المجموع : 24
كَم تُكثِرانِ العَذلَ وَالتَفنِيدا
كَم تُكثِرانِ العَذلَ وَالتَفنِيدا / أَفَتَحسَبانِ المُستَهامَ رَشيدا
أَضرَمتُما بِالعَذلِ بَينَ جَوانِحي / ناراً أَحَرَّ مِنَ الجَحيمِ وَقُودا
لَومٌ وَصَدٌّ يُؤلِمانِ أَخا الهَوى / أَفَتَجمَعانِ مَلامَةً وَصُدُودا
سَأَمُوتُ مِن بَعدِ الأَحِبَّةِ حَسرَةً / وَأَخُو الهَوى إِن ماتَ مات شَهِيدا
يا ظَبيَةَ السِربِ المُمَنَّعِ بِالقَنا / رُدِّي عَلَيَّ فُؤادِيَ المَفقُودا
لَو كُنتِ جَرَّبتِ الهَوى وَشُجُونَهُ / ما كانَ قَدُّكِ ناعِماً أُملُودا
أَشبَهتِ في الجَوِّ الغَزالَةَ بَهجَةً / وَحَكَيتِ في الدَوِّ الغَزالَةَ جِيدا
لَولا ظِباءُ بَني الشَريدِ لَما انثَنى / طِيبُ الرُقادِ مِنَ الجُفونِ شَرِيدا
جَرَّدنَ مِن لَحَظاتِهِنَّ صَوارِماً / وَجَعَلنَ حَبّاتِ القُلوبِ غُمُودا
غِيدٌ حَنَنّا بَعدَهُنَّ عَلى الرُبى / وَكَأَنَّنا نَهوى الرُبى لا الغِيدا
تَتَفاوَحُ العَرَصاتُ طِيباً كُلَّما
تَتَفاوَحُ العَرَصاتُ طِيباً كُلَّما / عَفَّرنَ وَشياً فَوقَها وَبُرُودا
بِيضٌ يَرَونَ السُودَ بِيضاً نُصَّعاً / وَالبِيضَ حُمّا في المَفارِقِ سُودَا
مَن لِي بِرَدِّكَ يا شَبابُ فَأَبتَغِي / مِنهُنَّ مِثلَكَ نائِلاً مَردُودا
نَزَلَ المَشِيبُ بِعارِضَيَّ فَلا الصِبا / أَبقى عَلَيَّ وَلا الكَعابَ الرُودا
لا أَبعَدَ اللَهُ الشَبابَ فَإِنَّهُ / وَلىّ حَمِيدا وَاِستَعَضتُ حَمِيدا
ما فاتِنِي طَلَبُ السَعادَةِ مُذ رَأَت / عَينايَ هَذا المُقبِلَ المَسعُودا
لا أَحمَدُ الأَيّامَ حَتّى أَوصَلَت / عَني مُعِزَّ الدَولَةِ المَحمُودا
فَوَصَلتُ حينَ وَصَلتُ أَشرَفَ عامِرٍ / خِيماً وَأَفخَرَ مَنصِباً وَجُدُودا
مَلِكٌ إِذا وَقَفَ المُلُوكُ أَمامَهُ / جَعَلُوا سَلامَهُمُ عَلَيهِ سُجُودا
نَظَرَت مَكارِمُهُ إِلَيَّ فَمَزَّقَت / عَدَمِي وَلَكِن ما عَدِمتُ حَسُودا
وَوَجَدتُ أَوصافَ الأَميرِ جَواهِراً / فَنَظَمتُهُنَّ تَمَائِماً وَعُقُودا
سارَت مَسِيرَ النَيَرَينِ وَطَبَّقَت / ثَغرَ البِلادِ تَهائِماً وَنُجُودا
ما لِي إِلى شَيمِ الغَمائِمِ حاجَةٌ / ما دُمتُ أَشرَعُ حَوضَهُ المَورُودا
