المجموع : 31
الله يصحب بالسلام مودِّعي
الله يصحب بالسلام مودِّعي / عجِلاً وإن أخنى عليَّ بِعادهُ
شُدَّتْ على شَعْبِ القلوب رحالُهُ / وَجْداً وفاضت بالدُّموع مَزاده
وميمِّمٍ " بغدادَ" كادت حسرة / منها عليه تؤمه بغداده
حسبُ " الفرات " شجىً فراقكُمُ له / وكفى بدجلةَ أنكم وُرّاده
قولوا لمن هذا القريض ؟ يسّرني / ما قلتمُ إن راقَكم إنشاده
وإذا قست تلك القلوبُ فردّدوا / أبياتَه ليلينَها تَرداده
ماذا عليكم أن يُسَيِّرباسمكم / شعري وتهفو نحوكم نُشَّاده
شعرٌ يَجئ به الجمالُ مكرِّراً / منه الجميلَ متى يكون نَفاده
لا أشتهي هزجَ المغنّي في الهوى / ما لم تُجَسَّ بذكركم أعواده
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ / أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها / رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ / ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم / ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ / ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِد
وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفاً / أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحد
حُييَّتِ " أُمَّ فُراتٍ " إنَّ والدة / بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِد
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها / بُدّاً وإنْ قامَ سدّاً بيننا اللَحد
بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسد
عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَناً / رَجعت مِنه لحرِّ الدمع أبترِد
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي / وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني / ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
كما تَفجَّرَ عَيناً ثرَّةً حجَرٌ / قاسٍ تفَجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَلد
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا
مُدّي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يدُ / لابُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نتَّحِد
كُنَّا كشِقَّينِ وافي واحداً قدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرِهِ صَدَد
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ / عن ْحالِ ضيفٍ عليهِ مُعجَلا يفد
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد
ولَفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبَههُ / بجَعْدِ شَعركِ حولَ الوجهِ يَنعْقد
ألقيتُ رأسيَ في طيَّاتِه فَزِعاً / نظير صُنْعِيَ إذ آسى وأُفتأد
أيّامَ إنْ ضاقَ صَدري أستريحُ إلى / صَدرٍ هو الدهرُ ما وفى وما يَعِد
لا يُوحشِ اللهُ رَبعاً تَنزِلينَ بهِ / أظُنُ قبرَكِ رَوضاً نورُه يَقِد
وأنَّ رَوْحكِ روحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوْحُهُ نَكَد
كُنَّا كنبَتةِ رَيحانٍ تخطَّمَها / صِرٌّ . فأوراقُها مَنزوعَةٌ بَددَ
غَّطى جناحاكِ أطفالي فكُنتِ لهُمْ / ثغراً إذا استيقَظوا عِيناً اذا رقَدوا
شّتى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهلْ يكونُ وَفاءً أنني كمِد
