المجموع : 23
رُدّوا عَلَيَّ بَياني بَعدَ مَحمودِ
رُدّوا عَلَيَّ بَياني بَعدَ مَحمودِ / إِنّي عَييتُ وَأَعيا الشِعرُ مَجهودي
ما لِلبَلاغَةِ غَضبى لا تُطاوِعُني / وَما لِحَبلِ القَوافي غَيرَ مَمدودِ
ظَنَّت سُكوتِيَ صَفحاً عَن مَوَدَّتِهِ / فَأَسلَمَتني إِلى هَمٍّ وَتَسهيدِ
وَلَو دَرَت أَنَّ هَذا الخَطبَ أَفحَمَني / لَأَطلَقَت مِن لِساني كُلَّ مَعقودِ
لَبَّيكَ يا مُؤنِسَ المَوتى وَموحِشَنا / يا فارِسَ الشِعرِ وَالهَيجاءِ وَالجودِ
مُلكُ القُلوبِ وَأَنتَ المُستَقِلُّ بِهِ / أَبقى عَلى الدَهرِ مِن مُلكِ اِبنِ داوودِ
لَقَد نَزَحتَ عَنِ الدُنيا كَما نَزَحَت / عَنها لَياليكَ مِن بيضٍ وَمِن سودِ
أَغمَضتَ عَينَيكَ عَنها وَاِزدَرَيتَ بِها / قَبلَ المَماتِ وَلَم تَحفِل بِمَوجودِ
لَبَّيكَ يا شاعِراً ضَنَّ الزَمانُ بِهِ / عَلى النُهى وَالقَوافي وَالأَناشيدِ
تَجري السَلاسَةُ في أَثناءِ مَنطِقِهِ / تَحتَ الفَصاحَةِ جَريَ الماءِ في العودِ
في كُلِّ بَيتٍ لَهُ ماءٌ يَرِفُّ بِهِ / يَغارُ مِن ذِكرِهِ ماءُ العَناقيدِ
لَو حَنَّطوكَ بِشِعرٍ أَنتَ قائِلُهُ / غَنيتَ عَن نَفَحاتِ المِسكِ وَالعودِ
حَلَّيتَهُ بَعدَ أَن هَذَّبتَهُ بِسَنا / عِقدٍ بِمَدحِ رَسولِ اللَهِ مَنضودِ
كَفاكَ زاداً وَزَيناً أَن تَسيرَ إِلى / يَومِ الحِسابِ وَذاكَ العِقدُ في الجيدِ
لَبَّيكَ يا خَيرَ مَن هَزَّ اليَراعَ وَمَن / هَزَّ الحُسامَ وَمَن لَبّى وَمَن نودي
إِن هُدَّ رُكنُكَ مَنكوباً فَقَد رَفَعَت / لَكَ الفَضيلَةُ رُكناً غَيرَ مَهدودِ
إِنَّ المَناصِبَ في عَزلٍ وَتَولِيَةٍ / غَيرُ المَواهِبِ في ذِكرٍ وَتَخليدِ
أَكرِم بِها زَلَّةً في العُمرِ واحِدَةً / إِن صَحَّ أَنَّكَ فيها غَيرُ مَحمودِ
سَلوا الحِجا هَل قَضَت أَربابُهُ وَطَراً / دونَ المَقاديرِ أَو فازَت بِمَقصودِ
كُنتَ الوَزيرَ وَكُنتَ المُستَعانَ بِهِ / وَكانَ هَمُّكَ هَمَّ القادَةِ الصيدِ
كَم وَقفَةٍ لَكَ وَالأَبطالُ طائِرَةٌ / وَالحَربُ تَضرِبُ صِنديداً بِصِنديدِ
تَقولُ لِلنَفسِ إِن جاشَت إِلَيكَ بِها / هَذا مَجالُكِ سودي فيهِ أَو بيدي
نَسَختَ يَومَ كَريدٍ كُلَّ ما نَقَلوا / في يَومِ ذي قارَ عَن هاني بنِ مَسعودِ
نَظَمتَ أَعداكَ في سِلكِ الفَناءِ بِهِ / عَلى رَوِيٍّ وَلَكِن غَيرُ مَعهودِ
