المجموع : 44
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري / أُعيذُكَ مِن وَجدٍ تَغَلغَلَ في صَدري
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ في زَيِّهِ أَتى / فَقُم نَلتَمِس لِلسُهدِ دِرعاً مِنَ الصَبرِ
وَهَذا السُرى نَحوَ الحِمى يَستَفِزُّنا / فَهَيّا وَإِن كُنّا عَلى مَركَبٍ وَعرِ
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ قَد طالَ عُمرُهُ / وَلَيسَ لَهُ غَيرُ الأَحاديثِ وَالذِكرِ
فَهاتِ لَنا أَذكى حَديثٍ وَعَيتَهُ / أَلَذُّ بِهِ إِنَّ الأَحاديثَ كَالخَمرِ
قالَتِ الجَوزاءُ حينَ رَأَت
قالَتِ الجَوزاءُ حينَ رَأَت / جَفنَهُ قَد واصَلَ السَهَرا
ما لِهَذا الصَبِّ في وَلَهٍ / أَتُراهُ يَعشَقُ القَمَرا
سائِلوا اللَيلَ عَنهُمُ وَالنَهارا
سائِلوا اللَيلَ عَنهُمُ وَالنَهارا / كَيفَ باتَت نِسائُهُم وَالعَذارى
كَيفَ أَمسى رَضيعُهُم فَقَدَ الأُم / مَ وَكَيفَ اِصطَلى مَعَ القَومِ نارا
كَيفَ طاحَ العَجوزُ تَحتَ جِدارٍ / يَتَداعى وَأَسقُفٍ تَتَجارى
رَبِّ إِنَّ القَضاءَ أَنحى عَلَيهِم / فَاِكشِفِ الكَربَ وَاِحجُبِ الأَقدارا
وَمُرِ النارَ أَن تَكُفَّ أَذاها / وَمُرِ الغَيثَ أَن يَسيلَ اِنهِمارا
أَينَ طوفانُ صاحِبِ الفُلكِ يَروي / هَذِهِ النارَ فَهيَ تَشكو الأُوارا
أَشعَلتَ فَحمَةَ الدَياجي فَباتَت / تَملَأُ الأَرضَ وَالسَماءَ شَرارا
غَشِيَتهُم وَالنَحسُ يَجري يَميناً / وَرَمَتهُم وَالبُؤسُ يَجري يَسارا
فَأَغارَت وَأَوجُهُ القَومِ بيضٌ / ثُمَّ غارَت وَقَد كَسَتهُنَّ قارا
أَكَلَت دورَهُم فَلَمّا اِستَقَلَّت / لَم تُغادِر صِغارَهُم وَالكِبارا
أَخرَجَتهُم مِنَ الدِيارِ عُراةً / حَذَرَ المَوتِ يَطلُبونَ الفِرارا
يَلبَسونَ الظَلامَ حَتّى إِذا ما / أَقبَلَ الصُبحُ يَلبَسونَ النَهارا
حُلَّةً لا تَقيهِمُ البَردَ وَالحَر / رَ وَلا عَنهُمُ تَرُدُّ الغُبارا
أَيُّها الرافِلونَ في حُلَلِ الوَش / يِ يَجُرّونَ لِلذُيولِ اِفتِخارا
إِنَّ فَوقَ العَراءِ قَوماً جِياعاً / يَتَوارَونَ ذِلَّةً وَاِنكِسارا
أَيُّهَذا السَجينُ لا يَمنَعُ السِج / نُ كَريماً مِن أَن يُقيلَ العِثارا
مُر بِأَلفٍ لَهُم وَإِن شِئتَ زِدها / وَأَجِرهُم كَما أَجَرتَ النَصارى
قَد شَهِدنا بِالأَمسِ في مِصرَ عُرساً / مَلَأَ العَينَ وَالفُؤادَ اِبتِهارا
سالَ فيهِ النُضارُ حَتّى حَسِبنا / أَنَّ ذاكَ الفِناءَ يَجري نُضارا
باتَ فيهِ المُنَعَّمونَ بِلَيلٍ / أَخجَلَ الصُبحَ حُسنُهُ فَتَوارى
يَكتَسونَ السُرورَ طَوراً وَطَوراً / في يَدِ الكَأسِ يَخلَعونَ الوَقارا
وَسَمِعنا في مَيتِ غَمرٍ صِياحاً / مَلَأَ البَرَّ ضَجَّةً وَالبِحارا
جَلَّ مَن قَسَّمَ الحُظوظَ فَهَذا / يَتَغَنّى وَذاكَ يَبكي الدِيارا
رُبَّ لَيلٍ في الدَهرِ قَد ضَمَّ نَحساً / وَسُعوداً وَعُسرَةً وَيَسارا
هَذا صَبِيٌّ هائِمٌ
هَذا صَبِيٌّ هائِمٌ / تَحتَ الظَلامِ هُيامَ حائِر
أَبلى الشَقاءُ جَديدَهُ / وَتَقَلَّمَت مِنهُ الأَظافِر
فَاُنظُر إِلى أَسمالِهِ / لَم يَبقَ مِنها ما يُظاهِر
هُوَ لا يُريدُ فِراقَها / خَوفَ القَوارِسِ والهَواجِر
لَكِنَّها قَد فارَقَت / هُ فِراقَ مَعذورٍ وَعاذِر
إِنّي أَعُدُّ ضُلوعَهُ / مِن تَحتِها وَاللَيلُ عاكِر
أَبصَرتُ هَيكَلَ عَظمِهِ / فَذَكَرتُ سُكّانَ المَقابِر
فَكَأَنَّما هُوَ مَيِّتٌ / أَحياهُ عيسى بَعدَ عازَر
قَد كانَ يَهدِمُهُ النَسي / مُ وَكادَ تَدروهُ الأَعاصِر
وَتَراهُ مِن فَرطِ الهُزا / لِ تَكادُ تَثقِبُهُ المَواطِر
عَجَباً أَيَفرِسُهُ الطَوى / في قَلبِ حاضِرَةِ الحَواضِر
وَتَغولُهُ البُؤسى وَطَر / فُ رِعايَةِ الأَطفالِ ساهِر
كَم مِثلِهِ تَحتَ الدُجى / أَسوانَ بادي الضُرِّ طائِر
خَزيانَ يَخرُجُ في الظَلا / مِ خُروجَ خُفّاشِ المَغاوِر
مُتَلَفِّعاً جِلبابَهُ / مُتَرَقِّباً مَعروفَ عابِر
يَقذى بِرُؤيَتِهِ فَلا / تَلوي عَلَيهِ عَينُ ناظِر
قَعَدَت شُعوبُ الشَرقِ عَن
قَعَدَت شُعوبُ الشَرقِ عَن / كَسبِ المَحامِدِ وَالمَفاخِر
فَوَنَت وَفي شَرعِ التَنا / حُرِ مَن وَنى لا شَكَّ خاسِر
تَمشي الشُعوبُ لِقَصدِها / قُدُماً وَشَعبُ النيلِ آخِر
كَم في الكِنانَةِ مِن فَتىً / نَدبٍ وَكَم في الشَأمِ قادِر
لَكِنَّهُم لَم يُرزَقوا / رَأياً وَلَم يَرِدوا المَخاطِر
هَذا يَطيرُ مَعَ الخَيا / لِ وَذاكَ يَرتَجِلُ النَوادِر
جَهِلوا الحَياةَ وَما الحَيا / ةُ لِغَيرِ كَدّاحٍ مُغامِر
يَجتابُ أَجوازَ القِفا / رِ وَيَمتَطي مَتنَ الزَواخِر
لا يَستَشيرُ سِوى العَزي / مَةِ في المَوارِدِ وَالمَصادِر