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ محلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسد
ولم تكُنْ ضرةً غَيرَى لجِارَتِها / تُلوى لخِيرٍ يُواتيها وتُضْطَهد
ولا تَذِلُّ لخطبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ مِنها المالُ والولد
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد
ضاقَتْ مرابِعُ لُبنانٍ بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُد
تلكَ التي رقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنَّا وكانتْ عِيشةٌ رَغَد
سوداءُ تنفُخُ عن ذِكرى تُحرِّقُني / حتّى كأني على رَيعانِها حَرِد
واللهِ لم يحلُ لي مغدىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَد
أينَ المَفَرُّ وما فيها يُطاردُني / والذِكرياتُ طرُّيا عُودُها جُدُد
أألظلالُ التي كانتْ تُفَيِّئُنا / أمِ الِهضابُ أم الماء الذي نَرِد؟
أم أنتِ ماثِلةٌ ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومنْ ثَمَّ مُرتاحٌ ومُتَّسَد
سُرعانَ ما حالتِ الرؤيا وما اختلفَتْ / رُؤىً ولا طالَ – إلا ساعةٍ – أمَد
مررتُ بالحَورِ والأعراسُ تملؤهُ / وعُدتُ وهو كمثوى الجانِ يَرْتَعِد
مُنىً - وأتعِسْ بها – أنْ لا يكونَ على / توديعها وهيَ في تابُوتها رَصَد
لعلَّني قارئٌ في حُرِّ صَفْحَتِها / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِد؟
وسامِعٌ لفظةً مِنها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّها – ومعاذَ اللهِ – تَنْتَقِد
ولاقِطٌ نظرةً عَجلى يكونُ بها / ليْ في الحياةِ وما ألقى بِها سَند
"بَلِينا وما تَبْلى النجوم " الرواكدُ
"بَلِينا وما تَبْلى النجوم " الرواكدُ / رسومٌ عَفَت منها العلا والمحامدُ
أصاخَ بها للجهل طيرٌ مشردَّ / وسابت بها للغي رُقْمٌ أساود
وليلة بتنا بالغريّ بساطُنا / رياض ومن خد الشقيق الوسائد
تخال الصبَّا إما سرت كفَّ لا قط / وقد نُظِمتْ للطلِّ فيها فرائد
تجمع للأحزان جو ملبدٌ / وهبّت من البلوى رياحٌ رواكد
ومما شجا أن الثلاثة قادهم / لما قادني حَظٌ عن الكل شارد
صغارٌ بغوا للنحو شرَّ وسيلة / تضِل بها للسالكين المقاصد
يقولون أعْرب قام زيد وخالد / وما جرّ الا الشؤمَ زيد خالد
فقلتُ: لئن قاما فذاك الفعل حاضر / وقد بان عما تسألون الشواهد
وقالوا : جلاميدٌ أقيمت مَحْارِباً / فقلت : جسومٌ دونهن الجَلامد
فلما دنونا وانجلى ضوء بارق / من الحق جلّى الظن ُ والظن فاسد
هناك التقى الجِنُحان منها وأخفقا / ضعيفان مقصودٌ هناك وقاصد
وما منهمُ الا كما البرجُ ناهض / علينا ومثل الكلب للتُرب ساجد
يقولون : لا تَهمِس وبالهمس قولهم / فقلت : استوى منا خليُّ وواجد
أراكم " حسبتم كل بيضاء شحمةٍ" / من الناس أو ضاقت عليكم فدافد
وإلا فهل اغنتكُمُ عن طرائف / من المال هذى البالياتُ الأوابد
لهم حسب في اللؤم دقَّت عروقُهُ / طوارفُه تسمو بهِم والتوالد
مُحالاً أرى تصحو من الغي قفرة / أراذلها تُكسى تَعرى الأماجد
لئن سلبوا ثوباً أرَّثَّ فبعدما / كستهم ثياب العار مني القصائد
قلَّ صبري على زمانٍ ألدِّ
قلَّ صبري على زمانٍ ألدِّ / وخُطوبٍ ألبَسَنْنَي غيرَ بُردي
وتقاليدَ لا تطاقُ وناسٍ / لا يُجيدون غيرَ لُؤمٍ وحِقْد
آنست مَنْ معي قوافٍ حِسانٌ / سوف تبقى أُنْسَ الشجييِّن بعدي
حملتْ همَّهُمْ ورُحْتُ غريباً / عنهمُ حاملاً هموميَ وحدي
