المجموع : 23
دنا الموعدُ والغرف
دنا الموعدُ والغرف / ة وكر للمواعيد
وجاءت ربّة الحسن / كمزمور لداوود
فرفّ البشر في الصمت ال / لَذي خيم في الغرفه
وثارت حيرتي الهوجا / ء بين الفجر والعفه
وثارت آه من ثور / ة هذي اللهفة الحرّى
هنا الحسن الذي يدعو / ك في بسماته السكرى
وهذا الجسم يا ظمآ / ن في دارك كم يغري
أطهراً تدعي اليوم / فماذا نلت من طهر
هنا الحلم الذي أبصر / تَ في غفوة حرمانك
هنا الكأس التي تزري / بما جمّعت في حانك
هنا اللهب الذي جُس / د في نهد وفي ساقِ
على مذبحة المعبو / د قدم طهرك الباقي
نداء بين عينيك / كهذا الليل مجهولُ
يجاوبه حنينٌ ثا / ر في قلبيَ مخبول
فقلت الليل يا من كن / ت عند الليل قربانا
لنغرق في دخان الجس / م أشجاناً وحرمانا
فنام الضوء خجلانا / على مصباح نشوانِ
قريراً لا تنبهه / سوى أنات تحنان
وكان الليل مرتميا / على النافذة الوسنَى
تلصّص خلسة يرنو / إلى معبدنا الأسنى
فشاع السر بين اللي / ل والأنجم والزهر
وإذ بالفجر بساما / إلى إلفين في خدر
لمن الصمتُ والفؤاد المشرد
لمن الصمتُ والفؤاد المشرد / أين من أسكر الربى حين غَرّد
طائر أم رأت عيون الأماني / حُلُماً مثل غيره قد تبدد
أم قناع قد مزقته الليالي / عن هوى دون طائل فتجرد
وبدا شاحباً كيوم قتيل / لم يكد يلثم الصباح المورَّد
ليت شعري إلام إطراق رأسي / وانحنائي على جريح موسد
أليلاىَ ما أبقَى الهوى فيَّ من رُشدِ
أليلاىَ ما أبقَى الهوى فيَّ من رُشدِ / فردِّي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
أيُنسَى تلاقينا وأنتِ حزينةٌ / ورأسُك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
أقول وقد وسدتُه راحتي كما / تَوسَّدَ طفلٌ متعبٌ راحةَ المهدِ
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهَدّ
بنفسيَ هذا الشّعرُ والخُصَلُ التي / تهاوت على نحر من العاج منقدِّ
ترامت كما شاءت وشاءَ لها الهوى / تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِّ
وتلك الكرومُ الدانياتُ لقاطفٍ / بياضُ الأماني من عناقيدِهَا الربدِ
فيا لكَ عندي من ظلامٍ محبَّب / تَألَّقَ فيه الفرق كالزمنِ الرغدِ
ألا كلُّ حسنٍ في البريةِ خادمٌ / لسلطانَةِ العينينِ والجيدِ والقدِّ
وكلُّ جمالٍ في الوجودِ حيالَه / به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راعَ قلبي منك إلا فراشةٌ / من الدمعِ حامت فوق عرشٍ من الوردِ
مجنحة صيغت من النورِ والندَى / ترف على روضٍ وتغفو إلى وردِ
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيّدِي / من الشجنِ القتَّالِ والظمأ المردِي
لقد أقفرَ المحرابُ من صلواته / فليسَ به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
وقفنا وقد حانَ النوى أيَّ موقفٍ / نحاولُ فيه الصبرَ والصبرُ لا يُجدي
كأنَّ طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ / ومزدحم الآلامِ والوجدِ في حَشدِ
ومضطرم الأنفاسِ والضيق جاثمٌ / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خرس في جحيمٍ مؤبدٍ / بغير رجاءٍ في سلامٍ ولا بَردِ
فيا أيكةً مدَّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيَّرٍ / على دَرَجٍ خابي الجوانبِ مُسوَدِّ
تَردَّدَ واستأنى لوعدٍ وموثقٍ / وأدبرَ مخنوقاً وقد غُصَّ بالوعدِ
وأسلمني لليلِ كالقبرِ بارداً / يهبُّ على وجهي به نَفَسُ اللحدِ
وأسلمني للكونِ كالوحشِ راقداً / تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
كأنَّ على مصرَ ظلامينِ أَعكَرٌ / بآخرَ من خابي المقاديرِ مربَدِّ
