المجموع : 29
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي
شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي / وَالشَوقُ إِن جَدَّدتَهُ يَتَجَدَّدُ
دَع عَنكَ نُصحي بِالتَبَلُّدِ ساعَةً / يا صاحِ قَد ذَهَبَ الأَسى بِتَبَلُّدي
ما زادَ في أَسَفِ الحَزين وَشَجوِهِ / شَيءٌ كَقَولِكَ لِلحَزينِ تَجَلَّدِ
ما زُلتُ أَعصيهِ إِلى أَن هاجَني / ذِكرُ الحِمى فَعَصَيتُ كُلَّ مُفَنَّدِ
وَأَطارَ عَن جَفني الكَرى وَأَطارَني / عَن مَرقَدي مَشيُ الهُمومِ بِمَرقَدي
في جُنحِ لَيلٍ مِثلِ حَظّي حالِكٍ / كَالبَحرِ ساجٍ مُقفِرٍ كَالفَدفَدِ
أَقبَلتُ أَنظُرُ في النُجومِ مُصَعِّداً / عَينَيَّ بَينَ مُصَوِّب وَمُصَعِّدِ
أَو واجِفٍ أَو راجِفٍ مُتَرَجرِجِ / أَو نافِرٍ أَو حائِرٍ مُتَرَدِّدِ
يَمشينَ في هَذا الفَضاء وَفَوقَهُ / وَكَأَنَّما يَمشينَ فَوقَ الأَكبُدَ
وَالبَدرُ مُنبَعِثُ الشُعاعِ لَطيفُهُ / صافٍ كَذِهنِ الشاعِرِ المُتَوَقِّدِ
ما زالَ يَنفُذُ في الدُجى حَتّى اِستَوى / فيهِ فَيا لَكَ أَبيَضاً في أَسوَدِ
وَالشُهبُ تَلمَعُ في الرَفيعِ كَأَنَّها / أَحلامُ أَرواحِ الصِغارِ الهُجَّدِ
يَنظُرنَ عَن كَثَبٍ إِلَيهِ خِلسَةً / نَظَرَ المِلاحِ إِلى الغَريرِ الأَمرَدِ
فَعَجِبتُ مِمَّن نامَ مِلءَ جُفونِهِ / وَالكَونُ يَشهَدُ مِثلَ هَذا المَشهَدِ
وَرَأَيتُني فَوقَ الغَمامِ مُحَلِّقاً / في الأُفقِ ما بَينَ السُها وَالفَرقَدِ
فَسَمِعتُ صَوتاً مِن بَعيدٍ قائِلاً / يا أَيُّها الساري مَكانَكَ تُحمَدِ
ما دُمتَ في الدُنيا فَلا تَزهَد بِها / فَأَخو الزَهادَةِ مَيِّتٌ لَم يُلحَدِ
لا تَقنَطَنَّ مِنَ النَجاحِ لِعَثرَةٍ / ما لا يَنالُ اليَومَ يُدرَكَ في غَدِ
كَم آكِلٍ ثَمَراً سَقاهُ غَيرُهُ / دَمَه وَكَم مِن زارِعٍ لَم يَحصُدِ
لَو كانَ يَحصُدُ زَرعُهُ كُلُّ اِمرِئٍ / لَم تُخلَقِ الدُنيا وَلَم تَتَجَدَّدِ
بِالذِكرِ يَحيا المَرءُ بَعدَ مَماتِهِ / فَاِنهَض إِلى الذِكرِ الجَميل وَخَلَّدِ
فَلَئِن وُلِدت وَمُتَّ غَيرَ مُخَلَّدٍ / أَثراً فَأَنتَ كَأَنَّما لَم تولَدِ
حَتّى ما في لا شَيءَ يَقتَتِلُ الوَرى / إِنَّ الحِمامَ عَلى الجَميعِ بِمَرصَدِ
طاشَت حُلومُ المالِكينَ فَذاهِلٌ / لا يَستَفيق وَحائِرٌ لا يَهتَدي
وَأَفَقتُ إِذا قَطَعَ الكَلامَ مُكَلِّمي / فَنَظَرتُني فَإِذا أَنا لَم أَصعَدِ
ما لِلكَواكِبِ لا تَنام وَلا تَني / قَد طالَ سُهدُكِ يا كَواكِبُ فَاِرقُدي
كَم تَنظُرينَ إِلى الثَرى مِن حالِقٍ / ما في الثَرى لِأَخي الأَسى مِن مُسعِدِ
أَو ما تَريني عِندَما اِشتَدَّ الدُجى / وَاِشتَدَّ دائي نامَ عَنّي عُوَّدي
حَتّى لَقَد كادَ القَريضُ يَقعُقُّني / وَيَصونُ عَنّي مائَه وَأَنا الصَدي
أُمسي أَهُمُّ بِه وَيَظلَعُ خاطِري / فَكَأَنَّما أَنا ماتِحٌ مِن جَلمَدِ
لا تَسأَليني لِما سَهِدتُ فَإِنَّني / لَو كانَ في وُسعي الكَرى لَم أَسهَدِ
صَرَفَت يَدُ البَلوى يَدي عَن أَمرِها / ما خِلتُ أَمري قَطُّ يَخرُجُ مِن يَدي
في أَضلُعي نارٌ أَذابَت أَضلُعي / وَمَشَت إِلى كَبِدي وَلَمّا تَخمَدِ
أَخشى عَلى الأَحشاءِ مِن كِتمانِها / وَأَخافُ أَن أَشكو فَيَشمَتَ حُسَّدي