أفرَشوني شوكَ القتاد وخصُّوا / بالرياحين كلَّ جِبْسٍ ووَغْد
وزَوَوْا كلَّ ما أودُّ احتكاراً / وأتوني بكل ما لم أودّ
وأجالوا أفراسَهُمْ في مَلاهٍ / ضربوا بينها وبيني بِسُدّ
ثم قالوا صفِ الحياةَ بلطفٍ / رغمَ أنَّ الحياةَ تجري بضدي
كيف يسطيعُ رسمَ شَكلِ المسرّاتِ / نزيلٌ في غرفة مثلِ لَحْد
تائه في حياته ليس يَدري / أيُّ بابٍ إلى السُّرورِ يُؤدّي
قد وصفتُ الشَّقاءَ أروعَ وَصفٍ / من بلاءٍ وخبرةٍ مستَمَدّ
وأرَيْتُ الناسَ الحياةَ جحيماً / قاذفاً أنْفُساً لطافاً بوقْد
فأروني رفاهةً ونعيماً / لأُريكم تصويرَ جنةِ خُلْد
صدماتُ الزمانِ تُبْقي خدوشاً / في أصَمٍّ من الجلاميدِ صَلدْ
أفتنجو من هذه الغَيرِ السودِ / خلايا دمٍ وقطعةُ جِلد
أكلتْ قلبيَ الهمومُ وهدّت / كلّ حولي واستنزفتْ كلَّ جهدي
فتراني وليس غيرُ اطِّلابٍ / لكفافٍ من المطاليبِ عندي
بدلاً من تقلُّبي في نعيمٍ / سابغ الظلِّ ذي أفانينَ رَغْد
هذه العيشةُ الرفيهةُ لا عركُ / زمانٍ ملآنَ بالنحس نَكْد
ما عسى تبلُغُ القناعةُ من نفس / طروبٍ لغيرِها مستعِد
أين من تستثيرُ طبعي بهزاتِ / التصابي منها وتقدَحُ زندي
من تشكي الغرامِ والوجدِ إني / ذو احتياج إلى غرامٍ ووجد
قد سئمتُ الجفافَ في العيش لارشفةُ / ثغرٍ ولا نعومةُ خدّ
وردةٌ من حديقةِ الشعرِ أُهديها / إلى مطعمي بقطفةِ ورد
ليس عندي أعزّ ُ منها وحسبي / أنني خيرُ ما تملكتُ أُهدي
اشتهي عُلْقةً بحبلِ غرامٍ / أوْجدِيها ولو بكاذبِ وعد
لست ادري فربّما كان نحسي / في غرامي وربّما كان سعدي
غيرَ أنيّ أُحسُّ أنَ شعوراً / تستفزينه بُقربٍ وبُعد
لا تَشِحّي ولا تجودي ولكنْ / اتركيني ما بين جَزْر ومَد
ثم قولي هاكَ الذي تبتغيه / ثم لمّا أقولُ هاتيه رُدّي
لوحةٌ مالها نظيرٌ وقوفُ العاشقِ / الصبِ بينِ أخذٍ وردْ
لا لأجلي لكنْ التّلهي / بقوافي حرّكي بعضَ وَجْدي
أَولا ترغبين أن يَتَغّنى / بمعانيكِ مُعْجَباً كلُّ فرد
رُبَّ جسمٍ يَبْلى به عبقريٌّ / لا يرى عن تَصْويرِهِ من مَردّ
حاشدِ الذهنً بالصبابةِ يأتي / من ضُروبِ البيان فيها بحشْد
وتراه عَفْوَ القريحةِ يَخْتارُ / أناشيدَ تُعْجِزُ المتصدِّي
سَهُلَتْ فهو مثلُ سيلٍ تَجارى / في مسيلٍ دَمْثٍ يُعيد ويُبدي
يَلمِسُ الشيخُ في قوافيه بُقيا / أثَرٍ من شبابهِ المسَتَردّ
ويُعيدُ الصِبا إليه وبلقى / في مريرِ الذكْرى حلاوةَ شُهْد
فهو يُسْدي إلى الوجودِ جميلا / وهو لولا الغَرامُ ما كانُ يُسْدي
ولقد تَضْمنُ البداعةَ في الفنِّ / وتخليدهِ بضاضةُ زند
ما عرفنا دعدّيةً تتصّبى / كلَّ نَفسٍ لولا تحكُّمُ دَعْد
لا جفافُ الحجاز أضرمَ تلك الروحَ / فيها ولا خشونةُ نجد
هي إلهامةٌ يَنِزّ لها الحبُّ / على الشاعرينِ من غير قَصْد
بكَرَ " الخريفُ " فراح يُوعِدهُ
بكَرَ " الخريفُ " فراح يُوعِدهُ / أنْ سوفَ يُزْبِدُهُ ويُرْعِدُهُ
وبَدَتْ من الأرماث عائمةً / فيه طلائعُ ما يُجَنِّدُه
وكأنَّ من زَبَدِ الرِّمال على / أمواجه طِفْلاً يُهَدْهِده
واستَثْقَلَ النوتيُّ مِجْذَفَه / بَرِماً بمِقبَضه يُجَدِّده
وتحفَّزَتْ شُمُّ الجبال لهُ / بثُلوجها كِسفَاً تُهدِّده
ظلَّتْ تَعُدُّ خُطاه تَرقُبُه / في الصيفِ مُزدهراً وتحسُده
جَرداءُ وهو يَضِجُّ مَلْعَبُهُ / ظَلْماءُ وهو يُشَبُّ مَوقِده!
