القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 62
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ
أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ / تذري عليها الدَّمع عبرة واجدِ
وقَفَ المشوق بها فشقَّ فؤاده / وأهاج ناراً ما لها من خامد
ولذلك الرّكب المناخ بها جوًى / لا يستقرُّ بها فؤاد الفاقد
من ناشد لي في المنازل مهجة / لو كانَ يجديها نشيد الناشد
وتردُّدُ الزفرات بين جوانحي / ممَّا يصُوب بمدمعي المتصاعد
أضناني الشَّوق المبرّح في الحشا / حتَّى خفيت من الضنى عن عابدي
ظعن الأُلى فتسابقت أظعانهم / تجتاب بين دكادكٍ وفدافد
قل للطعين من الهوى بقوامهم / ماذا لقيت من القوام المائد
إنِّي لأذكرهم على حَرِّ الظما / قد كدتُ أشرَقُ بالزُّلال البارد
منعوا طروق الطَّيف في سنة الكرى / هيهات يطرق ساهراً من راقد
بانوا فشيَّعَهُم فؤادٌ وامقٌ / وَرَجَعْتُ عنهم باصطبار بائد
جاهدت فيهم لوم كلّ مفند / لو أنَّ لي في الحبِّ أجرَ مجاهد
مه يا عذول فقد أطلتُ مقصراً / في واجدٍ تلحوه لا متواجد
يا دار حيَّاك الغمام بصيّبٍ / ينهلُّ بين بوارقٍ ورواعد
وسقى زمان اللَّهو فيك فإنَّه / زمنٌ مضى طرباً وليس بعائد
زمن لهوت به بكلِّ خريدة / لعِبَتْ محاسنها بلبّ العابد
دارت عليَّ الكأسُ في غسق الدجى / فشربتها ذهباً بماء جامد
وجرَيْت طلقاً في ميادين الهوى / لمصارع من غنية ومصائد
ولقد صَحَوْتُ من الشباب وسكره / ونظرت للدنيا بعَيْنَيْ زاهد
من راح تغريه مطالع نفسه / فيما يشان به فليس براشد
إنْ كادني الطمع المبيد بكيده / فلينظرنّ مخادعي ومكايدي
وإذا قسا الخطب الملمُّ فلا تلم / حاربْ زمانك ما استطعت وجالد
أعرضتُ عن بغداد إعراض امرئٍ / يرتاد ما يرضي مراد الرائد
من بعد ما غال الحمام أحِبَّتي / ولوى يدي بالنائبات وساعدي
حتَّى رأيت الخير يخصب ربعه / بأبي الخصيب ووجه عبد الواحد
بأجلّ من أفردته بفرائدي / وأجلّ من قَلَّدْتُه بقلائدي
وجهٌ عليه من الجمال أسِرَّةٌ / تبدو فتنبي عن جميل عوائد
في صُبح ذاك الوجْه سعد المشتري / وشهاب ذاك الوجه حدس عطارد
ابن المبارك لاسمه وسماته / ومبارك في النَّاس أكرم والد
سوق الأفاضل للفضائل كلها / في سوقه إنفاق شعر الكاسد
تفني أياديه الحطامَ تكرُّماً / فيفوز يومئذٍ بذكر خالد
تنهلُّ راحته بصيّبِ جودِه / عذب الموارد منهلٌ للوارد
لم تُبْقِ راحته وجود يمينه / من طارقٍ للمكرمات وتالد
لا زال في نعمائه وولائه / فرح الودود ورغم أنف الحاسد
لا تنكر الحسّاد من معروفه / شيئاً وليس لفضله من جاحد
وأغرَّ قد خفض الجناح لآمل / بَرٍّ رفعتُ إليه غُرَّ قصائدي
ومن السعادة أنْ أجيء بسابق / من برّه أسعى إليه وقائد
فأفوز منه بطلعة تجلو الدجى / وتضيء بالحسب الصميم الماجد
ولكم زودت موارداً من سيله / فحمدت فيه مصادري ومواردي
فإذا اعترفت من الكرام بفضله / جاءت مكارمه بألفي شاهد
شهد الرجال بفضله وبرأيه / بمواطن شتّى مضَتْ ومشاهد
يمضي معاديه ويخطو هابطاً / وترى مواليه بفخر صاعد
يا مَن يُغَرّ لجهله في حلمه / إيّاك من وَثَباتِ ليثٍ لابد
نقد الرجال رفيعهم ووضيعهم / والزيف يظهر عند نقد الناقد
بَعُدَتْ عن الفحشاء منه خلائق / بعد الصلاح من الزمان الفاسد
يوم النوال تراه أوَّلَ منعمٍ / ولدى الصلاة تراه وَّلَ ساجد
لو لامست صمَّ الجلامد كفُّه / لتفجَّرَت بالماء صمُّ جلامد
أطلقتُ ألسِنَة الثناءِ عليه في / شعر يقيِّدُ في علاه شواردي
قامت بخدمته السعادة عن رضىً / كم قائمٍ يسعى بخدمة قاعد
وفدت عليك مع الخلوص قصيدة / ولأنت أوَّل مكرم للوافد
لا غَرْوَ إنْ قَصَدَتْكَ ترغَب بالغِنى / أرأيت غيرك مقصداً للقاصد
فاقبل من الداعي إليك ثناءه / من شاكرٍ لك بالقريض وحامد
إنِّي رَفَعْتُ إليك ما قدّمته / لا زلت ترفع بالفخار قواعدي
زواجُ ابن ياسين زواجٌ مبارَكٌ
زواجُ ابن ياسين زواجٌ مبارَكٌ / يَقُرُّ عَيناً ويهنا ويَسْعَدُ
به الخير مجلوب إليه جميعه / وفيه التهاني كلّها تتولد
تُسَرُّ به من آل ياسين عصبةٌ / لهم شرف في الأكرمين وسؤدد
من القوم لم يصنع سواهم صنيعهم / بل البر بل سادوا به وتفرّقوا
وقد ورثوها عن أبيهم مكارماً / وها هي في أبنائهم تتجدَّد
ولم يبرحوا أبناء ياسين في الندى / مناهلَ جود كالمناهل تورد
هما ما هما في المكرمات كلاهما / محمد في النجب الكرام وأحمد
تُعَدُّ كرامُ النَّاس في بلديهما / فعدَّا ولم تعقد وراءهما يد
بقيت بقاء النيرين محمد / بناعم خفض العيش لا تتنكّد
وفي البشر والأَرواح فولي مؤرِّخاً / تزوجت فابقى في الهنا يا محمَّد
متى أرى هذه الأيامَ مُسْعِفَةً
متى أرى هذه الأيامَ مُسْعِفَةً / والدَّهْرُ يُنجزُ وَعداً غَيرَ مَوعُودِ
والنفس تقضي بمطلوبٍ له وطراً / يَنوبُ عن كلِّ مفقودٍ بموجود
ألقى خطوب اللَّيالي وهي عابسةٌ / كما تَصادَمَ جلمودٌ بجلمودِ
فما أطعتُ الهوى فيما يرادُ به / ولا تطرَّيت بين الناي والعود
ولا ركنتُ إلى صهباءَ صافيةً / قديمة العصرِ من عصرِ العناقيدِ
إنِّي لأنْزَعُ مشتاقاً إلى وطني / والنوق تنزع بي شوقاً إلى البيد
وطالما قَذَفَتْ بي في مفاوزها / أخْفافُ تلك المطايا الضمَّر القود
لئِنْ ظفرتُ بمحمودٍ وإخوته / ظَفِرْت من هذه الدُّنيا بمقصودي
بيضُ الوُجوه كأمثال البدور سَناً / يطلُعْنَ في أُفْقِ تَعظيمٍ وتمجيد
تروي شمائلُهم ما كانَ والدُهم / يرويه من كرم الأَخلاق والجود
فيا له والدٌ عزَّ النَّظير له / وجاءَ منه لعمري خير مولود
من طيِّبٍ طابَ في الأَنجاب محتده / كما يطيبُ عبيرُ الند والعود
إذا ذكرتُ أياديه الَّتي سَلَفَتْ / جاذبتُ بالمدح أطراف الأَناشيد
قَلَّدْتُ جيدَ القوافي في مدايحه / ما لا يُقَلَّدُ جيد الخرَّدِ الغيد
يغرِّد الطرب النشوان حينئذٍ / فيها بأحسن تغريدٍ وترديد
أبو الخصيب خصيب في مكارمه / ومنزل السعد لا يشقى بمسعود
لا تصدر الناس إلاَّ عنه في جدة / ونائل من ندى كفَّيه مورود
تدعو له بمسرَّات يفوزُ بها / ليس الدُّعاءُ له يوماً بمردود
يزيدني شكره فضلاً ومكرمة / كأَنَّني قلتُ يا نعماءهُ زيدي
يرجو المُؤَمِّل فيه ما يُؤمّله / بابُ الرَّجاء لديه غير مسدود
تجري محنَّته في قلبِ عارفه / لفضله مثل مجرى الماء في العود
فكلَّما سرتُ مشتاقاً لزورته / وجدتُ مسرايَ محموداً لمحمودِ
وإنْ أتَتْهُ القوافي الغرّ أتْحَفَها / بشاهدٍ من معاليه ومشهود
تلك المكارم تروى عن أبٍ فأبٍ / من الأَكارم عن آبائه الصِّيد
لله درّك ما أنداك من رجلٍ / بيضٌ أياديك في أيَّامنا السُّود
ليهنك العيد إذا وافاك مبتهجاً / بطلعةٍ منك زانَتْ بهجة العيد
نُهَنِّي العراقَ بحكمٍ جديدْ
نُهَنِّي العراقَ بحكمٍ جديدْ / وسُرَّ الحجازُ برأيٍ سديدْ
بحكمِ الرَّشيدِ مشيرِ العراق / ملاذ الطريد مجيرِ الرَّشيدْ
مشيرٌ إذا استمطر البارقات / أغاثَ الأنام بِوَدْق الحديدْ
حميدٌ كجيدٌ لقد خصَّه / بأهْلِ العراقِ الحميدُ المجيدْ
فنامَتْ به فِتَنٌ بأسُها / يُبيدُ الطريفَ ويُفني التليدْ
