المجموع : 69
طَهِّر فؤادك بالرَّاحات تطهيرا
طَهِّر فؤادك بالرَّاحات تطهيرا / ودمْ على نَهْبِكَ اللَّذَّات مَسرورا
بادر إلى أخذ صفو العيش مبتهجاً / فما أَوَدُّ لوقت الأُنس تأخيرا
فالوقت راقَ وقد راقت مَسَرَّتهُ / واليومَ أصبَحَ طيَّ الزهر منشورا
أما ترى الوُرْقَ بالأَوراق صادحة / كأَنَّها ضربت بالرُّوح صنطيرا
والبرق مثل انقضاض الصقر وامضه / تخاله من غراب اللَّيل مذعورا
يبدو فتحسبه في جنحِ داجيةٍ / بكفِّ حام حساماً لاحَ مشهورا
وربَّ ليلةِ أُنسٍ بتُّ أسهَرها / مستَّراً بظلام اللَّيل تستيرا
غصبت فيها الهنا من كأس غانيةٍ / فطاعني الدهر مغصوباً ومجبورا
مزجت بالرِّيق صرفاً من معتقة / فصرت من تلكما الخمرين مخمورا
وبتُّ ملتثماً وجنات ذي حور / وباتَ يلثم ليث الغيل يعفورا
فالواشي يعذلني والوجد يعذرني / والصَّبُّ غزال معذولاً ومعذورا
وعنبَر اللَّيل ما ولَّت عساكره / حتَّى رأى من جيوش الصبح كافورا
لله أحوى إذا صالت لواحظه / أمسى بصارمها المشتاق منذورا
إذا تجلى بأنوار الجبين على / عشَّاقه دكَّ من أحشائهم طورا
كأَنَّ صورته للعينِ إذ جُلِيَتْ / من فضةٍ قُدِّرت بالحسن تقديرا
قد خطَّ في خدِّه لامُ العذار به / مِسكاً فأصبَحَ تخطيطاً وتحريرا
يا أيُّها الرَّشأ المغري بناظره / قد عاد هاروتُ من جفنيك مسحورا
لقد نصرت على كسر القلوب به / ما لي أرى طرفك المنصور مكسورا
عهدي وعهدك لا زال اختلافهما / كانا كحظّي منسيًّا ومذكورا
صفا لي العيش مخضرًّا جوانبه / فما وَجَدْتُ بحمد الله تكديرا
لِمَ لا أُسَرُّ بأيَّام الهنا وأنا / إنْ سُرَّ محمود يوماً كنت مسرورا
هو المشار إذا أمَّت حوادثها / وأحسَنُ الرأي ما استخلصته شورى
الله ألهمَهُ في كلِّ معرفةٍ / فهماً وعلماً وأخلاقاً وتدبيرا
بالسَّعي لا بالمنى والعجز أدركها / قد ضلَّ من ظلَّ بالآمال مغرورا
هذا الإِمام شهاب الدِّين ثاقبه / أزال في نور صبح الحقِّ ديجورا
كم ملحدٍ هو بالبرهان أفحمه / من ينصر الله يوماً كانَ منصورا
إنَّ الشَّريعة باهت في بطل / حامي حماها وباني حولها سورا
لو لامست حجر الصمَّاء راحته / تفجَّرَتْ بزلال الماء تفجيرا
سعى إلى المجد في سيفٍ وفي قلمٍ / وعانقَ البيضَ حتَّى عانق الحورا
لو صُوِّر المجد تصويراً على رجلٍ / ما كانَ إلاّكَ أوصافاً وتصويرا
وكم نَثَرت على الأَسماع درّ فمٍ / فكان ذيالك المنثور منثورا
فأنتَ أدْرَكُ من فيها غوامضها / وأنتَ أفصَحُ أهل العلم تقريرا
حجَّت لبيتك أعل العلم أجمعُهُم / فكان حجّهمُ إذ ذاك مبرورا
لقد زهتْ بك دار العلم حيث غدت / داراً تفاخر في سكَّانها دورا
غمرتنا بأياديك الَّتي سلفت / لا زلت في نعماء الله مغمورا
أرى اجتماع الغنى لي والكمال إذا / رأيتني منك ملحوظاً ومنظورا
وإنْ أنختُ لدى علياك راحلتي / كنتُ الأَمير وكان الدهر مأمورا
ليهنك اليوم أبناءٌ لهم نسب / أضحى على جبهة الأيام مسطورا
إنَّ الرُّواة الَّتي تروي مناقبهم / عنهُمْ رَوَت خبراً بالمجد مأثورا
اليوم إنْ كنتَ مولانا مطهِّرهم / فالله طهَّرهم من قبل تطهيرا
قَدِمْتَ بالبِشرِ وبالبَشائِر
قَدِمْتَ بالبِشرِ وبالبَشائِر / وزُرتَنا فحبَّذا من زائرِ
وجئت بالخير عليناً مقبلاً / لكلِّ بادٍ ولكلِّ حاضر
فكنتَ كالمزن همت بماطر / وكنتَ كالرَّوض زها لناظر
لو نَظَرَ الناظرُ ما صنَعْتَه / نمَّقه بدفتر المفاخر
أنضيتَ للعمران فُلْكَ همَّةٍ / فَعَمَّرت كلَّ مكانٍ داثر
وهذه العمارةُ اليوم لكم / معمورةُ الأَكتاف بالعشائر
نَظَّمت بالتدبير منط شملها / بناظمٍ للعدلِ غير ناثر
وإنَّما دانتْ لحكم عادلٍ / ولم يدن ممتنع لجائر
أمَّنْتَها من شرِّ ما ينوبها / بالنَّاس في أمنٍ وخيرٍ وافر
ولم تَخُنْ عهدَ امرئٍ عاهدته / حوشيتَ من عهد الخؤون الغادر
جَبَرْتَ بالإِنصاف كسراً ما له / غيرك فيما بينهم من جابر
عَفَوْتَ عن كبارهم تكرُّماً / وهذه من شِيَمَ الأَكابر
وقمت في الحكم مقام نامقٍ / وأنت أهدى لذوي البصائر
فتارةً تزجر في مواعظٍ / وتارةً تطعن بالزواجر
إذا هَزَزْتَ بالبنان قلماً / أغناك عن هزِّ الحسام الباتر
هذا وأنت واحدٌ منفردٌ / تغني عن الأَلْفِ من العساكر
يريك رأيٌ بشهاب فطنة / بواطن الأَشياء كالظواهر
مَلَكْتَ باللُّطفِ رقابَ عُصْبَةٍ / أمْنَع من لَيثٍ هصُور خادر
فكم لكُمْ حينئذٍ من حامدٍ / وكم لكم يومئذٍ من شاكر
عَمَّرتُموها فغدتْ عِمارةً / كما أرَدْتُم لمرادِ الخاطر
فقلْ لمنْ يسأَلُ عن تاريخها / قَدْ عُمِّرت أيَّامَ عبد القادر
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ / بطَلْعَتِهِ المنازلُ والقصورُ
بنى مقصورةً شَرُفَتْ بناءً / أُعِدَّتْ بالسُّرور لمن يزورُ
فقلتُ لسيِّد النُّقباء أرِّخ / مبانيها يشرِّفُها المشيرُ
يَميناً بربِّ النجم والنجم إذ يسري
يَميناً بربِّ النجم والنجم إذ يسري / ومَن أنزل الآيات في مُحكَمِ الذكرِ
لقد أشرقت بغدادُ منذ أتَيتها / كما تُشْرِقُ الظَّلماءُ من طلعة البدر
فراحَتْ كما راحَتْ خميلةُ روضةٍ / سَقَتْها الغوادي المستهلّ من القطر
وما سرَّها شيءٌ كمقدمِكَ الَّذي / يبدل منها صورة اليسْرِ بالعُسْر
وكم فرح من بعد حزن وراحة / من النصب الجاني على العدل بالجور
فلا ذنبَ للأيَّام من بعدِ هذه / فَقَدْ جاءَت الأيام للناس بالعذر
تناءَيْتَ عنها لا ملالاً ولا قلًى / ولكن رأيتَ الوصل من ثمر الهجر
وما غِبتَ عنها حين غِبتَ حقيقة / وكيفَ ولم تخرج هنيهة من فكر
رأيت مقاماً لا يرى الفرق عنده / من العالم النحرير والجاهل الغمر
ولا بدَّ للأَشياء من نقدِ عارفٍ / يُمَيِّزُ بينَ الصِّفر والذَهَب التّبر
غَضِبْتَ ولا يُرضيكَ إلاَّ نهوضُه / إذا رَبَضَ اللَّيثُ الهَصورُ على الضُّرِّ
فجرَّدتها كالمشرفيِّ عزيمةً / تَتَبَّعُ آثار الخطوب وتستقري
وأقْلَعْت عن دارٍ جدير بأنَّها / تشينُ أباة الضَّيْم فيها وإنْ تزري
وما زلتَ تطوي كلَّ بيداء نفنف / وتركبُ منها ظهر شاهقة وعر
وسرتَ إلى مجدٍ أثيلٍ وسؤدد / فمن منزلٍ عزٍّ إلى منزلٍ فخر
إلى الغاية القصوى الَّتي ما وراءها / إذا عُدَّتِ الغايات مأوًى لذي حجر
نشرتَ بأرض الرُّوم عِلماً طويته / بجنْبَيك حتَّى ارتاع في ذلك النشر
وسُرَّ أميرُ المؤمنين بما رأى / ولاحَ وأيم الله منشرح الصدر
أشارَ إليك الدِّينُ أنَّك ركنُه / وقال له الإِسلامُ أُشْدُدْ به أزري
وما ظنَّت الرُّوم العراق بأنَّه / يجرُّ عليك فيك أردية الفخر
وما شاد قسطنطين ما شدتَ من عُلًى / مُؤبَّدة تبقى على أبدِ الدهر
فدتك الأَعادي من رفيع محلق / كأَن يبتغي وصلاً من الأَنجم الزّهر
كفى الرُّوم فخراً لو دَرَتْ مثلما تدري / وهيهات أن تدري وهيهات ن تدري
بما قد حباك الله منه بفضله / من الهيبة العظمى ومن شرف النجر
وآيتك الآيات جئتَ بما انطَوَتْ / عليها من الأَسرار في السر والجهر
كشفت معمَّاها وخضت غمارها / وأَنْفَقْتَ في تفسيرها أنفس العمر
وأوضَحْتَ أسرار الكتاب بفطنةٍ / تزيلُ ظلامَ اللَّيل من غُرَّة الفجر
وقفتَ على إيضاح كلّ عويصةٍ / مواقف لم تُعْرَف لزيد ولا عمرو
وأغنيت بالأَسفار وهي كوامل / ثمانيةً عن ما حوت مائتا سفر
ومَن حازَ ما قد حُزْتَ عِلماً فإنَّه / غَنيٌّ عن الدُّنيا مليٌّ من الوفر
إذا احتاجك السُّلطان تعلم أنَّه / بذلك يمتاز المقلُّ من المثري