أَندى المُلُوكِ يَداً وَأَرجَحُ في النَدى / وَزناً وَأَصلَبُ في النَوائِبِ عُوَدا
صَلتُ الجَبِينِ تَرى لِمَوضِعِ تاجِهِ / نُوراً يَسِيرُ بِهِ الرِكابُ بَرِيدا
تَندى يَداهُ فَلَو يَمَسُّ بِنانُهُ / جُلمُودَ صَخرٍ أَنبَتَ الجُلُمودا
أَفَنى الكُنُوزَ وَبَدَّدَت نَفَحاتُهُ / ما فِي خَزائِنِ مالِهِ تَبديدا
حَتّى لَظَنَّ الناسُ أَنَّ لِكَفِّهِ / إِحَناً عَلى أَموالِهِ وَحَقُودا
كَرَماً وَجُودا لَم يَدعَ مِن قَبيلِهِ / كَرَماً يُعَدَّدُ لِلرِجالِ وَجُودا
لا تَسمَعَنَّ بِحاتِمِ وَفَعالِهِ / وَخُذِ الفَعالَ الظاهِرَ المَوجُودا
خَيرُ الحَديثِ إِذا جَلَستَ مُحَدِّثاً / ما لا يُرِيدُ دَلائِلاً وَشُهُودا
وَبِجانِبَي حَلَبٍ أَغَرُّ مُتَوَّجٌ / قَد حالَفَ الإِقبالَ وَالتَأييدا
يُمسِي وَإِكِليلُ النُجُومِ مُقارِنٌ / في جَوِّهِ إِكلِيلَهُ المَعقُودا
مِن مَعشَرٍ نَزَلوا اليَفاعَ وَخَلَّفُوا / لِلعالَمينَ أَباطِحاً وَوَهُودا
جُبِلُوا عَلى كَرَمِ النُفوسِ وَأَصبَحُوا / أَوفى البَرِيَّةِ ذِمَةً وَعُهُودا
فَإِذا سَأَلتَهُمُ سَأَلتَ غَمائِماً / وَإِذا أَثَرتَهُمُ أَثَرتَ أُسُودا
قَد أَدمَنُوا لُبسَ الدُرُوعِ كَأَنَّما / يَجِدُونَ في عَدَمِ الحَياةِ خُلُودا
فَإِذا هُمُ اِعتَقَلُوا الرِماحَ رَأَيتَهُم / مِثلَ الرِماحِ سِواعِداً وَقُدُودا
أَيمانُهُم مِثلُ البُحُورِ وَإِنَّما / جَعَلُوا لَها مَدَّ الأَكُفِّ مُدُودا
يَستَقبِلُونَ وَفُودَهُم فَكَأَنَّهُم / سارُوا إِلى زُمَرِ الوُفُودِ وُفُودا
قَد غَرَّبُوا أَهلَ البِلادِ وَأَتعَبُوا / غُبرَ السَمالِقِ وَالمَهارى القُودا
حَتّى أَبادَ بَناتِ أَرحَبَ خَبطُها / جُنحَ الظَلامِ إِلَيهِمُ وَالبِيدا
يا مُنتَهى الكَرَمِ الَّذي لَو أَنَّهُ / طَلَبَ المَزيدَ لَما أَصابَ مَزِيدا
لا خَلقَ أَعَدَلُ مِنكَ إِلّا واصِفٌ / لَكَ لا يَقيسُ بِكَ المُلُوكَ الصِيدا
أَصبَحتُ مَحسوداً عَلَيكَ فَعِشتَ لي / حَتّى أَعِيشَ مُنَعَّماً مَحسُودا
عِيدُ الرَعِيَّةِ أَن تَدُومَ عَلَيهِمُ / فَيَكُونَ وَجهُكَ كُلَّ يَومٍ عِيدا
