القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 98
ابيضَّت عَيني من حزنٍ
ابيضَّت عَيني من حزنٍ / مذ فارق رأسي أسودُهُ
أَما شيبي وَقَد اِستَولى / فَبَياض ما إِن أَحمده
يد دَهري قَد لطمت وَجهي / تبت يده تبت يده
لَو كانَ البائس منتحراً / بالحق لزال تردده
لَم تحو حَياة المرء سِوى / أَمل يبلى وَيُجدده
قلت الأيام ستكسوه / وإذا الأيام تجرده
وَلَقَد آتي فيها عملاً / غيري من بَعدي ينقده
ما أَدري حين أَجيء به / هَل أصلحه أَم أُفسده
أَلهو بِضَعيف من أَملي / فأحل الخيط وأعقده
أَما من كانَ له مال / فَعَليه أَنا لا أَحسده
لا يَستَهويني لؤلؤه / وَزمرُّده وَزبرجده
اشتد حين سريت حندسُ لَيلَتي
اشتد حين سريت حندسُ لَيلَتي / حتى أَضعت بها سَبيل رشادي
يا لَيتَني قد كنت أَعرف جيداً / ماذا أَراد اللَه من إيجادي
منع الَّذين تسيطروا أَن يحسنوا / ثخنُ الوجوهِ وَغلظةُ الأكباد
مَهما تقدم في حضارته الفَتى / لَم يخل من همجية الأجداد
أَما العِراق فَما الفَتى بمكرم / فيه وَلَيسَ كشقوة الأمجاد
ملأوا صدور الصحْفِ حقدا
ملأوا صدور الصحْفِ حقدا / وَالحقد قد سموه نقدا
أَنىَّ اِلتفتُ أَرى أَما / مي من رجال السوء ضدا
أَلفيت قوماً يحقدو / ن عَلى الَّذي للفضل أَبدى
وَرأَيت ناساً يَحسدو / ن النجم أَن يزداد وقدا
وَوَجدت حدّاً لِلوَلا / ء وَلَم أَجد للبغض حدا
قالوا دَخيلٌ في القَري / ضِ فَما أَجاد وَلا أَجدّا
قالوا صَغير لا يعد / دُ من الفحول وَلَن يعدّا
قالوا إلى الاحسان من / هُ غيره في الشعر أَهدى
وَله جراءة فَيلَسو / ف يوسع الأديان جحدا
كَذبوا فاني شاعر / وأدين بالاسلام جَدّا
يَلغو اللسان بِباطِلٍ / وَالوَجه صلبٌ لَيسَ يندى
كَلِمٌ عنتني غير أن / ني لا أُحاوِل أَن أردا
لَم أَشك وَخزتها وإن / كانَت سهاماً أَو أشدّا
لَو ساعدتني صحتي / لاخترتُ عَن بغداد بعدا
من ذا يصدق أنني / في جنب دجلة صرت أَصدى
مالي أُقيم ببقعة / كانَت بها الأعداء لُدّا
يخشون سيري في البلا / د كأَنَّني سأَقود جندا
ما إن ذكرت عَلى بعا / دٍ مصرَ إلا ذبتُ وَجدا
يا مصر أَنت اليَوم وح / دَكِ ذلك البلد المفدّى
أَما الحَياة فَلا تُسا / وي أَن يَكون الحر عبدا
ما لي من الأموال شي / ءٌ كَي أَخاف عليه فقدا
وَعَلى القناعة وَحدها / حمداً لَك اللَهم حمدا
قَد كانَ في بَغداد لي / عيش وَكانَ العيش رغدا
الدَهر كان ينيلني / إسعافه ثم اِستردا
وَلكم قدحت مُحاولاً / ناراً فَما أَوريت زندا
إن قد فشلت فَسلوتي / هي أنني لَم آلُ جهدا
قاسيت عدواناً من ال / متغطرسين فكنت جلدا
وَصبرت أحمل حره / حتى اِستحال الحر بردا
إن الخطوب نزلن بي / فتركنني عظما وَجلدا
قَد ذقتُ صاباً في حَيا / تي بالعراق وَذقتُ شهدا
وَلقيت فيما قد لقي / تُ بموطني نحساً وَسعدا
وَرأَيت بعد المد جز / راً ثم بعد الجزر مدا
وَصعدت في جبل سما / وَهبطت ثم هبطت وَهدا
وَمحاول جحداً لمج / دي كَي يَنال بذاك مجدا
وَالجحد لَيسَ بضائر / مَجداً من الأدب اِستمدا
ما كانَ يدرك ظالع / شأو الضَليع وإن تصدى
وَالمَرء يظهر عجزه / فيما يَقول إذا تَحدى
يَعدو عَليَّ منابذاً / من كنت أرجو منه رفدا
قاس تخال فؤاده / حجراً من الأحجار صلدا
دافعت عن نَفسي وَلَم / أَرَ من دفاع النفس بدا
اذمم بسيف ذي مضا / ء لا يُفارق عوض غمدا
جعل السحاب مجللاً / بَيني وَبين النجم سدا
وَرأَيت في خلل السحا / ب وَقَد دَنا برقاً وَرَعدا
ما كانَ إذ أَرشدت قو / مي يستحب القوم رشدا
فَهُناك شعب كلما / أَيقظته يَزداد رقدا
وَهُناك أَيقاظ ترا / هم يغمضون العين عمدا
الشَعب لا يَدري أَهَ / ذا إن أَتى أَم ذاك أَجدى
وإذا تَردَّى فَهوَ يج / هل أي ثوب قد تَردَّى
إِنَّ الجهالة قد قَضَت / أَن يَستَكين فَلا مردّا