كَأَنَّهُم كَلِمٌ وَالمَوتُ قافِيَةٌ / يَرمي بِهِ عَرَبِيٌّ غَيرُ رِعديدِ
أَودى المَعَرّي تَقِيُّ الشِعرِ مُؤمِنُهُ / فَكادَ صَرحُ المَعالي بَعدَهُ يودي
وَأَوحَشَ الشَرقُ مِن فَضلٍ وَمِن أَدَبٍ / وَأَقفَرَ الرَوضُ مِن شَدوٍ وَتَغريدِ
وَأَصبَحَ الشِعرُ وَالأَسماعُ تَنبِذُهُ / كَأَنَّهُ دَسَمٌ في جَوفِ مَمعودِ
أَلوى بِهِ الضَعفُ وَاِستَرخَت أَعِنَّتُهُ / فَراحَ يَعثُرُ في حَشوٍ وَتَعقيدِ
وَأَنكَرَت نَسَماتُ الشَوقِ مَربَعَهُ / تُثيرُها خَطَراتُ الخُرَّدِ الخودِ
لَو أَنصَفوا أَودَعوهُ جَوفَ لُؤلُؤَةٍ / مِن كَنزِ حِكمَتِهِ لا جَوفَ أُخدودِ
وَكَفَّنوهُ بِدَرجٍ مِن صَحائِفِهِ / أَو واضِحٍ مِن قَميصِ الصُبحِ مَقدودِ
وَأَنزَلوهُ بِأُفقٍ مِن مَطالِعِهِ / فَوقَ الكَواكِبِ لا تَحتَ الجَلاميدِ
وَناشَدوا الشَمسَ أَن تَنعي مَحاسِنَهُ / لِلشَرقِ وَالغَربِ وَالأَمصارِ وَالبيدِ
أَقولُ لِلمَلَإِ الغادي بِمَوكِبِهِ / وَالناسُ ما بَينَ مَكبودٍ وَمَفؤودِ
غُضّوا العُيونَ فَإِنَّ الروحَ يَصحَبُكُم / مَعَ المَلائِكِ تَكريماً لِمَحمودِ
يا وَيحَ لِلقَبرِ قَد أَخفى سَنا قَمَرٍ / مُقَسَّمِ الوَجهِ مَحسودِ التَجاليدِ
يا وَيحَهُ حَلَّ فيهِ ذو قَريحَتُهُ / لَها بِخِدرِ المَعالي أَلفُ مَولودِ
فَرائِدٌ خُرَّدٌ لَو شاءَ أَودَعَها / مُحصي الجَديدِ سِجِلّاتِ المَواليدِ
كَأَنَّها وَهيَ بِالأَلفاظِ كاسِيَةٌ / وَحُسنُها بَينَ مَشهودٍ وَمَحسودِ
لَآلِئٌ خَلفَ بَلّورٍ قَدِ اِتَسَقَت / في بَيتِ دُهقانَ تَستَهوي نُهى الغيدِ
مَحمودُ إِنّي لَأَستَحييكَ في كَلِمي / حَيّاً وَمَيتاً وَإِن أَبدَعتُ تَقصيدي
فَاِعذِر قَريضِيَ وَاِعذِر فيكَ قائِلَهُ / كِلاهُما بَينَ مَضعوفٍ وَمَحدودِ
مَن لِيَومٍ نَحنُ فيهِ مَن لِغَد
مَن لِيَومٍ نَحنُ فيهِ مَن لِغَد / ماتَ ذو العَزمَةِ وَالرَأيِ الأَسَد
حَلَّ بِالجُمعَةِ حُزنٌ وَأَسىً / وَمَشى الوَجدُ إِلى يَومِ الأَحَد
وَبَدا شِعري عَلى قِرطاسِهِ / لَوعَةً سالَت عَلى دَمعٍ جَمَد
أَيُّها النيلُ لَقَد جَلَّ الأَسى / كُن مِداداً لي إِذا الدَمعُ نَفِد
وَاِذبُلي يا زَهرَةَ الرَوضِ وَلا / تَبسِمي لِلطَلِّ فَالعَيشُ نَكِد
وَاِلزَمِ النَوحَ أَيا طَيرُ وَلا / تَبتَهِج بِالشَدوِ فَالشَدوُ حَدَد