وقد أقبلَ السَّعْدُ إذ أرَّخوا / أمامَ المشير محمَّدْ رشيدْ
ذَكّراني عَهْدَ الصبا بسعاد
ذَكّراني عَهْدَ الصبا بسعاد / وخَوافي الجوى عليَّ بوادي
ورَواحي مع الهوى وغدوّي / لا عداها يوماً مصبُّ الغوادي
وبياض المشيب سَوَّدَ حَظي / عِنْدَ بيض المها سوادَ المداد
يا ابن وُدِّي وللمودَّة حقٌّ / فاقضِ إن شئتَ لي حقوق الوداد
وأَعِدْ لي ما كانَ من برحاء / كنتُ منها في طاعة وانقياد
يومَ حانَ الوداع من آل ميّ / فأرانا تَفَتُّتَ الأَكباد
تركوا عَبرتي تصوب وَوَجدي / في هياجٍ ومهجتي في اتّقاد
هلْ علمْتُمْ في بينكم أنَّ عيني / لم تذق بعدكم لذيذ الرقاد
لا أذوق الكرى ولا أطعمُ الغم / ضَ ولا تَنثني لطيفٍ وسادي
واللَّيالي الَّتي تَمرُّ وتمضي / ألَّفَتْ بين مقلتي والسُّهاد
كلّ يومٍ أرى اصطباري عنكم / في انتقاص ولوعَتي في ازدياد
قد أخذتم منِّي الفؤاد فردُّوا / في تَدانيكم عَليَّ فؤادي
وأعيدوا ما كانَ منَّا ومنكم / وليَكُنْ ما جَرى على المعتاد
أينَ عهدي بهم فقد طال عهدي / فسُقي عهدهم بصَوب عِهاد
فمرضي في هواك زادني سقاماً / فَلَعلِّي أراك في عوَّادي
فَدموعي على هَواك غزارٌ / وفؤادي إلى رضابك صادي
يا عَذولاً يَظُنُّ أنَّ صلاحي / في سُلُوِّي وذاك عينُ فَسادي
أنا فيما أراه عنكَ بوادٍ / في هيامي وأنتَ عنِّي بواد
إنَّما أعينُ الظِّباء وما يج / هل منها مصارع الآساد
ما أراني من القوام المفدَّى / ما أراني من القنا الميَّاد
ولحاظٍ كأنَّهنَّ بقلبي / مُرهَفَات سُلَّتْ من الأَغماد
أيُّ قلبٍ عذَّبته بصدودٍ / ودُنُوٍّ نَغَّصَتْهُ ببعاد
لم يُفدْني تطلُّبي من ثِمادٍ / أبتغيه ورقَّةٍ من جَماد
ما لحظي من اغترابي وما لي / موُلعٌ بالاتهام والإِنجاد
ويَدُ البين طالما قَذَفَتْني / غُرَّةً في دكادك ووهاد
وتَقَلَّبْتُ في البلاد وماذا / أبتَغي من تَقَلُّبي في البلاد
ليتَ شعري وليتني كنتُ أدري / ما مرامي من النوى ومرادي
وببغدادَ من أُحاولُ فيها / أشْرَفُ الحاضرين في بغداد
وهو عبد الرحمن نجلُ عليٍّ / عَلَويُّ الآباء والأَجداد
التَّقيّ النَّقيّ قولاً وفعلاً / والكريمُ الجوادُ وابنُ الجواد
رفعَ اللهُ ذِكره في المعالي / من عَليِّ العُلى رفيع العماد
شَرَفٌ باذخ ورفعةُ ذكر / رَغِمَتْ عندها أُنوفُ الأَعادي
هكذا هكذا المكارم تروى / والمزايا من طارف وتلاد
ساد بالعلم والتُّقى سيّد النا / س فخاراً للسَّادة الأَمجاد
يَقتَني المالَ للنَّوال وإنْ كا / نَ لَعَمري فيه من الزهّاد
شرح اللهُ صدْرَهُ فأرانا / في سَواد الخطوب بيض الأَيادي
كم رَوَتْنا الرُّواة عنه حديثاً / صَحَّ عندي بصحّة الإِسناد
وأَعَدْتُ الحديثَ عنه فقالوا / ما أُحيلى هذا الحديث المعاد
فَيُريني حلاوة الجود جوداً / وأُريه حَلاوةَ الإِنشاد
عَلِمَ اللهُ أنَّه في حِجاهُ / مُفْرَدُ العَصْر واحدُ الآحاد
صَيْرَفِيُّ الكلام لفظاً ومعنًى / من بصير بذوقهِ نقَّاد
يعرف الفضل أهْلَهُ وذَووه / وامتياز الأَضداد بالأَضداد
إنْ تغابَتْ عنه أُناسٌ لأمرٍ / أَو عَمَتْ عنه أعينُ الحسَّاد
فكذاك البياض وهو نقيٌّ / مُبْتلى في نقائه بالسَّواد
يا بني الغوث والرُّجوع إليكم / حينَ تعدو من الخطوب العوادي
يكشف الله فيكم الضُّرَّ عنَّا / وبكم نَقْتَفي سَبيلَ الرَّشاد
كيفَ لا نستمدُّ من رُوحِ قوم / شُفَعَاء لنا بيوم المعاد
رضيَ الله عنهم ورضوا عنه / خيار العباد بين العباد
فولائي لهم وخالص حبِّي / هو ديني ومذهبي واعتقادي
فعلى ذلك الجناب اعتمادي / وإلى ذلك الجناب استنادي
فضلكم يشمل العُفاة جميعاً / ونداكم للصادر الوَرَّاد
إنَّ لله فيكم كنز عِلْمٍ / ما له ما بقيتم من نفاد
إنْ حدا هذه القصائد حادٍ / فلها من جميل فِعلك حادي
وعليكم تملي القوافي ثناءً / عطراتِ الأَنفاسِ في كلِّ ناد
وإذا ما أردْتُ مدحَ سواكُم / فكأنِّي اخترطت شوك القتاد
ربحت فيكم تجارة شعري / لا رماها في غيركم بالكساد
أنا في شكركم أروح وأغدو / فأنا الرَّائح الشكورُ الغادي
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا
عادَ الفؤادَ من الجَوى ما عادا / أضحى يَذيلُ له الدُّموعَ ورادا
بل أنتِ قاتلةُ النفوس فربّما / يأبى قتيلك أن يكون مفادى
قولي لطيفك يا سُعادُ يزورني / إنْ سُمْتِ صبَّكِ جفوة وبعادا
هيهات أن يَصِلَ الخيال لمقلة / جَفَتِ الرقاد فما تَملُّ سهادا
ولكمْ أروحُ بِلَوعةٍ أغدو بها / ما راوَحَ القلبَ النسيمُ وغادى
خُذ يا هذيم إليك قلبي إنّه / ملأ الجوانح كلّها إيقادا
واسلُك بصحبك غير ما أنا سالك / فيه ومُلْقٍ للنياق قيادا
حذراً عليك من الصّريم فربّما / قَنَصَتْ لحاظ ظبائه الآسادا
تلك الأحبّة في الغميم ديارها / جاد الغمام ديارها وأجادا
من مثقلاتِ المُزن ألقى رحلَه / فيها وشقّ على الطلول مزادا
يستلّ منه البرقُ بيض سيوفه / منها وما كانت لها أغمادا
ما قادتِ الرّيح الجنوب زمامه / إلاَّ وطاوع أمرها وانقادا
وسقاك دفّاع الحيا من أربُع / لم أخشَ فيها للدّموع نفادا
وقفت بنا فيها المطيُّ فخلتُها / فَقَدتْ لها بالرّقمتين فؤادا
وأبَتْ براحاً عن طوامِس أرْسُمٍ / أضْحَتْ لها ولصَحبِها أقيادا
هل أنتِ ذاكرةٌ وهاج بك الجوى / مرعىً وماءً عندها مِبرادا
واهاً لعيشك بالغُوَير لقد مضى / ورأيتُ بعد نعميه أنكادا
ولقد رأيتُ الدار تُدمي أعيناً / غرقى ويحرق دمعها الأكبادا
فنحرتُ هذا الطرف في عرصاتها / فمدامعي مَثْنًى لها وفُرادى
وسقيتُها بالدمع حتَّى لو سقى / وبلُ الغمام رسومها ما زادا
يا وُرْقُ أين غرام قلبِك من شجٍ / جعل النُّواح لشجوه معتادا
أو تشبهين الصَّبّ عند نُواحه / ولقد بخِلت بمدمعيك وجادا
بلغ البكاء من الشجيّ مراده / منه وما بلغَ الشجيُّ مرادا
فمتى خمودُ النار بين جوانحي / والنّارُ آونةً تكون رمادا
ومسالمات الحادثات وأن أرى / زمني لأمري طائعاً منقادا
أنّى يسالمني الزمان وقد رأى / هِمَمي على حرب الزمان شدادا
وعداوة الأيام ليست تنقضي / والحُرُّ في هذا الزمان مُعادى
لولا جميل أبي الثناء وإنَّه / يولي الجميل ويكرم الوفّادا
قَلْقَلْتُ عن أرضِ العراق ركائبي / وسَكنْتُ غيرك يا بلاد بلادا
هو مورِدي ما لم أرِدْهُ من النّدى / لولاه لم أكُ صادراً وَرّادا
ومطوّقٌ جيدي بنائله الَّذي / ملك الرقاب وطوَّق الأجيادا
متفرّد بالفضل يعرف قدره / من يعرِف الأفراد والآحادا
إن قلت ما بالخافقين نظيره / أوْرَدْتُ فيما قلته أشهادا
هذي البلاد وهذه علماؤها / هل فاخرت بنظيره بغدادا
إن الشريعة أُلبست بجَنابه / تاجاً وألبسه التقى أبرادا
أجداده بَنَتِ العلاءِ وشيَّدَتْ / فبنى على ذاك البناء وشادا
وكأنَّما أقلامُ أنمُلِه غَدَتْ / زُرقاً على أهل العِناد حِدادا
وكأنَّما جُعِلَ الصَّباحُ لِخَطِّه / معنىً ومُسْوَدُّ الظلام مِدادا
نهدي إلى عين القلوب سطوره / نوراً يخال على البياض سوادا
لله فضلك في الوجود فإنَّه / تَركَ البريَّة كلّها حسادا
عزّ النظير لمثل فضلك بينهم / فليطلبوا لك في السما أندادا
