المجموع : 71
ماذا جَلَبتِ لنا يا ليلةَ العيدِ
ماذا جَلَبتِ لنا يا ليلةَ العيدِ / غيرَ البُكاءِ لأمرٍ غيرِ مردودِ
وَيلٌ لنا منكِ قد هَيَّمْتِنا طَرَباً / من رَنَّةِ النَّوحِ لا من رَنَّةِ العُودِ
لا أخَذَ اللهُ قلباً لم يَطِرْ أسَفاً / مني لشَخصٍ عظيمِ الشأنِ مفقودِ
قَدَّمتُ عنهُ غداةَ البينِ تَعْزِيةً / للحَزْم والعَزْمِ والإقدامِ والجُودِ
هذا الأميرُ أمينُ اللهِ مُضطَجِعٌ / في طَيِّ رَمسٍ منَ الأبراجِ محسودِ
قد أودَعَ اللهُ فيهِ خيرَ جَوهَرةٍ / في خيرِ كَنْزٍ بعينِ اللُطفِ مرصودِ
هذا الذي كانَ رُكناً يُستَجارُ على / كيدِ الزِّمانِ بِظِلٍّ منهُ ممدودِ
يُعطي الألوفَ ويَقتادُ الصُّفوفَ ولا / يَخشَى الحُتوفَ ويَلقَى كُلَّ صِنديدِ
هذا الذي كان في آرائهِ سَعَةٌ / كانتْ تَضيقُ عليها ساحةُ البيدِ
هذا الكريمُ الذي كانت مواهِبهُ / تُحيطُ بالنَّاسِ مثلَ العِقدِ بالجِيدِ
يا غَرْبَ لُبنانَ لا تَهتَزَّ مُضطَرِباً / وارفُقْ فإنَّ التَّناهي غيرُ محمودِ
صَبراً على نَكَدِ الدُّنيا التي اختَرَمَتْ / عاداً وغالت سُلَيمانَ بنَ داودِ
لا تَنتزِعْ عنكَ أثوابَ الحِدادِ على / مَن كانَ جودُ يَديَهِ غيرَ محدودِ
لا تَنسَ من كانَ لا يَنسَى الصَدِيقَ ولا / تَغفُلْ مَدَى العُمرِ عن نَوحٍ وتَعديدٍ
قد خانَكَ الدَّهرُ غَدراً في تَقَلُّبهِ / حتى ابتَدَلتَ الليالي البيضَ بالسُّودِ
كانت ليالي الهَنا مَعدودةً فَمضَتْ / وخَلَّفَتْ حُزنَ دَهرٍ غيرِ معدودِ
وَيلاهُ من هذهِ الأيَّامِ ما تَرَكَتْ / قلباً سليماً ورُكناً غيرَ مهدودِ
لا تَجمعُ الشَّمْلَ إلاّ كي تُبَدِّدَهُ / ما كانَ أغناهُ عن جَمْعٍ وتبديدِ
هذِهْ ذَخيرتُنا يا أرضُ فاحتَفِظي / بها إلى مَوقفٍ للبَعثِ مشهودِ
أنتِ الأمينُ على هذا الأمينِ فلا / تُسلِّمي نُورَ ذاكَ الوَجهِ للدُودِ
يا أيُّها القَبرُ هذا اليومَ فيكَ ثَوَى / أجَلُّ مَيتٍ وأبهَى كُلِّ مولودِ
احفظْ كَرامَةَ من كانت كرامتُهُ / تجري على الضَّيفِ جَرْيَ الماء في العودِ
ألقى إليكَ حمى لبنانَ واأسفا / من كانَ يُلقى إليه بالمقاليدِ
مَن شادَ مَجْدَ بني رَسلانَ من قِدَمٍ / مُجدِّداً مُلكَ لَخْمٍ أيَّ تجديدِ
ما زِلتُ أطمَعُ في طُولِ الحَياةِ لهُ / فكنتُ أخدَعُ نفسي بالمواعيدِ
وصارَ نظمُ المراثي بعدَ فَجْعتِهِ / مَكانَ نظمِ التَّهاني والأغاريدِ
يا مَن يَعِزُّ علينا أنْ نَصُوغَ لهُ / شِعراً بغيرِ مديحٍ فيهِ معهُودِ
صارَتْ لك اليومَ أمثالٌ مُضاعفَةٌ / وكانَ مِثلُكَ قبلاً غيرَ موجودِ
هذا الذي يَجعَلُ الألبابَ خاشِعةً / ويَصدعُ القلبَ من صُمِّ الجلاميدِ
منْ لم تُفِدْهُ منَ الأحياءِ مَوعِظةٌ / يُصغِي لوَعظٍ منَ الأمواتِ مسرودِ
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ / لا تُنكِروا أنَّ القَديمَ يُجدَّدُ
لم تُقطَعِ الأغصانُ من شَجراتها / إلاّ رأينا غَيرها يتَولَّدُ
هذا الأمينُ مَضى فقامَ محمُّدٌ / خَلَفاً فنابَ عن الأمينِ مُحمَّدُ
حَدَثٌ لهُ في العينِ يومٌ أبيَضٌ / يُجلَى بهِ في القَلبِ يومٌ أسْوَدُ
مَن عاشَ في الدُّنيا تَفطَّرَ قلبُهُ / غَماً بها إن كانَ لا يَتَجلَّدُ
إن كانَ عيني كُلّما رأتِ البَلا / سَهِرَتْ فطولَ حياتِها لا تَرقُدُ
في كُلِّ يومٍ للحَوادِثِ غارةٌ / فينا تقولُ العَودُ عندي أحمَدُ
إن لم يَكُنِ للمَرْءِ عندَ لقائِها / سَيفٌ يُسَلُّ فدِرعُ صبرٍ تُسْرَدُ
فَقْدُ العزيزِ بليَّةٌ وأخَفُّها / ما صادَفَ التَعويضَ عَمَّا يُفقَدُ
عَزَمَتْ على الإنصافِ دُنيانا التِّي / سَلَبتْ يدٌ منها وأعطَتْنا يَدُ
بَدَلٌ لشَخصِ أبيهِ حَلَّ مَحلَّهُ / فَهُوَ الذي يُنحَى إليهِ ويُقصَدُ
لم تَعَهدِ العُليا فَتىً كمُحمَّدٍ / في النَّاسِ وَهْيَ لَدَيهِ مما يُعهَدُ
ألِفَ الولايةَ من صِباهُ كِلاهُما / إلفٌ لصاحِبِهِ عليهِ مُعوَّدُ
نَظَرتْ مَناقِبَهُ الحِسانَ فأدرَكَتْ / سِرّاً تكادُ تَراهُ مِمَّا يُعبَدُ
هيَ في حِماهُ رَبيبةٌ لا تَنْثني / عن بابهِ ونَزيلةٌ لا تُطرَدُ
وضَجيعةٌ في مَهْدِهِ وَردِيفةٌ / في سَرْجِهِ وجليسةٌ إذْ يَقعُدُ
رَيَّانُ في نَظَر البصائرِ أشيَبٌ / عَجَباً وفي بَصَرِ النَّواظِرِ أمرَدُ