خرَساءُ والأنعامُ تُرقصهُ / وكأنَّها بالموج تَرفِده
تَتَعَثَّرُ الأجيالُ خالدةً / فيها ويَحضُنُها مُخَلَّده
" داودُ " بالمزمارِ يُوقِظه / ويُنيمُهُ بالعُود " مَعبده "
والهِيمُ تخزُنُهُ وتنهبُهُ / والغِيدُ تُنزِلهُ وتصُعِده
ألْقَتْ إليه مِن مفاتِنِها / ما ليسَ إلاَّ اللهُ يَشهَده
ورمَتْ له يقظانَ مِن مُتَعٍ / ما نحنُ في الأحلامِ نَنشُده
والنجمُ حارسُها وحارسُه / والظلُّ موعدُها وموعده
الآنَ أُدْرِكُ سِرَّ زَفْرتهِ / إذ لم يَعُدْ سِرّاً تَجَلّده
فَلفَقدِه نَفَساً تَنَفُّسُهُ / ولذِكره نَهداً تَنَهَّده
يتَعقَّبُ المسكينُ موجَتَها / عَبَثاً بمَوْجتهِ وتطْرُده
لم يَدْرِ حتى الآنَ شِيمتَها / حسِبَ الهوى نَغَماً يُردِّده
أمسِ استطابتْ فيه مَقصِدَها / واليومَ أهونُ منه مَقصِده
لو يستطيعُ لَرَدَّ خُضرتَهُ / وبرغْمِ سَفْحَيْهِ تورَّده
وبرغْمهِ أنْ حبَّ خابِطُهُ / للزارعينَ وذُمَّ مَورده
ماسرَّهُ " والبِيضُ " تُنْكِرهُ / أنَّ المراعي الخُضْرَ تَحْمَده!
فالذكْرَياتُ الغُرُّ يَشهدُها / رقراقُهُ الصافي وتَشْهَده
مُتطامِنٌ لم تُخْشَ صَولتُه / لكبْ تَضيقُ بصائِلٍ يَده
فمِنَ الشَّمال يدٌ وتُنْهِضُهُ / ومِنَ الجَنوب يدٌ وتُقْعِده
كالنَّاسِ للحُفُراتِ مَرجِعُه / ومِنَ النِّطافِ النُزْرِ مولِده
وخُضوعُهُ كخُضوعهمْ أبداً / للغيبِ أنَّى سارَ يقصده
والفَصلُُ دونَ الفَصلِ يُنْعشُهُ / والأرضُ دون الأرض تُسعِده
لَغِبٌ فلا الإِمساءُ يُوسِعُهُ / عَطْفاً ولا الإِصباحُ يُنجِده
النجمُ أعمى لا يرافِقُهُ / والطيرُ أخرَسُ لا يُغرِّده
مُتحَيِّرٌ لا يستَحِمُّ بهِ / فَلَكٌ ولا الأضواءُ تُرشِده
وكأنَّ مُحتَشَدَ الضَّبابِ بهِ / بابٌ بوجهِ الشُهْبِ يُوصِده
والشَّمسُ فاترةٌ تُذَكِّرهُ / وضَحَ السَّنا أيَّامَ تُوقِده
أيَّامَ تنفُخُ في قَرارتهِ / من رُوحها نَفَساً تُجَدِّده
والبدرُ حتى البدرُ يُوحشه / في يومِ محنتهِ ويُفرده
هذا الذي ما كانَ مِثلَهما / للصيفِ من مَثَلٍ يُخَلِّده
كانا يَرُبَّانِ الغرامَ معاً / ذا يَصْطَفيهِ وذا يُهَدْهِده
لم يبقَ من هَرَجِ الربيع بهِ / الا الذي قد فات أجوده
ومن العريشِ على شواطئه / إلاّ خُشَيْبات تحدِّده
ركبٌ تحمل عنه ناشطهُ / واقام عاجزُه ومُقْعَده
والسامرُونَ انفضَّ عُرْسُهُمُ / لا جِدُّهُ أغنى ولا دَده
حجَلَ الغُرابُ على مواقِدهمْ / وعلى الرَّمادِ بها يُلَبِّده
ومنَ الحَمامِ أظَلَّهُ زَجِلٌ / كَلِفٌ بلحنِ الصَّيفِ يُنْشِده
ضَنْكُ المسَفَّةِ يَدَّني عَطَشاً / وتَموُّجُ الآذيِّ يُبعِده
مُتَسائلاً بشمَ حالَ رَيِّقُهُ / عن حُرِّ لونٍ كان يَعهَده!؟
وعلى الضِّفافِ البطُّ مُنكمِشٌ / لاهٍ بذاوي النبتِ يَعضِده
شَعْثُ النَّسيل كأنَّ عابثةً / مَجنونةً راحتْ تُبدِّده
ما الصَّيفُ سبَّطَ من جَدائلِه / جاءَ الخريفُ له يُجَعِّده!
