المجموع : 23
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ / جِهادُكَ فِي الله حَقَّ الجِهادِ
تُباري الصَّبا وتُناوي الشَمالَ / تُرَاوِحُ أرْضَ العِدى أو تُغادي
بِسُمْرِ القَنا وبِبِيضِ السُّيوفِ / وحُرِّ الكُماةِ وغُرِّ الجِيادِ
جيوشاً تَضِلُّ الأدِلّاءُ فِيهَا / وأنتَ لهَا بِهُدى النَّصْرِ هادِ
إذا اكتَحَلَ الجَوُّ كُحْلَ الظَّلامِ / كَحَلْتَ العيونَ بِطولِ السُّهادِ
تقودُ أعِنَّتَها مُسْتَقِيداً / إليكَ بِها كُلَّ صَعْبِ القِيادِ
مُظَلَّلةً بِعَوالي الرِّماحِ / مُكَلَّلَةً بِطِوالِ الهوادي
مُجَلَّلَةً منكَ بَرْدَ اليقينِ / فَهانَ عَليْهُنَّ حَرُّ الجِلادِ
تُوَطِّئُهُنَّ لحمْلِ الكُماةِ / وتُوطِئُهُنَّ صدورَ الأعادي
مُجِيباً بهِنَّ مُنادِي الإلهِ / فَلَبَّاَكَ كُلُّ مُجيبِ المُنادِي
بعَزْمٍ يُذَكِّرُ أرْضَ الأعادي / هُبوبَ العواصفِ فِي أرضِ عادِ
فأقْدَمْتَها يَا ابْنَ عبدِ العزيزِ / لِعزِّ المُوالي وذُلِّ المُعادي
لِتُحييَ من حَكَمٍ حُكْمَهُ / بِسَقْيِ الرَّدى كُلَّ باغٍ وَعادِ
ولم يَثْنِها عن مَدىً غارَةٌ / تُغَوِّرُها فِي مَغَارِ البِعادِ
ولا أخَّرَتْ يانِعاتِ الرُّؤوسِ / ليوم الجَنى وليومِ الجِدادِ
فلأياً طَرَدْتَ المَها عن أسودٍ / أبَرْتَهُمُ فِي مَكَرِّ الطِّرادِ
دِياراً سَقَيْتَ دَمَ المانِعيها / مُتُونَ الرُّبى وبُطونَ الوِهادِ
وأطْفَأْتَ فيهنَّ نارَ السُّيوفِ / وأضْرَمْتَ منهنَّ قَدْحَ الزِّنادِ
وَقُوداً تُبَيَّضُ فِيهَا الليالي / ويُصْبَغُ نُورُ الضُّحى بِالسَّوادِ
بما بُدِّلَتْ من مَجالِ الرماحِ / مَجالَ الرِّياحِ بِهَا فِي الرَّمادِ
فَأُلبِسْتَ فِيهَا ثيابَ السرورِ / وغادَرْتَها فِي ثيابِ الحِدادِ
بفَتْحٍ تَفَتَّحُ منهُ الأماني / إلى كُلِّ حاضِرِ أرْضٍ وَبادِ
مَعالِمُ منها تَعَلَّمْتُ منكَ / إليكَ مسالِكَ سُبْل الجِهادِ
فَأعْلَيتُ نَحَوَكَ بَندَ الثناءِ / وقُدْتُ إليكَ خُيُولَ الوِدادِ
وشَرَّدَ جَفْني لذيذَ المنامِ / وعَطَّلَ جَنْبي وَثيرَ المِهادِ
مثالاً تَمَثَّلْتُهُ منكَ فيكَ / وأنتَ إلى الغَزْوِ سارٍ فغَادِ
فَكَمْ أبْتَ منهُ بِبِيضِ الوجوهِ / كما أبتُ منكَ ببيضِ الأَيادي
وكم عُدْتَ منهُ بفتحِ الفُتوحِ / كم عادَ لي منكَ عَهْدَ العِهادِ
ولكنَّ منكُم جَوادِي وسَرْجِي / ونُزْلي ويُسْرِي ومائي وزادي
وأنتُم شَدَدْتُمُ يَميني بِرُمحِي / وهَيَّأْتُمُ عاتِقي للنِّجادِ
وأنتُمْ سَقَيْتُمْ ثَرَاةَ اغْتِرابي / سِجالَ الغَمامِ وصَوْبَ الغَوَادي
فتِلْكَ أزاهِيرُها قَدْ سَقَيتُمْ / تَفُوحُ لَكُمُ من أقاصِي البِلادِ