يَرمي وَراءَ الباقِيا / تِ بِنَفسِهِ رَميَ المُقامِر
ما هَدَّ عَزمَ القادِري / نَ بِمِصرَ إِلّا قَولُ باكِر
كَم ذا نُحيلُ عَلى غَدٍ / وَغَدٌ مَصيرَ اليَومِ صائِر
خَوَتِ الدِيارُ فَلا اِختِرا / عَ وَلا اِقتِصادَ وَلا ذَخائِر
دَع ما يُجَشِّمُها الجُمو / دُ وَما يَجُرُّ مِنَ الجَرائِر
في الإِقتِصادِ حَياتُنا / وَبَقاؤُنا رَغمَ المُكابِر
تَربو بِهِ فينا المَصا / نِعُ وَالمَزارِعُ وَالمَتاجِر
سَل حِشمَتاً عَنهُ فَهَ / ذا حِشمَتٌ في الجَمعِ حاضِر
أَحيا الصِناعَةَ وَالتِجا / رَةَ مِثلَما أَحيا الضَمائِر
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ / مِن خاطِري تِلكَ المَقاطِر
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا / حٍ دونَهُ نَحتُ المَحاجِر
أَيُّها الوَسمِيُّ زُر نَبتَ الرُبا
أَيُّها الوَسمِيُّ زُر نَبتَ الرُبا / وَاِسبِقِ الفَجرَ إِلى رَوضِ الزَهَر
حَيِّهِ وَاِنثُر عَلى أَكمامِهِ / مِن نِطافِ الماءِ أَشباهَ الدُرَر
أَيُّها الزَهرُ أَفِق مِن سِنَةٍ / وَاِصطَبِح مِن خَمرَةٍ لَم تُعتَصَر
مِن رَحيقٍ أُمُّهُ غادِيَةٌ / ساقَها تَحتَ الدُجى رَوحُ السَحَر
وَاِنفَحِ الرَوضَ بِنَشرٍ طَيِّبٍ / عَلَّهُ يوقِظُ سُكّانَ الشَجَر
إِنَّ بي شَوقاً إِلى ذي غُنَّةٍ / يُؤنِسُ النَفسَ وَقَد نامَ السَمَر
إيهِ يا طَيرُ أَلا مِن مُسعِدٍ / إِنَّني قَد شَفَّني طولُ السَهَر
قُم وَصَفِّق وَاِستَحِر وَاِسجَع وَنُح / وَاِروِ عَن إِسحاقَ مَأثورَ الخَبَر
ظَهَرَ الفَجرُ وَقَد عَوَّدتَني / أَن تُغَنّيني إِذا الفَجرُ ظَهَر
غَنِّني كَم لَكَ عِندي مِن يَدٍ / سَرَّتِ الأَشجانَ عَنّي وَالفِكَر
اِخرِقِ السَمعَ سِوى مِن نَبَإٍ / خَرَقَ السَمعَ فَأَدمى فَوَقَر
كُلَّ يَومٍ نَبأَةٌ تَطرُقُنا / بِعَجيبٍ مِن أَعاجيبِ العِبَر
أُمَمٌ تَفنى وَأَركانٌ تَهي / وَعُروشٌ تَتَهاوى وَسُرُر
وَجُيوشٌ بِجُيوشٍ تَلتَقي / كَسُيولٍ دَفَقَت في مُنحَدَر
وَرِجالٌ تَتَبارى لِلرَدى / لا تُبالي غابَ عَنها أَم حَضَر
مَن رَآها في وَغاها خالَها / صِبيَةً خَفَّت إِلى لِعبِ الأُكَر
وَحُروبٌ طاحِناتٌ كُلَّما / أُطفِئَت شَبَّ لَظاها وَاِستَعَر
ضَجَّتِ الأَفلاكُ مِن أَهوالِها / وَاِستَعاذَ الشَمسُ مِنها وَالقَمَر
في الثَرى في الجَوِّ في شُمِّ الذُرا / في عُبابِ البَحرِ في مَجرى النَهَر
أَسرَفَت في الخَلقِ حَتّى أَوشَكوا / أَن يَبيدوا قَبلَ ميعادِ البَشَر
فَاِصمِدوا ثُمَّ اِحمَدوا اللَهَ عَلى / نِعمَةِ الأَمنِ وَطيبِ المُستَقَرّ
نِعمَةُ الأَمنِ وَما أَدراكَ ما / نِعمَةُ الأَمنِ إِذا الخَطبُ اِكفَهَرّ
وَاِشكُروا سُلطانَ مِصرٍ وَاِشكُروا / صاحِبَ الدَولَةِ مَحمودَ الأَثَر
نَحنُ في عَيشٍ تَمَنّى دونَهُ / أُمَمٌ في الغَربِ أَشقاها القَدَر
تَتَمَنّى هَجعَةً في غِبطَةٍ / لَم تُساوِرها اللَيالي بِالكَدَر
إِنَّ في الأَزهَرِ قَوماً نالَهُم / مِن لَظى نيرانِها بَعضُ الشَرَر
أَصبَحوا لا قَدَّرَ اللَهُ لَنا / في عَناءٍ وَشَقاءٍ وَضَجَر
نُزَلاءٌ بَينَنا إِن يُرهَقوا / أَو يُضاموا إِنَّها إِحدى الكُبَر
فَأَعينوهُم فَهُم إِخوانُكُم / مَسَّهُم ضُرٌّ وَنابَتهُم غِيَر
أَقرِضوا اللَهَ يُضاعِف أَجرَكُم / إِنَّ خَيرَ الأَجرِ أَجرٌ مُدَّخَر
أَيُّها الطِفلُ لَكَ البُشرى فَقَد
أَيُّها الطِفلُ لَكَ البُشرى فَقَد / قَدَّرَ اللَهُ لَنا أَن نُنشَرا
قَدَّرَ اللَهُ حَياةً حُرَّةً / وَأَبى سُبحانَهُ أَن تُقبَرا
لا تَخَف جوعاً وَلا عُرياً وَلا / تَبكِ عَيناكَ إِذا خَطبٌ عَرا
لَكَ عِندَ البِرِّ في مَلجَئِهِ / حَيثُ تَأوي خاطِرٌ لَن يُكسَرا
حَيثُ تَلقى فيهِ حَدباً وَتَرى / بَينَ أَترابِكَ عَيشاً أَنضَرا
لا تُسِئ ظَنّاً بِمُثرينا فَقَد / تابَ عَن آثامِهِ وَاِستَغفَرا
كانَ بِالأَمسِ وَأَقصى هَمِّهِ / إِن أَتى عارِفَةً أَن يَظهَرا
فَغَدا اليَومَ يُواسي شَعبَهُ / وَهوَ لا يَرغَبُ في أَن يُشكَرا
نَبَّهَت عاطِفَةَ البِرِّ بِهِ / مِحنَةٌ عَمَّت وَمِقدارٌ جَرى
جَمَعَتنا في صَعيدٍ واحِدٍ / وَأَرادَتنا عَلى أَن نُقهَرا
فَتَعاهَدنا عَلى دَفعِ الأَذى / بِرُكوبِ الحَزمِ حَتّى نَظفَرا
وَتَواصَينا بِصَبرٍ بَينَنا / فَغَدَونا قُوَّةً لا تُزدَرى
أَنَشَرَت في مِصرَ شَعباً صالِحاً / كانَ قَبلَ اليَومِ مُنفَكَّ العُرا
كَم مُحِبٍّ هائِمٍ في حُبِّها / ذادَ عَن أَجفانِهِ سَرحَ الكَرى
وَشَبابٍ وَكُهولٍ أَقسَموا / أَن يَشيدوا مَجدَها فَوقَ الذُرا
يا رِجالَ الجِدِّ هَذا وَقتُهُ / آنَ أَن يَعمَلَ كُلٌّ ما يَرى
مَلجَأً أَو مَصرِفاً أَو مَصنَعاً / أَو نِقاباتٍ لِزُرّاعِ القُرى