أرى دولةً أصْبَحْتَ من علمائها / مؤيَّدة الأَحزاب بالفتح والنصر
أرعْتَ أُولي الأَلباب منها بحكمةٍ / بروح أرسطاليس منها على ذعر
قضَتْ عجباً منها العقول بما رأت / وما بَصُرَتْ يوماً بمثلك في عصر
برزتَ مع البرهان في كلِّ موطنٍ / من البحث لا يبقي اللباب مع القشر
فأَفْسَدْتَ للإِلحادِ أمراً دَحَضْتَهُ / فليسَ له فيها وليٌّ من الأَمر
عذوبةُ لفظ في فصاحة منطقٍ / وعينيك لولا حرمة الخمر كالخمر
ورُبَّ بيانٍ في كلامٍ تصوغُه / إذا لم يكن سِحراً فضربٌ من السِّحر
وما زلتَ بالحسَّاد حتَّى تركتها / وقد طُوِيَتْ منها الضلوعُ على الجمر
فتكتَ بها فتك الكميّ بسيفه / كما يفتك الإِيمانُ في مِلَّة الكفر
وكنتُ أُمَنِّي النفسَ فيك بأنْ أرى / صَديقَك في خيرٍ وخصمكَ في شرّ
وما زالَ قولي قبل هذا وهذه / لعلِّي أرى الأيامَ باسمةَ الثغر
فلله عندي نعمةٌ لا يَفي بها / بما قد بلغتَ اليوم حمدي ولا شكري
وما نلتَ مقدار الَّذي أنتَ أهلُهُ / على عظم ما نَوَّلْتَ من رفعة القدر
كأنِّي بقومٍ فارقوك فأصْبحوا / ولَوْعتُهم تذكو وعبرَتُهم تجري
تحنُّ إلى مرآك في كلِّ ساعةٍ / فتأسَفُ إنْ سافرتَ عنهم في السفر
وإنْ سَمَحَتْ منهم بمثلك أنفسٌ / فما هي إلاَّ أسْمَحُ النَّاس بالبرّ
وما صَبَرَتْ عنك النفوس وإنَّما / يصبِّرها تعليلُ عاقبة الصبر
تَغَرَّبْتَ عاماً طالَ كالشهر يومه / ويا ربَّ يوم كانَ أطول من شهر
تكلَّفْتَ أمراً للحلاوة بعده / ولا تخطب الحسناء إلاَّ على مهر
وإنِّي بتذكاريك آناً فمثله / صريع مدام لا يفيق من السكر
مَلَلْت الثوى حتَّى طربت إلى النَّوى / وحتَّى رأيت الأرض أضيق من شبر
ولو أنَّني أسطيع عنه تزحزحاً / قذفتُ إليك العيسَ في المهمه القفر
وليس لنفسي عنك في أحَدٍ غنًى / وكيف يُرى الظَّامي غنيًّا عن البحر
بعثت إلينا بالحياة لأنفسٍ / على رَمَقٍ يدعو إلى البعث والنشر
فَضَمَّ إلينا من يعيد حياتنا / كما ضُمَّ شطرُ الشيء يوماً إلى شطر
فيا كُثْرَ ما قد نَوَّلَتْنا يد المنى / وعادَتُها الإمساك بالنائل النزر
لتصفو لنا الدنيا فقد طاب عيشنا / وضاء محياها بأيامك الغر
أعادَتْ علينا العرف من بعد فقده / فلا قابَلَتْنا بعد ذلك بالنكر
نشيرُ إلى هذا الجناب كأنَّنا / نشيرُ إلى رؤيا الهلال من الفطر
وما كانَ يوم العيد بمثله / إذا كانَ في فطر وإنْ كانَ في نحر
وذلك يومٌ يعلَمُ الله أنَّه / ليذهَبَ تعبيسُ الحوادث بالبشْرِ
لك الفضل والحسنى قريباً ونائياً / وأيْدٍ لأيْد من أناملها العَشْرِ
ولو حُصِدَتْ أيديك فينا حصرْتها / ولكنها ممَّا يجلُّ عن الحَصْرِ
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي / رَفيقي بالفُسوق وبالفجورِ
علامَ صَدَدْتَ عن كأس الحميَّا / لقد ضيَّعتَ أوقات السُّرور
أبعدَ الشَّيْب ويحك تُبْتَ عنها / وما لكَ في متابك من عَذير
وكيفَ عَدَلْتَ عن حالات سَوْءٍ / تَصيرُ بها إلى بئسَ المصير
لبستُ بها وإيَّاك المخازي / فأسْحَبُ ذيلَ مختالٍ فخور
أتنسى كيفَ قضَّينا زماناً / به الأيام باسمة الثغور
وكنَّا كلَّما بِتْنا سكارى / ورحنا بالمدام بلا شعور
وقُمنا بعد ذلك واصطبحنا / فما نَدري المساءَ من البكور
وأنتَ معَ العواهر والزَّواني / تطاعِنُهنَّ بالرُّمح القصير
وكنتَ تقولُ لي اشرَب هنياً / وخُذها بالكبير وبالصغير
وكنتَ إذا نظرتَ ولو عجوزاً / سَلَلْتَ سلولَ غرمولِ الحمير
ومن سفهٍ ركَنْتَ إلى الغواني / وميَّزْتَ الإِناث على الذُّكور
تركتَ طريقتي وفررتَ عنِّي / فِرارَ الكلب من أسَدٍ هصور
وَتَوبَتُك الَّتي كانتْ نِفاقاً / غُرورٌ وانغماسك في الغرور
كصبغ الشيب ينصلُ بعد يومٍ / ولم يَبْعُدْ مداه عن الظهور
وما كتبت لتخطر لي ببال / ولا اختلجت وشيبك في الضمير
لئِنْ أخذوا عليك بها عهوداً / بما كَتَبَتْ يداك من السُّطور
فعُد عنها إلى ما كنتَ فيع / كمنْ شَمَّ الفسا بعد العبير
وأَكْثِرْ ما استطعتَ من المعاصي / فإنَّ الله يعفو عن كثير
وننعمُ بالملاح بخفض عيش / مدى الأَوقات من بمٍّ وزير
فإنْ حضر الفساد وغبتَ عنه / ولم تكُ من يُعَدُّ من الحضور
لسَوَّدْتُ الصحائفَ فيك هجواً / وإنِّي اليوم أهجى من جرير
تطيعُ مشورَتي وترى برأيي / وحَقَّ المستشير على المشير
لتقضي العمر في طرَبٍ ولهوٍ / فمرجعنا إلى ربٍّ غفور
وأنفِق ما ملكتَ ولا تبالِ / فناصرُنا ثراءٌ للفقير
فنحن بفضله وندى يديه / كمَن آوى إلى روضٍ نضير
ولا زلنا بشرعته وروداً / وُرودَ الهيم من عَذبٍ نمير
لله مَنْزِلٌ جابرٍ منْ منزِلٍ
لله مَنْزِلٌ جابرٍ منْ منزِلٍ / فيه الكرامةُ للمحبِّ الزائرِ
رُفعَتْ قواعده وشيد بناؤه / لمكارمٍ وأكارمٍ وأكابر
مَلأَت قلوب الزائرين مَسَرَّةً / فَغَدَتْ تقرّ بها عيون النَّاظر
من كلِّ ما جمعت بخدمة جابرٍ / من شادنٍ أحوى وليثٍ خادر
حاز الشَّجاعة والسَّماحةَ فارتقى / رتب العُلى من سؤدد ومفاخر
تَرِدُ العُفاة مناهلاً من جوده / الوافي وتصدُرُ بالعَطاء الوافر
شَهِدَتْ مبانيه بحسن صنيعه / وبما يجدّد من بديع مآثر
حلَّ الأَميرُ أبو المكارم جابرٌ / فيها فزانَتْ بالبهاء الباهر
ولقَدْ نَزَلْتُ بها فقلتُ مؤرِّخاً / دارُ الإِمارة قد بُنِيتِ بجابر
تنفَّسَ عن وَجْدٍ تَوقَّدَ جمرُهُ
تنفَّسَ عن وَجْدٍ تَوقَّدَ جمرُهُ / فأجرى مَسيلَ الدَّمع يَنهلُّ قَطرُهُ
وبات يعاني الهَمَّ ليس ببارحٍ / على قلبه إقدامه ومكرُّه
تمنّى وما يغني التمنّي مطالباً / حَرِيٌّ به لولا الدَّنيَّةُ دهره
ودون أمانيه عوائق جمّة / يضيق لها في المنزل الرحب صدره
تحمَّل أعباءُ المتاعب والتقى / على غرّة صرف الزمان وغدره
وأشقى بني هذا الزمان أريبه / وأتعبُ من فيه من النَّاس حرُّه
وربَّ خميص البطن مما يشينه / ينوءُ بأثقال الأُبوَّة ظهره
له كلّ يوم وقفة بعد وقفة / يهيجُ جوى أحشائه وتقرّه
يطول مع الأيام فيها عتابه / ويسهر ليلاً ما تبلّجَ فجره
يشيم سنا برق المطامع وامضاً / تألَّقَ إلاَّ إنّه لا يغرّه
فأمسى يغضّ الطرف عنه ودونه / وقوف الفتى يفضي إلى الضّيم أمره
وحالَف مختاراً إلى العزّ نفسه / إباءً ولم يُؤْخَذْ على الذُّلِّ إصره
بنفسي امرؤ يقسو على الدهر ما قسا / ولم يتصدَّع في الحوادث صخره
إذا ما رأى المرعى الدنيّ تنوشُه / يَدُ الرذل يُستحلى مع الهون مرُّه
تناول أفنان الخُصاصة وارتدى / بفاضل ذيل الفخر يُسْحَبُ طمره
جليد على عُسر الزمان ويُسره / وما ضَرَّه عًسًر الزمان ويسره
فلا البؤسُ والإقلال مما يسوؤه / وليس ثراءُ المال مما يسره
لئن تخْلِص الإبريزَ نارٌ تذيبه / فما نَفْعُه إلاَّ بما قد يضره
فقد أخْلَصَتْ نارُ التجارب سَبكَه / إلى أنْ صفا من شائب الزُّيف تبرُه
قريبُ مجاني الجود من مستميحه / بعيدٌ على من سامَهُ الخسفَ غَوْرُه
فلا يأمننَّ الدهرَ مكري فإنَّني / من القوم لم يؤمن بمن ساء مكره
وما أنا بالمدفوع إن ضيم شرّه / ولا أنا بالممنوع إن سيمَ خيره
منحتُ الصّبا عذب الموارد في الهوى / بمبتسم باللؤلؤ الرطب ثغره
قضيتُ به عهد الشباب وعصره / فهل راجعٌ عهدُ الشباب وعصره
تفتَّحَ نوّار المشيب بلُمَّتي / وأينعَ في روض الشبيبة زهره
وما فاتني هذا الوقار الَّذي أرى / إذا فاتني وصل المليح وهجره
صحا والهوى العذريُّ باقٍ خماره / بنشوانَ من خمر الصبابة سكره
معذّبتي من غير جُرم يلومها / وأعذبُ شيءٍ في هواكِ أمَرُّه