لو أنصفوا شكروا مواهب ربّهم / إذ كنتَ للدين القويم عمادا
أحْيَيْتَ عِلْمَ الأنبياء وقد أرى / بوجود ذاتك رجعةً ومعادا
أفْنَيتَ دهرك في اكتساب فضائل / تفري الزمانَ وتُخلق الآبادا
ولأنتَ أجرى السابقين إلى مدىً / ولأنتَ أورى القادحين زنادا
لحِقَتْ مداك اللاحقون فقصَّرتْ / ولو أنها ركبتْ إليك جيادا
ولقد جَرَيْتَ على مذاكي همّة / لا تَسأم الإتهام والإنجادا
ها أنتَ في الإسلام أكبرُ آيةً / لله تمحو الغيَّ والإلحادا
فإذا نطقت فحجَّة مقبولة / أو قلتَ قلتَ من الكلام سدادا
ما أمَّ فضلَك مستفيدٌ في الورى / إلاَّ استفاد فضيلةً وأفادا
لولا ورودُ بحار علمك إذ طمت / لم تعرف الإصدار والإيرادا
ولكم زَرَعْتَ من الجميل مكارماً / لا ترتجي مما زرعت حصادا
ولك الجميل إذا قبلت مدائحاً / أنشدْتُها لكَ مُعلناً إنشادا
فليهنك العيدُ الجديد ولم تَزَلْ / أيّام دهرِك كلَّها أعيادا
ليالينا على الجرعاء عودي
ليالينا على الجرعاء عودي / بماضي العيش للصَّيب العميدِ
بحيث منازلُ الأحباب تزهو / ونظمُ الشمل كالدر النضيد
وفي تلك المنازل لا عداها / حَياً ينهلّ من ذات الرعود
مسارح للمها يسخن فيها / وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود
تعلَّقها هوى قيسٍ لليلى / سوانح ربرب وقطيع غيد
هنالك تفتك اللحظات منها / وتنتسب الرماح إلى القدود
وكم في الحيّ من كبدٍ تَلَظّى / وتَصْلى حَرَّ نيران الخدود
ولما أنْ وقفْت بدار ميٍّ / لذكر الماضيات من العهود
نثرتُ بها دموع العين نثراً / كما انتثر الجُمان من العقود
وللركب المناخ بها حنينٌ / حنينَ الفاقدين على الفقيد
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ / ووشاك الحيا وشي البرود
فأينَ ملاعب الغزلان فيها / وصفو العيش في الزمن الرغيد
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٍّ / فوا ظمأ الفؤاد إلى الورود
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ / على ماء من الوادي برود
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ / وتَشدونا على الغصن الميود
وتُنْشِدُنا الهوى طرباً فنلهو / وتُطْرِبُنا بذياك النشيد
لقد كانت ليالينا بجَمعٍ / مكان الخال من وجنات خود
أبيتُ ومَن أحبُّ وكأس راحٍ / كذَوْب التّبر في الماءِ الجَمود
وقد غنَّت فأعرَبَتِ الأغاني / عن اللّذات من نايٍ وعود
فما مالت إلى الفحشاء نفسٌ / ولا ركنت إلى حسناء رود
وما زالت بي الألحاظُ حتَّى / ألانَتْ هذه الأيام عودي
ولم تملِك يمين الحرص نفسي / ولا ألْوَتْ إلى الأطماع جيدي
وليلٍ قد لبست به دجاه / بأردية من الظلماء سود
لِبيدٍ يَفْرَقُ الخرّيتُ فيها / ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ / فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ / ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو / بسيطَ الماء في البحر المديد
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي / كما يهوي المُصلّي للسجود
فآونةً تكون إلى هبوط / وآونةً تكون إلى صعود
ولولا اليوسُفان لما رمت بي / مراميها إلى خطر مبيد
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها / إلى مَغنى محمدها السعيد
إذا طالعت بهجته أرَتْني / مَطالعُها مطالعَ للسعود
أنامِلُه جداول للعطايا / وبهجته رياضٌ للوفود
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه / بنو الدنيا بقافية شرود
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ / يَمُدُّ إليه راحة مستفيد
ومُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه / مَكانةُ رفعة ومَنالُ جود
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني / وتعنيه المدائح من بعيد
وتأوي كلَّما آوت إليه / ومأواها إلى ركن شديد
فَتىً من عِقدِ ساداتٍ كرام / يتيمةُ ذلك العقد الفريد
نَعِمتَ فتىً من الأشراف خِلاًّ / فيا لله من خِلٍّ ودود
ولولا جودُه والفضلُ منه / كما مَنَّ الوجودُ على وجودي
مناقبُ في المعالي أورِثوها / عن الآباء منهمْ والجدود
أُسودُ مواطن الهيجاء قومٌ / لهُم شَرَفُ العقول على الأُسود
هو الشرف الَّذي يبدو سناه / فيُخْضِعُ كلُّ جبار عنيد
ويخمد نورهم ناراً تلظى / وكان الظنّ آبية الخمود
وما اعترف الجحود بها وفاقاً / ولكنْ لا سبيل إلى الجحود
رفاعيٌّ رفيعُ القدرِ سامٍ / أبيٌّ راغمٌ أنْفَ الحسود
ومُبدي كلِّ مكرمةٍ معيدٌ / فيا لله من مبدٍ معيد
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ / غنيٌّ بالنجاز عن الوعود
وما مَلَكَتْ يداه من طريف / فلم تُضَع الجميلَ ومن تليد
عمودُ المجد من بيت المعالي / وهل بيتُ يقوم بلا عمود
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر / فكنتُ كمن تَيَمَّم بالصعيد
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذن بظلٍّ / يمدُّ ظلال جنات الخلود
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم / أقيّدُ من نداه في قيود
إذا جَرَّدْته عَضباً صقيلاً / وقفتَ من الحديد على حديد
وإن ذكروا له خلقاً وخلقاً / فَقُلْ ما شئت بالخلق الحميد
إليك بعثْتُها أبيات شعر / يَسيرُ بها الرسول مع البريد
كقطرِ المزن يسجم من نمير / وروض المزن يبسم عن ورود
لئِنْ كانت بنو الدنيا قصيداً / فإنّك بينَهُم بيتُ القصيد
مضى سيِّدٌ من غُرِّ أبناء هاشمٍ
مضى سيِّدٌ من غُرِّ أبناء هاشمٍ / فظَلَّ عليه يندب المجدَ سيِّدُ
إلى جنَّة الملوى إلى العفو والرضا / إلى رحمة الله الَّتي تتجدَّد
ولمَّا فقدناه بكينا لفقده / وقد عزَّ من يُبكى عليه ويفقدُ
بكى العلم والمعروف أرِّخ كليهما / لقبر ثوى فيه الأَمين محمدُ
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً / غداةَ هُجِيَتْ في شعر السُّويدي
ويوماً قد ضُرِبْتَ بكلِّ نعلٍ / ثقيلٍ فوق رأسكَ بالجُنَيْد
لقد أصبحتَ للشعراء مرمًى / فكلٌّ قال هذا كلبُ صَيْد
دَعَوْتُ فؤادي للسُّلُوِّ فما أجدى
دَعَوْتُ فؤادي للسُّلُوِّ فما أجدى / وظلَّ يخالُ الغَيَّ في وَجْدِه رُشْدا
وما أنا من سلمى وسعدى بمأربٍ / فلا سَلِمَتْ سلمى ولا سعدت سعدى
أقمتُ بأرضٍ غير أرضي وموطني / وما لي في أفنائها أنيقٌ تحدى
وأنفقتُ أيَّامي على غير طائل / فلا منهلاً عذباً ولا عيشة رغدا
وما اخترطت غير القتاد يدي بها / وغيري جنت من شوكها يده الوردا
تُؤخِّرني الأَيَّام عمَّا أُريده / فلم تكتسب شكراً ولم تكتسب حمدا
وقد قذفتني في البلاد يد النوى / فلم أُبْقِ غوراً ما وطئت ولا نجدا
نَوًى جمعتني بعد حينٍ بأحمد / سأُوسِعُها شكراً وأحمَدها حمدا
من المكرمين الوفد طبعاً وقلَّما / رأيتُ بهذا العصر من يكرم الوفدا
قريب من الحسنى سريٌ إلى النَّدى / وما برحت إذ ذاك أيدٍ له تندى
ومستجمع للجود إمَّا دَعوتَه / دعوت مجيباً قد تهيَّأَ واعتدا
إذا مُدَّتْ الأَيدي إليه أمدَّها / بجدوى يَمين تُورِثُ الأَبحرَ المدَّا
كما أنَّ جدوى كفِّه يُورث الغنى / وقد يُورثُ العلياءَ والعزَّ والمجدا