ركودٌ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ / وقد ضمها الغيبُ المحجَّبُ في بُردِ
كأن سماءَ النيلِ لم تَلقَ حادثاً / ولا قصفت فيها القواصفُ بالرعدِ
أحقاً تولَّى ذلك الهولُ وامَّحَت / خواطرُ ذاكَ الويل والرعب والحقدِ
فيا للقلوبِ الصابراتِ وقد غفت / على نعمةِ الإِيمانِ والشكرِ والحمدِ
ويا للقلوبِ المؤمناتِ وأمنها / وضجعتها في رحمةِ الصَّمَدِ الفردِ
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي / أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
تصيرُ إذا جُنَّ الظلامُ ولفّها / بجنحٍ من الأحلامِ والصمتِ ممتَدِّ
مباءةَ خمارٍ وحانوتَ بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
وقد وَقَفَ المصباحُ وقفةَ حارسٍ / رقيبٍ على الأسرار داعٍ إلى الجِدِّ
كأنَّ تقيّا غارقاً في عبادةٍ / يصومُ الدجى أو يقطعُ الليلَ في الزهدِ
فيا حارسَ الأخلاقِ في الحيِّ نائم / قضى يومَه في حومةِ البؤسِ يستجدي
وسادَتُه الأحجارُ والمضجعُ الثرى / ويفترشُ الإِفريزَ في الحرِّ والبردِ
وسيارة تمضي لأمرٍ محجَّبٍ / محجبةَ الأستارِ خافيةَ القصدِ
إلى الهدفِ المجهولِ تنتهبُ الدجى / وتومض وَمضَ البرقِ يلمع عن بعدِ
متى ينجلي هذا الضنَى عن مسالكٍ / مرنقةٍ بالجوع والصبرِ والكَّدِ
ينقِّب كلبٌ في الحطامِ وربما / رَعَى الليلَ هِرٌّ ساهرٌ وغفا الجندي
أيا مصرُ ما فيكِ العشيةَ سامرُ / ولا فيكِ من مصغ لشاعرِك الفردِ
أهاجرتي طالَ النوى فارحمي الذي / تركتِ بديدَ الشملِ منتثر العقدِ
فقدتُكِ فقدانَ الربيعِ وطيبه / وعدتُ إلى الإِعياء والسقمِ والوجدِ
وليسَ الذي ضيَّعتُ فيكِ بهيِّن / ولا أنتِ في الغُيَّاب هينةُ الفقدِ
بعينكِ أستهدي فكيفَ تركتنِي / بهذا الظلامِ المطبق الجهمِ أستهدي
أتيتُكِ أستسقي فكيف تركتِني / لهذي الفيافي الصمِّ والكثب الجردِ
أتيتُكِ أستعدي فكيف تركتِني / إِلى هذه الدنيا وأحداثِها اللدِّ
بحبِّكِ أَستشفي فكيفَ تركتِني / ولم يبقَ غيرُ العظمِ والروحِ والجِلدِ
وهَذي المنايا الحمر ترقصُ في دمي / وهذي المنايا البيض تختالُ في فَودِي
وكنتِ إذا شاكيتُ خففتِ محملي / فهان الذي ألقاه في العيشِ من جهد
وكنتِ إذا انهارَ البناءُ رفعتِهِ / فلم تكنِ الأيامُ تقوىَ على هَدِّي
وكنتِ إذا ناديتُ لَبَّيتِ صرختي / فواحَرَباً كَم بينَنا اليومَ من سدِّ
وقد كانَ لي للعطفِ والحبِّ مسلكٌ / فأغلَقتِه دوني فبتُّ بلا ردِّ
سلامٌ على عينيكِ ماذا أجنَّتا / من اللطفِ والتحنان والعطفِ والودِّ
إذا كانَ في لحظيكِ سيفٌ ومصرعٌ / فمنكِ الذي يُحيي ومنك الذي يُردي
إِذا جُرِّدَا لم يفتكا عَن تعمدٍ / وإن أُغمدَا فالفَتكُ أروع في الغمدِ
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحباً / وأهلاً به إِن كانَ فتكُكِ عن عَمدِ
فإِني إذا جُنَّ الظلامُ وعادني / هواكِ فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجانِ والشوقِ ما عندي
أقَبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِهِ / وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
ويا دارَ من أهوىَ عليكِ تحيةٌ / على أكرمِ الذكرى على أشرفِ العهدِ
على الأمسياتِ الساحراتِ ومجلسٍ / كريم الهوى عفِّ المآربِ والقصدِ
تنادِمُنَا فيه تباريحُ شاعرٍ / على الدمِ والأشواكِ يمشي إلى الخلدِ
فبودليرُ محزونٌ وفرلين بائسٌ / وميسيه مجروحُ الهوى عاثرُ الجَدِّ
وللمتنبي غضبةٌ مُضَرِيَّةٌ / وثورةُ مظلومٍ وصيحةُ مستعدي
دموعٌ يذوبُ الصخرُ منها فإِن مضوا / فقد نقشوا الأسماءَ في الحَجَر الصلدِ
وماذا عليهم إِن بكوا أو تعذبوا / فإنَّ دموعَ البؤسِ من ثَمَنِ المجدِ