بادي الخُمولِ يؤودُه عُنُقٌ / في أمس من زهْوٍ يُمدِّده!
وكأنَّه إذ خِيفَ مَسبَحُه / مُتَرِّهبُ قد سُدَّ مَعْبَده!
أتُرى يعودُ غداً لِمَلْعَبهِ / لأمْ لا يعودُ كأمسه غده؟!
وتهضَّمَ النُوتيُّ زورقَه / بالقار بعد الغِيد يَحشُده
يقتاتُ من كِسَرٍ يُثَبِّتثها / في اللوح أو حَبلٍ يُمَسِّده
لم أدْرِ لو لم تُنبِني سُرُجٌ / في شاطئيه ِ أينَ مَرقده
ومَضَتْ فقلتُ : النّومُ أعوزَه / وجُفونُه رُمْداً تُسَهِّده!
وخَبَتْ فقلتُ : غفا وإنَّ صَدىً / في السَّمْعِ من زَفْرٍ يُصَعِّده!
وكأنَّ تابوتاً يُعِدُّ لهُ / مَلاَّحُه فيما يُنَضِّده
وحسِبتُ مِزماراً يُشَيَّعُه / للقبرِ مسماراً يُشَدَّده
وتجاوُبَ الأجْراءِ قافيةً / سمحاءَ باكيةً تُمَجّده!
يا صامتاً عِيّاً ومَنْطِقُهُ / مُتَفَجِّرُ اليَنْبُوع سَرْمَده
تَهفو فرائدُ عِقدهِ جَزَعاً / مما بها وتهيمُ شُرَّده
وتُثيرُ فيه الذكرياتُ شجاً / يَعيا به فيَخُورُ أيِّده
ومُوَكَّلاً بالدَّهر يَزرعُهُ / في شاطئيه ثمَّ يحصُده
يا شَطُّ أنتَ أعزُّ مُنقَلباً / في الناطقينَ بما تُخَلِّده
وكذا الطبيعةُ في عناصرها / جِنٌّ حَبيسُ الرُّوحِ مجهَده!
نَرتادُ جامدَها نُفَجِّرُه / وعقيمَ غامضِها نُوَلَّده
فلعلَّ ذا ولعَّلها لُغةٌ / من غيرِ ما جرْسٍ نعوَّده
ولربَّما ضَحِكتْ بسائطُها / هُزْءاً بنا ممَّا نُعَقِّده
للهِ دَرُّكِ من وليدِ
للهِ دَرُّكِ من وليدِ / في عيد مولِده السعيدِ
حَيَّتْهُ ممطرةُ الدَّمار / بمثل قاصفةِ الرُّعود
وأظَله من كل قاذفةٍ / غرابٌ من حديد
ومشى بهذا المَهدْ ما / يحدو المهودَ إلى اللُحود
يا أختَ امسِ المالىءِ / الدنيا بجبارٍ عنيد
أسدَى وقد جَحَدَ الخلودَ / يداً ترِفُّ على الخُلود
أومَى الى زُمرَ المناقِب / من طَريف او تَليد
من كلِّ شاك ما استَباح / له المؤرّخُ من حدُود
فاتَتهْ رازحةُ الخُطى / تَشكو من الجَهد الجهيد
يبدو على شَمَمٍ وإيثارٍ / وإقدامٍ وجُود
جُرْحٌ بليغٌ في الفؤاد / ولطمةٌ فوقَ الخدود
فأقرَّها في أي أنصِبِةٍ / ومصطَلحٍ وطيد
من هذه الأرواحِ / ثائرةٌ على ضَنْك الجلود
مما يُحشِّده نضالُك / للفضيلة من جُنودُ
من هذه الأشلاء نافحةُ / الأريج على الصَعيد
بالأُمِّ هاويةٌ على البَعل / الكريم على الوَليد
إنّا قرأنا فيكِ / معنى لفظِ تاريخٍ مجيد
فضلتِ " أمسِ " على " غدٍ " / وطغى " القديم " على " الجديد "
يا أختَ مُحترِس الحَمام / وامَّ مقتنص الأُسود
فوُزي بعُقْبى ما وُعِدتِ / فقد صَبْرتِ على الوعيد
ولقد صَبَرت على التي / يَعيَا بها صَبْرُ الجَليد
فلقد صَبَرت على رِباح / الموت تَعصِفُ بالحصيد