تَزْوَرُّ عن مرْآهُ عينُ حَسُودِهِ / كَشُعاعِ شَمْسٍ يتَّقيهِ الأرمَدُ
خَلَفٌ كريمٌ أشبَهَ السَّلَفَ الذي / كانتْ لهُ كُلُّ الخَلائقِ تَشهَدُ
ما كانَ يُوجَدُ كالأمينِ بعَصرِهِ / واليومَ مِثلُ محمَّدٍ لا يُوجَدُ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ / يا ليتَ ذَوْبَ القلبِ كان مِدادَهُ
رَشأٌ تَقَلَّدَ من شِفارِ جُفونِهِ / سَيفاً ذُؤابَتُهُ تكونُ نِجادَهُ
طَرْفٌ غَدَتْ كاللامِ منهُ أضلُعي / لمَّا رأتْ عيني السَّخينةُ صادَهُ
ألقَى على رأسي السَّخيفِ بياضَهُ / ورَمَى على حَظّي الضعيفِ سَوادَهُ
مُتحجِّبٌ جَعَلَ المدامعَ في الهَوَى / ماءً لمن جَعَلَ الصَّبابةَ زادَهُ
ما زِلتُ أسألُ عن مريضِ جُفونِهِ / ماذا على طَرْفي تُرَى لو عادَهُ
في خَدِّهِ النَّارُ التي قد أحرَقَتْ / قلبي ولم تَردُدْ عَلَيَّ رَمادَهُ
أهدَيتُ وَجْنتَهُ فُؤادي مِثلَما / أهدَى لنا البابُ العَليُّ فُؤادَهُ
هذا فُؤادُ المُلكِ أدرَكَ قُطرَنا / بالشَّامِ يُصلحُ بالرَّشادِ فَسادَهُ
نادَى مُنادِي العَرشِ يومَ قُدومِهِ / أليومَ قد رَحِمَ الإلهُ عِبادَهُ
وَعَدَ الإلهُ لكلِّ كَرْبٍ فَرْجةً / واللهُ ليسَ بمُخلفٍ مِيعادَهُ
مَولىً يُؤَدِّبُ عبدَهُ بجِراحِهِ / لكنْ يُهَيِّئُ قبلَ ذاكَ ضِمادَهُ
طُبِعَ الأنامُ على الخِصامِ سَجِيَّةً / في كلِّ شَعْبٍ وارثاً أجدادَهُ
لا يَستَبيحُ الوَحشُ قتلَ نظيرِهِ / والإنسُ يقتُلُ تارةً أولادَهُ
قَدِمَ الوزيرُ وقد تَضرَّمَتِ اللّظَى / في الأرضِ إذ أورَى الفسادُ زِنادَهُ
فأفاضَ لُجَّتَهُ على أركانِها / فَوراً فأطفأ جَمْرَها وأبادَهُ
خَطْبٌ شديدٌ قد تَلقَّاهُ القَضا / بأشدَّ منهُ هادماً ما شادَهُ
قد كانَ مَرصوداً على أقفالِهِ / واليومَ فَكَّ محمدٌ أرصادَهُ
مسعودُ وَجهٍ حيثُ سارَ ركابُهُ / كانَتْ ملائكةُ السَّما أجنادُهُ
هَيهاتِ أنْ يُنجي الفِرارُ طرِيدَهُ / يوماً ولو كانَ البُراقُ جَوادَهُ
قد أرقَدَ الأجفانَ تحتَ أمانِهِ / جَفْنٌ له طَرَدَ الحِفاظُ رُقادَهُ
يَقْظانُ يستقصي الأمورَ بنَظْرةٍ / تَطوِي وتَنشُرُ شَرْقنا وبِلادَهُ
غمَّ البَلاءُ رِجالَهُ وعِيالهُ / وجِبالَهُ ورِمالَهُ ووِهادَهُ
فأتاه من أعطى الأمانَ لخائفٍ / وأخافَ من كانَ الأمانُ وِسَادَهُ
ألقى على نارِ الضغينةِ بَرْدَهُ / وإلى العُراةِ بُرودَهُ ومِهادَهُ
قد أصبَحَتْ كلُّ البِلادِ عِيالَهُ / إذ كان يَرزُقُ كلَّها إمدادَهُ
هذا أمينُ الدَولةِ الرَّاعي الذي / جَعَلَ الصِّيانةَ حَجَّهُ وجِهادَهُ
أعطاهُ مَعْنٌ حِلمَهُ لكنَّهُ / لم يُعطِ مَعْناً حَزْمَهُ ورَشادَهُ
كُلٌّ يُلاحِظُ في الحَياةِ مَعاشَهُ / يا مَن يُلاحِظُ قبلَ ذاكَ مَعادَهُ
أللهُ يفَعَلُ ما يُرِيدُ بخلْقِهِ / وإذا أرادَ فَمنْ يَرُدُّ مُرادَهُ
لَكَ يَنبغي الشِّعرُ الذي لا يَنبغي / لِسِواكَ يا مَن قد رَفَعتَ عِمادَهُ
هَيَّجتَ لي شَوقاً إليهِ وكُنتُ قد / أهمَلتُهُ لمَّا رأيتُ كَسادَهُ
قد قَلَّ مَن أنشَدْتُهُ شِعراً فلم / أندَمْ عليهِ مُحرِّماً إنشادَهُ
حتى أتيتَ فقالَ لي مِضمارُهُ / نَبِّهْ يَراعَكَ أنْ يُجِدَّ طِرادَهُ
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها / فعبدُ العزيزِ اليومَ فكَّ حِدادَها
قَدِ اختارَهُ اللهُ الذي هو عَبدُهُ / خَليفَتهُ عن حِكمةٍ قد أرادَها
فقامَ بأمرِ اللهِ في عَرشِ دَولةٍ / أعَزَّ مبانيها وأعلى عِمادَها
وألقَى لدى تارِيخهِ عينَ جُودِهِ / فَقَرَّرَ في صَدرِ البِلادِ فؤَادَها
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ / بحكمتِهِ شِكاياتُ البِلادِ
وما قَدَرَ الزَّمانُ على يَديِهِ / فصادَمَ رِجلَهُ بيَدِ الجوادِ
تحَجَّبَ كالسَّرارِ فعادَ بَدْراً / وكانَ لِقاهُ أشهَى في المَعادِ
وما احتجَبَتْ لوائِحُهُ فكانت / كضَوءِ الفجرِ دُونَ الشَّمس بادِ
رَسولٌ رَدَّ قوماً عن ضلالٍ / فقادَهُمُ إلى سُبُلِ الرَّشادِ
ونادَى بينَهم يا قومُ إنّي / أخافُ عليكُمُ يومَ التَّنادِ
عَبِثتمْ بالكتابِ وقد لَطَختمْ / بياضاً للحنيفةِ بالسَّوادِ
وقُمتْمُ في البِلادِ كقوم عادٍ / ولَسْتم في شريعةِ قومِ عادِ
أتَى الأعرابَ من أبناءِ تُركٍ / سَمِيُّ مُحمَّدٍ للخَلْقِ هادِ