أَنا لا أَعذِرُ مِنكُم مَن وَنى / وَهوَ ذو مَقدِرَةٍ أَو قَصَّرا
فَاِبدَؤوا بِالمَلجَإِ الحُرِّ الَّذي / جِئتُ لِلأَيدي لَهُ مُستَمطِرا
وَاِكفُلوا الأَيتامَ فيهِ وَاِعلَموا / أَنَّ كُلَّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا
أَيُّها المُثري أَلا تَكفُلُ مَن / باتَ مَحروماً يَتيماً مُعسِرا
أَنتَ ما يُدريكَ لَو أَنبَتَّهُ / رُبَّما أَطلَعتَ بَدراً نَيِّرا
رُبَّما أَطلَعتَ سَعداً آخَراً / يُحكِمُ القَولَ وَيَرقى المِنبَرا
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ عَبدَهُ / مَن حَمى الدينَ وَزانَ الأَزهَرا
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ شاعِراً / مِثلَ شَوقي نابِهاً بَينَ الوَرى
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ فارِساً / يَدخُلُ الغيلَ عَلى أُسدِ الشَرى
كَم طَوى البُؤسُ نُفوساً لَو رَعَت / مَنبِتاً خِصباً لَكانَت جَوهَرا
كَم قَضى العُدمُ عَلى مَوهِبَةٍ / فَتَوارَت تَحتَ أَطباقِ الثَرى
كُلُّ مَن أَحيا يَتيماً ضائِعاً / حَسبُهُ مِن رَبِّهِ أَن يُؤجَرا
إِنَّما تُحمَدُ عُقبى أَمرِهِ / مَن لِأُخراهُ بِدُنياهُ اِشتَرى
أَساحَةٌ لِلحَربِ أَم مَحشَرُ
أَساحَةٌ لِلحَربِ أَم مَحشَرُ / وَمَورِدُ المَوتِ أَمِ الكَوثَرُ
وَهَذِهِ جُندٌ أَطاعوا هَوى / أَربابِهِم أَم نَعَمٌ تُنحَرُ
لِلَّهِ ما أَقسى قُلوبَ الأُلى / قاموا بِأَمرِ المُلكِ وَاِستَأثَروا
وَغَرَّهُم في الدَهرِ سُلطانُهُم / فَأَمعَنوا في الأَرضِ وَاِستَعمَروا
قَد أَقسَمَ البيضُ بِصُلبانِهِم / لا يَهجُرونَ المَوتَ أَو يُنصَروا
وَأَقسَمَ الصُفرُ بِأَوثانِهِم / لا يَغمِدونَ السَيفَ أَو يَظفَروا
فَمادَتِ الأَرضُ بِأَوتادِها / حينَ اِلتَقى الأَبيَضُ وَالأَصفَرُ
وَأَثمَلَتها خَمرَةٌ مِن دَمٍ / يَلهو بِها الميكادُ وَالقَيصَرُ
وَأَشبَهَت يَومَ الوَغى أُختَها / إِذ لاحَ فيها الشَفَقُ الأَحمَرُ
وَأَصبَحَت تَشتاقُ طوفانَها / لَعَلَّها مِن رِجسِها تَطهُرُ
أَشبَعتِ يا حَربُ ذِئابَ الفَلا / وَغَصَّتِ العِقبانُ وَالأَنسُرُ
وَميرَتِ الحيتانُ في بَحرِها / وَمَطمَعُ الإِنسانِ لا يُقدَرُ
إِن كانَ هَذا الدُبُّ لا يَنثَني / وَذَلِكَ التِنّينُ لا يُقهَرُ
وَالبيضُ لا تَرضى بِخِذلانِها / وَالصُفرُ بَعدَ اليَومِ لا تُكسَرُ
فَما لِتِلكَ الحَربِ قَد شَمَّرَت / عَن ساقِها حَتّى قَضى العَسكَرُ
سالَت نُفوسُ القَومِ فَوقَ الظُبا / فَسالَتِ البَطحاءُ وَالأَنهُرُ
وَأَصبَحَت مِكدَنُ ياقوتَةً / يَغارُ مِنها الدُرُّ وَالجَوهَرُ
ياقوتَةً قَد قُوِّمَت بَينَهُم / بِأَنفُسٍ كَالقَطرِ لا تُحصَرُ
أَضحى رَسولُ المَوتِ ما بَينَها / حَيرانَ لا يَدري بِما يُؤمَرُ
عِزريلُ هَل أَبصَرتَ فيما مَضى / وَأَنتَ ذاكَ الكَيِّسُ الأَمهَرُ
كَذَلِكَ المِدفَعُ في بَطشِهِ / إِذا تَعالى صَوتُهُ المُنكَرُ
تَراهُ إِن أَوفى عَلى مُهجَةٍ / لا الدِرعُ يَثنيهِ وَلا المِغفَرُ
أَمسى كُروبَتكينَ في غَمرَةٍ / وَباتَ أوياما لَهُ يَنظُرُ
وَظَلَّتِ الروسُ عَلى جَمرَةٍ / وَالمَجدُ يَدعوهُم أَلا فَاِصبِروا
وَذَلِكَ الأُسطولُ ما خَطبُهُ / حَتّى عَراهُ الفَزَعُ الأَكبَرُ
أَكُلَّما لاحَ لَهُ سابِحٌ / تَحتَ الدُجى أَو قارِبٌ يَمخُرُ
ظَنَّ بِهِ طوجو فَأَهدى لَهُ / تَحِيَّةً طوجو بِها أَخبَرُ
تَحِيَّةً مِن واجِدٍ شَيِّقٍ / أَنفاسُهُ مِن حَرِّها تَزفِرُ
فَهَل دَرى القَيصَرُ في قَصرِهِ / ما تُعلِنُ الحَربَ وَما تُضمِرُ
فَكَم قَتيلٍ باتَ فَوقَ الثَرى / يَنتابُهُ الأُظفورُ وَالمِنسَرُ
وَكَم جَريحٍ باسِطٍ كَفَّهُ / يَدعو أَخاهُ وَهوَ لا يُبصِرُ
وَكَم غَريقٍ راحَ في لُجَّةٍ / يَهوي بِها الطَودُ فَلا يَظهَرُ
وَكَم أَسيرٍ باتَ في أَسرِهِ / وَنَفسُهُ مِن حَسرَةٍ تَقطُرُ
إِن لَم تَرَوا في الصُلحِ خَيراً لَكُم / فَالدَهرُ مِن أَطماعِكُم أَقصَرُ
تَسوؤُنا الحَربُ وَإِن أَصبَحَت / تَدعو رِجالَ الشَرقِ أَن يَفخَروا
أَتى عَلى الشَرقِيِّ حينٌ إِذا / ما ذُكِرَ الأَحياءُ لا يُذكَرُ
وَمَرَّ بِالشَرقِ زَمانٌ وَما / يَمُرُّ بِالبالِ وَلا يَخطِرُ
حَتّى أَعادَ الصُفرُ أَيّامَهُ / فَاِنتَصَفَ الأَسوَدُ وَالأَسمَرُ
فَرَحمَةُ اللَهِ عَلى أُمَّةٍ / يَروي لَها التاريخُ ما يُؤثَرُ
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ / هِلالٌ رَآهُ المُسلِمونَ فَكَبَّروا
تَجَلّى لَهُم في صورَةٍ زادَ حُسنُها / عَلى الدَهرِ حُسناً أَنَّها تَتَكَرَّرُ
وَبَشَّرَهُم مِن وَجهِهِ وَجَبينِهِ / وَغُرَّتِهِ وَالناظِرينَ مُبَشِّرُ