فَاسعَد بِهِ فَسَعادَةُ الدنيا وَمَن / فِيها إِذا ما كُنتَ أَنتَ سَعيدا
وَاسمَع لَهُ كَلِماً وَحِيداً صُغتُهُ / لِأَغَرَّ أَصبَحَ في المُلُوكِ وَحِيدا
مدحاً تَكادُ إِذا تَضَوَّعَ نَشرُها / أَن لا تُرِيد مِن الرُواةِ نَشِيدا
يَبلى الزَمانُ وَلا يَزالُ حَدِيثُها / حَتّى تَزُولَ الراسِياتُ جَديدا
لَكِ الخَيرُ هَل أَنساك شَحطُ النَوى عَهدا
لَكِ الخَيرُ هَل أَنساك شَحطُ النَوى عَهدا / فَيُولِيكِ هَجراً مِثلَ هَجرِكِ أَو بُعدا
أَمِ الوُدُّ باقٍ لَم يَحُل فَنَزِيدَكُم / عَلى ما عَهِدتُم مِن مَوَدَّتِنا وُدّا
رَمى اللَهُ تَفرِيقَ الأَحِبَّةِ باسمِهِ / وَعَذَّبَ بِالبُعدِ القَطِيعَةَ وَالبُعدا
أُحِبُّ اللَواتي حُبُّهُنَّ بَلِيَّتي / فَما أَصدَقَ الحُبَّ الشَهِيَّ وَما أَعدا
يَمُرُّ تَجَنِّيهِ وَيَحلُو عَذابُهُ / فَيا لَيتَنِي ما ذُقتُ صاباً وَلا شَهدا
وَيا لَيتَنِي خِلوٌ مِنَ الوَجدِ لَم أَهِم / بِجُملٍ وَلَم أَعرِفِ سُعاداً وَلا هِندا
عَفائِفُ أَوصَلنَ الشَبِيبَةَ بِالمُنى / إلى الشِيبِ لا دَيناً قَضَينَ وَلا وَعدا
يُمَلُّ الهَوى ما جادَ بِالوَصلِ أَهلُهُ / وَيَحلُو إِذا ما كانَ مُمتَنِعاً جِدّا
أَحِنُّ إِلى دَعدٍ وَقَد شَطَّتِ النَوى / بِدَعدٍ فَمَالِي لَستُ مُطَّرِحاً دَعدا
عَلاقَةُ نَفسٍ مَكَّنَتها يَدُ الهَوى / وَوَجداً دَخيلا لا أَرى مِثلَهُ وَجدا
أُحِبُّ الفَتى السَمحَ الَّذي طَلَبَ الغِنى / فلَّما رَأى وَجهَ الغِنى طَلَبَ الحَمدا
وَأَمقُتُ مَن لا تَطلُبُ الحَمدَ نَفسُهُ / وَلا يُضمِرُ الوُدَّ الصَحِيحَ وَلا وَدّا
صَدِيقُكَ ما دامَ الرَخاءُ وَناهِشٌ / بِنابَيهِ في الخَطبِ المُلِمِّ إِذا اِشتَدّا
لَحى اللَه مَن يَبدِي لِخِلِّ مَوَدَّةً / وَيُضمِرُ في حَيزَومِهِ ضِدَّ ما أَبدَا
دَعِ الرَجُلَ المُغتابَ يَشفى بِغِيبَتي / فَما غِيبَةُ المُغتابِ إِلّا ثَناً يُهدى
أَبا اللَهُ لِي إِلّا الكَرامَةَ كُلَّما / رَجا حاسِدِي أَن أَنزِلَ المَنزَلَ الوَهدا
وَما عاشَ لي هَذا الَّذي أَنا ناظِرٌ / إِلى وَجهِهِ المَسعُودِ لَم أَعدَمِ السَعدا