لا يَعرفون لجهلهم / خطر الخلاف وإن تبدى
أَما الوِفاق فإنما / هُوَ أَن يَكون الجمع فردا
ما ساد قوماً جاهل / بحقوقهم إلا اِستبدا
بَغداد كانَت في زَما / ن غابر للعلم مهدا
هَل للألى فقدوا السجا / يا ما يسدُّ لها مسدّا
وَعَلى الَّذي يَرجو السَعا / دة في المَعيشَة أَن يجدّا
لَولا المَساعي لَم ينل / أَحد من الأقوام مجدا
لا لَوم إن فشل المجا / هد بعد أَن لَم يأل جهدا
الحق ماتَ فبوَّؤ / ه بعد أَن حملوه لحدا
وَلَقَد وَضَعتم نابِهاً / وَرَفعتمُ من كان وغدا
يا قوم أَخطأتم بما / جئتم فأسخطتم معدّا
يا قوم قصرتم أَلَيْ / سَ هناك من حق يؤدى
من كانَ لا يَمشي عَلى / سنن الطَبيعة فَهو يردى
مَقامك في الزوراء غير حَميدِ
مَقامك في الزوراء غير حَميدِ / وَلينك للأعداء غير مفيدِ
وَظنك حسناً باللَيالي سفاهة / وَرأيك في الأيام غير سَديد
سأَرحل عَن بغداد رحلة عائفٍ / فَقَد طالَ في دار الهوان قعودي
وأخرج من آلي وَمالي وَموطني / وَما كانَ لي من طارف وَتَليد
وَلَم أَر في عمري كَبَغداد منزلاً / به العلم لا يجزى بغير جحود
رَأَيت بها بؤساً وَشاهدت نعمة / فَلَم أسترح من شامت وَحَسود
وَكافحت أَياماً بها وَليالياً / تكرّان من بيض هناك وَسود
وَعشت فَلَم يرغد ليَ العيش عندها / وَما خير عيش لَم يكن بِرَغيد
بِبَغداد ناس راشدون بعلمهم / وَقوم من الجهال غير رَشيد
شباب مريد للتعلم ناهض / وَشيب لنور الشمس غير مريد
وَقوم كرام ساءهم وَشك فرقتي / وَقوم تمنوا أَن يَزول وجودي
هُمُ القَوم ما إِن يَبتَغون لما بهم / من الكسل المَذموم غير قعود
بعصر به الأقوام تنشط للعلى / أَرى البعض لا يَزداد غير جمود
صعاليك سادوا ثم سيدوا بجهلهم / فأذمم بهم من سائد وَمسود
لَقَد عشتُ بين القوم ستين حجةً / وَلَم أَكُ في يوم بها بِسَعيد
أُشاهد غرباناً بأوكار أَنسرٍ / وَأَلقى ذئاباً في عرين أسود
هجودٌ عَن الحسنى فَما أن يرونها / وأَما عَن السوءى فَغير هجود
وَلَيسَ الَّذي في القوم من عنجهية / سوى إِرث آباء لهم وجدود
إذا كانَ مشي المغمضين إلى الردى / وَئيداً فَمَشيُ القوم غير وَئيد
غداً ينظرون الشر عريان كاشراً / وَلَيسَ غدٌ عَن ناظر بِبَعيد
ذممت من الأيام فقدان عدلها / وَما أَكثرت من سادة وَعَبيد
وأما طَريق الذام فهو إذا بَدا / لِنَفسي محيد عنه أَيّ محيد
وآليت أن لا أَستَكين لمن عتوا / وإن قطعوا بالسيف حبل وَريدي
حييت فَحَقي أَن أُلاقيَ مصرعي / فَما عدمي إلا نتاج وجودي
وإني كَغَيري لست في الأرض خالداً / وإني وإن طال الزَمان لمودي
دَعاني إلى حزب الخنوع رئيسُهُ / وأَكثرَ من وعدٍ له وَوَعيد
فَقلت له أنذر سواي فإنما / وَعيدك مَهما زدت غير مفيد
وإن زَعيم القوم لَيسَ يغرهم / وَلا هُوَ يجزي فضلهم بكنود
تجسس من بعد الزَعامة للعدى / وَما كانَ منهم أَجره بِزَهيد
بنت حدسَها في الشرق وَالغرب ساسةٌ / عَلى نظر فيما يَكون بَعيد
ولكنَّ قَومي فوضوا الأمر كله / إلى قدرٍ من ربِّهم وَجدود
وَثاروا بإغراء العَميد فخانهم / فَكان عَميد القوم غير عَميد
لَقَد خمد الثوار بعد شبوبهم / وَقَد لا تشب النار بعد خمود
قليتك من دار بها الجهل شائع / ومن بلد بين البلاد بَليد
هنالك ناس يمقتون قصائدي / وَتمقتهم طراً كذاك قصيدي
وَكَم درر لي في القَريض نظمتها / فَكانَت بجيد الدهر مثل عقود
وَكَم حكمة فيها بلاغ أذعتها / بِقافية ملء البلاد شرود
يَذمون شعراً لا يقلد غيره / أُولئك أَعداء لكل جَديد
وَلا يحمدون الشعر إلا مكبلاً / بسلسلةٍ يأذى بها وَقيود
وَفي الحق أَن لا يقرب الشعرَ قائلٌ / إذا لَم يكن في شعره بمجيد
يَموت إِذا لَم يُشجِ شعرٌ بشدوِهِ / وَيَحيا إذا أَشجى حَياة خلود
إذا طابق الشعر الحَقيقة لَم يكن / بِذي حاجة في صدقه لشهود
