ال / قوت يا قلةَ خيرِهْ
لِتروْا مني وليّاً / رأيُكم أفضل مَيْره
وبشيرٌ بلقاءٍ / منكُمُ أيمنُ طيرِه
يملأ الآفاق من إس / دائه فيكم ونَيْره
سائر المدح وإن كا / ن بكم إغذاذُ سيره
أخا ثقتي أعزِزْ عليّ بنوبةٍ
أخا ثقتي أعزِزْ عليّ بنوبةٍ / مَنَاكَ بها صَرْفُ القضاء المقدَّرُ
أُصبتَ وما للعبد عن حكم ربّهِ / مَحيصٌ وأمر الله أعلى وأقهر
وقد مات من لا يخلُف الدهر مثلهُ / عليك من الأسلاف والحقُّ يبهر
أبٌ بعد أمٍ برَّة وأقاربٌ / مضوا سُرُجاً في ظلمة الليل تَزْهَر
فنمتَ ولم تهجر شرابك بعدهمْ / وكم تهجر النفس الزلالَ وتسهر
تعزيتَ عمن أثمرتْك حياتُهُ / ووشْكُ التعزي عن ثمارك أجدر
لأن احتيال الدهرِ في ابنٍ وفي ابنةٍ / يسيرٌ وكرُّ الدهر شيخيك أعسر
تعذّر أن نعتاض من أمهاتنا / وآبائنا والنسلُ لا يتعذر
إلى أن يقيم الله يومَ حسابهِ / فيُلقون والأرواح تُطوَى وتنشر
فلا تهلِكن حزناً على ابنة جنةٍ / غدتْ وهي عند الله تُحبَى وتحبر
لعل الذي أعطاك سِتر حياتها / كساها من اللحد الذي هو أستر
وفي الماء طهر ليس في الطهر مثله / ولَلتُرب أحياناً من الماء أطهر
ولن تُخبَر الأنثى طوال حياتها / ولكنها بعد المنية تخبر
وليس بمأمونٍ عليها عِثارُها / مدى الدهر أو يقضى عليها وتُقبر
وكم من أخي حريةٍ قد رأيتُهُ / بنار ذوي الأصهار يُكوَى ويُصهر
فلا تتهم لله فيها ولايةً / ولا نظراً فالله للعبد أنْظَر
وأنت وإن أبصرت رشدك كلّهُ / فذو المنظر الأعلى برشدك أبصر
ولن يعوزَ الوهّابَ إخلافُ فارسٍ / فصبراً فإن البَرَّ من يتصبر
وفي العيش مُحْلَولٍ وفي العيش مُمقرٌ / وللدهر معروفٌ وللدهر منكَر
وما هذه الدنيا بدار إقامةٍ / ولكنما الدنيا مجازٌ وَمَعْبر
وسميطةٍ صفراءَ ديناريةٍ
وسميطةٍ صفراءَ ديناريةٍ / ثمناً ولوناً زفها لك حَزْوَرُ
عظمتْ فكادت أن تكون إوزةً / ونَوتْ فكاد إهابها يتفطرُ
طفِقت تجود بذَوْبها جُوذابة / قَانَى لبابَ اللوز فيها السكّر
نِعَمُ السماء هناك ظَلّ صبيبُها / يَهمي ونعم الأرض ظلت تمطر
يا حسنَها فوق الخِوان وبنتُها / قدامها بصهيرها يُتَغَرْغَر
ظلْنا نقشِّر جلدها عن لحمها / وكأن تبراً عن لُجيْن يُقشَر
وتقدّمتْها قبل ذاك ثَرائد / مثل الرياض بمثلهن يُصَدَّر
ومدقَّقات كلُّهن مزخرفٌ / بالبيض منها مُلَسَّنٌ ومُدَنَّر
وأتتْ قطائف بعد ذاك لطائفَ / تَرْضى اللهاةُ بها ويرضى الحنجر
ضُحُكُ الوجوه من الطبرزَد فوقها / دمع العيون من الدِّهان تُعصّر
من مالِ ذي فخرٍ كأن بنانهُ / خُلُجُ الفرات إذا غدت تتفجَّرُ
يعطي الكثير فيستقِل كثيرهُ / وقليلُه مِن غيرِه مستكثَر
شمسٌ يحف يمينها وشمالها / بدرُ السماء ومشتريها الأزهَر
للّه دَرُّهُمُ ثلاثةُ إخوةٍ / حسنتْ مَناظرهم وطاب المخبَر
بكر الربيع يزف أخضر ناضراً / وهُمُ أزفُّ من الربيع وأنضرُ