وَأَذكَرَهُم يَوماً أَغَرَّ مُحَجَّلاً / بِهِ تُوِّجَ التاريخُ وَالسَعدُ مُسفِرُ
وَهاجَرَ فيهِ خَيرُ داعٍ إِلى الهُدى / يَحُفُّ بِهِ مِن قُوَّةِ اللَهِ عَسكَرُ
يُماشيهِ جِبريلٌ وَتَسعى وَراءَهُ / مَلائِكَةٌ تَرعى خُطاهُ وَتَخفِرُ
بِيُسراهُ بُرهانٌ مِنَ اللَهِ ساطِعٌ / هُدىً وَبِيُمناهُ الكِتابُ المُطَهَّرُ
فَكانَ عَلى أَبوابِ مَكَّةَ رَكبُهُ / وَفي يَثرِبٍ أَنوارُهُ تَتَفَجَّرُ
مَضى العامُ مَيمونَ الشُهورِ مُبارَكاً / تُعَدَّدُ آثارٌ لَهُ وَتُسَطَّرُ
مَضى غَيرَ مَذمومٍ فَإِن يَذكُروا لَهُ / هَناتٍ فَطَبعُ الدَهرِ يَصفو وَيَكدُرُ
وَإِن قيلَ أَودى بِالأُلوفِ أَجابَهُم / مُجيبٌ لَقَد أَحيا المَلايينَ فَاُنظُروا
إِذا قيسَ إِحسانُ اِمرِئٍ بِإِساءَةٍ / فَأَربى عَلَيها فَالإِساءَةُ تُغفَرُ
فَفيهِ أَفاقَ النائِمونَ وَقَد أَتَت / عَلَيهِم كَأَهلِ الكَهفِ في النَومِ أَعصُرُ
وَفي عالَمِ الإِسلامِ في كُلِّ بُقعَةٍ / لَهُ أَثَرٌ باقٍ وَذِكرٌ مُعَطَّرُ
سَلوا التُركَ عَمّا أَدرَكوا فيهِ مِن مُنىً / وَما بَدَّلوا في المَشرِقَينِ وَغَيَّروا
وَإِن لَم يَقُم إِلّا نِيازي وَأَنوَرٌ / فَقَد مَلَأَ الدُنيا نِيازي وَأَنوَرُ
تَواصَوا بِصَبرٍ ثُمَّ سَلّوا مِنَ الحِجا / سُيوفاً وَجَدّوا جِدَّهُم وَتَدَبَّروا
فَسادوا وَشادوا لِلهِلالِ مَنازِلاً / عَلى هامِها سَعدُ الكَواكِبِ يُنثَرُ
تَجَلّى بِها عَبدُ الحَميدِ بِوَجهِهِ / عَلى شَعبِهِ وَالشاهُ خَزيانُ يَنظُرُ
سَلامٌ عَلى عَبدِ الحَميدِ وَجَيشِهِ / وَأُمَّتِهِ ما قامَ في الشَرقِ مِنبَرُ
سَلوا الفُرسَ عَن ذِكرى أَياديهِ عِندَهُم / فَقَد كانَ فيهِ الفُرسُ عُمياً فَأَبصَروا
جَلا لَهُمُ وَجهَ الحَياةِ فَشاقَهُم / فَباتوا عَلى أَبوابِها وَتَجَمهَروا
يُنادونَ أَن مُنّي عَلَينا بِنَظرَةٍ / وَأَحيي قُلوباً أَوشَكَت تَتَفَطَّرُ
كِلانا مَشوقٌ وَالسَبيلُ مُمَهَّدٌ / إِلى الوَصلِ لَولا ذَلِكَ المُتَغَشمِرُ
أَطِلّي عَلَينا لا تَخافي فَإِنَّنا / بِسِرِّكِ أَوفى مِنهُ حَولاً وَأَقدَرُ
سَلامٌ عَلَيكُم أُمَّةَ الفُرسِ إِنَّكُم / خَليقونَ أَن تَحيَوا كِراماً وَتَفخَروا
وَلا أُقرِئُ الشاهَ السَلامَ فَإِنَّهُ / يُريقُ دِماءَ المُصلِحينَ وَيَهدُرُ
وَفيهِ هَوى عَبدُ العَزيزِ وَعَرشُهُ / وَأَخنى عَلَيهِ الدَهرُ وَالأَمرُ مُدبِرُ
وَلا عَجَبٌ أَن ثُلَّ عَرشُ مُمَلَّكٍ / قَوائِمُهُ عودٌ وَدُفُّ وَمِزهَرُ
فَأَلقى إِلى عَبدِ الحَفيظِ بِتاجِهِ / وَمَرَّ عَلى أَدراجِهِ يَتَعَثَّرُ
وَقامَ بِأَمرِ المُسلِمينَ مُوَفَّقٌ / عَلى عَهدِهِ مُرّاكِشٌ تَتَحَضَّرُ
وَفي دَولَةِ الأَفغانِ كانَت شُهورُهُ / وَأَيّامُهُ بِالسَعدِ وَاليُمنِ تُزهِرُ
أَقامَ بِها وَالعودُ رَيّانُ أَخضَرٌ / وَفارَقَها وَالعودُ فَينانُ مُثمِرُ
وَعَوَّذَها بِاللَهِ مِن شَرِّ طامِعٍ / إِذا ما رَمى إِدوَردُ أَو راشَ قَيصَرُ
وَفيهِ نَمَت في الهِندِ لِلعِلمِ نَهضَةٌ / أَرى تَحتَها سِرّاً خَفِيّاً سَيَظهَرُ
فَتَجري إِلى العَلياءِ وَالمَجدِ شَوطَها / وَيُخصِبُ فيها كُلُّ جَدبٍ وَيَنضُرُ
وَفيهِ بَدَت في أُفقِ جاوَةَ لَمعَةٌ / أَضاءَت لِأَهليها السَبيلَ فَبَكَّروا
فَيالَيتَهُ أَولى الجَزائِرَ مِنَّةً / تُفَكُّ لَها تِلكَ القُيودُ وَتُكسَرُ
وَفي تونُسَ الخَضراءِ يا لَيتَهُ بَنى / لَهُ أَثَراً في لَوحَةِ الدَهرِ يُذكَرُ
وَفيهِ سَرَت في مِصرَ روحٌ جَديدَةٌ / مُبارَكَةٌ مِن غَيرَةٍ تَتَسَعَّرُ
خَبَت زَمَناً حَتّى تَوَهَّمتُ أَنَّها / تَجافَت عَنِ الإيراءِ لَولا كُرومَرُ
تَصَدّى فَأَوراها وَهَيهاتَ أَن يَرى / سَبيلاً إِلى إِخمادِها وَهيَ تَزفِرُ
مَضى زَمَنُ التَنويمِ يا نيلُ وَاِنقَضى / فَفي مِصرَ أَيقاظٌ عَلى مِصرَ تَسهَرُ
وَقَد كانَ مُرفينُ الدَهاءِ مُخَدَّراً / فَأَصبَحَ في أَعصابِنا يَتَخَدَّرُ
شَعَرنا بِحاجاتِ الحَياةِ فَإِن وَنَت / عَزائِمُنا عَن نَيلِها كَيفَ نُعذَرُ
شَعَرنا وَأَحسَسنا وَباتَت نُفوسُنا / مِنَ العَيشِ إِلّا في ذُرا العِزِّ تَسخَرُ
إِذا اللَهُ أَحيا أُمَّةً لَن يَرُدَّها / إِلى المَوتِ قَهّارٌ وَلا مُتَجَبِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى قادَةٍ تَبني وَشَعبٍ يُعَمِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدعو وَداعٍ يُذَكِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدري وَعِلمٍ يُقَرَّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى حِكمَةٍ تُملى وَكَفٍّ تُحَرِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَداً / يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنَّ بِلادَكُم / تُناشِدُكُم بِاللَهِ أَن تَتَذَكَّروا