أرابك منِّي أنْ أقمتُ بموطن / تجوعُ ضواريه وتشبع حمره
وكيف أخاف الفقر أو أُحْرَم الغنى / وهذا ندى عبد الغنيّ ووفره
فلا زال موصولاً من الله لطفه / إليَّ ومسبولاً من الله ستره
بأبلج وضاح الجبين أغرّه / فلله وضّاح الجبين أغرّه
كما لم يزل منِّي عليه ولم يَزلْ / ثنائي على طول الزمان وبرّه
كفاني مهمّات الأمور جميعها / فما سرَّني أن ساءني الدهر غيره
وما بات إلاَّ وهو في الخطب كالئي / بطرف يريع الدهر إذ ذاك شزره
وما لامرئٍ عندي جميلاً أعدُّه / وكيف وقد غطّى على البحر نهره
وإنَّ الجميل المحضَ معنىً وصورةً / خلائقه بين الأنام وذكره
حياة جميل الصنع فيها حياته / وعمر المعالي والأبوّة عمره
حياض العطاء المستفاض أكفُّه / ومن فيضها جزل العطاء وغمره
يمينٌ كصوب المزن يهرق جودها / ووجه كروض الحزن قد راق بشره
دعاه إلى المعروف من نفسه لها / وتلك سجاياه وذلك طوره
أدَرَّتْ له أخلاف كُلِّ حَلوبَةٍ / من المجد حتَّى قيل لله دَرُّه
تنصّل هذا الدهر من ذنبه به / فلا تعتبنّ اللَّيل والصبح عذره
فما ذنبه من بعد ذلك ذنبه / ولا وزره من بعد ذلك وزره
ولي منه ما أهدي لديه وأبتغي / ومنِّي له المدح الَّذي طاب نشره
فيا قمراً في أُفق كلّ أبيّةٍ / سريع إلى المعروف والبرّ سيره
فداؤك نفسي والمناجيب كلّها / ومن سرَّه في النَّاس أنَّك فخره
أفي النَّاس إلاَّ أنتَ من عَمَّ خيرُه / بيوم على الدنيا تطايَرَ شرّه
وما غيرك المدعوُّ إن شبَّ جمرها / وأنشبَ نابُ الخطب فينا وظفره
قواضٍ على صرف الحوادث بيضه / مواضٍ لعمري في الكريهة سمره
إذا ما غزا معروفه النكر مَرَّةً / فلله مغزاه وبالله نصره
تدفَّق في حوض المكارم جوده / وحَلَّق في جَوٍّ من الفخر صقره
فهل يَعْلَمَنَّ المجدُ أنَّك فخره / وهل يعْلَمنَّ الجود أنَّك بحره
ومستعصم بالعزِّ منك وثوقه / إليك إذا هاب الدنايا مفره
وما خَفَيت حال عليك ظهورها / وكيف وسرُّ العَبد عندك جهره
فلا تحسبنِّي من ثراك مملّقاً / ورُبَّ غنيٍّ ليس يبرح فقره
وليس فقيراً من رآك له غنىً / ولا آيساً مَن أنتَ ما عاش ذخره
فشكراً لأيديك الَّتي قد تتابعت / إليَّ بما يستوجب الحمد شكره
ولو نظم الجوزاء فيك لما وفى / بها نظمه المُثني عليك ونثره
وما يملأ الأقطار إلاَّ ثناؤه / ويعذُب إلاَّ في مديحك شعره
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ / وتَوالى البشرُ منه والسرورُ
قَرَّتِ الأعينُ في طلعته / مُذ بدا وانشرَحَتْ منا الصدور
أشرقت في أُفقنا وانتهجت / وكذا تطلعُ في الأفق البدور
يرفع الجَوْرَ ويبدي عدله / منصفٌ بالحكم عدلٌ لا يجور
أُوتيَ الحكمةَ والحكم وما / هو إلاَّ العالم البحر الغزير
فَوَّض الأمر إليه مَلِكٌ / ما جَرَتْ إلاَّ بما شاء الأمور
من وزير أصْبَحت آراؤه / يسعد السلطان فيها والوزير
كانَ سر اللّطف مكتوماً وقد / آنَ للرحمة واللطف الظهور
من أمير المؤمنين انبعثَتْ / حَبّذا المأمورُ فيها والأمير
دولةٌ أيَّدها الله به / فَلَقَدْ طالتْ وما فيها قصور
وبشيرٌ لمليكٍ همُّهُ / أنْ يرى النَّاس وما فيهم فقير
أنتَ سيفٌ صارِمٌ في يده / وسحابٌ من أياديه مطير
أنتَ ظلٌّ مدَّه الله على / أهْلِ هذا القطر أن حان الهجير
جِئْتَ بالبأس وبالجود معاً / إنَّما أنتَ بَشيرٌ ونذير
تَمحقُ الباغين عن آخرهم / مثلما يمحو الدجى الصبحُ المنير
أصْلَحَتْ بيضُك ما قد أفسدوا / وكبا بالمفسد الجدُّ العثور
في حُروب تدرك الوتر بها / حاضَتِ البيضُ بها وهي ذكور
عُدت منصوراً بجيشٍ ظافرٍ / وجَنابُ الحقِّ مولانا النَّصيرُ
بَذَلوها أنفساً عن طاعة / ضمنها الفوزُ وعقباها الحبور
تخطَفُ الأرواح من أعدائها / مثلما تَخْتَطِفُ الطيرَ الصقور
إنَّما قرّبَتهم عن نظرٍ / ما له في هذه النَّاس نظير
عارفاً إخلاص مَن قرَّبْتَه / ولأنْتَ الناقدٌ الشهمُ البصير
فَتَحتْ باباً لراجيك يدٌ / سُدِّدتْ في حدّ ماضيها الثغور
وحمى أطرافها ذو غيرة / وهو أنت الباسل الشهم الغيور
أسْمَعتْ صُمَّ الأعادي رهباً / من مواضيك صليلٌ وزئير
مُهلِكٌ أعداءك الرعبُ كما / أهلكَتْ عاداً من الريح الدبورُ
يا لك الله مشيراً بالذي / يُرتضى منه وبالخير مُشير
فإذا جادَ فغيثٌ مُمْطِرٌ / وإذا حاربَ فالليث الهصور
وإذا حلّ بدارٍ قد بَغَتْ / حَلَّ فيها الويل منه والثبور
إنْ تَسلْ عمَّن بغى في حكمه / فقتيلٌ من ظباه وأسير
أوقدوا النار الَّتي أوروا بها / وسعى في هلكهم ذاك السعير
إذ يسير النصر في موكبه / مُعلناً تأييده حيث يسير
كيف لا يُرجى ويُخشى سطوةً / لا الندى نزر ولا الباع قصير
وإذا طاشت رجال لم يَطِشْ / أينَ رضوى من علاه وثبير
ذو انتقام شقي الجاني به / ولمن تاب عفوٌ وغفور
أبْغَضَ الشر فلا يَصْحَبُه / وانطوى منه على الخير الضمير
أنْقذَ الأخيار من أشرارها / وشرار الشرّ فيهم مستطير
فالعراق الآن في خفضٍ وفي / مجدك الباذخِ مختال فخور
أنتَ للناس جميعاً مَوْرِدٌ / ولها منك وُرودٌ وصُدور
أنتَ للناس لعمري منهلٌ / ونداك السائغُ العذب النمير
هذه البصرة منذ استبشرت / بِكَ وافاها من السعد بشير
حَدَثَت بالقرب من عمرانها / بعدما أخْرَبَها الدهرُ المبير
كبقايا أسطرٍ من زُبُرٍ / بليَتْ وابتُلِيتْ تلك السُّطور
فلعلَّ الله أن يعْمُرَها / بك والله بما شاء قدير
تتلافاها وإنْ أشْفَتْ على / جُرفٍ هارٍ وأيْلَتها العصور
لك بالخير مساعٍ جَمَّةٌ / وبما تعزم مقدار جسور
وإذا باشرتَ أمراً معضلاً / هان فيك الأمر والأَمر عسير
قد شَهِدنا فوق ما نسمعه / عنك والقول قليل وكثير
فشهِدنا صحَّة القول وإن / قَصَّر الرَّاوي وما في القول زور
ونشرتَ الفضلَ حتَّى خِلْتُه / قام منك البعث حشر ونشور
طلعت من أنجم الشعر بكم / وبَدَتْ من أُفقه الشّعرى العبور
كلّ يومٍ لك سَعْدٌ مقبلٌ / وعلى الباغي عَبوسٌ قمطرير
أسرَّكَ من بادٍ لعَيْنَيْك حاضرِ
أسرَّكَ من بادٍ لعَيْنَيْك حاضرِ / طُروقُ خيال من أُميمَة زائرِ
سرى ليبلّ المستهام غليله / ويشهدُ ما بين الحشا والضمائر
وإنْ كانَ لم يغن الخيال ولم يكنْ / ليشفي جوًى في الحبِّ من وصل هاجر
سَلا من سَلا قبلي وما كنتُ سالياً / وعيشك ما مرَّ السُّلُوُّ بخاطري
وهيهات أن أسلو عن المجد بالهوى / وأصبو إلى غير العُلى والمفاخر
وأقتحم الأمر المهول وما العُلى / بغير العوالي والسُّيوف البواتر
ألا ثكلت أُمُّ الجبان وليدها / ولا قررت منه بعين وناظر
إذا كشف عن ساقها الحرب في الوغى / ودارت على أبطالها بالدوائر
فنَلْ ما تَمنَّى عند مشتجر القنا / فَنَيْلُ الأَماني بالقنا المتشاجر
وخاطرْ بنفسٍ لا أبا لك حرَّةٍ / فما يبلُغ الآمالَ غيرُ المخاطر
كما بلغا في المجد أبناءُ راشدٍ / مكان الدراري والنُّجوم الزَّواهر
فمن يطلبُ العلياءَ فليطليَنّها / برأفةِ منصورٍ وسطوة ناصر
هما ما هما في الرجال سواهما / إذا عُدَّتِ الأَشراف بين العشائر
رجالُ المنايا إذ يشبُّ ضرامها / بداهيةٍ دهياء ترمي بثائر
وهم مُورِدوها والسُّيوف مناهل / مواردَ حتف ما لها من مصادر
وإنَّ بني السّعدون بالجود والنَّدى / لأشبَهُ شيءٍ بالبحور الزَّواخر
فما وَلَدَتْ أُمُّ المعالي لهم أخاً / وقد خابَ من يرجو نتاج العواقر
أرى النَّاس إلاَّ آل سعيدون أُمَّةً / تُعَدُّ من الأَحياء موتى المقابر
أباحوا نداهم للعُفاة وحرَّموا / على جارهم للدهر سطوة جائر