يلين لعافيه وإنْ كانَ قد قسا / زمانٌ على عافيه بالعسر واشتدَّا
له هممٌ في المعضلات تخالها / كسُمر القنا طعناً وبيض الظبا حدَّا
يجرِّدها في كلِّ أمرٍ حلاحلٍ / يقدّ بهنَّ الخطب يومئذٍ قدَّا
يحلُّ بها عقد الشدائد كلّها / فهل مثله من وُلِّي الحلَّ والعقدا
يرى غاية الغايات وهي خفيَّةٌ / كما قد يرى خيط الصَّباح إذا امتدَّا
يضيء لنا منه شهاب إذا دجا / دُجًى من خطوب في الحوادث واسودَّا
فنحن أُناسٌ لا يشقُّ غبارهم / وأحمرة لا تلحق الضمّر الجردا
وهيهات ما بين الثُّريَّا إلى الثرى / ألا إنَّ فيما بين جمعها بعدا
ترى نفثات السّحر في كلماته / وتجني بأيدي السَّمع من لفظه شهدا
لسانٌ كحدِّ السَّيف أو كجنانه / به مفحم للخصم ألسِنَةً لدا
وها هو في جدِّ الكلام وهزله / يصوغ من الأَلفاظ ما يشبه العقدا
أماناً من الأَيَّام أمسى ولاؤه / يلاحظ وفد الكلّ من يده الرفدا
وها أنا منه حيث طاشت سهامها / لبست به عن كلِّ نائبة سردا
وأشكرُ منه أيدياً تخجل الحيا / ويترك حرَّ القوم إحسانُه عبدا
عليَّ له من فضل قديم ما هو أهله / إليَّ وكم من نعمة منه قد أسدى
سأقضي ولن أقضي له حقّ شكره / وإنْ أعجزَ العبدَ القضاءُ فما أدَّى
وأُهدي ثنائي ما استطعت لمجده / وما غيره عندي لعلياه ما يهدى
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ
لو كنتَ حاضر طرفِهِ وفؤادِهِ / أشْفَقْتَ من زَفَراتِهِ وسُهادِهِ
قد كانَ يرجو أن يلمّ ببرئِه / لو أنَّ طيفك كانَ من عوَّاده
عذَّبتَ طرفي بالسُّهاد ولم تبُت / إلاَّ وطرفك في لذيذ رقاده
ما لي أُعَذِّب في هواكَ حشاشتي / وأذودُ حرَّ القلب عن إبراده
وإذا أخَذْتَ بما يبوحُ به الجوَى / أخذ الجوى إذ ذاك في إيقاده
هذا الغرامُ وما مرادك بعده / ممَّا يحولُ جفاك دون مراده
من كنت أستصفي الحياةَ لقربه / أصْبَحْتُ أرتقبُ الرَّدى لبعاده
أطلقتُ بعدكم الدُّموع وإنْ أكنْ / فيكم أسيرَ الحبّ في أقياده
ولقدْ سَدَدْتُ عن العَذول مسامعي / ورأيتُ أنَّ الرَّأي غير سداده
يا مَن يلوم على الهوى أهل الهوى / كيف اقتناءُ الصَّبر بعد نفاذه
هل أنتَ يومَ البين من شهدائهِ / أم أنتَ يومَ الجزع من أشهاده
مَن ذا يُجيرك من لواحظ سربه / ويفكُّ قلبك من يدي صيَّاده
يا ربع بلّ لك الأوام متيَّمٌ / إنْ جَفَّ ناظره بماءِ فؤاده
حَكَمْت بما حكم الغرامُ بأهلِهِ / آرامُه فقَضَتْ على آساده
وكأَنَّما كانت لذائذنا بها / روضاً جَنَيْتُ الغضّ من أوراده
لم أنسَ عهدكِ يا أُميمة باللّوى / فسقى الغمام العهد صوب عهاده
أيَّام أصطبحُ المراشف عذبةً / ويفوزُ رائد لذَّةٍ بمراده
حيثُ الشَّبابُ قشيبةٌ أبراده / إذ كنتُ أرفلُ منه في أبراده
ومضرَّج الوَجَنات من دمِ عاشقٍ / يسطو بذابل أسْمَرٍ ميَّاده
عاطَيْتُهُ ممَّا يَمُجُّ لُعابُهُ / صَهْباء تكْشِفُ عن صميمِ فؤاده
يصفو بها عيشُ النَّديم كأَنَّما / أخَذَتْ عليه العهد من أنكاده
حتَّى إذا ألقى الظَّلام رداءه / واستلَّ سيف الصُّبح من أغماده
قلتُ اسمحنْ لي ما بخلت بزورةٍ / وهل المحبّ بها على ميعاده
لا ذاقَ ريقك بعد ذلك إنْ صحا / أو كانَ يعثر غيّه برشاده
فَسَدَتْ معاملة الحسان لمَفْرِقٍ / نَزَلَ البياضُ به مكان سواده
وثنى المشيب من الشَّباب عنانه / عن ودِّ زينبه وعشق سعاده
ونفاسة الصّمصام في إفرنده / لا في نفاسة غمده ونجاده
سالمت أيَّامي فقال لي العُلى / إنْ كانَ عاداك الزَّمان فعاده
ولقد يعزُّ على المعالي أنْ ترى / مثلي بهذا الدهر طوع قياده
صافيتُ أخلاقي الأَبيَّة دونه / فلينطو أبداً على أحقاده
وأنا القويُّ على شدائد بطشه / عاندته فرَغِمْتُ أنفَ عناده
وأراه يمكر بي ويحسَبُ أنَّه / يضطرُّني يوماً إلى أوغاده
هيهات قد تربَّت يداك فدون ما / قد رامَ هذا الدهر خرط قتاده
ولمنْ أراد من الأَكارم بغية / ألفى أبا سلمان فوقَ مراده
بأسٌ يذوب له الحديد ونائلٌ / كالعارض المنهلّ في إرفاده
النَّاس مغتنمون في إبراقه / طوراً ومحترزون من إرعاده
مستنزل الإِحسان صادق وعده / ومزلزل الأَركان في إيعاده
حسدت مناقبه الكواكبُ في العُلى / حتَّى رأيت البدر من حسَّاده
أمَّا العيال عليه فهي أماجد / والمجد لا ينفكُّ عن أمجاده
يتطفَّلون على موائد فضله / يتبرَّكون بمائه وبزاده
طرب الشَّمائل كلَّما استجديته / طرب الشّجاع لحربه وجلاده
ولربَّما أجرى اليراعَ فلاحَ لي / بيض الأَيادي من سواد مداده
لله أبلجُ من ذؤابة هاشمٍ / لا زالَ حزبُ الله من أجناده
عقل الحوادث أقْلَعَتْ لهياجها / فكأَنَّها مصفودة بصفاده
لمَ لا يُؤَمَّل للإِغاثة كلّها / من كانَ قطب الغوث من أجداده
لحق الكرام الأَوَّلين ولم يزل / في حَلْبَة النجباء سبق جواده
فكأنَّما انتقب الصَّباح إذا بدا / إقبالهُ منه على وفَّاده
لا تعجبوا لجمال آل محمَّد / نورُ النَّبيّ سرى إلى أولاده
بيتٌ قواعده قواعدُ يَذْبُلٍ / يَتَعَثَّرُ الحدثان في أوتاده
أطواد مجد في العُلى لم ينزلوا / إلاَّ على الشرُفات من أطواده
من كلِّ بحرٍ يستفاض نواله / يا فوزَ من قد راحَ من روَّاده
قد تستمدّ العارفون وإنَّما / استمدادها بالفيض من إمداده
يا أهل ذا البيت الرَّفيع عماده / وانحطَّت الملوان دون عماده
أروي لكم خبر الثناء وطالما / أَوْقَفْت راويه على إسناده
مستعبد الحرّ الكريم بفضله / لا حرَّ في الدُّنيا مع استعباده
شاركت أبناء الرجال بما حَوَتْ / يمناكَ بين طريفه وتلاده
وإذا تفرَّدَ في الزَّمان مهذّب / ألفيتكَ المعدودَ من أفراده
روضي ذوى ولوى الرَّجاء بعوده / فليجر منك الماء في أعواده
يفديك من ملكت يمينُك رقَّه / ورآك ملجأ قصدِهِ ومراده
منع الوصول إلى ذراك بعيده / لا زلت أنْتَ العيد في أعياده
والحظّ يصلد في يديَّ زناده / إنِّي أُعيذُك من صُلود زناده
يا مَن نَعِمْتُ به وأَيَّة نعمة / وسَعِدْتُ بين النَّاس في إسعاده
تاجرت في شعري إليك وإنَّما / نَفَقَ القريض لديك بعد كساده
ومن الكلام إذا نظرتَ جواهرٌ / يجبى إلى مَن كانَ من نقَّاده
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما / اتَّقد البَرْقُ اليماني اتقَدا
كادَ لولا أدمُعي تحرِقُه / زفرةُ الوجدِ بما قد وجدا
عَرَفَ القلب يد العين بها / إنَّ للعينِ على القلبِ يدا
لا أبيتُ اللَّيلَ إلاَّ راعياً / أنجُماً سارتْ على غير حَدا
طال ليلُ الصّبّ حتَّى خِلْتُه / جُعِلَ الليلُ عليه سرمدا
وتحرّوا رشداً عُذَّالُه / ولعَمري ما تحرّوا رشدا
بي حبيبٌ أنا ألقى في الهوى / منه ما ألقاه من كيد العِدى
تطلبُ السُّلوان إلاَّ إنَّ لي / لوعةً قامتْ وصبراً قعدا
ما رمى الرَّامي فؤادي خطأً / منه في الحبِّ ولكن قصدا
يا رعى عهد الهوى إنَّ الهوى / جارَ بالحكمِ عليه واعتدى
خشية الواشين صبٌّ لم يزلْ / يُظهِرُ الدَّمع ويخفي الكمدا
أترى أحبابنا يوم التقى / وجدوا من لوعةٍ ما وجدا
قد وَقَفْنا بعدَهم في ربعِهِم / فبكَيْنا الدَّمع حتَّى نفدا
ثمَّ لمَّا نفد الدَّمع على / طَلَل الربع بكيْنا الجَلَدا
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ / فَشَوَّقها إلى الأطلال وَجْدُ