فَلَقَد وَلّى فَريدٌ وَاِنطَوى / رُكنُ مِصرٍ وَفَتاها وَالسَنَد
خالِدَ الآثارِ لا تَخشَ البِلى / لَيسَ يَبلى مَن لَهُ ذِكرٌ خَلَد
زُرتَ بَرلينَ فَنادى سَمتُها / نَزَلَت شَمسُ الضُحى بُرجَ الأَسَد
وَاِختَفَت شَمسُكَ فيها وَكَذا / تَختَفي في الغَربِ أَقمارُ الأَبَد
يا غَريبَ الدارِ وَالقَبرِ وَيا / سَلوَةَ النيلِ إِذا ما الخَطبُ جَد
وَحُساماً فَلَّ حَدَّيهِ الرَدى / وَشِهاباً ضاءَ وَهناً وَخَمَد
قُل لِصَبِّ النيلِ إِن لاقَيتَهُ / في جِوارِ الدائِمِ الفَردِ الصَمَد
إِنَّ مِصراً لا تَني عَن قَصدِها / رَغمَ ما تَلقى وَإِن طالَ الأَمَد
جِئتُ عَنها أَحمِلُ البُشرى إِلى / أَوَّلِ البانينَ في هَذا البَلَد
فَاِستَرِح وَاِهنَأ وَنَم في غِبطَةٍ / قَد بَذَرتَ الحَبَّ وَالشَعبُ حَصَد
آثَرَ النيلَ عَلى أَموالِهِ / وَقُواهُ وَهَواهُ وَالوَلَد
يَطلُبُ الخَيرَ لِمِصرٍ وَهوَ في / شِقوَةٍ أَحلى مِنَ العَيشِ الرَغَد
ضارِبٌ في الأَرضِ يَبغي مَأرَباً / كُلَّما قارَبَهُ عَنهُ اِبتَعَد
لَم يَعبَه أَن تَجَنّى دَهرُهُ / رُبَّ جِدٍّ حادَ عَن مَجراهُ جَد
يَستَجِمُّ العَزمَ حَتّى إِن بَدَت / فُرصَةٌ شَدَّ إِلَيها وَصَمَد
فَهوَ لا يَثني عِناناً عَن مُنىً / وَهوَ هِجّيراهُ مَن جَدَّ وَجَد
فَأَياديهِ إِذا ما أُنكِرَت / إِنَّما تُنكِرُها عَينُ الحَسَد
فَقَدَت مِصرُ فَريداً وَهيَ في / مَوطِنٍ يُعوِزُها فيهِ المَدَد
فَقَدَت مِصرُ فَريداً وَهيَ في / لَهوَةِ المَيدانِ وَالمَوتُ رَصَد
فَقَدَت مِنهُ خَبيراً حُوَّلاً / وَهيَ وَالأَيّامُ في أَخذٍ وَرَد
لَم يَكَد يُمتِعُها الدَهرُ بِهِ / في رُبوعِ النيلِ حَيّاً لَم يَكَد
لَيتَهُ عاشَ قَليلاً فَتَرى / شَعبَ مِصرٍ عَينُهُ كَيفَ اِتَّحَد
وَيحَ مِصرٍ بَل فَوَيحاً لِلثَرى / إِنَّهُ أَبلَغُ حُزناً وَأَشَد
كَم تَمَنّى وَتَمَنّى أَهلُهُ / لَو يُوارى فيهِ ذَيّاكَ الجَسَد
لَهفَ نَفسي هَل بِبَرلينَ اِمرُؤٌ / فَوقَ ذاكَ القَبرِ صَلّى وَسَجَد
بَل بَكَت عَينٌ فَرَوَّت تُربَهُ / هَل عَلى أَحجارِهِ خَطَّ أَحَد
ها هُنا قَبرُ شَهيدٍ في هَوى / أُمَّةٍ أَيقَظَها ثُمَّ رَقَد
إِن صَحَّ ما قالوا وَما أَرجَفوا
إِن صَحَّ ما قالوا وَما أَرجَفوا / وَأَلصَقوا زوراً بِدينِ العَميد
فَكُفرُ طَهَ عِندَ دَيّانِهِ / أَحَبُّ مِن إِسلامِ عَبدِ الحَميد