لقد أُشْرِبَتْ حُبّ المعالي صدورهم / هنيًّا مريًّا غير داءٍ مخامر
وإنِّي متى عرَّضتُ يوماً بمدحهم / وأوْرَدْتُ ما أوْرَدْتُهُ من خواطري
إذا قلتُ قولاً كنتُ أصدق قائل / وإنْ قلتُ شعراً كنتُ أشعر شاعر
ولو علم السُّلطان إقدامَ ناصر / لما استنصر السُّلطان إلاَّ بناصر
همامٌ أباد المفسدين ودمَّرَتْ / صوارمه من طلّ باغ وفاجر
وقلَّم أظفار الخطوب فلم تَصُلْ / بأنياب أحداث ولا بأَظافر
فليس ببدعٍ أن تراه لدى الوغى / بأشجع من ليث بخفَّان خادر
يسافرُ عنه الصيت شرقاً ومغرباً / مقيمٌ على الإِحسان غير مسافر
يحدِّثُ راويه عن البأس والندى / ويأتيك من أخباره بالنوادر
وما نامَ عن قوم تكفَّل حفظها / وقد باتَ يرعاها بأعين ساهر
إذا جَرَّدَتْ يُمناه عضباً يمانياً / كساه نجيعاً من نجيع الخناجر
وإنْ كَتَبَتْ أيديه في الجود حُرِّرَتْ / بياض العطايا من سواد المحابر
نظمتَ أُمور النَّاس علماً وحكمةً / فمن ناظم فيك الثناء وناثر
ودبَّرْتَ إكسير الرِّياسة والعُلى / بما لا يفي يوماً به علم جابر
وقُمتَ مقاماً يخطبُ النَّاس منذراً / ويُعْلِنُ من إرشاده بالبشائر
لئنْ خطبتْ أسيافك البيض خطبةً / فهامُ الأَعادي عندها كالمنابر
ويا رُبَّ قوم طاولتك فقصَّرتْ / وما كانَ منك الباع عنهم بقاصر
وجاءَتك بالمكر الَّذي شَقِيَتْ به / فما رَجَعَتْ إلاَّ بصفقة خاسر
وأرغمت آناف الطغاة فأصْبَحَتْ / تصعِّر ممَّا أبْصَرَتْ خدّ صاغر
ثَبَتَّ ثباتَ الرَّاسيات لحربهم / وحَلَّقتَ يومَ المفاخر تحليق طائر
أذقْتَهُم البأسَ عقوبةً / ويا طالما أنذرتهم بالزواجر
وما خُلِقَ الإِحسان إلاَّ لصالحٍ / ولا خُلق الصَّمصام إلاَّ لفاجر
عليك بِوُدّ الأَقربين وإنْ أتَتْ / بغير الَّذي تهوي فليس بضائر
وأحسِنْ إليهم ما استطعت فإنَّما / تشاهدُ بالإِحسان صفو الضمائر
لعمرك إنْ ألَّفْتَ بين قلوبهم / ظفِرت من الدُّنيا بأسنى الذخائر
فما أَفْلَحَتْ بين الأنام قبيلةٌ / إذا ابتليت يوماً بداء الضرائر
وإنَّك تعفو عن كثيرٍ وهكذا / وعيشك قد كانت صفات الأَكابر
فما أنتَ إلاَّ كابرٌ وابن كابرٍ / وما أنتَ إلاَّ طاهرٌ وابن طاهر
يميناً بربِّ البيت والركن والصَّفا / ومن حَلَّ في أكتاف تلك المشاعر
لأنتم بنو السعدون في كلِّ موطنٍ / أكارم مذ كنتم كرام العناصر
عليكم ثنائي حيثُ كنت وطالما / ملأت بأشعاري بطون الدفاتر
أزيد لكم شكراً وأزداد نعمة / وما ازدادت النعماء إلاَّ لشاكر
أقلِّدكم منِّي الثناء وإنَّه / قليلٌ ولو قلَّدتُكُمْ بالجواهر
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي / رسالَة مُتْقِنٍ بالأمرِ خُبرا
وسَل منه غداةَ يهُزُّ رأساً / بحلقة ذكره ويدير نحرا
أقال الله صفِّق لي وغنِّ / وقُلْ كفراً وسمِّ الكفرَ ذكرا
وأيُّ ولاية حَصَلتْ بجهلٍ / ومن ذا نالَ بالكفران أجرا
فإن قُلتَ اجتهَدْتَ بكلِّ علمٍ / فأعربْ لي إذَنْ لاقيت عمرا
وما يكفيك هذا الفعل حتَّى / كذبتَ على النبيِّ وجئت نكرا
متى صارت هيازع من قريش / فعدِّدها لنا بطناً وظهرا
فإنْ تكن السِّيادة باخضرار / لكان السلقُ أشرفَ منك قدرا
تقول العيدروسي كانَ يحيي / من الأَنفاس من قد مات دهرا
أكان شققتَ للباري شريكاً / فيَمْلِكُ دونه نفعاً وضرَّا
فويلك قد كفرتَ ولستَ تَدري / ولم تبرح على هذا مُصِرَّا
وويحك ما العبادة ضربُ دُفٍّ / ولا في طول هذا الذقن فخرا
برؤيتك الأنام تظنُّ خيراً / ولو علقتَ لظنَّت فيك شرَّا
أجب عمَّا سألتكَ واشف صدري / وإنْ أكُ قد عرفتك قبل ثورا
أدارَ على النّدمان كأسَ عقارِهِ
أدارَ على النّدمان كأسَ عقارِهِ / وحَيَّى بوَرْدِ الخَدِّ من جُلّنارِهِ
وفي طرفه للسكر ما في يمينه / فكلتاهما من خمرِهِ واختماره
وماسَ فمالَ البان إذ ذاكَ غَيْرَةً / عليه وأزرى فيه عند ازوراره
على أنَّه من روضة الحسن جنَّةً / ولكنَّه ما حفَّها بالمكاره
وقد نسجت أيدي الرَّبيع ملابساً / مُفَوَّقةً من ورده وبهاره
وسالَ لجين الماء فوقَ زمرّد / يحلّيه من نوّاره بنضاره
وأَصبَحَ مخضرًّا من النَّبت شارب / يروق ويزهو بهجة باصفراره
وقد رَقَصَتْ تلك الغصون تطرّباً / لبُلْبُلِه الشَّادي وصوت هزاره
تألَّفَ ذاك الشكل بين اختلافه / وأبْدَعَ في إحسانه وابتكاره
فهذا يَسُرُّ الناظرين اصفراره / وهذا زها مخضرُّه باحمراره
وكم راح يغنيني عن الزهر أغيدٌ / بنرجس عينيه وآس عذاره
عَصَيْتُ عذولي في هواه ولائمي / وما زلتُ في طوع الهوى واختياره
أطال بطول القدّ في الحبِّ حَسرتي / وحيَّرني في خصره واختصاره
ولله مخضرّ العذار عشقته / وحمر المنايا السُّود عند اخضراره
أُجادلُ عُذَّالي على السخط والرضا / وإنِّي لراضٍ بالهوى غير كاره
يقولُ الهوى العذريّ في مثل حبِّه / إذا لم تُطِقْ هجر الحبيب فداره
وليلٍ كيومِ النَّقْع أسْوَدَ فاحمٍ / نَخُوض بكاسات الطّلا في غماره
أَغَرْنا على اللَّذَّات ما ذكرت لنا / وأَبْعَدَ كلٌّ عندها في مغاره
وقد زارَ من أهوى على غير موعدٍ / فيا قُربَ منآه وبعد مزاره
فآنسني في وَصْله بعد هجره / وقد آلف المشتاق بعد نفاره
وما زال حتَّى صوَّب النَّجم وانطوى / رداءُ ظلام اللَّيل بعد انتشاره
ولاحتْ أسارير الصَّباح وبشَرَتْ / بأنَّ الدُّجى قد حانَ حين بواره
ولم يبقَ من أبناء حام بقيَّة / فما شقَّ عن حامٍ ولا عن غباره
يدير علينا كأسَ راح رويَّة / تجرِّدُ من يُروى بها من وقاره
تخبرنا عن نار كسرى لعهده / وقد بَرَزَتْ في طوقه وسواره
فما نزلت والهمّ يوماً بمنزلٍ / وما أقْبَلَتْ إلاَّ لأجل فراره
وقلنا له هاتِ الصَّبوح فكلُّنا / يُريدُ شفاءً بالطّلا من خماره
ونحن بروض رقَّ فيه نسيمه / وجرَّ على الأَنفاس فضل إزاره
وأهدت إلى الأَرواح أرواحها الصبا / أريج خزاماه وطيب عراره
وأنعمُ عيشٍ ما حَظِيتُ برغده / وكنتُ لعبد الله ضيفاً بداره
أَمِنتُ طروق الهمِّ من كلِّ وجهةٍ / إذا كنتُ يوماً نازلاً في جواره
أقرُّ به عيناً وأَشرح خاطراً / وأشرك شكر الروض وبل قطاره
فمن فضله أنِّي أبوء بفضله / وأَفخر ما بين الورى بافتخاره
ولا خير فيمن لا يؤمَّل نفعه / ولا يتَّقى من بأسه وضراره
ومنذُ رأيتُ اليُمن طوعَ يَمينه / وَجَدْتُ يَساري حاصلاً في يساره
وقيَّدني منه رقيقُ جميله / فَلَسْتَ تراني مطلقاً من إساره
أبَرَّتْ به في الأَنجبين ذخيرة / وحسبُك ما كانَ الغنى بادِّخاره
أُنزِّه طرفي في محاسن وجهه / وإنْ غابَ عنِّي لم أزلْ بانتظاره
وإنِّي لأهواهُ على القرب والنوى / وأطربُ في أَخباره وادِّكاره
جَنَيْتُ به غرس المودَّة يانعاً / وكلّ جميل يجتنى من ثماره
سريع إلى الفعل الجميل مبادر / إلى الخير في إقباله وبداره
رعى الله من يرعى من الخلّ عهده / وأَدَّى له ما ينبغي لذماره
إذا دارَ في زهر العُلى فلك العُلى / فآل زهير الصّيد قطب مداره
صناديدُ يشتارون من ضَرب العُلى / وشوك القنا الخطيّ دون اشتياره
لقد عرف المعروف من قبلها بهم / وشيد بفضل الله عالي مناره
وهل تجحد الحسَّاد آيةَ مجدهم / وقد طَلَعت في الكونِ شمس نهاره
بهم كلّ مقدام على الرَّوع فاتك / بسطوته في جنده واقتداره
ويفترُّ في وجه المطالب ضاحكاً / ولا الأُقحوان الغضّ عند افتراره
إذا استنصر الصَّمصام أيَّد حزبه / وقام اليماني قائماً بانتصاره
إذا قيل رمح كانَ حدّ سنانه / وإنْ قيل عَضبٌ كانَ حدّ غراره
وإنْ عُدَّ كُبَّار الأنام فإنَّما / أصاغرهم معدودةٌ من كباره