أمْ ادَّكَرَتْ أحبَّتُها بسلع / فهيَّجها بذات الأثلِ عهد
أراها لا تُفيقُ جوىً ووجداً / وشبَّ بقلبها للشوق وقد
حدا فيها الهوى لديار ميٍّ / فَثَمَّ مسيرُها في البيد وخد
وتَيَّمها صبا نجدٍ غراماً / فما فَعَلَتْ بها سَلْعٌ ونجد
ولي كدموعها عبراتُ جَفْنٍ / لها في وجنتي عكس وطرد
بودِّي أنْ تعيدا لي حديثاً / بأحبابٍ لهم في القلب ودّ
لهم منِّي غرامٌ مستزادٌ / ولي منهم منافرةٌ وصدّ
ضَللْتُ عن التَصَبُّر في هواهم / وعندي أنَّه هديّ ورشد
فأخْلَقَ حبُّهم ثوبَ اصطباري / وثَوْبُ الوَجْد فيهم يُسْتَجدُّ
صَبَوْتُ إليهمُ فاستعْبَدوني / وإنَّ الصَّبَّ للمعشوق عبد
ولي في حيّهم رشَأ غرير / تخاف لحاظَهُ بالفتك أُسْد
إذا ما ماس أزرى بالعوالي / وكم طَعَنَ الجوانحَ منه قَدُّ
وليلٍ بالأُبيرقِ بِتُّ أُسقى / ثناياه ونَقْلي منه خد
يميل بنا التصابي حيث مِلْنا / وأمَّا عيشُنا فيه فرغد
رَكِبْنا من ملاهينا جُموحاً / فنحنُّ عن المسرَّة لا نُردُّ
لَيالي أوْرَثَتْنا حين وَلَّتْ / تَصَعُّدَ زفرةٍ فينا تجدّ
فهل يا سعد تُسْعِدُني فإني / فَقَدْتُ الصَّبر لا لاقاك فقد
وما كلٌّ يُرَجَّى عند خطبٍ / إذا ما خاصَمَ الدهرُ الألدّ
سوى محمود محمود السجايا / فلي من عطفه الركن الأَشدّ
إذا عُدَّتْ خِصالُ كريمِ قومٍ / فأَوَّلُ ما خصائله تعدّ
سروري في الهموم إذا اعترتني / وعيشي الرغد حيث العيش كدّ
بفضل يَمينه وظبا يَدَيْه / يفوز مصاحبٌ ويخيب ضدّ
وفيض علومه للناس جهراً / يدلُّ بأنَّهُ بحرٌ مُمدّ
وقد عَذُبَتْ موارده فأَمسى / لكلِّ النَّاس من صافيه وِرْد
طمى علماً ومكرمةً وجوداً / خضَمٌّ ليس يستقصيه حدّ
فجود لسانه درٌّ ثمينٌ / وجود بنانه كرم ورفد
تَقَلَّدَ صارمَ التقوى همام / له في هيبة الرحمن جند
سَلُوا منه الغوامض في علوم / فما في الكشف أسْرَعَ من يردّ
علومٌ نصْبَ عينيه أَحارَتْ / عقولَ طلابها أنَّى تجدّ
ذكيٌّ ثاقبُ الأَفكار ذهناً / فلم يَصْلد له بالفكر زند
تسائله فيبدي الدّرّ سيلاً / ويُنبي عن حُسام العَضب قدُّ
وكم قد أعْجَزَ الأَغيار ردًّا / بأجوبةٍ لعمرك لا تردّ
إذا كشف الحقائق في كلام / كأَنَّ نظامه في النثر عقد
وجاوَبَ عالِمُ الزَّورا بما لا / تُجاوبُ فيه إيرانٌ وهند
وأَمْسَتْ عندَه الأَغيار خرساً / وبانَ ضلالُهم وأُبينَ رُشْد
لد آتاهُ ربُّك أَيّ فضل / وذلك من إِله العرش وعد
أقامَ شريعةَ الغرَّاء فيه / وشُدَّ به لدين الله عضد
إمامٌ قدوةُ العلماء قرمٌ / لقد جَمَعَ الفضائل وهو فرد
ففي بَحْرينِ إفضالٍ وعلمٍ / يفوزُ بوَفْرها عافٍ ووفد
إليك أبا الثناء أبيتُ أُثْني / وإنْ أَثنى لساني عنك جهد
ومن جُمَل الفروض عليك تتلى / لشكر صنيعك الإِحسان حمد
ليهْنِك سيِّدي عيدٌ سعيدٌ / عليك له مدى الأَعوام عَوْد
وهاكَ من الفقير قصيد شعر / رضاكَ له بها كرم ورفد
أَجِزْ لي في مديحك لي بلثمي / يمينكَ فهو لي أملٌ وقصد
هنيئاً لكم هذا الهناءُ المجدَّدُ
هنيئاً لكم هذا الهناءُ المجدَّدُ / ودام لكم هذا السرور المؤبَّدُ
ونِلْتُم به في كلّ يوم مسرَّةً / يجيء بها في مثل يومكم غد
سرورٌ وأفراحٌ وأنسٌ ولذَّةٌ / وأَعيادُ أعمارٍ بكم تتعدَّد
معاشر قوم ما بهم غير ماجد / ولا فيهم إلاَّ النبيل الممجَّد
إذا وُلدَ المولود منهم لوالدٍ / فللمجد مولودٌ وللمجد يولد
وإنْ زوَّجوه كانَ من صلبه الَّذي / تَقَرُّ به عين العلاء وتسعد
تَزوَّجَ من كانَ الجميل شعاره / جميل له منه نجار ومحتد
وذلك جمعٌ لا تفرُّقَ بعده / وشملٌ مدى الأَيَّام لا يتبدَّد
وعيش صفا رغداً كما تشتهونه / فلا شابه في الدَّهر عيش منكَّد
بأَعراس أيَّام الزَّمان وطيبه / إذا الزهر يسقى والحمام يغرّد
تبسَّم ثغر الأُقحوان لحسنه / وأَينَعَ للنوَّار حدٌّ مورّد
وصفَّقَتِ الأَوراق من طربٍ به / وراح لها بانُ النقا يتأوَّد
وقد لَبِسَتْ فيه الرِّياض ملابساً / مُدَنَّرة منها لجين وعسجد
تعطّر من هذا الرَّبيع نسائماً / عليهنَّ أنفاسُ المصيف توقَّدُ
سقاها الحيا المنهلّ حتَّى كأَنَّه / لئالئ في أسلاكها تتنضَّد
بمثقلة بالودق خلَّت بروقها / لوامع نيران تشبُّ وتخمد
يريني ندى عبد الغني قطارها / على الكبد الحرَّى ألذّ وأبرد
من القوم في مضمار كلِّ أَبِيَّةٍ / أغاروا الفخار المشمخرّ فأَبعدوا
إذا ما هزَزْناه هزَزْنا مهنَّداً / وهيهات منه المشرفيُّ المهنَّد
وإذ أبعد التشبيه منه فإنَّه / على نائبات الدَّهر سيف مجرَّد
ترى جيّد النَّاس الرّديّ بجنبه / وفي النَّاس ما دامت رديٌّ وجيّد
فلا قَدْرَ يدنو قَدْرَه وعلاءه / ولم تَعْلُ في الدُّنيا على يده يد
له السؤْدد الأَعلى على كلّ سؤدد / وما بعد ذاك الفخر فخر وسؤدد
لقد جمع الله المحاسن كلّها / به فهو من بين العوالم مفرد
تفرَّد من بين الورى بجميله / فما شكّ في توحيده اليوم ملحد
وما تجحد الحسَّاد منه فضيلة / وهل تجحد الحسَّاد ما ليس يجحد
تلوذ به بغداد ممَّا يسوؤُها / فمنه لها نعم الدّلاصُ المسرَّد
يقيها سهام النائبات فلم تبل / إذا طاش سهمٌ للخطوب مسدَّد
حماها ولا حامٍ سواه ولا له / سوى الله في كلّ الأُمور مؤيّد
وقام أبو محمود في كلّ موقف / عليه لواء الحمد يُلوى ويعقد
وكم وقعةٍ شبَّت وشبَّ ضرامها / وشابَ لها نصل الظُّبا وهو أَمرد
وقد أنهضَتْه همَّةٌ بلغت به / من المجد ترقى ما تشاء وتصعد
وقد يطأ الأَهوال بالهمَّة الَّتي / لها موطئٌ هام السّماك ومقعد
فأَبدى وقد أَخفى أخو الجبن نفسه / ونالَ شجاع القوم ما كانَ يقصد
أسارير ذاك الوجه والوجه عابس / وأبيض ذاك الفعل واليوم أسود
وأكرومة تحكي وأكرومة عَلَت / يقوم بها هذا الزَّمان ويقعد
تسير بها الرّكبان شرقاً ومغرباً / فذا مُتْهِمٌ فيها وآخر منجد
تناقلها عنك الثّقاتُ روايةً / عن المجد عن علياك تُروى وتُسنَد
أرى مُطْلَقَ الأَمداح من حيث أطلقت / بغيرك يا مولاي لا تتقيَّد
إذا تُليت آثار ذكرك بيننا / نميل كما مالت بنشوان صرخد
يذوق بها التَّالي حلاوةَ ذاكرٍ / من الحمد تتلى كلّ آنٍ وتنشد
فيا باسطاً للنَّاس من فضله يداً / لها جملة الأَحرار إذ ذاك أعبد
فللناس من تلك المناهل منهلٌ / وللناس من تلك الموارد مورد
لك الجود والإِحسان والفضل كلّه / هو الفضل والمعروف والله يشهد
ولست أقول الغيث والغيث مرعد / ولست أقول البحر والبحر مزبد
وما عاقَ دون الجود وعدك نيله / وما لهباتٍ من عطاياك موعد
كأنِّي بمدحي في علاك منجّم / يبيت لأَجرام السموات يرصد
وهل أَكرَه الإِملاقَ أو أَطلب الغنى / ولي منك كنزٌ ولا وربّك ينفد
فلا زلت مسرور الفؤاد بقرَّةٍ / لعينيك ما دامَ الثناء المخلَّد
هما قمرا مجد وإن قلتُ فرقدا / سماءٍ فكلٌّ منهما هو فرقد
تزوَّج زاكي العنصرين بكفوه / وتمَّ بحمْد الله ما كنت تقصد
أَقولُ له لمَّا تزوَّج بالهنا / بملءِ فم الأَقلام حين تردد
تزوَّجتَ فلتهنا هناءً مؤَرَّخاً / وقد سَرَّنا هذا الزَّواج محمّد
شَجَتْني وقد تُشجي الطلولُ الهوامدُ