لَقَد أَنشدت بالأمس شعراً حمامة / عَلى فننٍ غضٍّ فقلت أَعيدي
صبرت عَلى ليلي وَقَد جن راجياً / صباحاً وعلّ الصبح غير بَعيد
إلى أَن رأَيت اللَيل يرفع بيته / أَخيراً عَلى صبح بدا كَعَمود
ستبعث هبات النَسيم مسرتي / وَيجمع نور الشمس شمل سعودي
وأَشرب ماء النيل من بعد دجلة / فيخضر في مصر الجديدة عودي
متى ما أَجئ مصر الفتاة فإنني / سآوي إِلى ركن هناك شَديد
أَيُّها الناس مرَّ وقت المَلاهي
أَيُّها الناس مرَّ وقت المَلاهي / أَيُّها الناس إنما أنا ناهي
أَيُّها الناس قد دهتكم دواهي / أَيُّها الناس سارعوا لانتباه
أَيُّها الناس أنتم في رقادِ /
إنما العلم للممالك صونُ / وَعَلى الجهل لَيسَ يثبت كونُ
بين هَذا وَذاكَ لا شك بونُ / إن هَذا لَونٌ وَذلك لونُ
لا يَكون البياض مثل السوادِ /
اِستَنيروا بالعلم فالعلم نورُ / إِنَّما بِالعلوم تنفى الشرورُ
ضجرت من هَذا السكون القبورُ / انفضوا عنكم الخمول وَثوروا
أنا ناديت لَو يثير المنادى /
إنما العلم أَصلُ ما نَحتاجُ / فيه نفع لنا وَفيه اِبتهاجُ
فهو الرأس أَو عَلى الرأس تاجُ / أَو عَلى التاج درة أَو سِراجُ
مُستَنير كالكوكب الوقادِ /
ألا نهضة تدني الرجال من العلى
ألا نهضة تدني الرجال من العلى / فَقَد طالَ في دار الهوان قعودُها
بِنَفسي كماة تحسب الموت أَن يرى / عَن الموت يَوماً روغها وَمحيدها
أباة ترى أَنَّ الحَياة حَقيرة / وَما حب نفس لا يَجوز خلودها
وَتَعلم أَنَّ المَوت حق وأنها / إذا لَم تَرِده فهو سوف يرودها
إذا لَم تبد بالسيف يوم كَريهَة / فمر اللَيالي بعد حين يبيدها
أُولَئك أشراف البلاد وَفخرها / أُولئك في رأيي أُولئك صيدها
الغرب كان يُعدُّ أَمر رقيِّه
الغرب كان يُعدُّ أَمر رقيِّه / إذ لَم يكن للشرق من إِعداد
لَيسَ الَّذي يَمشي عَلى أَقدامه / مثل الَّذي يجري عَلى منطاد
القوم ما اِتحدوا ليقوى شأنهم / فيصد عنهم طامع أَو عادي
في كل وقت للجماعة قوة / ليست لدى التَحقيق للآحاد
تَتحاقد الأحزاب إلا أنها / في رزئها تَخلو من الأحقاد
ما كانَ جيش العزم يدبر خاسئاً / لَو كانَ جيش العزم ذا إمداد
يا قوم ما أَنتم لدفع ملمة / يوماً وَلا أَنتم لجلب سداد
فخذوا بأَيديكم مغازل في الضحى / ودعوا السيوف تقر في الأغماد
لا تَستَنيم إِلى الهدوء بِلادُ
لا تَستَنيم إِلى الهدوء بِلادُ / ما لَم يكن منها لها أجنادُ
هم للبلاد إذا اطمأنت شوكة / وَهم إذا ريعت هم الإنجاد
إن لم يدافع عَن حقوق بلادهم / أَهل فَما لهم البلاد بلاد
ما كالظُبَى سرجٌ تضيء نجومها / بيضاً إذا صبغ الحياة سواد
ذبوا عَن الأوطان يا أبناءها / لتسرَّ في أجداثها الأجداد
الأم عاتبة عَلى أَولادها / إن لم تذد عَن أمها الأولاد
الجَيش في أَيدي الحكومة قوة / وَالعامِلون به هم الأعضاد
علم الَّذي درس الحَياة كفاحص / إن الحَياة تنازع وَجهاد
لا بحر إلا تحته غواصة / تجري وَفوق سمائه منطاد
بك يا شباب سيبلغ الشعب المنى / وَلك المَدارِس في البلاد تشاد
وَلَقَد سَما بك للعروبة جانب / ضخم تخر لعزه الأطواد
يا علم أَنتَ الشمس فاشرق بازِغاً / لتضيء من أَنوارك الأبعاد
وَهُو العِراق يسوؤني أَن لا يُرى / متقدماً وَلأهله اِستعداد
لا ريب في أن العراق بأَهله / يَسمو إذا أَهل العِراق أرادوا
يفدى العراقَ إذا دَعا مستصرخاً / من أَهله الأرواحُ والأجساد
يغلي سروري كُلَّما فكرت في / مجد إِلى بغداد سوف يعاد
الشعر في بغداد ليس برائج
الشعر في بغداد ليس برائج / يا ضيعة الشعراء في بغداد
الشعر ينهض بالشعوب إلى العلى / فيما يولده من استعداد
الشعر فن كالسياسة بارع / قبضت أزمته يد القواد
النكبة تنطقني شعراً
النكبة تنطقني شعراً / أبان النكبة أنشده
هو أرناني في الليل إذا / أدجى وَالليل يردده
البلدة يهلك شاعرها / كالرَوض يموت مغرده