وطغتْ ثلاثةُ أبحر فتزاخرتْ / وهُمُ هنالك بالفواضل أزخَر
عَمِروا على طول الزمان فإنهم / نجلٌ بهم يحيا السَّماح ويُعمَر
وأقول بعد مديحهم مستعتباً / ما للوفاء من الكرام يُؤخّر
قد جاءكم تمرٌ وأوجب قَسْمَهُ / قربُ المَصيف فما لنا لا نُتمر
لاسيما ولنا بذلك موعدٌ / ووفاءُ موعدكم وفاء يؤثَر
ما حبسكم لُطفاً لديكم مُحضَراً / عمّنْ لديه به ثناء محضر
كثير نوالك في جنب ما
كثير نوالك في جنب ما / جُبِلتَ عليه من الجود نَزْرُ
ونَزْرُ نوالك عند الذي / يجود به سائر الناس غَمرُ
فمن يستزدْك يجَدْ مَذهباً / ومن يرضَ يرض بما فيه خيرُ
ولي همةٌ زاد في طولها / وفي عرضها أنّ كفيك بحرُ
وكنتَ وعدت لُهاً جمّةً / وبشّرني منك بالسيل قَطرُ
وقلت لرفدك لما بدا / هلال كأنْ قد نما منه بدْرُ
فأنجِزْ مواعيدَ أكّدتها / فقد مر عصر وقد كر عصر
ولا تُخلِفنِّي فإنّ الكري / م سيان وأْيٌ وآهُ ونذر
وهل يخلف الوعدَ من قوله / كما الوعدُ عهدٌ كذا الخُلف غدر
ومطلُ الكريم مواعيدَه / أمانٌ من الخلف ما فيه خَتْر
ولن يُنْكَر المطل لاسيما / لمن ماله الدهرَ مدٌّ وجزر
ولو وعدَتْني عنك المُنى / لأمست مواعيدها وهي وَفر
جزى القاسم الحسنى محسِّنُ وجهِهِ
جزى القاسم الحسنى محسِّنُ وجهِهِ / وجاعِلُهُ ممن يُطيب ويُكْثِرُ
فتى لا يَعُدُّ العطر ضربةَ لازبٍ / ولكنه من نفسه متعطِّرُ
أخو طِيرة لا يكره الله مثلها / ولكنها مما يُحَب ويؤثرُ
إذا نحن قلنا المدح فيه فإنه / من المدح ما لم يَجزه متطيِّر
وإن مديحاً لا يُثاب لنُدبةٌ / لميْتٍ وإن لم يُقبرِ الميتَ مُقْبر
ولو أصبح الممدوح حياً تخيَّرتْ / له نفسُه ما يصطفي المتخير
ومن خِيَرِ الأشياء باقٍ تحوزُهُ / بفانٍ إذا ما اسْتثَبتَ المتبصِّر
عينيَّ لا تتهللْ منكما الدِّرَرُ
عينيَّ لا تتهللْ منكما الدِّرَرُ / وحالِفا النومَ لا يُقذيكما السهرُ
ويا همومي ابتغي مأوىً سوى خلدي / فلن يضمّك مني اليوم محتضَرُ
عفَّت على كلّ جرمٍ أجرمتْ وجَنتْ / أوائلَ الدهر أحداثٌ له أُخرُ
يا دهرنَا كلُّ جرمٍ أنت مجرمهُ / بعد اجتياح أبي حسانَ مغتفَرُ
أصاب سهمُك منه شر من حملتْ / أنثى ومن حازه في صلبه ذكرُ
لما ثوى عافَ بطنُ الأرض جيفتَهُ / لكنّ حَوْباءهُ ارتاحتْ لها سقرُ
فهذه رَهِبتْ من أن يحلّ بها / أنْ لا يجود على غَضْرائها المطرُ
وهذه فَرحتْ واستبشرتْ ثقةً / بأن سيُضعَف منها الحر والسُّعرُ
أقول لما به أودى وقد جعلت / أخبارُ مهلكه في الناس تنتشرُ
به الردى لا بضرغام خُنابسةٍ / يبغي افتراسي ومالي دونه وزَرُ
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّهُ
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّهُ / وخُلَّته أنْ نال من وجهيَ الكُبْرُ
يظل يُراعيني بعينَيْ شَناءةٍ / يدل على بَغْضائها النظر الشَّزرُ