وعلى جحيمٍ منك عَبَّأ / ما تَخَيرَّ من وَقود
وعلى – امرَّ من الجحيم - / شَماتة النِمَر الحقود
صُغتِ السُدودَ من الصدور / ترُدُّ عادية السدود
ومشيتِ انتِ الى الردى / فاخذتِ منه بالوريد
بَليَ باشدَّ منه / شكيمةً يومَ الوُرود
عودي فقد حَنَّ العرينُ / لعودة الأسَد الطريد
عودي كواسطةِ الجُمان / تَعود للعِقد الفريد
عودي نشيداً خالداً / ولأنتِ ملهمةُ النشيد
أساتذتي أهلَ الشعورِ الذينَ هُمْ
أساتذتي أهلَ الشعورِ الذينَ هُمْ / مناريَ في تدريبتي وعمادي
أروني انبلاجا في حياتي فانَّني / سئمتُ حياةً جُلّلتْ بسواد
وما الشاعرُ الحسَّاسُ صِنوٌ لِعيشةٍ / مكرَّرةٍ مخلوقةٍ لجماد
خذوا بِيدَيْ هذا " الغريب ِ" فانَّه / لكلِّ يدٍ مُدَّتْ إليه مُعادي
لئن جئتُ عن أزمانِكمْ متأخراً / فإنّي قريبٌ منكمُ بفؤادي
لغيرِ زمانٍ كَوَّنَ الدهرُ نزعتي / وكوَّنَ أعصابي لغير بلاد
وعنديَ منكمْ كلَّّ يومٍ مَجالسٌ / ترفُّ بها أرواحُكم ونوادي
معي روحُ "بشَّارٍ" وحَسبْي بروحه / تقرّبني من حكمةٍ وسَداد
تعّلِمني سُخفَ القوانينِ في الورى / وسوءَ نظامٍ لم يجئ برشاد
وطوراً مع الشَّهم الظريف " ابن هانيءٍ " / يراوح خمَّاراً له ويغادي
يسجّل ما احصْت يداه بدقَّةٍ / ويمزُج منه صالحاً بفساد
ومن قبلُ " للحاناتِ" كانت ولم تزلْ / لدى الشعراء النابهينَ أيادي
تعوِّضهمْ عن وحشةٍ بانطلاقةٍ / وعن يقظةٍ مذمومةٍ برقاد
أساتذتي لا تُوحِدوني فانَّني / بوادٍ وكلُّ الشاعرين بوادي
ولا تعجبوا أنَّ القوافي حزينةٌ / فكلُّ بلادي في ثيابِ حِداد
وما الشعر إلاَّ صفحة من شَقائها / وما أنا إلاَّ صورة لبلادي
فلا تذكروا عيشي فانَّ يراعتي / تَرفَّعُ عن تدوينه ومدادي
أمرُّ مَن المِلح الأُجاج مواردي / وأرجعُ من شوكِ القتادةِ زادي
تقدَّمني مَن لستُ أرضى اصطحابه / وطاولني من لم يكنْ بعدادي
وضُويقتُ حتى في شعوري وإنَّما / شعوري ّبُقيا عُدَّتي وعتادي
وما لذَّةُ الدُّنيا إذا لم أكن بها / أُمتَّع في تفكيرتي ومرادي
وما أنا بالحُرِّ الذي ينعتَونه / إذا لم يكن في راحَتَيَّ قيادي
أُصرِّفُه فيما أروم وأشتهي / وأبذلُ فيه طارفي وتلادي
وماذا يريدُ الناسُ مني وإنَّما / " لنفسي صلاحي أو عليَّ فسادي "
فلا تَنشُدوا حُريّةَ الفكر إنَّها / "ببغدادَ " معنى نكبةٍ وصفاد
فما كان بشَّارٌ بأوَّلِ ذاهبٍ / ضحيَّةَ جهلٍ شائنٍ وعناد
إلى اليوم في" بغداد " خنقُ صراحةٍ / وتعذيبُ الافٍ لأجل أحاد
مداخلةٌ في مجلسٍ ومساربٍ / وتضييقةٌ في جِيئةٍ ومَعاذ
وخلّوا اهتضامَ الشعر إنَّ حديثَه / شجونٌ اقضَّتْ مضجعي وَوِسادي