تَلقَّى ما بهِ الأعجامُ فاهت / وما نَطَقَتْ به عُربُ البَوادي
لهُ في النَّاسِ حُسَّادٌ على ما / يَرَونَ بهِ وليسَ لهُ أعادي
يُجازِي كُلَّ ذي ذَنْبٍ بعَدْلٍ / فيَعذِرُهُ ويَبقَى في الوِدادِ
وَزيرٌ في طريقِ اللهِ يَسعى / فليسَ يُريدُ ظُلماً للعِبادِ
بهِ عاشَتْ بقايا آلِ عيسى / كذاك العَيشُ يَحصُلُ بالفُؤادِ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ / ذاتُ الجَمالِ ولم يَغِبْ إِمدادُهُ
تَرَكَ البِلادَ كأنَّهُ القَلَمُ الذي / تَرَك الكِتابَ وقامَ فيهِ مِدادُهُ
وَلَّى وآثارُ العَدالةِ زادُنا / منهُ وأدعِيةُ المَوَدَّةِ زادُهُ
نَقَشَ اسمَهُ لُبنانُ فوقَ صُخورِهِ / لا يَنمَحِي حتى يَذوبَ جمادُهُ
ألقَى عليهِ وَحشةً في طَيّها / شَوقٌ طويلٌ تَشتَكيهِ بِلادُهُ
لا تسألوا عن حالِها من بعدِهِ / ما حالُ من قد غابَ عنهُ فؤَادُهُ
عليكَ كلُّ اعتِمادي أيُّها الصَّمَدُ
عليكَ كلُّ اعتِمادي أيُّها الصَّمَدُ / قد فازَ عبدٌ على مَولاهُ يَعتَمِدُ
أَنتَ اللَّطيفُ الخبيرُ المُستغاثُ بهِ / عندَ الخُطوبِ ومنك العَونُ والمَدَدُ
إذا التوَت نُوَبُ الأيَّامِ وانعَقَدَتْ / فعِندَ لُطفِكَ لا تَستَغلِقُ العُقَدُ
إنْ لم تكُنْ عُدَّةً للَمرءِ يَذخَرُها / فليسَ يَنفعُهُ ذُخرٌ ولا عُدَدُ
يا واحداً لم يكُنْ كُفأً لهُ أَحَدٌ / سِواكَ في كلِّ أَمرٍ ليسَ لي أَحَدُ
إَنْ لم يَمُدُّ إليكَ المُستَجيرُ يَداً / فمَن تُمَدُّ إليهِ في الوُجودِ يَدُ
أَنتَ القديرُ الذي الأَفلاكُ في يَدِهِ / تُطوى ومنهُ جِبالُ الأرض تَرتَعِدُ
سُبحانَكَ اللهَ رَبّاً لا شَريكَ لهُ / في المُلكِ وَهْوَ الإِلهُ الواحدُ الصَّمَدُ
لكَ السَماواتُ والدُّنيا مُسَبِّحَةٌُ / وكلُّ ما وَلَدَتْ أُنثَى وما تَلِدُ
أَنتَ الكريمُ الذي من لُطفِهِ سَنَدٌ / لكلِّ عبدٍ ضعيفٍ ما لهُ سَنَدُ
إَن أَصبَحَ العبدُ يوماً عنكَ مُبتَعِداً / فإِنَّ حِلمَكَ عنهُ ليسَ يَبتَعِدُ
أنتَ المُعينُ لنا في كلِّ نائبةٍ / لا يُستَطاعُ عليها الصَّبرُوالجَلَدُ
إذا أَرَدنا سِوى مَلْجَاكَ ليسَ نَرَى / وإنْ طَلَبنا سِوى جَدْواكَ لا نَجِدُ
يا مَن يُميتُ ويُحيي كلَّ ذي جَسَدٍ / أنتَ الحَياةُ ومنكَ الروحُ والجَسَدُ
إذا نَصَرتَ فما الأَعداءُ صانعةٌ / وإن وَهَبْتَ فماذا يصنعُ الحَسَدُ
أنتَ المُيَسِّرُ في قولٍ وفي عَمَلٍ / ومن عِنايتِكَ التَّوفيقُ والرَشَدُ
فاجعَلْ لَما نَبتَنيهِ منكَ أَعمِدَةً / يا مَن بَنَيتَ سَماءً ما لها عَمَدُ
يا مالكَ المُلكِ هَبْ لي منك مَغفِرةً / تمحو الذُنوبَ التي لم يُحصها عَدَدُ
وَعَدَتَ بالعَفْوِ عَمَّن تابَ مُرتجِعاً / وأَنتَ لا تُخلِفُ الميعادَ إذ تَعِدُ
يا أَيُّها القبرُ فيك النَّاسُ قد رَقَدوا
يا أَيُّها القبرُ فيك النَّاسُ قد رَقَدوا / مُنذُ القديمِ ولكن لم يَقُمْ أَحدُ
فيا لهُ سَفَراً ما كانَ أَطوَلَهُ / ويالَها فُرقةً مِيعادُها الأَبَدُ
قَدِ استَوَى العبدُ والمَولَى على قَدَر / تحتَ الثَّرَى فتَساوَى الدُّرُّ والبَرَدُ
وليسَ يُعرَفُ مملوكٌ ولا مَلِكٌ / فلم تَكُنْ غَيرةٌ فيهمِ ولا حَسَدُ
النَّاسُ في الجِسمِ أَشباهٌ قَدِ اتَّفَقَتْ / والفَرقُ في النَّفسِ إذ لا يُفرَقُ الجَسَدُ
كُنا نرى ابنَ عُبَيدٍ بينَنا رَجُلاً / لكنْ يساوي رِجالاً ما لَهُمْ عَدَدُ
كانُ التُّقى والنَّقا والحِلمُ مُجتمِعاً / في شَخصِهِ واصطناعُ الخَيرِ والرَشَدِ
فلم يكُنْ طِيبُ خُلقٍ لا نراهُ بهِ / ولم يَكُن فيهِ عَيبٌ حينَ يُنتَقَدُ
قد كانَ غَوثَ اليَتامَى من مَكارِمِهِ / فلا يُهَمُّ لفَقْدِ الوالِدِ الوَلَدُ
وكانَ كَهْفَ العُفاةِ اللائذينَ بهِ / تُثنَى يدُ الدَّهرِ إذ تَمتَدُّ منهُ يَدُ
فُؤادُهُ كزُلالِ الماءَ حينَ صفَا / وغَيرةٌ فيهِ مثلَ النَّارِ تَتَّقِدُ
يبغي رضَى اللهِ مُهتمّاً بطاعتَهِ / وفي مَنافعِ خَلقِ اللهِ يَجتهدُ
هذا عَمُودٌ هَوَى من أوجِ رِفعِتِهِ / على البَسيطةِ فاهتزَّتْ لهُ العُمُدُ
قامَتْ لهُ ضجَّةٌ في مِصرَ فاندَفَعَتْ / بحيثُ لم يَخلُ من إرجافِها بَلَدُ
مَضَى إلى اللهِ مسروراً بغايتِهِ / وفي الدِّيارِ أَقامَ الحُزنُ والنَكَدُ