رأى الدهر قد أودى بماء شبيبتي / فأنكر مني الشيبَ إنكارهُ النُّكرُ
كأنا تعاقدْنا الخلالة بيننا / على أنني بَسْلٌ على الدهر أو حِجْرُ
ضمنتُ له أن لا أخون فظنني / ضمنتُ له أن لا يخوننيَ الدهرُ
تجاهل أحداث الزمان وإنه / ليعلم حقاً أن قصري له قصرُ
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّه
وخِلٍّ كخِلْم السوء أنكرتُ ودَّه / وخُلَّته أن نَكّر الدهر منظري
يظل يُراعيني بعينَي شناءةٍ / ويُعرِضُ عن ودي بخدٍ مُصعّر
كأنا تعاقدنا الخلالة بيننا / لوجهٍ طرير أو لخلْقٍ مصوَّر
رأى الدهر قد أودى بماء شبيبتي / فأنكر من أحداثهِ غيرَ منكر
ولم تر خلم السوء تمنح وصلها / خليلاً فترعاهُ على حين مَكبر
ومن لم يزلْ بالحادثات معيِّراً / فَوشكان ما يُلْحقْنَه بالمعيَّر
ومهما شكا الشاكون من جور دهرهم / فليس مُريباً معشراً دون معشر
وإني وإنْ جفني تقادم عهده / لأمضي مضاءَ المَشرفيِّ المذكَّر
بدت لي غادة لم تبدُ إلا
بدت لي غادة لم تبدُ إلا / توهّمها هناك البدرُ بدرا
تُماشي الغُنْجَ في خُفّين صِيغا / وِفاقاً للمُنى شكلاً وقدرا
فقلت لها بكم هذان قالت / بحملها على كتفيك شهرا
فقلت وفيهما قدماك قالت / نعم فَنَخرت عشراً ثم عشرا
فقالت ما تركتَ لملتقانا / فقلت النيكُ قالت طاب جهرا
فملت بها إلى رحلي فكانت / ألذّ مطيةٍ بطناً وظهرا
مدحت سليمان المُغلّبَ مدحةً
مدحت سليمان المُغلّبَ مدحةً / تجاوزُ قدرَ العبد لو كان يشكُرُ
فَعُمِّيَ عنهُ ناظراه كأنهُ / بعوراءِ عيْنَيْ جَدِّه ظلّ ينظر
وما كان مدحي من طريدِ هزيمةٍ / على عقبيه سَلْحُه بعدُ يقطُر
شننتُ عليه حلةً ليس عيبها / سوى أنها ظلت تطول ويقصر
جاءتك تستعديك قافيةٌ
جاءتك تستعديك قافيةٌ / يا ابن الفرات على أبي الصقر
مُهرتْ ضرائرُها وما مهرت / بقرىً وَلَهْيَ أحقُّ بالمهر
فاحكم فإنك لم تزل حَكَماً / للقوم في الجُلَّى من الأمر
واغضب لها غضباً يقود رضاً / يشكرْك قائلها يدَ الدهر
يا فاصدَ العرق المبارك فصدُهُ
يا فاصدَ العرق المبارك فصدُهُ / قسماً لقد صَفَّيْتَ غير مكدَّرِ
عِرق فَراه شبا الحديدة عن دمٍ / كعُصارة المسك الذكي الأذفرِ
يشفى من الكَلب العَياء إذا أبى / كلّ الإباء على الشفاء الأكبر
لو كان ماءً للوجوه لأشرقتْ / ورأت لها الأبصارُ أحسن منظر
سفكْت به كفُّ الطبيب صُبابةً / كم دونها من وِردِ موتٍ أحمر
إنّي أظن قرارةً حَظيتْ بهِ / ستكون أخرى الدهر معدنَ عنبر
لو تشرب الأرض الدماء لطيبها / شربتْ فَصيدك أمسِ أرضُ العسكر
أتلفْ به داءً وأخلِفْ صحةً / والبسْ جديد العيش لبسَ معمَّر
غادرتَ فصدك غرة مشهورة / في وجه يوم السبت حتى المحشر
قد كان يوماً لا نباهةَ باسمهِ / فكسوتَهُ سِيما أغرَّ مُشهَّر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025