شَجَتْني وقد تُشجي الطلولُ الهوامدُ / معالمُ أَقْوَتْ بالفضا ومعاهدُ
وأَيْسَرُ وَجْدي أنَّني في عراصها / أُذيبُ عليها القلبَ والقلبُ جامد
وقفتُ بها أستمطرُ العين ماءها / وأَسأَلُ عن سكَّانها وأُناشد
وما انهلَّ وبل الدَّمع حتَّى تأَجَّجت / من الوجد نيران الفؤاد الخوامد
فلا ماء هاتيك المدامع ناضب / ولا حرّ هاتيك الأَضالع خامد
خليليَّ ما لي كلَّما لاحَ بارقٌ / تنبَّه وَجْدي والعيون هواجد
وأُوقِدَ هذا الشوقُ تحت أضالعي / فهل يوقد الشوق المبرّح واقد
فليتَ خيالَ المالكيَّةِ زائري / فأشكو إليه في الهوى ما أُكابد
وعهدي بربع المالكيَّةِ مَصْرَعٌ / إذا خَطَرَتْ فيه الحسان الخرائد
أَحبَّتنا أمَّا الغرام وحَرُّه / فباقٍ وأَمَّا الاصطبار فنافد
وإنِّي لفي عصرٍ أضَرَّ بأهلِه / وأَغْرَبُ شيء فيه خِلٌّ مساعد
وما ضرَّني فقدي به ثروة الغنى / فلا الفضل منحطٌّ ولا النقص صاعد
ترفَّعْتُ عن أشياءَ تُزري بأهْلِها / وما أنا ممَّن دنَّسَتْهُ المفاسد
وإنِّي لِمَنْ يبغي ودادي لطامعٌ / وبالمُعرضِ المُزْوَرِّ عنَّي لزاهد
جَريْتُ بميدان التجارب برهةً / وقد عرَّفتني بالرجال الشدائد
وما النَّاس إلاَّ ما عَرَفْتُ بكشفها / صديقٌ مداجٍ أو عدوٌّ معاند
إذا خانكَ الأدنى الَّذي أنت واثقٌ / به فحريٌّ أنْ تَخونَ الأباعد
أعد نظراً في النَّاس إن كنت ناقداً / فقد يتلافى صحة النقد ناقد
مضى النَّاس والدنيا وقد آل أمرها / إلى غير ما تهوى الكرام الأماجد
وأصبَحْتُ في جيل الفساد ولم يكن / لِيَصْلُحَ هذا الجيل والدهر فاسد
فإنْ عُدَّت الآحاد في الجود والتقى / لقومٍ فعبد الواحد اليوم واحد
يُعدُّ لإيصال الصِّلات محلُّه / وتعمر فيه للصّلاة مساجد
ملابس تقوى الله في البأس دونها / صدور العوالي والسيوف البوارد
جناب مريع يستمد بمدّه / وتلقى إلى ذاك الجناب القلائد
يلوح إذا ما لاح بارق جوده / كما لاح برق في الغمائم راعد
لقد زرع المعروف في كل موطنٍ / وزارعه للحمد والشكر حاصد
يكاد يقول الشعر لولا جميله / لما طال لي باعٌ ولا اشتدّ ساعد
إذا اقترنا شعري وكوكب سعده / وشوهد منا المشتري وعطارد
تَفَتَّحُ أزهارُ الكلام وأشرقَتْ / بآفاق أقطار الفخار فراقد
أُشاهِدُ في النادي أساير وجهه / فأنظر أبهى ما أرى وأشاهد
إذا ما انتمى يوماً لأكرم والدٍ / فبورك مولودٌ وبورك والد
بنفسي رفيع القدر عالٍ محله / تنال الثُّرّيا كفُّه وهو قاعد
له حيث حلّ الأكرمون من العلى / مقامٌ كريمٌ في العُلى ومقاعد
كريم يُنيلُ المستنيلين نَيْلَه / ومن كرم الأخلاق ما هو رافد
فما خاب في تلك المكارم آملٌ / ولا سُرَّ في نعمائه قطُّ حاسد
مناهلُه للظامئين مواردٌ / فلا نَضِبَتْ في الجود تلك الموارد
تُشادُ بيوتُ المجد في مكرماته / وتَرْفَعُ منها ما علاه قواعد
حَثَثْنا إلى ذاك الجناب قلائصاً / لها سائق منها إليه وقائد
وقد صَدَقتْنا بالذي هو أهْلُه / ظُنونٌ بما نرجو به وعقائد
من القوم موصول الجميل بمثله / لنا صِلَةٌ من راحتيه وعائد
وما البرّ والإحسان إلاَّ خلائق / وما الخير في الإنسان إلاَّ عوائد
تدلّ عليه بالثناء أدِلَّةٌ / عليها من الفِعل الجميل شواهد
وأبقى له في الصالحات بواقياً / وإنْ فَنيَ المعروف فالذكر خالد
تروح إليه الآملون وتغتدي / فذا صادر عنه وذياك وارد
ألا بأبي ذاك الهمام الَّذي له / من الله عونٌ في الأمور وحاشد
تُناخ مطايا المعتفين ببابه / ويَنْفُقَ سوقُ الفضل والفضل كاسد
إذا أنا أنْشَدْتُ القريض بمدحه / وَعَتْ أُذُنُ العلياء ما أنا أُناشد
وكم جابتِ الأرضَ البسيطة باسمِهِ / قوافٍ سوارٍ في الثناء شوارد
تُقَلِّدُ جيدَ الدهر منها قلائداً / ويا ربَّ جيدٍ زيَّنَتْه القلائد
وكم نظمت في عقود مدائح / مزاياه في تلك العقود فرائد
رعَيْتَ رعاك الله حقَّ رعايتي / فأفعالُك الغرُّ الجياد محامد
فَدَعْ غير ما تهوى فإنَّك مفلحٌ / وخُذْ بالذي تهوى فإنَّك راشد
وإنك معروف بكلِّ فضيلةٍ / وهلْ يجْحَد الشمس المضيئة جاحد
فيا لك في الأماجد من متفضلٍ / له طارف في الأمجدين وتالد
بَلَغْنا بك الآمال وهي بعيدة / وتمّت لنا فيما نروم المقاصد
فكلُّك يا فخر الكرام مكارمٌ / وكلُّك يا مال العفاة فوائد
شكرتك شكر الروض باكره الحيا / يد المزن تمريها البروق الرواعد
وها أنا حتَّى ينقضي العمر شاكر / لنعماك ما بين البرية حامد
فلا زلت مقصوداً لكلِّ مُؤَمِّل / ولا بَرِحَتْ تُتلى عليك القصائد
سقاها الهوى من راحةِ الوجد صَرْخَدا
سقاها الهوى من راحةِ الوجد صَرْخَدا / وشوَّقها حادي الظعائنِ إذ حَدا
فظلَّتْ تَرامى بين رامة والحمى / وتطوي فيافيها حزوناً وفدفدا
وتشقّها ريحُ الصبا رندَ حاجر / فكادتْ لفرط الوجد أنْ تتَّقدا
ولمَّا بَدَتْ أَعلامُ دار بذي الفضا / أعاد لها الشَّوق القديم كما بدا
فلا تأمن الأَشجان يجذبن قلبها / متى أَتْهَمَ البرقُ اليمانيّ وأنجدا
ويا سعد خذْ بالجزع من أيمنِ اللّوى / لعلِّي أرى فيها على الحبِّ مُسعِدا
وذرها تروِّي بالدموع غليلها / وأنَّى يبلّ الدَّمع من مغرم صدى
تعالج بالتعليل قلباً معذَّباً / وتدمي بوبل الدَّمع طرفاً مسهَّدا
وتنصبُّ مثل السيل في كلِّ مهمهٍ / فتحسبها من شدَّة العزم جلمدا
وبي من هوى ميٍّ وإنْ شطَّ دارها / هوًى يمنع العشَّاق أنْ تتجلَّدا
ولمياء لم تنجز بوعدٍ لمغرم / وهل أَنْجَزَتْ ذات الوشاحين موعدا
إذا ما دنتْ ظمياءُ من سِرْبِ لعلعٍ / أَرَتْنا الرَّدى من مقلة الرِّيم أسودا
أَلَذُّ بها وصلاً وأَشقى بهجرها / ومن عاش بالهجران عاش منكَّدا
وأبلجُ لولا شعره وجبينه / لما كنت أدري ما الضَّلال وما الهُدى
تدينُ قلوب العاشقين لحكمه / على أنَّه قد جار بالحكم واعتدى
فيا عصر ذاك اللَّهو هل أنتَ عائد / ويا ريم ذاك الرّبع روحي لك الفدا
تركتَ بقلبي من هواك لواعجاً / عَصَيْتُ بها ذاك العذولَ المُفَنِّدا
لحا الله من يلحو محبًّا على الهوى / ولا راح إلاَّ بالملام ولا اغتدى
يلوم ويفري بالهوى من يلومُه / وكم جاهلٍ رام الصَّلاح فأفسدا
أَخَذْتُ نصيبي من نعيمٍ ولذَّةٍ / وصادَمْتُ آساداً ولاعبت خرَّدا
فَطَوْراً أراني في المشارق متهماً / وطوراً أتاني في المغارب منجدا
ولا بتُّ أَشكو والخطوب تنوشني / زماناً لأهل الفضل من جملة العدى
ولولا شهاب الدِّين ما اعتزَّ فاضل / ولا نالَ إلاَّ فيه عِزًّا وسؤددا
فتى المجد يغني بالمكارم ما لَه / ويبقي له الذكرَ الجميل مُخلَّدا
إذا فاضَ منه صدرُه ويمينه / فخذ من كلا البحرين درًّا منضَّدا
وما زال يسمو رفعةً وتَفَضُّلاً / ويَجْمَعُ شمل الفضل حتَّى تفرَّدا
رأيت محيَّاه البهيّ ومجدَه / فشاهدت أبهى ما رأيت وأمجدا
فمن ذا يهنّي الوافدين لبابه / بأكرمَ من أعطى وأرشدَ من هدى
وما افترَّ عن دُرِّ الثنايا تبسُّماً / من البِشر حتَّى أمطر الكفّ عسجدا
ومن يكُ أزكى صفوة الله جدّه / فلا غروَ أنْ يزكو نجاراً ومحتدا
فيا بحر فضلٍ ما رأيناك مزبدا / ويا مزن جود ما رأيناك مرعدا
أَيُطلَبُ إلاَّ من مفاخرك العُلى / ويسأل إلاَّ من أَنامِلكَ النَّدى