عَلَيكُم حُقوقٌ لِلبِلادِ أَجَلُّها / تَعَهُّدُ رَوضِ العِلمِ فَالرَوضُ مُقفِرُ
قُصارى مُنى أَوطانِكُم أَن تَرى لَكُم / يَداً تَبتَني مَجداً وَرَأساً يُفَكِّرُ
فَكونوا رِجالاً عامِلينَ أَعِزَّةً / وَصونوا حِمى أَوطانِكُم وَتَحَرَّروا
وَيا طالِبي الدُستورِ لا تَسكُنوا وَلا / تَبيتوا عَلى يَأسٍ وَلا تَتَضَجَّروا
أَعِدّوا لَهُ صَدرَ المَكانِ فَإِنَّني / أَراهُ عَلى أَبوابِكُم يَتَخَطَّرُ
فَلا تَنطِقوا إِلّا صَواباً فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم أَن يُقالَ تَهَوَّروا
فَما ضاعَ حَقٌّ لَم يَنَم عَنهُ أَهلُهُ / وَلا نالَهُ في العالَمينَ مُقَصِّرُ
لَقَد ظَفِرَ الأَتراكُ عَدلاً بِسُؤلِهِم / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
هُمُ لَهُمُ العامُ القَديمُ مُقَدَّرٌ / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
ثِقوا بِالأَميرِ القائِمِ اليَومَ إِنَّهُ / بِكُم وَبِما تَرجونَ أَدرى وَأَخبَرُ
فَلا زالَ مَحروسَ الأَريكَةِ جالِساً / عَلى عَرشِ وادي النيلِ يَنهى وَيَأمُرُ
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ / في المَشرِقَينِ عَلا وَطار
النيلُ وَالبُسفورُ في / كَ تَجاذَبا ذَيلَ الفَخار
يَومَ اِمتَطَيتَ بُراقَكَ ال / مَيمونَ وَاِجتَزتَ القِفار
تَلهو وَتَعبَثُ بِالرِيا / حِ عَلى المَفاوِزِ وَالبِحارِ
لَو سابَقَتكَ سَوابِقُ ال / أَفكارِ أَدرَكَها العِثار
حَسَدَتكَ في الأُفُقِ البُرو / قُ وَغارَ في الأَرضِ البُخار
تَجري بِسابِحَةٍ تَشُق / قُ سَبيلَها شَقَّ الإِزار
وَتَكادُ تَقدَحُ في الأَثي / رِ فَيَستَحيلُ إِلى شَرار
مِثلَ الشِهابِ اِنقَضَّ في / آثارِ عِفريتٍ وَثار
فَإِذا عَلَت فَكَدَعوَةِ ال / مُضطَرِّ تَختَرِقُ السِتار
وَإِذا هَوَت فَكَما هَوَت / أُنثى العُقابِ عَلى الهَزاز
وَتُسِفُّ آوِنَةً وَآ / وِنَةً يَحيدُ بِها اِزوِرار
فَيَخالُها الراؤونَ قَد / قَرَّت وَلَيسَ بِها قَرار
لَعِبَ الجَوادُ أَقَلَّ لَي / ثاً مِن قُضاعَةَ أَو نِزار
أَو كَاللَعوبِ مِنَ الحَما / ئِمِ فَوقَ مَلعَبِهِ اِستَطار
وَكَأَنَّها في الأُفقِ حي / نَ يَميلُ ميزانُ النَهار
وَالشَمسُ تُلقي فَوقَها / حُلَلَ اِحمِرارٍ وَاِصفِرار
مَلِكٌ تُمَثِّلُهُ لَنا ال / سيما فَيَأخُذُنا اِنبِهار
فَتحي بِرَبِّكَ ما رَأَي / تَ بِذَلِكَ الفَلَكِ المُدار
أَبَلَغتَ تَسبيحَ المَلا / ئِكِ أَو دَنَوتَ مِنَ السِرار
أَم خِفتَ تِلكَ الراصِدا / تِ هُناكَ مِن شُهُبٍ وَنار
أَرَأَيتَ سُكّانَ النُجو / مِ وَأَنتَ في ذاكَ الجِوار
أَهُناكَ في المِرّيخِ ما / في الأَرضِ مِن عِلَلِ الشِجار
أَهُناكَ يَستَعدي الضَعي / فُ عَلى القَوِيِّ فَلا يُجار
ما لِاِبنِ آدَمَ زادَ في / غُلَوائِهِ فَطَغى وَجار
يا لَيتَ شِعري هَل لَهُ / في عالَمِ المَلَكوتِ ثار
أَم لاذَ مُعتَصِماً بِكُر / سِيِّ المُهَيمِنِ وَاِستَجار
فَاِستَلَّ مِن قَلبِ الجَما / دِ الصُلبِ أَجنِحَةً وَطار
وَتَسَلَّقَ الأَجواءَ مُم / تَطِياً عَواصِفَها وَسار
يَرجو النَجاءَ مِنَ المَظا / لِمِ وَالمَغارِمِ وَالدَمار
يا أَيُّها الطَيّارُ طِر / فَإِذا بَلَغتَ مَدى المَطار
فَزُرِ السُها وَالفَرقَدَي / نِ إِذا أُتيحَ لَكَ المَزار
وَسَلِ النُجومَ عَنِ الحَيا / ةِ فَفي السُؤالِ لَكَ اِعتِبار
هُم يُنبِئونَكَ أَنَّ كُل / لَ الكائِناتِ إِلى بَوار
وَالظُلمُ مِن طَبعِ النِظا / مِ فَإِن ظُلِمتَ فَلا تُمار
إِنَّ الَّذي بَرَأَ السَدي / مَ هُوَ الَّذي بَرَأَ الغُبار
في العالَمِ العُلوِيِّ وَال / سُفلِيِّ أَحكامٌ تُدار
خُلِقَ الضَعيفُ لِخِدمَةِ ال / أَقوى وَلَيسَ لَهُ خِيار
فَتَقَوَّ يَرهَبكَ القَوِي / يُ وَهُن يُلازِمكَ الصَغار
في الأَرضِ ما تَبغونَ مِن / عِزٍّ وَآمالٍ كِبار
فيها الحَديدُ وَفيهِ بَأ / سٌ يَومَ يُمتَهَنُ الذِمار
فيها الكُنوزُ الحافِلا / تُ لِمَن تَبَصَّرَ وَاِستَنار
مِنها اِستَمَدَّ قُواهُ مَن / قَهَرَ المَمالِكِ وَاِستَعار
وَبِما اِحتَوَت رَدَّ الحَصي / فُ الرَأيِ غارَةَ مَن أَغار
في ذِمَّةِ الآفاقِ سِر / وَاِرجِع إِلى تِلكَ الدِيار
وَاِجعَل تَحِيَّتَنا إِلى / بَلَدٍ بِهِ لِلمُلكِ دار
دارٌ عَلَيها لِلخِلا / فَةِ وَالهُدى رُفِعَ المَنار
دارُ الغُزاةِ الفاتِحي / نَ الصَفوَةِ الغُرِّ الخِيار
في كُلِّ حاضِرَةٍ لَهُم / غَزوٌ فَفَتحٌ فَاِنتِصار
ضَرَبوا الزَمانَ بِسَوطِ عِز / زَتِهِم فَلانَ لَهُم فَدار