من بَعدِهِ أَدمُعُ الأَجفانِ قد كَثُرَتْ / وقَلَّ عِندَ القلوبِ الصبرُ والجَلَدُ
هذا الطريقُ الذي لا بُدَّ يَسلُكُهُ / جميعُ ما وَلَدَتْ أُنثَى وما تَلِدُ
إذا طَلَبنا لجُرحِ القلبِ فائدةً / تَشفي فغيرَ جَميلِ الصَبرِ لا نَجِدُ
لو أنصفَ الرَّاثي وسارَ على هُدى
لو أنصفَ الرَّاثي وسارَ على هُدى / جَعَلَ الرِّثاءَ لنَفسِهِ وبها ابتْدَا
فابكي لنَفسِكَ أَلفَ دَمعٍ جُملةً / يا منْ بَكَى لأَخيهِ دَمعاً مفُرَدا
وَدَّعْ أَخاكَ مُشمِّراً لطريقِهِ / ولَقَد يكونُ اليومَ ذلكَ أَو غَدا
ليسَ المُوفَّقُ مَن يَسيرُ مؤخَّرّاً / إنَّ المُوَفَّقَ من يَسيرُ مُزوَّدا
يا بانيَ القصرِ الجميلِ لبُرْهةٍ / قُمْ فابنِ قَبراً تَقتَنيهِ مؤَبَّدا
يا راقداً فوقَ السَّريرِ غَفَلَتَ عن / كَهفِ يكونُ إلى القيامةِ مَرْقَدا
يا جامعَ الأَموالِ هل تَمضي بها / و إذا مَضَيتَ فهل تَمُدُّ لها يَدا
يا صاحِبَ الجاهِ الذي لابُدَّ أَنْ / تَبقى أَسيراً في الضَّريحِ مُقَيَّدا
قُمْ نَعرِفِ المَيْتَ الذي ذاقَ البِلى / هل كانَ عبداً خادماً أم سَيِّدا
مَنْ كانَ فَتَّانَ الجَمالِ ومَنْ تُرَى / هُوَ ذلكَ البَطَلُ الذي قَهَرَ العِدى
أينَ الذينَ على العِبادِ تَسَلَّطوا / وسَطَوْا علي أَقصى البِلادِ تَمَرُّدا
الكُلُّ صاروا كالهباءِ فلا تَرَى / عَيناً ولا أَثَراً لعَينٍ قد بَدا
دارٌ غُرابُ البَينِ فيها ناعقٌ / قد حامَ فوقَ رُؤوسِنا مُتَردِّدا
لايَتَّقِي مَلِكاً ولا أَسَداً ولا / شِبلاً فهذا الشِّبلُ أَدَركَهُ الرَدَى
صبراً بنى أَيُّوبَ فالصَّبرُ انتَمَى / للبَيتِ قِدْماً فاحفَظوهُ مُجَدَّدا
صبرُ الرزيَّةِ كالدَّواءِ مُعادِلاً / للدَّاءِ فَهْوَ يُشَدُّ حينَ تَشدَّدا
إني لأَندُبُ فَقدَهُ مُتَشاغِلاً / عن وَصفِ شِيمَتِهِ الذي لن يُفقَدا
تَدري جميعُ النَّاسِ وصفَ كمالهِ / فيرُوحُ جَهدُ الواصفينَ لهُ سُدى
هذا هُوَ العَلَمُ الشَّهيرُ كأَنَّهُ / عَلَمُ على جَبَلٍ بهِ السَّاري اهتَدَى
نالَ الكَمالَ فكانَ أَعذبَ مَورِداً / وأَقَلَّ أَعداءً وأَكثَرَ حُسَّدا
جمعَتْ يداهُ المكرماتُ فصانَها / وجنَتْ قناطيرَ النُّضَارِ فَبدَّدا
يا أيُّها الشِّبلُ النزيلُ بِقَفْرةٍ / شِبلُ الأُسودِ على القِفارِ تَعوَّدا
يا أَبيَضَ الوَجهِ الجميلِ ثَناؤُهُ / ها قد جَعَلَتَ الصُّبحَ بَعدَكَ أَسودا
قد كُنتَ تدعو المُستغيثَ منادياً / فَغداً يَصيحُ وليسَ تَستَمِعُ النِّدا
ولَكَمْ فَدَيَتَ منَ المُصيبةِ بائساً / واليومَ مَن ذا يَستَطيعُ لكَ الفِدى
يا راحلاً رَحَلَ السُّرورَ لِفَقدِهِ / وأَقامَ فينا ذِكرُهُ طُولَ المَدَى
مَنَّا السَّلامُ عليكَ غيرَ مُودَّعٍ / وعلى ضريحٍ بِتَّ فيهِ مُوسَّدا
ظَلَّتْ ملائكةُ السَّماءِ تَزُورُهُ / وانهَلَّ فوقَ تُرابِهِ قَطْرُ النَّدَى
في قُبَّةِ الأَفلاكِ شمسٌ تَطلُعُ
في قُبَّةِ الأَفلاكِ شمسٌ تَطلُعُ / وبأَرضِنا شَمسٌ أجَلُّ وأنفَعُ
هاتيكَ تَطلُعُ في النَّهارِ وشَمسُنا / أَنوارُها في كلِّ حينٍ تَسطَعُ
قَدِمَ الوزيرُ فيا عبادُ استَبشِروا / بالصَّالحاتِ وبالسَّلامِ تَمَتَّعوا
جادَ الزَّمانُ بهِ فَكَذَّبَ مَن شكَا / بُخلَ الزَّمانِ معُطِّلاً ما يَصنَعُ
يا وَحشةَ القُدسِ الشَّرِيفِ فإِنَّهُ / لو يَستطيعُ لَسارَ مَعْهُ يُشيِّعُ
وسُرورَ بيروتَ التِّي أبراجُها / كادتْ تُصفِّقُ والحمائِمُ تَسجَعُ
هذا المُقلَّدُ بالحسامِ وعَزْمُهُ / أمضى منَ السَّيفِ الصَّقيلِ وأَقطَعُ
تَستَغرِقُ الأَلفاظُ منهُ كِلْمةٌ / ويُديرُ قُطرَ الشَّامِ منهُ إصبَعُ
يَقْظانُ فيهِ لِكُلِّ عُضوٍ مُقلَةٌ / يَرْنو بها ولِكُلِّ عُضوٍ مسمَعُ
رَحُبَتْ وِلايتُهُ ولكنْ صَدرُهُ / أَفضَى وأَرحَبُ في الأُمورِ وأَوسَعُ
فصلُ الخِطابِ على سِواهُ فرَاسِخٌ / لكنْ عليهِ إذا تَطاوَلَ أّذرُعُ
يَرمي البعيدَ بلَحْظِهِ فَيقُودُهُ / وتَصُكُّ هِمَّتُهُ الحديدَ فتَقطَعُ
شُكراً لدَولتِنا التي لم يَخْلُ مِن / شُكرٍ لها في كلِّ قُطرٍ مَوضِعُ
خافَتْ علينا من ظلامِ زَمانِنا / فجَلَتْ علينا نُورَ شمسٍ يَلمَعُ
مَن قالَ إنَّ الدَّهرَ ليسَ يعودُ
مَن قالَ إنَّ الدَّهرَ ليسَ يعودُ / هذا زمانٌ عادَ وَهْوَ جَديدُ
قد عادَ نابليونُ بعدَ زوالهِ / فكأنَّ ذلكَ بَعْثُهُ المَوعودُ