لقد جئت هذا العصر للناس رحمة / فأصبَحَ ركنُ الدِّين فيك مشيَّدا
وأحْيَيْتَ من أرض العراق علومَه / ولولاك كانَ الأَمر يا سيِّدي سدى
أرى كلّ من يروي ثناءً ومدحةً / ففيك روى حسن السَّجايا وأسندا
لك العزّ حار الواصفون بوصفه / وجلَّت معاني ذاته أن تحدَّدا
إذا ما تجلَّت منك أدنى بلاغةً / تخرُّ لك الأَقلام في الطّرس سجَّدا
وفيك النَّدى والفضل قرَّت عيونه / ولم يكتَحِل إلاَّ بخطّك إثمدا
تَفَقَّدْتَ أربابَ الكمال جميعَهم / ومن عادة السَّادات أن تَتَفقَّدا
وكم نعمةٍ أسدَيْتَها فبَذَلْتها / وصيَّرْتَ أحرار البريَّة أعبدا
ولولاك لم أظْفر بعزٍّ ولا منًى / ولا نلتُ إلاَّ من معاليك مقصدا
أَسودُ إذا ما كنتَ مولايَ في الورى / ومن كنتَ مولاه فلا زالَ سيِّدا
وما زلتَ كهفاً يُستَظَلُّ بظلِّه / كما لم تزل أيديك للنَّاس موردا
ولا زلت ما كرّ الجديدان سالماً / بجدواك يُستَغْنى وفتواكَ يُقتدى
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ / وغدا يعثر في ذَيل الصُّدود
رشأٌ يقتنص الأُسْدَ ومَن / علَّمَ الظبي اقتناصاً للأُسود
بأبي الشادن يرنو طرفه / بلحاظٍ كلحاظ الرِّيم سود
ما أُلاقي من سيوفٍ وقناً / ما أُلاقي من عيونٍ وقدود
ويحَ قلبٍ لَعِبَ الشَّوقُ به / من عيون بابليَّات وجيد
ربَّ طيفٍ من زَرودٍ زارني / فسقى صوبُ الحيا عهدَ زرود
فتذكَّرتُ زماناً مرَّ بي / طرب النشوة مرعيَّ العهود
وبعيد الدَّار في ذاك الحمى / من فؤادي في الهوى غير بعيد
يا دموعي روِّضي الخدَّ ويا / حرَّ نيران الجوى هل من مزيد
أين أيَّامُ الهوى من رامة / يا لياليها رعاك الله عودي
وبكاء المزن في أرجائها / وابتسام الراح عن درٍّ نضيد
قَذَفَتْ أنجُمُها كأسَ الطلا / كلّ شيطانٍ من الهمِّ مريد
فأَدِرْها قهوةً عاديَّةً / عُصِرَت في عهد عادٍ وثمود
أيُّها السَّاقي وَهَبْ لي قُبلةً / هبةً منك بإحسان وجود
أنا لا أَشرَبُها إلاَّ على / أُقحوانِ الثَّغر أو وَرْدِ الخدود
وبفيك المورد العذب الَّذي / أرتوي منه ومن لي بالورود
وبقلبي نارُ خَدَّيْك الَّتي / لم تزل في مهجتي ذات الوقود
من معيد لي زماناً قد مضى / بمذاب التِّبر في الماء الجَمود
دارتِ الأَقداح فيها طَرَباً / من يَدَيْ أَحوى ومن حسناءَ رود
وكأنَّ الكأس في توريدها / قُطِفَتْ واعْتُصِرَتْ من خدِّ خود
في رياض غرَّدت ورقاؤها / بفنون السَّجع منها والنشيد
وغصون البان في ريح الصبا / تنثني بين ركوع وسجود
فسقى تلك المغاني عارضٌ / مستطيرُ البَرقِ مِهدارُ الرُّعود
كانت الجنَّة إلاَّ أنَّها / لم تكن حينئذٍ دار الخلود
في ليالٍ أشْبَهَتْ ظلماؤها / بدخانٍ كانَ من ندٍّ وعود
وكأَنَّ الأَنجُمَ الزّهر بها / أَعيُنٌ من وجدها غير رقود
وكأَنَّ البدرَ فيها مَلِكٌ / حُفَّ بالموكب منها والجنود
وكأَنَّ الصُّبْحَ في إثر الدُّجى / طائرٌ يركض في إثر طريد
رقَّ فيه الجوُّ حتَّى خِلتَه / رقَّةَ القاضي بنا عبد الحميد
لَطُفَتْ أخلاقُه وابْتَهَجَتْ / كابتهاج الرَّوض يزهو بالورود
إنَّ من يأوي إلى أحكامه / إنَّما يأوي إلى ركن شديد
عادلٌ في الحكم يمضي حكمه / بقضاء الرّبّ ما بين العبيد
كلَّما كرَّرْتُ فيه نظراً / رَمَقَتْني منه أَلحاظُ الورود
حجَّتي فيه الأَيادي والنَّدى / وجميل الصّنع بالخلق الحميد
وشهودي من مزاياه ولا / تثبت الحجَّةُ إلاَّ بالشُّهود
قمرٌ في المجد يكسوه السَّنا / شرف الآباء منه والجدود
وافرُ الجود يدا آملِهِ / إنَّما تغرف من بحرٍ مديد
ذو نوالٍ مستباح نيلُه / من مُنيلٍ ومراد لمريد
عالم فيه لنا فائدة / فجزى الله مفيد المستفيد
أَلمعيٌّ ناظرٌ في بَصَرٍ / في خوافي غامضِ الأَمر حديد
وبما في ذاته من هِمَمٍ / كلّما تُرْهَفُ أَزْرَتْ بالحديد
شَرَحَتْ معنى معاليه لنا / فهيَ لا تخفى على غير البليد
وأَرَتْنا منه في أَقرانه / مُفْرداً يغني عن الجمع العديد
شرعةُ الدِّين ومنهاج الهُدى / قائمٌ بالقسط مجريُّ الحدود
حاملٌ للحقِّ سيفاً خاضعٌ / لمضاه كلُّ جبَّار عنيد
يُرتجى أو يُختشى في حدِّه / مُؤْنِسُ الوعد وإيحاش الوعيد
وَعَدَتْني منه آمالي به / فوَفَتْ لي بعد حَوْلٍ بالوعود
فحمِدْتُ الله لما أنْ بدا / طالعاً كالبدر في برج السعود
عاد للمنصب قاضٍ لم يزل / كلّ يومٍ هو في عيد سعيد
وبفضل الله يعلو مجده / فتعالى الله ذو العرش المجيد
يا عماد المجد في المجد ويا / دُرَّة التَّاج ويا بيت القصيد
دمتَ في العالم عطرياً الشذا / دائمَ النعمة مَكبوتَ الحسود
يا لك الله فتًى من مُبدِئٍ / بالندى والفضل فينا ومعيد
وقوافيَّ الَّتي أُنشِدُها / نُظِمتْ في مدحه نظم العقود
أَطلَقَتْ فيه لساني أَنعُمٌ / قيَّدَتْني من عُلاه بقيود
أَنا لولا صيِّبٌ من سَيْبِه / ما ارتوى غُصْني ولا أَورَقَ عودي
بَلَغْتُمْ كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ
بَلَغْتُمْ كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ / فبُورِكْتُمُ أَولاد أَكرمِ والدِ
إذا ما دعيتم دَعوة المجد كلّها / أَقَمْتم على دعواكم ألفَ شاهد
وقُمتمْ إليها رُتبةً تَبْتَغُونها / فما قائم يبغي العلاءَ كقاعد
على أنَّها فيكُم لَديكم وراثةٌ / وما هي في زيد وبكر وخالد
كَنَزْتُمْ من الفِعل الجميل صنائعاً / وقد تنفدُ الدُّنيا وليسَ بنافد
وما زالت الدُّنيا بحُسن صنيعكم / مقلَّدة أعناقها بالقلائد
أَرَدْتُم صلاح النَّاس بعد فسادها / وبالصَّارم الهنديّ إصلاح فاسد
فأَجَّجْتم ناراً تسعَّر جمرُها / ولكنْ بحدِّ المرهفات البوارد
تسلُّونها في الخطب في كلّ شدَّةٍ / ألا إنَّها معروفةٌ بالشَّدائد
وما فات قصدٌ من جسور على الرَّدى / بعيد مناط الهمّ جمّ المقاصد
تولَّيْتَ إصلاح الرَّعيَّة بينهم / وقد أَوْسع الطّغيان خرق المفاسد
وقلَّمتَ أظفارَ الطّغاة وسُسْتَهم / بأَبيضَ حاد الزيغ عن كلّ حاسد
ولولاك ظلَّت في المجرَّة أهلُها / تُناشُ بأَيدي اللّوى قلبُ الأَوابد
أَعَدْتَ لنا أيَّام فهدٍ وبندرٍ / ومِن قَبْلها أيَّام عيسى وماجد
وأَضحكتَ سنَّ المجد بعد بكائه / طويلاً على أجداثِ تلك الأَماجد
ومِنْ بعدِ ما كانتْ أُمورٌ وأَقلَعَتْ / تَذوبُ لها إذ ذاك صمُّ الجلامد
إذا ذكرت ثار الغرام وهيَّجتْ / كوامنَ نيرانِ القلوبِ الخوامد
وهلْ يُفلِحُ القومُ الذين تسُوسُهم / بنو الجهل في عارٍ من الحلم فاقد
وما كلُّ من ساسَ الرعيَّة ساسَها / ولا كلّ من قاد الجيوش بقائد
تَوَلَّيتها والطَّعنُ بالطَّعن يلتقي / وأخذ المنايا واحداً بعد واحد
فما بين مقتولٍ وما بين قاتلٍ / وما بين مطرودٍ وما بين طارد
وقد نَزَغَ الشَّيطان إذ ذاك بينهم / إذ النَّاس فوضى لا تدين لواحد
فأَرْشَدْتَهم للخير حتَّى تركتَهم / يقولون إنَّ الرُّشْدَ فعل ابن راشد
عفَوْتَ بها عمَّا جنة ذو قرابة / رماك بسهم القطع رمي الأَباعد
ورحت وما في صدرك الحقد كامن / على حاقد جهلاً عليك وواجد
وقلت لمن يطوي على المكر كشحه / دع الزِّيف لا تنفقه في سوق ناقد
وما سادَ في قومٍ حقودٍ عليهم / ولا حيزت النعماء يوماً لحاسد