يَمشونَ في غابِ القَنا / مَشيَ المُرَنَّحِ بِالعُقار
مِن كُلِّ أَروَعَ فاتِكٍ / لا يَستَشيرُ سِوى الغِرار
ذي مِرَّةٍ تُشجيهِ ذا / تُ النَقعِ لا ذاتُ الخِمار
يَغشى المَعامِعَ ضارِباً / بِحَياتِهِ ضَربَ القِمار
لا يَنثَني أَو تَخرُجَ ال / أَجرامُ عَن فَلَكِ المَدار
عَبَسَت لَهُم أَيّامُهُم / وَالعَبسُ يَعقُبُهُ اِفتِرار
ما عابَهُم أَنَّ الصُعو / دَ يَليهِ في الدَهرِ اِنحِدار
فَلِكُلِّ غادٍ رَوحَةٌ / وَلِكُلِّ وُضّاءٍ سِرار
وَلَسَوفَ يَعلو نَجمُهُم / وَيَسودُ ذَيّاكَ الشِعار
كَم حَدَّدوا يَومَ الجَلاءِ الَّذي
كَم حَدَّدوا يَومَ الجَلاءِ الَّذي / أَصبَحَ في الإِبهامِ كَالمَحشَرِ
وَسَنَّ قَومُ الطَيشِ مِن جَهلِهِم / كِذبَةَ إِبريلَ لِأُكتوبَرِ
ما لِهَذا النَجمِ في السَحَرِ
ما لِهَذا النَجمِ في السَحَرِ / قَد سَها مِن شِدَّةِ السَهَرِ
خِلتُهُ يا قَومُ يُؤنِسُني / إِن جَفاني مُؤنِسُ السَحَرِ
يا لِقَومي إِنَّني رَجُلٌ / أَفنَتِ الأَيّامُ مُصطَبَري
أَسهَرَتني الحادِثاتُ وَقَد / نامَ حَتّى هاتِفُ الشَجَرِ
وَالدُجى يَخطو عَلى مَهَلٍ / خَطوَ ذي عِزٍّ وَذي خَفَرِ
فيهِ شَخصُ اليَأسِ عانَقَني / كَحَبيبٍ آبَ مِن سَفَرِ
وَأَثارَت بي فَوادِحُهُ / كامِناتِ الهَمِّ وَالكَدَرِ
وَكَأَنَّ اللَيلَ أَقسَمَ لا / يَنقَضي أَو يَنقَضي عُمُري
أَيُّها الزِنجِيُّ ما لَكَ لَم / تَخشَ فينا خالِقَ البَشَرِ
لي حَبيبٌ هاجِرٌ وَلَهُ / صورَةٌ مِن أَبدَعِ الصُوَرِ
أَتَلاشى في مَحَبَّتِهِ / كَتَلاشي الظِلِّ في القَمَرِ
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا / بِجَورِ سَدومٍ وَهوَ مِن أَظلَمِ البَشَر
فَلَمّا بَدَت في الكَونِ آياتُ ظُلمِهِم / إِذا بِسَدومٍ في حُكومَتِهِ عُمَر
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ / وَأَتَيتُ أَنثُرُ بَينَهُم أَشعاري
زَينَ الشَبابِ وَزَينَ طُلّابِ العُلا / هَل أَنتَ بِالمُهَجِ الحَزينَةِ داري
غادَرتَنا وَالحادِثاتُ بِمَرصَدٍ / وَالعَيشُ عَيشُ مَذَلَّةٍ وَإِسارِ
ما كانَ أَحوَجَنا إِلَيكَ إِذا عَدا / عادٍ وَصاحَ الصائِحونَ بَدارِ
أَينَ الخَطيبُ وَأَينَ خَلّابُ النُهى / طالَ اِنتِظارُ السَمعِ وَالأَبصارِ
بِاللَهِ ما لَكَ لا تُجيبُ مُنادِياً / ماذا أَصابَكَ يا أَبا المِغوارِ
قُم وَاِمحُ ما خَطَّت يَمينُ كُرومَرٍ / جَهلاً بِدينِ الواحِدِ القَهّارِ
قَد كُنتَ تَغضَبُ لِلكِنانَةِ كُلَّما / هَمَّت وَهَمَّ رَجاؤُها بِعِثارِ
غَضَبَ التَقِيِّ لِرَبِّهِ وَكِتابِهِ / أَو غَضبَةَ الفاروقِ لِلمُختارِ
قَد ضاقَ جِسمُكَ عَن مَداكَ فَلَم يُطِق / صَبراً عَلَيكَ وَأَنتَ شُعلَةُ نارِ
أَودى بِهِ ذاكَ الجِهادُ وَهَدَّهُ / عَزمٌ يَهُدُّ جَلائِلَ الأَخطارِ
لَعِبَت يَمينُكَ بِاليَراعِ فَأَعجَزَت / لَعِبَ الفَوارِسِ بِالقَنا الخَطّارِ
وَجَرَيتَ لِلعَلياءِ تَبغي شَأوَها / فَجَرى القَضاءُ وَأَنتَ في المِضمارِ
أَوَ كُلَّما هَزَّ الرَجاءُ مُهَنَّداً / بَدَرَت إِلَيهِ غَوائِلُ الأَقدارِ
عَزَّ القَرارُ عَلَيَّ لَيلَةَ نَعيِهِ / وَشَهِدتُ مَوكِبَهُ فَقَرَّ قَراري
وَتَسابَقَت فيهِ النُعاةُ فَطائِرٌ / بِالكَهرَباءِ وَطائِرٌ بِبُخارِ
شاهَدتُ يَومَ الحَشرِ يَومَ وَفاتِهِ / وَعَلِمتُ مِنهُ مَراتِبَ الأَقدارِ
وَرَأَيتُ كَيفَ تَفي الشُعوبُ رِجالَها / حَقَّ الوَلاءِ وَواجِبَ الإِكبارِ
تِسعونَ أَلفاً حَولَ نَعشِكَ خُشَّعُ / يَمشونَ تَحتَ لِوائِكَ السَيّارِ
خَطّوا بِأَدمُعِهِم عَلى وَجهِ الثَرى / لِلحُزنِ أَسطاراً عَلى أَسطارِ
آناً يُوالونَ الضَجيجَ كَأَنَّهُم / رَكبُ الحَجيجِ بِكَعبَةِ الزُوّارِ
وَتَخالُهُم آناً لِفَرطِ خُشوعِهِم / عِندَ المُصَلّى يُنصِتونَ لِقاري
غَلَبَ الخُشوعُ عَلَيهِمُ فَدُموعُهُم / تَجري بِلا كَلَحٍ وَلا اِستِنثارِ
قَد كُنتَ تَحتَ دُموعِهِم وَزَفيرِهِم / ما بَينَ سَيلٍ دافِقٍ وَشَرارِ
أَسعى فَيَأخُذُني اللَهيبُ فَأَنثَني / فَيَصُدُّني مُتَدَفِّقُ التَيّارِ
لَو لَم أَلُذ بِالنَعشِ أَو بِظِلالِهِ / لَقَضَيتُ بَينَ مَراجِلٍ وَبِحارِ
كَم ذاتِ خِدرٍ يَومَ طافَ بِكَ الرَدى / هَتَكَت عَلَيكَ حَرائِرَ الأَستارِ
سَفَرَت تُوَدِّعُ أُمَّةً مَحمولَةً / في النَعشِ لا خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
أَمِنَت عُيونَ الناظِرينَ فَمَزَّقَت / وَجهَ الخِمارِ فَلَم تَلُذ بِخِمارِ
قَد قامَ ما بَينَ العُيونِ وَبَينَها / سِترٌ مِنَ الأَحزانِ وَالأَكدارِ
أُدرِجتَ في العَلَمِ الَّذي أَصفَيتَهُ / مِنكَ الوِدادَ فَكانَ خَيرَ شِعارِ