يا مَن يقولُ لرِمَّةٍ في لَحدِهِ / إنَّ السَّعيدَ كما عَلِمْتَ سعيدُ
هذا خليفتُهُ الذي أحيا الوَرَى / أحياكِ حتى اخضَرَّ منكِ العُودُ
يا قائماً فوقَ العَمُودِ بشخصهِ / عَلَماً وأنتَ على العَمُودِ عَمُودُ
أبدَيتَ رسمَ لويسَ في الدُّنيا كما / أبدى لكَ الاسكندرُ المعهودُ
لا تُفقَدُ الدُّنيا لفَقْدِ عزيزِها / ما دامَ يخلُفُ مَيْتها المَولودُ
تتجدَّدُ الأشخاصُ فيها مثلما / يُفرَى القضيبُ فينبُتُ الأُملودُ
ذَهَبَ الذي كانت بقَبْضةِ كَفِهِ الدْ / دُنيا وأشرَافُ البلادِ جنودُ
إرثُ العبادِ المالُ لكنْ إرثُهُ / تاجٌ وسيفٌ قاطِعٌ وبُنُودُ
قد نالَ تاجَ المُلكِ من هو أهلُهُ / شَرْعاً وكلُّ العالمينَ شُهودُ
وأقامَ في بُرجِ الخِلافةِ كوكباً / بضيائهِ انجَلَتِ اللَّيالي السُّودُ
راعتْ شَجاعتُهُ الكُماةَ فما دَرَوا / أفُؤادُهُ أقسَى أمِ الجُلمودُ
غَلَبَتْ عزيمتُهُ العَزائِمَ مثلما / غَلَبَ الطَّوالعَ نجمُهُ المَسعودُ
أهدَاهُ حِكمتَهُ سليمانُ الحِجَى / وحَباهُ صفوَ فؤادِهِ داودُ
قامتْ بمصلَحةِ البلادِ يمينهُ / وهي التِّي منها يفيضُ الجودُ
كالبحرِ قد صَلُحَ الفسادُ بمِلحِهِ / واُصطِيدَ منهُ اللؤلؤُ المنضودُ
قُطْبٌ عليهِ الأرضُ دائرةٌ كما / يختارُ فَهْيَ تدورُ كيفَ يُريدُ
فَضَّاضُ مُشكلةِ الملوكِ برأيهِ / وبهِ يُحَلُّ عسيرُها المعقودُ
جَبَلٌ على باريسَ قامَ فأطبَقتْ / في جانبيهِ من الرِّجالِ أُسودُ
يُجنَى جَناهُ ويُستَظَلُّ بِظِلِّهِ / أبداً ولكن ما إليهِ صُعودُ
مَلِكٌ أذَلَّ المالَ وهوَ جَواهرٌ / وأعزَّ نصلَ السَّيفِ وهو حديدُ
بَسْطٌ وقبضٌ في يديهِ فيُرتَجَى / وعدٌ لهُ ويُخافُ منهُ وَعِيدُ
دانَتْ لِهَيْبتهِ كتائبُ دولةٍ / دانتْ لهيبتِها المُلوكُ الصيِّدُ
قومٌ إذا تَركَ الغُمودَ نِصالُهم / فكأنَّ أسيافَ العُدَاةِ غُمودُ
يغزو القبائلَ ذكرُهم قبلَ اللِّقا / فيَفُلُّ عَزْمَ الجيشِ وَهْوَ بعيدُ
وإذا همُ اعتَنقوا الكُماةَ تَلاحَموا / مثلَ الحُروفِ يضُمُّها التَّشديدُ
هُوَ قَيْصرُ العَصْرِ الذي من دونِهِ / كِسرَى الذي ضاقتْ عليهِ البيدُ
لسعودِهِ الفَلَكُ المُسخَّرُ خادِمٌ / ولَوجْههِ القَمَرُ المنيرُ حَسودُ
ملِكٌ لدولتهِ العظيمةِ هيبةٌ / تهتزُّ منها الأرضُ وهيَ تَميدُ
في الغربِ طالعةٌ سحائبُ جيشها / ولها بروقٌ عندَنا ورُعودُ
حَمَلتْ رُبَى لبنانَ منها مِنَّةً / مِثْلَ الجِبالِ على الجِبالِ تزيدُ
سالت بنعمتِها البِطاحُ فأخصَبَتْ / وجرَى عليها ظِلُّها المَمْدودُ
حيا الصَّبا أزْهارَها فتبسَّمتْ / ومن النَّدَى في جِيدهِنَّ عُقودُ
رَقَصتْ حمائمُها وصَفَّقَ دَوْحُها / فأجابَهُنَّ من الهَزَازِ نشيدُ
هذا هُوَ المَلِكُ السَّعيدُ وإنَّنا / نِلنا السَّعادةَ حيث نَحنُ عبيدُ
للنَّاسِ منهُ كلَّ يومٍ بَهجةٌ / في المَكرُماتِ فكلَّ يومٍ عيدُ
طالَ البِعادُ فطالَ الشَّوقُ والكَمَدُ
طالَ البِعادُ فطالَ الشَّوقُ والكَمَدُ / وقصَّرتْ هِمَّتي والصبرُ والجَلَدُ
يُقرِّبُ الوهمُ داراً حينَ اقصِدُها / يحولُ من دونِها أمرٌ فتبتعِدُ
لا يُمسِكُ العبدُ من حاجاتهِ بيدٍ / ما لم تُساعِدْهُ من أمرِ القديرِ يَدُ
وللحوائجِ أوقاتٌ بها ارتُهِنَتْ / كأنفُسِ النَّاسِ للآجالِ ترتَصِدُ
اليومَ يا ناقتي النيروزُ مرَّ بنا / في شهرِ تمُّوزَ لا بَرْدٌ ولا بَرَدُ
جِدِّي ولا تشتكي من سَيرِنا تعباً / فسوف تَرتاحُ منا الرُّوحُ والجَسدُ
هذا هوَ الغربُ لاحَ النَّيِّرَانِ بهِ / فذاكَ شَرْقٌ عليهِ النَّاسُ تَعتمِدُ
من حَيدَرٍ ملحمٌ قد قامَ فيهِ لنا / يا حبَّذا والِدٌ يا حبذا وَلَدُ
هما الأميرانِ من قومٍ إمارَتُهُم / من عَهْدِ عادٍ ومَن مِن قبلهِ عُهِدُوا
كلاهما قائِمٌ باللهِ معتَصِمٌ / بحولِهِ ناصِرٌ للحقِّ مُعْتَضِدُ
قالوا رَأيناكَ تَصْبوا نحوَ دارِ بني / رَسلانَ قد نطَقُوا عدْلاً بما شَهِدوا
كُلٌّ يُحِبُّ مِنَ الدُّنيا كَرامتَهُ / وهيَ العزيزةُ لا حيٌّ ولا بَلدُ
إن الصغيرَ يَرَى في نفسهِ صِغَراً / عند الكبارِ سواهم حينما يَفِدُ
يُعطَى النَّزِيلُ مقاماً عندَهم فَيرَى / ما لم يكُنْ قبلها في نفسهِ يَجدُ
هذِهْ مكارمُ أخلاقِ الكرامِ لَهُم / قديمةٌ من تنوخِ الأَزدِ لا جُدُدُ