لي في بغداد ونهضتها / حق قد ضاع وأنشده
سيشق الشعر عصا قوم / وَيقيم الشعب ويقعده
اختر ما هزّك من شعر / قد قيل فذلك أَجوده
أَنتَ في العلم بالَّذي سوف يأَتي
أَنتَ في العلم بالَّذي سوف يأَتي / يا سياسيُّ واحدُ الآحادِ
قل مَتى تنتفي الحروب الدوامي / ويشيع السلام بين العباد
بل متى تيقظ الورى من كراها / فتنام السيوف في الأغماد
قتلتنا الأَيام قتلاً ذَريعاً / وَاللَيالي لبسنَ ثوب الحداد
يلدز قد كانت أَجل بناء / شيدته ملوكُ الاستبداد
جامع للضدين من مثل بخلٍ / وندىً أَو بلادةٍ وسداد
قصر عبدالحميد هَذا ولكن / أَين تلك القصور من عهد عاد
إن تحت الرماد ناراً لو اَنَّ ال / ساسة اليوم فتشوا في الرماد
توشك النار أَن تَثور بأَيدٍ / آثماتٍ يعملن للإيقاد
فإذا شبت الملوك لظاها / أَكلتهم لَمَّاً مع الأجناد
لَيسَ الحَياة سوى سعاده
لَيسَ الحَياة سوى سعاده / ترجو الورى فيها الزياده
وَالسعي في تحسينها / للمؤمنين من العباده
ما الانتحار لمستطي / عٍ أَن يعيش سوى بلاده
إثم نصيب المرء من / هُ عكس منزلة الشهاده
ما إن يحاوله امرؤ / ذو مسكة وله إراده
إن التراب لمن ينا / م بحفرة بئس الوساده
لا يَنبَغي أن تنتهي / بالموت في الدنيا الزهاده
هَل للذي يحيا عَلى / حوبائه هذي السياده
ما إن تطوح في الحَيا / ة بنفسها حتى الجراده
المزهقون نفوسهم / لا يقدرون على الإعاده
ليسَ الفرار من التكا / فح للحياة من الجلاده
يحول عنها العين ثم يعيدُها
يحول عنها العين ثم يعيدُها / حذار عدى تَغلي عليه حقودُها
وَيغضي خلال النظرتين محاذراً / رقيباً لها إن لم يكده يكيدها
أَبى القلب إلا حب لَيلى وإنما / يكاد الهَوى يرديه لولا وعودها
وَما العدل إلا غادة عربية / بعيدة مهوى القرط باد نهودها
جلتها يد الأحقاب فهي جميلة / وقد قل للعشاق بالوصل جودها
بدت في برود للصبا عبقرية / وقد شف عن جسم وضيء برودها
مهفهفة الأعطاف طيبة اللمى / وإن كان مراً هجرها وصدودُها
إذا نظرت بين الجماهير نحوه / وَلَو مرة في العمر فهو سعيدها
وإن هي لم تعطف عليه بنظرة / بكت منه عين لا يرجَّى جمودها
وَباتَ كئيباً يرقب النجم طالعاً / بعين له شكرَى قَليل هجودها
وَتشخص طول الليل أَبصاره إلى / سماء نأت عنه بعيد حدودها
حوت أنجماً زُهراً يقدنَ وإنما / قواها الَّتي قد ثرن فيها وقودها
تروم صعوداً نفسه في فضائها / فيعيى عليها ثم يعيى صعودها
فتطلب منه أن يحلَّ عقالها / فذلك ينفي كربها ويفيدها
ويسهل منه للسماءِ رُقيها / وتطوي مسافات ويدنو بعيدها
ترى النفع كل النفع في الموت إنما / أَضر بها بين العداة وجودها
تَقول له لا تحرصنّ سفاهةً / عَلى عيشة قد بان عنك رغيدها
تريد بعزم أن تفارق جسمه / وتلك عليه شقة لا يريدها
تنازعه حوض المنيَّة نفسه / فتطلب ورداً عنده ويذودها
وَلَو أنه خلَّى إليه سبيلها / هناك شفاها من أوامٍ ورودها
إذا هي ماتَت مات كل همومها / وأقلع عنها نحسها وسعودها
سواء على من بات في بطن حفرة / رهين البلى بيض الليالي وسودها
سقى تربة الأوطان للعدل ديمةٌ / تخفف من إمحالها وتجودها
ربوع تَغشَّاها البلى وَمنازل / تغير بعد الظاعنين عهودها
وعهدي بها للأسد قبل مرابضا / فقل لي وأفصح أين سارت أسودها
أيزرى أيزرى في أُرومة قدرها / عداءُ لئام بالشرور تكيدها
يعز على عينيّ أَن تنظرا إلى / بلاد تسوس الناس فيها قرودها
تعيث بأهليها فتغصب حقهم / وتسلب من أَموالهم وتبيدها
يعز على عينيَّ أن تريا بها / شباباً من الأحرار صفراً خدودها
تعالج هَمّاً قدَّر اللَه أنهُ / يَجُرُّ بها نحو الردى ويقودها
إذا لجأت من همها في نهارها / إلى الليل كان الليل مِمّا يزيدها
أَسارى قصارى ما تحاول أنها / تَموت بعز أو تفك قيودها
تَقَطَّعُ من وقع الهموم قلوبُها / وتنضج من نار العذاب جلودها