عَلَمانِ مِن فَوقِ الرُؤوسِ كِلاهُما / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
ناداهُما داعي الفِراقِ فَأَمسَيا / يَتَعانَقانِ عَلى شَفيرٍ هاري
تَاللَهِ ما جَزِعَ المُحِبُّ وَلا بَكى / لِنَوىً مُرَوِّعَةٍ وَبُعدِ مَزارِ
جَزَعَ الهِلالِ عَلَيكَ يَومَ تَرَكتَهُ / ما بَينَ حَرِّ أَسىً وَحَرِّ أُوارِ
مُتَلَفِّتاً مُتَحَيِّراً مُتَخَيِّراً / رَجُلاً يُناضِلُ عَنهُ يَومَ فَخارِ
إِنَّ الثَلاثينَ الَّتي بِكَ فاخَرَت / باتَت تُقاسُ بِأَطوَلِ الأَعمارِ
ضَمَّت إِلى التاريخِ بِضعَ صَحائِفٍ / بَيضاءَ مِثلَ صَحائِفِ الأَبرارِ
شَبَّهتُهُنَّ بِنُقطَةٍ عِطرِيَّةٍ / وَسِعَت مُحَصَّلَ رَوضَةٍ مِعطارِ
خَلَّفتَها كَالمَشقِ يَحذو حَذوَها / راجى الوُصولِ وَمُقتَفي الآثارِ
ماذا عَلى الساري وَهُنَّ مَناثِرٌ / لَو سارَ بَينَ مَجاهِلٍ وَقِفارِ
ما زِلتَ تَختارُ المَواقِفَ وَعرَةً / حَتّى وَقَفتَ لِذَلِكَ الجَبّارِ
وَهَدَمتَ سوراً قَد أَجادَ بِناءَهُ / فِرعَونُ ذو الأَوتادِ وَالأَنهارِ
وَوَصَلتَ بَينَ شَكاتِنا وَمَشايِخٍ / في البَرلَمانِ أَعِزَّةٍ أَخيارِ
كَشَفوا الغِطاءَ عَنِ العُيونِ فَأَبصَروا / ما في الكِنانَةِ مِن أَذىً وَضِرارِ
نَبَذوا كَلامَ اللُردِ حينَ تَبَيَّنوا / حَنَقَ المَغيظِ وَلَهجَةَ الثَرثارِ
وَرَماهُمُ بِمُجَلَّدَينِ رَمَوهُما / في رُتبَةِ الأَصفارِ لا الأَسفارِ
واهاً عَلى تِلكَ المَواقِفِ إِنَّها / كانَت مَواقِفَ لَيثِ غابٍ ضاري
لَم يَلوِهِ عَنها الوَعيدُ وَلا ثَنى / مِن عَزمِهِ قَولُ المُريبِ حَذارِ
فَاِهنَأ بِمَنزِلِكَ الجَديدِ وَنَم بِهِ / في غِبطَةٍ وَاِنعَم بِخَيرِ جِوارِ
وَاِستَقبِلِ الأَجرَ الكَبيرَ جَزاءَ ما / ضَحَّيتَ لِلأَوطانِ مِن أَوطارِ
نِعمَ الجَزاءُ وَنِعمَ ما بُلِّغتَهُ / في مَنزِلَيكَ وَنِعمَ عُقبى الدارِ
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى / لِمَدحِكَ مِن كُتّابِ مِصرَ كَبيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَرثيكَ بَعدَهُ / إِذا قيلَ عَنّي قَد رَثاهُ صَغيرُ
فَقَد كُنتَ عَوناً لِلضَعيفِ وَإِنَّني / ضَعيفٌ وَما لي في الحَياةِ نَصيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَبكيكَ لِلوَرى / حَوَتكَ جِنانٌ أَم حَواكَ سَعيرُ
فَإِنّي أُحِبُّ النابِغينَ لِعِلمِهِم / وَأَعشَقُ رَوضَ الفِكرِ وَهوَ نَضيرُ
دَعَوتَ إِلى عيسى فَضَجَّت كَنائِسٌ / وَهُزَّ لَها عَرشٌ وَمادَ سَريرُ
وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ قَولُ مُلحِدٍ / وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ لَبَشيرُ
وَلَولا حُطامٌ رَدَّ عَنكَ كِيادَهُم / لَضِقتَ بِهِ ذَرعاً وَساءَ مَصيرُ
وَلَكِن حَماكَ العِلمُ وَالرَأيُ وَالحِجا / وَمالٌ إِذا جَدَّ النِزالُ وَفيرُ
إِذا زُرتَ رَهنَ المَحبَسَينِ بِحُفرَةٍ / بِها الزُهدُ ثاوٍ وَالذَكاءُ سَتيرُ
وَأَبصَرتَ أُنسَ الزُهدِ في وَحشَةِ البِلى / وَشاهَدتَ وَجهَ الشَيخِ وَهوَ مُنيرُ
وَأَيقَنتَ أَنَّ الدينَ لِلَّهِ وَحدَهُ / وَأَنَّ قُبورَ الزاهِدينَ قُصورُ
فَقِف ثُمَّ سَلِّم وَاِحتَشِم إِنَّ شَيخَنا / مَهيبٌ عَلى رَغمِ الفَناءِ وَقورُ
وَسائِلهُ عَمّا غابَ عَنكَ فَإِنَّهُ / عَليمٌ بِأَسرارِ الحَياةِ بَصيرُ
يُخَبِّرُكَ الأَعمى وَإِن كُنتَ مُبصِراً / بِما لَم تُخَبِّر أَحرُفٌ وَسُطورُ
كَأَنّي بِسَمعِ الغَيبِ أَسمَعُ كُلَّ ما / يُجيبُ بِهِ أُستاذُنا وَيُحيرُ
يُناديكَ أَهلاً بِالَّذي عاشَ عَيشَنا / وَماتَ وَلَم يَدرُج إِلَيهِ غُرورُ
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى / فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
وَسَمَّوكَ فيهِم فَيلَسوفاً وَأَمسَكوا / وَما أَنتَ إِلّا مُحسِنٌ وَمُجيرُ
وَما أَنتَ إِلّا زاهِدٌ صاحَ صَيحَةً / يَرِنُّ صَداها ساعَةً وَيَطيرُ
سَلَوتَ عَنِ الدُنيا وَلَكِنَّهُم صَبَوا / إِلَيها بِما تُعطيهِمُ وَتَميرُ
حَياةُ الوَرى حَربٌ وَأَنتَ تُريدُها / سَلاماً وَأَسبابُ الكِفاحِ كَثيرُ
أَبَت سُنَّةُ العُمرانِ إِلّا تَناحُراً / وَكَدحاً وَلَو أَنَّ البَقاءَ يَسيرُ
تُحاوِلُ رَفعَ الشَرِّ وَالشَرُّ واقِعٌ / وَتَطلُبُ مَحضَ الخَيرِ وَهوَ عَسيرُ
وَلَولا اِمتِزاجُ الشَرِّ بِالخَيرِ لَم يَقُم / دَليلٌ عَلى أَنَّ الإِلَهَ قَديرُ
وَلَم يَبعَثِ اللَهُ النَبِيّينَ لِلهُدى / وَلَم يَتَطَلَّع لِلسَريرِ أَميرُ
وَلَم يَعشَقِ العَلياءَ حُرٌّ وَلَم يَسُد / كَريمٌ وَلَم يَرجُ الثَراءَ فَقيرُ
وَلَو كانَ فينا الخَيرُ مَحضاً لَما دَعا / إِلى اللَهِ داعٍ أَو تَبَلَّجَ نورُ