توَارثوها فكانَت في عشائِرِهِم / أغنَى الموارِيثِ لا مالٌ ولا عُدَدُ
صرفتُ أكثرَ شِعري في مدائِحِم / والحَمْدُ للهِ لا زيغٌ ولا أَوَدُ
تُصَدِّقُ الناسُ فيهِم كلَّ مُمتَدِحٍ / ولا يُصدِّقُ من يَغتابُهم أحَدُ
العِلمُ فوقَ المالِ في إرشادِهِ
العِلمُ فوقَ المالِ في إرشادِهِ / والمالُ فوقَ العلمِ في إسعادِهِ
والمُلكُ فوقهما لأنَّ الله قد / أعطاهُ للإنصافِ بينَ عبادِهِ
وأجلُّ صاحبِ دولةٍ مَن يَغرِس التْ / تَقوَى كأحمَدَ في صميمِ فؤادِهِ
سَبَّاقُ غاياتِ الكَمالِ مُجاهِدٌ / في طاعةِ الرَّحمن حقَّ جِهادِهِ
يَرعَى رَعيَّتَهُ بطَرْفٍ سُهدُهُ / أشهَى إليهِ من لذيذِ رُقادِهِ
ما زالَ ينظُرُ في مصالحِ شعبِهِ / حتى كأنَّ الشَّعبَ من أولادِهِ
وإذا تلَّبسَ بالفَسادِ زَمانُهُ / نَهَضتْ يداهُ إلى صَلاحِ فَسادِهِ
بَسَمتْ لدولتهِ الثُّغورُ وكبَّرَتْ / ودعا مُصلِّي الصُّبحِ في أورادهِ
وترنَّمتْ بيروتُ حينَ ثَوَى بها / فأجابها لُبنانُ من أطوادِهِ
البَدرُ من حسَّادِهِ والدَّهرُ مِن / أحفادهِ والنَّصرُ من أجنادهِ
والبِشرُ فوقَ جبينهِ والحُكمُ طو / عُ يمينهِ والأمرُ تحتَ مُرادهِ
يا كعبةَ القُصَّادِ يا مَنْ شأنُهُ / أن لا يخيبَ الظَنُّ من قُصَّادِهِ
أنتَ القديرُ متى دَعاكَ ضعيفُنا / أن تبسطَ الأيديْ إلى إمدادِهِ
النَّاسُ يَشكونَ الزَّمانَ وإنَّني / أشكو بَنيهِ فَلَسْتُ من أضدادِهِ
فَهمُ الذينَ تغيَّروا وَهُوَ الذي / لا يَعرِفُ التَّغييرَ عن مُعتادِهِ
العِلمُ قد أمسى ذليلاً كاسداً / فيهم فذَلَّتْ أهلُهُ لكَسادِهِ
والمالُ عند الأكثرِينَ كأنَّهُ / صَنَمٌ وربُّ المالِ من عُبَّادِهِ
أحرقتُ فِكري بالعلومِ فلم أنَلْ / إلاّ أذَى عَيِني بنَسفِ رَمادِهِ
وكتبتُ ما قد أحزَنَ القِرطاسَ مِن / تَلَفٍ فكانَ الحِبرُ ثَوْبَ حِدادِهِ
ولقد صبرتُ على البَلادِ ومَطامعي / ترجو بَياضَ الحظِّ بعد سَوَادِهِ
وَعَد الإلهُ الصَّابرينَ بلُطفِهِ / كَرَماً ولا إخلافَ في ميعادِهِ
مَن عاشَ في الأرضِ لا يخلو من الكَمَدِ
مَن عاشَ في الأرضِ لا يخلو من الكَمَدِ / على أبٍ أو أخٍ قد مات أو وَلدِ
لا بدَّ للحيِّ من حُزنٍ على أحَدٍ / حتى يَموتَ فلا يبكي على أحَدِ
وكلُّ حيٍّ لهُ يومٌ يموتُ بهِ / فيفرُغُ العُمرُ مهما زادَ في المُدَدِ
وأهوَنُ الموتِ ما وافى على صِغَرٍ / فإنهُ راحةٌ للرُّوحِ والجَسَدِ
لا بُدَّ للطُرْقِ من زادٍ يُعَدُّ سِوَى / طُرْقِ الصِّغارِ إلى مُستَوطَنِ الأبَدِ
يكونُ من عاشَ مُرتاحاً بلا تَعَبٍ / منهمْ ومن ماتَ مسروراً بلا نَكَدِ
ليست من الموتِ تَخلو لحظةٌ فنَرى / بهِ الحزانَى كرملِ البحر في العَدَدِ
وكُلَّ يومٍ دموعٌ منهُ لو جُمِعَتْ / كانت غديراً كثيرَ الموجِ والزَّبدِ
كم حسرَةٍ نَزَلَت في القبرِ مع رجلٍ / قد ماتَ منها جريحَ القلبِ والكَبِدِ
وكم دموعٍ جَرَت من عين مُنتَحِبٍ / لم تَستَفِدْ عينُهُ منها سِوَى الرَّمدِ
إذا ابتُلِيتَ بأمرٍ لا تُطيقُ لهُ / دفعاً فبالصَّبرِ عالجهُ ولا تَزِدِ
ولو بذلتَ كنوزَ الأرضِ قاطبةً / تبغي علاجاً بغير الصَّبرِ لم تَجِدِ
إذا رُمتَ نظمَ الشِّعرِ في مدحِ ذي الرُّشدِ
إذا رُمتَ نظمَ الشِّعرِ في مدحِ ذي الرُّشدِ / فدَعْ ذِكرَ سُلمَى والتغزُّلَ في هِنْدِ
لقد وَسِعتْ كلَّ القريضِ صفاتُهُ / فلا فضلةٌ عنها لجيدٍ ولا نَهْدِ
كريمٌ جميلُ الخَلْقِ والخُلْقِ والثَّنا / حميدُ السَّجايا حافظُ الوُدِّ والعهدِ
على وجههِ المسعودِ ألفُ تحيَّةٍ / من اللهِ تأتي بالسَّلامِ وبالبَرْدِ
تفقَّدَ مولانا الوزيرُ بِلادَهُ / فكان كصَوْبِ الغَيْثِ في زَمَن الجَهدِ
وعادَ إلى بيروتَ عَوْدةَ صِحةٍ / إلى ذي سَقامٍ كادَ يَهوي إلى اللَّحدِ
حَسَدنا عليهِ مثلَ إخوةِ يوسفٍ / دِمَشْقَ وماذا الجِدُّ في حَسدٍ يُجدي
زيارتهُ الإكسيرُ تُغني بنُقطةٍ / وساعتُها من عامِنا مُدَّةَ الوَردِ
ورُؤْيتهُ كُحلٌ لأَعْيُنِ قومنا / ويكفي قليلُ الكُحلِ في الأعينِ الرُّمْدِ
إذا صحَّ ما نبغي فذلكَ نعمةٌ / من اللهِ تُعطَى واجبَ الشُّكرِ والحَمْدِ
وإلا فكم من مَطلَبٍ عَزَّ نيلُهُ / على سيِّدٍ يبغيهِ فضلاً عن العبدِ