هم خيرُ من لا يَبرح الخيرُ فيهم / وما كلُّ من ألفَيْتَه من خياره
تَضَوَّعَ مسكيّ الشذا رِدائه / بعنصره الزَّاكي وطيب نجاره
فهم أبحرُ الجدوى نقيض ولم تَغِضْ / فكم وارد عذب النَّدى من بحاره
يهون عليه المال إنْ عزَّ أو غلا / وينظر أسناه بعين احتقاره
صفا مثل صفو الرَّاح لَذَّتْ لشارب / ودارت كما شاءَ الهوى في دياره
فلا زالت الأَفراح حشوَ ردائه / ولا بَرِحَتْ عن بُرده وشعاره
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي / رسائِلَ ضمنها خِزيٌ وعارُ
قصيميٌّ عَدِمْتَ العقل يوماً / ويوماً شمّريٌّ مستعار
وجنيٌّ إذا ما جُنَّ ليلٌ / وإنسيٌّ إذا ضاءَ النَّهار
ذهبت مولياً خدعاً ولؤماً / فلم يلحق بمذهبك الغبار
كما ذهب الحمار بأُمِّ عمرو / فلا رجعت ولا رجع الحمار
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا / أثارَ من الصَّبابة ما أثارا
وهاج لي الغرام وهيّجت بي / فؤاداً يا أُميمة مستطارا
فبرقاً شِمْتُه واللَّيل داج / كما أوْقَدْتَ في الظَّلماء نارا
كأَنَّ وميضَه لمعانُ عَضبٍ / يشقُّ من الدُّجى نقعاً مثارا
ذكرتُ به ابتسامك يا سُليمى / فأبكاني اشتياقاً وادّكارا
فما مرَّ الخيال إذنْ بطرفي / ولَمْ أذُقِ الكرى إلاَّ غرارا
وذكرى ما مضى من طيب عيشٍ / سحبت من الشباب به إزارا
وعهد هوىً لأيام التصابي / وإنْ كانت لياليه قصارا
أخَذْتُ بجانب اللَّذات منها / على طَربي وعاقرتُ العقارا
وكم من لذَّةٍ بكُمَيْت راحٍ / أغَرْناها فأبْعَدْنا المغارا
منظمة الحباب كأنَّ كسرى / أماطَ الطَّوق فيها والسّوارا
مزجناها وقد كانت عقيقاً / فصيَّرها المزاج لنا نضارا
فلو طار السرور بمجتليها / على الندمان يومئذٍ لطارا
وقد كانَ الشباب لنا لبوساً / يَلَذُّ بِخَلْعِنا فيه العذارا
فواهاً للشبيبة كيف ولّتْ / وما استرجعتُ حلْيا مستعارا
تنافَرَتْ الظباء وبان سِربٌ / ولم أُنْكِرْ من الظبي النفارا
وشطّ نزارُ من أهواه عنِّي / ومن لي أن أزورَ وأنْ أُزارا
إلام أُسائل الرُّكبانَ عَنهمْ / وأستَقْري المنازلَ والديارا
وقوفاً بالمطيِّ على رسومٍ / أُعاني ما تُعانيه البوارا
أُرقْرِقُ عَبرة وأذوبُ شوقاً / ويَعدِمُني بها الشَّوقُ القرارا
وحنَّتْ أنيقي وبكَتْ رفاقي / وأرسَلَتِ الدُّموع لها غزارا
أشوّقك العرارُ لأرض نجدٍ / ولا شيحاً شَمِمْتَ ولا عرارا
أضَرَّ بك الهوى لا باختيار / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
سَقَتْها المزنُ سحًّا من نياقٍ / وصَبَّ على معالمها القطارا
وصَلْتُ بها المهامه والفيافي / وجُبْتُ بها الفدافد والقفارا
مُعلِّلتي بممرضتي حَديثاً / لقد داويت بالخمرِ الخمارا
بمن لا زلت تحييني التفاتاً / وتقتُلُني صُدوداً وازورارا
هي الحدق المراض فتكْنَ فينا / وألطف من ظبا البيض احورارا
فلولا فتكها ما بتُّ أشكو / بأحشائي لها جرحاً جُبارا
كأنَّ جفونَها بالسِّحرِ منها / سُكارى والنفوس بها سُكارى
بَلَوْتُ بني الزمان وعرفَتْني / تجاريبي سرائِرَهم جهارا
وإنَّك إن بلوتْ النَّاس مثلي / وجَدْتَ النَّاس أكثرهم شرارا
وإنْ قِسْتَ الرجال وهم كبار / بمجد محمد كانت صغارا
بأهداهم إلى المعروف برًّا / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
وكم لحقته في ميدان فضل / فما شَقَّتْ له فيه غبارا
بروحي من إذا ما جار خطبٌ / فَرَرْتُ إليه يومئذٍ فرارا
يرى في ظلِّه العافون عيشاً / يَروقُ العينَ بهجته اخضرارا
ويُنفِقُ في سبيل الله مالاً / بهِ ادَّخرَ الثوابَ له ادِّخارا
ويَرعى في صَنائِعِهِ ذِماراً / بجيلٍ قلَّ من يرعَى الذّمارا
تبصَّر في الأُمور وحنكته / التجاريب اختباراً واعتبارا
وحلَّتْهُ فضائله بحِلْيٍ / لعمرك لن يُباعَ ولنْ يُعارا
وأبدعَ بالمكارم والأَيادي / فما يأْتي بها إلاَّ ابتكارا
وما زالتْ كرامُ بني زهير / خياراً تنتجُ القوم الخيارا
نِجار أُبوَّةٍ ونتاج فخرٍ / فحيَّا الله ذيَّاك النجارا
هم الجبل المنيع من المعالي / يُجيرُ من الخطوب من استجارا
وإنَّ محمَّداً أندى يميناً / وأَوفرُ نائلاً وأَعزُّ جارا
أبا عبد الحميد رُفِعتَ قدراً / وقد أُوتِيتَ حِلماً واقتدارا
سَبقْتَ الأَوَّلين فلا تُجارى / إلى أَمَد العلاء ولا تبارى
فسبحان الَّذي أَعطاك حِلماً / فوازَنْتَ الجبالَ به وقارا
وألهَمَكَ الصَّوابَ بكلِّ رأيٍ / يُريك ظلامَ حندسِهِ نهارا
عليك النَّاس ما بَرحتْ عيالاً / ولم تبْرح لدائرها مدارا
تُشَيِّدُ من عُلاك لهم مقاماً / وتُوضِحُ من سَناك لهم منارا
لك النَّظر الدَّقيق يلوح منهم / هُدى قومٍ به كانتْ حيارى
وفيك فطانة وثقوب ذهنٍ / يَراكَ به المشيرُ المستشارا
بقد سارَتْ مناقبك السَّواري / فما اتَّخذت في الأرض لها دارا
تَقَلَّدْتَ القوافي الغرَّ منها / بأحسنَ ما تقلَّدتِ العذارى
وما استَقْصَتْ مدائحك القوافي / نظاماً في علاك ولا نثارا
لئنْ قصَّرتُ فيما جئتُ منها / فقد تتلى اقتصاراً واختصارا
ليهنِك رُتْبَةٌ تعلو وتسمو / ونيشانٌ نُؤرِّخه افتخارا
جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ
جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ / فَلْيَسْعَ ساقينا بكأس عقاره
وليشربنَّ الرَّاح ناشد لذَّة / لم يُلفِها إلاَّ لدى أزهاره
يا أيُّها الندماء دونكم الَّتي / تشفي نجيَّ الهمِّ بعد بواره
صفراء صافية تزيل بصفوها / ما كابدَ الإِنسان من أكداره
يسعى بها أحوى أغنُّ كأَنَّه / ريمُ الفلاة بجيده ونفاره
في مجلسٍ بزغَتْ شموسُ مرامه / وجلى لنا فيه سنا أقماره
لله ما فعلَ السُّرور بموطنٍ / تجري كُمَيْتُ الرَّاح في مضماره
أمبادرَ اللّذّات أَيَّةَ آية / أجرى بسعي منادمٍ وبداره
خذها إذا اكْتَسَتِ الكؤوس بصبغها / خلع الوَقُورُ بها ثياب وقاره
ومورد الوَجَنات إنْ حيَّيْتَه / حيّى بوجنته وآس عذاره
ظبيٌ أُسودُ الغاب من قُتَلائِه / وصوارم الأَلحاظ من أنصاره
قمرٌ إذا ما لاحَ ضوءُ جبينه / أَصلى فؤادَ الصَّبِّ جذوةَ ناره
ويقول ثائر من أُبيدَ بلحظه / من آخذٌ يا للرجال بثاره
إنِّي لأعْلَمُ أَنَّه في ريقه / ما راح يسقي الرَّاح في مِسْطاره
فرشَ الرَّبيعُ لنا خمائِلَ سُنْدُسٍ / خضرٍ تَفوحُ برنده وعراره
شكراً لآثار الغَمام بروضهِ / فَلَهُ اليدُ البيضاءُ في آثاره
روضٌ محاسنُ أَرضِه كسمائه / وشروقُ بهجة ليله كنهاره
فاشرب على النَّغمات من أطياره / فكأَنَّها النغماتُ من أوتاره
تتراقَصُ الأَغصان من طربٍ به / ما بينَ شدوِ حمامه وهزاره
لا تنكروا ميلَ الغصونِ فإنَّما / هذي الغصونُ شَرِبْنَ من أنهاره
وإذا أَتى فصلُ الرَّبيع فبادروا / لتناهب اللّذّات في آذاره
فكأَنَّه وَجْه الخرائد مسفراً / كلّ الجمال يلوحُ في أسفاره
وتَنَزَّهوا في كلّ روضٍ معشبٍ / لا سيَّما بالغضِّ من نوَّاره
ولقد أسَرَّ لي النَّسيم أَريجَه / خبراً رواه العِطر عن عَطَّاره
فإذا تَنَفَّستِ الصّبا باحتْ بما / كتمته بالأَنفاس من أسراره
يا حبَّذا زمنٌ يزيدك بهجةً / يحكي عليَّ القدر باستيثاره
متهلّل للوافدين كأَنَّه / روضٌ سقاه الغيث من مدراره
فتعطَّرَتْ أنفاسه وتبرَّجت / أزهاره في وَبْلِهِ وقطاره
نَشَرَتْ محاسنُ طيّه من بعد ما / سَحَبَ السَّحاب عليه فضلَ إزاره
ذاكَ النَّقيب له مناقبُ جَمَّةٌ / عَدَدَ النُّجوم يَلُحْنَ من آثاره