وَلا قيلَ هَذا فَيلَسوفٌ مُوَفَّقٌ / وَلا قيلَ هَذا عالِمٌ وَخَبيرُ
فَكَم في طَريقِ الشَرِّ خَيرٌ وَنِعمَةٌ / وَكَم في طَريقِ الطَيِّباتِ شُرورُ
أَلَم تَرَ أَنّي قُمتُ قَبلَكَ داعِياً / إِلى الزُهدِ لا يَأوي إِلَيَّ ظَهيرُ
أَطاعوا أَبيقوراً وَسُقراطَ قَبلَهُ / وَخولِفتُ فيما أَرتَئي وَأُشيرُ
وَمِتُّ وَما ماتَت مَطامِعُ طامِعٍ / عَلَيها وَلا أَلقى القِيادَ ضَميرُ
إِذا هُدِمَت لِلظُلمِ دورٌ تَشَيَّدَت / لَهُ فَوقَ أَكتافِ الكَواكِبِ دورُ
أَفاضَ كِلانا في النَصيحَةِ جاهِداً / وَماتَ كِلانا وَالقُلوبُ صُخورُ
فَكَم قيلَ عَن كَهفِ المَساكينِ باطِلٌ / وَكَم قيلَ عَن شَيخِ المَعَرَّةِ زورُ
وَما صَدَّ عَن فِعلِ الأَذى قَولُ مُرسَلٍ / وَما راعَ مَفتونَ الحَياةِ نَذيرُ
أُختَ الكَواكِبِ ما رَما
أُختَ الكَواكِبِ ما رَما / كِ وَأَنتِ رامِيَةُ النُسورِ
ماذا دَهاكَ وَفَوقَ ظَه / رِكِ مَربِضُ الأَسَدِ الهَصورِ
خَضَعَت لِإِمرَتِهِ الرِيا / حُ مِنَ الصَبا وَمِنَ الدَبورِ
فَغَدا يُصَرِّفُ مِن أَعِن / نَتِها تَصاريفَ القَديرِ
فَتحي وَهَل لي إِن سَأَل / تُ عَنِ المُصيبَةِ مِن مُحيرِ
وَيلاهُ هَل جُزتَ الحُدو / دَ وَأَنتَ مُختَرِقُ السُتورِ
فَرَماكَ حُرّاسُ السَما / ءِ وَتِلكَ قاصِمَةُ الظُهورِ
أَم غارَ مِنكَ السابِحا / تُ وَأَنتَ تَسبَحُ في الأَثيرِ
حَسَدَتكَ حينَ رَأَتكَ وَح / دَكَ ثُمَّ كَالفَلَكِ المُنيرِ
وَالعَينُ مِثلُ السَهمِ تَن / فُذُ في التَرائِبِ وَالنُحورِ
حاوَلتَ أَن تَرِدَ المَجَر / رَةَ وَالوُرودَ مِنَ العَسيرِ
فَوَرَدتَ يا فَتحي الحِما / مَ وَأَنتَ مُنقَطِعُ النَظيرِ
وَهَوَيتَ مِن كَبِدِ السَما / ءِ وَهَكَذا مَهوى البُدورِ
إِن كانَ أَعياكَ الصُعو / دُ بِذَلِكَ الجَسَدِ الطَهورِ
فَاِسبَح بِروحِكَ وَحدَها / وَاِصعَد إِلى المَلِكِ الكَبيرِ
إِن راعَنا صَوتُ النَعِي / يِ وَفاتَنا نَبَأُ البَشيرِ
فَلَعَلَّ مَن ضَنَّت يَدا / هُ عَلى الكِنانَةِ بِالسُرورِ
أَن يَستَجيبَ دُعاءَها / في حِفظِ صاحِبِكَ الأَخيرِ
باتَت تُراقِبُ في المَشا / رِقِ وَالمَغارِبِ وَجهَ نوري
مَلَكَ النُهى لا تَبعُدي
مَلَكَ النُهى لا تَبعُدي / فَالخَلقُ في الدُنيا سِيَر
إِنّي أَرى لَكِ سيرَةً / كَالرَوضِ أَرَّجَهُ الزَهَر
رَبّى أَبوكِ الناشِئي / نَ فَعاشَ مَحمودَ الأَثَر
وَسَلَكتِ أَنتِ سَبيلَهُ / في الناشِئاتِ مِنَ الصِغَر
رَبَّيتِهِنَّ عَلى الفَضي / لَةِ وَالطَهارَةِ وَالخَفَر
وَعَلى اِتِّباعِ شَريعَةٍ / نَزَلَت بِها آيُ السُوَر
فَلِبَيتِكُم فَضلٌ عَلى ال / أَحياءِ أُنثى أَو ذَكَر
لِلَّهِ دَرُّكِ إِن نَثَر / تِ وَدَرُّ حِفني إِن نَثَر
قَد كُنتِ زَوجاً طَبَّةً / في البَدوِ عاشَت وَالحَضَر
سادَت عَلى أَهلِ القُصو / رِ وَسَوَّدَت أَهلَ الوَبَر
غَربِيَّةٌ في عِلمِها / مَرموقَةٌ بَينَ الأُسَر
شَرقِيَّةٌ في طَبعِها / مَخدورَةٌ بَينَ الحُجَر
بَينا تَراها في الطُرو / سِ تَخُطُّ آياتِ العِبَر
وَتُريكَ حِكمَةَ نابِهٍ / عَرَكَ الحَوادِثَ وَاِختَبَر
فَإِذا بِها في مَطبَخٍ / تَطهو الطَعامَ عَلى قَدَر
صَبراً أَبا مَلَكٍ فَإِن / نَ الباقِياتِ لِمَن صَبَر
وَبِقَدرِ صَبرِ المُبتَلى / طولُ المُصيبَةِ وَالقِصَر
كُن أَنتَ أَنتَ إِذا تُسا / ءُ كَأَنتَ أَنتَ إِذا تُسَرّ
يا بَرَّةً بِالوالِدَي / نِ أَبوكِ بَعدَكِ لا يَقِرّ
فَسَلي إِلَهَكِ سُلوَةً / لِأَبيكِ فَهوَ بِهِ أَبَرّ
وَليَهنِكِ الخِدرُ الجَدي / دُ فَذاكَ دارُ المُستَقَرّ
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا / وَآثَرتَ يا مِصرِيُّ سُكنى المَقابِرِ
وَقَد كُنتَ فينا يا فَتى الشِعرِ زَهرَةً / تَفَتَّحُ لِلأَذهانِ قَبلَ النَواظِرِ
فَلَهفي عَلى تِلكَ الأَنامِلِ في البِلى / فَكَم نَسَجَت قَبلَ البِلى مِن مَفاخِرِ
وَيا وَيحَ لِلأَشعارِ بَعدَ نَجِيِّها / وَوَيحَ القَوافي ساقَها غَيرُ شاعِرِ
تَزَوَّدتَ مِن دُنياكَ ذِكراً مُخَلَّداً / وَذاكَ لَعَمري نِعمَ زادُ المُسافِرِ
وَأَورَثتَنا حُزناً عَلَيكَ وَحَسرَةً / عَلى فَقدِ سَبّاقٍ كَريمِ المَحاضِرِ
فَلَم تَثوِيا عَبدَ الحَليمِ بِحُفرَةٍ / وَلَكِن بِرَوضٍ مِن قَريضِكَ ناضِرِ
فَديوانُكَ الرَيّانُ يُغنيكَ طيبُهُ / عَنِ الزَهرِ مَطلولاً بِجودِ المَواطِرِ
فَسامِر أَبا بَكرٍ هُناكَ فَإِنَّهُ / سَيَظفَرُ في عَدنَ بِخَيرِ مُسامِرِ
هَنيئاً لَكَ الدارُ الَّتي قَد حَلَلتَها / وَأَعظِم بِمَن جاوَرتَهُ مِن مُجاوِرِ
عَلَيكَ سَلامٌ ما تَرَنَّمَ مُنشِدٌ / وَقامَ خَطيبٌ فَوقَ هامِ المَنابِرِ