فأَسْهَرْتَ عين الخطّ والخطّ ساهر / وما أَنتَ عن ثار العدوّ براقد
أخو الحزم من يخشى شماتة كاشح / ولا زال مشحوذاً غرار الحدائد
ولا يطأ الأرضَ الفسيحةَ بقعةً / إذا اتَّصلت فيها حبال المكائد
لك الله منصورٌ لك الله ناصرٌ / وحسبُك من حزب معين مساعد
وَثَبْتَ وثوبَ اللَّيث تستفرس المنى / وما كنت عنها منذُ كنتَ بلابد
وساعدَك المقدور فيها وربَّما / سعى قبلَ ما تسعى لنيل المقاصد
ومن لم تساعده العناية لم يكنْ / له ساعد يشتدُّ عن لين ساعد
لقد صُلْتَ حتَّى كانَ أوَّلُ قائم / لسيفك يوم الرَّوع أوَّلَ ساجد
وجُدْتَ وأَعطَيْتَ المكارم حقَّها / برغمٍ على أنف الحسود المعاند
فأَرغمتَ آنافاً وأَكبتَّ حُسَّداً / فأكرمْ وصلْ واقطعْ وقرَّبْ وباعد
وما فيكم إلاَّ طموح إلى العُلى / جموحٌ إلى مجد طريف وتالد
عقائدنا فيكم كما تشتهونها / وكلٌّ بكم منَّا صحيح العقائد
فلم نَرَ في إحسانكم غير شاكر / مليٍّ بما يملي لسان المحامد
عرفناكم فيمن سواكم وهكذا / يكون امتياز الشَّيء عند التضادد
ومن جرَّب الأَيَّام والنَّاس غيركم / رنا نحوهم لكن بناظر زاهد
وإنَّك ممَّن يَشْفع البأس بالنَّدى / ويُقبل بالبشرى على كلّ وافد
وقد كانَ تأسيس الأَوائل فيكم / فشَيَّدوا على تأسيس تلك القواعد
لئنْ كنتَ أَفْنَيْتَ الحُطام فإنَّما / حظيت على بيتٍ من الذكر خالد
وُعِدْتُ بك الجدوى إذا زرت والغنى / ولم يُخلفِ الميعادَ نوءُ العوائد
فزُرْتَ فحيَّى الله طلعة زائر / تعود على وفَّادها بالفوائد
وأَقبلتَ إقبالَ الغمام ببارق / بصَوبِ النوال المستهلّ وراعد
فما احتجْتُ بعد السَّيل شرعة وارد / ولا احتجتُ بعد الرَّوض ندًى لرائد
بلَغْتُ بكَ الآمال حتَّى كفيتَني / ركوبَ المطايا واجتياب الفدافد
ويا رُبَّ يومٍ مثل وجهك ضاحك / عَرَضْنا على علياك غُرَّ القصائد
وأمَّا نداكَ العَذْب ما إنْ وَرَدْتُه / على كبدي الحرَّى فأعذب بارد
مَلكْتُم على أمري فؤادي ومِقْوَلي / وأَصبحَ فيكم غائبي مثل شاهدي
رَفَعْتُم مناري بعد خفضٍ ورشْتمُ / جناحي وأمْلأْتُمْ فمي بالغرائد
وأطْلَقْتُموني من وثاقٍ خصاصة / فلا غَرْوَ إنْ قيَّدتُ فيكم شواردي
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ / أما لي حصَّةٌ في ماءِ وَرْدِكْ
وإنَّك قَدْ وعدت به فقل لي / متى يا سيِّدي إنجازُ وَعْدِكْ
لمَنْ أيْنُقٌ يا سَعْدُ تُرْقِلُ أو تخدي
لمَنْ أيْنُقٌ يا سَعْدُ تُرْقِلُ أو تخدي / تُغَوّرُ في غَوْر وتُنْجِدُ في نَجْد
حَوَانٍ كأمثال القسيِّ سهامها / أَعاريب ترمي بالسّرى غرض القصد
لهم فتكاتُ البيض والبيض شُرَّعٌ / بأَغبر من وقع الحوادث مسوَدّ
صَوادٍ إلى وِرْد المنون وما لهم / من العِزِّ إلاَّ كلّ صافية الوِرْد
جحاجحةٌ شمُّ العرانين هُتَّفٌ / بكلّ بعيد الغور ملتهب الزّند
على مثل معوجّ الحنايا ضوامر / طَوَيْنَ الفيافي كيف ما شئن بالأَيدي
أقولُ لحاديها رُوَيْدَك إنَّها / بقايا عظام قد تعقَّفن بالجلد
زجرت المطايا غير وانٍ فسرْ بها / على ضعفها لا بالذميل ولا الوخد
أَلَسْتَ تراها في رسومٍ دوارسٍ / لها وقفة المأسور قُيّد في قيد
وما ذاك إلاَّ من غرامٍ تُجِنُّه / وما كانَ أنْ يَخْفى عليك بما تبدي
وإلاّ فما بال المطِيّ يروعُها / رسيسُ جوًى يعدو وداءُ هوًى يُعدي
وشامَتْ وميض البرق ليلاً فراعَها / سنا البارق النجيّ وقداً على وقد
وعاودها ذكر الغَميم فأصْبحَتْ / تلوذُ بماد الدَّمع من حرقة الوجد
فَسِيقَ إليها الشَّوقُ من كلّ وجهةٍ / وليس لها في ذلك الشوق من بُدِّ
وقد فارقت من بعد لمياءَ أوجهاً / يسيل لها دمع العيون على الخدِّ
وساءَ زمانٌ بعد أنْ سرّها بهم / فماذا يلاقي الحرُّ في الزَّمن الوغد
ويوشك أن تقضِي أسًى وتلهُّفاً / على فائت لا يستمالُ إلى الردّ
سقى الله من عينيَّ أَكناف حاجر / إذا هي تستجدي السَّحاب فما تجدي
ورَعياً لأيَّام مضتْ في عِراصِها / تُؤَلِّفُ بين الظبْي والأسَدِ الوَرْدِ
قَضَيْنا بها اللّذّات حتَّى تصرَّمَتْ / وكنَّا ولا نظم الجمان من العقد
سلامٌ على تلك الدِّيار وإنْ عَفَتْ / منازلُ أَحبابي وعَهْدُ بني ودِّي
فمن مبلغٌ عنِّي الأَحبَّةَ أنَّني / حليف الهوى فيهم على القرب والبعد
ذكرتُهُم والوجدُ في القلب كامن / عليهم كمُونَ النَّار في الحجر الصّلد
فهل ذكروا عهد الهوى يوم قَوَّضوا / وهل عَلموا أنِّي مقيمٌ على العهد
وما اكتحلت عينايَ بالغمض بعدهم / كما اكتحلت بالغمض أعينهم بعدي
وما رُحْتُ أشكو لو حَظِيتُ بقربهم / زماناً رماني بالقطيعة والصّدِّ
أما وعليّ القَدْر وهي أليَّةٌ / رَفَعْتُ بها قدري وشدتُ بها مجدي
لقد سدَّ ما بيني وبين خطوبه / فهل كانَ ذو القرنين في ذلك السّدِّ
أراني أسارير الزَّمان إذا بدا / وأَقبلَ إقبالَ الكريم على الوفد
ومنه متى حانت إليَّ التفاتَةٌ / فلا نحسَ للأيَّام في نظر السّعد
كريمٌ إذا استعطفت نائِلَ بِرِّهِ / وقد يعطف المولى الكريم على العبد
إذا شاءَ في الدُّنيا أراني بفضله / مشافهة ما قيل في جنَّة الخلد
وأَمَّنني إلى جَدواه يهدي عفاته / ولا ينكر المعروف بالقائم المَهدي
يلوحُ عليه نور آل محمَّد / كما لاح إفرندٌ من الصَّارم الهندي
يكاد يدلُّ النَّاسَ ضوءُ جبينه / على النسَب المرفوع والحسب المعدي
نتيجة آباءٍ كرامٍ أئمَّةٍ / هُداةٍ بأمر الله تهدي إلى الرُّشد
رُبُوا في جحور المجد حتَّى ترعرعوا / وفوق جياد الخيل والضمَّرِ الجُرْد
فلي فيهم عقد الولاء وكيف لا / ولم يخلقوا إلاَّ أَولي الحلّ والعقد
إذا ما أتى في هل أتى بعض وصفهم / قرأتُ على أجداثهم سورة الحمد
على أنَّني فيهم ربيبٌ وإنَّني / أعيشُ بجدواهم من المهد للَّحد
وما أَنا في بغدادَ لولا جميلهم / لدى منهلي عذبٍ ولا عيشة رغد
فبُورك من لا زالَ يُورثني الغنى / وذكَّرني أيَّام داود ذي الأَيدي
وهب أنَّه البحرُ الخضَمُّ لآملٍ / فهل وَقَفَتْ منه العقولُ على حدّ
له بارق الغيث المُلِثّ وما له / لعمر أبيك الخير جلجلة الرَّعد
وما أشبَهَتْكَ المرسَلات بوبلها / بما لك من جدوًى وما لك من رفد
أغَظْتُ بك الحُسَّاد حتَّى وَجَدْتَني / ملأتُ بها صدرَ الزَّمان من الحقد
سلِمْتَ أبا سلمان للناس كلّها / ولا رُوِّعَتْ منكَ البريَّة في فقد
ولا حُرِمَ الرَّاجون فيما تُنيله / مكارم تُسْتَحلى مذاقتُها عندي
فداؤك نفسي والأَنام بأَسرها / وما أنا من يفديك من بينهم وحدي
لتعلو على الأَشراف أبناء هاشم / وتقضي على علاّتها إرَبَ المجد
وما زلتَ مرَّ السّخط مسْتَعْذَبَ النَّدى / فآونةً تُجدي وآونة تردي
كأَنَّك شمسٌ في السَّماء وإنَّما / بضُرّ ضياء الشَّمس بالحَدَقِ الرُّمدِ
شَهِدتُ بأن لا ربَّ غيره / وأنَّ ندى كفَّيك أحلى من الشهد
لقد عادك العيد المبارك بالهنا / فبشّرته من بعد ذلك بالعَوْد
إليك فمُهديها إليك قوافياً / محاسن تروى لا عن القدّ والنَّهد
ربيب أياديك الَّتي يستَميحها / وشاعرك المعروف بالهزل والجدّ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025