بأبي الشَّريف الهاشميّ فإنَّه / سادَ الأنامَ بمجده وفخاره
زاكي العناصر طيِّبٌ من طيِّبٍ / فَرْعٌ رسول الله أَصْلُ نجاره
نورُ النُّبوَّة ساطعٌ من وجهه / أوَ ما نرى ما لاحَ من أنواره
عذب النوال لسائليه وإنَّه / كالشّهد تجنيه يدا مشتاره
تيَّار ذاك البحر يعذُبُ ماؤه / فاغرفْ نميرَ الماء من تيَّاره
كرِّرْ حديثك لي بمدْح ممجَّدٍ / يحلو إلى الأَسماع في تكراره
إنْ أَمْتَدِحْهُ بألفِ ألف قصيدةٍ / لم أَبْلُغِ المعشار من معشاره
جَرَّدْته لوَ انَّ الدهر حازَ أمانه / ما جارَ معتدياً على أحراره
هو رحمةٌ نزلتْ على أخياره / وهو الخيار المصطفى لخياره
فَلَقَدْ تعالى في علوِّ مقامه / حتَّى رأيت البدر من أنظاره
أَمِنَ المخوفَ من الزَّمان كأَنّما / أخَذَ العهودَ عليه من أخطاره
اليُمن كوَّن واليسارُ كلاهما / في الدَّهر طوع يمينه ويساره
أميسّر الأَمر العسير أَعِدْ إلى / عبدٍ يراكَ اليسر في إعساره
نظراً تريه به السَّعادة كلَّها / يا مَن يراه السَّعد في أنظاره
مستحضر فيك المديح وحاضرٌ / منك الغنى أبداً مع استحضاره
يا سيِّداً لا زال في إحسانه / من فضله بلجينه ونضاره
أوليته منك المكارم فاجتنى / ثمرات غرسِ يديك من أفكاره
فلكم غرستَ من الجميل مغارساً / كانَ الثناء عليك من أثماره
واقْبَلْ من الدَّاعي لمجدك عُمْرَهُ / ما يستقلّ لديك من أشعاره
أَيُنْكِرُ مَعروفَنا المُنكِرُ
أَيُنْكِرُ مَعروفَنا المُنكِرُ / ويَكْفُرُهُ وهو لا يُكْفَرُ
ونحن بنو هاشم في الأَنام / كما اتَّضح الواضحُ النيَّر
تطيب عناصِرُنا والذوات / وقد طابت الذَّات والعنصر
إذا ما ذكرنا فغير الجميل / وغير المحامد لا تذكر
بنا تفخرُ الأُمَمُ السَّابقون / ونحن بأَنفسنا نفخر
ومنَّا النبيُّ ومنَّا الوصيُّ / ومنَّا المبشّر والمنْذر
رَمَيْتُ عدوًّا بنا ساءه / وقوسي لأمثاله يوتر
وذلَّلتُه بعد عزٍّ بها / وحقَّرتُهُ وهو يستكبر
وربَّ قوافٍ لشعري تنير / على عرضه وهو لا يشعر
لها طعناتٌ كَوَخْزِ السِّنان / ولا مثلها الذابلُ الأَسمر
فواعجباً لأَلَدِّ الخِصام / وقد حاقَ بالخصم ما يمكر
أَيُعجِبُه أَنْ يرى ساعةً / يرى دَمَه عَنْدَماً يقطر
بسهمٍ إذا أَنا فَوَّقْتُه / أُصيبَ به الجِيدُ والمنحر
أرى العفو عن لَمَمِ الأَرذلين / لداعٍ إلى ما هو الأَكبر
فلا عثرةُ النذل ممَّا تقال / ولا ذنب مذنبها يغفر
وإنِّي أعرِفُ كُنْهَ الرِّجال / ويكشفُ مخبرَها المنظرُ
صَبَرْتُ على بعض مكروهه / وقُلتُ إذَنْ عَوْرةٌ تُستَرُ
وإنِّي صبورٌ على النائبات / وإنِّي على الضَّيم لا أصبرُ
فأَقْبَلْتُ يوماً على حتفه / فولَّى به حَظُّه المدبرُ
ليَعْلَمَ أنِّي فتًى أَمْرهُ / مطاعٌ وسطوتُه تَقْهَرُ
يدين العلاءُ إلى طوعه / ويمتثل المجدُ ما يأمرُ
يزينُ كلامي وجوهَ الكلام / ومن كَلِمِ المرءِ ما يُبهِرُ
كما زُيِّنَتْ بالنقيب الشَّريف / وحسن مناقبه الأَعصرُ
إذا جادَ سالَ النَّدى للعُفاة / وأَيْسَرُ من سيبه الأَنهُرُ
ترى الوافدين إلى بابه / لها موردٌ ولها مصدرُ
فتًى يقتفي إثْرَ آبائه / وآثارُ آبائه تؤثر
من القوم لا نارهم في الظَّلام / تُوارى ولا مالُهم يذخرُ
وما نَزَلوا غير شمّ الرعان / يُهدّى لها المنجد المغور
إذا وَعَدوا بالندى أنجزوا / وإنْ أوْعَدوا بالرَّدى أَذعروا
وإنْ طُوِيَتْ صُحُفُ الأَكرمين / فإنِّي أراها بهم تُنْشَرُ
أَبَيْتَ النُّبوَّة لا زِلتُمُ / نجوماً بنور الهُدى تزهرُ
مكارمُكُمْ لم تزلْ تُرتَجى / وسطوتكم أبداً تُحذرُ
وبارقُ عارِضُكم وامضٌ / وعارضُ إحسانكم ممطر
وأَبواعكم في منال العُلى / تَطولُ إلهاً ولا تَقْصُرُ
وكيفَ يطاولكم في بناءِ / معاليكم الأَشْعَثُ الأَغبرُ
لئنْ أَصبَحَتْ أُمَّكم فاطمٌ / وإن أباكم إذَنْ حيدر
فما بعد عليائكم من عُلًى / ولا بعْدَ مفخركم مفخرُ
ومنكم تبلَّجَ صبحُ الهُدى / وأَسْفَرَ وهو بكم مسفر
وأَجدادُكم شُفَعاء العُصاةِ / بيوم به ناره تسعرُ
ويخضرُّ من بيض أيديهمُ / وجدواهم الزَّمَنُ الأَغْبرُ
سراةٌ نَداهُم كفيض البحار / نعم هكذا فيضها الأَبحرُ
فكونوا غمائمَ مبراقها / يُشام سناه ويستمطر
تحرَّوْا بني عمّنا في الأُمور / وراعوا عواقبها وانظروا
وكونوا بَني رجلٍ واحدٍ / إذا أَنكروا منكراً غيَّروا
فحينئذٍ بأسُكم يُتَّقى / ويخشاكم العَدَدُ الأَكثرُ
وإنِّي لَمِنْ بعض أنصارِكم / وناصرُكم في الورى ينصرُ
وإنِّي بأيديكم صارمٌ / يُقَدُّ به الدِّرع والمغْفَرُ
أُدافعُ عنكم إذا غِبْتُمُ / وأُثني عليكم ولم تحضروا
وإنِّي لأَشكركم والجميلُ / على كلّ أَحواله يُشكرُ
فخذها إليك تُغيظ الحَسُودَ / يراها المحبُّ فيستبشر
تسرُّ لديك الوليَّ الحميمَ / ويُبتَرُ شانِئُك الأَبترُ
تَوَلَّتْ من الظَّلماء تلكَ الدياجرُ
تَوَلَّتْ من الظَّلماء تلكَ الدياجرُ / وشاقَكَ طيفٌ من أميمةَ زائرُ
سرى حيث لا واشٍ هناك يصدّه / ولا لَمَحتْه من رقيب نواظر
ووافى على بُعد المزار فليته / أقام وقد آوَتْه تلك المحاجر
يبلُّ غليل الشَّوق من ذي صبابة / يذكّره المنسيَّ في الحبّ ذاكر
تذكّرت فيما بعد ذلك نائياً / فلا هو بالداني ولا أنا صابر
فيا ليت شعري هل يعود لي الصبا / وتألف هاتيك الظباء النوافر
فأغدو إلى ما كنت أغدو وللهوى / على برحاء الوجد عين وناظر
فلله عهدٌ بالصبابة مرّ بي / وما فتكت أحداقهن الجآذر
أعاذلتي والعتب بيني وبينها / رويدك فالأنصاف لو كانَ عاذر
لبست الضنى حتَّى أبادني الضنى / وخامَرَني في الحبّ داءٌ مخامر
وحسبُك أنِّي فيك يا ميٌّ وامقٌ / وأنِّي امرؤٌ مما يريبك طاهر
وهل تَعْلَقُ الفحشاء من ذي صبابة / وقد كَرُمَتْ نفسٌ وعفَّت مآزر
زكوتُ فما ألمَمْتُ يوماً بريبة / ويزكو الفتى من حيث تزكو العناصر
تطالبني نفسي بما تستحقُّه / وإن أجْحفت فيها الجدود العواثر
تحاول مجداً في المعالي ورفعة / فيرجى لها نيل وتخشى بوادر
فأكرمتُها أن صُنتُها عن دنيّة / وإنِّي بها في الأنجبين أفاخر
أنوء بأعباء المروءة حاملاً / من الهمّ ما لا تستطيع الأباعر
وأزداد طيباً في الخطوب كأنّني / أنا المندليّ الرطب وهي مجامر
فما ساءني فقرٌ ولا سرّني غِنىً / وعرضي لم يُكْلَمْ إذا هو وافر
سواءٌ لديَّ الدهر أحسنَ أم أسا / وما ضائري من حادث الدهر ضائر
فمن عزماتي للهموم معاذر / ومن كلماتي للنجوم ضرائر
ولي في بلاد الله شرقاً ومغرباً / نوادر من حُرِّ الكلام سوائر
شواردها حلي الملوك وصوغها / من اللفظ إلاَّ أنَّهنَّ جواهر
تحضّ على الذكر الحميد بفعله / وفيها لأرباب العقول بصائر
إذا اختَبَرتْ كُنْهَ الرجال بعلمها / أفادَتْك عِلماً والرجال مخابر
سقى الله حيًّا فيه أبناءُ راشد / سمامُ الأعادي والسيوف البواتر
ومنزلة بين الفرات ودجلة / إذا لم يكن فيها المشير فناصر
إذا نزلوا الأرض المحيلة أخْصَبتْ / وجادت عليها المرسلات المواطر
صوارمهم نارٌ وأمَّا أكفُّهُم / فأبْحُرُ جودٍ بالنوال زواخر
يروقك في داجي الحوادث منهمُ / وجوهٌ عن البدر المنير سوافر
فهذا غمام بالمكارم ماطر / وهذا حسام للمعاند قاهر
يقي من سموم الحادثات بنفسه / إذا لَفَحتْها بالسموم الهواجر
وأرضاً حَماها ناصر بحسامه / حمىً لم يطأه للنوائب حافر
رحى الحرب إنْ دارت رحاها فإنَّه / هو القطب ما دارت عليه الدوائر
ومتَّخذٍ بيض الأَسنَّةِ والظبا / موارد تستحلى لديها المرائر