إذا سئلت عما تجن من الجوى / أَضر بها إقرارها وجحودها
محاطون بالأرزاء في أرض ذلة / تهائمها منحوسة ونجودها
إذا أقلعت عنهم سحابة فتنةٍ / أظلتهمُ أخرى تدوّى رعودها
حياة لهم لم يبق ضمن جسومهم / سوى شعلة منها قريب خمودها
أَتعود بعد تصرم ونفادِ
أَتعود بعد تصرم ونفادِ / أيام بغدادٍ إلى بغدادِ
أَيام بغداد الَّتي في مرها / كانَت عوادى الدهر غير عوادي
اذ ليس بغداد كما تلفى ولا / حكام بغدادٍ ذوي اِستبداد
كانَت محطاً للعلوم وأهلها / وَقرارةً للمجد والأمجاد
اليَوم هاتيك العلوم جميعها / مدفونة بمقابر الأجداد
قد عاشَ دهراً في نعيم أَهلها / فإذا النَعيم وأَهلها لنفاد
أَيام مدَّ الأمن وارفَ ظله / فيها فكانَت جنة المرتاد
أَيام بغداد تضيء جميلة / فَتَلوح مثل الكوكب الوقاد
أيعاد ما فد مر من عُمرانها / أم ذلك العمران غير معاد
لا ترجع الرغبات نحو عِراصها / أو ترجعَ الأرواح للأجساد
فتقوم فيها بالسداد حكومة / وتزول عنها دولة الأوغاد
جاسوا المنازل مفسدين وأوقدوا / نارَ الإساءَة أيما إيقاد
إني أظنك لا ترى بمكانها / من بعد بضع سنين غير رماد
فهناك أَهل يجهلون حقوقهم / وَحكومة تعتو ودهر عادي
هم أَيدوا الحكام في تدميرها / فكأَنهم لَو يخجلون أَعادي
لجأت إليهم حين عزَّ نصيرها / ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد
قضت الفظاظة في طبائع أهلها / أن لا يكون فؤَادُهم كفؤادي
قد زال عن بغداد كل حلاوة / لكن كذاك لها قديم ودادي
فلها مع الجَنفَ الذي ألقى بها / ودٌّ بقلبي نال من أجلادي
بغداد تطلب ذِلتي وأُعزها / فانظر لبعد البون في الأضداد
وتريد موتي إذا أريد حياتها / شتان بين مرادها ومرادي
أَمدينةَ الإسلام يا دار السلا / م لمن أقام وكعبة القصاد
أني بكيتك بالدموع لأنها / مما تخفف حرقة الأكباد
ونظمت مرثية تخذت لها ذرى ال / مستنصرية موضع الإنشاد
إذ نهر دجلة أنت تجري ههنا / دهراً فتخرق جانبي بغداد
أَرأيت بغداداً كذا فيما مضى / بلداً عليهِ الذل حولك باد
بلد بهِ قدم التعسف راسخ / والجور فيهِ ثابت الأوتاد
بلد بهِ سوق الجهالة نافق / والعلم فيهِ متاعه لكساد
بلد تمسك أهلها من جهلهم / بعرى الضلال فما لهم من هاد
وانقاد للظلم الصريح ولم يكن / فيما مضى للظلم بالمنقاد
وقد استغاث بهم فلم يتحننوا / فكأن قلب القوم بعض جماد
وأراد بعض أولى الدراية منهم / نيل الرشاد ولات حين رشاد
ليس النجاة لأمة من أَسرها / مِمّا يتم بهمة الأفراد
يا نهر دجلة أن من حقي البكا / حتى أموت على ضياع بلادي
يا نهر دجلة أن عيني ماؤها / نزرٌ فليس يبيح نار فؤادي
يا نهر دجلة فاجر أنت مكانه / واسق المعاهد من ربي ووهاد
يا نهر دجلة أنت تقنى قوةً / إذ كنت منحدراً من الأطواد
يا نهر دجلة إنني لمؤمل / أن لا تضن عليَّ بالإسعاد
يا نهر دجلة أين بغداد التي / كانت لأهل الفضل أكبر ناد
لم حولك الأرض الوسيعة أقفرت / والماء منك هناك غير ثماد
يا نهر دجلة ما لبغداد غدت / بلداً لكل شناعة وفساد
لهفي على بغداد كيف تأخرت / في العلم بعد تقدم متمادي
لبس النهار بها على رغم المنى / بعد الليالي البيض لون سواد
وقد التقت فيها الجهالة والردى / فكأَنَّما كانا على ميعاد
نظرت إلى الأحرار من أَبنائها / نظر المريض بأوجه العوَّاد
كانت لعمري قبلُ مدرسة لمن / يبغي العلوم كثيرة الروّاد
كانت ملاذاً للطريد ومرجعاً / للمستفيد ومورداً للصادي
فد ان يا بغداد أن تبكي على / موت الذين لهم عليك أيادي
قد آن إذ نزلوا بأفنية الردى / أن تلبسي بغداد ثوب حداد
العَدل قَضى في حسرته
العَدل قَضى في حسرته / نحباً ربي يتغمَّدُهُ
إن الإنسان إِذا اِستعلى / يهوى لَولا ما يسنده
لِلَّه على الأحقاف دم / أَهريق فراعك مشهده
قَد هانَ الماجد لَيسَ لَه / سيفٌ للذب يجرده
تغري الإنسان بموطنه / أَيامُ صباه ومولده
خلق الإنسان به حراً / ما أَظلم من يستعبده
لي في أَمر الأحكام كلا / مٌ من حذري لا أُورده
وَهنا وادٍ لا أَهبطه / وهنا جبل لا أَصعده
ماجاءَ الأمر كَما أَرجو / ه وقد تدري ما أَقصده
متوخَّى الأمة مختلف / ولعل الرزء يوحده
في ليلة سوداء لم
في ليلة سوداء لم / أبصر بها للنجم وقدا
أخذت تعد همومها / نفسي اللجوج عليَّ عدّا
إذ صورت لي نسوةً / بالرافدين يثرن وجدا
واِستنكرت ما قد أَصا / بَ من الأسى لَيلى وسعدى
وَتأَلمت لمصاب عا / تكة بزوجٍ قد تعدى
فَهمى هنالك دمعها / يجرى تؤآما ثم فردا
ويل لغانية لها / بعل من الجهل استبدا
قبلت به زوجاً وَلَم / تر من قبول الزوج بدا
جمّ الكراهة كلما / زادت دنواً زاد بعدا
أبدى غراماً ثم غي / ير ما لَها من قبلُ أبدى
جعلت ترى في عينه / برقاً وتسمعُ منه رعدا
إن الغرور لجاعل / بين النهى والحق سدا
يبني الرجال من اللحى / فخراً لأنفسهم ومجدا
غصبوا النساء حقوقهن / نَ فَلا تصان ولا تؤدَّى
القوم يا ابنة يعرب / من جهلهم وأدوك وأدا
ظلموك ظلماً ما رأَي / تُ له لعمر الحق حدا
لا تمسكي بالقوم إن / نَ القوم لا يرعون عهدا
حجبوك عن أبناء نو / عك حاسبينَ الغيَّ رشدا
سجنوك في بيت أري / دَ بضيقه ليَكون لحدا
لم يعدلوا إذ غادرو / ك صدىً بكهف الدار فردا
وَنسوا حقوقاً لا يَكو / ن بدونهنَّ العيش رغدا
الأمُّ لو رقيت لرب / بت عَن هدى للشعب وُلْدا
وإِذا النساء ردينَ في / شعب فإن الشعب يردى
زوجان كل منهما / لحليله قد كان ندا
من بعد ما عاشا معاً / ماذا جَرى حتى أَلدَّا
هدّا بناءهما وَما / أحراهما أن لا يهدا
الزوج كان هو الَّذي / يولي الرضى ثم استردا
وَعَلى جميع حقوقها / من بعد لذته تعدَّى
يأَتي الطلاق لغير ذن / بٍ ثم يحسب ذاك رشدا
لا شيء يمنع جاهلاً / ذا غلظة أن يستبدا
قد يرجع الإنسان قر / داً مثلما قد كانَ قردا
عد للعراق وأصلح منه ما فسدا
عد للعراق وأصلح منه ما فسدا / وابثث به العدل وامنح أَهله الرغدا
الشعب فيه عليك اليوم معتمد / فيما يَكون كَما قد كانَ معتمدا
حييت من قادم إبان حاجتنا / إليه نَرجو به للأمة الرشدا
إن العراق لمسعود برؤيته / أباً له من بلاد العدل قد وردا
مرحّباً بك أشرافٌ غطارفة / وَلَيسَ ترحيبهم ميناً ولا فندا
عجل بسعيك إصلاحاً نؤمله / فَلَيسَ يذهب سعي المصلحين سدى
حبل السياسة قد أمست به عقد / فحلَّ أنت بأيدي رأيك العقدا
ارأف بشعب بغاة الشر قد قصدوا / إثارة الشر فيه وهو ما قصدا
أما وقد جئت مصحوباً بمقدرة / فَلا أبالي أقام الشر أم قعدا
غدٌ إلى الناس في الأيام منتظر / والظن أنك تَلقى بالسلام غدا
غداً ستُسعد بغداداً تجارتُها / فليَجتَهِد للغنى من كان مجتهدا
أعد لبغداد أياماً موالية / كانَت كَما وصفوا ترقى بها صعدا
مضت هنالك أيام مسالمة / لساكنيها فَلا ينسونها أبدا
لَقَد أتيت بإنذار ومرحمة / فَلَن ترى فوق أرض الرافدين عدى
أتيت توفي بوعد كنت معلنه / إن الكَريم لموفٍ بالَّذي وعدا
معاهد العلم في بغداد قد هجرت / فَلا تلاقي على أبوابها أحدا
فاِجهد وأَرجع بعزم منك رغبتها / ترض الخلائق والتاريخ والبلدا
سينقشع الغيم الَّذي قد تلبَّدا
سينقشع الغيم الَّذي قد تلبَّدا / فيبيضّ ليلي بعد أَن كانَ أَسودا
وغير بعيد أَن لَيليَ ينجلي / فَيبقى بأفق الشرق صبحاً موردا
تحملته حتى تضاءَل قالصاً / لصبح بدا والصبح أَجمل ما بدا
وما كنت ذاك الفدم يحسب ليله / خلافاً لما تأتي النواميس سرمدا
وَقَد كانَ قبل اليوم روضي قاحلاً / يعالج من شح الغمام به الصدى
وَكانَ يَعيش العَندَليبُ بمعزلٍ / عن الروض جم الهم إذ كانَ أجردا
وكنت ذممت العيش في الروض مثله / وأبعدت عنه لا أَرى فيه مقصدا
وَما رغبتي في الروض والروض قاحل / وَقَد طارَ عنه العندليب وأبعدا
وكنت أمنِّي النفس أن تدرك المنى / وأرجو زَمان العز أن يتجددا
أقول لها لا تيأسي فهي عسرة / ستذهب يوماً بعد أَن تبلغ المدى
عسى أَن يعود الروض غضاً كعهده / وَيرجع فيه العَندليب مغردا
إلى أَن رأَيت الدهر قد عاد راحماً / وَعاد زمان كان قد ضام مسعدا
إلى أَن رأَيت الروض يبسم للحيا / وَيشكر من قلب صميم له يدا
تجدد أَنفاس الرَبيع حياته / وتنبت من فيض لجيناً وعسجدا
وَحينئذ أَعلنت بالروض رغبة / وَحينئذ ألممت بالروض مخلدا
وقفت به في الصبح مستمعا إلى / قريض به ابن الطير يطرب منشدا
وأَي امرئ للشعر يسمع ثم لا / يهيم به إلا إذا كان جلمدا
وإني بشدو العندليب لمغرم / فماذا يثير العندليب إذا شدا
جعلت على سيارة ذات سرعة / إلى الشام أطوى فدفداً ثم فدفدا
فأَدركتها من بعد يوم وليلة / ومنها إلى بيروت قد جئت موفدا
فها أَنا ذا ألقى ببيروت حفوة / وأَشهد عزاً لم يكن لي لأشهدا
رَعى اللَه بيروتاً ومن كان نازِلاً / ببيروت أَو كانَت له تلك مولدا
رأَيت بها قوماً تلين طباعهم / وأَهلاً يعزون الغريب المبعَّدا
رجالاً رأوا في المجد عذراً لجهدهم / وَفي العلم مجداً لا يَزول وسؤددا
أَرى أَينما وجهت وجهي حديقة / وَفي جنبها للهو صرحاً ممردا
وللأدب الريان فيها محافلاً / وَللعلم فيها معهداً ثم معهدا
بماذا سوى علم به يكرم الفَتى / يريد الفَتى في الناس أَن يتفردا
وَما زلت قبلاً باسم بيروت هاتفاً / أَبيت له في كل وقت مرددا
فأَحببت بيروتاً وأَحببت أَهله / وكانَ عن الغايات حبي مجردا
وإني إذا ناديت بيروت صارخاً / يجاوبني من جانب الجبل الصدى
وكنت ببغداد أُكابد جفوة / وكانَ يسمّيني بها القوم ملحدا
مريضاً من الآلام يشكو أَمرَّها / فَلا الموت أَنجاني ولا الصبر أنجدا
رجوت سلاماً للشعوب يعمُّهم / وأَن لا يَكون المرء للمرء سيدا
وَقالوا ليَ احمد في البلاد همامها / فقلت لهم هاتوا هماماً لأَحمدا
ورب أَديب باتَ أسوان واجداً / يدير بوجه الليل طرفاً مسهدا
فلما أَراه الصبح ناصع وجهه / أَرى الصبح وجهاً للفجيعة أربدا
غدا يحمل الآلام وهي تمضُّه / وَراح حمولاً للشقاء كما غدا
وَهَذا جزاء الشاعر الأخرق الَّذي / إلى بلد جم الجهالة أَخلدا
وَما الموت ممقوت من الناس كلهم / وإن هابه من طاب عيشاً وأَرغدا
أَلَم يجدوا في باطن الأرض مرقداً / كما وجدوا في ظاهر الأرض مرقدا
وَما كانَ في موت امرئ العز من ردى / ولكن حياة الصاغرين هي الردى
تعبت لهم أَرجو بشعري صلاحهم / وَلِلَّه أَتعابي فقد ذهبت سدى
بلاد بها قد كنت أَمرح في الهَوى / وأَشرب من ماء أَبل به الصدى
وَلَم أَشك من دنياي إلا ظلامة / وَسهماً إلى قلب العراق مسددا
إذا المرء رامَ البعد عَن أَرض ذلة / فَلا يَنبَغي للمرء أَن يترددا
وَلا خير في غمد خلا من حسامه / وَلا في حسام ظل يصدأ مغمدا
وإن فراق الشيخ أَرضاً له بها / مُنىً مشهدٌ أَكبرْ بذلك مشهدا
وأَكبر منه أَن أُفارق بغتة / عَلى شغفي لَيلى لليلَى أَنا الفدى
وكنت وَلَيلى قبل أَن تصدع النوى / جميعين لا نَخشى النوى أَن تهددا
فَلما تفرقنا شكوت كَما شكَت / شقاء أَليماً ثم شملاً مبددا
كلفت بليلى وحدها دون غيرها / وَليلى شهاب غاب من بعد ما بدا
وإني إذا أَهدى لي الليل طيفها / جعلت ظلام الليل للعين إثمدا
وأَكثر مني شقوة في زمانه / صديق سقته الموت مراً يد العدى
وَلَيسَ وداع الشيخ قد شاب رأسه / وَداع فتى في أَول العمر أَمردا
وأَبدع أَلواح الهوى موقف به / تعانق للتوديع غيداء أَغيدا
شدا فاِنبرَت تشدو جواباً لشدوه / فأحسن بما تشدو وأحسن بما شدا
وإني امرؤ بغداد أَول بقعة / رضعت بها الآداب أصفى من الندى
وَما كنت في يوم عن الحق ساكتاً / وَلا فيه عن نصر الحقيقة قُعدُدا