ما يرتَجيهِ المرءُ من مولودهِ
ما يرتَجيهِ المرءُ من مولودهِ / غيرَ اللِّحاقِ بسالفاتِ جُدودهِ
فلْيُعدِدِ الأكفانَ قبلَ ثيابِهِ / والنَّعشَ قبلَ سريرهِ ومُهودِهِ
يَقضي الزَّمانَ المرءُ في خَطَرٍ فقد / مَزَجَت مَناحتُهُ فَكاهَة عيدِهِ
الموتُ بينَ صباحهِ ومَسائهِ / ومَنامِهِ وقيامهِ وقُعودِهِ
يتلو علينا الميتُ أفصحَ خُطبةٍ / كتِلاوةِ القُرآنِ في تَجويدهِ
والحيُّ عن إنذارهِ مُتَغافِلٌ / حتى تَراهُ كطامعٍ بخُلودهِ
الموتُ أخبَثُ ما يكون مَذاقةً / وأشَدُّ خَطْبٍ هالَ عند وُفودهِ
كلُّ الشَّدائدِ ليس تُحسَبُ عندهُ / إلاّ كأدنى قِشْرةٍ من عُودِهِ
لو خُيِّرَ السُّلطانُ لاختارَ البَقا / ويكونَ عبداً من أقلِّ عبيدهِ
ويودُّ مَن في السِّجن أن يبقى به / حيّاً يعيشُ معذَّباً بقيودِهِ
هذا الذي قَهَرَ الملوكَ بنفسهِ / لا باعتدادِ سِلاحهِ وجُنودِهِ
كلُّ الجبابرةِ الأعِزَّةِ عندَهُ / مثلُ الدُّخانِ يَبيدُ بعدَ صُعودِهِ
مَن كانَ يَفترِسُ الأُسُودَ نراهُ قد / نَزَلَ الثَّرَى فغدا فريسةَ دُودِهِ
والمالِكُ الأعناقِ أمسَى عُنْقُهُ / مِلكَ الدَّبيبِ مُشَبَّثاً بوريدِهِ
يا رحمةَ اللهِ الكريمِ تعهَّدي / شخصاً كبدرٍ حلَّ سَعْدَ سُعودِهِ
ناحَت عليهِ الباكياتُ فأذهلَت / بنُواحِها القُمْريَّ عن تَغريدِهِ
قد علَّمَ التَّصعيدَ صَدْرَ مُحبِّهِ / فتعلَّمَ التَّقطيرَ من تَصعيدِهِ
سَهرانُ يَرعَى النَّجمَ وَهوَ جليسُهُ / وإذا سألتَ فذاكَ بعضُ شُهودِهِ
قد ساءَ خُلْقُ الدَّهْرِ حتَّى إنَّهُ / لم يَرْعَ حقَّ شهابهِ ومجيدِهِ
غَدَرَ المجيدَ ابنَ الشِّهابِ بجهلِهِ / فوَفَى بحقِّ الحُزنِ دمعُ رشيدِهِ
قد سارَ تحتَ لفائفِ الأكفانِ مَن / كانت تَسيرُ النَّاسُ تحتَ بُنودِهِ
حَمَلَتهُ أكتافُ الرِّجالِ وخيلهُ / ترنو لحاملهِ بعينِ حَسودهِ
وَثَبَ الحِمامُ عَليهِ وِثبةَ فاتكٍ / جَعَلَت نِصالَ سِلاحِهِ كغُمودِهِ
ومحافلُ الأُمَراءِ حولَ سريرهِ / لم يَقدِروا إلاّ على تَعديدِهِ
هذا عَمودٌ كان رُكنَ عشيرةٍ / صارت كبُرجٍ مالَ خَطُّ عَمودهِ
أخَذَ الرِّئاسةَ مَنصِباً عن جَدِّهِ / فكأنَّهُ أوصى بها لحفيدهِ
جادَ الزمانُ بهِ فكانَ كنادِمٍ / ولذاك صار السَّلبُ غايةَ جُودِهِ
والدَّهرُ خازِنُ أهلهِ لكنَّهُ / في الصَّرفِ يَبدأُ من أجَلِّ نُقودِهِ
في ذِمَّةِ الله الحَفيظِ مُسافِرٌ / كانت قلوبُ النَّاسِ من تزويدِهِ
قامتْ تودِّعُهُ الرِّجالُ فأودَعتْ / حَبَّ القلوبِ قِلادةً في جِيدِهِ
عبدٌ إلى مولاهُ جرَّدَ نفسَهُ / طوعاً فنالَ الرَّفعَ من تجريدهِ
ضمَّتهُ أجنِحَةُ المَلائكِ بينَها / كالحرفِ ضَمَّ أخاهُ في تشديدِهِ
لله سِرٌ في البريَّةِ غامضٌ / وَقَفتْ عقولُ النَّاسِ عند حُدُودهِ
لا يَهتدي عِلمُ النُّجومِ برصدهِ / ويضِلُّ عِلمُ الرَّملِ في توليدِهِ
عادَ التُّرابُ إلى حقيقةِ أصلِهِ / كالثَّلجِ إذ يَنحَلُّ عَقدُ جُمودِهِ
حُكمٌ قديمٌ لا يزالُ مُجَدَّداً / فنَروحُ بين قديمِهِ وجديدهِ
نمشي إليه كلَّ يومٍ خَطوةً / فيكونُ ذاك مُقرِّباً لبعيدهِ
ولرُبَّما يجري إلينا خاطِفاً / كالبرقِ يعدو فوقَ خيل بريدِهِ
هذا الذي لا بُدَّ منهُ لكلِّ مَن / في الأرض يحفَظُ سالفاتِ عُهودِهِ
يُشقي ويُسعِدُ تارةً بقدومِهِ / ويظَلُّ يمزُجُ وعدَهُ بوعيدهِ
من ماتَ في ثوبِ الصَّلاحِ فإنَّهُ / قد عاشَ فالموتُ ارتجاعُ وُلُودِهِ
كانَ الوُجودُ مُسبِّباً لفنائِهِ / فغدا الفَناءُ مُسبِّباً لوُجودهِ
للموتِ يُولَدُ مِنَّا كلُّ مَوْلودِ
للموتِ يُولَدُ مِنَّا كلُّ مَوْلودِ / يا أيُّها الأُمُّ ربِّي الطِّفلَ للدُّودِ
هل تحسبينَ سريراً ما تَوسَّدَهُ / باللَّيلِ أم نَعْشَ مَيتٍ غيرِ مَلحودِ
فوقَ التُّرابِ تُرابٌ قد مَشَى وغداً / تحتَ التُّرابِ يُغطَّى بالجَلاميدِ
كانتْ لهُ الأرضُ أياماً فصارَ لَها / دهراً طويلَ اللَّيالي غيرَ محدودِ
في ذِمَّةِ اللهِ مِنَّا راحلٌ رَحَلَتْ / مَعْهُ القلوبُ رحيلاً غيرَ مَردودِ
مَضَى على غير ميعادٍ لرِحلتِهِ / وكانَ من شأنهِ حِفظُ المَواعيدِ
غصنٌ أتتهُ رياحُ البينِ لافحةً / فجفَّ في وقتٍ جَرْي الماءِ في العودِ
غالتْ فغَلَّتْ أياديهِ التَّي خُلِقَتْ / للمَكرُماتِ وصُنعِ الخيِر والجودِ