وحسبك يوم الرَّوع من متقدم / إذا أحجمت فيه الأُسود القساور
يُريعُ ولا يرتاع يوماً لحادثٍ / ومن ذا يريعُ اللَّيثَ واللَّيث خادر
فيا مُورِدَ الفرسان في حومة الوغى / مواردَ حتفٍ ما لهنَّ مصادر
تطلَّبتها حتَّى ظفرت بنيلها / ولا مطلبٌ إلاَّ العُلى والمفاخر
وراثة آباءٍ كرامٍ تقدَّموا / أوائلهم أربابها والأواخر
تطاولت حتى نلت أعلى مقامها / بطول يدٍ طولى وما أنت قاصر
ومن ذا الَّذي يدنو إليك مبارزاً / وأنتَ على أنْ تصرع اللَّيث قادر
بوجهك يا سَعْدَ البلاد تطلَّعَتْ / مطالع فيها للبعاد بشائر
وما شقيت من آل بيتك عُصبَةٌ / وأنْتَ بهم في العدل ناهٍ وآمر
يُؤَمِّلهم من جود كفِّك نائل / ويزجرهم من حد سيفك زاجر
تهابك في أقصى البلاد وإنْ نأتْ / قبائل شتَّى لم ترع وعشائر
تنام عن الدُّنيا وما أنتَ نائم / وحزمك يقظانٌ وسعدك ساهر
تخافك أعداءٌ كأنَّكَ بينَهُم / وما غِبْتَ عن قوم وبأسك حاضر
إذا قيلَ في الهيجاءِ هل من مبارزٍ / فما عُقِدَتْ إلاَّ عليك الخناصر
فإنَّ بني أهليك في كلِّ موطنٍ / بدور المعالي والنجوم الزَّواهر
وإنَّ بني أهليك لله درّهم / أَكابر أَقوام نمتهم أكابر
فلا غَرْوَ أن أرتاحَ يوماً بمدحكم / ويسمحَ لي في نظمي الشعر خاطر
فإنِّي بكم أبناء راشد شاعر / وإنِّي لكم ما دُمْتُ حيًّا لشاكر
فلا راعت الأَيَّام قوماً ولا خَلَتْ / ديارٌ بها من آلِ بيتك عامر
عسى نظرةٌ من ناصرٍ والتفاتَةٌ
عسى نظرةٌ من ناصرٍ والتفاتَةٌ / تُخَفِّفُ من همِّي وتَكشِفُ من ضُرِّي
فعَهْدي به برٌّ رؤوفٌ وراحِمٌ / تَعاهَدَني من قَبلُ بالعُسْرِ واليُسْرِ
لفُقْدانِ عبد الواحد الدَّمع قد جرى
لفُقْدانِ عبد الواحد الدَّمع قد جرى / وأَجرى نجيعاً لمدامع أحمرا
تذكَّرته من بعد حول فأَذْرَفَتْ / عليه جفوني حسرةً وتذكّرا
فكفكفْتُ من عيني بوادر عبرة / وما خِلْتُها لولاه أنْ تتحدَّرا
أَقامَ عليَّ العيدُ في النَّحر مأتماً / وأَظهرَ ما قد كانَ في القلبِ مضمرا
لئنْ غيَّبوهُ في التُّراب وأَظلَمَتْ / معالم كانت تفضح الصبح مسفرا
فما أَغمدوا في الترب إلاَّ مهنَّداً / ولا حملوا في النَّعش إلاَّ غضنفرا
أُصِبنا وأيم الله كلّ مصيبة / بأَروع أبكى الأَجنبين ولا مِرا
فيا لك من رزءٍ أصاب وحادث / ألمَّ وخطب في الجلاميد أثَّرا
تفقَّدْتُ منه وابل القطر ممطراً / وفارقتُ منه طلعة البدر نيّرا
وما كانَ أبهى منه في النَّاس منظراً / ولا كانَ أزكى منه في النَّاس مخبرا
أفي كلّ يومٍ للمنايا رزيَّةٌ / تكاد لها الأَكبادُ أن تتفطَّرا
تهيِّجُ أحزاناً وتبعثُ زفرةً / وتُرسلُ في فقد الأَحبَّة منذرا
تكدّر أخوان الصَّفا في انبعاثها / وأيّ صفاءٍ لامرئٍ ما تكدَّرا
أجلُّ مصاب الدَّهر فَقْدُكَ ماجداً / ودفْنُكَ أجداث الأَكارم في الثَّرى
وقولكَ مات الأَكرمون فلم نَجِدْ / زعيماً إذا ما أورد الأَمر أصدرا
وما حيلة الإِنسان فيما ينوبه / إذا كانَ أمر الله فيه مقدَّرا
وهبكَ اتَّقيتَ الرِّزءَ حيث أريته / فكيف بمن يأتيك من حيث لا ترى
ونحنُ مع المقدور نجري إلى مدًى / وليس لنا في الأَمر أن نتخيَّرا
إذا لم تُمَتَّع بالبقاء حياتنا / فلا خيرَ في هذي الحياة الَّتي نرى
على ذاهبٍ منَّا يرغم أُنوفِنا / نُعالِجُ حُزْناً أو نموت فنُعذرا
وما أنا بالناسي صنائعه الَّتي / تذكّرنيه كلّ آنٍ تذكّرا
فأُثني عليه الخير حيًّا وميّتاً / وأشكره ما دمتُ حيًّا مذكرا
وإنِّي متى ضَوَّعْتُ طيب ثنائه / فتَقْتُ به مِسكاً وأَشممْتُ عنبرا
تبارك من أنشاكَ يا ابن مبارك / جميلاً من المعروف لن يتنكَّرا
وما زلت حتَّى اختاركَ الله طاهراً / فكُنتَ ماء المُزن عذباً مطهَّرا
إلى رحمة الرَّحمن والفوز بالرّضا / سبَقت وما أسبقت فينا التَّصبّرا
وما كانَ بالصَّبرِ الجميل تمسُّكي / ألا إنَّ ذاك الصَّبر منفصم العُرى
كفى المرء في الأَيَّام موعظةً بها / وتبصرة فيها لمن قد تبصَّرا
ولا بدَّ أنْ تلقى المنون نفوسَنا / ولو أنَّنا عشْنا زماناً وأَعصرا
وإنَّ اللَّيالي لم تزلْ بمرورها / تسلُّ علينا بالأهلَّة خنجرا
أتُطْمِعُنا آمالُنا ببقائنا / بكلّ حديثٍ ما هنالك مفترى
وإنَّ المنايا لا أبا لك لم تَدَعْ / من النَّاس سرباً ما أُريع وأذعرا
أغارت على الأَقيال من آل حميرٍ / وجاءتْ على كسرى الملوك وقيصرا
فما منعت عنها حصون منيعة / ولا كشفتْ من فادح الخطب ما عرا
لئنْ غابَ عن أبصارنا بوفاتِه / فما زالَ في الأَفكار منَّا مفوَّرا
فقدناك فقدان الزُّلال على الظّما / فلا منهل إلاَّ ومورده جرى
ألا في سبيل الله ما كنت صانعاً / من البرّ والمعروف في سائر الورى
وكنتَ لوجه الله تشبعُ جائعاً / وتُطعم مسكيناً وتكسو لمن عرى
وإنِّي لأستسقي لك الله وابلاً / متى استمطر الصَّادي عزاليه أمطرا
يصوب على قبر يضمّك لَحْدُهُ / ويَسْطَعُ مسكاً من أريجك أذفرا
سقاك الحيا المنهلُّ كلّ عشيَّةٍ / وروَّاك من قطر الغمام مبكرا
فقد كنتَ للظمآن أعذبَ منهلٍ / وقد كنتَ غيثاً بالمكارم ممطرا
وقد كانَ فيك الشّعر ينفُقُ سوقه / لديك ويبتاع الثناء ويشترا
وقد ساءني أن أصبح الفضل كاسداً / وأصبح مغنى الجود بعدك مقفرا
وقد خمدتْ نار القِرى دون طارق / فلا جود للجدوى ولا نار للقرى
وغُدر ساري الحمد في كلِّ مهمهٍ / من الأرض مصروف العنان عن السّرى
فلا أُخْصِبَتْ أرض الخصيب ولا زهى / بها الرّبع مأنوساً ولا الرَّوض مزهرا
لقد كانَ صُبحي من جبينك واضحاً / وقد كانَ ليلي من محيَّاك مقمرا
فيا ليتَ شعري والحوادث جمَّةٌ / ويا ليتني أدري ومن ذا الَّذي درى
محاسن ذاك العصر كيف تبَدَّلتْ / ورونق ذاك الحُسن كيفَ تغيَّرا
وكانتْ لك الأَيدي طوالاً إلى العُلى / تناول مجداً في المعالي ومفخرا
فكم راغب فيها وكم طامع بها / أمدَّ لها الباعَ الطويلَ فقصَّرا
ومن مكرمات تملكُ الحرَّ رقَّةً / تطوّق من أيديك يداً ومنحرا
ومن حسنات تخلق الدهر جدَّةً / كتبتُ بها في جبهته المجد أسطرا
وكم مُعسرٍ بدَّلت بالعُسْر يُسْرَه / وما زلت للفعل الجميل ميسّرا
ولو كانت الأَنصار تُنجي من الرَّدى / نصرناكَ إذ وافاك نصراً مؤزّرا
فكم مقلةٍ أذْرَتْ عليك دموعها / ومُهجة صادٍ أوشكَتْ أن تسعّرا
وكم كبدٍ حرَّى يحرّقها الأَسى / تكادُ على ذكراك أنْ تتَفَطَّرا
وليلة تُذكيني بذكرك زفرةً / حرامٌ على عيني بها سنة الكرى
عليك سلام الله ما حجَّ محرمٌ / وهلَّلَ في تلك البقاع وكبَّرا
لك بالمعالي رُتبة تختارُها
لك بالمعالي رُتبة تختارُها / فافخر فأَنتَ فخارُنا وفخارُها
يا ساعدَ الدِّين القويم وباعَه / لَحَظَتْكَ من عين العُلى أنظارها
لله أَيَّةُ رفعةٍ بُلّغْتَها / قَرَّتْ وليس بغيرك استقرارها
في ذروة الشَّرف الرَّفيع مقامها / وعلى أهاضيب العُلى أوكارها
فلتَهْنَ فيك شريعة قد أصبَحتْ / وعليك ما بين الأَنام مدارها
ولقد ملأْتَ الكون في نور الهدى / كالشَّمس قد ملأَ الفضا أنوارها
وكشفْتَ من سرِّ العلوم غوامضاً / لولاك ما انكشَفَتْ لنا أسرارها
يا دوحةَ الفضل الَّذي لا يجتنى / إلاَّ بنائل جوده أَثمارها
الله أكبر أَنت أكبر قدوة / لم تعرف الثقلات ما مقدارها
ولتسمُ فيك المسلمون كما سمتْ / في جدّه عدنانُها ونزارها
من حيث أنَّ لسانه صمصامُها ال / ماضي وإنَّ يراعَهُ خطَّارُها
فردٌ بمثل كماله ونواله / لم تسمح الدُّنيا ولا أعصارها
دنياً بها انقرض الكرام فأَذنبت / فكأنَّما بوجوده استغفارها