خلَتْ حَلبةُ الآداب إَّلا هجائناً / ملفَّقَةً سدَّتْ طريق جياد
تشكَّى القريضُ العابثين بَحقله / كما يتشكَّى الروضُ وقعَ جراد
شرٌ تمادى حَدُّهُ
شرٌ تمادى حَدُّهُ / سيصُدني وأصُدُّهُ
أما العراقُ فجُرحُهُ / مني وعندي ضَمْده
سيف يُسلُّ على بلادي / ليت قلبي غِمده
ماج الفراتُ فلم يُطِق / صبراً عليه سدّه
مهتاجُ عزمٍ عكسُهُ / يُوهي الجليدَ وطرده
هذي حماسة ثائر / عَزْمُ الاله يَمُدُّه
يا بانياً مُلكاً تعالى / فوق مجدي مجده
وطني وعندي شوكُهُ / أسفاً وعندك ورده
هذا الربيع لكم ولي / حرُّ العراق وبرده
آليت أني حربُ من / ناوى البلاد وضده
هذا اليراع ذبابه / للذَّب عنه أُعده
وخذوا لساني إن / تبدَّل او تحوَّل عهده
مَواطرُ الغيثِ حَييِّ جانبَ الوادي
مَواطرُ الغيثِ حَييِّ جانبَ الوادي / وهدَّديهِ بابراقٍ وإرعادِ
مُديِّ به بُسُطَ الأعشاب زاهرةٍ / وطرِّزيها بازهارٍ وأوراد
وراوحيهِ رَذاذاً منكِ يبعثهُ / حَيّاً كما تبعثُ الموتى بميعاد
مالي وللهمِّ تَصليني لوافحُهُ / ألستِ يا نسمةَ الوادي بمِرصاد
مُرِّي بنفحتِكِ الرضيّا على كبدٍ / أقلُّ ما تشتكيهِ غُلةَ الصادي
فما لشيءٍ سوى أن تبعثَي نَفَساً / فاضَ الغمامُ وصابَ الرائحُ الغادي
وليست الريحُ يُهدي الله نفحتهَا / لنا بل الرُوحُ يُوحيها لأجساد
ردّ الربيع صنوفَ الحسن يقسمُها / شطرينِ ما بين أنشازٍ وأوهاد
يهدي به اللهُ إشفاءاً لذي سَقَمٍ / من النفوس وإشفاقاً بمُرتاد
هو الربيعُ وأبهى ما يُزهِّدني / عن الحضارة فيه نجعةُ البادي
أنا الحنيف وهذي الارضُ مُعشبة / سَجَّادتي ورقيقُ الشعر أورادي
ماكان لله أديانٌ مضاعفةٌ / لولا تعصبُ أحفادٍ لأجداد
أين الذين أماتَ الحبُّ أنفسَهم / حتى قَضوا فيه عُشّاقاً كزُهّاد
الضاربينَ خيام الحب طاهرة / والداعميها من التقوى بأوتاد
والمُطربين لشكوى الحبِّ مُعلَنةً / مستبدلين بها عن جَسِّ أعواد
مواظبين على الآدابِ ما انتقدوا / لحبِّهِمْ غيرَ أكفاءٍ وأنداد
لم يُبلَ قيسٌ وفرهادٌ كما بُليِتْ / ليلى بقيسٍ وشيرينٌ بفَرهاد
جيل من الناس عدواهم لاخوتِهم / من الخبائثِ عَدوى السُم في الزاد
يستظهرون لساني أن يجازفَهم / ويعلمُ الله أن الصدقَ معتادي
كلَّفتمُوني من الأقوال أصعبَها / نطقاً كما كُلِّفَ الأعجامُ بالضاد
اضرّ بي من سجاياكم توقُّعكم / ان لا تففُتَّ سجاياكم بأعضادي
ما ضّضرني غضَبث الدنيا باجمعها / أن كان يُرضي ضميري صدقُ إنشادي
حُسن اختباري لأشباهي ونيّتِهم / في الصنع حَسَّنَ في عينيَّ اضدادي
عَدتني أن أزوركمُ عوادي
عَدتني أن أزوركمُ عوادي / فلا تُشْجوا بكتبكُمُ فؤادي
عجيبٌ ما أرتنيه الليالي / وأعجب منه أن سلم اعتقادي