بدرٌ تَوسَّد فوقَ النَّعشِ منطرِحاً / فاعجَبْ لِبَدرٍ على الألواح مغمودِ
واعجَبْ لجوهرةٍ في التُّرْبِ نازِلةٍ / واعجَبْ لسيفٍ بِطَيِّ اللَّحْدِ مَغمودِ
هذا الذي حِلْمُ مَعْنٍ مِن شَمائِلهِ / من سَطْوةِ البينِ لاقَى ظُلمَ نُمرودِ
أصابهُ البينُ في شَرْخِ الصِّبا عَبَثاً / فاعتاضَ ما كانَ موعوداً بمنقودِ
يا أيُّها القبرُ تَدرِي مَن إليكَ أتى / ومَن حَوَيتَ مِن القَومِ الأماجيدِ
يا قَبرُ أكرِمْ نزيلاً غير مرتحلٍ / إلى زمانٍ لبعثِ النَّاسِ مَوعودِ
قد صِرتَ أشرَفَ أرضٍ في مرابعنا / إذ نِلتَ أشرَفَ مولودٍ ومفقودِ
هذا مُرادُ المُرادِيُّ الأميرُ لهُ / من نِسبةِ اللَّمعِ أصلٌ غيرُ مجحودِ
زلَّت بهِ قدَمٌ في الأرضِ فامتَلَكتْ / أقدامُهُ في الأعالي كلَّ تَوطيدِ
مَضى إلى ربِّهِ الغَفَّارِ مُبتهِجاً / وخلَّفَ النَّاسَ في حُزنٍ وتسهيدِ
مَناحةٌ عندنا في الأرضِ حافلةٌ / وعندهُ في الأعالي بَهجةُ العيدِ
كم نادبٍ بعدَهُ عافَ الحياةَ ولَو / أعطتْهُ مُلكَ سُليمانَ بنَ داودِ
لا خيرَ في عِيشةِ الدُّنيا لواجِدِها / إن كانَ ما يَشتَهيهِ غيرَ موجودِ
جُدْنا بدمعٍ على الموتى فما حَمِدوا / هيهاتِ ما كلُّ ذي جُودٍ بمحمودِ
ما أغفَلَ الحيَّ عمَّا ذاقَ ميِّتُهُ / وأغفَلَ المَيْتَ عن نَوْحٍ وتعديدِ
قد فات ما فاتَ يا مَن ذابَ مِن أَسَفٍ / فلا تَقَلْ يا لُوَيلاتِ الصَّفا عُودِي
بيضٌ وسُودٌ ليالي النَّاسِ فارتَحِلي / يا أيُّها البِيضُ جاءَت نَوْبةُ السُّودِ
بُروقٌ قد تخللَّها رُعودُ
بُروقٌ قد تخللَّها رُعودُ / فظُنَّ وراءَها مَطَرٌ شديدُ
وهُوجُ عواصفٍ ثارتْ فكادتْ / جِبالُ الشُّوفِ من قَلَقٍ تَميدُ
وسُحْبٌ أطبَقَتْ ولها دُخانٌ / إلى أوجِ السَّماءِ لهُ صُعودُ
وقد ثارَ العَجاجُ بأرض قومٍ / عليهمْ مِنهُ قد خَفَقَتْ بُنودُ
تَرادَفَ كلُّ ذلك ثُمَّ ولَّى / كذوبِ الثَّلجِ وانخَذَلَ الحَسودُ
رَقدنا والأماني السُّودُ بِيضٌ / وقُمنا والوجوهُ البِيضُ سُودُ
إذا أعطى الفتَى مَولاهُ عَوْناً / تُقصِّرُ عن مَضَرَّتهِ العبيدُ
وأمرُ اللهِ يَغلِبُ كلَّ أمرٍ / فلا مَلِكٌ يُعَدُّ ولا جُنودُ
حَماكَ أبا المجيدِ حُسامُ رَبٍّ / لديهِ يُشبِهُ الخَشَبَ الحديدُ
ودِرعٌ نَسجُ داودٍ منيعٌ / بنصرِ الله مَنعَتُهُ تزيدُ
لقد كثُرَتْ من القوم الدعاوي / ولكن لم تُؤيِّدْها الشُّهودُ
ولو صَحَّ الكلامُ بلا بَيانٍ / بَلَغتُ من الدَّعاوي ما أريدُ
عَمَدتَ فما نَدِمتَ لكيدِ قومٍ / لهم نَدَمٌ ولكنْ لا يُفيدُ
إذا حَجَرٌ رَميتَ بهِ عَموداً / تَراهُ نحو راميهِ يعودُ
وكم شَرَكٍ تُصادُ بهِ ظِباءٌ / ولكن لا تُصادُ بهِ الأُسودُ
وليسَ السَّيفُ يَقطَعُ في دُروعٍ / إذا قُطِعت بضربتهِ الجُلودُ
وأيُّ النَّاسِ يُرضي كلَّ نفسٍ / وبينَ هوى النُّفوسِ مدىً بعيدُ
ومن قَصَدَ الرِّضَى للنَّاسِ طُرّاً / كمنْ في الدَّهرِ يُطمِعُهُ الخُلودُ
وكمْ شاكٍ منَ الرَّحمنِ حتَّى / عليهِ الكُفرُ يَغلِبُ والجُحودُ
يَسُنُّ لهُ الوقوفَ على حُدودٍ / فتُزعجُ نفسَهُ تلك الحُدودُ
طالَ النَّوى وتَوالَى الدَّهرُ والأمَدُ
طالَ النَّوى وتَوالَى الدَّهرُ والأمَدُ / بعدَ الفراقِ وقلَّ الصَّبرُ والجَلَدُ
والصّبرُ لو أنَّهُ في ذاتهِ عَسَلٌ / لصارَ كالصبرِ مِمَّا طالتِ المُدَدُ
تَعَمَّدَ الدَّهرُ لي سُوءاً بُلِيتُ بهِ / والدَّهرُ ليسَ بناجٍ عِندَهُ أحَدُ
قد كان لي جَسَدٌ قبلاً أعيشُ بهِ / واليومَ قد صار نصفاً ذلِكَ الجَسَدُ
والحمدُ للهِ شكوَى الجسمِ هيِّنهٌ / ما دامَ يَسلَمُ منَّا العقلُ والرَّشدُ
فليس يَجزَعُ من في كفِّهِ شَلَلٌ / وليس يَجزَعُ من في عينهِ رَمَدُ
لنا بذي الأرضِ أيَّامٌ تَمرُّ بنا / أحداثُها كبريدِ الخيلِ تَطَّرِدُ
وكلُّ أمرٍ لهُ في دهرنا أجَلٌ / فلا يدومُ بهِ صفوٌ ولا كَمَدُ
حُلْمٌ تَروَّعَ تحتَ اللَّيلِ ناظِرُهُ / فزالَ عندَ انجلاءِ الصُّبحِ ما يَجِدُ
من ليسَ يَملِكُ في دفعِ البَلاءِ يداً / فما لهُ سِوَى الصَّبرِ الجميلِ يَدُ
لله يا فاضلاً تحيا النفوسُ بهِ
لله يا فاضلاً تحيا النفوسُ بهِ / لُطفاً ويخضرُّ مِن أنفاسِهِ العُودُ
شكرتُ فضلَكَ يا محمودُ معترفاً / بهِ فأنتَ على الوجهينِ محمودُ