وَمَليحَةٍ لا هِندُ مِن أَسمائِها / كَلّا وَلَيسَت كَالحِسانِ الخُرَّدِ
نَشَزَ الجَواري وَالإِماءُ تَمَرَّدَت / وَوَنَت فَلَم تَنشُز وَلَم تَتَمَرَّدِ
في النَفسِ مِنها ما بِها مِن دَهرِها / أَزكى السَلامِ عَلَيكِ أَرضَ المَوعِدِ
يا لَيتَ شِعري كَم أَقولُ لَها اِنهَضي / وَتَقولُ أَحداثُ الزَمانِ لَها اِقعُدي
لَيسَ الَّذي لاقَتهُ هَيناً إِنَّما / حِملُ الأَذى هَيِّنٌ عَلى المُتَعَوِّدِ
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي
قُل لِلحَمائِمِ في ضِفافِ الوادي / يا لَيتَكُنَّ عَلى شَغافِ فُؤادي
لِتَرَيَنَّ كَيفَ تَبَعثَرَت أَحلامُهُ / وَجَرَت بِهِ الآلامُ خَيلَ طِرادِ
كانَت تَشُعُّ عَلى جَوانِبِهِ المُنى / فَخَبَت وَبَدَّلَ جَمرَها بِرَمادِ
أَسعِدنَهُ فَعَسى يَخُفُّ وُلوعُهُ / إِنَّ الشَجِيَّ أَحَقُّ بِالإِسعادِ
ذَهَبَ الصِبا وَبَقَيتِ في حَسَراتِهِ / لَيتَ الأَسى مِثلَ الصِبا لِنَفادِ
إِنَّ الشَبابَ هُوَ الغِنى فَإِذا مَضى / وَأَقَمتَ لا يَنفَكُّ فَقرَكَ بادي
أَمسَيتُ أَنظُرُ في الحَياةِ فَلا أَرى / إِلّا سَواداً آخِذاً بِسَوادِ
أَلقى الصَباحَ فَلا يَطولُ تَأَمُّلي / حَتّى يَحولُ شُعاعُهُ لِصَعادِ
وَإِذا تُقابِلُني النُجومُ تَخاوَصَت / فَكَأَنَّما هِيَ أَعيُنُ الحُسّادِ
ما ثَمَّ ذِكرى إِذا خَطَرَت عَلى / قَلبي اِستَراحَ سِوى خَيالِ الوادي
أَفَلا تَزالُ الشَمسُ تَصبُغُ وَجهَهُ / بِالوَرسِ آوِنَة وَبِالفِرصادِ
أَفَلا يَزالُ يَذوبُ في أَمواجِهِ / ذَهَبُ الأَصيل وَفَضَّةُ الآرادِ
لَهَفي إِذا وَرَدَ الرِفاقُ عَشِيَّةً / وَذَكَرتُ أَنّي لَستُ في الرُوّادِ
وَإِذا الحَمامُ شَدا وَصَفَّقَ مَوجُهُ / أَن لا أُصَفِّقَ لِلحِمامِ الشادي
وَإِذا النَخيلُ تَطاوَلَت أَظلالُهُ / أَن لا يَكونَ مِظَلَّتي وَوِسادي
وَإِذا الكَواكِبُ رَصَّعَت آفاقُهُ / أَن لا يَكونَ لِرَعيِهِنَّ سُهادي
ذُقتُ الهَوى وَعَرَفتُهُ في شَطِّهِ / إِنَّ الهَوى لِلمَرءِ كَالميلادِ
لا تُدرِكُ الأَكبادُ سِرَّ وُجودِها / حَتّى يَجولُ الحُبُّ في الأَكبادِ
ما عُشتُ لَم يَمسُس جَوانِحَكَ الهَوى / لَم نَدرِ ما في العَيشِ مِن أَمجادِ
لا تُبصِرُ العَينُ الرِياض وَحَليَها / إِلّا عَلى ضَوءِ الصَباحِ الهادي
وَطَنانِ أَشوَقُ ما أَكونُ إِلَيهِما / مِصرُ الَّتي أَحبَبتُها وَبِلادي
وَمَواطِنُ الأَرواحِ يَعظُمُ شَأنَها / في النَفسِ فَوقَ مَواطِنِ الأَجسادِ
حِرصي عَلى حُبِّ الكِنانَةِ دونَهُ / حِرصُ السَجينِ عَلى بَقايا الزادِ
بَلَدَ الجَمالي خَفِيِّه وَجَلِيِّهِ / وَالفَنِّ مِن مُستَطرِف وَتِلادِ
عَرَضَت مَواكِبَها الشُعوبُ فَلَم أَجِد / إِلّا بِمِصرَ نَضارَةَ الآبادِ
كَم مِن دَفينٍ في ثَراها لَم يَزَل / كَالحَيِّ ذا مِقَة وَذا أَحقادِ
وَمُشَيَّدٍ لِلناسِ إِذ يَغشونَهُ / مِن كُلِّ أَرضٍ خِشيَةَ العُبّادِ
عاشَ الجُدود وَأَثَّلوا ما أَثَّلوا / وَاليَومَ يَنبَعِثونَ في الأَحفادِ
المُسبِغينَ عَلى النَوابِغِ فَضلَهُم / كَالفَجرِ مُنبَسِطاً عَلى الأَطوادِ
أَبناءَ مِصرَ الناهِضينَ تَحِيَّةً / كَوَدادِكُم إِن لَم أَقُل كَوَدادي
مِن شاعِرٍ كَلِفٍ بِكُم وَبِأَرضِكُم / أَبَداً يُوالي فيكُم وَيُعادي
إِن تُكرِموا شَيخَ الصَحافَةِ تُكرَموا / أَسنى الكَواكِبِ في سَماءِ الضادِ
خَلَعَ الشَبابُ عَلى الكِنانَةِ مُطرَفاً / هُوَ كَالرَبيعِ عَلى رُبىً وَوِهادِ
ما زالَ يُقحِمُ في الجَهالَةِ نورُهُ / حَتّى تَقاصَرَ لَيلُها المُتَمادي
بِصَحيفَةٍ نورُ العُيونِ سَوادُها / وَبَياضُها مِن ناصِعِ الأَجيادِ
يُنبوعُ مَعرِفَة وَهَيكَلُ حِكمَةٍ / وَوِعاءُ آداب وَكُنزُ رَشادِ
أَغلى المَواهِب وَالعُقولِ رَأَيتُها / سَكَنَت قُصورَ مَهارِق وَمِدادِ
ذِكرُ المَجاهِدِ في الحَقيقَةِ خالِدٌ / وَيَزولُ رُبَّ السَيف وَالأَجنادِ
لَولا جَبابِرَةُ القَرائِحِ لَم يَسِر / في الأَرضِ ذِكرُ جَبابِرِ القُوّادِ
ما ذَلَّلتُ سُبُلَ المَعالي أُمَّةٌ / إِلّا بِقُوَّةِ مُصلِحٍ أَو هادي
صَرّوفٌ يَسأَلُكَ الأَنامُ فَقُل لَهُم / كَم في حَياتِكَ ساعَةَ اِستِشهادِ
طَلَعَ القُنوطُ عَلَيكَ مِن أَغوارِهِ / فَرَدَدتَ طائِرَه وَجَأشُكَ هادي
وَمَضَيتَ تَستَقصي الحَياة وَسِرَّها / في كُلِّ عاقِلَة وَكُلِّ جَمادِ
حَتّى لَكِدتَ تُحِسَّ هاجِسَةَ المُنى / وَتَبينَ كَم في النَفسِ مِن أَضدادِ
أَنتَ الَّذي أَسرَت بِهِ عَزَماتُهُ / وَالدَربُ غامِضَةٌ عَلى الرُوّادِ
وَاللَيلُ آفاتٌ عَلى أَغوارِها / وَالهَولُ أَنجادٌ عَلى الأَنجادِ
إِنَّ الحَقائِقَ أَنتَ ناشِرٌ بَندَها / في حينِ كانَ العِلمُ كَالإِلحادِ
وَالعَقلُ في الشَرقِيِّ مِن أَوهامِهِ / كَالنَسرِ في الأَوهاق وَالأَصفادِ
تَشقى مَتى تَشقى الشُعوبُ بِجَهلِها / وَتَعُزُّ حينَ تَعُزُّ بِالأَفرادِ
الساهِرينَ اللَيلَ مِثلَ نُجومِهِ / فَكَأَنَّهُم لِلدَهرِ بِالمِرصادِ
الباذِلينَ نُفوسَهُم لَم يَسأَلوا / وَعَلى النُفوسِ مَدارِعُ الفولادِ
خَفَضوا جَناحَهُم وَتَحتَ بُرودِهِم / هِمَمُ المُلوك وَصَولَةُ المُرّادِ
لَهُمُ الزَمانُ قَديمُه وَحَديثُهُ / ما الناسُ في الدُنيا سِوى الآحادِ
إِنَّ الأَنامَ عَلى اِختِلافِ عُصورِهِم / جَعَلوا لِأَهلِ العِلمِ صَدرَ النادي
ما العيدُ لِلخَمسينَ بَل عيدُ النُهى / وَفُنونِه وَالخاطِرِ الوَقّادِ
عيفدُ الحَصافَة وَالصَحافَةِ كُلِّها / في مِصرَ في بَيروتَ في بَغداسدِ
ما العَيشُ بِالأَعوامِ كَم مِن حِقبَةٍ / كَالمَحوِ في عُمرِ السَوادِ العادي
العُمرُ إِلّا بِالمَآثِرِ فارِغٌ / كَالقَفرِ طالَ بِهِ عَناءُ الحادي
وَسِوى حَياةِ العَبقَرِيِّ نَقيسُها / فَتُقاسُ بِالآجال وَالآمادِ
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى
يا أَيُّها الشادي المُغَرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
الفَنُّ فيكَ سَجِيَّةٌ لا صَنعَةٌ / وَالحُبُّ عِندَكَ كَالطَبيعَةِ سَرمَدي
فَإِذا سَكَتَّ فَأَنتَ لَحنٌ طائِرٌ / وَإِذا نَطَقتَ فَأَنتَ غَيرُ مُقَلِّدِ
لِلَّهِ دَرُّكَ شاعِراً لا يَنتَهي / مِن جَيِّدٍ إِلا صَبا لِلأَجوَدِ
مَرَحُ الأَزهارِ في غِنائِك وَالشَذى / وَطَلاقَةُ الغُدران وَالفَجر وَالنَدى
وَكَأَنَّ زَورَكَ فيهِ أَلفُ كَمَنجَةٍ / وَكَأَنَّ صَدرَكَ فيهِ أَلفُ مُرَدِّدِ
كَم زَهرَةٍ في السَفحِ خادِرَةِ المُنى / سَكَنَت عَلى يَأسٍ سُكونَ الجَلمَدِ
غَنَّيتَها فَاِستَيقَظَت وَتَرَنَّحَت / وَتَأَلَّقَت كَالكَوكَبِ المُتَوَقِّدِ
وَجَرى الهَوى فيها وَشاعَ بَشاشَةً / مَن لَم يُحِبَّ فَإِنَّهُ لَم يولَدِ
وَكَأَنَّي بِكَ حينَ تَهتِفُ قائِلٌ / لِلزَهرِ إِنَّ الحُسنَ غَيرُ مُخَلَّدِ
فَاِستَنفِذي في الحُبِّ أَيّامَ الصِبا / وَاِستَرشِديهِ فَهوَ أَصدَقُ مُرشِدِ
وَاِستَشهِدي فيهِ فَمِن سُخرِ القَضا / أَن لا تَذوقيه وَأَن تُستَشهَدي
يا فَيلَسوفاً قَد تَلاقى عِندَهُ / طَرَبُ الخَلِي وَحَرقَهُ المُتَوَجِّدِ
رَفَعَ الرَبيعُ لَكَ الأَرائِكَ في الرُبى / وَكَسا حَواشيها بُرودَ زَبَرجَدِ
أَنتَ المَليكُ لَهُ الضِياءُ مَقاصِرٌ / وَتَعيشُ عَيشَ الناسِكِ المُتَزَهِّدِ
مُستَوفِزاً فَوقَ الثَرى مُتَنَقِّلاً / في الدَوحِ مِن غُصنٍ لِغُصنٍ أَملَدِ
مُتَزَوِّداً مِن كُلِّ حُسنٍ لَمحَةً / شَأنَ المُحِبِّ الثائِرِ المُتَمَرِّدِ
وَإِذا ظَفِرتَ بِنَفحَة وَبِقَطرَةٍ / فَلَقَد ظَفِرتَ بِرَوضَة وَبِمَورِدِ
تَشدو وَتَبهَتُ حائِراً مُتَرَدِّداً / حَتّى كَأَنَّكَ حينَ تُعطي تَجتَدي
وَتَمُدُّ صَوتَكَ في الفَضا مُتَلَهِّفاً / في ذَلَّةِ المُستَرحِمِ المُستَنجِدِ
فَكَأَنَّما لَكَ مَوطِنٌ ضَيَّعتُهُ / خَلفَ الكَواكِبِ في الزَمانِ الأَبعَدِ
وَطَنٌ جَميلٌ كُنتَ فيهِ سَيِّداً / فَمَضى وَدامَ عَلَيكَ هَمُّ السَيِّدِ
طورِدتَ عَنهُ إِلى الحَضيضِ فَلَم تَزَل / مُتَلَفِّتاً كَالخائِفِ المُتَشَّرِدِ
يَبدو لِعَينِكَ في العَتيقِ خَيالُهُ / وَتَراهُ في وَرَقِ الغُصونِ المَيَّدِ
صُوَرٌ مُعَدَّدَةٌ لِغَيرِ حَقيقَةٍ / كَالآلِ لاحَ لِمُعطِشٍ في فَدفَدِ
فَتَهُمُّ أَن تَدنو إِلَيه وَتَنثَني / حَتّى كَأَنَّكَ خائِفٌ أَن تَهتَدي
وَكَأَنَّهُ حُلمٌ يَصُحُّ مَعَ الكَرى / فَإِنِ اِنتَهَيتَ مِنَ الكَرى يَتَبدَّدِ
كَم ذا نُفَتِّشُ في السُفوح وَفي الذُرى / وَنقاءُ أَقرَبُ مِنهُ لِلمُتَصَيِّدِ
يا أَيُّها الشادي المُغرِّدُ في الضُحى / أَهواكَ إِن تُنشِد وَإِن لَم تُنشِدِ
طوباكَ إِنَّكَ لا تُفَكِّرُ في غَدٍ / بَدءُ الكَآبَةِ أَن تُفَكِّرَ في غَدِ
إِن كُنتَ قَد ضَيَّعتَ إِلفَكَ إِنَّني / أَبكي طَلى إِلفي الَّذي لَم يوجَدِ
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً / مُتَثاقِلاً كَالخائِفِ المُتَرَدِّدِ
حَتّى لِيَحسَبَهُ أَسيراً موثَقاً / وَيَراهُ أَبطَأَ مِن كَسيحٍ مُقعَدِ
وَيَخالُ حاجَتَهُ الَّتي يَصبو لَها / في دارَةِ الجَوزاءِ أَو في الفَرقَدِ
وَيَكونُ ما يَرجوهُ زَورَةَ صاحِبٍ / وَيَكونُ أَبعَدَ ما يُرَجّي في غَدِ
فَإِذا تَوَلّى النَفسَ خَوفٌ في الضُحى / مِن واقِبٍ تَحتَ الدُجى أَو مُعتَدِ
طارَت بِها خَيلُ الزَمان وَنوقُهُ / نَحوَ الزَمانِ المُدلَهِمِّ الأَسوَدِ
فَكَأَنَّها مَحمولَةٌ في بارِقٍ / أَو عارِضٍ أَو عاصِفٍ في فَدفَدِ
وَيَكونُ أَقصَرَ ما يَكونُ إِذا الفَتى / مَدَّت لَهُ الدُنيا يَدَ المُتَوَدِّدِ
فَتَوَسَّطَ اللَذاتِ غَيرَ مُنَفِّرٍ / وَتَوَسَّدَ الأَحلامَ غَيرَ مُنَكَّدِ
فَإِذا لَذيذُ العَيشِ نَغبَةَ طائِرٍ / وَإِذا طَويلُ الدَهرِ خَطرَةَ مَرودِ
وَإِذا الفَتى لَبِسَ الأَسى وَمَشى بِهِ / فَكَأَنَّما قَد قالَ لِلزَمَنِ اِقعُدِ
فَإِذا الثَواني أَشهُر وَإِذا الدَقا / إِقُ أَعصُر وَالحُزنُ شَيءٌ سَرمَدي
وَإِذا صَباحُ أَخي الأَسى أَو لَيلُهُ / مُتَجَدِّدٌ مَعَ هَمِّهِ المُتَجَدِّدِ
قَهَرَ الوَرى وَأَذَلَّهُم أَنَّ الوَرى / مُتَعَلِّلٌ أَو طامِعٌ أَو مُجتَدِ
جَعَلوا رَغائِبَهُم قِياسَ زَمانِهِم / وَالدَهرُ أَكبَرُ أَن يُقاسَ بِمَقصَدِ
وَقَتَلتُ في نَفسي الرَغائِب وَالمُنى / فَقَهَرتُهُ بِتَجَرُّدي وَتَزَهُدي
يَشكو الَّذي يَشكو السُهادَ جُفونَهُ / لَو لَم يَكُن ذا ناظِرٍ لَم يَسهَدِ
إِن كانَ شَيءٌ لِلنَفادِ أُعِدُّهُ / فيما اِنقَضى وَمَضى وَإِن لَم يَنفَدِ
ما أَن رَأَيتُ الكُحلَ في حَدَقِ المَهى / إِلّا لَمَحتُ الدودَ خَلفَ الأَثمَدِ
مَن لَيسَ يَضحَك وَالصَباحُ مُوَرِّدٌ / لِم يَكتَإِب وَالصُبحُ غَيرَ مُوَرِّدِ
سِيّانِ أَحلامٌ أَراها في الكَرى / عِندي وَأَشياءٌ بِها اِشتَمَلَت يَدي
أَنا في الزَمانِ كَمَوجَةٍ في زاخِرٍ / أَنا فيهِ إِن يُزيد وَإِن لَم يُزيدِ
مَهما تَلاطَمَ فَهوَ لَيسَ بِمَغرَقي / أَو مَخرَجي مِنه وَلا بِمُبَدِّدي
هَيهاتِ ما أَرجو وَلا أَخشى غَداً / هَل أَرتَجي وَأَخافُ ما لَم يوجَدِ
وَالأَمسُ فِيَّ فَكَيفَ أَحسَبُهُ اِنتَهى / أَفَما رَأَيتُ الأَصلَ في الفَرعِ النَدي
قَبلٌ كَبَعدٍ حالَةٌ وَهمِيَّةٌ / أُمسي أَنا يَومي أَنا وَأَنا غَدي
وَقَعَت نَحلَةٌ عَلى الأُقحُوانِ
وَقَعَت نَحلَةٌ عَلى الأُقحُوانِ / فَإِذا في القَفيرِ شُهدُ
وَمَشَت بَعدَها عَلى الأَغصانِ / دودَةٌ فَالغُصونُ جُردُ
وَهَمى الغَيثُ في الحُقولِ فَفيها / شَجَرٌ وارِف وَزَهرُ
وَأَصابَ الرِمالَ كَي يُحيِيها / فَهَما مَيِّت وَقَبرُ
أَنا غَيثٌ فَإِن وَجدتُكَ حَقلاً / فَأَنا العُشب وَالشَجَر
غَيرَ أَنّي إِذا لَقيتَكَ رَملاً / لَستُ شَيئاً حَتّى المَطَر
وَأَنا الأُقحُوانُ سِيّانَ عِندي / عِشتُ يَوماً أَو بَعضَ يَومِ
لا أُبالي الفَناءَ إِن كانَ مَجدي / في فَناءِ أَو مَجدُ قَومي
إِن تَغِب في فَراشَةٍ أَلواني / فَأَنا في زَهرَةٌ تَطيرُ
وَإِذا اِنحَلَّ في الشُعاعِ كَياني / فَأَنا في الضُحى عَبيرُ
جَنِّبوني الفَناءَ في الديدانِ / إِنَّهُ المَصرَعُ الكَريه
وَاِنعِدامُ الأَريج وَالأَلوانِ / وَاِندِثارٌ لا مَجدَ فيه
كُن شُعاعاً يَبينُ فيهِ كَياني / لا ظَلاما وَلا رَغام
وَلأَعيش في الشُعاعِ بِضعَ ثَوانِ / فَهيَ خَيرٌ مِن أَلفِ عام
وَرَبَّتَ أَمريكِيَّةٍ خِلتُ وِدَّها
وَرَبَّتَ أَمريكِيَّةٍ خِلتُ وِدَّها / يَدوم وَلَكِن ما لِغانِيَةٍ وُدُّ
صَبَوتُ إِلى هِندٍ فَلَمّا رَأَيتُها / سَلَوتُ بِها هِندا وَما صَنَعَت هِندُ
وَأَوحَت لَها عَينايَ أَنَّ صَبابَةً / تُلَجلِجُ في صَدري وَأَحذَرُ أَن تَبدو
فَأَلقَت في تُرابِها وَتَبَسَّمَت / أَعيٌ سُكوتُ الصَبِّ أَم صَمتُهُ عَمدُ
فَقُلتُ سَلامُ اللَهِ قالَت وَبِرُّهُ / فَقُلتُ أَهَزلٌ ذَلِكَ القَولُ أَم جَدُّ
وَأَمسَكتُ أَنفاسي وَأَرهَفتُ بِسَمعي / فَفي نَفسي جَزر وَفي مِسمَعي مَدُّ
فَقالَت وَدِدنا لَو عَرِفنا مِنَ الفَتى / وَما يَبتَغيهِ قُلتُ ما يَبتَغي العَبدُ
لَهُ كَبِدٌ حَرّى وَقَلبٌ مُكلَمٌ / غَلِطتُ فَما لِلصَبِّ قَلب وَلا كَبِدُ
قَتيل وَلَكِن ثَوبُهُ كَفَنٌ لَهُ / وَكُلُّ مَكانٍ يَستَريحُ بِهِ لَحدُ
فَإِن لَم يَكُن مِن نَظرَةٍ تَرأَبُ الحَشا / فَرُدّي عَلَيهِ قَلبُه وَبِهِ زُهدُ
فَضَرَّجَ خَدَّيها اِحمِرارٌ كَأَنَّما / تَصاعَدَ مِن قَلبي إِلى خَدِّها الوَجدُ
وَقَرَّبَها مِنّي وَقَرَّبَني الهَوى / إِلى أَن ظَنَنّا أَنَّنا واحِدٌ فَردُ
وَكَهرَبَ روحَينا فَلَمّا تَنَهَّدَت / تَنَهَّدتُ حَتّى كادَ صَدري يَنهَدُّ
وَكانَ حَديثٌ خِلتُ أَنّي حَفِظتُهُ / فَأَذهَلَني عَنهُ الَّذي كانَ مِن بَعدُ
أَمَرتُ فُؤادي أَن يُطيعَ فُؤادَها / فَيَبكي كَما تَبكي وَتَشدو كَما تَشدو
وَقُلتُ لِنَفسي هَذِهِ مُنتَهى المُنى / وَهَذا مَجالَ الشُكرِ إِن فاتَكَ الحَمدُ
فَإِن تَرغَبي عَنها وَفيكِ بَقِيَّةٌ / فَما أَنتِ نَفسي إِنَّما أَنتِ لِيَ ضِدُّ
وَمَرَّت لَيال وَالمُنى تَجذِبُ المُنى / وَقَلبي كَما شاءَت يَلين وَيَشتَدُّ
تَروح وَتَغدو وَاللَيالي كَأَنَّها / وُقوفٌ لِأَمرٍ لا تَروحُ وَلا تَغدو
وَما زُلتُ تَستَخفي عَلَيَّ عُيوبُها / إِلى أَن تَوَلّى الغَي وَاِتَّضَحَ الرُشدُ
رَأى الدَهرُ سَدّاً حَولَ قَلبي وَقَلبَها / فَما زالَ حَتّى صارَ بَينَهُما السَدُّ
خُدِعتُ بِها وَالحُرُّ سَهلٌ خِداعُهُ / فَلا طالِعي يُمن وَلا كَوكَبي سَعدُ
وَكُنّا تَعاهَدنا عَلى المَوتِ في الهَوى / فَما لَبِثَت إِلّا كَما يَلبَثُ الوَردُ
كَأَنّي ما أَلصَقتُ ثَغري بِثَغرِها / وَلا باتَ زِندي وَهوَ في جيدِها عِقدُ
وَلَم نَشتَمِل بِاللَيل وَالحَيُّ نائِمٌ / وَلَم نَستَتِر بِالرَوض وَاللَيلُ مُمتَدُّ
وَلا هَزَّنا شَدوُ الحَمائِمِ في الضُحى / وَلا ضَمَّنا بَيت وَلَم يَحوِنا بُردُ
أَإِن لاحَ في فودي القَتيرُ نَكَرتِني / أَيَزهَدُ في الصَمصامِ إِن خَلِقَ الغِمدُ
لَئِن كانَ لَونُ الشَعرِ ما تَعشَقينَهُ / فَدُم أَبيَضاً ما دُمتَ يا شَعرِيَ الجَعدُ
فَلا تَشمَتي مِنّي فَلَستُ بِمَأمَنٍ / وَلا تَزهَدي فيهِ فَلَيسَ بِهِ زُهدُ
هُوَ الفاتِحُ الغازي الَّذي لا تَرُدُّهُ / عَنِ الفاتِحِ الغازي قِلاع وَلا جُندُ
فَلَو كانَ غَيرَ الشَيبِ عَنّي صَرفتُهُ / وَلَكِنّنَ حُكمَ اللَهِ لَيسَ لَهُ رَدُّ
وَإِن تُعرِضي عَن مَفرِقي وَهوَ أَبيَضٌ / فَيا طالَما قَبَّلتِه وَهوَ مُسوَدُّ
شَفى اللَهُ نَفسي لا شَفى اللَهُ نَفسَها / وَلا غابَ عَن أَجفانِها الدَمع وَالسُهدُ
فَلا ثَغرُها دُر وَلا أُقحُوانَةٌ / وَلا دَمعُها طَل وَلا ريقُها شُهدُ
وَلا قَدُّها غُصن وَلا خَيرَزانَةٌ / وَلا خَصرُها غَور وَلا رِدفُها نَجدُ
وَلا وَجهُها شَمس وَلا شَعرُها دُجىً / وَلا صَدُّها حَر وَلا وَصلُها بَردُ
أُحَبُّ إِلى نَفسي الرَدى مِن لِقائِها / وَأَجمَلُ في عَينَيَّ مِن وَجهِها القِردُ
فَإِن تَلمَسِ الثَوبَ الَّذي أَنا لابِسٌ / قَدَدتُ بِكَفِّيَ الثَوبَ مِن قَبلُ يَنقَدُّ
وَإِن تَقرُبِ الدارَ الَّتي أَنا ساكِنٌ / هَجَرتُ مَغانيها وَلَو أَنَّها الخُلدُ
فَإِن كانَ غَيري لَم يَزَل دينُهُ الهَوى / فَإِنّي وَلا أَخشى المَلامَة مُرتَدُّ
جَلَستُ إِلَيها وَالتَرامُ بنا يَعدو
جَلَستُ إِلَيها وَالتَرامُ بنا يَعدو / إِلى حَيثُ لا واشٍ هُناك وَلا ضِدُّ
قَدِ اِنتَظَمت هَذي القِطاراتُ في الثَرى / كَأَنَّ الثَرى جيد وَتِلكَ لَها عَقدُ
بَلى هِيَ عَقدٌ بَل عُقودٌ أَلا تَرى / عَلى الأَرضِ أَسلاكاً تَدورُ فَتَمتَدُّ
يَسيرُ فَيَطوي الأَرضَ طَيّاً كَأَنَّما / دَواليبُهُ أَيدي كَأَنَّ الثَرى بُردُ
فَكَالطَودِ إِلّا أَنَّ ذَيّاكَ ثابِتٌ / وَكَالريحِ إِلّا أَنَّ هاتيكَ لا تَبدو
تَوَهَّمتُهُ مِن سُرعَةِ السَيرِ راكِداً / وَأَنَّ الدُنى فيمَن عَلى ظَهرِها تَعدو
تَحومُ عَلَيهِ المَركَباتُ كَأَنَّهُ / مَليك وَتِلكَ المَركَباتُ لَهُ جُندُ
تُقَصِّرُ عَنهُ الريحُ إِمّا تَسابُقاً / فَكَيفَ تُجاريهِ المُطَهَّمَةُ الجُردُ
عَلى أَنَّهُ في كَفِّ عَبدٍ زِمامُهُ / فَيا مَن رَأى مَلِكاً يَصرِفُهُ عَبدُ
كَأَنّي بِهِ يا صاحِ دارَ ضِيافَةٍ / يُغادِرُهُ وَفد وَيَقصِدُهُ وَفدُ
خَلَوتُ بِمَن أَهوى بِهِ رُغمَ عاذِلي / وَلَم يَكُ غَيرُ القُربِ لي وَلَها قَصدُ
فَسارَ بِنا في الأَرضِ وَخداً كَأَنَّما / دَرى أَنَّ ما نَبغيهِ مِنهُ هُوَ الوَخدُ
فَما راعَني وَاللَهِ إِلّا وُقوفُهُ / فَقد كُنتُ أَخشى أَن يُفاجِأُنا وَغدُ
وَلَمّا اِنتَهى مِن سَيرِه وَإِذا بِنا / عَلى شاطِءِ البَحرِ الَّذي ما لَهُ حَدُّ
هُناكَ وَقَفنا وَالشِفاهُ صَوامِتٌ / كَأَنَّ بِنا عِيّا وَليسَ بِنا وَجدُ
سَكَتنا وَلَكِنَّ العُيونَ نَواطِقٌ / أَرَقُّ حَديثٍ ما العُيونُ بِهِ تَشدو
سَكِرنا وَلا خَمر وَلَكِنَّهُ الهَوى / إِذا اِشتَدَّ في قَلبِ اِمرِئٍ ضَعُفَ الرُشدُ
فَقالَت وَفي أَجفانِها الدَمعُ جائِلٌ / وَقَد عادَ مُصفَرّاً عَلى خَدِّها الوَردُ
أَلا حَبَّذا يا صاحِبي المَوتُ هَهُنا / إِذا لَم يَكُن مِن تَذَوُّقِ الرَدى بُدُّ
فَيالَك مِن فِكرٍ مُخيف وَهائِلٍ / وَيا لَكَ مِن مَرأى يُرُقُّ لَهُ الصَلدُ
فَقُلتُ لَها إِنّي مُحِبٌّ لِكُلِّ ما / تُحِبّينَ إِنَّ السُمَّ مِنكِ هُوَ الشُهدُ
فَقالَت أَمِن أَجلي تَحِنُّ إِلى الرَدى / دَعِ الهَزلَ إِنَّ المَرءَ حِليَتُهُ الجَدُّ
فَقُلتُ لَها لَو كُنتُ في الخُلدِ راتِعاً / وَلَستِ مَعي وَاللَهِ ما سَرَّني الخُلدُ
فَإِن لَم يَكُن مَهدٌ طِلَيكِ يَضُمُني / فَيا حَبَّذا يا هِندُ لَو ضَمَّنا لَحدُ
فَقالَت لَعَمرِ الحَقِّ إِنَّكَ صادِقٌ / فَدُمتَ عَلى وُد وَدامَ لَكَ الوُدُّ
فَلَو لَم أَكُن مِن قَبلُ أَعشَقُ حُسنَها / لَهُمتُ بِها وَاللَهِ حَسبِيَ مِن بَعدُ
طوي العام كما يطوي الرقيم
طوي العام كما يطوي الرقيم / وهوى في لجّة الماضي البعيد
لم يكن بل كان لكن ذهبا / وانقضى حتّى كأن لم يكن
لو درى حين أتى المنقلبا / لتمنّى أنّه لم يبن
أيّ نجم شارق ما غربا / أي قلب خافق لم يسكن
جاهل من حسب الآتي يدوم / أحمق من حسب الماضي يعود
ما لنا يأخذ منّا الطرب / كلّما عام تلاشى واضمحل
أفرحنا أنّنا نقترب / من غد إنّ غدا فيه الأجل
عجب هذا و منه أعجب / أنّنا نفنى و لا يفنى الأمل
فكأنّا ما سمعنا بالحتوم / أو كأنّا قد نعمنا بالوجود
يا رعاه الله من عام خلا / فلقد كان سلاما و أمان
صافح الجحفل فيه الجحفلا / واستراح السيف فيه و السنان
ما انجلى حتى رأى النقع انجلى / و خبت نار الوغى في البلقان
لست أنسى نهضة الشعب النؤوم / إنّ فيها عبرة للمستفيد
و التقى البحران فيه بعدما / مرّت الأجيال لا يلتقيان
أصبح السّدّ الذي بينهما / ترعة يزخر فيها الأزرقان
فلتندم آميركا ما التطما / ما لهذا الفتح في التاريخ ثان
و لتعش رايتها ذات النجوم / أجمل الرايات أولى بالخلود
واعتلى الناس به متن الهواء / فهم حول الدراري يمرحون
يمخر المنضاد فيهم في الفضاء/ مثلما يمخر في البحر السفين
معجزات ما أتاها الأنبياء / لا ولم يطمح إليها الأقدمون
سخّر العلم لهم حتّى الغيوم / فهم مثلهم فوق الصعيد
حلّق الغربيّ فوق السموات / و لبثنا نندب الرسم المحيل
فاذا ما قال أهل المكرمات / ما وجدنا و أبيكم ما نقول
لو فقهنا مثلهم معنى الحياة / ما أضعناها بكاء في الطلول
ألفت أنفسنا الضيم المقيم / مثلما يستعذب الظبي الهبيد
أدركت غايتها كلّ الشعوب / نهض الصيني و ما زلنا نيام
عبثت فينا الرزايا و الخطوب / مثلما يعبث بالحرّ اللّئام
صودر الكاتب منّا و الخطيب / منعت ألسننا حتّى الكلام
نحن في الغفلة أصحاب الرقيم / نحن في الذّلّة إخوان اليهود
ليت أنّا حين مات الشّمم / لحقت أرواحنا بالغابرين
ما تمرّدنا على من ظلموا / لا ولم نفكك وثاقا عن سجين
ليس يمحو عارنا إلاّ الدّم / فإلى كم نذرف الدمع السخين
قام فينا ألف جبّار غشوم / غير أنّا لم يمت منّا شهيد
يا لقومي بلغ السيل الزبى / واستطال البغي و استشرى الفساد
فاجعلوا أقلامكم بيض الظبى / و استعيروا من دم الباغي المداد
كتب السيف اقرأوا ما كتبا / لا ينال المجد إلاّ بالجهاد
أي رجال الشرق أبناء القروم / لا تناموا آفة الماء الركود
يا من قربت من الفؤاد
يا من قربت من الفؤاد / و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من / شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما / يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى / و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي / جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ / و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام / إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل / وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم / إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج / عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة / غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى / عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود / فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال / عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم / ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره / أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه / يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه / خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد / من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان / وجوده ضرر الوجود