ويَسْرِي بِهَا فِي الدُّجى كُلُّ سارٍ / ويَشدُو بِهَا فِي الورى كُلُّ شادِ
على كُلِّ فُلْكٍ طَرُوقِ الشِّراعِ / وَفي كُلِّ رَحْلٍ وَثيقِ الشِّدادِ
وتِلكَ حدائِقُ مَا قَدْ غَرَسْتُمْ / مُنىً وجنىً لِنفوسِ العِبادِ
تَرَوَّضُ من نَشْرِها كُلُّ أرْضٍ / ويَنْدى بإنشادِها كُلُّ نادِ
سَتُؤْتِيكُمُ أُكْلَها كُلَّ حينٍ / ويُجنِيكُمُ زَهْرَها كُلُّ وادِ
بإحياءِ فَخْرِكُمُ للْحياةِ / وإجزال ذُخْرِكُمُ فِي المَعادِ
ودُونَكَ غَرَّاءَ يُضْحِي سَناها / بِغُرَّةِ سَيِّدِها فِي ازْدِيادِ
فلا خَانَها أمَلُ المُسْتَفِيدِ / وَأُبْقِيتَ فِي عُمُرٍ مُسْتفادِ
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ / وحَلَّتْ قناعَ الصَبْر عن زفرة الوجْدِ
وألقتْ إلى حُكمِ الأَسى عِزَّةَ الأُسا / فَنَمَّ بما تُخْفي تُبارِيحُ مَا تُبْدِي
وأسْفَرَ رَيْبُ السُّخْطِ عن صادِقِ الرِّضا / ولاح هِلالُ الوصلِ من مَغْربِ الصَّدِّ
فوشكانَ مَا لَفَّتْ قضيباً بقاضِبٍ / وأدْنَتْ نِجادَ السَّيْفِ من مَسْلَكِ العِقْدِ
وَهبَّ غليلُ الشَّجْوِ فِي غَلَلِ اللَّمىَ / وسالَ جُمانُ الخَدِّ فِي يانِعِ الوَرْدِ
فَجَرَّعتُ حَرَّ الشَوْقِ من بَرَدِ الحَيا / وزَوَّدْتُ مُرّ الصَّابِ من ذائِبِ الشَهْدِ
وقالتْ وتَوْديعُ التَفَرُّقِ قَدْ هَفا / بِصَدرٍ إلى صدرٍ وخَدٍّ إلى خَدِّ
عَسى قُرْبُ مَا بَيْنَ الجوانِحِ فَأْلَنا / لِمَجنى ثِمارِ القُرْبِ من شَجَرِ البُعْدِ
فسَبْقاً إلى ذي السَّابِقاتِ برِحْلَةٍ / تَلُوحُ بنَجمِ العِلْمِ فِي مَطْلَعِ السَّعْدِ
إلى الحِمْيَريِّ العامريِّ الَّذي بِهِ / غَدَتْ حُرْمَةُ التَأميلِ وارِيَةَ الزَّنْدِ
إلى مَلِكٍ مِلْءِ الرَغائِبِ والمُنى / وملْءِ نِجادِ السّيْفِ والدِّرْعِ والبُرْدِ
ومِلْءِ مَكَرِّ الخيلِ فِي حَوْمَةٍ الوغى / وملْءِ رداءِ الحِلمِ فِي مَشْهَدِ الحمدِ
وَ مُؤْتمَنٍ للهِ مُسْتَحْفَظٍ لَهُ / لما ضاعَ من حقٍّ وَمَا خاسَ من عَهْدِ
تَجَلَّى لَنا فِي مَطْلعِ المُلكِ فَانْجَلَتْ / بِهِ ظُلُماتُ الغَيِّ فِي سُبُلِ الرُّشْدِ
فأعْلقَ سيفَ النصر فِي عاتِقِ العُلاَ / وأثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ المجدِ
وأشْرَقَ فِي جَوٍّ من العِزِّ مُعْتَلٍ / وأغْدَقَ من ظِلٍّ عَلَى الأرضِ مُمتَدِّ
ولاقى وْجوهَ الراغبينَ كأنَّما / أمانِيُّهُم يُصْبِحَنَ مْنهُ عَلَى وعْدِ
ونادَى خُطوبَ الدَّهْرِ بَرَّحْتِ فَاقْصِري / وثَوَّبَ بالآمالِ أبْرَحتِ فامْتَدِّي