بأيسر من أذاي ومن شَكاتي / رمى الناسُ " المعرّي " بارتداد
وما في هِمَّتي قِصرٌ ولكن / قدحتُ مطالبي فكبا زنادي
سلِ الأيامَ ما أنكرنَ مني / كريمَ الخِيم أم شرفَ الوِلاد
أرقُّ من النسيم الغضَّ طبعي / وأحمل ما يشقُّ على الجماد
فيا نفسي على الحسرات قَرّي / فأين مُراد دهركِ من مرادي
ولا ترِدي ماردَ صافيات / إذا ما كان حتماً أن تذادي
أينكر إلفتي حتى صحابي / وتنبو الأرض بي حتى بلادي
ومن عجب تضيعني وذكري / تردّده المحافل والنوادي
أيدري من يردِّدها حساناً / خلاءً من زِحتف أو سناد
تناقَلُها الرُّواة بكلّ فجٍّ / وتُهديها الحواضر للبوادي
بأن الشعرَ تشرب من عيوني / قوافيه وتأكل من فؤادي
أتت زمراً فهدَّدت البلادا
أتت زمراً فهدَّدت البلادا / خطوبٌ هزَّت الحجرَ الجمادا
فيا وطناً تناهبتِ الرزايا / حُشاشتَه وأقلقتِ المهادا
برغمي أنَّ داءك لاأقيه / وجرَحكَ لاأطيق له ضمادا
وأنْ يِردوا مياهَكَ صافياتٍ / مرقرقةً وأنْ أرِدَ الثمادا
وأن تصفو مواردُهم فتحلوا / لهمْ وبنوكً لا يَجِدونَ زادا
تدفقْ ماءَ دجلة فاخترقْها / سهولاً طبنَ مرعىً أو وهادا
وجلّلْها عميمَ النبت واخلعْ / عليها الحُسْنَ وافرُشْه وسادا
وقُلْ للزارع المسكين يزرعْ / ويتركه إذا بلغ الحصادا
أراد السوطُ أن نشقى ليهنوا / وماضٍ حكم "سوطٍ " إنْ أرادا
وسيّدُ نفسه شعبٌ ولكنْ / قضى الفردُ المسلَّطُ أن يُسادا
ألا ساعٍ ولو بخيال طيفٍ / يبشّر أنَّ عصَ الظلم بادا
أخُلانَ العبادِ على استواءٍ / لِمن وعلى مَ اسلَمْتِ العِبادا
رأوا في الرافدين ثرىً خصيباً / يروقُ العين فانتشروا جرادا
سل النشءَ الجديدَ حماه ربي / أيقدِر أنْ يُبلّغنَا المرادا
أيقدر أن يُري التاريخ سعياً / متى نمرُرْ عليه نقلْ أجادا
وأن يسعى ليصلحها شعوباً / بنوها أوسعت فيها فسادا
فانَّ على الوجوه سماتِ خيرٍ / حساناً تكشف الكُرَبَ الشدادا
مدارسَنا احفظي الأولد إنا / وضعنا بين أضلعك الفؤادا
أريهم واجبَ الوطنِ المفدَّى / لكيما يُحسنوا عنه الجهادا
أريهمْ أننا بالعلم ننمو / كما ينمو الثرى سُقِي العهادا
أريهم أننا نبغي رجالاً / نسود بها الممالك لا سوادا
أشبَّانَ العراق لكم ندائي / ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى
ألستم إنْ نبا بالشعب خطبٌ / نضيناكمْ له قضباً حدادا
وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداً / وبعد الله بالنشء اعتضادا
لساني نافثٌ سماً وطبعي / يلطفُه فتحسبُه شِهادا
لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ / فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا