المجموع : 29
هلمّ إلى ذوق طعم الأدب
هلمّ إلى ذوق طعم الأدب / هلمّ إلى نيل أقصى الأرب
هلمّ إلى ذا الغناء الذي / منيرة منه أتت بالعجب
أليست منيرة في عصرنا / مليكة فنّ غناء العرب
ولا غرو أن ملّكت ي الغنا / ء وأن أحرزت فيه أعلى الرتب
فقد أدركته على رسلها / ونالت أقاصيه من كثب
وأيّدها اللّه من صوتها / بأكبر عون وأقوى سبب
أرى فمها صيغ من حكمةٍ / وأبخسه أن أقل من ذهب
تلوح فتبتزّ بدر الدجى / وتشدو فيعتزّ فنّ الأدب
بلحن إذا امتدّ هزّ القلو / ب وخدّر أبداننا والعصب
ترفوف أرواحنا تحته / كما رفرف الطير لما انقلب
وتخفق أحشاؤنا دونه / كما خفقت في الرياح العذب
نكاد إذا هي غنّت نطي / ر إليها بأجنحة من طرب
وإن هي قامت لانشادنا / جثونا لها وثنَينا الركب
فلو سمع القوم ألحانها / لشقّوا عمائمهم والجبب
أرى الهم يتعب قلب الفتى / وعنه الأغاني تزيل التعب
فبادر إليها ولا تكترِث / لما جاء من ذمّها في الكتب
إليك ما شاهدت عيني من العجب
إليك ما شاهدت عيني من العجب / في مسرح ماج بين الجدّ واللعب
خافوا به أن تقوم الأسد واثبةً / حتى بنَوا حاجزاً فيه من الخشب
وحصّنوه من الأعلى بمشتبك / من الحبال جديل غير منقضب
به الأسود تمطَى في مرابضها / والنمر يخطر بين الخوف والغضب
والذئب يبصر جدي المعز مقتربا / منه فيرجع عنه غير مقترب
أما الكلاب فجاءت وهي كاسيةٌ / يرقصن منتصباً في أثر منتصب
قامت على أرجلٍ تمشي معلّمةً / مشي المليحة في ابرادها القشب
تخشى مؤدّبها والصولجان له / في الكفّ فرقعةٌ كالرعد في السحب
ترنو إليه بعين الخوف فاعلةً / ما كان يصدر من أمرٍ ومن طلب
خضعن للسوط حتى أن أعقدها / لو يأمر السوط يغدو مرسل الذنب
وكانت الأسد تجري في اطاعتها / مجرى الكلاب بحكم الخوف والرهب
كأنما الليث لم يخلق أخا ظفر / محدّد الناب قذّافاً إلى العطب
شاهدته مشهداً بدعاً علمت به / أن الغرائز لم تطبع على الشغب
وأن خبث البرايا في طبائعها / لا بدّ فيه سوى الإطباع من سبب
وأن ليث الشرى ما صيغ مفترساً / لكن أحالته فرّاساً يد السغب
وكم من الناس من فد راح مندفعاً / بدافع الجوع نحو القتل والسلب
وإن تربية الإنسان يرجعه / أكسيرها وهو من تربٍ إلى الذهب
هذا إذا حسنت أما إذا قبحت / فالمندليّ بها يمسي من الحطب
فكل ما هو في الإنسان مكتسبٌ / فلا تقل فيه شئ غير مكتسب
إني أرى أسوأ الآباء تربية / للإبن أحرى بأن يدعى أعقّ أب
والمرء كالنبت ينمو حسب تبته / وليس ينبت نبع منبت الغرب
من عاش في الوسط الزاكي زكا خلقاً / حتى علا فيالمعالي أرفع الرتب
فاحرص على أدب تحيا النفوس به / فإنما قيمة الإنسان بالأدب
من جور مصر على العروبة أنها
من جور مصر على العروبة أنها / تتعمّد التمصير في آدابها
وتحيد عن آداب كلّ قبيلة / لم تنتحلها مصر في أنسابها
فترى بمصر تعصباً لأديبها / متحكّم النزغات في أعصابها
فأذكر أولي الآداب من غير الألى / في مصر يغضب منك أهل جنابها
وأشد بَمن في غير مصر منّوهاً / ما أن ترى فيها لقولك آبها
تحفى بمنشدها القريب وتدّعي / أن لن يكون له البعيد مشابها
فالشاعر المصري فيها فاضل / وسواه مفضول وأن يك نابها
وكأنما أمست مواهب ربّنا / مقصورة فيها على كتّابها
هذا لعمر اللَّه جور عدّه / من فرط ضلّتها اولو ألبابها
آداب كل معاشر كعلومهم / جلّت عن الأوطان في استنسابها
للعلم والآداب في كل الورى / دار محرّمة أجافة بابها
من أين كانت مصر في أقباطها / كمواطن الأعراب في أعرابها
أبت الجزيرة أن يفوق هزارها / صرد زقى في مصر زَقيَ غرابها
وقفت عليكنّ قلبي الذي
وقفت عليكنّ قلبي الذي / يمرّ به الحبّ مرّ السحاب
ومنكنّ أحببت هاتي وذي / وألفَيت عذباَ بكنّ العذاب
فمنكنّ بيضاء ما مثلها / عدا حمرة الخدّ إلا القمر
فتلك التي طاب لي وصلها / كما ليلة البدر طاب السمر
ومنكنّ حمراء جذّابةْ / حكى وجهها الشمس عند الطلوع
أرى عينها وهي خلاّبة / فأمسك بالكفّ منّي الضلوع
ومنكنّ صفراء في لونها / كأن قد تردّت شعاع الأصيل
إذا ما تمشّت على هونها / أصحّت هبوب النسيم العليل
ومنكنّ سمراء تحكي الدمى / وتبعث في القلب مَيت الهوى
على شفتَيها يلوح اللمى / فيضرم في الصبّ نار الجوى
ومنكنّ من هي مثل الرياح / لها في ذرى كل قلب هبوب
تريد غلاب جميع الملاح / وتبغي عذاب جميع القلوب
ومنكنّ من هي مثل النجوم / من البعد ناظرةً تبتسم
فتلك عليها فؤادي يحوم / وتلك إليها الردى أقتحم
ففيكنّ طرّاً بوادي الهوى / أهيم وأن لم تعد عائده
ألا أن حبّاً بقلبي انطوى / كثير فلم تكفه واحده
سمعت شعراً للعندليب
سمعت شعراً للعندليب / تلاه فوق الغصن الرطيب
إذ قال نفسي نفس رفيعه / لم تهو إلا حسن الطبيعة
عشقت منها حسن الربيع / أحسن بذاك الحسن البديع
فالعيش عندي فوق الغصون / لا في قصور ولا حصون
أطير فيها لفرط وجدي / من غصن ورد لغصن ورد
وفي فروع الأشجار بيتي / فالظل فوقي والزهر تحتي
فسل نسيم الأسحار عنّي / كم هزّ عطف الأغصان لحني
وسل يشدوي زهر الرياض / أني بحكم الأزهار راض
فكم زهور لِما أفوه / أصغت وقالت لا فضّ فوه
يا قوم إني خلقت حرّاً / لم أرض إلا الفضا مقرّا
فإن أردتم أن تؤنسوني / ففي المباني لا تحبسوني
وإن أردتم أن تنطقوني / فأطلقوني فأطلقوني
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب / تريش إلى قلبي سهام المعاطب
وربّ كعاب أقبلت في غلائل / وقد لاح لي منها حليّ الترائب
لها جيد ظبيٍ واعتدال وشيجة / وعين مهاة وائتلاق الكواكب
ولا عيب فيها غير أن أولي الهوى / ينادونها في الحسن بنت العجائب
نضت عن محيّاها النقاب عشيّةً / فأسفر صبح الحسن من كل جانب
ومذ نشرت سود الذوائب أولجت / نهار محيّاها يليل الذوائب
تناسب فيها الحسن حتى رأيتها / تفوق الدمى في حسن ذاك التناسب
مفتّرة الأجفان تدمي بلحظها / قلوب أسود مدميات الكتائب
فلم أنسها واللهّ يوم تعّرضت / لنا بين هاتيك الظباء السوارب
وما كنت أدري ما الصبابة قبلها / ولاهمت يوماً في الحسان الكواعب
فأصبحت فيها ذا غرام ولوعة / ووجد وتهيام وهمّ مواظب
وما الصبر إلاّ غائب غير حاضر / وما الشوق إلا حاضر غير غائب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب / وحتّام نار البين في القلب تلهب
أبيتولي وجد يشبّ ضرامه / ودمع له في عارضيّ تصّبب
وهل لمشوق خانه الصبر عنكم / سوى دمعه فهو الدواء المجرّب
ألا أن يوماً جرّد البين سيفه / علي به يوم شديج عصبصب
فيا ليت شعري هل أفوز برؤيتي / محيّاً له كل المحاسن تنسب
وعينيك لا أسلوك أو يصبح السها / وشمس الضحا في ضوئه تتحجّب
فإني كما شاء الهوى بك مغرم / وأنت كما شاء الجمال محّبب
أحنّ إلى رؤياكم كلما سرى / نسيم وأبكي كلما لاح كوكب
وأذكركم للشمس عند طلوعها / ويعزب عني الصبر أيّان تغرب
لقد بان صبري يوم بينك إذ قضى / به صرف دهر لم يزل يتقلّب
تبصّر خليلي في الزمان فهل ترى / صفا فيه من وقع الشوائب مشرب
ومن نظر الدنيا وجرّب أهلها / رأى الغدر من أشداقّها يتحلّب
أتى من مصر طلعتها بن حرب
أتى من مصر طلعتها بن حرب / فأهلاً بالمذلَل كل صعب
وأهلاً بالذي اتخذته مصر / لدفع ملمّة ولقرع خطب
هو الرجل الذي في مصر قامت / له همم تنفّس كل كَرب
تعهّد بالمساعي الغر مصراً / فبدّل جدب تربتها بخصب
أحبّ بلاده فسمعت منها / له شكر الحبيبة للمحبّ
لقد شاهدت مبتهجاً بعيني / له في مصر آثاراً كبارا
ففي الكُبرىَ له متحرّكات / تخلّد في البلاد له الفخارا
معامل مارست غزلاً ونسجاً / فأغنت في صناعتها الديارا
وفي الأسكندرية باخرات / له في البحر تبتدر السفارا
وأما بنك مصر فذاك أمر / به قد جلّ طلعة أن يباري
إذا ما مصر في المال استقلّت / فلا تخشى التأخّر في السياسه
فإن المال أكبر ما يرجى / به نيل السيادة والرياسه
إذا ما الشعب كان أسير فقر / فما تجدي السياسة والحماسة
أيصبح في سياسته طليقاً / أسير أوجب الفقر احتباسه
ولكن من سعى سعيَ ابن حرب / فقد نال السيادة بالكياسة
رجال النيل حُيّيتم رجالاً / بما للعرب فيكم من سمات
بكم طرب الفرات وقال جهراً / لوادي النيل إنك من لداتي
كلانا جاريان على سهول / بأبناء العروبة آهلات
كلانا في الأخاء لنا مواضٍ / ضّمِنّ لنا النجاح بكل آت
وتجمعنا جوامع كبريات / وأكبرهنّ سيّدة اللغات
لقد زرناكم قبلاً فكنُا / على نشز التجلّة والكرامه
فمن بيت يمدّ به سماط / ومن وجه تضيء به ابتسامه
وما هذا لعمر الحق منكم / ببدع بل لكم فيه استقامه
وما زرناكم لكبير ملك / ولكن للأخوّة والشهامه
ألا فلتحي مصر فنحن نرجو / لكم فيها السعادة والسلامه
وكم في مصر من بطل همام / يسير بها على خطوات سعد
وكم راقٍ بها في جوّ علم / ليستهدي بأنجمه ويهدي
وكم ساع لها بخطا ابن حرب / ليسعدها بما يغني ويجدي
ولكن ابن حرب في دجاها / كبدر الأفق حلّ ببرح سعد
فكيف تكون مصر في اِسار / وفيها اليوم من يحمي ويفدي
متى تنقاد للعرب الليالي / فتفتر عن نوازلها النوازي
وترجعهم إلى ما كان قبلاً / لهم من دولة ومن اعتزاز
فيمسوا في العراق على أتحاد / ومصر والشآم وفي الحجاز
هنالك يضحك المجد ابتهاجاً / ويمسي الحق منصلت الجراز
ألا فلتسعدن بفؤاد مصرٌ / كما بغداد قد سعدت بغازي
تصور حدائق في بهجة
تصور حدائق في بهجة / تروق وفي نضرة تعجب
ترقرقُ فيها مياه العلوم / جداول تجري ولا تنضب
وهبّ عليها نسيم الفنون / يروح ويغدو بها يلعب
فأضحت وأرض كمالاتها / بنبت الحقائق تعشوشب
وأمست وأن ثمار العلاء / لأشجار عرفانها تنسب
وطار الفخار بأرجائها / بلابل تغريدها مطرب
فللمجد وجه طليق بها / وللسعد ثغر بها أشنب
غذاء النفوس وطب العقول / وحفظ الجسوم بها يطلب
فتلك إذا ما تصوّرتها / جليّاً لعمري هي المكتب