وَيا رُبَّ يَومٍ لِلحُمَيديِّ صالِحٍ / رَأَيتُ بِهِ نُعمى أَبى صالِحٍ تُسدى
غَداةَ رَأَيتَ العِزّ تُبنى قِبابُهُ / لَهُ وَالعُلى تَمتَدُّ أَعناقُها مَدّا
وَأَطلَسَ مِدلاجٍ إلى الرِزقِ ساغِبٍ / يُراحُ إِلى ضَنكِ المَعِيشَةِ أَو يُغدى
أَسَنَّ وَما يَزدادُ إِلّا جَهالَةً / وَخُرقاً وَلا يَنفَكُّ مُستَرِقاً وَغدا
غَدا مُعرِضاً لِلجَيشٍ يَقصُدُ جَنبَهُ / وَما كانَ أَمّاً لِلرِجالِ وَلا قَصدا
فَلَمّا رَأى خَيلَ المَنايا مُغِذَّةً / إِلَيهِ تَمَطّى كَالشَراكَينِ وَامتَدّا
فَحِينَ تَحَرّى لِلنَجاةِ وَأَيقَنَت / لَهُ نَفسُهُ بِالخَيرِ وَاستَأنَسَت رُشدا
سَما نَحوَهُ طَرفُ امرِئٍ لَو سَما بِهِ / إِلى جَبَلٍ لَانهَدَّ مِن خَوفِهِ هَدّا
عَلى ظَهرِ مَدمُوجِ المَرافِقِ سابِحٍ / عَلى أَربَعِ مُلدٍ تَطُولُ القَنا المُلدا
تَعَوَّدَ أَن يُرمى بِهِ كُلَّ مَطلَبٍ / قَصِيٍّ وَيَكتَدُّ النَجاحُ بِهِ كَدّا
فَأَوجَرَهُ سَمراءَ لَو مَدَّ باعَهُ / بِها طاعِناً لِلسُدِّ أَنفَذَتِ السُدّا
فَخَرَّ مُكِبّاً لِلجِرانِ وَنَفسُهُ / تُسِرُّ لِمُردِيهِ الضَغِينَةَ وَالحِقدا
فَقُلتُ لَهُ يا ذِئبُ لا تَخشَ سُبَة / فَمُردِيكَ أَردى قَبلَكَ الأَسَدَ الوَردا
وَما هِيَ إِلّا مِيتَةٌ قَلَّ عارُها / إِذا أَرغَمَ السِيدانَ مَن أَرغَمَ الأُسدا
وَأَحسَنُ ما عايَنتَ بَحراً مُجاوِراً / لِبَحرٍ حَمَدنا وَردَ هَذا وَذا وِردا
أَلا نَبِّنِي ناشَدتُكَ اللَهَ صادِقاً / أذا البَحرُ أَم كَفّا أَبِي صالحٍ أَندى
لَقَد أُسدَتِ السُحبُ الغِزارُ إِلى الثَرى / جَمِيلاً وَما أَسدَت إِلَيها كَما أَسدى
مَشى فَوقَها خَيرُ البَرِيَّةِ كُلِّها / فَطَيَّبَها حَتّى غَدا تُربُها نَدّا
وَخَيَّمَ بِالحاوِي فَتىً باتَ حاوِياً / مَناقِب غُرّا مَن حَواها حَوى المَجدا
إِذا النَورُ أَهدى نَفحَةً مِن نَسِيمِهِ / فَمِن عِرضِهِ أَهدى النَسِيمُ الَّذي أَهدى
تَأَمَّل بِعَينَيكَ الفِجاجَ كَأَنَّها / مُكَلَّلَةٌ وَشياً مُجَلَّلَةٌ بُردا
غِنِينا بِرَيّاها عَنِ المِسكِ كُلَّما / تَهادى وَأَنسَتنا شَقائِقُها الوَردا