إلى رَوْحِ إنعامٍ يُراحُ إلى المُنى / ولُجَّةِ معروفٍ تُهِلُّ إلى الوِرْدِ
تُرَاثُكَ عن جَدٍّ وجَدٍّ بِهَدْيِهِمْ / تَناهى بِكَ الدُّنْيا إِلَى أَسْعَدِ الجَدِّ
فحسبُكَ من نفسٍ وكافِيكَ من أبٍ / وشَرْعُكَ من عَمٍّ وناهِيكَ من جَدِّ
بِهِمْ مُدَّ بَحْرُ الدِّينِ فِي كُلِّ بلدةٍ / وهُمْ تركوا بَحْرَ الأعادي بلا مَدِّ
وهُمْ عَمَرُوا الأيَّامَ من ساكِنِ الهُدى / وأخْلَوا غِياضَ الشِّركِ من ساكِنِ الأُسْدِ
وهُمْ جَرَّدُوا أسياف دِينِ مُحَمَّدٍ / وخَلَّوا سيوفَ النَاكِثينَ بلا حَدِّ
وهُمْ سَلبُوا كِسْرى وقَيْصَراً / وحَلَّوْكَ تاجَ المُلكِ فَرْداً بلا نِدِّ
دعائِمُ سُلْطَانٍ وأرْكانُ عِزَّةٍ / بِهَا وَشَجَتْ قُربى تميمٍ من الأزدِ
وما حَفِظُوا أعلامها ونِظامَها / بِمِثْلِكَ من مولىً ومِثلِيَ من عَبْدِ
بما شدْتَ فِيهَا من سَناءٍ ومِنْ سَناً / ورَاقَ عليها من ثَنائي ومِنْ حَمدي
فما جَلَتِ الدنيا عَروسَ رِياسَةٍ / لِمُلْكِهِمُ إلّا وَفِي صَدْرِها عِقدي
ولا جاشَتِ الآفاقُ من طِيبِ ذِكرِهِمْ / بِجَيشِ ثناً إلّا وَفِي وسْطِهُ بَندي
بما بَسَطوا لي أيْدِياً مَلَّكَتْ يَدِي / أعِنَّةَ أعنْاقِ المُسَوَّمَةِ الجُرْدِ
وما مَهَّدُوا لي من فِراشِ كَرَامَةٍ / وَمَا أتْبعُوني من لِواءٍ ومن جُنْدِ
وكم جَلّلُوني نِعْمَةً قَدْ جَلَوْتُها / عَلَى غابِرِ الأزمانِ فِي حُلَّةِ الخُلدِ
فإنْ تَمْتَثِلْها مِنْهُمُ فيَّ فَذَّةً / فَكَمْ حُزْتُها مِنْهُمْ عِدَاءً بلا عَدِّ
وإن تَحْبُنيها عَنْ تَناهِيكَ فِي النُّهى / فقِدْماً حَبانِيها أبوكَ مِنَ المَهْدِ
وإن عَمَّ أهْلَ الأرضِ فَيْضُ نَدَاكُمُ / فإنِّيَ قَدْ بَرَّزْتُ فِي شُكْرِكُمْ وَحْدِي
بَدائِعُ أضْحَتْ فِيكُمُ آلَ يَعرُبٍ / أوَائِلَ مَا قَبْلي وآخِرَ مَا بَعْدِي
وما بُعْدُ عهدي عَنَكَ يُنسِي عُهُودَهُمُ / إليكَ بحقِّي من وفائِكَ بالعَهدِ
ولا نأيُ دارِي عَنْكَ يُبْلي وَسائِلاً / جَلِيٌّ بِهَا قُرْبي وَفيٌّ بِهَا بُعْدِي
فَلا أخْطأت أسْيافُكُمْ سَيْفَ مُعْتَدٍ / ولا خَذَلَتْ أيْدِيكُمُ ظَنَّ مُعْتَدِّ
ولا زَالَتِ الأيامُ تُشْرِقُ مِنْكُمُ / كَمَا أشْرَقَ الإحسانُ من عِنْدِكُم عِنْدِي
سامي التَّلِيلِ كأَنَّ عَقْدَ عِذارِهِ
سامي التَّلِيلِ كأَنَّ عَقْدَ عِذارِهِ / في رَأسِ غُصنِ البانَةِ المَيَّادِ
يُهْدى بمِثْلِ الفَرْقَدَينِ ونابَ عَنْ / رَعْيِ السِّماكِ بقَلبِهِ الوَقّادِ
فكَأنَّما أَطَأُ الأباطحَ والرُّبى / بعُقابِ شاهِقَةٍ وحَيَّةِ وَادِ
وكأَنَّهُ من تحتِ سَوْطِيَ خارجاً / في الرَّوعِ شُعْلَةُ قادحٍ بِزِنادِ