المجموع : 23
سل الإنكليزي الذي لم يزل له
سل الإنكليزي الذي لم يزل له / بدست وزير الداخلية مقعد
أ أنت وزير أم عميد وزارة / نراك إليها كل يوم تَرَدَّد
فها أنت مُلقاة إليك أمورنا / تحلّ لنا ما شئت منها وتعقد
وتأخذ منا راتباً كموظف / وهذا لعمر الله أنكى وأنكد
أنحمل منك اليوم عبء تحكُّم / وندفع فيه الأجر منّا وننقد
وما شأن ذيّاك السفير الذي له / على الجانب الغربيّ قصر مشيّد
وكانت لكم من قبل فينا استثارة / فزالت ولكن دام منكم ترصُّد
تبّدلتم استقلالنا بانتدابكم / ولكن على وجه لنا هو مُعبِد
خلقتم لنا من كل عهد مموَّهٍ / قيوداً بها استقلالنا يتقيّد
إلى أن غدا استقلالنا ضُحكة الورى / به ساخرٌ كلُّ امرئ ومندِّد
وصار كسيفٍ قاطعٍ في أكُفكم / يجرّد للإرهاب طوراً ويُغمَد
غَرَرتم به الأغرار والله شاهد / على أنه في الحكم لفظ مجرّد
وهل يستقل الشعب في أمر نفسه / إذا لم يكن في حكمه يتفرّد
فما هو إلاّ المَيْن منكم أعانكم / عليه رجال خائنون وأيّدوا
وما سكت الأحرار عن مخزياتكم / فكم أبرقُوا غيظاً عليكم وأرعدوا
ولا تعجبوا أن يمقت الشعب دأبكم / فيظهر وهو الساخط المتمرِّد
رويداً فإن رمتم من الشعب ودّه / فخلُّوا له الأمر الذي يتقلّد
وكونوا له عوناً على ما يَهُبّه / يكن لكم عوناً على ما يهدِّد
وإلاّ فأنتم ظالمون وإنما / أخو الظلم مأخوذ بما يتعمّد
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى / يدوّي بقطريها هزيم الرواعد
وتذهب محيار الظلام تخبّطاً / وتعثر في ظلماءها بالجلامد
وتمشي فما تدري إلى قعر هّوة / تروح بها أم للمدى المباعد
فطالع أراجيف الجرائد أنني / أرى الويل كل الويل بين الجرائد
جرائد في دار الخالافة أضرمت / لهيب خلاف بينها غير خامد
ولم كيفها هذا الخلاف وإنما / أطافت بنقص للحقيقة زائد
فما بين مكذوب عليه وكاذب / وما بين مجحودٍ عليه وجاحد
ترى في فَروق اليوم قرّاء صحفها / فريقين من ذي حجةٍ ومعاندٍ
جدال على مرّ الجديدين دائم / بتفنيد رأيٍ أة بتزيف ناقد
فذائد سهم عن رميّ يردّه / وآخر رام سهمه نحو ذائد
وهذا إلى هذي وذاك لغيرها / من الصحف يدعو آتياً بالشواهد
وما هي إلاّ ضجّة كل صائت / بها مدّ للدنيا حبالة صائد
أضاعوا علينا الحق فيها تعمّداً / وعقبى ضياع الحق سود الشدائد
ولم أر شيئاً كالجرائد عندهم / مبادئه منقوضة بالمقاصد
يقولون نحن المصلحون ولم أجد / لهم في مجال القول غير المفاسد
وكيف بين الحق من نفثاتهم / وكلّ له في الحق نفثة مارد
فاياك أن تغير فيهم فكلهم / يجرّ إلى قرصيه نار المواقد
وكن حائداً عنهم جميعاً فإنما / يضلىّ امرؤٌ عن غيّهم غير حائد
على رسلكم يا قوم كم تسمعوننا / مقالة محقودٍ عليه وحاقد
ألا فارحموا بالصفح عن نهج صحفكم / فقد أوردتنا اليوم شرّ الموارد
وما الصحف إلاّ أن تدور بنهجها / مع الحق أنّي دار بين المعاهد
وأن تنشر الأقوال لا عن طماعة / فتأتي بها مشحونةً بالفوائد
وأن لا تعاني غير نشر حقائق / وتنوير أفكار وانهاض قاعد
أتبغون في تلفيقها نفع واحد / وتغضون عن اضرارها ألف واحد
ألا أن صحف القوم رائد نجحهم / وما جاز في حكم النهى كذب رائد
لعمري أن الصحف مرآة أهلها / بها تتجلى روحهم للمشاهد
كما هي ميزان لوزن رقيّهم / وديوان أخلاق لهم وعوائد
ألا تنظرون الغرب كيف تسابقت / به الصحف في طرق العلا والمحامد
بها يهتدي القرّاء للحق واضحاً / كما يهتدي الساري بضوء الفراقد
ولكن أبى الشرق التعيس تقدّماً / مع الغرب حتى في شؤون الجرائد
فلا تحملوا حقداً على ما أقوله / فإني عليكم خائف غير حاقد
وما هي إلاّ غيرة وطنيّة / فإن تجدوا منها فلست بواجد
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة / نهوضيّةٌ فيها طموح إلى المجد
ففي مصر شيدت للعلوم معاهد / على اسس التحليل والبحث والنقد
فلم تتّخذ غير التجارب منهجاً / لتحقيقها من جوهر العلم ما يجدي
وفي الأفق التركيّ سارت غلى العلا / جيوش بأعلام التجدّد تستهدى
وفي الهند قامت للتحرّر ثورة / سياسية عزلاء قائدها غندي
وفارس حلّت عقدة من جمودها / وحنّت بمسعاها إلى سالف العهد
وفي الصين حرب نارها وطنيّة / تزيد بمرّ الدهر وقداً على وقد
وبغداد بين الأجنبيّ وبينها / مزيد صراع في السياسة مشتدّ
على أن حول النيل مثل صراعنا / ولكنّه بين الحكومة والوفد
ولم تخل من أعشابها بتجّدد / على جدبها أرض الحجاز ولا نجد
زمان أتى من كل قوم بنهضةٍ / سياسية حتى أتت نهضة الكرد
تباشير صبح لاح بعد نحوسةٍ / مشيراً إلى ما نرتجيه من السعد
فيا وفد مصر أنتم خير شاهد / على يقظة في الشرق وارية الزند
لقد جئتم روّاد علم وحكمة / فحيّيتمو أزكى التحيّات من وفد
ترودون أهل العلم مرعىً ومنزلاً / وتجتنبون الهزل في معرض الجد
وقد زرتمو دار السلام زيارة / ستذكرها الأقلام بالشكر والحمد
ومن ذكرها في كل عصر وموطن / ستستنشق الأيام أطيب من ورد
وتمتدّ بين النيل منها ودجلة / مدى الدهر أسباب التعارف والودّ
سلام على مصر التي أرسلت بكم / فطاحل علم لا تحيد عن القصد
لكم عند أهل الرافدين تجلّة / على قدر ما للرافدين من الرفد
يا دار قسطنطين أنت فريدة / في الحسن لولا جوّكِ المتقلّب
لقد اجتوَيتك لا لفقد محاسن / لكن هواؤك عارم متذبذب
أبداً سماؤك وجهها متلوّن / فأراه يبسم تارة ويقطّب
وأرى هواءك ناضحاً برطوبة / همم الرجال بها تجفّ وتنضب
تسري الرطوبة منه بين عروقهم / فتكاد من أعصابهم تتحلّب