رِياضٌ كَأَخلاقِ الأَمِيرِ أَنِيقَةٌ / تَمُجُّ شِفاهُ الأَرضِ مِن رِيقِها بَردا
كَأَنَّ الحِسانَ الغِيدَ جُزنَ بِأَرضِها / فَأَلقَت عَلَيها كُلُّ غانِيَةٍ عِقدا
أَبا صالِحٍ رُوحي فِداكَ مِن الرَدى / وَإِن قَلَّ ما يُفدِي وَجَلَّ الَّذي يُفدى
تَمَتَّع بِدُنياكَ الَّتي قَد مَلأتَها / مِنَ الأَمنِ حَتّى أَصبَحَت حَرَماً مَهدا
وَدُونَكَ هَذا المَدحَ فَرداً نَظَمتُهُ / لِأَبلَجَ أَمسى واحِداً في النَدى فَردا
زَها زَهو هَذا السَفحِ بِالنَورِ فَاِكتَسى / بِوَجهِكَ حُسناً لا قَليلاً وَلا ثَمدا
عِش حِقبَةً لا تَنتَهِي بَل تَبتَدِي
عِش حِقبَةً لا تَنتَهِي بَل تَبتَدِي / وَتَمَلَّ بِالدُنيا وَأَبلِ وَجَدِّدِ
فَإِذا تَقَضَّت مُدَّةٌ مَعهُودَةٌ / وُصِلَت بِأَسعَد مُدَّةٍ لَم تُعهَدِ
فَتَدُومُ مَخصُوصاً بِعِزٍ سَرمَدٍ / لا يَنقَضي وَبِطُولِ عُمرٍ سَرمَدِ
رُم ما اِشتَهَيتَ تَنَل وُسُس ما تَبتَغي / تَرشُد وَحاوِل ما أَرَدتَ تُسَدَّدِ
وَالبَس هِلالَ الأُفقِ طَوقاً وَانتَطِق / شُهُبَ المَجَرَّةِ وَانتَعِل بِالفَرقَدِ
واسحَب عَلى الشِعرى العَبُورِ مَلابِساً / عَبَرَت عَلى جَسَدِ الإِمامِ الأَمجَدِ
فِيها نَسِيمُ أَبِي الأَئِمَّةِ حَيدَرٍ / وَنَسيمُ خَيرِ الأَنبِياءِ مُحَمَّدِ
وَاعقِد عَلَيكَ التاجَ وَاعلَم أَنَّهُ / بِالعِزِّ مَعقُودٌ وَإِن لَم يُعقَدِ
قَد رُصِّعَت فيهِ مَناقِبُ جَمَّة / تُغنِيهِ عَن دُرٍّ بِهِ وَزَبَرجَدِ
وَتَقَلَّدِ العَضبَ الشَبِيهَ بِغِمدِهِ / فَكَأَنَّما هُوَ مُصلَتٌ لَم يُغمدِ
كَثُرَت بِحَدَّيهِ الفُلولُ كَأَنَّهُ / مِمّا يُكَسِّرُ في الطُلى فَمُ أَدرَدِ
هُوَ مُفرَدٌ في الغِمدِ إِلّا أَنَّهُ / في الرَوعِ يُزوِجُ كُلَّ شَيءٍ مُفرَدِ
في كَفِّ أَروَعَ لَو أَشارَ بِسَيفِهِ / لَفَرى وَحدُّ السَيفِ غَيرُ مُجَرَّدِ
وَاركَب جِيادَ ابنِ النَبِيِّ طَوامِحاً / مِثلَ الصُقورش دَوالِجاً في العَسجَدِ
مِن كُلِّ مَلفُوفِ الجِيادِ مُقَلَّصٍ / كَالسِبدِ سِيدِ الرَدهَةِ المُتَمَرِّدِ
مُتَرَفِّقٍ يَمشي بِحِليَةِ سَرجِهِ / مَشيَ المُقَيَّدِ وَهوَ غَيرُ مُقَيَّدِ