معاذ العلى أَن يرجع الشعر ناكصاً / وَيجبن يوماً عن مكافحة العدى
ورب زَمان خلت لي فيه قربة / إلى الحق إلا أنني كنت مبعدا
وَكَم فجوة فيها الهداية ضلة / وَكَم شقة فيها الضلال هو الهدى
وإني على شيخوختي وَزَمانتي / أُريد بِشعري في الحياة التجددا
وَلا خير في شعر مضى اليوم عهده / وفي شاعر إن قالَ قال مقلدا
وَما شاعر العصر الجديد سوى الَّذي / على دولة الشعر القديم تمردا
ومن كانَ ذا روح مع العصر ثائر / فَلَيسَ يريد الروح منه ليجمدا
أَخو الشعر قد يردى ويُبقي وراءَه / على الدهر للأعقاب شيئاً مخلدا
فأَكبرْ بشعرٍ كان حراً كربِّه / وأَكبرْ بحرٍّ لا يَكون مقيدا
أَرى العلم يرمي للبعيد بقصده / وَلكنَّ منه الشعر أَبعد مقصدا
يريد أُناس منيَ الشعر جيداً / وَيأبى الضنى أَن أَنظم الشعر جيدا
أَنا اليوم في بيروت ضيف مكرم / وإن لبيروت على ضيفها يدا
لَقَد سرت من بغداد يدفعني الوَجدُ
لَقَد سرت من بغداد يدفعني الوَجدُ / إلى حيث وكر الشعر طائره سعدُ
إلى مصر أما مصر فهي كأَنَّها / كعاب ووادي النيل في جيدها عقد
إلى حيث يَلقى الحر للحق ذادة / كراماً فلا ضيم هناك ولا حقد
إلى بلد للعلم في أَرضه هدى / وَللشعر مثل النجم في جوه وقد
أجوب على سيارتي الأرض دونها / فيرفعني نهد ويخفضني وهد
يثبطني حب لبغداد لازب / وَيدفعني شوق إلى مصر مشتد
لَقَد ساءَني أني لبغداد بارح / وأني فيها لا أروح ولا أغدو
فقدت بلادي نازحاً غير أَنَّني / إذا جئت مصراً لم يضر ذلك الفقد
وَما دون مصر مطلبٌ لميمم / ففيها ينال المجد من همه المجد
وَلَم تَكُ بغداد سوى دار كربة / نهاريَ فيها مثل ليلي مسود
ورب عدو لَيسَ لي من وصاله / مناص وخل ليس من هجره بد
ولا مثل يوم ظل يبكي غمامه / ويضحك في طياته البرق والرعد
ذكرت به عهداً مضى فحمدته / فَما رد عهداً ماضياً ذلك الحمد
وَلَو كانَ عهدي باقياً لرعيته / وَلكن مضى عهدي فَلا يرجع العهد
ظمئت فَلَم تنقع أواميَ دجلة / وَللناس في بغداد من دجلة ورد
وَما دجلة عن قاصديها قصية / ولا ماؤها يوماً لشاربه ثمد
وكنت هزاراً كل يوم بروضة / على فنن أوراقه غضة أشدو
وَما كانَ يَدري الروض أن خريفه / قَريب وأن الورد آفته البرد
وَزار الهزار الروض إذ غض ورده / وَطارَ بعيداً بعد ما صوّح الورد
لَقَد حالَ ذاكَ الروض بعد نضارة / فَما بانه بان ولا رنده رند
وكنت أبالي أن تشط بيَ النوى / عَن القوم حتى حال منهم ليَ الود
هنالك أحباب تنكر ودهم / فَلا قربهم قرب ولا بعدهم بعد
ولا مثل صاد في الهجيرة بينه / وَبين بلوغ الماء من دجلة سد
يعالج في بغداد عيشاً منغصاً / وَينعم في بغداد أعداؤُه اللدُّ
حملت بصبر لم يخنِّي خطوبَها / وإني على حمل الخطوب أنا الجلد
هنالك قوم ما لَهم في حياتهم / إلى كل شيء يسعدون به جهد
كَسالى بيوم السَعي إلا أقلهم / وَقَد ورثت أخلاق آبائها الولد
وأما نساء القوم في كل بقعة / فهن لهن الضيم منهم أَو الوأد
يَقولون إِن الدين يجحد رشدَها / لَقَد كذبوا فالدين ليس به جحد
وَلَم ينف رشد المرأة الدين نفسه / ولكن غلاة الدين ليس لهم رشد
وأفرط أقوام وفرَّط غيرهم / وإن طريق المفلحين هو القصد
مشيت إِلى مصر أسارع قبلما / طَريقي إلى مصر الجميلة ينسد
سأُلقي عصا الترحال في مصر إنها / بلاد لها من نيلها يكثر الرفد
وأشدو بشعري هابطاً ظل دوحها / فتبسط ذاكَ الظل أفنانها الملد
وَيشملني أبناؤُها برعاية / أَرى أَنَّني قد لا أَرى مثلها بعد
وَللريح ألقاها بوجهي عذوبة / وَللماء أحسوه على كبدي برد
فَتَعلَم بَغداد على بعد أرضها / بأن ابنها في مصر منزله حمد
لَيسَ بالشاعر من كا
لَيسَ بالشاعر من كا / ن لما قيل يعيدُ
انَّما الشاعر من كا / ن له فكر جديدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025