وكأَنَّما اعتذرت إلى أبنائها / فيه وقد قُبِلَتْ به أعذارها
أَمُؤمّلاً نَيْلَ الغنى بأَكُفِّه / يُغنيك عن تلك الأَكُفِّ نضارها
بَسَطَتْ مكارمُه أَنامِلَ راحةٍ / تجري على وُفَّاده أنهارها
أَحرارنا فيما تنيل عبيدُها / وعبيدُه من سيبه أحرارها
هاتيك شِنْشِنَة وقد عُرِفَتْ به / لم تقضِ إلاَّ بالنَّدى أوطارها
كم روضةٍ بالفضل باكرها الحيا / فزهتْ بوابل جوده أزهارها
هو دِيمةٌ لم تنقطع أنواؤها / وسحابةٌ لم تنقشعْ أمطارها
أحيا ربوعَ العلم بعد دروسها / عِلْماً وقد رَجَعَتْ لها أعمارها
وكذا القوافي الغرّ بعد كسادها / رَبحَتْ بسوق عكاظه تجارها
حَمَلَتْ جميل ثنائه ركبانها / وتحدَّثت بصنيعهِ سمَّارها
ورَوَتْ عن المجد الأَثيل رواتها / وتواتَرَتْ عن صحَّة أخبارها
فضلٌ يسير بكلِّ أرضٍ ذكرُه / وكذا النجوم أَجلُّها سيَّارُها
وله التصانيف الحسان وإنَّها / قد أسفَرَتْ عن فضله أسفارها
هي كالرِّياض تفتَّحت أزهارها / أو كالحِسان تفكَّكتْ أزرارها
تبدي من المخفيّ ما يُعيي الورى / وتحير عند بروزها أفكارها
لا زالَ خائضُ ليلها في ثاقب / من فكرة حتَّى استبان نهارها
مصبوبة من لفظه بعبارة / يحلو لسامع لفظها تكرارها
لو كانَ مالُكَ مثل عِلْمكَ لاغتدت / من مالِكَ الأَرضون أو أقطارها
ولقد شملت المسلمين بنعمةٍ / كُفَّار نعمةِ ربِّها كُفَّارها
قرَّتْ عيونُ الدِّين فيك وإنَّما / حُسَّاد فضلك لا يقرّ قرارها
راموا الوصول إلى سعاد سعودها / فنَأَتْ بهم عنهم وشطَّ مزارها
تختار لذَّات الكمال على الهوى / تلك المشقَّة قلَّ مَنْ يختارها
فإذا نثرتَ فأَنتَ أَبلغُ ناثِرٍ / نظَّام لؤلؤ حكمةٍ نثَّارها
رسائلٌ أين الصّبا من لفظها / الشَّافي وأَين أريجُها وعَرارُها
خَطٌّ كليلاتِ السُّعود تراوَحَتْ / فيها بطيب نسيمها أَسحارها
هل تدري أيّ رويّة لك في الحجى / ومن العجيب فديتك استحضارها
تأتي كسَيْل المزن حيث دعوتها / وكجُودِ كفّك وافرٌ مدرارها
فلكم دجوت دُجنَّةً من مُشْكِلٍ / ينجابُ فيك ظلامُها وأُوارها
وجَلَيْتَ فيه من العلوم عرائساً / فأتاك من ملك الزَّمان نثارها
قد زدتَ فيها رفعةً وتواضعاً / وأرى الرِّجال يَشينُها استكبارها
إنَّ الرَّزانةَ في النُّفوس ولم تطش / نفسٌ وقار الرَّاسيات وقارها
إنْ كنتَ مفتخراً بلبس علامةٍ / فعُلاك يا شرف الوجود فخارها
صِيغَتْ لعِزّك سيِّدي من جوهر / حيث الجواهر أَنتَ أَنتَ بحارها
فكأَنَّما من صَدرِك استخراجها / أَو من جمالك أشْرَقتْ أنوارها
لا زالَ يأخذ بالنواظر نورها / لكنْ بأحشاء الحواسد نارها
إنَّ العناية أَقْبَلَتْ بجميع ما / تهوى عليك وهذه آثارها
قتلت عداك بلوغُها وكأَنَّها / قتلى العيون فلبس يُدركُ ثارها
وكفاك إقرار العداة بما به / قَرَّ الولاة ولم يفد إنكارها
ولقد خَلَقْتَ سماء كلّ فضيلةٍ / طَلَعَتْ على آفاقها أقمارها
هل في العراق ومن عليه ومن له / منها وليس لأَلْفِهِمْ معشارها
ولقد سَتَرْتَ على عوادي بلدةٍ / لولاك لم يستر وحقّك عارها
يا قطبَ دائرة الرئاسة والعلى / أضحى يدور لأمره دوارها
لحقت سوابقك الأُلى فسبقتهم / بسوابقٍ ما شقَّ قط غبارها
خذها تغيظ الحاسدين قصيدةً / ما ملَّ فيك أبا الثنا إكثارها
لا زالت الأَيَّام توليك المنى / وجرتْ على ما تشتهي أقدارها
بوَخْزِ القنا والمرهفاتِ البواترِ
بوَخْزِ القنا والمرهفاتِ البواترِ / بلوغُ المعالي واقتناءُ المفاخر
وإنَّ الفتى من لا يزال بنفسه / يخوض غمار الموت غير محاذر
يشيد له ما عاش مجداً مؤثلاً / ويبقي له في الفخر ذاكراً لذاكر
إذا كنتَ ممَّنْ عظَّم الله شأنه / فشمِّر إلى الأَمر العظيم وبادر
وإنِّي امرؤ يأبى الهوان فلم يَدِن / إلى حكم دهر يا أُميمة جائر
مضت مثل ماضي الشفرتين عزيمتي / وحلَّق في جوّ الأُبوَّة طائري
لئن أنكر الغمر الحسود فضائلي / وأصبحَ بالمعروف أَوَّلَ كافر
فتلك برغم الحاسدين شواردي / يسير بها السَّاري وتلك نوادري
فما عُرِفَتْ منِّي مدى الدهر ريبةٌ / ولا مَرَّ ما راب الرِّجال بخاطري
وما زلتُ مذْ شَدَّتْ يدي عقْد مئزري / ولا يتَّقي من قد صَحِبتُ بوادري
وكم مشمخرِّ أنفُه بغروره / يرى نفسه في الجهل جمَّ المآثر
جَدَعْتُ بحول الله مارنَ أَنفِهِ / وأوطأْتُ نَعلي منه هامة صاغر
ألا ثكلت أُمُّ الجبان وليدها / وفازت بما حازته أُمُّ المخاطر
أَحِنُّ إلى يومٍ عبوسٍ عصبصبٍ / تتوقُ له نفسي حنين الأَباعر
إلى موقفٍ بين الأَسنَّة والظبا / ومنزلةٍ بين القنا المتشاجر
يكشِّر فيه الموت عن حدّ نابه / وتغدو المنايا داميات الأَظافر
ترفعت عن قومٍ إذا ما خبرتهم / وَجَدْتُ كباراً في صفات الأَصاغر
أخو الحَزم مَن لم يملك الحرصُ رقَّه / ولا ينتج الآمال من رحم عاقر
شديدٌ على حرب الزَّمان وسلْمِه / جريءٌ على الأَخطار غير محاذر
خُلِقْتُ صبوراً في الأُمور ولم أكنْ / على الضَّيم في دار الهوان بصابر
إذا ما رأيت الحيَّ بالذّلّ عيشه / فأَولى بذاك الحيّ أهل المقابر
ألا إنَّ عُمر المرءِ ما عاش طوله / كطيف خيالٍ أو كزورة زائر
تمرُّ اللَّيالي يا سعاد وتنقضي / وتمضي بباقٍ حيث كانَ وبائر
فكيف يعاني الحرُّ ما لا يسرُّه / ويأْمنُ من ريب الزَّمان بغادر
أَزيد على رزء الحوادث قسوة / وإنَّ معاناتي بها غير ضائر
كما فاح بالطِّيب الأريج وضوّعت / شذا المندليَّ الرّطبَ نارُ المجامر
أرانا سليمانُ الزهيرُ وقومُه / رجال المنايا فتك أروع ظافر
يريك بيوم الجود نعمةَ مُنعمٍ / ويوم الوغى واليأس قدرة قادر
يسير مواليه بعزٍّ وسؤدد / ويرجع شاتيه بصفقة خاسر
لقد ظفِرَتْ آل الزهير بشيخها / بأَشجع من ليث بخفَّان خادر
يشقُّ إلى نيل المعالي غبارها / ومن دونها إذ ذاك شقّ المرائر
فذا سيفه الماضي فهل من مبارزٍ / وذا فخره العالي فهل من مفاخر
ففي الحربِ إنْ دارتْ رحاها وأصبحَتْ / تدور على فرسانها بالدوائر
تحفّ به من آل نجد عصابة / شبيهة ما تأتي به بالقساور
وكم برز الأَعداء في حومة الوغى / وثغر الرَّدى يفترّ عن ناب كاشر
فأوردها بالمشرفيَّة والقنا / موارد حتف ما لها من مصادر
وكم أنهلَ الواردَ منهلَ جودِهِ / فَمِنْ واردٍ تلك الأَكُفّ وصادر
ألا إنَّ أبناء الزهير بأسرهم / أَوائلهم متلُوَّةٌ بالأَواخر
سلِ الحرب عنهم والصوارم والقنا / وما كانَ منهم في العصور الغوابر
فهم شيَّدوها في صدورهم علًى / وهم أُورِثوها كابراً بعد كابر
كابرُ يعطون الرئاسة حقَّها / ومعروفهم يُسدى لبَرٍّ وفاجر
وما برحت في كلّ مكرمةٍ لهم / صدور المعالي في بطون الدفاتر
يميناً بربّ البيت والرّكن والصَّفا / ومن فاز في تعظيم تلك المشاعر
بأنَّ سليمان الزهير محلُّه / محلٌّ سما فوق النجوم الزّواهر
يقرّ لعيني أن ترى منه طلعةً / ترى العين فيها قرَّةً للنواظر
فأَسْمَعُ منه ما يشنّف مسمعي / وأنظرُ فيه ما يروق لناظري
كريم أكاسير الغنى بالتفاته / فهل كانَ إلاَّ وارثاً علم جابر
يصحّ مزاج المجد في رأي حاذق / طبيب بأدواء الرئاسة قاهر
يمرُّ بنادي الأَكرمين ثناؤه / كما مرَّ نجديُّ النَّسيم بعاطر
وقد نطقتْ في مدحه ألسُنُ الورى / فمن ناظمٍ فيه الثناء وناثر
أَحامي الحمى بالبأس ممَّا ينوبه / وصنديدها المعروف بين العشائر
إليك من الدَّاعي لك الله مدحة / مقدَّمةً من حامد لك شاكر
فلا زلت فيزرق الأَسنَّة تحتمي / وتحمي بحدّ البيض سود الغدائر