وَإِذا جَرى تَحتَ العَجاجِ بِرَبِّهِ / طَبَعَ الأَهِلَّةَ في صِفاحِ الجَلمَدِ
وَوَراءَ ظَهرِكَ رايَةٌ مَرفُوعَةٌ / تَهدِي الخَمِيسَ مِنَ الضَلالِ فَيَهتَدِي
كَالغادَةِ الحَسناءِ ذاتُ ذَوائِبٍ / تَهفُو وَذاتُ تَعَطُّفٍ وَتَأَوُّدِ
في لَونِ عِرضِكَ كُلَّما خَفَقَت بِها / رِيحُ الصَبا خَفَقَت قُلُوبُ الحُسَّدِ
عَقَدَ الإِمامُ فُرُوعَها بِيَمِينِهِ / عَقداً تَكَفَّلَ بِالبَقاءِ الأَسعَدِ
وَحِيالَها بِيضُ البُنودِ كَأَنَّها / رَوضٌ يَرِفُّ عَلى القَنا المُتَأَوِّدِ
مِن مُذهَبٍ وَمُفَضَّضِ وَمُخَلَّقٍ / وَمُزَوَّقٍ وَمُعَصفَرِ وَمُوَرَّدِ
وَالبُزلُ حامِلَةُ القِبابِ كَأَنَّها / سَكرى لِكَثرَةِ ما تَرُوحُ وَتَغتَدِي
في سَبسَبٍ عَن سَبسَبٍ أَو مَجهَلٍ / عَن مَجهَلِ أَو فَدفَدٍ عَن فَدفَدِ
تَرَكَت مَحَلَّ ابنِ الرَسولِ وَأَقبَلَت / مَنصُوصَةً تَبغِي مَحَلَّ السُؤدُدِ
وَتَشَوَّفَت أَعناقُها في رَبوَتي / مِصرٍ إِلى البَلَدِ القَصِيِّ الأَبعَدِ
وَسَرَت إِلى أَن جاوَزت تَحتَ الدُجى / رَملَ العَرِيشِ وَرَملَ ذاتِ الغَرقَدِ
وَتَكَرَّهَت ماءَ الجِفارِ وَحاوَلَت / ماءً بِشَطٍّ قُويقَ عَذبَ المَوردِ
وَتَيامَنَت عَن بَحرِ صُورٍ تَبتَغي / بِالشامِ أُمَّ الناجِعينَ القُصَّدِ
وَأَتَت طَرابُلُساً تَكادُ قُلُوبُها / تَطغى مِنَ الشَوقِ المُقيِمِ المُقعِدِ
وَتَيَمَّمَت مَرَقِيَّةَ وَقَدِ اِنطَوَت / مِمّا تَجُوبُ البِيدَ طَيَّ مُجَلَّدِ
وَشَكَت بِها فَرطَ السَحابِ وَفَرطَما / بِقُلُوبِها مِن لَوعَةٍ لَم تَبرُدِ
وَنَوَت حَماةَ وَالغَمامُ يَصُدُّها / عَن قَصدِها صَدَّ الحِيامِ الوُرَّد
وَنَوَت كَفَرطابَ وَمِلءُ صُدُورِها / شَوقٌ أَحَرُّ مِن الجَحيمِ المُوقَدِ
وَتَجاوَزَت أَرضَ المَعَرَّةِ وَانتَشَت / رِيحَ الحَياةِ مِنَ السَبِيلِ الأَقصَدِ
وَبِأَرضِ سَرمِينٍ أُرِيحَت بَعدَما / شَكَتِ العَياءَ مِنَ الذَمِيلِ السَرمَدِ
وَغَدَت مُيَمِّمَةً أَجَلَّ مُيَمَّمٍ / قَدراً وَأَقرَبَ نائِلاً مِن مَوعِدِ
حَتّى أَتَت مَلِكاً ضِياءُ جَبِينِهِ / كَضِياءِ بَدرِ الحِندِسِ المُتَوَقِّدِ
فَأَحَلَّها دارَ النَعِيمِ وَفَكَّها / بَعدَ الإِياسِ مِنَ العَذابِ المُوصَدِ
رُوحِي فِدا المَلِكِ المُعَوِّدِ رُوحَهُ / بِالحِلمِ أَفضَلَ عادَةِ المُتَعَوِّدِ
إِن سِيلَ جادَ وَإِن أَصابَ خَطِيَّةً / أَغضى فَلَم يَحقِد وَلَم يَتَوَجَّدِ
وَلَدَ النِساءُ مِنَ الرِجالِ خَلائِقاً / لا يَنحَصُونَ وَمِثلُهُ لَم يُولَدِ
شَكَرُوا الإِمامَ عَلى تَواتُرِ فَضلِهِ / شُكرَ الخَمِيلَةِ لِلغَمامِ المُغتَدِي
أَمّا أَمِيرُ المُؤمِنينَ فَعالِمٌ / أَنَّ الجَميلَ إِلَيكَ غَيرُ مُفَنَّدِ
فَلتَدفَعَنَّ عَنِ البِلادِ وَأَهلِها / نُوَباً يُخافُ وَقُوعُها وَكَأَن قَدِ
وَلتُحمَدَنَّ كَما حُمِدتَ بتُبَّلٍ / وَالخَيلُ تَعثَرُ بِالقَنا المُتَقَصِّدُ
وَالشِركُ مِنكَ وَمِن شَقِيقِكَ هارِبٌ / هَرَبَ الشَحاحِ مِنَ الغَمامِ المُرعِدِ
لَولا سُيُوفُكُمُ البَواتِرُ لالتَقى / مَن بِالثُغورِ وَمِن بِبُرقَةِ مُنشِدِ
لَكِن أَبَت عَزَماتُكُمُ أَن تَنثَنِي / أَو تَنثَني رِيّانَةً كَبِدُ الصَدِي
أَسنَدتُمُ الإِسلامَ إِنَّ سُيُوفَكُم / لِمَعاقِلِ الإِسلامِ أَفضَلُ مُسنِدِ
لَولاكُمُ كانَ النَدى مُتَعَذِّرَ ال / مَلقى وَكانَ الفَضلُ مَغلُولَ اليَدِ
أَمسى أَبُو العُلوانِ فِيكُمُ أَوحَدَاً / فَسَهِرتُ فِيهِ عَلى الكَلامِ الأَوحَدِ
وَنَظَمتُ فِيهِ مِنَ القَرِيضِ شَوارِداً / أَنسَت بَني الدُنيا شَوارِدَ أَحمَدِ
قالَت مَناقِبُهُ وَقَد عَدَّدتُها / أَقصِر فَإنَّ الغَيثَ غَيرُ مُعَدَّدِ
غَمِّض جُفُونَكَ دُونَهُنَّ فَرُبَّما / أَعشى ضِياءُ الشَمسِ جَفنَ الأَرمَدِ
فَرَّغتَ مالَكَ في الجَميلِ وَلَم تَدَع / في اليَومِ ما يُعطى وَيُوهَبُ في الغَدِ
يا خَيرَ مَن وَصَلَت إِلَيهِ وَعَرَّسَت / بِفِنائِهِ خُوصُ الرِكابِ الوُخَّدِ
لَيسَ الصُعودُ إِلى العَلاءِ بِهَيِّنٍ / فَيُنالَ إِنَّ المَجدَ صَعبُ المَصعَدِ
مَن شامَ كَفَّكَ لَم يَزَل مُتَيَقِّناً / أَن الغَمامَ بِجُودِ كَفِّكَ يَقتَدِي
لَيتَ الأَوائِلَ أَبصَرُوكَ فَأَبصَروا / زَودَ الأَخِيرِ وَنَقصَ فَضلِ المُبتَدي
حَسُنَت بِكَ الدُنيا كَأَنَّكَ غُرَّةٌ / بَيضاءُ في وَجهِ الزَمانِ الأَسوَدِ